|
العشوائيات السكنية
عمر البحرة
الحوار المتمدن-العدد: 811 - 2004 / 4 / 21 - 04:27
المحور:
الادارة و الاقتصاد
لقد نمت العشوائيات السكنية و امتدت كي تحيط مدينة دمشق و تداخلت مع المدينة في أكثر من مكان و يرجع السبب الرئيسي في نمو العشوائيات إلىانعدام سلطة الدولة و سيطرتها على مناطق البناء العشوائية أو يمكن القول بمعنى أخر أن نمو المناطق العشوائية يرجع لتواطؤ خفي أو ظاهر من أجهزة الدولة التنفيذية و بسبب أن معظم سكان المناطق العشوائية هم من العسكر و الموظفين القادمين من الأرياف و المدن المجاورة و البعيدة و التي عجزت في إمكانياتها المتواضعة عن بناء مشاريع سكنية لهولاء النازحين الجدد هذا ناهيك عن النازحين من الأراضي السورية المحتلة في عام 1967
والسكن في الأحياء العشوائية يعتبر من أخطر أنواع السكن وذلك من عدة نواحي إجتماعية و صحية إضافة للأخطار الكبيرة بسبب الضعف الهندسي و الإنشائي في تلك المباني و عدم ثبات و إستقرار تلك المباني فمعظم هذه المباني قد بني على أراضي هي في الأساس ملك الدولة و تم البناء بشكل سريع بحيث يبنى المنزل و يسكن خلال 24 ساعة على الأقل و لهذا السبب فمعظم المباني ضعيف إنشائيا و مهدد بالانهيار في أي لحظة ورغم ذلك فلا زالت تلك المباني ترتفع عموديا لأسباب ترجع للنمو السكاني أو لجشع صاحب المنزل كي يؤجر مزيد من الغرف و أصبحت هذه المنازل تصبح أبنية مرتفعة في كثير من الأحيان و تجاوز البناء في كثير من الحالات الطوابق الأربعة كي يصل إلى خمس طوابق و الحديث عن العشوائيات وطرق البناء و المخالفات العامة يطول و هنا أحذر من الخطورة الكامنة خلف مثل تلك العشوائيات و خاصة في حال حدوث إنزلاقات أرضية أو حركات أرضية كالزلازل و لا أريد أن أنشر المزيد من التشاؤم ولكن الواقع هو من يجبرنا على التحرك لتدارك كارثة قد تكون أكبر من انهيار سد زيزون بكثير فمعظم تلك العشوائيات بني على أراضي صخرية كلسية مليئة بالكهوف الخفية تحت الأرض كما في العشوائيات السكنية في ركن الدين حي الأكراد وفي دمر وفي عش الورور و من الصعوبة بمكان دخول سيارات الأسعاف و الإطفاء إلى المناطق العشوائية نظر لضيق الطرق و الحارات و ووعورة المسالك الجبلية بين تلك العشوائيات بل و حتى في كثير من الأحيان عدم وجود طرق لمسافات طويلة جدا كما يظهر في كثير من الصور الملتقطة من الجو لتلك العشوائيات ، و اذكر أن أنهيار صغير جدا حدث في جدار أحد المقابر في منطق القدم و القريبة جدا من الشارع العام قد أدى لوفاة عدد من الأطفال و لم تستطيع أليات الإنقاذ الوصول لمكان الأنهيار و تم إستعمال الطرق التقليدية في الإنقاذ من رفش و معول و نحن لا نحتاج لزيزون أخرى كي يكتمل رسم الصور السلبية لبلدنا الحبيب لكن هيهات يا زيزون .
ظهر القصور التام بعمليات الإنقاذ في كثير من دول العالم الثالث و التي تتميز بحكم شمولي وفي الزلازل التي حدثت في دول تتشابه في نظام الحكم ومشكلاته مع سورية و خاصة في طريقة المعالجة الشمولية للأمور و المركزية الشديدة مثل الجزائر و إيران و المغرب وظهر تماما القصور الكبير في عمليات الإنقاذ و تأخر تدخل أجهزة الإنقاذ الرسمية لمدد طويلة وظهر الضعف في المعدات و الآليات الثقيلة لا بل حتى في تلك الخفيفة مثل الشاحنات و الجرارت و الرافعات الصغيرة و لا يمكننا أن ننتظر وقوع الكارثة ومن ثم نحلل الأمور بل علينا استباق الكوارث بالأبحاث و بالاستعدادات التامة .
