أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسين الحاجبي - إنها الآن قطرة، و لكنها قد تصبح نافورة تغرق العالم















المزيد.....



إنها الآن قطرة، و لكنها قد تصبح نافورة تغرق العالم


حسين الحاجبي

الحوار المتمدن-العدد: 808 - 2004 / 4 / 18 - 10:10
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



قلت أننا تخلصنا من نظام وحشي و لكن جاء الإحتلال بدلاً عنه. إستاء الأصدقاء و احتجوا "و لماذا لا تعتبره تحريراً؟". و بعد فترة قصيرة قال المحتلون أنفسهم بأنهم محتلون. بل و أصدروا قراراً عن طريق الأمم المتحدة لشرعنة الإحتلال!........قلت بأن الأمريكان لا يمكن أن يجلبوا الديمقراطية لأي شعب، لأنها عدوتهم. سخط أصدقائي مستنكرين. يبدو أنهم نسوا دعمهم المتواصل للدكتاتوريات حول العالم، و نسوا تهليل كونداليزا رايس للإنقلاب الفاشل على الحكومة المنتخبة ديمقراطياً في فنزويلا الذي لم يعش أكثر من يومين، و لكن حماسها لديمقراطيتها الخاصة لم يدعها للتريث لحين التأكد من مصير الإنقلاب قبل تورطها في تأييده........ قلت بأنهم كانوا على علم بهجمات 11 سبتمبر و لم يفعلوا شيئاً لمنعها لأنهم كانوا ينتظرون مثل هذه الذريعة لاكتساح العالم. أحتجوا مرة أخرى بقولهم أن هذه نظرية المؤامرة. و إذا بريتشارد كلارك، ثم المترجمة في الأف بي آي و أخيراً وثيقة في البيت الأبيض تفضح الحقائق. و يبدو أن الحبل على الجرار! و أنا في حيرة من أمري: هل يجب شطب كلمة المؤامرة من قاموس اللغة؟ و إذا فعلنا ذلك في قاموسنا العربي فهل ستفعل بقية الشعوب نفس الشيء؟ ألم تكن هناك مؤامرة في الممارسات السياسية أصلا؟ إذن ماذا نسمي حرق هتلر للراخشتاخ ليتهم الشيوعيين بذلك؟ و ماذا يدعى إستفزاز الأمريكان لليابانيين عام 1941 و جرهم لضرب بيرل هاربر للحصول على المبرر لدخول الحرب العالمية الثانية؟ و ما هي تسمية إسقاط النظام الوطني في العراق عام 1963 و إسقاط مصدق في إيران عام 1953؟ و الأمثلة لا تعد ولا تحصى. أما إذا قيل بأن المؤامرة اختفت حديثاً فإني أتسائل هل حدث هذا بسبب صحوة الضمير لدى الساسة و توبتهم (كما يقول الدكتور موفق الربيعي) و رجوعهم إلى الأخلاق النبيلة؟ هل هناك شيء مثل هذا في قاموس السياسة العالمية؟.... .... قلت بأنهم ليسوا جمعية خيرية ليتطوعوا لتحرير شعب آخر من دكتاتور ساهموا هم في خلقه، و إنما جاءوا لمنابع النفط من بين أهداف أخرى. كل ما في الأمر أن مصلحتنا التقت مع مصلحتهم: نحن تمنينا أن يذهب صدام و نظامه إلى الجحيم حتى على يد الشيطان، و هم فعلوا ذلك لأجندتهم الخاصة بهم و ليس لتحقيق حلمنا. إحتجوا أيضاً "ماذا يفعلون بالنفط؟ هل يشربونه؟ إنهم منتجوا نفط أصلاً". لهؤلاء الأصدقاء أهدي ترجمتي لمقالة قرأتها في مجلة تايم الأمريكية عدد 13 مايس من العام الماضي. و لم يخطر ببالي أن أترجمها للنشر إلا بعد هذا الوقت الطويل لأشارك أصدقائي في الإطلاع على معلومات مفيدة.

