أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - جعفر درويش - نحو ترميم البيت العراقي/حوار في الاصلاح الديني















المزيد.....



نحو ترميم البيت العراقي/حوار في الاصلاح الديني


جعفر درويش

الحوار المتمدن-العدد: 2657 - 2009 / 5 / 25 - 07:31
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


نحو ترميم البيت العراقي
حوار في الاصلاح الديني
(الحلقة الاولى)

باستثاء عدد محدود جدا من الباحثين، الكثير ممن دعا الى الاصلاح الديني من كتاب ومثقفين ظل مكتفيا بالاشارات ولم يقل شيئا مؤثرا في الساحة الدينية سوى النيل من معتقدات الناس، والحط من ثقافة الجموع الراكدة بدعوى انها ثقافة قطيع، ما اوقف المثقف الديني امام مسؤوليات جسام، تتمثل في واجب التصدي لمجابهة السائد من الركام الثقافي والديني والاجتماعي بعيدا عن سلطة الفقيه، وذلك عبر منهج نقدي اصلاحي، يتنازل فيه عن روح الاستعلاء التي حكمت خطابه منذ قرون، ويتوجه الى ثقافة العامة لتفكيك منظومتها الاستهلاكية الجامدة من خلال مسعى واضح، ودقيق، وبروح مفعمة بالحب الالهي لاعادة رسم الادوار وقراءة العلاقة من جديد ما بين النخبة من رجال دين وساسة ومثقفين من جهة وبين وجماهير العامة من جهة ثانية. ومن مهازل اللحظة الراهنة، ان يتنادى القوم الى توحيد الوطن والمشاركة في بناءه، وهم لايحسنون النظر الى بعضهم الا عبر كوة التاريخ المظلمة، التي ما أطلت يوماً الا على الفتن والحروب، وهذا الاصرار العجيب على العيش في التاريخ، اوقع العقل العراقي الجمعي في مأزق الرؤية المشوشة والخالية من المنطق احياناً، ما جعله على هامش الاحداث دائماً، محكوماً بروح الاستحضار والتأهب للقتال نيابة عن رجال اجتهدوا قبل مئات السنين ولم يصيبوا الحق يوماً، الامر الذي قد يعد امتهاناً لقيمة العقل الانساني الذي كرمه الله سبحانه وتعالى، وجعله علة الوجود وهدف السماء الجميل، الذي تعُمّر به الارض وترتفع فيه المخلوقات عن السفاسف والضحالة.
نعم، الجميع هنا في العراق لديهم مشاكل مع الماضي، واغلب هذه المشاكل اصطبغت بصبغة الدين، فأضفيّ عليها شيء من القداسة، مما عقد العلاقة بين الوطن وتاريخه، ومن اجل ترتيب البيت العراقي من الداخل، والمضي بمحبة الى فضاء المشتركات الوطنية، وتعزيز مسيرة التكامل الانساني لدى عموم العراقيين، ارى ضرورة ان تتصدى النخبة العراقية اليوم، للنهوض بدورها في تعميم ثقافة الحوار، وتظهر مسؤوليتها وتشير الى الخلل بكل شجاعة، وذلك بتحريك ملفات اصلاح وطنية على جميع المستويات الفكرية والدينية والسياسية والاجتماعية وغيرها، عبر حوارات ونقاشات صريحة ومسؤولة تشرع ابوابها على المثقفين والسياسيين ورجال الدين والاكاديميين وغيرهم، كي يتسنى للجميع المساهمة والدفع باتجاه قيام مشروع حقيقي لاصلاح للشأن العراقي0 ورغم ان مهمة كهذه ليست سهلة بل هي رحلة مريرة وشاقة تستدعي الكثير من الدقة في حساب المراحل، والكثير الكثير من التضحية والصبر والأناة، الا انها لابد لها من بداية، وما حسبي في الحوار الذي جرى بيني وبين نخبة من الباحثين العراقيين ، الا محاولة لتأسيس بداية معقولة في مشوار اصلاح وطني تكون المشاركة فيه مفتوحة للجميع وعلى الجميع عبر النقاش والتعاطي مع الملفات الشائكة والحساسة بروح المسؤولية والحرص على الوطن وتقديم مصلحته على ما سواها، وبما اننا في مجتمع غالبيته من المسلمين كالمجتمع العراقي ،ارتأينا ان يكون الحوار في الاصلاح الديني اولا، فكانت هذه الندوة الحوارية مع ثلاثة ممن لمعوا في حقل البحث الديني وخاضوا في كثير من ملفات الخطاب الديني واشكالاته، وهم كل من الكاتب والباحث ( سعدون محسن ضمد ) الباحث ( جمعة عبد مطلك ) والباحث ( محمد البخاري ) فأهلاً بهم .

