وردا عوديشو
الحوار المتمدن-العدد: 2675 - 2009 / 6 / 12 - 05:43
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
العراق الذي نجهل تأريخ ميلاده لانه ببساطة ولد قبل التدوين وان كنا نخمّن على الاقل اليوم والشهر الذي ولد فيه وهو 1/7 تيمناً بميلاد معظم أبنائه، هذا العراق لا يزال يختزل الصراع الازلي بين الخير والشر في كل ميادينه. من يتصفح التأريخ والاحداث والمآسي التي حلت بالعراق وبموضوعية يرى ذلك جلياً، وعليه فان تأريخ العراق نموذج حي او مدخل رائع لفهم ثقافة الغزو منذ سقوط دولته الوطنية في عام 612 ق.م ولحد اليوم!. فبعد أن وحّد العراق القديم الملك سركون الأكدي، سقطت وريثته الدولة الآشورية ولم تستقر وحدة البلاد منذ ذلك الزمن البعيد! إذ لم يحكم العراق أهله الأصلاء بل حكمه غرباء جاءوا بغالبيتهم من خارجه!!.
أما اليوم فيتحكم بالعراق عقليتان : كردية وعربية .. وكأن البقية ليست عقليات بل أرجل تحركها رؤوس العقليتين حسب أجندتهما!!. العقلية العربية في العراق قبلت اخيراً ونتيجة تراكمات وعبر عديدة ان يرأسها ويدير دفة أمورها سياسياً على الاقل رجل غيرعربي. ربما لا يعزو ذلك الى النضوج الوطني الذي وصل اليه العقل العربي في العراق، الا بحكم الواقع الذي بدأ يحتل موقعاً في إدراكه والذي فرضه الغرب المعروف عبر التأريخ بانه جلب الخير للعراق بعكس الشرق الذي جلب ولم يزل كل الشر للعراق!! (يبدو أن القيادة الكردية بدأت تدرك هذه الحقيقة). وربما يعزو الى الشرخ الموجود في الجدار العربي العراقي المبتلي بالصراع الازلي بين الطموح الشيعي في تزعم ولو جزء من العالم الاسلامي وبين التشبث السني بما دشّنه الحضور العربي على واقع الاسلام المدون قرآنه بلغته، حيث لا زال الكرد العراقيون مثلاً يبتهلون إلى ربهم عربياً!!.
هل افلح الكرد في ان ينفذوا من هذا الجدار المتصدع ويؤسسوا عقلية قادمة لإدارة عراق فدرالي تعددي ومن ضمنه اقليمه؟ وهل ان التجربة العراقية في العاصمة بغداد يجب تطبيقها على ما سواها بشرط ان تكون نقية خالية من ترسباتها الاثنية والدينية والمذهبية. وهذا الانعطاف في العقلية العربية العراقية هي سيمهد الى إنضاج العقلية الكردية في قبولها برأس غير كردي يدير دفة امور أقليمها؟ هل سيهضم الغرور الكردي هذه المسألة ويحصل في اربيل من نضوج وإنفتاح مثلما حصل في بغداد. هل سيقبل الكرد ان يرأس أقليم كردستان مثلاً رجل آشوري او لنقل تركماني إذا كان دين الاول يبرر رجحان كفة الثاني؟ كما فعل العرب في بغداد عندما اقتنعوا بكردي ليرأسهم!. ربما سيقول البعض ان الخصوصية الكردية ليست كرديفتها العربية، بدليل ان الخصوصية الكردية لم يتمكن احد اقصد من القوميات الحية الراسخة في واقع الاقليم ومصالحه من اختراقها كما اخترقت القومية العربية الحاكمة في بغداد، أو أن الخصوصية الكردية لم تختبر جيداً بعد. هل سيبقى دور بغداد في العقلية العراقية الموروثة هي القراءة الجاهزة او تطبيق الاليات المطبوخة في عقول غيرها والتي تأتيها حصراً من الغرب عندما تتأزم؟!.
التطرف قومياً كان ام دينياً ام مذهبياً ام لغوياً ام سياسياً لا يجلب لصاحبه غير الاذلال والسقوط ان عاجلاً او آجلاً وساحة الفردوس (الجندي المجهول سابقا) تشهد على ذلك.
ولما كانت الشوفينية العربية قد استفادت من اخطائها بدليل رضوخ بغداد لمنطق الحياة الذي لا يستقيم الا بوجود الاخر. فهل ستنحو المنحى نفسه الشوفينية الكردية؟ التي لا تحترم بل تتضايق من العراقي غير الكردي عندما يتكلم بالعربية مثلاً في أقليمها العراقي حسب تأكيدها!. علماً ان مسألة اللغة تافهة في تقييم إنسانية الانسان وحقه في اختيارها ليعبر عن ما يختلج في دواخله!. العربية لغة وطنية اولاً وتقترب رويداً رويداً نحو العالمية، على الاقل كإحدى اللغات المعتمدة في الأمم المتحدة، والكردية لغة اقليم في وطن، أليس الوطن ارفع من الاقليم؟ وأولى باللغة الرسمية الوطنية الاولى؟ هل ان عبارة "سنتري بازاري" التي تزين علامات المرور الدلالية (هاتو وجوو: جاءَ وراحَ) أكثر وطنية من "مركز المدينة" مثلاً، و"ميسل" اكثر آشورية من موصل ، و"سيق" اكثر تعبيراً عن إقتصاد السوق؟.
هل نسيت القومية الكردية تحالفها في عام 1963 مع الشوفينية العربية لقتل الوطنية العراقية الفتية؟ هل يعقل ان يتحالف حزب ذو ميول قومية مع حزب ذو ميول شوفينية عنصرية؟ وللاسف الشديد فان الخطأ الفادح الذي ارتكبه الكورد بالتعاون مع البعث قبل حوالي نصف قرن، يكرره بعض الاحزاب الآشورية ذات النوايا القومية مع البعث نفسه والشوفينية عينها لكن بثوب جديد تلبسه الموصل الحدباء تحديداً.
أنها تساؤلات قلقة يبررها الواقع المعاش في أقليم كردستان الذي يضم أكثر من قومية وإن كانت الكردية هي المهيمنة لكن العراق أيضاً يتشكل من قوميات وإثنيات مختلفة والقومية العربية لا زالت هي المهيمنة، فأي الهيمنتين أكثر إنصافاً للآخر المختلف، وأكثر ديمقراطية ومصداقية لمستقبل العراق؟.
#وردا_عوديشو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