حسين الحاجبي



إنها الآن قطرة، و لكنها قد تصبح نافورة تغرق العالم


صحوة على نفط العراق

لدونالد بارليت و جيمس ستيل

لا يسع المرء و هو ينظر إلى العراق اليوم أن يتصوره عملاقاً نفطياً. فهو على شفا الشلل بسبب أزمة الطاقة. فالسواقون ينتظرون في طوابير لا نهاية لها، و أحياناً لأيام، لشراء البنزين. ألكهرباء تأتي و تروح، و البيوت تفتقد الغاز للطبخ. و العراق الذي كان ينتج 3,5 مليون برميل يومياً في أيام العز ينتج الآن أكثر بقليل من 5% من تلك الكمية.
و المصافي تعمل بأقل من 30% من طاقتها. و لكن الصورة تناقض حقيقة أعمق، و هي أن العراق مؤهل لأن يكون أكثر اللاعبين أهمية في سوق النفط العالمية. فبالرغم من أن كل يوم يكشف لنا عن مزيد من حالات تلف مكائن النفط الخام، و الأنابيب المشروخة، و الأجهزة الصدئة أو التي دمرها اللصوص، و تكنولوجيا السبعينيات في القرن الحادي
و العشرين، فإن العراق هو البلد الوحيد الذي يمكنه أن يغرق العالم بنفط رخيص بالقياس إلى العربية السعودية. و هذا يضع واشنطن أمام امتحان كبير.

لقد كان وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد ثابتاً على رأيه بخصوص طبيعة الحرب في العراق: "ليست للحرب أية علاقة بالنفط، لا علاقة بمعنى الكلمة". و إذا أوحى بهذا باحتجاجه الشديد على التهمة الموجهة إليه فذلك لأن إدارة بوش تريد أن تثبت أنها لا تنوي استغلال الثروة الكامنة في جوف الأرض العراقية، على عكس الإعتقاد السائد عالمياً. بيد أن القوات الأمريكية قامت بعد ساعات من بدء الغزو بالسيطرة على محطتين بحريتين اللتين تستطيعان أن تحملا البواخر بمليوني برميل يومياً. كما أنها أمّنت حقل نفط الرميلة بتلك السرعة التي لم تستطع معها قوات صدام المتراجعة إشعال النيران في أكثر من تسعة آبار مقارنة بستمائة و خمسين بئراً كويتية أحرقوها أثناء حرب الخليج الأولى، كما أن القوات الأمريكية المحمولة احتلت حقول النفط الشمالية في كركوك و هي سليمة تماماً.

و بعد ثلاثة أسابيع، عندما توغلت القوات الأمريكية حتى وسط بغداد توجهت مباشرة إلى وزارة النفط و أحاطته بدرع من الحماية. و في الوقت الذي نهبت فيه الأبنية الحكومية الأخرى، من وزارة الأوقاف إلى المتحف الوطني، و بينما أفرغت المستشفيات من الأدوية و الأجهزة الأساسية، (تحت أنظار القوات الأمريكية و البريطانية المتفرجة – المترجم) كانت وثائق النفط سليمة و في مأمن تحت حراسة الجيش الأمريكي. (لا بد لنا أن نتذكر تعليق رامسفيلد الوقح و المهين على نهب المؤسسات الحكومية بأن الشعب العراقي يمارس حريته التي حرم منها، و كأنه يريد أن يوحي بأن الشعب العراقي عبارة عن مجموعة لصوص! – المترجم). أما الجنرال ريتشارد مايرز، رئيس أركان الجيش الأمريكي، فله تفسير لهذا الوضع: "أعتقد أن المسألة هي مسألة اولويات، مثل أي شيء آخر".

بصرف النظرً عن أفكار رامسفيلد، فإن النفط – من يمتلكه ومن ينتجه و من يثبت سعره – يتحكم بكل شيء مهم في الخليج الفارسي و يؤثر على الإقتصاد من كل مكان. و بينما أكد بوش مراراً بأن نفط العراق يملكه شعب العراق – "سنضمن بأن تستعمل مصادر العراق الطبيعية لصالح أصحابها، شعب العراق" – فإنه قال بأن الأمر يتعدى العراق بكثير. لا تقرر كمية النفط التي يوفرها العراق للسوق العالمية مستوى معيشة العراقيين فحسب، بل أنها ستؤثر على كل شيء إبتداء من الإقتصاد الروسي إلى السعر الذي سيدفعه الفرد الأمريكي لشراء البنزين، و من إستقرار العربية السعودية إلى مستقبل إيران.

