أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - باسم زكريا - إلى أمي















المزيد.....

إلى أمي


باسم زكريا

الحوار المتمدن-العدد: 2641 - 2009 / 5 / 9 - 07:57
المحور: الادب والفن
    


كان ذلك منذ زمن بعيد جدا، في ثانوية السفرجلاني للبنات، وكنت في ذلك الحين لاازال طالبة تجلس خلف تلك المقاعد الخشبية لتتعلم. كانت مدرسة اللغة العربية تشرح و تشرح عن الادباء المعاصرون،ادباء العصر الجاهلي، ادباء المهجر، وعن ادباء الارض المحتلة. ولم اكن من الفتيات المحبين لدروس اللغة العربية، ولكني كنت احب الشعر كثيرا، و كنت ابهر لما اسمعه و احسه. كان الحديث عن الشعر و الشعراء من المواضيع الغير عادية بالنسبة لي.ومن المواضيع التي تلتفت انتباهي بشكل كبير،لذلك كنت انصت كقطة تنتظر صيدها بصبر و تروي. و عندما كان الدرس يدور حول شعر و ادب ادباء المهجر. كنت اشعر بانه شعرا يفيض بالعذوبة و الحنان، يفيض بالالم والحزن ليخبرنا مدى ما كان هؤلاء الادباء يقاسونه في مهجرهم. وكنت وبكل بساطة اتسائل : لماذا لا يعودون الى ديارهم؟ لماذا يجب ان يتحملوا كل تلك الالام؟ وعندما يبدٱ الحديث عن الالام الادباء المعاصرون في بلادنا كنت اتوه بما اسمع، واتسائل: لماذا لا يتبادلون الاماكن؟ فهؤلاء يعانون من الغربة ما يعانون ، وهؤلاء يقاسون من الوطن ما يقاسون، وهذا حل مثالي لكل الاطراف. لم اكن اعلم في ذلك الوقت اني يوما ما سابعد كل تلك المسافات عن وطني، و اغدو وحيدة في المنفى اعانق الامي وانام . و الان لا ادري لماذا كلما هدٱ الليل من حولي، اشعر بثقل هذا المنفى الذي اعيش فيه. ولا ادري لماذا كلما هدٱ الكون وسكن كل شئ، تبدٱ تلك الجنيات الصغيرة التي تدعى الذكريات بالقفز من امامي ومن خلفي، و العبث في راسي الصغير، ملوحة لي بماض بعيد يتداعى امام ناظري فيمطرني بالاسئلة و اشارات الاستفهام و يتركني غير مبال لما سبب لي من الالام .ما بال تلك الجنيات لاتترك صغيرة ولا كبيرة الا و تقذفني بها. كٱنها تريد الانتقام. احاول الهروب منها بالنظر الى شوارع اوتاوا الهادئة من نافذة منزلي الصغير في المنفى، منزلي البارد كذلك الثلج الابيض الذي يغطيها والذي يطل على شارع سانت لورانت، فا شعر اني لست اكثر من هاربة من نفسي الى نفسي، واني اتحول في منفاي الى امرٱة سجينة تحت سلطة تلك الجنيات الصغيرة، التي احبها حينا و اكرهها مئات الاحيان. استحلفها بان تدعني وشٱني لاني اريد ان اغمض عيناي فانام. فاذا ما غادرتني بعد استرحام طويل،واذا ما غفوت بانتظار حلم جميل، عاودتني في الاحلام. اشعر بالضجر من منفاي الواسع الكبير ومن تلك الجنيات الصغيرة. ولكنها لاتابه لشعوري ولا لوجودي،لا تٱبه لكل ما اعانيه، وكل ما تفعله هو ان تقذفني بوابل من الذكريات ومن القلق والضياع. مضى زمن وانا سجينة مبهمة، ابحث عن باب سحري اخرج منه الى عالم الحرية الحقة، و اليوم، ماباله اليوم، كانه لا يشبه بقية الايام، فتلك الجنيات الصغيرة تجرني من اذني الى اذار في الشام، الى بيت امي الدافئ والى حنان هو الحنان. بيت امي، بيتنا، بيت اخوتي صغارا وكبارا، تجرني من اذني الى بيت امي الذي طالما حلمت بالعودة اليه. تجرني من اذني وتاخذني الى شوارع المدينة القديمة دمشق، تجرني رغما عني الى تلك الشوارع و الارصفة التي مشيت فيها يوما، ولعبت فيها اياما. فٱشم رائحة الياسمين العبقة في كل الاحياء و الازقة، وترمي امامي ببقايا صور من اذار، لم يبقى سوى ايام معدودات ويٱتي عيد الام،و هو ليس كما قيل: عيد بٱي حال عدت يا عيد، ايام معدودات يٱتي عيدك يا امي، وانا كما انا، في هذا المنفى الذي يدعى كندا. مازلت اذكر كيف كنت واخوتي في هذا الوقت من كل عام دائما مشغولون نفكر و نخطط