سعدون محسن ضمد: الخطاب الديني ليس بريئا من العنف،لان الدين شريك بالموروث التاريخي وشريك بالنص.
جمعة عبد الله مطلك: لحظة الامام علي ولحظة ابن رشد ولحظة محمد عبده كان يمكن ان تؤسس لعصراسلامي غيرالذي نكتوي بناره اليوم والبديل هو ان يعمل الناس على انتاج دينهم افقيا.
محمد البخاري: رجوع اوربا الى الدين بعد انفصالها يؤكد ان لا غنى عنه وهو حاجة روحية للانسان.
جعفر درويش :
كثير من الباحثين يرون ان التطرف الديني نتج عن قراءة سلبية ومشوّهة للتاريخ الاسلامي، ولّدت بدورها نزعة عنيفة في السلوك والفكر والآليات، والكثير يرون ان الذي ظهر على سطح المشهد الاسلامي، ليس هو الدين بل هو صورة الدين من خلال التاريخ ويؤكدون على ضرورة الفصل بين مفهومي (تاريخ الدين) و(دين التاريخ)، ونحن هنا إذْ نؤشر هذه الحالة سؤالي هو: هل بالامكان محاصرة هذا الخلل وعزله والحد من تأثيراته وفك التشابك الحاصل بين الدين والتاريخ؟
سعدون محسن ضمد :
شكراً جزيلاً على هذه الحوار وشكراً على الاستضافة، في البداية دعني اشير الى مسألة: ان التطرف في العراق ليس تطرفاً دينياً، او العنف في العراق ليس عنفاً دينياً، صحيح هو ارتدى رداءاً دينياً واخذ ملامح دينية لكنه في الحقيقة ليس دينياً، بل هو تطرف بشري، لان التطرف رافق الانسان بكل مسيرته الحضارية، كل الحضارات الانسانية فيها عنف فيها دماء، وهو ايضاً غير مرتبط بجغرافية محددة اذ رافق الانسان في كل مكان، والامثلة كثيرة، الثورة الفرنسية خاضت في بحر من الدماء، الولايات المتحدة التي هي اليوم عنوان التطور العالمي الحديث وبمقدمة الركب الحضاري البشري الانساني والتاريخي، قامت على اكوام هائلة من الجماجم البشرية، يعني هذه الحضارة من اجل ان تقوم ابادت شعبا كاملا. اذن التطرف بشري وليس دينيا، وفي العراق كذلك التطرف بشري وليس ديني، فالتجربة السياسية الحديثة التي قامت في العراق، قامت من اجل ولادة مشروع دولة حديثة مدنية في العراق، وهناك من عارض هذا المشروع، جهات مختلفة، ايدولوجيات مختلفة ومنها الجهات الدينية، ولكن كل المعترضين عارضوا هذه الدولة تحت الغطاء الديني، حزب البعث عارض،كذلك دول الجوارعارضت ، وهناك من دفع الاموال وغيرها، هذه الجهات رأت إضفاء لباس الدين على المعارضة والعنف في العراق، تنجح المعارضة وتضرب التجربة بالصميم. والان اعود الى المحور الاول الذي طرحه الاستاذ جعفر درويش (علاقة التطرف الديني بالموروث التاريخي) اقول ان الخطاب الديني ليس بريئاً من العنف الذي تحدثنا عنه، لان الدين شريك بالموروث التاريخي وشريك بالنص وكذلك شريك بالتطرف بملاحظة تجربتنا التاريخية الحضارية الاسلامية واعني بها تجربة الفتوحات، هناك من يقرأها انها نوع من انواع الاحتلال، ممارسة العنف ضد الاخر وفرض الثقافة وفرض الرأي اما الحديث عن التطرف في العراق فهو كما قلت موزع على كثير من الجهات والايدولوجيات والدين شريك لهذه الجهات ولكن لا استطيع في هذه الندوة ان احسم او احدد مقدار الشراكة.