لماذا العراق بهذه الأهمية؟ ليس فقط لأن لديه الإمكانية لأن يصبح أكبر المنتجين في العالم، بل أيضاً لأن لا بلد يمكن أن ينتجه بالرخص الذي يفعله العراق. و ذلك لأن العراق يحق له لأعتبارات جيولوجية أن يتباهى بأن لديه أكثر الآبار غزارة في العالم. ففي عام 1979، أي سنة واحدة قبل أن تدمر أولى الحروب الثلاثة آبار العراق النفطية، أنتجت كل بئر من آباره ما معدله 13700 برميل يومياً في مقابل 10200 برميل كمعدل لكل بئر سعودية. أما الآبار الأمريكية الآيلة إلى النضوب تدريجياً فإن الواحدة منها لا تنتج أكثر من 17 برميلاً فقط. و هكذا فإن أكثر من 800 بئراً أمريكية مجتمعة يمكنها أن تنتج ما تنتجه بئر عراقية واحدة. و بالنتيجة فإن تكاليف إنتاج البرميل الواحد من النفط من باطن الأرض الأمريكية هي 10 دولارات، و 5 دولارات في بحر الشمال، و هي 2,5 دولاراً في السعودية، بينما هي أقل من دولار واحد في العراق حسب الدكتور فاضل الجلبي، المدير التنفيذي لمركز دراسات الطاقة العالمية في لندن و وكيل وزارة النفط العراقية سابقاً. و الأكثر من هذا فإن معظم المخزون النفطي المعروف لم يستغل بعد. لهذا السبب يتكالب الجميع على هذا البلد، و إن لكل واحدة من قوى العالم الرئيسية و المجموعات الدولية أجندتها لنفط العراق، من بينها:

ألولايات المتحدة الأمريكية. كانت السياسة الخارجية الأمريكية المتعلقة بالنفط في نصف القرن الماضي تعتمد الدسائس و الخداع، بدءاً من إسقاط رئيس وزراء إيران عام 1953 إلى تسليح المتمردين الأفغان خلال الثمانينيات، ومن فرض الوجود العسكري الدائم في الخليج الفارسي إلى دعم صدام حسين المبكر في العراق. و إذا كان الحديث عن العراق يدور الآن علناً بما معناه أن الحرب قامت حقيقة لتحرير العراق من دكتاتور و لتجنيب العالم تهديداً أمنيا كما تؤكد إدارة بوش، و ليس لوضع اليد على احتياطات النفط، كما يعتقد معظم الناس في العالم فإنها سابقة تاريخية. إن المقياس الذي نحكم به على النوايا الأمريكية هو إيران الخمسينيات (أنظر إلى القصة التالية). (ستكون هذا القصة المعنونة "ألأمريكان المنفطين" هي موضوعنا القادم – المترجم). لم يكن لشركات النفط الأمريكية وجود في إيران قبل الإطاحة بحكومتها بدعم من الأمريكان. غير أن خمس شركات نفط أمريكية دخلت هذه البلاد بعد الإنقلاب و أنتجت النفط للسنوات الخمس و العشرين القادمة. ( يقول خبير إيراني نسيت إسمه في كتابه "النفط و السطوة" إن أحد أعضاء فريق إيران الشاه المفاوض بعد انقلاب 1953 مباشرة سأل رئيس الفريق الأمريكي كم من النفط يحق لإيران أن تبيعه لحسابها الخاص، أجابه الأمريكي "بقدر ما تسعه قبعتك من النفط" – المترجم). و كونها الآن تعتمد على الإستيراد أكثر من أي وقت مضى فإن الولايات المتحدة تعمل على تنويع مصادرها من النفط.