المذهبية السكنية
المشكلة الاجتماعية و الوطنية المؤرقة تلك التي تتعلق بالفرز الطائفي و المذهبي الموجود في الأحياء العشوائية و بالطبع فالتغيرات التي تمر فيها دمشق و سورية بشكل عام و بعد عام من الوجود الأمريكي في المنطقة و مع تعاظم دور الحركات و الفكر الأصولي و الردة الفكرية العنيفة التي تظهر ملامحها واضحة في أحياء المدن العربية و خاصة في العراق الشبيه الرسمي لسورية في التجمعات السكنية المذهبية و نتائجها السلبية التي بدأت تظهر في العراق و التخوف الكبير من اشتعال الحروب الأهلية وخاصة بعد أن كثرت الفتاوى المتطرفة في الشارع مقابل فتاوى تظهر في وسائل الإعلام لا يقبلها معظم العامة، وتجلت النتائج بأحداث عاشوراء و بكثير من القنابل وضعت في المساجد ودور العبادة، الأضعف و لم يكن درس باكستان أو كربلاء هو أول درس و أول ناقوس خطر يدق بسبب الفكر الديني و المذهبي بشكل خاص و بسبب تداخل الدين مع السياسة و عدم التفريق بين العام و الخاص
أما في سورية فقد لا تنتهي صور و مظاهر التطرف الديني و المذهبي الجديد عند ما يحدث في مسجد أبو النور و في تلك التجمعات الدينية التي أصبحت واضحة للعيان و بأسماء و جماعات مختلفةو مظاهر التطرف و الأصولية أصبحت واضحة للعيان من ملابس من القرون الوسطى وألوان غريبة و لحى طويلة و نظرات مملوءة بالحقد و الغضب تجاه كل ما هو مختلف ومعارض، هذا بالإضافة إلى تعاظم الخوف و التقوقع عند أفراد المذاهب والأديان المختلفة الأخرى و ظهور نزعات متشابهة من التطرف الديني المضاد.
المتأمل لمعظم العشوائيات التي تحيط بمدينة دمشق يلاحظ فرز مذهبي وطائفي وفق تجمعات سكنية عشوائية أو نظامية و تحيط تلك التجمعات بالمدن الكبرى وخاصة مدينة دمشق و من غير المجدي تسمية تلك الأحياء فهي معروفة لكل سكان المدن السورية
أن ضرورة إعادة النظر في بناء العشوائيات على أساس وطني هو أحد أهم خطوات الإصلاح الضرورية المطلوب إتمامها بأقصى سرعة عبر أطلاق مشاريع سكنية إسثمارية مع تسهيلات بنكية و بنفس الوقت منح الفرص المتكافئة في التسجيل على المشاريع السكنية كي لا تتكرر تجربة الانغلاق المذهبي و العرقي و التي ظهرت في العشوائيات و في كثير من المدن و المشاريع السكنية الحديثة التي قامت بها الحكومة و استقطبت الموالين لها فقط، وفق تراتبيات تتبع أولويات الأقرباء و الأصدقاء و الموالين للنظام الحاكم مما حول تلك المشاريع إلى تجمعات سكنية طائفية .
يجب تشتيت التجمعات العرقية و المذهبية عبر تلك المشاريع مما يخلق مجتمعا مدنيا
ومن النتائج المباشرة لهذه المشاريع المقترحة أيقاف التعديات على الأراضي الزراعية بسبب السكن العشوائي
الانغلاق الثقافي و الاجتماعي في العشوائيات
تخلو معظم العشوائيات السكنية من الحدائق و المتنفسات بل بالكاد ترى شجرة واحدة في الكثير من تلك العشوائيات إضافة إلى تطرف تلك العشوائيات و ابتعادها عن المدارس و المنتديات و المراكز الثقافية و الملاعب ولا أستطيع أن أتنبأ أو أتوقع أفكار هذا القسم الكبير من الشعب السوري الذي عاش و ترعرع في وسط هكذا مجتمعات منغلقة ثقافيا و طائفيا و تنعدم في وسطها كل وسائل التثقيف و الترفيه وفي محاولة لفك الانغلاق الثقافي في أحد هذه التجمعات قامت وزيرة الثقافة الشاعرة مها قنوت مشكورة بإلغاء المركز الثقافي في مساكن برزة و إهدائه إلى جهة حكومية أخرى وحرمت أبناء المنطقة من التمتع بمميزات المركز الثقافي .