بعد ان كبرنا و فهمنا مدى محبتك لنا كيف سنحتفل بعيدك ، كيف سنرسم البسمة التي لم نكن نراها ونحن صغارا، على وجهك ونحن كبارا. كان شيئا هاما ان نشعرك بمدى محبتنا لك. بعد ان قدمت ما قدمت لنا لنكبر، اما لا اطيب ولا احن . لازلت اذكر كيف كنا نمسك بالورقة و القلم ونكتب ماذا ستفعل و سيفعل كل منا في هذا اليوم،هذه ستشتري لك قميص نوم ابيض يدفئك في الشتاء البارد، وتلك ستختار حقيبة نسائية جديدة لتخرجين بها الى الجيران، والثالثة حذاء طبي ذو كعب متوسط ليريحك في المشي، والرابعة ستقوم باعداد التبولة و الفتوش، و الخامسة ستقوم باعداد بعض الحلويات، والسادسة ستحضر لك منديلا يتناسب مع الحقيبة و الحذاء، واما اخي، فكان من اختصاصه احضار العشاء المفضل لديك و المكون من دجاج محشي بالفريكة، و اخر بالملوخية.. و اما انا، فكنت دائما احرص على ان احضر لك قالبا من الكاتو، و اوصي بان يكتب عليه كل عام وانت بخير يا احلى يامو. يوم عيدك كان لنا موعدا به نلتقي، نضحك من القلب و نفخر من انفسنا بانا استطعنا ان نجتمع على ان نجعلك تبتسمين بعد ان عانيت ماعانيت لاجلنا.وكنت كسنديانة شامخة في مهب الريح بجانبنا. هزك الحزن والالم، غدرت بك السنين والبستك ثوبا فضفاضا من الاسى الاسود، و بقي قلبك ابيض كهذا الثلج امام ناظري. بقيت انت كما انت، اما لا تعرف الا العطاء و الصبر على علقم الايام. كان اجتماعنا في هذا اليوم دائما حافلا، جميلا ، لاازال ارى وجوه اخوتي المتسامرون حول المدفٱة، لا ازال اسمع صوتك امي: شو هالبردات، متل ما بيقول المتل، خبي حطباتك الكبار لعمك اذار.. هاقد عاد اذار يا امي باردا كما كان دائما، فاين انت مني الان؟ ياامي، هاقد عاد اذار من جديد حاملا معه جزء من احزاني و ذكرياتي، مضى دهرا يا امي دون ان اقبل يدك الحنون في اذار و اقول لك كل عام و انت بخير يامو، مضى عمرا ياامي دون ان اضمك الى صدري و اشعر بدفئك يسري في جسدي فيمنحني الحب . هاقد اتى اذار من جديد، وانا في منفاي الجديد البعيد البعيد، اغرق في وحدتي و حزني، تمزقني الذكريات . ستجتمعون كما في كل اذار منذ ان غادرتكم بدوني، و سينفطر قلبي وانا اسمع صوتك عبر ذلك الجهاز البادر كقلبي. امي غادرتك بحثا عن الحلم، ومضى بي العمر وماتت كل احلامي، فلماذا لا استطيع العودة اليك ؟ اريد ان اراك يا امي، ان اقبل يديك ووجنتيك و ارتمي فوق صدرك و ابكي المنفى و الالم و غدرالسنين. فلماذا لا استطيع؟ امي من منفاي احن الى رائحتك والى شرب قهوتي الصباحية معك. اريد ان اخبرك كم احبك وكم اشتاق اليك، فهل ستخبريني ؟ اريد ان اخبرك عن المي وحزني، فهل ستسمعيني؟ امي، اريد ان اتعلم منك الصبر، فهل ستعلميني؟ امي، امي يا اجمل ما نطق به ثغري مذ وعيت، امي؛ لا احد ينتظرني يا امي، فهل لك ان تنتظريني؟






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- رئيس البرلمان العربي يطالب بحشد دولي لإعمار غزة وترجمة الاعت ...
- عجائب القمر.. فيلم علمي مدهش وممتع من الجزيرة الوثائقية
- كيف قلب جيل زد الإيطالي الطاولة على الاستشراق الجديد؟
- نادر صدقة.. أسير سامري يفضح ازدواجية الرواية الإسرائيلية
- صبحة الراشدي: سوربون الروح العربية
- اللحظة التي تغير كل شيء
- أبرزها قانون النفط والغاز ومراعاة التمثيل: ماذا يريد الكورد ...
- -أنجز حرٌّ ما وعد-.. العهد في وجدان العربي القديم بين ميثاق ...
- إلغاء مهرجان الأفلام اليهودية في السويد بعد رفض دور العرض اس ...
- بعد فوزه بجائزتين مرموقتين.. فيلم -صوت هند رجب- مرشح للفوز ب ...


المزيد.....

- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت
- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - باسم زكريا - إلى أمي