أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالسلام الملا ياسين - تأملات في تأملات ديكارت















المزيد.....

تأملات في تأملات ديكارت


عبدالسلام الملا ياسين

الحوار المتمدن-العدد: 2651 - 2009 / 5 / 19 - 08:57
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


"التجريبيون كالنمل: إنهم يجمعون ويضعون كلَّ شيء موضع الإستفادة؛ لكن العقلانيين كالعنكبوت: ينسجون الخيوط من أنفسهم"! فرانسيس بيكون

يدعي العقلانيون أن رونيه ديكارت (1596-1650) إنتقل بالفلسفة من كلاسيكيَّتها إلى حداثتها الأولى، من حيث يبدأ "الفيلسوف" عنده من لاشيء، متحررًا من الفرضيات والآراء المسبقة التي إكتسبها من أبويه وأساتذته. ونحن إن سلَّمنا لهم في مساهمات ديكارت في نقل الفلسفة الكلاسيكية الى أعتاب الحداثة بصيغتها البدئية، فإننا لا نسلم لهم بإن لذلك أي إرتباط حقيقي مع توهم ديكارت لمسألة التحرر من الفرضيات والاراء المسبقة، ونضع من أجل قولنا هذا امامهم مقولة قديمة أضحت من البديهيات المسلم بها في علم النفس هذا اليوم ، وأعني مقولة ارسطو:
"لا يوجد شيء في العقل ما لم يكن في الحواس من قبل"
إذ ان ما يدعي ديكارت إكتشافه في نهاية تأملاته الستة، في كتابه المعتبر (تأملات ميتافيزيقية في الفلسفة الاولى)، وتحديداً وجود الله كفكرة جوهرية مستقلة عن العقل الإنساني من جهة، وأن النفس البشرية التي لا يفرقها ديكارت عن الروح هي شيء متمايز عن الجسم، ولا تموت بالضرورة بموت الجسم.. إن مايدعي ديكارت إكتشافه لا يخرج في رأينا وبأي حال من الاحوال عن منظومة المدركات المخزونة صورها في ذهن ديكارت.. وليس من سبب وجيه يستدعينا إستثناء الله أو النفس البشرية من التعميم السابق الذكر.
معلوم أن مبدأ "الشك الديكارتي" يقوم على ثلاث: الشك في الحواس، والشك في أية أحكام إزاء العالم الخارجي، والشك في الوجود. أما (الفرد الديكارتي) فيعرف أنه موجود، وأنه كائن مفكر، كامل، مدرِك لنواقصه؛ وهي فكرة وضعها (الله) في نفسه. وكشأن أفلاطون، يُلحُّ ديكارت على فصل العقل عن الحواس، وصولاً إلى المعرفة العقلية الخالصة، التي مفتاحها "نور الطبيعة"، وهي قدرة فطرية غرسها الله في عقولنا للوصول إلى الحقيقة كما يتصور ديكارت.
ولكن الأمر الجوهري الذي فات ويفوت الديكارتيين هو تغاضيهم عن العلاقة الرابطة بين ماهية الله ومدى تطور المعرفة لدى الإنسان، فماهية الله مرتبطة بمعرفة الانسان إرتباطاً مصيرياً، لأن هذه الماهية تأسست ابتدءاً على المستحيلات التي واجهت هذا الانسان، هذه المستحيلات كانت ولازالت ناشئة عن القصور المعرفي عند الإنسان، وليس ادل على ذلك من ان هذه الماهية (أي ماهية الله) كانت تتطور وتتغير على مدى التاريخ الإنساني، وهي تحاكي في تطورها تطور المعرفة عند الإنسان. وقائمة المستحيلات (قصور المعرفة لدى الإنسان) تطول كلما عدنا القهقري الى الماضي، حتى نصل في فجر التاريخ الى ماهية بسيطة في نظر الإنسان البدائي، بل وأكثر إرتباطاً بواقعه اليومي، فالله في مراحل متقدمة من تاريخ الإنسان يقوم بوظائف كثيرة جداً وبسيطة جداً، وتتطور هذه الوظائف من حيث النوع كلما أقتربنا من عصرنا الحالي، أي أنها تدخل في عملية خصخصة لحساب النوع وعلى حساب الكم، فوظيفة الله في حياة الإنسان كانت ولا زالت على علاقة عكسية مع تطور المعرفة لدى هذا الأنسان، ووظائف الله هي التي تحدد ماهيته... إذن من هو الذي يصنع الاخر، هل الله هو الذي يصنع معرفتنا أم معرفتنا هي التي تصنع الله؟
إن مشكلتنا اليوم ليست في حقيقة وجود الله من عدمه، بل هي الموقع الذي يتواجد فيه الله ضمن منظومتنا المعرفية، فإستمرار وجود الله ضمن مساحة الواقع المبرهن ولو عقلانياً، له تأثيرات سلبية على مجمل حياتنا البشرية، ليس هذا فحسب بل هو ذو تأثير سلبي حتى على ماهية الله على إفتراض أنه موجود.