المؤسف أن العشوائيات السكنية امتدت للأحياء النظامية و ظهر للوجود أحياء جديدة شملها التنظيم العشوائي وأقر هذا التنظيم من قبل مجلس المحافظة و من هذه الأحياء العشوائية حي ركن الدين المنطقة التنظيمية الجديدة و التي تشمل المنطقة من ابن النفيس إلى ساحة شمدين وفي هذا الحي تتداخل الأبنية مع بعضها البعض و البعض منها لايوجد له أي منفذ هوائي و تتراكب الأبنية فوق بعضها البعض و بعض الأبنية تعدت على الطريق العام و الأخر إغتنم فرصة أن المبنى الأخر متراجع نحو الخلف كي يتقدم بمبناه نحو الأمام هذا بالإضافة إلى البيوت الملحقة بالأبنية النظامية و التي بنيت في فترة الخمسينات و الستينات من القرن الماضي فلا يكاد يخلو اي بناء من هذه المخالفات السكنية ومن ثم فقد وضعت اطباق الإستقبال الفضائي و خزانات المياه بشكل حر على الأسقف و التي بنيت من دون حواجز و بالتالي فهي معرضة للسقوط و الطيران بسبب العواصف و في العاصفة الأخيرة شاهد سكان دمشق بعض الأسقف و خزانات المياه و أطباق الإستقبال الفضائي تطير في السماء .
العشوائيات السكنية و الريف السوري
في الأنظمة الشمولية الاشتراكية في الإتحاد السوفييتي السابق وفي أوروبا الشرقية تم التركيز على بناء قرى متطورة وزودت بالخدمات الأساسية و مع ذلك فقد ظهر أن تلك الدول قد قصرت كثيرا في التركيز على كثير من المشكلات الأساسية لكن في التجربة الاشتراكية السورية قد لا نلاحظ أي تشابه مع تلك الاشتراكيات الأوروبية و الواقع يقول أن لا تجربة سورية أبدا لكن هنالك تسيب و عشوائية في كل القرى و المدن السورية والعشوائيات السكنية في الريف السوري تماثل العشوائيات في مدينة دمشق وفي المدن الكبرى و تتجاوز تلك العشوائيات في خطورتها تلك الخطورة التي تتسبب بها العشوائيات في المدن الكبرى من خلال تعديها على المساحات الزراعية الكبيرة و على المخزون من المياه الجوفية، و تتميز العشوائيات الريفية عن تلك المدنية بأن العشوائيات الريفية تمتد في خط أفقي موازي للطريق وعلى شكل شريط ضيق يتسلل في بعض الأحيان بشكل عنكبوتي ليحاصر الأراضي الزراعية و يتسبب في كثير من الهدر للأراضي الزراعية كما تتميز بأن تلك العشوائيات لا تتمتع بالخدمات الأساسية و بالصرف الصحي، و قد صعقت أثناء جولة لي في ريف سورية الشمالي و الجنوبي من تلك الإمتدادات الكبيرة للشعوائيات الريفية و من تراكم الأوساخ و البحيرات السوداء الناتجة عن بقايا الصرف الصحي و من وعورة الطرق الداخلية والخارجية وبمعنى أخر تجمعات سكنية تفتقر لكل أساسيات الحياة الأولى و لكل ما هو أساسي للحياة و لا أستطيع تقدير مدى الأحقاد التي قد تنشأ عند سكان هذه المناطق نحو سكان المناطق التي تتميز بالخدمات الأساسية و أعتقد أن أهم مسؤوليات الدولة هي أصلاح هذا الخلل الذي يفوق كل تخيل أو تصور
عشوائيات الأراضي المشاع
