اليسار المغربي وقضية الصحراء بين القناعات المبدئية والمزايدات السياسية

تغجيجت عزيز

الحوار المتمدن-العدد: 2650 - 2009 / 5 / 18 - 08:44
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    

...................
قامت أحزاب يسارية في منتصف فبراير المنصرم بمراسلة الرئيس الفينزويلي هوغو تشافيز، تطالبه بإعادة النظر في موقفه من قضية الصحراء المغربية؛ وذلك ردا على المواقف الأخيرة لتشافيز المنادية بإقامة "الجمهورية الوهمية الصحراوية". بهذه المراسلة، يكون قسم من اليسار المغربي انتصر لخيار وحدة المغرب، وهذا الموقف لا ينم على أن ثمة إجماع يساري على مغربية الصحراء.
سأسعى، في وجهة النظر هذه، لملامسة جل مواقف التنظيمات والفصائل المكونة لليسار المغربي. فما هي خلفيات كل تنظيم في صياغة موقفه من الصحراء؟ هل يتعلق الأمر بخلفية إيديولوجية وفكرية واضحة المعالم، وطموح سياسي نبيل وشريف، أم أنه يتعلق بمزايدة سياسية ليس إلا؟.
.....................

عندما أعلن الملك الراحل الحسن الثاني في خطاب عيد الشباب، في يوليوز 1974، أن هذه السنة ستكون سنة الصحراء بامتياز، وأرسل وفودا إلى عدد من الأقطار لشرح قضيتنا الوطنية، لقي نداؤه من طرف أكبر تنظيم يساري حينئذ ارتياحا وقابلية للتفعيل. وكان عبد الرحيم بوعبيد ، زعيم الاتحاد الاشتراكي، ضمن المشاركين في هذه الحملة. وتبين في السنوات المولية أن اليسار المغربي يرى في قضية الصحراء قضية تحررية بالنسبة للشعب المغربي؛ وذلك ما تجسد في الإستراتيجية الثلاثية المعروفة بالتحرير- الديمقراطية- الاشتراكية. وحتى بعد سجن عبد الرحيم بوعبيد في ميسور عقب مفاوضات 1981 ، بسبب قضية الصحراء، كان ذلك فقط حول طريقة تدبير الملف، التي لم تكن ترضي حينئذ الاتحاد وهو في ذروة معارضته للاختيارات السياسية للدولة.
والآن بعد اندماج الاتحاد الاشتراكي في الحياة السياسية، وانسحاب أو استقالة جزء منه ليؤسس أحزاب جديدة (الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، المؤتمر الوطني الاتحادي، وجزء من الحزب الاشتراكي الموحد (جناح محمد الساسي قائد الشبيبة الاتحادية سابقا) فقد بقي متشبثا بمغربية الصحراء، مصرا على انتقاد طريقة تدبير الملف، مساهما في إبداع حلول بهذا الحجم أو ذاك؛ من قبيل "الجهوية الموسعة" التي نادى بها حزب الطليعة، قبل 8 سنوات من طرح الدولة لحل الحكم الذاتي الموسع للأقاليم الصحراوية.
ويرى فاعلون سياسيون أن السياسة الرسمية في السنوات الأخيرة تتجه نحو تفعيل الدبلوماسية الشعبية، من خلال إشراك الأحزاب السياسية في "التعبئة الدولية لمغربية الصحراء"؛ وذلك ما تجسد في رد الدولة المغربية على الموقف الأخير لـ "تشافيز"، عندما قام برفع التمثيلية الدبلوماسية لحركة البوليساريو الانفصالية في "كاراكس"؛ مما جعل الحكومة المغربية ترد بقطع العلاقة مع فينزويلا وطرد سفيرها من الرباط، وهو الإجراء الذي كان لابد له من فعل مواز يقدم عليه الفاعل غير الرسمي السياسي أو المدني. وفي هذا السياق جاءت مراسلة احتجاجية للرئيس الفينزويلي، يقول مصدر من تجمع اليسار الديمقراطي.
ولا يخفي اليسار المعارض بالمغرب المنطق الشعبوي لتشافيز ولقسم من اليسار الراديكالي بالمغرب؛ إذ يعمد إلى القفز على الحقائق التاريخية والواقعية، ولا تهمه سوى المواقف المعلنة التي تدين الإمبريالية، حتى ولو كانت هذه المواقف غير مستمدة من مرعية الفكر الاشتراكي والديمقراطيين وضارة تكتيكيا واستراتيجيا بالقضايا الوطنية ومصالح الشعوب.
وتبرز المواقف من القضية الوطنية من خلال الإطارات المدنية والمهنية التي يناضل فيها هذا اليسار؛ فالجمعية المغربية لحقوق الإنسان لم يسبق لها أن طالعت الرأي العام ببيان تسمي فيها الصحراء بالغربية، ولا نادت بشيء اسمه الشعب الصحراوي، قبل أن يتولى رئاسة الجمعية ناشطون في حركة النهج الديمقراطي المغربي.
ومن بين هذه المنظمات كذلك، جمعية هيئات المحامين بالمغرب، التي يهيمن فيها حاليا حزب الطليعة؛ حيث إن الجمعية المهنية للمحامين قامت بتنظيم مسيرة بلون أسود إلى الصحراء المغربية لتطالب بوقف سياسة الريع والامتيازات من جهة، وتحميل الجزائر مسؤولية خلق البوليساريو من جهة أخرى.
ويفيد بيان هيئة المحامين بأكادير والعيون أن "الصحراء المغربية كانت وستبقى كذلك إلى الأبد". وتعتبر أن قضية الصحراء قضية مصيرية مقدسة لدى كل مكونات الشعب المغربي قاطبة، لا يمكن أن تخضع لأية مساومة أو مفاوضة أو مهادنة من أي كان، " على حد تعبير البيان ويضيف ذات البيان أن " أي استفتاء إذا كان لابد منه يجب أن يشمل كافة الشعب المغربي وأن أي حل متفاوض عليه لم يكن على أرضية السيادة المطلقة للمغرب فهو حل غير مقبول من طرف محامي المغرب".
ويحمل محاموا المغرب حكام الجزائر مسؤولية محاولة المساس بوحدة المغرب، لأن في ذلك مخالفة لإرادة التاريخ والجغرافيا ولإرادة شعوب المنطقة ككل، وكون الجزائر منخرطة بشكل جنوني في التعبئة للجمهورية الوهمية إنما يغذي أوهام السيطرة والهيمنة والزعامة لدى رهائن المؤسسة العسكرية للجزائر.

