أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تهاني فجر - ترنّم أيّها الفم ذو المياه الرّاكدة














المزيد.....

ترنّم أيّها الفم ذو المياه الرّاكدة


تهاني فجر

الحوار المتمدن-العدد: 2651 - 2009 / 5 / 19 - 10:54
المحور: الادب والفن
    


"أنا نزعة ملوّنة كالأعياد"
هكذا يعرّف الشاعر العراقي المقيم في هولندا علي البزّاز عن نفسه في أحدث ديوانه الأول باللّغة العربية "بعضه سيدوم كالبلدان" الصادر حديثاً لدى (دار الغاوون – بيروت)، نقول هو هذا الإصدار الأول بالعربية لكنّه الخامس على مستوى الإنتاج الشعري، فالبزّاز يكتب باللّغة الهولندية ولديه أربعة مجاميع شعرية مكتوبة بها، إذاً ثمة سؤال يطرح نفسه بداية، وهو: لماذا انتظر الشاعر كل هذا الوقت منذ سبعينيات القرن الفائت وحتى اليوم كي ينشر إنتاجه المكتوب باللّغة العربية؟
منذ العنوان يبرز حسّ المغامرة لدى الشاعر في صنع جملة مفتوحة على شتّى الاحتمالات، مرنة أكثر من كونها زئبقية.