لا تزال معظم الأراضي الزراعية السورية تخضع لنظام الأراضي المشاع وهي عبارة عن مساحة كبيرة من الأرض مملوكة لعدد كبير من الأفراد و لا يوجد في مصورات وخرائط الدولة أي تحديد للملكيات أو أي صور للخرائط المفصلة سوى تلك الخرائط التي أعدها الاستعمار الفرنسي و المؤسف انه بعد أكثر من خمسين عاما على جلاء الاستعمار لا زالت غالبية الدوائر العقارية في سورية تستخدم الخرائط الأصلية الفرنسية و أنوه رسوم الخرائط الأصلية و ليس صور عن الأصلية ، و تخضع تلك الملكيات لنظام الأسهم ووضع اليد فكل شخص قوي ومدعوم وقادر على افتعال المشكلات وضع يده بحكم القانون أو القوة و العنف و الرشوة على مساحة من الأرض قد تتجاوز المساحة المخصصة له بعدة أضعاف ، إضافة لظهور العديد من الملاك الوهميين الذين امتلكوا الأرض بوضع اليد عبر دعم عسكري أو مخابراتي أو قانوني عبر اغتنام الفرص العرفية التي تسمح بها قوانين الإصلاح الزراعي البالية ، مما ترك الكثير من ملاك الأراضي الأساسيين من دون أرض معروفة و محددة سوى بورقة طابو يذكر فيها أن لهذا المالك قطعة أرض في المحضر كذا و كذا و عدد كذا من الأسهم في هذا المحضر لكن أين هذه الأرض فهي بعلم الغيب و بعلم القاضي العقاري الذي يضع كل القضايا منذ سنوات طويلة في أدراج المكاتب الرثة القديمة التي ورثها مع قضاياها عن القاضي السابق و أتمنى أن لا تورث تلك القضايا و رسم الخرائط و تحديد وتجميل الملكيات ورفع الغبن عن أصحاب الملكيات للقاضي اللاحق ، و في متابعة لقضية من تلك القضايا أصدر السيد الرئيس بشار الأسد أمرا بتسريع رسم وفرز و تجميل منطقة من المناطق وذلك فور توليه الحكم و بالفعل تم رسم الخرائط و حساب المساحات و تحديد تلك التعديات بسرعة قياسية لكن قرار الفرز و تحديد الملكية لا يزال في درج القاضي العقاري و الذي نقل من منصبه و أعيد لمنصبه في تلك المدة الزمنية أكثر من مرة و لا يزال هذا القاضي يساوم و يساوم و يساوم .
هذا الوضع العقاري الغير محدد يرسم تعديات بحكم الأمر الواقع على كثير من الملكيات و تظهر مباني و عقارات على أراضي يملكها الآخرون و تحدد ملكيات ومزارع ليست ملكا للشخص و الغريب أن هذا المعتدي يعتبر أنه سوف يتعرض للظلم حين يعيد الأرض لمالكها الأصلي بسبب أن قد صرف مبلغا من المال عليها متناسيا المردود المادي الذي جناه منها خلال عقود وعقود و الأغرب أن القاضي العقاري يشارك هذا المعتدي نفس الأراء
#عمر_البحرة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جلفار تبيع صيدليات زهرة الروضة في السعودية بـ444 مليون ريال
...
-
مؤشر الأسهم الأوروبية يسجل أسوأ أداء شهري في عام
-
السعودية توقع مذكرات تفاهم بـ51 مليار دولار مع بنوك يابانية
...
-
موديز: الاستثمارات الحالية غير كافية لتحقيق الأهداف المناخية
...
-
منها حضارة متعددة الكواكب.. ما أسباب دعم ماسك ترامب بملايين
...
-
هاتف شبيه الآيفون.. مواصفات وسعر هاتف Realme C53 الجديد.. مل
...
-
القضاء الفرنسي يبطل منع مشاركة شركات إسرائيلية في معرض يورون
...
-
لامين جمال يوجه سؤالا مثيرا لنجمة برشلونة بعد تتويجها بالكرة
...
-
وزارة الكهرباء العراقية وجنرال إلكتريك ڤ-يرنوڤ-ا
...
-
عملاق صناعة السيارات فولكسفاغن وأزمة الاقتصاد الألماني
المزيد.....
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|