جعفر درويش :
شكراً استاذ سعدون، انتقل الى الاستاذ( جمعة عبد الله مطلك) ، بما ان المراقبين اجمعوا على النجاح الذي حققته بعض الجهات السياسية في استقطاب العامة عبر إلباس الخطاب السياسي لبوساً دينياً، برأيك الى اي مدى يمكن حساب النجاح الذي حققته السياسة باستعمالها الدين كغطاء، دون غيره؟
جمعة عبد الله مطلك :
بسم الله الرحمن الرحيم، اولاً دعني اشكرك الاستاذ (جعفر درويش) على هذه الدعوة الطيبة واثني على هذه الندوة وجهودها المثابرة الخلاقة.الحقيقة نحن عندما نخوض في الموضوعات التي تخص الدولة او المجتمع او العنف، عادة ما نفكر بالعقل الغربي ونتحدث باللغة العربية، لان مشكلتنا هي في التعريف وهذه المشكلة هي التي تواجه البحوث النظرية لموضوعات الدولة والمجتمع وغيرها وبالتالي فان الممارسة السياسية دائماً ما تنطوي على عثرات، لضعف اتصال العقل الثقافي بالعقل السياسي وهذه مشكلة مزمنة بالعقل العربي والثقافة العربية. اما اليوم عندما نريد ان نتحدث عن فكرة استغلال الدين في السياسة، لابد لنا ان نحدد ماذا نقصد بالدين، الدين المقصود توصيفاً هو الاسلام، وعن فكرة استغلال السياسيين للدين واستجابة الجماهير لذلك، اقول نحن امام واقع عيان، إذ ذكر الاستاذ جعفر درويش ثقافة القطيع وهذه لفظة شديدة وقاسية لكنها حقيقية، الا ان النظر علمياً والنقاش حول امور كهذه تخص الدين او الاجتماع او التحولات البنيوية الحادثة او المجتمع المدني يجب ان يكون لها مهماز او حاضنة وهي ان تكون مشاريع عمل، والتوالد الذهني للافكار لا يخدم كثيراً الممارسة السياسة ولا التربوية ولا الاجتماعية، وهذا ما هو حاصل الان، اعتقد ان البداية السليمة تكون بتحديد المعنى: الاسلام انبثق مع الدولة ومع الامبراطورية و(بداية الانبثاق) هذه نظرية يجب ان تكون واضحة في المناهج التربوية لكل الفاعلين السياسيين ولكل النخب الثقافية، فنحن امام ازمة لاوصف لها!! اليوم المثقفون والشعراء والسياسيون لايستطيعون لملمة القضية (دعني اسميها قضية) وهذا عائد الى مسألة وصف الدين في مناهج البحث العلمي وفي الدراسات وفي المخيال الجماعي وحتى في التعبير الشعبي، نتكلم عن الدين عندما نربطه بالاصلاح بمعنى غربي، الدين في المعنى الغربي غير الدين في المعنى الشرقي (الاسلامي تحديداً) وغير الدين في المعنى الياباني مثلاً، عقائد الشنتو اليابانية ليست دينا وللمفارقة اليابانيون لايضعون في هوية الاحوال الخاصة بهم صفة الدين، لانهم يعتبرون الشنتو وبعدها البوذية تعليمات وليست تشريعات، اما العرب فقد انبعثوا مرة واحدة بدولة ودين، الدين أنشأ الامبراطورية ولم تنشئ دولة، جاء الدين مع مجد عسكري هائل، الاسلام فتح العالم في اقصر فترة من تاريخ الامبراطوريات الكبرى، وتكونت امبراطورية، انبعث الدين والامبراطورية دون الدولة، وعندما تشكلت هلامات الدول كان لايجوز على مؤسسة دينية يمكن وصفها مثل الكنيسة، يعني مثلا المعتزلة وغيرها من المناهج المعرفية اقصيت وبقيت الاشعرية، التي اعطاها الغزالي هذا البعد الصوفي، بقيت مهيمنة وطاردة لاي تعريف اخر للدين، وعليه، عندما نريد ان نعرف الاسلام اليوم هل يدخل في تعريف الاسلام المتصوفة؟ الجواب كلا، اذن هناك مؤسسة في التعريف...
(مقاطعة)
سعدون محسن ضمد :
اسمح لي استاذ جمعة سؤال للاستيضاح: نحن ليست لدينا مؤسسة مثل الكنيسة، ماذا يكرس هنا (فرق) المؤسسة في المسيحية عنه في الاسلام؟
جمعة عبد الله مطلك :
يكرس الوضوح في البحث، لان مشكلتنا مازالت في التعريفات، مثلاً عندما جاءت فكرة الاصلاح الديني في الغرب، كانت هناك جهة موصوفة ومحددة هي المسيحية، عندما دخلت روما في المسيحية كان عمر روما400سنة وعمر المسيحية 360سنة وكان بينهما مجالً وحيز واضح، الحيز الديني واضح ايضاً، اما نحن فليس لدينا هذا الوضوح، ولعل هناك من يستشهد بالحديث النبوي الشريف (ان اختلاف امتي رحمة) نعم الاختلاف المقصود هنا هو تعدد وجهات النظر، لكن ان نعجز عن وصف وتعريف من هو المسلم فيعني ان هناك امراً غاية في الخطورة وهي مشكلة التعريف وهي العائق الاكبر، مشكلة (الابستمولوجيا) المعرفة الاسلامية المفضية الى تناثر (الانطولوجيات) الوجود الاسلامي، اذن مشكلة المعرفة هي مشكلة وجود، وبالتالي فان ما اعتقده جهداً يبذل في نطاق الاصلاح (فعل التغيير) لايكون عفوياً لماذا؟ لان الافكار وحدها لا تغيرالتاريخ بل هناك ثمة محفزات ودوافع اكبر من الافكار المجردة التي تغير التاريخ مثلاً؟ فشل قوة دينية او سياسية معينة بعد وصولها الى السلطة في تلبية حاجات المجتمع، الشيوعية مثلاً، هناك حديث ان اكبر عملية تحوير في التاريخ تمت في الاتحاد السوفياتي، عندما تحول المجتمع الروسي القيصري الى مجتمع شيوعي، وحقق نجاحات في التصنيع الثقيل والوصول الى الفضاء وغيرها، لكن بعد ذلك سقط الاتحاد السوفياتي سقوطاً مريعاً وانهار وبدا كانه من الرمال، بينما لحظات
الاصلاح الديني بقيت لحد الان في ضمير الدولة الحديثة اي النظام السياسي الغربي. اذن عملية التحوير التي فاجأة علماء الاجتماع وان فكرة البشرية مقبلة على عصر التحوير وان المجتمع القيصري تحول الى مجتمع شيوعي بدت وكأنها وهم، لماذا؟ لانه ليست هناك قوة اجتماعية حاملة لفكرة التحول هذا، ففكرة التحول هي فكرة قسرية، ونحن اليوم نتكلم عن الاصلاح الديني في الاسلام بهذا المعنى اي بمعنى استعادة النموذج الكنسي دون ان تكون لدينا صفة اسلامية تعريفية ثابتة ومحددة نصف فيها ونقول مثلاً : المؤسسة الدينية اخطأت في هذا المجال وانا اقول لك لا ابدً الذي اخطأ هم الشيعة الذي اخطأ السنة او الذي اخطأ الاسماعيلية او الذي اخطأ المعتزلة، مشكلتنا لانستطيع التوصيف عبر تعريفات ثابتة ومحددة، اذن المشكلة الاولى والطريق الاول والخطوة الاولى نحو اصلاح ديني، يرتبط به ونظام الدولة الحديث والاخلاق الشخصية والعنف والنظام التربوي ومضمون النظرة الفلسفية للعالم يبدأ اولاً بالتعريف.... من هو المسلم .
جعفر درويش :
الاستاذ محمد البخاري ما قولك فيما يرى جمعة مطلك انه لايمكن ازالة الغموض عن المشهد الديني الاسلامي، الا اذا نجحنا بتخطي مشكلة التعريفات في النظرية الاسلامية، واكد ان هناك ثمة معنى للدين في الغرب غير المعنى له في الشرق، ما مدى تطابق رؤياك مع الاستاذ مطلك؟
محمد البخاري :
حقيقة ، ليس هناك تطابق، الاستاذ جمعة اشار الى نقطة مهمة، انه داخل الرؤية الكنسية هنالك اوجه نظر مختلفة، فكما يوجد سنة وشيعة ومعتزلة في الاسلام، هنالك ايضاً اوجه نظر مختلفة في الكنيسة كما ان هناك داخل البيت الاسلامي اوجه نظر مختلفة للنص الواحد.. (مقاطعة)
جمعة عبد الله مطلك :
عذراً للمقاطعة استاذ محمد، الذي جعل انبثاق البروستانتية ممكناً هو سهولة وصف الكنيسة، (البروستانتية) اصلاح وهي حديثة والذي جعل الاصلاح ممكناً هو تماسك الكنيسة
محمد البخاري :
طيب، لماذا قاطعت البروستانتية الكنيسة اذن؟