روسيا. قبل الغزو الأمريكي الذي عارضه بشدة الرئيس فلاديمير بوتين وقعت روسيا عقوداً لتطوير حقول جديدة في العراق و إنتاج 710000 برميل يومياً. و يبقى علينا الإنتظار لنرى ما إذا كانت الحكومة العراقية الجديدة المدعومة من الأمريكان ستحترم تلك العقود. و لكن عدا عن الوصول إلى نفط العراق فإن روسيا لا تحب أن يصبح العراق منتجاً رئيسياً من وزن السعودية. و ذلك لأن روسيا هي نفسها مصدرة للنفط يعود عليها بالمليارات. و بالرغم من أنها قد توسع فتحة حنفياتها أكثر مما تفعل السعودية، كما فعلت إعتباراً من 1991 فإنها لا تستطيع إنتاج الخام بسعر رخيص كما في العراق.

العربية السعودية. ربما يعتقد المرء بأن أكبر منتجي العالم قد يكون مؤمناً مالياً بصرف النظر عن مدى المنافسة. غير أن هذا الإعتقاد ينطوي على الخطأ. ففي عام 2000 أنتجت آبار السعودية 8,1 مليون برميل من النفط الخام يومياً. و قد بيع البرميل من النفط العربي الخفيف ذي النوعية العالية بمعدل 26,81 دولار للبرميل الواحد. و كان هذا كافياً لدفع المملكة إلى الغرور لهذا الإنجاز النادر. إلا أن الحكومة السعودية عانت من العجز في الستة عشر من فترة السبعة عشر سنة الماضية لأن واردات النفط عجزت عن مواكبة المصاريف. و بالنتيجة فإن البلد الذي كان الجميع يظنه مرادفاً للثروة أصبح غارقاً في الديون. أما عندما يبدأ العراق في إنتاج كميات كبيرة من النفط للتصدير في غضون سنوات قليلة ما يدفع الأسعار إلى الهبوط سيزداد وضع السعودية، التي تتأرجح بين أساليبها الفاسدة و بين انفجار سكاني من المتطرفين الإسلاميين، سوءأً. و قد يخلق هذا مشاكل جدية للعائلة المالكة.

الصين. لقد وقعت الصين مثل روسيا عقوداً مع حكومة صدام لإنتاج 900000 برميل يومياً. غير أن الصين و خلافاً لروسيا تحتاج كل ذلك النفط لنموها، بل و أكثر بكثير. لقد ساد الإعتقاد لسنوات عديدة بأن الصين مكتفية ذاتياً من النفط، و لكن ذلك يبدو بعيد الإحتمال. فالصين تستورد حالياً مليوني برميل يومياً و هي في طريقها لكي تصبح ثاني أكبر مستورد للنفط بعد الولايات المتحدة الأمريكية. فالصين بحاجة لبزوغ منتج كبير آخر.

فرنسا. كانت لفرنسا، المنتقد الشديد للحرب، علاقات تجارية حميمة مع العراق لمدة طويلة. و قد عملت شركات النفط الفرنسية هناك للسنوات الخمس و السبعين الماضية. و بالرغم من أنهما لم يوقعا عقوداً فإن فرنسا و حكومة صدام وقعتا مذكرة تفاهم في أوائل التسعينيات داعية الشركات الفرنسية لاستغلال حقول النفط و إنتاج مليون برميل يومياً. و فرنسا، شأنها شأن معظم دول أوربا، تعتمد على النفط المستورد و على مشتقاته لسد احتياجاتها التي تقدر بمليوني برميل يومياً.

و هناك أخيراً هيئة أخرى لها اهتمام بنفط العراق، و هي الأمم المتحدة. فكان عليها أن ترفع الحصار الإقتصادي عن العراق لكي يبدأ بتصدير النفط للحصول على النقد. و قد قدمت إدارة بوش ألأسبوع الماضي مشروعاً إلى مجلس الأمن لرفع الحصار لتمنح الولايات المتحدة و حلفاءها سيطرة واسعة على صناعة النفط العراقية و على الحكومة إلى الوقت الذي تنصب فيه حكومة دائمية.