أعود لأقول أن وجود الله في الفكر الإنساني كان ولايزال يتأسس على المستحيلات التي واجهت وتواجه الانسان في حياته، أي أن ماهية الله لم تتعدى ملئ الفراغات الكبيرة في قدرة الإنسان نفسه، والتي راح يتلمسها هذا الإنسان في طريق بحثه عن الكمال.
وما الديانات السماوية أو المؤسسة على النصوص الموحى بها، إلا قهر لتساؤلات الإنسان في الجانب الاخر عن موضوعية الكمال الذي إفترضته المعرفة الانسانية في ماهية الله إبتدءاً، فها هي النصوص المقدسة (التوراة والأناجيل والقرءان) نفسها مليئة بتساءلات وشكوك عن صحة إدعاء الكمال في جوهر مطلق خارج إدراك الانسان، كما أسست له الديانات التوحيدية الثلاث. أما الأجوبة على تلك الشكوك والتساؤلات فهي على رغم خلوها من الموضوعية كونها قد دونت بيد المناصرين أو المدعين بوجود ذلك الجوهر المطلق، فإنها اي الاجوبة، مجرد إعادة قراءة لقائمة المستحيلات التي يقدر عليها الله، أي الفراغات التي يملئها الله في قدرة الأنسان الناقصة قياساً بمعرفته.
حتى ديكارت الذي خرج على الناس في القرن السابع عشر ليعلن إكتشافه المتأخر جداً لوجود الله، فإنه لم يستطع أن يثبت وجود الله إلا بعد أن أثبت وجوده هو، إذن ديكارت جعل وجود الله لاحقاً لوجود الانسان إن لم يكن مرتبطاً به بشكل كلي.
إن الظريف في إكتشاف ديكارت لوجود الله هو فرحة المؤمنين بالله بذلك الإكتشاف! فبعد أكثر من الف وخمسمائة سنة من إنتشار المسيحية كدين من المفروض أنه يوصل الى معرفة الله، جلس ديكارت أمام موقد النار متأملاً في شمعة صغيرة، ليقدم بعد ذلك الى المؤمنين برهانه الخارق على وجود الله، أي أن الايمان بالله سبق أكتشافه بأكثر من الف وخمسمائة سنة! ماهذه المفارقة؟!!
فإن لم يكن ديكارت مسيحياً مؤمناً، قد أستقر وجود الله كفكرة في منظومته المعرفية منذ طفولته، فهل كان بإستطاعته أن يبرهن على وجود الله في ستة مسائل، أو حتى ستمائة مسئلة؟ حتى أن الله الذي تجسد في المسيح (كما تصوره لنا أناجيل العهد الجديد) قبل أن يخلق ديكارت بمئات السنين لم يقدم ماقدمه ديكارت من برهان ناصع على وجود الله، فالمسيح لم يقم بغير ملئ النقص عياناً أمام الناس، هذا النقص الذي كان يعاني منه الإنسان في ذلك الزمن أو حتى في زمننا هذا، لكي يثبت أنه هو الله أو ابن الله المتجسد في جسم بشري، فإشفاء المرضى وتكثير الطعام وإحياء الموتى وغيرها، ما هي في الاساس إلا فراغات في قدرة الإنسان، فهل نستشف من ذلك أن معرفة الانسان في زمن المسيح لم تكن بالقدر اللازم للبرهان على وجود الله المؤمن به سلفاً كما فعل ذلك ديكارت بعد مئات السنين؟
يقول ديكارت في معرض رده على الاعتراضات الثانية:
"الله هو الجوهر الذي ندرك انه كامل الكمال الاسمى والذي لا نتصور فيه اي شيء يتضمن اي نقص او حد للكمال."
إذن الله وحسب ديكارت نفسه لا يمكن إدراكه إلا بهذه الماهية، اي "كامل الكمال الأسمى".. ويذهب ديكارت أبعد من ذلك حين ينفي إمكانية تصور ان الله يتضمن اي نقص او حد للكمال. ولكننا نتسائل عن الأسس التي أوجد عليها ديكارت هذا الكمال المتصور عن الله؟ إنه يقيناً أوجده (الكمال) بالمقارنة بما لا يستطيعه ديكارت، فهل هذا الكمال يمكن أن يتأسس اليوم على ما تأسس عليه في عصر ديكارت؟ أو هل أن هذا الكمال هو نفسه الذي كان يتصوره الإنسان عن الله قبل ديكارت بالف سنة أو الفين أو عشرة الاف سنة؟ ما نريد قوله هو أن الكمال الذي تصوره ديكارت في ماهية الله ليس كمالا مطلقاً، إلا بدرجة تطور المعرفة عند ديكارت، لذا فهو نسبي يختلف (أي الكمال المتصور عن الله) لدى إنسان هذا العصر ولو بدرجة اقل وضوحاً من تصور ذلك الكمال عند الإنسان في العصور السابقة على ديكارت.
ويؤكد ديكارت ما ذهبنا اليه في معرض رده على الاعتراضات الثانية ايضاً حين يقول:
"معنى الله يتضمن الوجود الضروري: لا مجرد الوجود الممكن، لا مجرد الوجود الممكن المتضمن في معاني جميع الاشياء الاخرى".