جمعة عبد الله مطلك :
هذه مسألة مصالح
محمد البخاري : اذن التقاطع موجود، ونفس التقاطع في البيت الاسلامي كما ارى موجود في الديانة المسيحية، لكن المهم في هذه المسألة حتى نخرج من خانة التطرف الديني الذي احتكر النص وجعله لمجموعة من رجال الدين وقننوه لانفسهم من خلال نظرة واحدة واقصت كل من يخالفهما، اقول الكنيسة بعد ان اقصيت بحركة التنوير في العالم الغربي، صار هناك المجال مفتوحا ورفع شعار احترم الانسان واحترام حريته الفكرية وتحول هذا الشعار الى سلوك عملي مع ملاحظة ان النص يدعو الى احترام وجهة النظر الاخرى دون اقصائية ودون املاءات والذي جرى في الحضارة الغربية هو استخدام مجال الحرية هذا خارج النص وعندما رجعوا الى الكنيسة مؤخراً وجدوا ان روح النص متطابقة مع ماتسالموا عليه واعتادوه في حرية الفكر والعقيدة وعدم اقصاء الاخر بعيداً عن الاستخدام السيء من قبل الكنيسة وتقمصها لروح النص واسقاطها على الاخرين بشكل ذاتي وانوي لدرجة شوهت التاريخ وجعلت قارئ تاريخ الاديان عندما يجد المذابح التي وقعت بين الكاثوليك البروستانتية ويجد المذابح بين السنة والشيعة، نراه يستحضر الروح السلبية وتنزرع في وجدانه رغبة الغاء الاخر المختلف التي هي غير موجودة في النص الديني ونستطيع ان نلخص من هذا ان الدين التاريخي لم يعد قادراً على تلبية حاجات المجتمع والانسان ولاتوجد بدائل، فكل التوترات الاجتماعية الحاصلة بسبب العطالة وبسبب ضعف البدائل وعدم صلاحيتها خصوصاً اذا ما بقي هذا التشابك الحاصل بين الدين والتاريخ وبقيت هذه الفجوات والالغام داخل المورورث الثقافي ولا يستطيع هذا البديل ان يشكل لنا اي نظام دولي او نظام انساني سليم.
جعفر درويش :
استاذ سعدون من اجل ان نصل الى فضاء ديني متسامح وبلا نزاعات ونؤسس للحظة انسانية مشتركة، هل من الممكن الاتفاق على وجهة نظر واحدة في قراءة النص الديني؟
سعدون وحسن ضمد :
الجواب على هذا السؤال، يتيح لي مراجعة بعض النقاط التي تطرق لها الاخوة الاستاذ جمعة والاستاذ محمد، الفرق الذي تمت الاشارة اليه والاعتراض عليه هو الفرق ما بين التجربة الشرقية بصورة عامة (تجربة دولة ودين) والتجربة الغربية (تجربة دولة ودين)، في رأيي هناك فرقان مهمان، الفرق الاول ان الالهة في التجربة الغربية هو الرب المصلوب (يسوع المسيح) الرب الراسخ حقيقة في اذهان الجماهير المسيحية اليوم هو الرب عيسى المسيح المصلوب لديهم قتل ولدينا غير مقتول، هذا فرق مهم على مستوى استخدامنا لمفهوم الاله ومفهوم الرب، صحيح ان الفرق ليس تاماً حقيقياً لكن هناك فرقاً مابين الرب الذي تقول به التجربة الغربية والرب الحقيقي، واطلعت مؤخراً على تقرير لاحد الكتاب يؤكد فيه ان مقولات (نتشيه) بخصوص موت الرب كان يقصد موت عيسى المسيح وليس بالمعنى المطلق العميق. اما الفرق الثاني بين التجربتين، فهو الفرق على مستوى النص، ياترى النص بالمؤسسة الدينية المسيحية هو نفس النص في الدين الاسلامي؟ اكيد لا، لا على مستوى الحمولة الالهية الغيبية المقدسة ولا على مستوى التفريع والدقة ومعالجة جميع تفاصيل الحياة، على مستوى القدسية، حسب اطلاعي على الاناجيل انها في معظمها سيرة لحياة السيد المسيح ونقلها الحواريون الاتباع، هكذا ذهب وهكذا وقف على الجبل وهكذا اختبره الشيطان وهكذا، والقضية الثانية لا توجد فيه تفريعات كالتي عندنا في النص القراني، القرآن فيه نصوص لها علاقة بالدولة، نصوص لها علاقة بالمجتمع بالتشريعات بالمعايير وبالتالي هناك فرق ثالث بين التجربتين، هو فرق التجربة التاريخية، اذ ان ملابسات الاحداث كشفت ان الكنيسة ضغطت على الجمهور ضغطا غير معقول وغير مبرر وصادف معه وجود وعي اجتماعي مثل صعود طبقات اقتصادية مهمة استطاعت ان تقود الحراك الاجتماعي وتبني الدولة، حتى ان التطور التاريخي وصل الى مرحلة ايجاد الدولة القومية،هذه كلها ملابسات ادت الى نشوء ما نصطلح عليه بالتنوير الغربي، اما نحن فليس بالضرورة نريد ان نطبق ما حصل في الغرب، لان زمام التاريخ والتحكم بالتاريخ ليس بايدينا، ولاتوجد لدينا طبقة وسطى ممكن ان تحمل على عاتقها مهمة تطور البلد اقتصادياً واجتماعياً، المعارضة التي جاءت تقود عملية التطوير وبناء الدولة الحديثة هي الان تفاجئنا على غير ما توقعنا بالنتيجة، فان تطور الاحداث في العراق لايسير وفق رؤانا واحلامنا، التجربة الغربية سارت وليس من الممكن استنساخها ولذلك اتت الارتال العسكرية حتى تطبق التجربة بالعراق فوجئت بملابسات احداث غير ما كانت تتوقع، هذا هو الفارق الثالث، فارق التطور التاريخي. والان دعوني اعود الى اشكالية تأويل النص والى سؤال الاستاذجعفر درويش عن امكانية الوصول الى رؤية مشتركة ومحددة للنص الديني، اقول: المشكلة ليست في النصوص التي تقبل عدة تأويلات وبالتالي هناك تأويل متطرف وتأويل غير متطرف المشكلة في النصوص التي لا تقبل التأويل وذات دلالة واضحة ومباشرة في اللغة العربية، ماذا نصنع؟ هنا اقول : اذا وقف النص على مستوى الدلالة وصار معارضاً ومعيقاً
للتطور، صار لزاماً علينا ان نصل الى قناعة بان ذلك النص يمثل زمن وتجربة تاريخية خاصة، وهذا على الاقل في حالة كان خيار الوصول الى تأويل مشترك للنص غير ممكن.
جعفر درويش :
استاذ جمعة طالما ليس هناك من سبيل الى رؤية مشتركة للنص الديني حسب استاذ سعدون وهو الذي اكد ضرورة احالة النص الديني الذي يشكل عائقا لتطور المجتمع الى العصر الذي نزل به النص، وبما ان لافعال الشعوب من تاريخها، السؤال هل هناك امكانية للاستفادة من التاريخ الاسلامي بدل الهروب منه.
جمعة عبد الله مطلك:
اية عقيدة تخلق نظاما سياسيا اذا ما ارادت البقاء والاستمرار لابد لها ان تقترح ديناميكية داخلية للتغيير والاصلاح، باعتبار الاصلاح سنة في العقائد الدينية والوضعية وجميع العقائد التي لم تتبن هذه السنة، سقطت سريعا مثل النظام الشيوعي في زمن الاتحاد السوفياتي السابق. وهناك محطات مهمة من عمر الشعوب والامم تكون حاسمة في تاريخها في لحظات التحول الكبرى والانبعاث والولادة من جديد، ومن ضمن افضل هذه اللحظات واكثرها بروزا في التاريخ العربي والاسلامي هي في تقديري ثلاث لحظات لحظة الامام علي ولحظة ابن رشد ولحظة محمد عبده.
لحظة الامام علي
شكلت لحظة الامام علي بن ابي طالب بداية مبكرة لعقلانية اسلامية من داخل النص والممارسة وذلك بحكم محورية شخصية(علي) في التنزيل والتأويل، وتجلى ذلك في كل الممارسات السياسية سواء في علاقته بالسلطة كخليفة او مكوثه مستشارا ووزيرا مقدما لدى الخلفاء الراشدين واقرب المواقع اصالة في التعبير عن العقلانية العلوية قوله(ع) لمن عرض عليه الخلافة بعد وفاة الخليفة الثاني عمر بن الخطاب انه يقبلها بشروط القرآن والسنة ورأيه ولم يأخذ بشروط الشيخيين رغم احترامه لهما، لكنه عبر عن اصالة العقلانية التاريخية في لحظة بالغة الخطورة كان يمكن ان تؤسس لعصر اسلامي غير هذا الذي نكتوي بنيران التبسيطية التي انطوى عليها والتقليدية الحرفية التي انتجت ارثذوكسية اسلامية مبكرة ولهذا استطاعت الاموية ان تفرض ظلها على الثقافة والسياسية وتحدد مبكرا طريقا ما زال يلتف حول اعناقنا حتى ساعة هذه الندوة.