و بالرغم من الطموحات البعيدة المدى فإن صناعة النفط العراقية التي تعاني حالياً من الخراب غير قادرة على أنتاج ما يكفي من النفط الخام و من مشتقاته لسد الإحتياجات الداخلية، دعك عن التصدير للعالم. و لأن محطات الوقود تعاني من النقص الشديد فإن السوق السوداء قد رفعت الأسعارعلى نحو خيالي. و عندما جلب الأمريكان الوقود من الكويت بالشاحنات في الأسبوع الماضي ابتدأت الأسعار بالهبوط. أما المصافي فهي شبه مشلولة، بسبب النقص في الطاقة الكهربائية بالدرجة الأولى. أما مصفاة البصرة، ثاني أكبرمصافي العراق، فإنها تعمل بأقل من نصف طاقتها، و لكن لسبب آخر: النقص في المواد الكيميائية لأنتاج الوقود المرصص (من الرصاص – المترجم) الذي لا تزال تستخدمه سيارات العراق.

و بالإضافة إلى المشاكل الفنية فإن صناعة النفط قد أصابها الدمار بسبب النهب الذي لم يتوقف. جاري فولغر، أحد مدراء شركة إكسون- موبيل النفطية الذي عينه مكتب إعادة الإعمار و المساعدات الإنسانية مستشاراً لوزارة النفط، أخبر مجلة تايم عن النهب الذي طال إحدى محطات أجهزة الضغط شمال العراق ما أدى إلى عرقلة العمليات هناك. "أخذوا بعض المحركات و دمروا المحطة بشكل كبير. فإذا تكرر مثل هذا الشيء كثيراً فإن الشروع في التشغيل مجدداً سيتأثر بشدة". و يقول فولغر إن وزارة النفط تعد قائمة بالمواقع التي يجب حمايتها من قبل القوات الأمريكية. و يقول "يتراءى لي أن النهب قد سبب أضراراً أكبر من التي سببتها الحرب". يقول توم لوجسدون من كتيبة المهندسين في الجيش الأمريكي بأن تأمين الطاقة الكهربائية على نطاق البلاد هو المفتاح لإعادة إيقاف الصناعة على قدميها.

و مع ذلك فإن بوش متفائل حول تحريك الأمور سريعاً. قال ديك تشيني مؤخراً "يجب أن نعيد الإنتاج إلى مستوى 2,5 إلى 3 مليون برميل يومياً خلال هذه الفترة و حتى نهاية السنة". يرى صناع السياسة الأمريكيون في الوقت الحاضر على الأقل العراق منتجاً متذبذباً، المنتج الذي يمكنه تجهيز ما يكفي من النفط لإضفاء التوازن على العرض و الطلب العالمي و لدعم الأسعار. (لو كانت هناك سوق نفطية حرة حقيقية لكان النفط الخام يباع بـ 12 دولاراً أو أقل للبرميل الواحد بدلاً من 26 دولاراً، و لهبط سعر الجازولين إلى أقل من دولار للغالون). إن أهمية العراق لملء هذا الدور قد عبر عنه قبل سنتين في دراسة مغمورة عن الطاقة، أصدرها مجلس العلاقات الخارجية و معهد جيمس أ. بيكر 3 للسياسة العامة لجامعة رايس، موجهة لوزير خارجية الرئيس بوش الأب. يقدم التقرير هذه الصورة: "إن أسواق النفط قد زادت إحتمالات إضعاف أمريكا و العالم و منحت الخصوم تحكماً قوياً في أسعار النفط. لقد أصبح العراق منتجاً متذبذباً رئيسياً مما يخلق وضعاً صعباً للحكومة الأمريكية".

