أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين السلطاني - أمرأة الدهليز















المزيد.....

أمرأة الدهليز


حسين السلطاني

الحوار المتمدن-العدد: 2673 - 2009 / 6 / 10 - 04:54
المحور: الادب والفن
    



الى حيدر موسى .. بوصفك رائيا
* * *

في الدهليز ، رأيتُ المرأة غافية وفي يدها وردة حمراء طاعنة في الذبول ،والى جانبها ثلاثة اطفال يتبعثرون فوق امواج السرير ،والظلام الفاقع يشرب حمرة وجوههم ، عدا اسنانهم التي رأيتها تلمع كأنهم يبتسمون لشتات أحلام بعيدة .
كان طلاء سطح الدهليز يسّاقط عناكب وحشرات منخورة تضيع في أخاديد الأغطية وفي قبضات آياديهم النحيفة والمرتخية .
قبل هبوطي لهذا المكان تسمعتُ وقع حوافر وهمهمات لخيول بلا أعنة تطأه ، فجأة هدأ كل شيىء عدا ساعة الجدار التي توقفت فارجة ساقيها على اكبر اتساع دون ان تنقطع تكتكاتها التي ظلت تتوالى مسرعة كدقات قلب لشخص قطع الاميال راكضا ليتخلص من عصابة كلاب متآخية .
خرجت ابحث عن الاحصنة ، ذهبت قدما بأتجاه الاسطبل فهالني ما رأيت ! كانت الأحصنة بلا سيقان ، تزحف فوق بقايا القش بعيون دامعة ،رأيت هذا وأنا ابعد ما أكون عن التامل ، كنت أسترق نظرة سريعة لا تخلو من مكر فوهات البنادق
* * *
في آخر غيباتي في قيعان الصنوبر ، لدغني البعوض وعظتني زواحف الصحراء ورمقتني الافاعي منتصبة على أذنابها وبنى الغبار فوق جلدي قشرة صلدة كلما قشرتها او حككتها حط مكانها غبار جديد ، وقلبي يحدثني إن ثمة سيقان قوية بدأت تنمو لاحصنة تركتها تزحف على بطونها ، فغذذت السير مسرعا قبل ان تدك بحوافرها عالم الدهليز ، بيد إني تأخرت ،إذ ما إن أبلغ جسرا حتى أجده قد انهار متأثرا بقوة انحدار الطمي وسرعة جريان ماء النهر ، فأهب مجددا للبحث عن جسر آخر ، أسأل السابلة عن مكانه فيقولون ما بالك تبحث عن جسر إذا عبرته بلغت هاوية الهلاك .
أشيح بوجهي متأملا جريان ماء النهر المسرع ، أقرأالتبارق السريع لمويجاته الملتمعة فيبدو مثل بقابا مرايا كَسّرتها مناقير طيور الماء ، انجذب نحو النهر بدافع المتأخر لأبحر سابحا ، بيد إني ما إن ابلغ جرفه حتى أسمع أحشائه الهادرة تتوعدني بالغرق والهلاك فأرتد مذعورا وفارشا بصري على إمتداداته علي أشاهد زورقا فألوح له من بعيد فيهب لنجدتي .
أخيرا انجذبت الى النهر بفوران المتأخر،دسست جسدي بين طيات ماءه وأخذت أجدف بيديَ وقدميَ ، يمتلىء فمي ماء فأدلقه مغمضا عييني ،حالما بلحظة غدت بعيدة جدا تلامس فيها يداي رمل الضفة الاخرى ، أحسست بالأعياء والوهن فأنا لم أعبر نهرا بهذا الترامي في سابق عمري ، عدا تلك السواقي الطفولية التي جفت الآن وغدت اثرا بعد عين ، بدأت يداي تتخبطان وتنثران حبات الماء عاليا ، أمتلئت عيوني رذاذا ولم أك أشاهد الضفة الاخرى التي بدت لي هلاما وسرابا يقترب وينأى ، حاولت الالتفات علني ابصر الضفة التي انطلقت منها لاعرف كم قطعت من صحراء الماء ،لأكتشف عجز رقبتي عن الدوران حتى كدت أضيع في قيعان النهر السحيقة .