لحظة ابن رشد:

ابن رشد اطلق مقولة هي عبارة عن منهج قال: (نحن نقطع قطيعاً) بما توصل اليه البرهان بالدليل العلمي وخالفه ظاهر الشرع فان هذا الظاهر يكون قابل للتاويل. وعبارة يكون هي للاستمرارية، هنا نحن امام تفكير عقلي يفترض ان للشرع ظاهراً وانه يستحيل ان يكون الباطن متعارضاً مع ااحكام العقل، بعد ذلك بسنين طويلة بقرون باتي محمد رشيد رضا يقول ان اي حديث نبوي يخالف العقل يجب ان يحمل علىمجمل الحكاية. نعود الى ابن رشد: المشروع الرشدي كان في الاندلس المغرب العربي وهذه المنطقة من 330 للهجرة الى سنة 550 شهدت اضطرابات هائلة وانقلابات وباتت تصبح على البلاغ رقم واحد وتمسي على البلاغ رقم واحد في يوم واحد عصر ملوك الطوائف والحرب، ويبدو ان فكر ابن رشد في هذا العصر المضطرب لم يستطع ان يجدارضية اجتماعية له وهذه الارضية حاسمة هنا كما اشار استاذ سعدون ، المشروع الفكر في التغيير لا يستطيع ان يجد ارضية اجتماعية له والمثقف لديه حساسية من العامة، وابن رشد نفسه يقول لا يجوز الكلام للعوام بالتاويل لانه يفسدهم ويفسدوه، ثم يقول ان الحياة فطر مختلفة فاصحاب الفطر الفائقة والنظيفة اختصهم الله بهذه الفطر واصحاب الفطر الخاملة مجموعة البائسين والعوام، هؤلاء الذين طردهم ابن رشد من جمهوريته هم جمهور السياسة هم الناخبون في اثناوهم من اعدموا سقراط وهم الذين حاولوا اطلاق سراحه من السجن يعني هم من يمثلون الحراك السياسي، المشروع التنويري لابن رشد واجه هذه المعضلة واقول ابن رشد لا اقصد الشخصية، ابن رشد الاتجاه لانه اذا انطلقنا من مقولة ان الاصلاح الداخلي في اية عقيدة يعتبر ديناميكية وال انتهت نهائياً والا اصبحت كحال المسلمين اليومي تقاتلون وهم ضعفاء تماماً والمشروع الرشدي لم يجد بنية اجتماعية قابلة ان تضعه في المؤسسة والترتيب والعلائق.
لحظة محمد عبده
اما اللحظة الثالثة هي لحظة محمد عبده، يقول محمد عبده ان لا سلطة دينية في الاسلام وهذا في عام 1880 يعتبر شيء خطير، ثم يقول بتحصيل الدين بالعقل وقيد الكثير من الاحكام الشرعية كالزواج باربع وغيرها ودخل بقوة وهو يضمر فكرة ان الامم تخترع في لحظات التحول الكبرى وكان حينها العالم ضعيف والامبراطوريات الكبرى بدأت تهتز والامبراطورية العثمانية تهرأت وكان محمد عبده فيه عودة وعنفوان داخلي يبحث عن حل، في هذه اللحظة كان ممكنا ان ينبثق الاسلام نفسه الذي تكلم عنه الامام علي ، هذا الاسلام الذي يكون فيه القران حمال اوجه ويكون فيه المعارضون السياسيون حاملين لفكر اخر مختلف وبامكانهم الاختلاف معه كالخوارج وغيرهم، محمد عبده قال لاسلطة دينية في الاسلام ولكن لم يلغي الحكومة التي مهمتها كما قال الامام علي وهو يصف مقولة الخوارج بانها كلمة حق يراد بها باطل ( لابد للناس من امام بر فاجر تؤمن به الطرق ويجبى به الخراج).
محمد عبده لم يشترط الحكومة الدينية بل قال بحكومة تقوم بنفس وظائف الخليفة او السلطان وموازنة الخليفة بالسلطان هي علمنة جزئية للاسلام، علمنة للسياسة وليست علمنة للدولة اخيرا اقول استئناف هذه المشاريع اليوم ينبغي ان تكون هذه المعاني واضحة، فامام الاسلام طريقان الان: الطريق الاول ان ؟؟؟ ينفسه بحروب اهلية وهذا هو الحاصل الان، كما حصل في اوربا وانبعث البروستانتية ثم جاءت معاهدة (وستفاليا عام 1648) حتى تعطي السيادة للدولة ثم انفصلت الدولة بسيادتها عن الدين واما ان تكون هذه المعاني تستطيع النفاذ الى الانسان العام بملاحظة ان هناك نخبة لتستطيع ان تتمثل هذه المعاني وتؤثر على الانسان العام وتنمط تفكيره بفكرة القبول بان الدين لله والوطن للجميع وعلى بساطه هذة العبارة فلو نجحت هذه النخبة وتمثلت هذه المعاني فان مشكلة التقييد تصبح مشكلة ثانوية بالقياس الى نظرية المصالح وحيثما تكون المصلحة يكون الشرع والتصحيح عقلياً وليس شرعياً.
جعفر درويش :
استاذ محمد البخاري بالنظر لخطورة الدور الذي تلعبه الطبقة الوسطى في نهوض المجتمعات الطامحة للتغيير، وبالنظر لحاجة المجتمع العراقي الماسة اليوم لجهود هذه الطبقة التي لابد وان تنهض بدورها وعلى كل الصعد، السؤال هل هناك امكانية لظهور هكذا طبقة وتكون متصدية لمعالجة الشأن العراقي وحمل المشروع الاصلاحي او جزء منه على الاقل .
محمد البخاري:
حاليا ضمن قراءتي للنخب لم اجد من يحمل هذا الهم ولا هذا الفكر لاستيعاب الامر، واستيعاب كل مساحات النص. وتعليقا على ما طرحه الاساتذة سعدون وجمعة بخصوص الجانب الكنسي وقضية التعاطي مع النص في تجربة الامام علي، اريد ان أؤكد على مسألة"انسنة النص" وهي تعني تقديم الاولوية لحقوق الانسان حتى في غير السلم، فآية"اقتلوهم حيث ثقفتموهم" رغم ان ظاهرها يدعو الى عملية قتل، الا ان هذ الاية وغيرها من آيات القتال والحرب لا يجوز اقتطاعها من منظومة كاملة متكاملة للتعامل مع الاخر المختلف ولا يمكن اجتزاء
هذه الاية على انها رؤية اسلامية محضة، هناك رؤى مقدمة على جانب الحرب في الاسلام، وهذه البنية الفكرية وازمة هذه البنية في التعاطي مع النص والتفاعل مع الجمهور ونقل هذه الاسس المعرفية الى العامة وجعلها سلوكا يوميا حتى يسود المجتمع نوع من العلاقات التي تنطوي على احترام الذات واحترام الاخر، هذا الخلل مع تأويل النص ينطوي على اشكالية تأويل النص، الاشكالية التي طرحت وآراءها ضمن الرؤية الاسلامية التي طرحها الامام علي كمثال للتجربة انه مع اعتقاده بالحق المطلق ولا يمكن لنا ان نجد نصا ابلغ بالتعبير من قول الامام علي عن الخوارج الذين هم اسوأ نصوصيين واسوأ سلفيين عن انهم"هؤلاء اهلنا بغوا علينا وهم طالبو حق، ومن طلب الحق واخطأه ليس كمن طلب الباطل واصابه" ولم يحرمهم من بيت المال، هذه نصوص لابد ان تقرأ بعيدا عن التفسيرات التاريخية هذا هو علي، قاتل الخوارج لانهم بقوا على المجتمع وتحولوا الى لصوص وقطاع طرق ليس لانهم مخالفون في الدين ثم الاكثر من ذلك ان الامام علي كان يتكلم عن القرآن باعتباره حمال اوجه وهذا ما يترجم او يدلل على ان هناك سيفا بالتعاطي مع الاخر في تأويله للنص فيما اذا كان ضرره الاجتماعي يقع على الاخرين على شكل "تعدي" خارج نطاق التقاطع الفكري ، خصوصا اذا تحول الى سلوك في اقصاء الاخر وسلبه حياته في هذه الحالة يتوجب التعامل معه بالشكل الذي يؤمن مصلحة المجتمع، وعودة الى موضوع "انسنة النص"هذا الموضوع في رأيي أراه جانبا مهما يكشف عن الاولوية والاهمية القصوى التي يعطيها الاسلام في النص القرآني لكرامة الانسان وحقوقه وحريته، ويحكم هذا الجانب الجميع ويسري عليهم، يحكم ابن رشد ومحمد عبده ويحكم جميع المفكرين على المستوى الاسلامي وحتى يسري على النبي الكريم محمد (ص) ونزولا الى جميع من كتب ونظر في الاسلام لان هذا الجانب في النص قدم الانسان كمخلوق وكوجود واعطاه اعتباره في هذا الكون وهذه النظرة لابد ان تكون لها الاولوية قبل اي تأويل او رؤية اخرى، ما بعد هذه الرؤية تترتب على هذا المجال احكام ترتبط بآيات اخرى كأسس معرفة داخل