أما الآن و قد وضعت الحرب أوزارها و الولايات المتحدة تحتل العراق، فإن دور العراق كونه منتجاً غير مستقر يخلق عدداً من المشاكل. إذا حدد العراق إنتاجه بـ 2,5 إلى 3,5 مليون برميل يومياً فإنه سيخفق في الحصول على الأموال الكافية لإعادة بناء بناه التحتية، و لأن تدفع جزءاً على الأقل من تعويضات الحروب و من ديونه البالغة 400 بليون دولاراً، و لتحديث آبار النفط الموجودة و لفتح الجديدة منها، و لرفع مستوى معيشة شعبه. لقد استنتجت مجموعة استشارية من المنفيين العراقيين المدعومة من وزارة الخارجية إن على العراق أن يضاعف إنتاجه مع نهاية العقد لـ "ينعش إقتصاد العراق و لينتشل شعبه من البؤس". يعتقد البعض من الخبراء إنه إذا ما فعل العراق ذلك فإن الطلب المتزايد على النفط حول العالم سيلتهم ذلك الإنتاج الجديد بمجرد النزول إلى السوق و بهذا تبقى الأسعار مستقرة. و لكن في سيناريو آخر قد تهبط أسعار النفط بشدة فتخلق عدم استقرار في أماكن أخرى، و خاصة في العربية السعودية. و هذا ما ستسعى الولايات المتحدة ربما إلى منعه. (لا بد هنا من أن نتذكر السيناريو الذي دعى إليه توماس فريدمان، الصحفي الشهير، قبل الحرب بفترة قصيرة في النيويورك تايمز. يقول فريدمان إن سعر النفط يجب أن ينخفض إلى مستوى 8 دولارات للبرميل. عندها ستفقد الأنظمة الدكتاتورية مثل العربية السعودية الأموال اللازمة لقمع شعوبها، فتسقط تلقائياً و تقام أنظمة ديمقراطية على أنقاضها – المترجم)

و لكن هل ستقيد الولايات المتحدة إنتاج البلد للمحافظة على الهدوء؟ إن الإنتاج المقيد في العراق قصة قديمة. فقد كان النفط الضحية دائماً منذ أن اكتشف في كركوك عام 1927، على بعد بضعة أميال من شعلة نبوخذنصر الأزلية. فقد حفرت شركة نفط العراق التي تملكها شركات النفط الأمريكية و البريطانية و الهولندية العملاقة أول بئر. فضخت بفعل الضغط الجوفي 100000 برميل يومياً. و لكن النفط بهذا الرخص هو آخر ما تريده شركات النفط العالمية. و لهذا وضعوا غطاء فوق البئر و جلسوا على الحقل طيلة الثلاثينيات لأن النفط كان وقتها قد أغرق العالم و كانت الأسعار واطئة أصلاً، فقد هبط سعر نفط تكساس من 1,3 دولاراً للبرميل إلى 5 سنتات

إلا أن الظروف قد تحسنت في الأربعينيات و الخمسينيات و لكن بشكل ضئيل. فلقد أشارت مذكرة لوزارة الخارجية في أكتوبر من عام 1964 إلى أن شركة نفط العراق قلصت الإنتاج منذ زمن طويل "حسب المصالح العالمية لشركات النفط المساهمة و ليس فقط بحسب مصالح العراق". ثم تقلص الإنتاج فيما بعد بسبب الغليان السياسي الداخلي خلال السبعينيات و الثمانينيات، و بسبب الحصار من عام 1990 و لحد الآن.

و باختصار فإن العراق لم يبلغ طاقته الكاملة على الأطلاق، إذ بلغ أقصى مداه 3,5 مليون برميل يومياً عام 1979. أما كم من النفط يمكن للعراق الجديد أن ينتجه فهذا يعتمد على عوامل عديدة: ما إذا كانت الحكومة الجديدة ستشجع شركات النفط الأجنبية أن تطور الحقول بخبراتها الفنية و بأموالها. ما إذا كان العراق سيعود إلى وضعه السابق كعضو بالأوبك ملتزم بحصص الأنتاج – أو أن يتجاهلهم و ينتج أية كمية تناسب الشعب العراقي. ما إذا كان العراق سيتحالف مع روسيا و فرنسا و الصين، من بين آخرين، لإدارة الإنتاج. و ما إذا كانت الولايات المتحدة و بريطانيا ستأخذان زمام الأمور بأيديهما. في السنوات التي سبقت الحرب اشترت الولايات المتحدة ما يقارب 600000 برميل يومياً بموجب برنامج النفط مقابل الغذاء على الرغم من عدم وجود أية شركة أمريكية هناك.