* * *
الرصاص يأز ، والاخرون يتخفون مسرعين ،يذوبون في حركة عصفور خائف وأنا اغذ في البحث عن المرأة غير مبال بما يحدث ، ففي لحظات القلق لاتستطيع ان تعامل الرصاص إلا محض ذباب مزعج قد يحط في اية لحظة على رأسك او وجهك او صدرك ،لكن لن يستطيع ان يبتر إحساسك بالضياع أو اليتم ، أو إنك محض كائن فائض تمر في قارعة مكان يكون الناس فيه منشغلين بأمر جلل تجهل كنهه.
عبرت أطواقا وأحجارا وأسلاكا لم تمر بنسياني ذات يوم ، عبرت المدائن المكدسة بأهمال على حافات الطرق ، شققت جموعا ودلفت منعطفات ،رأيت عجلات تزغرد من أعلى رؤسها ،بهرتني أفواهها الملونة إجتزت أنفاقا ودست في برك مياه آسنة ،رأيت إناسا يبتسمون وفتيات خجلات يتوارين في ظلال الجدران ويمشين بخفة ارانب مذعورة ، وأنا أحمل نفسي حملا لبلوغ مكان المرأة ،ربما لاسرق وردتها أو لأهبها وردة جديدة تضفي على الدهليز الكالح رونقا ، ألاعب أرانبها أو أقلع أنياب ذئبتها الواقفة في نوافذ رأسها ، أحملها على ظهر الاحصنة الكسيحة وأفر بها لزاوية بعيدة في قارة الاسطبل ،أرمم نوم صغارها بأحلام مليئة بالسمك وثغاء الحملان .. عساني أفعل ذلك .. أربطها بحروف أسمي أعظ عليها بنواجذ الحاء وقوس السين ومقص الياء وأنفلات النون ... أتبدد فيها تبدد السكران في مهب الوهم وأتدفق في مراميها بحدة الشهود في صلاة روحانية ، ألم بقاياي وأندس فاغرا أعاجيبي ولذائذي ومصائري ونكباتي ،وأنا أتودد ظهرها اللابط في شسوع النشاط ،أو عَلي أنكسر على حوافها تاركا أسمي وتاريخ ميلادي وعمق إنكساراتي في تلاوة اخيرة قرب سريرها المعفر بوفر الطلاء ، أدهن شعرها ببريق المسافات ، وقد نغرق سوية في مياه سراب بعيد ... أدون مفاتنها على مداخل حواسي .. ألهج محتدا بيومي لاقول لها :-
أندككت في الهروب وتوزعني الرعاة رايات ولم يقبلني الملحن منشدا ولا الاوكسترائي عازفا للسكسفون ، عندها اتدرين ماذا فعلت ؟ كنت أتسكع في حواري الشام علني أشاهد الجمال بثياب النوم ... أنهكتني لعبة التخيل ، فأكلي وشربي ونكاحي أتخيلهم في سبات الليالي الباردة ، وعندما أشتاق للمطر يبللني وحدي بينما السماء لاهية عن المطر ، وصلت الاقاصي فتجمد خيالي وبولي وهرّبتُ نحوك فراشات دمي وعصافير شجرتي العائلية ... فهل تأذني لي بالدخول ! يا أول الروح ..يا تلك المطورة في الغبار المتروك ..يا المنسدلة في الترك وأقبية الهجران والنائمة في فراش اهمالي .. متى كبرت أحصنة الردة لتتوجك بتيجان الشوك وتضعك في طقوص الصلب والنار .

* * *

أحط في المكان بريش متسخ ، تسورني روائح الهجرة في غابات الازل ، وقد طفحت على وجهي متاعب الترحال والتغيب اللذيذ في لبائد العشق ورطانات هلاوسي .. الاحصنة خبأت هداياها وسيقانها منتعلةً الزحف على بطونها ولما رأتني بكت من فرط وجودي .. أدرت مفتاح حلمي بعدما عببت خمرتي فألفيت المكان أنيسا يتلألأ في اضواء كاذبة لطالما نسجتها ماكنات خيالي .. أقتربت من المرأة كانت تغط في نوم عميق .. سحبتُ الوردة الذابلة من يدها، كانت أوراقها الحمراء ذابلة ومبقعة بالسواد .. دسست مكانها وردة بيضاء قطفتها من حدائق الانسان البعيد ، أخذ عبيرها يتوضع في المكان .. تململت وتململ معها الاطفال الثلاثة .. طارت حشرات الدهليز الخاوية من بين اخاديد الاغطية وقبضات الايادي ،فتحتْ عينيها أدركتُ إنها كانت نائمة طوال فترة غيابي .. وما ان هممت بتقبيلها حتى اخذت الاحصنة بالصهيل والحمحمات .. فيما ظل يتناهى الى مسامعي أزيز رصاص يقترب .

( انتهت )



#حسين_السلطاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين السلطاني - أمرأة الدهليز