المنظمومة الاسلامية، فلا نستطيع ان نفسر اية ونطبقها على رؤى كاملة وننظر ونؤدلج لها في مسألة الغاء الاخر، كذلك لا يمكن لنا ان نحكم على التجربة الدينية من خلال اية واحدة او آيتين، لان تعدد الجوانب التي عالجتها النصوص القرآنية مثل الجانب الاقتصادي والجانب الاجتماعي والجانب التربوي والجانب الاخلاقي والعبادي كلها مترابطة لا نستطيع فصل حزمة ونترك الباقي وننظر ونؤسس رؤية معرفية خاصة بجانب دون آخر. وهذا الذي نقع فيه دائما على مستوى تأويل النص داخل المنظومة الاسلامية وحتى في الديانات الاخرى فالديانة اليهودية مثلا ايضا فيها اختلافات في الرؤية الموسوية وغيرها وكذلك الكنيسة هي ايضا اختلفت توجهاتها ومذهبياتها،و هذا بسبب رؤية النص الديني بعيدا عن شروطه الاخلاقية التي جاءت بها الاديان ولو نتأمل الغرب او اوروبا بالذات كيف انها تقمصت ولفترة طويلة جانب احترام الذات بعيدا عن الدين وعندما عادت مؤخرا الى الدين لم تجد ثمة مفارقة او تقاطعا بين الدين ورؤيتها في احترام الذات لان التقاطع اصلا ينشأ من تقمص حاكمية النص الديني.
جعفر درويش :
ما معنى عودة الغرب الى الدين؟
جمعةعبد الله مطلك:
نحن قلنا ان الانسان لا يعيش بدون دين لان العلم لا يستطيع مهما اوتي من قدرة على ان يجيب على اسئلة الانسان الكبرى، في الحياة والموت والاخرة والنشور وهذه الاسئلة كلها يجيب عنها الدين وبالتالي محاصرة العلم والرأسمال للانسان بهذه الطريقة ألجأته مرة اخرى الى الدين وهذه القضية ميسورة الفهم ليست صعبة لكنه قد لا يعود الى دين تشريعي مثل ما في الاسلام كما هو موجود الان.
محمد البخاري:
لا يعود الى دين تشريعي داخل الكنيسة لانها تفتقد الى الجانب التشريعي الذي ذكره استاذ سعدون فلو كان النص الانجيلي يحمل المبادئ التي تحاكي الحضارة معرفيا بالنظام الاقتصادي او بالنظام الاجتماعي او التربوي كانوا قد عادوا الى دين تشريعي، اما النص الاسلامي فنجده يحمل هذه المنظومة المتكاملة اخلاقيا ومعرفيا.
جعفر درويش :
هناك من يقول رغم ان النص الاسلامي غني بكل هذه الحمولة المعرفية والاخلاقية الا ان حال المسلمين يرثى له والسبب في المسلمين وليس في النص، هل النص هو الذي يكون جماعة حوله ام الناس هي التي تتبع النص؟
جمعةعبد الله مطلك:
اجابة على هذا السؤال يجعلنا نعود الى فكرة التاريخ والنسبية التاريخية والسببية التاريخية، التحولات الكبرى في التاريخ لا تنمو عفويا، فالاصلاح ليست فكرة في اذهان النخبة وتعود بعد ذلك الى المجتمع، الاصلاح حاجة عن انسداد تاريخي حتى الاصلاح في الاسرة الواحدة ينتج عن انسداد، تضعف طاقات المجتمع او الشعب في التعبير عن نفسها وفي التعبير عن ذاتيتها ثم تخلق فكرة تتلقفها نخبة والفكرة تخلق من داخل الممارسة عبر المستويات الاقتصادية والاجتماعية والقيمية ثم تتلقف النخبة هذا الاحساس وتعيد انتاجه عن طريق المؤسسات والتفاعلات ، اذن الاصلاح ليس مسألة ذهنية تتوالد بين نخبة ونخبة وانما حاجة اجتماعية تسمح الظروف بان تتلقفها النخبة، المشكلة في النخبة العربية الاسلامية ان الشعب او الانسان العام مرتبط بالخيال التاريخي الذي ارتبط بمجد الاسلام العسكري والذي لا يستطيع ان يرى غيره، اليوم لو كنا نحن نريد اصلاحا دينيا والغرب اصبح له مطلب اصلاح ديني اسلامي فكثير من المتطرفين يكتبون في مجلات ويظهرون في فضائيات وغيرها يؤكدون ان لا داعي ان نتعب انفسنا في اصلاح ديني ما دام الغرب هو الذي يصلح، يصنع حكومة في بغداد وحكومة في القاهرة ويدعم ويثبت حكومة في السعودية وغيرها، فلماذا لا يكون الغرب هو الذي يقيم الانظمة السياسية والفكرة الغربية متضمنة فيها لحظات الاصلاح الديني والتنوير وغيرها، اقول رغم ان هكذا افكار فيها شيء من التطرف الا انها دليل على انتحار مفهوم النخبة في الثقافة العربية والاسلامية، لان مفهوم النخبة يعني وجود توسط بين النص وبين الناس، النص الذي هو القرآن الذي هو الحديث والذي هو المعنى العام للوجود او المضمون الفلسفي للوجود هناك توسط بينه وبين الناس، كلما يتعثر الوجود ويتعفن تستطيع هذه النخبة بالحاجة الداخلية للانسان العام ان تعيد انتاج الوجود وهكذا، هذا هو قانون الاصلاح وهذا هو قانون الحداثة وهذه هي الحاجة لما يعد حداثة اليوم.
جعفر درويش :
هناك من يشير الى غياب دور الفقيه بتأسيس مشروع اصلاحي ، ما قولك في ذلك؟
سعدون محسن ضمد:
حقيقة اذا عدنا الى اصل الجدل فعلينا ان نجيب على السؤال التالي، هو اننا متى نحتاج الفقيه؟ نحتاج الفقيه طالما نحن نحتاج الدين القافز المتجاوز للزمن الدين الخاتم، الدين الذي يجب ان يواكب الانسان، صحيح استاذ جمعة فرق بين الدين الانثروبولوجي والدين الاسلامي او المسيحي وانا اتفق معه ولكن المجتمع في رأيي بدأ يصل الى مرحلة يأخذ قراره بان الدين حاجة انسانية واجتماعية وتاريخية لابد منها وان الفقيه امره ضروري ويحتاجه المجتمع ولكن اين؟ مثله مثل الطبيب ، المجتمع يحتاج الفقيه في التشريع الذي له علاقة بالاخلاق وليس له علاقة بالسياسة، بمعنى ان السياسة عندما تريد ان تبنى دولة حديثة، يجب ان يجد الانسان البسيط المسلم الفقير نصا دينيا يلزمه الزاما مقدسا بان يفجر نفسه.
جعفر درويش:
استاذ جمعة، دعوة استاذ سعدون واضحة لفصل الدين عن السياسة، ما تعليقك؟
جمعة:
جدارة الاسلام الحضاري هي في الغاء دور الفقيه، الفقيه دور ينتمي الى مرحلة تاريخية كانت متمركزة في التلقي العمودي- مقاطعة-
سعدون:
ماهو البديل؟
جمعة:
البديل هو ان يعمل الناس على انتاج دينهم افقيا، كل الناس وكل فرد له نصيب من الفقه وكل فرد له نصيب من الاحساس بالفطرة، لكن النخبة هي التي تستطيع ان تتوسط بين هذا المعنى ومعنى اعادة انتاج الدين، لان الفقيه في تكوينه التاريخي كان عبارة عن قصور الناس في فهم المعنى وهذا مرتبط بمجمل الظروف المتعلقة بوصول المعلومات وتبادلها وطريقة الوصول الى الحقيقة والفتوى، الان كل المسلمين تقريبا يعيشون بدرجة معينة من القدرة في التواصل وبالتالي العقل البشري وصل الى رشده، والاسلام لن يكون جديرا وحاملا للمشروع الحضاري دون ان يلغي وظيفة الفقيه، وان يكون جميع المسلمين فقهاء بالمعنى الذي يفهمونه من القرآن، وهنا بالذات يرد القرآن انتماءه للناس كنص مفتوح على الحرية ويكسر الاغتراب الذي حصل بسبب الاحتكام الى التفاسير، لان التفاسير اكبر طامة على القرآن الكريم، القرآن الكريم ملك لجميع المسلمين حتى يرث الله الارض ومن عليها، وبالتالي فلكل مسلم نصيب من القرآن حسب فهمه واجتهاده وبالتالي هذا الحراك الافقي في اعادة انتاج المعنى القرآني والديني سوف يفضي الى علمنة السياسة وليست علمنة للدولة، وعند ذلك اي عندما يكون المواطن العراقي (شبعان) ويقطن ناطحات سحاب ومتزوجا ولديه سيارة عند ذلك لن يكون النص الديني مشكلة ولن يكون سلوك الصحابة مشكلة لكن هذه اسقاطات الحاضر على التاريخ.
جعفر درويش :
اذن ، استاذ محمد البخاري ،هل يمكن الاستغناء عن دور رجل الدين؟