إن الإستثمار كبير جداً و ذو مردود كبير جداً أيضا و لكنه ينطوي على المجازفة. قد تكون الصفقات المبكرة لإرجاع حقول النفط إلى الإنتاج من جديد و لإعادة إعمار البلد مؤشراً على أن الولايات المتحدة غير مستعجلة لجلب الشركات الأجنبية إلى الخليط. فلقد منحت شركات هاليبرتون و هيوستن، مجهزي حقول النفط، و بكتل و سان فرانسيسكو الهندسية الإنشائية عقوداً بما يوازي 800 مليون دولاراً. و معروف أن ديك تشيني كان مديرهاليبرتون قبل انضمامه للإدارة الأمريكية. غير أن البيت الأبيض يقول إنه لم يلعب دوراً في اختيار الشركة.

إن إعادة إنتاج العراق إلى مستوياته السابقة سيكلف بضعة بلايين من الدولارات فقط، بينما يحتاج استغلال كل احتياطاته إلى عشرات البلايين منها. و لهذا السبب يريد المنفيون العراقيون و إدارة بوش أن يروا صناعة النفط مخصخصة لاجتذاب الإستثمارات الأجنبية، و هو اعتقاد راديكالي في وسط حكومات قومية تعتمد الإنتاج بنفسها. يقول عصام الجلبي، وزير النفط العراقي السابق بين عامي 1987 و 1990، و استشاري طاقة خاص منذ ذلك التاريخ في عمان – الأردن، لمجلة تايم إن الحصول على إنتاج 6 مليون برميل يومياً يتطلب استثماراً في حدود 30 إلى 40 بليون دولاراً. إن كون 17 فقط من الثمانين حقلاً المكتشفة قد استغلت يعطي فكرة عن إمكانيات العراق. و يعتقد مسؤول عراقي سابق آخر أن العراق يمكنه إنتاج 12 مليون برميل يومياً ما يجعله المنتج رقم واحد في العالم.

إن سار العراق على هذا النهج فإن التداعيات السياسية ستكون شاملة. فهو سيعني نقداً أقل للروس الذين بدأوا للتو بترتيب بيتهم الإقنصادي بفضل صادرات النفط. و هو سيعني موارد أقل لإيران غير المستقرة و التي يشك في أنها تطور الأسلحة النووية. و سيعني أيضاً نقداً أقل لرجال النفط التكساسيين و لشركات النفط في كل مكان. و سيعني نقدا أقل لمنتجي النفط الجدد الذين يراهنون على شدة الطلب على نفطهم الأكثر كلفة في الإنتاج. و الأكثر أهمية من كل ذلك هو نقد أقل للعربية السعودية. و هذا ما لا يتحمله البيت السعودي. إن ما يدعى بسعر البيع المقبول لنفط العالم، و هو 25 دولاراً للبرميل الواحد قد ثبت لتلبية الإحتياجات الأساسية للعائلة المالكة الموغلة في الفساد الذي يجعل من صدام حسين ملاكاً بالمقارنة. فكما أوضح السفير السعودي لدى الولايات المتحدة مرة: إذا ذهبت 50 مليون من مجموع 400 مليوناً إلى أغراض الفساد "فما المشكلة؟ فلسنا نحن من اخترع الفساد". إن "العائلة" و هي جزء من "العائلة المالكة" لا تعد بالمقاييس التقليدية. إن التقديرات غير الرسمية تضع العدد ما بين 6000 و 30000. و لهذا هناك الحاجة لكل واردات النفط التي تصب بمعدل 50 بليون دولاراً في السنة. و هذا ما معدله 6700 دولاراً لكل سعودي في سن العمل. إلا أن توزيع الموارد لا يتم بهذه الطريقة. فمعظم الثروة تنحصر في قبضة العائلة المالكة. و الأموال تخدم غرضين أساساً. الأول هو الحفاظ على أسلوب حياة العائلة المترف. فالقصور في كل مكان، و عندما يسافر الملك ترافقه حاشية تعد بالآلاف، و التكاليف أكثر من 4 ملايين دولاراً في اليوم عدا عن مصاريف التسوق. أما الغرض الثاني و الأهم هوالسيطرة على النمو السريع لتعداد الإسلاميين الأصوليين.
و في السعودية أعلى نسبة تكاثر في العالم تقدر بـ 4,5%، حيث بلغت نفوسها أكثر من ضعف ما كانت عليه عام 1980، إلى 17,3 مليون نسمة، أكثر من ثلاثة أرباعهم تحت سن الثلاثين. و بالرغم من كل بلايين النفط فقد انتشرت الفاقة، و ارتفعت الديون إلى حدود خارجة عن السيطرة. فهي تقدر بـ 170 بليون دولاراً و هذا ما يعادل إنتاج السلع و الخدمات السنوية للبلد. و قد هبط الإنتاج الوطني الإجمالي للشخص الواحد من 15800 دولاراً عام 1980 إلى 8200 دولاراً عام 2001. أما البطالة فتقدر بـ 30%. و معظم السكان لم يحصلوا على التعليم الجيد. يقول مدير الـسي آي أي السابق آر. جيمس وولسي: "معظم الشباب السعوديين لا يوظفون عندما يتخرجون من المدرسة لإنجاز الإعمال الضرورية لإدارة اقتصاد حديث. و بدلاً من ذلك فإن العديد منهم يعينون، إن صح هذا التعبير، كشرطة دينية. و ينصب غضب الشباب السعوديين على افتقادهم لعمل مفيد. و هذا ما يسهل تسيييهم".