يسار أخر ضد التيار!!

ثمة قسم من اليسار يروج لشعارات من قبيل "تقرير مصير الصحراء لإقامة الجمهورية الصحراوية"، متأثرا في ذلك بكتابات ابراهام السرفاتي، أحد قادة اليسار السبعيني، والذي راجع أفكاره كليا في السنين ما بعد مغرب الانتقال.
لتضل مجموعة من الفعاليات ملتفة حول "النهج الديمقراطي"، الذي يرى في نفسه امتدادا لحركة إلى الأمام المغربية، هي من لم تغير التحولات والتمفصلات الجديدة في الفكر اليساري نفسه، وموازين القوى العالمية أي جديد. بل إن المؤتمر الثاني لحزب النهج الديمقراطي بالدار البيضاء في يوليوز العام الماضي، كان منبرا ألقيت فيه مداخلة لعبد عبد العزيز المراكشي، زعيم الانفصاليين، من خلال رسالة يوضح عبد الله الحريف الكاتب الوطني للنهج الديمقراطي منطلقاتها في:
• المبدأ الأول: حق الشعوب في تقرير مصيرها. وهو الشيء الذي يرى عبد الله الحريف أنه يقره المنتظم الدولي والأمم المتعددة.
• المبدأ الثاني: خدمة مواقف النهج الديمقراطي لمصلحة الطبقة العامة ومساهمة في تأجيج الصراع الطبقي. وينطلق النهج هنا من خلفية أن المستفيد من إدامة عمر قضية الصحراء وهو "النظام المخزني المغربي"، على اعتبار أن تمويل الميزانيات المخصصة للصحراء يتم بواسطة الضرائب المستخلصة من جيوب المواطنين.
• المبدأ الثالث والأخير: الذي يعتبره الحريف مرتكزا لمواقف حزبه من قضية الصحراء، هو الضرورة التاريخية لبناء مغرب الشعوب، وأن ليس في قاموسه السياسي شيء اسمه الخيانة الوطنية، لأن هذه الخيانة مرتبطة بخيانة مصالح الطبقة التي يقول إنه يمثلها في المغرب!!
وتبعا لذلك، يرى النهج الديمقراطي أن حل قضية الصحراء يتمثل في الارتكاز إلى الشرعية الدولية التي تنبني على مبدأ تقرير المصير واعتماد المفاوضات والحلول السلمية. وفي هذا السياق وجّه النهج الديمقراطي رسالة إلى جبهة البوليساريو يطالبها فيها بإطلاق سراح الأسرى المغاربة، وهو الشيء الذي استجابت له البوليساريو، في نظر زعيم الماركسية اللينينية المغربية.
ورفض النهج الديمقراطي الحضور في اجتماعين مخصصين لقضية الصحراء في الديوان الملكي؛ نظرا لعدم وضوح أهداف هذين الاجتماعين لديه، مما اضطر معه بدلا من حضوره، إلى توجيه رسالتين موجهتين إلى الديوان الملكي نادى فيهما بأنه "بدلا" من الاجتماعات المغلقة في الغرف يجب فتح حوار حول الصحراء، وجعل القضية شأنا عاما بدلا من أن تظل من اختصاص القصر وحده لا شريك له. ودعا إلى الحوار مع البوليساريو ومع من أسماهم بالقوى المدنية والسياسية في الجزائر.
وتفعيلا لمواقفه، شارك النهج الديمقراطي في ندوة الجمعية العامة الفرنسية، في موضوع "كيف يمكن لأوربا أن تساهم في تطبيق توصيات الأمم المتحدة حول تقرير المصير في الصحراء". وكانت مناسبة للنهج أن حمل فيها المسؤولية من جديد لمن أسمائهم "بالطغم الأمنية والعسكرية في المغرب والجزائر"، التي تعرقل الوصول إلى حل عادل وديمقراطي للنزاع في الصحراء، ويراهن على تفكيك أو إضعاف هذه الطغم كمنفذ نحو الحل، وبالتالي "بناء المغرب الكبير" بمقاييس رفاق لينين بالمغرب.
وحول مواقف الأحزاب الأخرى المنتمية لليسار والتي لها مواقف إيجابية في مغربية الصحراء، يرى الكاتب الوطني للنهج الديمقراطي أن هذه المواقف هي مفبركة من طرف الإدارة، انسجاما والتبعية المطلقة أو المتذبذبة لها تجاه النظام. ويضيف قيادي آخر في النهج: "إن هذه الأحزاب تعمل على تأليب السلطة ضد النهج الديمقراطي وكل من له موقف مخالف لموقفها من قضية الصحراء".