محمد البخاري:
دور رجل الدين لا يستغنى عنه مهما كان دوره او مهما كان مستواه الفكري على مستوى التشخيص الخارجي للمشاريع وتأثيره على المستوى الاجتماعي والاقتصادي و السياسي او حتى الثقافي، لا يمكن الاستغناء عن رجل الدين لملكته الروحية والقدسية في وجدان المخيال الشعبي لا يمكن فصلها نهائيا الا اذا انفصل المجتمع كليا عن الدين، ورجوع اوروبا الى الدين بعد انفصالها يؤكد حاجة الانسان الروحية للدين ولاغنى عنه.
جعفر درويش :
اصدقائي الاعزاء واخيرا ، هل هناك امكانية لتأسيس بداية طريق حقيقية للاصلاح الديني في العراق وقيام مايسمى بالخطوة الاولى بهذا الاتجاه؟
جمعة عبدالله مطلك
الاصلاح الديني يصبح ممكنا اذا تحول الى هاجس عام ، وحائز على مطلبية اجتماعية ، ثم قدرة النخبة على ترجمة تلك المطلبية الى اصلاح،اما في الجهود النظرية اي في دراسة قضية الاصلاح وعلاقتها مع مشكلات الواقع، فاعتقد ان التعريف ومحاولة الوصول الى فهم يملك الحد الادنى من القبول المشترك للمعاني يمثل احد اهم مشكلات البحث العلمي في المسألة، وكمثال على ذلك، ماذا تعني اصوليا او تاريخيا قضية السيادة لله تبارك وتعالى وكيف استخدمت هذه القضية في التشريعات، والاهم من كل هذا كيف فهمها المتعاملون من اصوليين وساسة ومثقفين خلال التاريخ الاسلامي كله، ان كل ذلك يفضي في اجواء الحرية الى اعادة انتاج الاسلام كما اراده الله للعباد دينا للحرية والمسؤولية.
سعدون محسن ضمد
حول امكانية الاصلاح الديني انا اعتقد ان الكلام يجب ان يصب في مدى الحاجة لهذا الاصلاح، فاذا كنا ننطلق من ضرورة بناء الدولة المدنية، ويكون المنطلق للاصلاح والحاجة له هو بناء الدولة المدنية ،دون ان يكون للمؤسسة الدينية حضور بنيوي في داخل النسق السياسي لهذه الدولة ، بمعنى ان يكون الدين مفصولا عن السياسة وعند ذلك تكون عملية الاصلاح ممكنة وغير مكلفة.
محمد البخاري :
لا يمكن الاستغناء عن دور الفقيه في كونه ذا تأثير وجداني على قلوب الناس بعيدا عن الملاكات المعرفية المدنية غير الدينية التي ربما يرى البعض اهمية وجودها في شخصه لكي يكون قراره ملزم للآخرين، وهذا لا يعني صوابية كل ما يراه في المسائل التي تخص الحراك الاجتماعي على جميع الصعد السياسية والعلمية والاقتصادية، بل يكون خاضعا في ادائه لاصحاب الاختصاص المعرفي ولكن يجب ان يلتفت الى ان جميع العمليات التي يحتاجها المجتمع هي بأمس الحاجة الى غطاء اخلاقي لا يمكن الاطمئنان اليه الا من خلال دور الفقيه وليس رجل السياسة او الاقتصاد ما دام هذا الدور محكوما في الجانب الاخلاقي الذي يوجبه النص الاسلامي في التعاطي مع الاخر في احترام انسانية الانسان مهما كانت عقيدته..