و بين هؤلاء السكان المتكاثرين و الساخطين المشبعين بأفكار أسامة بن لادن و الذين قدموا 15 من مجموع الـ 19 خاطفاً في 11 سبتمبر 2001 توجد مجموعة هدفها القضاء على الملكية و تخريب العلاقات مع الولايات المتحدة. و ما يسهل مهمة هؤلاء المتطرفين هو تقييد السيولة ما يجعل الظروف الإقتصادية عاملاً على نضج الثورة. و هذا ما يلقي ظلالاً على مصير 11% من تجهيزات النفط العالمية.

ماذا إذن في أجندة الولايات المتحدة؟ هذا هو الإمتحان: تنافس المصالح الأمنية، و الأجندات الإقتصادية و حتى ثمة انقسامات داخل الإدارة. تفضل وزارة الخارجية الأمريكية أن تبقي إنتاج العراق تحت السيطرة لتدعم حلفائها كالسعودية و روسيا بشكل خاص. اما وزارة الدفاع فتريد إنتاجاً مرتفعاً لخلق حليف جديد قوي و لتتخلص من الإعتماد على العربية السعودية. و سيكون هذا في صالح المستهلكين، و في صالح تنويع مصادر نفط الولايات المتحدة. و لكنه سيؤدي إلى عصر من عدم الإستقرار لبعض البلدان كالعربية السعودية.



#حسين_الحاجبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ألبلغمة – رسالة من وراء الحدود
- ألحرب الإقتصادية: من الأرجنتين إلى العراق


المزيد.....




- بالأسماء والتهم.. السعودية نفذت 3 إعدامات السبت بحق يمني ومو ...
- -أمام إسرائيل خياران: إما رفح أو الرياض- - نيويورك تايمز
- صدمتها مئات الاتصالات -الصعبة- في 7 أكتوبر.. انتحار موظفة إس ...
- مفاوضات -الفرصة الأخيرة-.. اتفاق بشأن الرهائن أم اجتياح رفح! ...
- مذكرة أمريكية تؤكد انتهاك إسرائيل القانون الدولي في غزة
- زيلينسكي يخفي الحقيقية لكي لا يخيف الشعب
- الكشف عن مقترح إسرائيلي جديد لصفقة مع -حماس-
- ميزات جديدة تظهر في -تليغرام-
- كيف يمكن للسلالم درء خطر الموت المبكر؟
- كازاخستان تنفي بيعها مقاتلات خارجة عن الخدمة لأوكرانيا


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسين الحاجبي - إنها الآن قطرة، و لكنها قد تصبح نافورة تغرق العالم