إذن وجود الله ضرورة أكثر منها إمكانية وجود. ولكن ما هي دواعي هذه الضرورة التي يجهلها ديكارت أو يتجاهلها؟
إنها قائمة المستحيلات أو العجز الطبيعي أو الناشئ عن قصور المعرفة، والذي يعانيه الإنسان في مسيرة حياته.. فالإنسان عاجز عن إيقاف الموت، وإيقاف الالم، والجوع، والكوارث.. وغيرها مما تشغل باله، ولو رجعنا قليلاً الى الماضي، فالإنسان غير قادر على الكثير مما أصبح اليوم ضمن قدراته، وهكذا فالقائمة تطول كلما كانت معارف الانسان محدودة وتقصر كلما توسعت تلك المعرفة، حتى ياتي يوم تتحدد فيه ماهية الله في اثنتين أو ثلاثة من المستحيلات التي قد تبقى ترافق الإنسان، أو حتى أننا سنضطر يوماً ما الى إختراع وظائف جديدة لله على طريق صبغه بصبغة الكمال الاسمى كما يقول ديكارت.
لنتوقف هنا وننظر، السنا حقيقة نسيء الى الله بهذا الربط المجحف بين وجوده وبين عجزنا كبشر؟ أليس هذا هو السبب الذي جعل المسيحيين الاوائل يجسدون الله في شخصية المسيح، لأنه كان إنساناً غير عاجز حسب تصورهم! إننا من خلال ربط وجود الله بالكمال الذي نبحث عنه لأنفسنا كبشر، إنما نضع الاساس لنفي الله من حياتنا في المستقبل، وهنا مكمن الخطر.



#عبدالسلام_الملا_ياسين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف مواقع العدو وتحقق إصابات ...
- “العيال الفرحة مش سايعاهم” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد بج ...
- الأوقاف الإسلامية في فلسطين: 219 مستوطنا اقتحموا المسجد الأق ...
- أول أيام -الفصح اليهودي-.. القدس ثكنة عسكرية ومستوطنون يقتحم ...
- رغم تملقها اللوبي اليهودي.. رئيسة جامعة كولومبيا مطالبة بالا ...
- مستوطنون يقتحمون باحات الأقصى بأول أيام عيد الفصح اليهودي
- مصادر فلسطينية: مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى في أول أيام ع ...
- ماذا نعرف عن كتيبة نيتسح يهودا العسكرية الإسرائيلية المُهددة ...
- تهريب بالأكياس.. محاولات محمومة لذبح -قربان الفصح- اليهودي ب ...
- ماما جابت بيبي أجمل أغاني قناة طيور الجنة اضبطها الآن على تر ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالسلام الملا ياسين - تأملات في تأملات ديكارت