أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - قيس السعدي - المندائيون مؤشر إستقرار الدولة العراقية















المزيد.....

المندائيون مؤشر إستقرار الدولة العراقية


قيس السعدي

الحوار المتمدن-العدد: 2650 - 2009 / 5 / 18 - 08:43
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


المندائيون وبعض الخيرين يذ ّكرون بما لهذه الشريحة العراقية الأصيلة من وجود عراقي مؤسس، ومن قِدَمِها فيه أن ليس لها تاريخ تأسيس محدد. وإن أردنا أن نسأل شواهد فليس أسبق ولا أبقى من ماء دجلة والفرات، وليس أبسق ولا أسمى من النخلة، وليس أثقب ولا أعلى من النجم الهادي، وليس أوضح ولا أحلى من المفردات المندائية التي ما زالت ( أكو) على لسان العامة العراقيين، وليس أدل من أن الحياة أخذت إسمها من الحي الأزلي أساس توحيدهم وإيمانهم. حفظوا العراق في نفوسهم قبل أن يكون إسمه العراق. صاروا شهادة عمره على إختلاف مَن عاش وأسس ومَن قـَدِم من كل الجهات. مدوا الجسور وبنوا القنوات وأنبطوا الأرض وترجموا الكتب. لهم وجود في زقورة أور وفي مسلة حمورابي وباب عشتار وثور آشور. وحينما لم يعد لهم فيها حضور، نقشوها بالميناء على فضة وذهب صنعتهم وباهوا بها تحفا يتفاخر بها العراق أيضاً.
وعلى شدة إوار ما مر به العراق، ظن من درس المندائيين من الأكاديميين الغربيين أنهم قد قضوا وصاروا بعضا من تراث العراق الذي يستدل عليه بآثاره ، وما ذاك إلا لمعرفتهم بطبيعة هذه الشريحة التي تقدم مثالا للمسالمة والمحبة واللاطموح بغير العمل ومرضية الخالق، ومثل هذا حظه، في مثل ما مر به العراق، قليل، وبقاءه بخصوصيته الدينية أمر يكاد يكون مستحيل. ولذلك كثر السؤال اليوم ليس على مستوى العراق والبلدان العربية، بل وعلى مستوى جهات عديدة في العالم عن المندائيين وتوجه العديد لمتابعة أخبارهم وتقديم التقارير عنهم، وإقامة المؤتمرات الأكاديمية بخصوصهم وتصوير الأفلام لطقوسهم وبعض مجريات حياتهم، لا لأنهم مختلفون في شيء إنما لأنهم يعرفونهم بهذه الأقدمية ومرت عليهم دهورا ظنوا بها أنهم قد إنقرضوا. وآخرون يقرأون في القرآن الكريم ويعرفون الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى ولكن الكثير لا يعرف الصابئين الذين ورد ذكرهم في أياته أنهم ما زالوا موجودين. فصاروا مثار سؤال عن الوجود والبقاء، وهذا كله يوجب الحق على العراق أن يكافىء المندائيين لمجرد بقائهم بشهادة أن: كيف بقوا؟ والعـِبرة الأهم في أن يجب أن يبقوا.
واليوم، وفي ضوء ما يراد للعراق من نهوض وإثر ما يصاحب هذا التغيير في كل ما يراد له وبه وفيه ، البعض يراها آمالا ً وآخر يراها محالا ً، تتصارع فيه التوجهات في عصف غير مسبوق وبأنواع من الريح تتصارع شدة وتتباين في الإتجاهات حد أن صارت أعاصيرا فأخذت مَن أخذت دون إرادتهم وألقت به خارج الوطن. منهم المندائيون الذين على سعة وعمق جذورهم فيه لكن شدة الإعصار والتهديد بالعصف كان لها قدرة القلع.
ولم يفرغ العراق من المندائيين وإن بسُدس من كان، وأمل بعَودٍ لم يحن بعد فيه أوان، فليقدِّر العراقيون للمندائيين أنهم على هول ما عانوا غادروا، ذلك أن بقاء المندائية مرهون بهم فإن همُ ذهبت أرواحهم قضت المندائية وصارت نسيا، وقضى بقضائهم كيان حافظوا على بقائه آلاف السنين. وحتى يستقروا ويعودوا فإن ما يحصل في العراق هو الذي يدعوهم لذلك وستظهر فيهم أنهم المؤشر حقا على إستقرار العراق.
فالمعروف أن الصابئة المندائيين هم أقل الأقليات في الجانب العددي ( مع أن تسمية الأقلية غير مقبولة لكنها واقع يحاول البعض تجاوزه لفظا)، وأن حمايته لا تكون إلا من خلال سلطة الدولة ذلك أن قلة عددهم سيعرضهم الى ما لا تحمد عقباه إن هم دافعوا عن أنفسهم في ظل مثل ما مر ويمر به العراق، وبدون سلطة القانون وحمايته لا يمكن للمندائيين أن يأمنوا على أنفسهم ، وهذا الأمر لم يحصل بعد.
والمعروف إلتزام المندائيين بتعاليم ديانتهم التي لا تبيح القتل لأي سبب، والتي تحض على السلام وتتسلك به وأنهم لا يقدمون على إستخدام أي نوع من السلاح غير السلام الذي صوته لم يكن ليسمع يوم علت أصوات كل أنواع البنادق والتفجيرات، وبدون حرص دولة العراق على إشاعة السلام لا يكون للمندائيين قدرة على إستخدام سلاح غيره، وهذا الأمر لم يحصل بعد.
والمعروف أن المندائيين قد حرصوا على تأهلهم بالكفاءة الدراسية والمهنية وإحترفوا الخدمة في مجالات عديدة دون أن يرغبوا بسلطة لفرض وجودهم فصار أن تقر لهم دولة القانون الأهلية فيما يمنح المتقدمون منهم شأن العراقيين في إستحقاقات المسؤوليات وتقدير الكفاءات ولو بالنسبة الدنيا التي تظهر التوزيع والإقرار الحق، وهذا الأمر لم يحصل بعد.
ومعروف أن عددهم القليل لا يؤهل لأن يقدموا لهم ممثلا في البرلمان العراقي يشعرون به أن لهم وجود مُمَثـَّل في وطنهم فوق أن يكون الصوت الناقل لحقوقهم والمُبلغ عن إلتزاماتهم، وهذا لا يكون ما لم تراعي دولة العراق طبيعة هذا الوجود وتعتبر أن هذا التمثيل هو إقرار الإعتبار الذي تقدمه دولة العراق دليلا على الرعاية والإعتراف بالوجود، وهذا الأمر لم يحصل بعد.
ومعروف أن المهنة التي إشتهر بها المندائيون هي صياغة الذهب والفضة، وعلى قدر ما قدموا من فن فيها، فإنها جلبت لهم ويلات القتل والسرقة والتهديد بأسباب أن أول من يتعرض لعمليات النهب والسرقة والإعتداء في زمن الحروب واللااستقرار هم أمثالهم لأنهم يعملون فيما خف حمله وغلى ثمنه، وأن حماية مثل هذه المهنة تفرض إستقرارا وأمنا وشبعا كاملا لدى عامة الشعب فلا تكون السرقة والإعتداء وصولا الى القتل ظاهرة، وهذا الأمر لم يحصل بعد.
والمعروف أن أغلب وأهم طقوس المندائيين تلك التي تجري علانية في المياه الجارية فتعتمد دجلة والفرات، وبها يكون المندائيون عرضة لكل من يريد التهديد ويعمد الى التعصب ويسعى الى نبذ الآخر، ويكون سهلا للمغرضين تعكير ماء التعميد على المتعمدين بإسم الله الحي، ولا يكون الصفاء إلا بالمعرفة والقبول والحرية التي يجب أن يتربى عليها الجميع فيقرون الحق للجميع طالما أنه مؤمن وموحد للخالق ويعرفون أن الطقس وسيلة للعبادة ويمكن أن يختلف لكن لايختلف الجميع في الإيمان بإله واحد، وهذا الأمر لم يحصل بعد.
ومعروف أن عقيدة المندائيين هي أقدم عقيدة توحيد وفيها نتباهى بأن بلاد ما بين النهرين كانت السباقة في ذلك حتى صار في الإسلام الظهور الأبرز في النص للوحدانية، وأن تضمين ذلك في مناهج الدراسة ليتعلم النشئ هذه الحقائق ويتقبلها بما تجعله يتسلك بها وهو راشد ومسؤول لهوَ من أبرز علامات قبول الآخر والتسامح الديني الذي عاشه العراق بحسب ما يذكر تاريخه، وهذا الأمر لم يحصل بعد.
ومعروف أن لغة المندائيين هي الفرع النقي للآرامية الشرقية ومعرفتها تقود لمعرفة التلمود البابلي، وأن المئات من مفرداتها مازالت معتمدة في العامية العراقية، ولكن بأسباب الجور على مدى دهور صار المندائيون، الذين نسبة الأمية بينهم صفرا، أميين في لغتهم ولم يمنحوا فرصة لتوثيق تاريخهم وتراثهم. وإن الحرص على هذه اللغة العراقية والتراث الذي هو بعض تراث العراق يتطلب أن تمتد اليد لوضع مشروع ثقافي من قبل وزارة الثقافة العراقية وممثلية العراق في منظمة اليونسكو، وهذا الأمر لم يحصل بعد.
ومعروف أن للمندائيين مناسباتهم وعاداتهم، وعلى قدر إحترام المندائيين لغيرهم في مناسباتهم ومشاركتهم فيها بشهادة الجميع ، فإن لهم حق في أن لا يلزمون بالحجاب مثلا ، ولا يغيرون في زي أو هيأة لأنها عند غيرهم أيضا ويتطلب الأمرالتوعية الدائمة إعلاما وخطبا وقراءات، وهذا لم يحصل بعد.
ومعروف أن المندائيين لا يتحددون في سكنهم بإقليم معين أو بمدينة مخصصة ولا بمحلة واحدة، هم توزعوا بين العراقيين عامة في عدد من المدن العراقية ومع عامة الشعب، ومن الطبيعي أن تجد منزلا يضم أسرة مندائية محاطا بغير مندائيين، فإن النخوة والشهامة المعروفة في طباع العراقيين والتسامح وقبول التعايش المشترك هو الذي يقدم الأمان ويمسح الخوف الذي صار هاجسا يقلق المندائيين نهارا وليلا ، وهذا يتطلب إشاعة روح التعايش والقبول وسلطة القانون في إحترام الحقوق، وهذا الأمر لم يحصل بعد.
كل هذه جوانب حرمان رغم أنها من حقوق الإنسان، يشعر بها المندائيون بشكل أكبر من غيرهم بحكم ما عانوا، ولا يحققها إلا القانون بما يملي ويفرض، والقبول بما يحترم ويرضى. وعلى هذا يمكن أن نعد حالة المندائيين هي مقياس التحقق لعامة ما يحتاجه العراقيون في وطنهم. ولا نعني بما ذكرنا أن يتميز المندائيون عن سواهم، بل أن يحظوا بما يحظى به سواهم، حينذاك لا يفكر الموجودون منهم بمغادرة العراق، ويسعى من غادره الى العودة إليه سريعا وحريصا ذلك أنه سيجد فيه ما لا يجده في بلدان الغربة من متطلبات عيشه وأمانه، وأمله ومستقبله، وفوق ذلك أنه سيجد فيه كيانه وهوية وجوده. ونعلم أن بعضا مما ذكرنا يتطلب الوقت والجهد حتى يتحقق، لكن بعضا آخر ميسور ومقدور عليه، فلماذا لا يتحقق؟ ومتى يتحقق؟ وحتى يتحقق فإن ذلك يعني أن الدولة العراقية قد وصلت المصاف الذي هو أمل الجميع، فحين يمنح المندائيون حقوقهم مثلما قدموا دائما ما عليهم من واجبات وزيادة، فهذا يعني أن الأمان والقانون والديمقراطية والعدالة والإكتفاء والتسامح والقبول قد تحقق. وبمثل هذا سيبقى المندائيون طيور ماء الهور (هيوارا: البياض) وتعود أسرابهم التي غادرت الى مياه الفيض وحضن الدفء راضية مرضية.

[email protected]






#قيس_السعدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- حادثة طعن دامية في حي سكني بأمريكا تسفر عن 4 قتلى و7 جرحى
- صواريخ -حزب الله- تضرب صباحا مستوطنتين إسرائيليتن وتسهتدف مس ...
- عباس يمنح الثقة للتشكيلة الجديدة للحكومة
- من شولا كوهين إلى إم كامل، كيف تجمع إسرائيل معلوماتها من لبن ...
- فيديو:البحرية الكولومبية تصادر 3 أطنان من الكوكايين في البحر ...
- شجار جماعي عنيف في مطار باريس إثر ترحيل ناشط كردي إلى تركيا ...
- شاهد: محققون على متن سفينة دالي التي أسقطت جسر بالتيمور
- لافروف: لن يكون من الضروري الاعتراف بشرعية زيلينسكي كرئيس بع ...
- القاهرة.. مائدة إفطار تضم آلاف المصريين
- زيلينسكي: قواتنا ليست جاهزة للدفاع عن نفسها ضد أي هجوم روسي ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - قيس السعدي - المندائيون مؤشر إستقرار الدولة العراقية