يكتب البزّاز في هذا الكتاب الذي وزّعه على أربعة أبواب
("إبقي ساهرة أيتها الزينة". "ساعي الموجة". "مرحباً أيها الطريق يا حلاّج الوعورة". "معاً نقلّد الوردة مداها").
قصيدة فلسفية بامتياز، لها علاقة بالفكر الذي يُلقي عليه غلالة عاطفية، فيكون أسلوباً جديداً، إذ أن كل التجربة الشعرية العربية عموما غلبتها العاطفة، والشعر العربي هو شعر عاطفي بالدرجة. وقد نجح البزّاز في كتابة قصائد فكرية فلسفية تطوّع العاطفة معتمداً التكثيف الصوري والتركيز اللغوي.
المسافة التي يتركها البزّاز ما بين نصّه وقارئ ذلك النّص، سرعان ما تتقلّص كلّما تعمّقنا في القراءة، حتى تمّحي متحوّلة إلى مناخ شديدة الخصوصية، وبذلك يبرز الغموض الذي يكتنف لغته كعامل بنيوي أكثر من كونه تقنية وتكنيكاً:
"إذا تريد أن تتهجّى النسيان فبقليل من التنصّل(...) لا تحيله مراعي يجب استصلاحها،
لا تعطّل ما ابتكرناه من الفؤوس/ لفرك التاج، لا تنتج ثماراً وتعكف على ضمّها إلى الإبط
لا تقتنِ الوصول الذي يقرض سالكيه(...) يا أيها المصاب بالبلاد عندما يشير اليتم إلى مقام ينبذه الأغنياء / لا يزال هذا البصيص مقيماً بفتيله/ينأى عن فصائل الدغل...."
على هذا النّحو يدسّ البزّاز بين طيّات لغته الاستعارة العقلية ذات الصبغة الحكمية أحياناً:
"... ثديٌ مدنّس هي البلاد كاهن/ اشتياقي إليها(...) هذه بلاد تعذّب حتى/ الحبال حين تشنق أمانيها التي ترفع الأشرعة(...) هي هكذا أو ربما نحن كذلك/ رائحة معدومة الانتشار يستنشقها أنف المنافي(...) بلاد مشقة ثابتٌ فيها الخطأ(...) عمائم الطريق تجزل وتحرم..."
هنا يصوّر البزّاز معاناة بلاده، ولكن عمق المأساة التي يعيشها مع أبناء بلاده ومنذ لحظة الولادة، فثمة أسى صدئ عايشه الشاعر في وطنه منذ الصغر وتراكم حتى فاض إلى أن ملأ الوطن والمنافي على السّواء: "ونحن حرمان جزيل الرفض منذ القماط..."
لا يفصل تجربته عن الوطن وقضاياه مثلما يفصل تجربته الشعرية في "بعضه سيدوم كالبلدان" عن الموروث الشعري العربي، فيأتي للشعر بذاكرة بيضاء، ذاكرة لم تنل منها تجارب الآباء، لذا نجد لغته الشعرية في هذا الكتاب لغة خاصة ولصيقة بتجربته، البزّاز يفصل تجربته نعم ولكنّه لا يتنصل من تجارب السابقين التي يختار أن تكون بعيدة ليكتب الشعر كما يراه:
"الشعر مرور وإن بدا راكداً" دون أن يكون عليه ختم التجارب السابقة:
(...) أمسح عن ذاكرتي التضاريس المقوّسة/ لأقتص من الماضي المتوّج برائحة الآباء(...)
وهكذا سأكف عن الطيران المقفّى".
يتضمّن "بعضه سيدوم كالبلدان" يتضمّن نصوص قصائد يمكن تسميتها بالقصائد المائية لكثرة ما يحضر الماء فيها، بل وفي كل أرجاء الكتاب فلا تكاد قصيدة تخلو من الماء وملحقاته أو أي شيء يدلّ عليه. ثمة علاقة بوهيميّة فائقة تربط البزّاز بالماء،
"لا إياب للماء في قاعها، سمّي النهر ببلله لا بجريانه، الإبحار في فجر مالح والبحّارة أناقة تلبس ثياباً غريقة، ساعي الموجة، تغمر الليل بالساحل، موجة تموع، بحارها تتنمّل، جمرة المياه، الزوارق ستعطّر البحر، أهز المياه، القوارب هامشية....، إلخ. وقد ذهب البزّاز لأبعد من ذلك بتركيبه أحوال البحر على أفعال البشر وتصرّفاتهم وبالعكس، ونجح ببراعة في تلك المقاربة التي أقامها بين البحر والإنسان:
"البحر أقاويل محضة./ انحسار القبلة شائع/ الشفاه مواظبة على تجفيف عناقها(...)
ترنّم أيها الفم ذو المياه الراكدة...".
والقصائد ضوئية أيضاً لاعتمادها أسلوب الومضة التي تمنح الصورة الشّعرية بعداً بصريّاً، تتيح للقارئ قدرة على تخيّلها تتحرّك أمامه، فكتاب البزّاز هذا كتاب بصري بامتياز، يجعل من شاعره يأخذ دور مخرج ما، يسلّط ضوء سميك على المعنى الذي يتمسّك به ويطغى به على الشكل الشعري دون إهمال الصورة الشعرية التي يعمل على تكثيفها وتعتيم ما دونها من هوامش وزوائد لا حاجة لها شعريّاً. والبزّاز يضع بين أيدينا تجربة غنيّة بالاستعارات والكنايات والتشابيه والمجازات الشعرية الجميلة في هذا الكتاب:
"أنت الشوق الثيّب متعدد الزيجات". "أيها الفم/ أيها الوارف الجلوس". "شجاعة تورق الأقفال". "ممسكاً بصنّارة الفجر". "امرأة تسقي الساعة فماً"، "حنانه مسقف بالخيزران"، "أذرف المطر"....
" بعضه سيدوم كالبلدان" الذي تأخّر أكثر من ثلاثين عاماً عن الصّدور بالعربية، هو عن حق بمثابة أعمال كاملة.









ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- Sigg Art in Monte Carlo: A hybrid vision of what it means to ...
- -سيغ آرت- في مونتي كارلو: رؤية هجينة لما يعنيه أن نكون بشراً ...
- -النجم لا ينطفئ-، ظهور نادر للفنان عادل إمام يطلق تفاعلاً وا ...
- ماريانا ماسا: كيف حررت الترجمة اللغة العربية من كهوف الماضي ...
- حاتم البطيوي: سنواصل فعاليات أصيلة على نهج محمد بن عيسى
- رسومات وقراءات أدبية في -أصيلة 46- الصيفي استحضارا لإرث محمد ...
- أنجيليك كيدجو أول فنانة أفريقية تكرم في ممشى المشاهير بهوليو ...
- -حين قررت النجاة-.. زلزال روائي يضرب الذاكرة والروح
- لا خسائر رغم القصف.. حماية التراث الثقافي وسط الحرب في طهران ...
- “فعال” رابط الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية 2025 دور اول ...


المزيد.....

- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تهاني فجر - ترنّم أيّها الفم ذو المياه الرّاكدة