أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وائل مهدي - بعد موتي بيوم














المزيد.....

بعد موتي بيوم


وائل مهدي

الحوار المتمدن-العدد: 2659 - 2009 / 5 / 27 - 09:02
المحور: الادب والفن
    


كنت اراقبهم من الأعالي ، وأُحلِقُ فوقهم كطائر شفاف قد نسجت خلاياه خيوط الهواء .. مخترقاً للاشياء دون إعاقة......آلاف الامتار اصعدها بقفزة بسيطة..و كالظل اهبط بلا جهدٍ او عناء ..
حركتي ليست مقيدة في هذا الافقُ الواسع اللامتناهي الجديد .
ومن تلك الأعالي كنت أنظرُ الى جسدي المتخشِب في الاسفل ، ذلك الشيء المكوَر في الحفرة الضيَقه .. كان ازرق كريه..اما على معالم الوجة ، فلا زالت صرخة الألم الأخيرة تلك ثابتة بوضوح .... (كيف يا ترى سشتهي الديدان وليمة مقززة كهذه....؟) .
أرى اخي يرمي بنفسه داخل الحفرة !! معانقا جثتي الكريهة تلك ..!!(ماهذا؟؟)..الناس يمسكون به ساعين اخراجه .. راجين منه ضبط النفس .. ؟!! ( ماذا يصنع المجنون هذا بنفسه..؟!.)
اهبط من موقعي في الفضاء.. اقف جنبه ..أنظر اليه..( تحول جسمي الجديد الى هالة اميبيه، اصنع بها ما أشاء)..رَبَتُ على كتفهِ..! واذا بيدي تخترق جسده كهواء خفيف..! انه مازل ينتحب...
ابنتي تبكي هناك ايضاً.. اقتربت منها، حاولت مسح وجنتيها المسقَيَة بالدموع كما كنت افعل دوما حين يشتد بها الحزن... ضممتها الى صدري.. عبثا ...!!
_انا مرتاح جداً في حياتي الجديدة.. لا اشكو من شيء..لا تبكين.. فانا سعيد..،.( صماء كانت لا تَسمع ... كيف اسكتها ؟).. اكرر القول ... لا فائده !!

أراهم يهيلون التراب على جسدي.. كنت مبتهجا أُصفِق..احثهم الاسراع..احاول مساعدتهم كالذي يستعجل طم عاره....فلا أستطيع.. لا اريد ان ارى تلك القباحة الممددة هناك..آه.. ما اجمل الخلاص من قيدك يا جسد..!! ( _ اطمروه سريعا ) اصرخ.
اذن لا يستطيع الأحياء ادراك لذة الموت ..!، لذة خلاصهم من السجن.. الجسد ..! إلاَ بعد الممات..!
إنتظرت مراقبا الى ان ملؤا حفرتي بالتراب.. يرشون عليها الماء ايضا.. ( يا لغبائكم..! تسقون جسدي ليخضرَ ويورق؟ ماذا تفعلون..؟ ) ..
أجلس القرفصاء على قبري.. وهم حولي نائحين..حسبتهم حاسدين حريتي الجديدة ، لو لم اكن متأكداً من طيبة سرائر بعضهم.
بأعلى الصوت أصرخ بوجه زوجتي الجاثية جانب القبر .. تهل دموعها و تولول..هذه المسكينة التي احببت ( _ لاتبكيييييين.. لا تبكين.... ان عذابي قد انتهى لا تبكين ..)
ضننتُ بأن الصوت سيصعقهم جراء صرختي القوية .. لكن لم يسمعني احد .. ومستمرون اراهم باداء الطقوس المعتادة ..
اما ذلك الصديق الذي كنت اعرفه الأكثر ادراكاً وتفهُماً حتى الأمس، قد فاجأني هناك حقاً.. كان غبي مثلهم..يبكي.....!! يا لخيبتي فيك.!!
_ انت الآخر مابكَ ..( صرخت باذنه).. ؟، هل نسيت َتَشَُردنا يا عديم الانصاف ؟ نسيت اننا لم نرى يوماً هنيئأ؟.. تبكي على موتي وقد تمنيناه مرارا..؟ ، نسيت الكدح و الاستغلال الذي نستشيط منه دوما في سعينا المحموم ؟ .. انني مرتاح الآن يا هذا .. فلاجوع هنا ... ولا يظلمني احد..
و الآخر أراه ... ذاك الذي سلبني اموالي يوما، كان يبكي بألم مسموع ..لاطما صدره
_ آه.. آه..لفقدك ايها الحبيب..يا رفيق الطفولة، لقد ادميت قلوبنا برحيلك المفاجيء هذا..!!(يالك من دجال لعين انت الاخر..اي مفاجئة هذة يا قليل الوجدان..؟)

حبست الهواء في رأتاي الجديدة..وصحت باعلى صوتي..
_انتم ايها المعذبون الاحياء..يا فيلق البؤس ..ايها الرفاق المُهمَشين بزوايا دنياكم..لا تريحكم إلا القبورهذه،.. صدقوني..ما جدوى وجودي حيا بينكم و انا وانتم في شكوى لا تنتهي من الحال ؟. إنما الموت.. هذه الفلسفة العملاقة ..الطيبه، وجد لينهي مآسينا كما تأكدت منه الآن...و نرمي بالجسد القذر هذا، بالحُفرِ.. كما ترون..و نرتاح الى الابد..ان الموت نهاية هو لحياة النكدِ هذه التي تحيون..خلاصا هو الموت لصراعنا الدائم خلف الرغيف..عانقوا الموت بلا خوف يا رفاق.. لا تبكون .. هنؤني على الخلاص.. وابكوا على حالكم..
( عبثا صراخي .. كانوا لا يسمعون..! )
( اصواتاً من الاعالي تأتي كالأجراص .. ارفع رأسي..أطيافا شفافة كانت تقترب مني..! لهم هيئة الرجال و النساء..! عرفت اخي بينهم )، كان اخي ذو جسما مثل جسمي الجديد.. اول المعانقين وصل اليَ.
_من يكونوا هؤلاء؟ ( سألته )..
_ انهم اجدادنا، .. اقاربنا .. وبعض الاصدقاء.. هكذا قال ... ان بعضهم هنا منذ آلآف السنين..
(طيبين.. تعلوا شفاههم ابتسامات الترحيب ).. امي ايضاً بين الموكب هذا ..! تدور حولي و عيناها تتفحصني ولا تفارقان هيئتي (_ انتي يا شجرة الحنان هنا .. ؟؟ وأرمي بنفسي اليها.)...
اشرت لها الى ابنتي في ألاسفل.._ ترين ابنتي تلك..؟؟ إنها تبكي بلا انقطاع..!! ماذا عساني فاعلٌ لاسكاتها؟؟
_ هل نسيت نفسك ؟ ( تقول ). نسيت كم من الدموع ذرفت بعد موتي؟؟ فلا تتعجل يا بنيَ..ستعتاد حياتك الجديدة هذه بعد حين ، واما ابنتك ستأتيك بلا شك،.. كما أتيتني انت الآن ..............
وبينما كان التعارف قائماً بين الاحبة الجدد..كانت قافلة الاحبة الأحياء تسير في الاسفل، خارجة من المقبرة.. تاركةً أكاليل الزهور على القبر المبلل ..وابنتي.. تلتفت صوب القبر كل خطوتين، وتمسح الدموع.



#وائل_مهدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وزيرنا الوطني ... جدا


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وائل مهدي - بعد موتي بيوم