#جعفر_درويش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حلم الدولة المدنية
- كراسي المسؤولين
- شعراء الاحزاب
- جسد الدين


المزيد.....




- فيديو صادم التقط في شوارع نيويورك.. شاهد تعرض نساء للكم والص ...
- حرب غزة: أكثر من 34 ألف قتيل فلسطيني و77 ألف جريح ومسؤول في ...
- سموتريتش يرد على المقترح المصري: استسلام كامل لإسرائيل
- مُحاكمة -مليئة بالتساؤلات-، وخيارات متاحة بشأن حصانة ترامب ف ...
- والدا رهينة إسرائيلي-أمريكي يناشدان للتوصل لصفقة إطلاق سراح ...
- بكين تستدعي السفيرة الألمانية لديها بسبب اتهامات للصين بالتج ...
- صور: -غريندايزر- يلتقي بعشاقه في باريس
- خوفا من -السلوك الإدماني-.. تيك توك تعلق ميزة المكافآت في تط ...
- لبيد: إسرائيل ليس لديها ما يكفي من الجنود وعلى نتنياهو الاست ...
- اختبار صعب للإعلام.. محاكمات ستنطلق ضد إسرائيل في كل مكان با ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - جعفر درويش - نحو ترميم البيت العراقي/حوار في الاصلاح الديني