|
جذور الإلحاد(2) تناقضات فكرة اللة
سامح سلامة
الحوار المتمدن-العدد: 2653 - 2009 / 5 / 21 - 09:50
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
***برغم أنهم لا يدركون ما هو معنى أن تكون صفات مثل الجمال والخير والحق مطلقة وكاملة و لانهائية ، لأن الإطلاق والكمال واللانهائية مجرد أفكار عقلية فارغة من المعنى التجريبى الملموس، إلا أنها أفكار أرتضوها وجعلوها تسيطر عليهم برغم أنهم لا يختبرون فى حياتهم الواقعية واليومية إلا كل ما هو نسبى وناقص ومتناهى من أشياء وصفات، ولسيطرة تلك الأفكار التجريدية غير المثبتة عليهم، فإنهم يفترضون أن خالق هذا الواقع ، والمتحكم فيه و الذى يزعمون وجوده على عكس كل مخلوقاته مطلق وكامل و لانهائى فى جميع صفاته. *** وهو بحكم وصفه بالمطلق واللانهائى والكامل لا بد وأن يكون متعالى على الزمن ، أى لا تنطبق عليه قواعد البداية والصيرورة والنهاية ككل ما هو خاضع للزمن، و من ثم لا يمكنه أن يتواجد فى أى زمن ما، هو أو تجلياته من المخلوقات، وهذا التعالى على الزمن يتناقض مع فعل الخلق الذى يرجعونه إليه، لأن فعل الخلق لا يتم إلا فى لحظة فى الزمان، هذه اللحظة تقسم الزمان لما قبلها وما بعدها، فمفهوم السببية الذى يعللون به خلقه للكون يتطلب مفهوم الزمان, حيث الأسباب أو المؤثرات تسبق تأثيراتها أو المسببات زمنيا، فلا معنى للسببية إذن من دون الزمن. فإذا كان الله موجودا خارج الزمن, فاعتباره خالق الكون الذى هو على نقيضه خاضع لمفهوم الزمن هو كلام لا معنى له. ومن هنا تنشأ الحيرة التى تجعل الكثيرين يطلقون أسئلة من نوعية : ماذا كان يفعل الله قبل أن يخلق الكون. ولأنه متعالى على الزمن فهو أزلى أى لا بداية له ، وأبدى أى لا نهاية له، فماذا سوف يفعل اللة بعد أن يفنى الكون؟ إذا كان مقدرا له أن يفنى، ولما كان فعل الخلق هو حادث ، أى لحظة فى مجرى الزمان ، فأنه كى تحدث هذه اللحظة ينبغى عبور الأزلية أولا، أى قطع مقدار لا نهائى من الزمن ! و هى استحالة منطقية واضحة ، لا يحلها إلا أن المادة التى تشكل منها الكون الحالى أزلية وأبدية لا مخلوقة ولا قابلة للفناء. *** بما أنهم يفترضون أن اللة كائن لا مادى مطلق وكامل ولا نهائى، و أنه لذلك لا حدود له ، وبما أنه قبل خلقه للكون المادى لم يكن يوجد سواه ،إذن كان هو وحده فى اللا مكان ، ذلك لأن المكان بابعاده الثلاث الطول والعرض والارتفاع مفهوم نسبى مرتبط بالأشياء المادية، فبدون تلك الأشياء المادية لا يمكن أن نتخيل المكان، فالأشياء المادية فقط هى التى يمكن أن نقيس طولها وعرضها وارتفاعها، ومن ثم نحدد مكانها، وبما أنه نتيحة وجود الكون المادى أصبح هناك مكان ، كان لا يمكن أن نتصور وجود المكان بدونه، فوجود هذا المكان يضع حدا لوجود الله ومكانه. أى يصبح الكون المحدود بالمكان فى مقابل الله اللا محدود فى مكان. ومن أجل أن يتلافوا هذه التناقضات ، يلجأ المؤمنون باللة لفكرة أنه موجود فى كل مكان ، لأنه لا يحده حد،، بما فيها الكون المحدود رغم أن مكونات هذا الكون منفصلة عنه، لأنهم يتمسكون فى نفس الوقت بأن الله مستقل عن أى مكان لأنه خارج الكون،يحتوى الكون و لايحتويه الكون، و هو أكبر من الكون الذى خلقه ، رغم أنه لا طول له و لا عرض و لا ارتفاع طالما نفينا عنه الأبعاد المادية المكانية، باعتباره كائن غير مادى ، فما هو الدليل إذن على أنه يحتوى على ما له طول وعرض وارتفاع، إلا مجرد افتراضات العقل البشرى التعسفية غير القائمة على دليل. ***يفترضون فى خيالهم أن ما وراء خلق كونهم المادى، ووجودهم النسبى والناقص والنهائى والمحدود بزمن ومكان، كائن لا مادى مطلق وكامل و لانهائى و لامحدود بزمن ومكان ، وبرغم ذلك يهتم لأمرهم، ذلك أنهم يضفون عليه صفاتهم الإنسانية بعد تحويلها لكاملة