"الطلبة القاعديون"، صوت الانفصال في الجامعات المغربية

كان من الطبيعي جدا أن يطالعنا فصيل الطلبة الصحراويين ببيان موجه إلى النهج الديمقراطي القاعدي (لا علاقة له بحزب النهج الديمقراطي)، يصف فيه "قاعديو المغرب" بكونهم حملة الفكر النزيه، وأن الطلبة الصحراويين لن ينسوا دائما ما قدمته الحركة الماركسية اللينينية المغربية (الحلم) من تضامن معلن مع حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير، في زمن الرصاص والحديد والنار والتكالب الامبريالي والرجعي على حركات التحرر العالمية، يضيف بيان الطلبة وذلك ما يفسر سر التلاحم العضوي بين الطلبة الصحراويين والقاعديين، سواء في الحلقيات التي تنظم في كليات المغرب، أو في المواجهات العنيفة بين القاعديين والصحراويين من جهة وباقي المكونات (الحركة الأمازيغية-الإسلاميين...)
وآخر مواجهة دامية بين القاعديين ومنظمة التجديد الطلابي، بجامعة القاضي عياض بمراكش، لم يكتب فيها الانتصار "العسكري" للقاعديين إلا بعد تطعيم صفوفهم (جيشهم) "بمقاتلين" من الطلبة الصحراويين، مدججين بالأسلحة البيضاء والزجاجات الحارقة وأنواع حادة من المبرد المستعمل في قطع أشجار النخيل!!!
وكانت مواجهة بين الطلبة القاعديين والحركة الثقافية الأمازيغية اندلعت بأكادير، في الموسم الجامعي الأسبق، لقيت دعما واسعا من الحركة الطلابية الصحراوية حسمت موازين القوى فيها لصالح القاعديين؛ الشيء الذي حمل طلبة الحركة الأمازيغية على الرد في المواقع التي تخلو من الطلبة الصحراويين، الذين يستقوى بهم فصيل النهج الديمقراطي القاعدي. وكان موقعا مكناس والراشدية مسرحا لأحداث عنف دامية بمقتل طالبين قاعديين (الطاهر الساسيوي والحسناوي).
ويحرص النهج القاعدي في افتتاحية كل أشكاله التعبوية داخل الجامعة، على توجيه تحية إلى "الشعب الصحراوي" وممثله الشرعي والوحيد؛ الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب.. !!!

#تغجيجت_عزيز (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات