أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ماماس محجوبة أمرير - قراءة في المجموعة القصصية فوبيا الكلام للقاص الليبي عبد الله احمد عبد الله















المزيد.....


قراءة في المجموعة القصصية فوبيا الكلام للقاص الليبي عبد الله احمد عبد الله


ماماس محجوبة أمرير

الحوار المتمدن-العدد: 2649 - 2009 / 5 / 17 - 04:17
المحور: الادب والفن
    


حين تصبح الفوبيا حالة خصبة
ونتاجا لسلطة غاية في الشراسة والعنف!!

--------------------------

قراءة في المجموعة القصصية (فوبيا الكلام)
للكاتب الليبي عبد الله عبد الله
الكاتبة : ماماس--محجوبة أمرير (المغرب)

إن الفوبيا نتيجة حتمية للضغوطات التي ساهمت في زعزعت الجانب النفسي للإنسان، ورمتْ به في هوة سحيقة زلزلت أمانه،وشوهت ملامحه، حيث أن قانون الغاب أصبح مؤشرا لحضارة أعطت للبشرية وجها شرسا يأكل الأفراد، ويهدّد استقرارهم النفسي، ويزرع قتامة تشير بأصابع الاتهام إلى هذا الزمن (الزمن الشرس).


فوبيا الكلام مجموعة قصصية، للقاص الليبي عبد الله أحمد عبد الله، تنطلق من هذه الزاوية عبر دلالاتها اللغوية المتعددة الأبعاد،حيث يقتحم الكاتب هذه المناطق المحظورة والقصية،التي يقع عليها التعتيم وإجراءات الإقصاء، فالكلام هنا هو الأداة التي تنقلنا إلى هذا التشكيل الحاد بألوانه القاتمة، لنستخلص في النهاية صورة للواقع كواقع مشوه، حيث تتراكم سلبياته على عاتق المواطن وإنسان هذا العصر، من هذا الواقع تأتينا فكرة هذه المجموعة مع تعدد الأشكال في الرؤية وصور القمع في واقعنا اليومي، بكل ما يحمل من سمات خاصة، ومن توتر وأمراض حضارية متعددة، حيث تعبر هذه المجموعة عن فشل هذه الحضارة في الإرتقاء بالإنسان واحترام إنسانيته، فأصبح منهمكا في صراعه النفسي والفكري والجسدي، ليتحول هذا الكابوس الشرس إلى واقع مأساوي، فجاءت المجموعة بأجواء رمادية ومعاناة صاخبة، بدلالاتها سواء السردية أو اللغوية المكثفة التي اتسمت بها غالبية النصوص، وفانتازيا في نصوص أخرى،وبالرغم أن الفانتازيا عملية خاصة بالحلم لكنها هنا موظفة بوعي كامل في سياق نفسي متعمد، لتصوير حالات القلق، والوجع الإنساني، مما أعطى المجموعة بعدا حادا للعنف والخوف ، لتأتي هزيمة الروح والإرادة الإنسانية، مآلا سلبيا، (مما أسبغ جانبا من القتامة على ملامح الشخصيات) ففقدان الإتجاه الصحيح أثر على حياة الإنسان، وزج به في تقاطيع حياة، شوّهت الحلم الإنساني .


كما أن العدد بصفته مؤثرا ومتناغما مع الأحداث، يعطي بعدا خاصا للنصوص التي تشابهت في هذه النقطة، وحملت هذا التوزيع بين اللقطات التي يلتقطها الكاتب، والتي يحاول أن يقدمها من خلال كثافة الصورة الرمزية والدلالية، و للزمن الخاص بالحدث، وهذه الاستعارات قدمت لنا الفكرة بأسلوب غير مباشر.

المبدع عبد الله أحمد عبد الله الذي يكتب في صمت ودون ضجة، أجاد بأدواته ونقل لنا الصورة بدلالتها الفنية المكثفة، فأسلوب هذا الشاب يمتلك قدرة إبداعية وبصمة خاصة و موهبة تستحق التقدير، وقد كان لي حظ متابعة نصوصه و قراءتها من خلال موقعه الخاص.


قصة الأولى : البندول

في هذا النص ليس هناك غير حوار الأجساد، كبناء رمزي و سيميائي ، حيث يتنامى الحدث بهذه اللغة الجسدية التي تؤشر للأزمة الداخلية التي حاول الكاتب أن يعطينا ملامحها بلغة سلسة وشرسة وتحريضية أيضا، تعطينا مؤشرا للجسد كنتيجة رمزية تعبر وتستخلص الجوانب السيكولوجية والثقافية، حيث يتنامى الكلام هنا كمفهوم إيمائي للفوبيا، والزمن كإلاه يجعل من رمزيته دلالة ديكتاتورية لهيمنته السلبية، وحضوره الذي يؤشر للتكرار والروتين، فهل كانت الأجساد كغلاف مادي للروح تحاول أن تقتل الزمن في هذه الدائرة المفرغة؟ التي لا تؤشر سوى لذلك المُوات الشرس الذي يأكل الإنسان من الداخل، حيث تصبح الفوبيا كلاما ينبش فيما هو مترسب داخليا، و صوت آخر يصور العناء الوجودي الممزوج بالخواء، ، لتهتز الأحداث تحت وقع أقدام (كرونوس إله الزمن) كرمز له تأثير خاص، وكإشارة للزمن بكل شراسته وفراغ شخوصه، فالزمن يكرر نفسه بقسوة وحدّة، ربما هذه فوبيا للكلام من نوع خاص، قد لا تسبب الفزع لكنها تُدخل في روعنا ضآلة العناء والعيش المحزن.

تبدأ قصة البندول في الساعة الثانية ظهرا لتنتهي في الثانية ظهرا معتمدا على سيميائية الجسد كدلالة شرسة لتصوير بؤرة العناء بكل ما تحمل هذه التيمة من دلالات وإيحاءات تعبر عن هموم وضغط الواقع .


البندول يؤشر إلى الزمن، لكن هنا، يضيف إليه الكاتب حالة خاصة بالحركة المفرغة، التي تكرر نفسها، فالزمن متشابه بالإيحاء له بحركة البندول المتكررة، وهنا إشارة كذلك إلى الخواء أو الموات كفكرة للفراغ الإنساني.

و في نهاية النص أسدلت الستارة، وكأنّ ذلك مؤشرا مسرحيا لمهزلة إنسانية ووجودية تكرر نفسها، عبر الزمن الإنساني على خشبة الحياة.



قصة الثانية - المحظوظ

المحظوظ نص يعتمد على استعارة بعض الملامح الفنتازيا لتقزيم عالم مليء بالتناقضات والشراسة، فهنا البطل يحمل ملامح خرافية، يأتي من عالم آخر مشمئزا، ببدائية رهيبة، هنا نجد علامة فارقة وهي الزمن الذي يمثله البطل، والزمن الذي تجري فيه تفاصيل هذه القصة ، وكعادة الكاتب تأتي اللغة مكثفة لتصف لنا الزمان والمكان في تنافر ملحوظ ، القصة ذكرتني بقصة أهل الكهف كبعد يحضرني هنا بقوة فهو يمثل مفارقة موازية للتناقض، شخصية البطل هنا تأتي لتقزيم الزمن، حيث ينهض من مغارة في وسط غابة، لا شيء بالصورة يجعل من المكان كانتماء للزمن الحالي، سوى إطلاق النار الذي زرع الخوف في نفسية البطل ليعود من حيث أتى في تقزيم واضح لعملاقيته.
فالمحظوظ الذي يرمز له الكاتب بشخصية عملاقة، لكن في ظل الواقع يبدو كل شيء قزما وضيقا، فتصبح الروح تحت وطأة الضغط،، مما فاقم هذه الضآلة فتحولت الحياة لسجن ضيق يؤجج عناء الروح، وينفخ في قزمية صراع البقاء( العيش ) كردة فعل لفوبيا داخلية لها معاناتها الخاصة، ففي بداية القصة يظهر النسر كرمز متداخل بين الشراسة والمعنى للقوة والتحفز لاصطياد فريسته، ويظهر البطل كعملاق كل شيء أمامه يصبح ضئيلا، ينقض على فريسته بكل سهولة، و في النهاية يعود تحت وطأة الصخرة خوفا من رصاصة، فالواقع هنا شرس كشراسة الإنسان نفسه أو هو الزمن نفسه ، ليستفرد النسر بما تبقى من الفريسة، و يملأ الأفق بمزيد من الشراسة نفسها، والعنوان كدلالة ورمز يصيبنا بالإحباط، لهذا المحظوظ الذي منحته الطبيعة مميزات مختلفة عن باقي المخلوقات، لكنه مصاب بخيبة كبيرة، والعودة إلى المغارة كتعبير عن السلبية و لا أمل في الأفق، وهذه نهاية فعلا محبطة وسوداوية.


هنا قراءة النص تأتي متشعبة وشاسعة الدلالات، فبين الواقع الذي ترمز له الصخرة، وبين ملامح الخوف الذي يؤشر له الكلام، يأتي التناقض حيث ينقل لنا الكاتب هذه الفنتازيا كإسقاط على عالمنا الراهن بكل مؤشراته التي تحتد فانتازيته إلى درجة عدم استيعابنا له كواقع.




قصة الثالثة - العميل الخاص



في قصة العميل الخاص، يبدو لنا إرهاب السلطة كحدث من خلاله ينقل لنا السارد هذه الشخصية، محاولا من خلال اللغة كعنصر للوصف أن يعطينا الملامح الخاصة بالشخصية، واللغة كبنية خاصة تنقل لنا التفاصيل، ومن خلال الأنا التي تسرد لنا الحدث حيث يحتدم داخلها صراع ورعب،فرهاب السلطة يقف في دائرة من الوعي، حالكا وضاغطا على أعصاب البطل مما فاقم لديه الرعب، ليتطور هذا الرعب إلى هذيان، فالمبدع عبد الله، استعمل بعض الرموز كي ينقلنا معه إلى عمق معاناة البطل.



اللغة تنقسم بين الحلم والواقع،أو الفانتازيا والواقعية، حين يمتزجان في نسيج واحد ليتحولا إلى كابوس يسببه الرهاب الفكري، والسلطة الجائرة التي تهدد أمن المواطن، حين يغيب عنصر احترام الكرامة، ولا يبقى سوى التواصل من خلال الإرهاب الفكري، مما يولد تعبيرا هستيريا للمعاناة، هنا حالة القمع ينتج عنها حالة من الهذيان، ثم وعي الكاتب كحالة يحاول أيضا أن يتحدى هذا القمع الداخلي بلغة رمزية، وإيحاءات لغوية تمتح أعماق النفس، لتعطينا الصورة الشرسة لهذه الحالة من الفوبيا، فهنا السلطة تنشر كابوسها، بحيث يكون القمع وسيلة تجبر المقموع على خنق نفسه بيده، كدلالة على ما يسببه القمع من هوس عظيم داخل النفس البشرية، ( الضغط حتى الموت ) حيث نجد الشخصية في هذه القصة، أنها المعنية بالقمع من خلال السلطة القامعة التي يزرعها خوف آخر أيضا، فهنا ثنائية تجمع القامع والمقموع في خانة واحدة، لأن السلطة نفسها لا تلجأ للقمع، إلأّ من خلال فوبيا خاصة بها هي الأخرى، وهنا تأتي الفوبيا ثنائية الأبعاد فالكلٌّ مدفوع بخوفه وهذه فعلا نتيجة إنسانية حزينة جدا. فالجلاد هو الضحية وهكذا.... فالسلطة محور لفوبيا متبادلة بين القامع والمقموع، وهذا ما يؤشر له حدث هذه القصة،حيث يشترك البطل في مظاهرة، وطبعا السلطة لا تلجأ للحوار في هذه الحالة مع المواطنين، فليس لديها هي الأخرى سوى زرع الخوف والإرهاب في وعيهم، لذلك نجد أن ثقافة الحوار ممزوجة دائما بالإرهاب مما يزرع الهلع والرعب الداخلي، فتلجأ الشخصية إلى أحضان الزوجة، في إشارة إلى اللجوء للذة، لتفجير طاقة الخوف والرعب، فأحضان الزوجة هي جزء من اللعبة التي تكون في النهاية مآلا سلبيا لكل المشاعر المكبوتة.

الزوجة كانت أداة مباشرة يشير إليها الكاتب كإيحاء على فراغ ورعب وانهزام الفرد الإيديولوجي، والخوف من المشاركة في الحياة السياسية، مادامت تتم تحت ضغوطات الترهيب والقهر لتنتج في النهاية فوبيا غاية في التعقيد.

فحين يسود الإرهاب الفكري والسياسي تتفاقم رغبة ووعي الفرد بمدى مأساته الكبيرة في هذا العالم، والأدهى أن الرعب تحول من سلطة محلية لسلطة عالمية تزرع رعبها بين الشعوب، فأصبحت الفوبيا تحمل أشكالا مختلفة ومتعددة.

لكن النهاية تأتي مفاجأة مدهشة حيث أن البطل يحاول إطلاق النار على الذين يزرعون الخوف بداخله في محاولة للتخلص من هذا الكابوس، ليجد أن الرصاصة استقرت في صدره، وكل الشخصيات التي كان يواجهها لم تكن سوى في مخيلته، صوّرتها له فوبيا السلطة التي تزرع الخوف والرعب في حياة الآخرين.


قصة الرابعة -ابن الأب



الراوي في هذا النص أداة محورية تقودنا لملامح الشخصية، لعلمها بكل التفاصيل الخاصة
لعقدة البطل، والمؤدية لعمق مأساته، ووصف حالته كمجرم وكضحية يقودنا لعمق الكلام الممزوج بهذه الفوبيا، بحيث يصلنا النص شاسعا بكثافة قصصية متقنة، ونستشف من خلال العنوان كدلالة إجرائية وإيحائية، و من خلال السارد أن منبعها إرثا طفوليا يقذف بالإبن إلى فوبيا حزينة وشرسة فعلا، حين يكون الدم هو الوسيلة لقتل هذه الفوبيا،فالبطل هنا يحاول أن يتخلص من كل إمرأة ساقطة، كي يحرر نفسه من عقدته وينتقم لأبوه، و يحاول أن يحقق وعده بأن ينظف الوجود من مثل هكذا نوع من النساء، اللواتي كنّ سبب بلائه، حيث يقتاد النساء إلى الغابة كمكان أكثر شراسة، ويقتل ضحاياه ثم يقذف بهنّ إلى النهر، لكن النهر يغسل نفسه من هذا اللون القاتم ويعود أزرقا، مما يفاقم الرغبة المتواصلة للشخصية من أجل الأخذ بالثأر، بالرغم أن رقم ضحاياه وصل إلى 146 إلا أن النهر لا زال أزرقا، والشخصية لا زالت متعطشة لمزيد من الدم من أجل الإنتقام، فالغاية هنا أن يصبح النهر بلون الدم، وهذه فعلا رغبة شرسة غاية في التعقيد، فالكاتب من خلال هذه الدلالات يرسم لنا ملامح الشخصية بشكل أكثر عمقا، فالرغبة النهمة للإنتقام حالة مرضية تعطي للشخصية بعدا ضاريا، و يؤشر للجريمة كرمز وبعد آخر للعنف وحالة إنسانية كانت ضحية قبل أن تصبح مجرمة.


قصة الخامسة - الجبل

هذا النص يعتمد على البناء الخارجي يحمل أبعادا لغوية تؤشر لهذه الفوبيا بلغة شرسة وعاتية من خلال الدلالات اللغوية التي تتسم بضبابية المكان والزمان كالمطر- البرد - الجبل- الشوك - الغربان - البطش- الرمل- القطعان للدلالة على الطرف الضعيف - ذو الرأس الكبيرة - ذو الرأسين للدلالة على الجانب القوي في الصراع -وقسوة الطبيعة مع قسوة الحصار، وفي رأيي أن اللغة ودلالتها هي البطل في هذه القصة حيث من خلال المتن نستشف الصورة المكثفة للفوبيا من خلال سيمياء المفردات اللغوية والجانب السردي الذي يؤشر لهذا الصراع المحوري العميق في دلالته والذي يكون فيه الزمان والمكان بعدا وجوديا وغير محدد،

لكن ومن خلال الدلالة اللغوية نستشف هذه النهاية المتفائلة كلقطة أخيرة، حيث يخترق الضوء عنان الغيوم المظلمة واللقطة تأتي كرمز لنظرة متفائلة معاكسة لكل المفردات السابقة.


قصة السادسة - الجرس


هذه القصة حالة أخرى من حالات هذه المجموعة فهي تتطرق للرعب كهستريا بأشكاله المتعددة سواء المباشرة وغير المباشرة، فالإنسان عند الكاتب عبد الله يحمل ضغطا ثقيلا لا يتحمله رأسه الصغير الذي يحمل أكثر من طاقته، أطنانا من المعاناة والخسارات والأحزان والإحباطات، وهنا تاتي الرؤية عدمية كواقعنا العدمي، بحيث يقودنا الإنكسار إلى الهروب, ففي هذا النص تهرب الشخصية من طنين الجرس، الذي يدق في سمعها طيلة الوقت - الوقت هنا له أيضا جرس، فهل هذا الهروب يعني الهروب من الزمن الشرس -الذي كرس العناء والخسارة للفرد- إلى الموت؟ الهروب هنا فوبيا صورها الكلام لنا كابوسا يتحول مع الضغط إلى هستيريا، البطل هنا يسمع دقات الجرس، فيتجه للمنبه كي يتفقد أن الصوت يأتي منه، هنا يأتي البطل مستغربا لهذا الرنين الذي يسمعه دون الآخرين، فهل أهل المدينة تعودوا على سماع رنين هذا الجرس؟فالبطل حين استفسر من الآخرين عن هذا الصوت، أشاروا عليه أن يتخلص منه بالدلو، وطبعا أجبر نفسه على إغراق جمجمته بالدلو وظل هكذا حتى انبثق من جسده جناحان كدلالة على الحرية (الموت) من عبء هذا الجرس حيث طار مخلفا وراءه أهل المدينة تحت وطأة هذا الطنين.


القصة من خلال الحدث الذي تعبر عنه هذه التفاصيل، تنقل لنا فوبيا إنسانية ، حيث أن الكاتب يختار بطلا آخرا ليصور لنا الإنهيارات النفسية، وكيف أنها دافع لمزيد من الإحباطات الوجودية برغم الغموض الذي يكتنف الدوافع لكنها في النهاية مأساة من مآسي الوجود، ففي هذا النص يلعب الكاتب على استخلاص النتائج النفسية بكثافة تتطلبها القصة، وطبعا التأويلات هنا مفتوحة للقارئ يستخلص منها الهدف الإبداعي من خلال وعيه الخاص وخلفيته الثقافية .






قصة السابعة - الإنزلاق نحو عالمٍ أخر

القصة تتخذ النمل كرمز للتعبير عن عالم الشخصية وإنزلاقها إلى عالم الجنون( حيث حرية الجسد في تمازج مع العالم الداخلي) لكن القمع الجسدي يعتبر قمعا أيضا لعالمها الداخلي الذي تعُود منه عند تناول الدواء، وهذه السلطة تعبر عن مدى معاناة الشخصية لهذا القمع، كما يعتمد السارد على المونولوج الداخلي، حيث يقودنا بطل القصة لمعاناته النفسية والضغط الخارجي الذي يمارس عليه، حيث تكابد الشخصية هذا التنافر بين داخلها والواقع كدلالة للقمع النفسي، وهذا يتضح لنا جليا في آخر القصة حيث نصحو على اعتداء الأطفال على الشخصية وهو غارق في هوسه وعلى صوت زوجته تأنّبه عن عدم تناوله للدواء في موعده، ليصحو من عالمه مبتئسا، ويعود إلى سجنه المادي،فهل الجنون نوع من الحرية الإنسانية؟.

أما رحلة الشخصية مع النمل فهي حالة من حالات الحرية التي تحسها، ورموز موازية لوصف وقراءة حالة من حالات الفوبيا أيضا، التي قدمها لنا الكاتب في شخصية تتسم بالجنون ورهاب سلطة الآخرين عليها من خلال الجسد كخلفية عميقة، معتمدا على تقنيته الخاصة، لتصوير المناطق البشعة للسلطة حين تستهدف الحرية من خلال قمع الجسد.

قصة الثامنة - ساعة الصفر
من خلال لقطات تشبه سيناريو درامي لبداية فيلم سينمائي، ندخل إلى هذا النص المليء بالإيحاءات السردية و اللغوية التي تؤشر إلى صقيع إنساني متهالك، الإيحاءات بين برودة الطقس وملامح الحدث، جعلت من هذه الشذرات التي تكمل بعضها نصا جميلا وغامضا وموحشا في نفس الوقت، جعلنا نؤجج خيالنا لنكمل ما تبقى من الصورة التي تحمل تأويلات خاصة، في هذا النص نوع من التواطؤ المتعمد من الكاتب، تكتمل تفاصيله عند القارئ، لنجد نصا تتعدّد فيه وسائل الإبداع من الكاتب إلى القارئ لتمتزج خلفيات ووعي لكل منهما، وهذا تحريضا من الكاتب لرفع من مستوى المتعة في القراءة، وأظن أن المبدع الذي يقود القارئ لهذه النتيجة لهو مبدع يستحق الإحترام، فالنتاج الإبداعي يجب أن يتخطى الحاجز الذي بين المبدع ككاتب والقارئ كمبدع أيضا، لأنها محاولة لإنتاج أرضية ثقافية خاصة تساهم في التواصل وتطور الوعي .
هذا النص حالة خاصة ضمن هذه المجموعة فهو يعتمد أيضا على البناء الخارجي،وجاء العنوان ليستخلص الدلالة الرمزية للنص، دون أن يتناول حدثا تقليديا، حيث نجد أن التفاصيل الداخلية للحدث على القارئ أن يساهم بإبداعها من خلال التأويلات المتعددة التي يحتملها النص, والبناء الخارجي للنص هو المؤشر نحو ذلك، فأثناء القراءة نكتشف التواطؤ بين الشخصيات الرئيسية ( رجل المعطف والسيدة اللذين يكتنفهما الغموض) حيث يقدم لنا الصورة بتقنية السيناريو لوصف الجو العام الذي لم يخرج عنه بناء النص سواء السردي أو اللغوي، ليصور لنا حركات الشخوص و لحظات الفعل الغامض( الذي لم يفصح عنه النص) من خلال شخصية البطل والشخصيات الثانوية.
في ساعة الصفر، نجد أنفسنا متورطين بتحريض من الكاتب الذي يزج بنا في لعبة التأويل على ما تنطوي عليه الإيحاءات، وهذا ما قصدته بالتواطؤ الإبداعي، فالبطل هنا هُما الكاتب والقارئ، وهنا تبدأ لعبة الإبداع والنص المفتوح على التأويلات الخاصة، وكل ما حاول النص أن يقوله هو أن ساعة الصفر أزفت،فالكلام يصور لنا هذه الفوبيا وعلينا أن ندرك ما وراء هذا الإيحاء، والكاتب ترك لنا حرية اختيار الفعل الذي من أجله حانت ساعة الصفر.

إن الفوبيا في هذا النص جاءت بلغة موحشة وحادة، حيث تصور لحظة من لحظات التواطؤ بين شخصين، فمن خلال البناء الخارجي كبعد رمزي للعنف جاء الوصف حادا - كالمعطف -القفازات - السّجار الكوبي الذي يستعمله عادة المجرمين الكبار وليس بالضرورة أن يكونوا قتلة - برودة الجو التي تشبه برودة أعصاب المجرمين- التعرق الذي يسببه الخوف والترقب- والوجوم من اقتراب ساعة الصفر - والجرح في وجه البطل كعلامة من علامات الاحتراف والانحراف - السيدة صاحبة اللباس الداكن- كلها رموز لوصف حالة من حالات الفوبيا الرمادية كنتاج للعنف والرعب.

وأخيرا إن من يقرأ للمبدع والكاتب عبد الله أحمد عبد الله، لا بدّ يكتشف ملامح أخرى متعددة لمتعة نصوصه وبناءها الفني، حيث يجعلنا نزداد يقينا أن الفن والإبداع والحفر داخل النفس البشرية، وسيلة راقية من وسائل التعرية، والتطهّر، وتخليص الذات من أدرانها، حيث أن الصمت لا يساهم إلا في تفاقم الوضع، ويجعل الرؤية أكثر سوداوية، لأن الكتابة كذلك هي الأداة الوحيدة لكي نحتفظ بما تبقى لنا من علاقة مع الحياة بكل عبثيتها وجنونها.



#ماماس__محجوبة_أمرير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حزن الرب
- قراءة في المجموعى القصصية طفولة مزمنة لناصر الريماوي


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ماماس محجوبة أمرير - قراءة في المجموعة القصصية فوبيا الكلام للقاص الليبي عبد الله احمد عبد الله