ومطلقة، فبرغم أنهم يصفونه أنه ليس كمثله شىء، إلا أنهم يتخيلون أنه خلق الإنسان على شاكلته ومثاله بكل رغباته واحتياجاته للأشياء، فلأنهم يعانون الاحتياج بحكم نقصهم، فقد جعلوه يحتاج لخلقهم، برغم أنهم ينفون هذا الاحتياج عنه، و السؤال لما خلقهم إن لم يكن يحتاجهم، برغم أنه و بحكم ما أفترضوا فيه من الكمال والإطلاق واللانهائية، ليس بحاجة لشئ أو لأحد غيره مثلما يحتاجون هم للآشياء التى يكملون بها ما هم فيه من نقص واحتياج، فهو لا يريد شئ أو أحد لأنه لا ينقصه هذا الشئ أو الأحد ، فلما أوجد هذا العالم إذن إن لم يكن خلقه لحاجه فى نفسه، و قد أراد هذا وفعل، و لكن المطلق لا يريد لأنه مكتفى بذاته. ***يفترضون فى من خلق الكون أنه خير مطلق لا تشوبه شائبة من شر، وهو كلى القدرة لا يعوقه أى عجز عن تحقيق أى شىء يريده، فإذا كان هو خالق هذا الكون وكل ما فيه من مخلوقات، ومدبر كل ما فيه من حوادث، ومرتب كل ما فيه من علاقات، فما سبب وجود الشر فى العالم ؟ فإما أنه يقدر على أن يمحو الشر ولكنه لا يريد ذلك، فحينئذ هو ليس خيرا مطلقا كما يزعمون، أو هو يريد أن يمحو الشر ولا يقدر على ذلك حينئذ فهو ليس قديرا على كل شىء. أو لا يريد أن يقضى على الشر ولا يقدر على القضاء عليه حينئذ فهو ليس خيرا مطلقا ولا كلى القدرة . لتبقى الحالة التى يدعيها المؤمنون به، يقدر على قهر الشر ويريد ذلك، حينئذ فما سبب وجود الشر فى العالم إذن وما سر استمراره كل هذا الوقت ؟! و لأنهم قد أوقعوا أنفسهم فى ورطة فرضياتهم الخيلية عن اللة، فهم يبررون وجود الشر بأنه لتمييز فائدة الخير عن طريق تذوق الشر، وكأنه ما كان يمكنه أن يوضح لنا تلك الحكمة بدون وجود الشر أصلا باعتبار أنه لا يعجزه شىء.. كما يزعمون بأن الشر دائماً يحمل في باطنه الخير، برغم أن الخالق بصفته أيضاً مطلق القدرة , فإنه كان بإمكانه أن يرينا أوجه الخير دون الحاجة لإرسالها متضمنة بداخل الشر ، ويقولون أن الشر يميز معادن البشر، وماذا سيستفيد الخالق أصلاً من تمييزهم , ألم يكن يعلم من البداية من هو الغث فيهم ومن هو الثمين .. ثم ما الذي حمله أصلاً على أنْ يخلق الغث ثم يجد نفسه مضطراً بعد ذلك لتمييزه من الثمين .. لم يكن هناك داعي أصلاً من خلق الغث من البداية !!، إلا إذا كان يضيع وقته فى العبث. طالما هو يمتلك المعرفة المسبقة إذن فهو مطلع على كل شر قبل أن يوجد ، بل قبل أن يخلق الكائنات جميعا ، لماذا لم يقم بتعديل فكرة الخلق وهندستها قبل التنفيذ إن كان يريد الخير حقا كما يزعمون؟ و أخيرا يقولون أنّ الشر هو من مقتضيات إعطاء الإنسان الحرية،إذن فقد خلق الله الخير المطلق الشر كى يعطى الإنسان الحرية،إذن فاللة هو مصدر الشر نفسه، وبرغم ذلك يزعمون أنه خير مطلق.
#سامح_سلامة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جذور الإلحاد (1)حجج وحجج مضادة
المزيد.....
-
Xiaomi تروّج لساعتها الجديدة
-
خبير مصري يفجر مفاجأة عن حصة مصر المحجوزة في سد النهضة بعد ت
...
-
رئيس مجلس النواب الليبي يرحب بتجديد مهمة البعثة الأممية ويشد
...
-
مصر.. حقيقة إلغاء شرط الحج لمن سبق له أداء الفريضة
-
عبد الملك الحوثي يعلق على -خطة الجنرالات- الإسرائيلية في غزة
...
-
وزير الخارجية الأوكراني يكشف ما طلبه الغرب من زيلينسكي قبل ب
...
-
مخاطر تقلبات الضغط الجوي
-
-حزب الله- اللبناني ينشر ملخصا ميدانيا وتفصيلا دقيقا للوضع ف
...
-
محكمة تونسية تقضي بالسجن أربع سنوات ونصف على صانعة محتوى بته
...
-
-شبهات فساد وتهرب ضريبي وعسكرة-.. النفط العراقي تحت هيمنة ا
...
المزيد.....
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
-
فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال
...
/ إدريس ولد القابلة
المزيد.....
|