أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جاسم الدودة - ماهية الدين مابين القصيمي وآخرين















المزيد.....


ماهية الدين مابين القصيمي وآخرين


جاسم الدودة

الحوار المتمدن-العدد: 2641 - 2009 / 5 / 9 - 09:43
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


فيكتور هوغو: الرب لم يخلق سوى الماء ، لكن الإنسان صنع الخمر.
جيمس ديوار: العقل كالمظلة ، تقوم بعملها فقط عندما تُفتَح .
نيتشه : أقطن بيتي الخاص ، ولم أقلد أحداً في شيء قط ، وأسخر من كل معلم لم يعرف كيف يسخر من نفسه .

يشهد العالم في هذا الوقت ، وفي كل مكان من المعمورة أقليات مخرّبة ، تؤويها إنسانيتنا وحسّنا بالعدالة ، تمسك بمشاعل الحرق مشرعة ، لا يمنعها شيء من نشر أفكارها سوى العقل النقّاد الذي يتوفر لدى فئة من الناس تتمتع بتوازن نفسي ، إلى قدر لا بأس به من الذكاء وربما تكون تلك النظرة متشائمة ، ولن تكون النظرة المتشائمة الأخرى أقل تسويغاً من سابقتها ، من حيث أن هبة العقل والتفكير الناقد ليس من الخصائص البارزة لدى الإنسان ، أن فهم ماهية الدين هي الحل للخلاص من كل هذا الظلام الذي يغطي مساحات شاسعة من الأرض ومن العقول والأرواح البشرية ، وكلما اقتربت البشرية من المدنية والعلم والثقافة ابتعدت عن هذا النوع من الظلام ، وعرفت أو أدركت بأن الدين ما هو إلا نوع من الدهانات أو المراهم أو المسكنات المؤقتة للألم ، والطبيعة البشرية نتيجة كسلها وخوفها من المستقبل تبحث عن الوصفات الجاهزة من العلاج ، وتؤجل كل مسراتها للآخرة وتنتظر ذلك الذي لن يجئ أبداً ، تنتظر غودو أو المسيح المخلص أو المهدي المنتظر أو البطل الذي يقودها مثل قطيع نحو الحظيرة ، ومن ثم بعد ذلك وحينما يفوت الفوت ولا ينفع الصوت يُكتشف بأن هذا البطل ما هو إلا ديكتاتور يبحث عن مجده المقدس وبأنه ظل الله في الأرض وبأنه ما هو إلا وحي يوحى ، ويتحوّل إلى مقدس أو صنم يمنع الاقتراب منه أو من نصوصه ، ويجد له الكثير من الحرس السذج بين الكهنة والبدو والتجار ، الكهنة الذين يبحثون عن الزكاة والخمس والمناصب والوصاية والبدو الذين لا حيلة لهم بسبب جهلهم وغسيل أدمغتهم الجاهزة لكل وصفات السلطة وشاهبندر التجار الذي يريد لثرواته أن تزيد وتتراكم بلا ضمير ، والعنصر الخطير بين كل هؤلاء هم المتدينين أو الكهنة الذين يتحدثون باسم الله والذين يضعون لهم مسطرة خاصة عبارة مجموعة من الفتاوى والنصوص التي تتبدل بتبدل المصالح والأحداث وإذا قيل لهم : الطريق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق – ردوا عليك بأن لا طريق إلى الله إلا عبرنا نحن الفقهاء خريجي كليات الشريعة والمساجد والكنائس ، وسيظل العقل البشري الكسول تحت هذا النوع من الوصاية إذا لم يحقق قفزة في دماغه وتفكيره ويبتعد عن الإنسان القرد أو الإنسان الحظيرة الذي ينكس رأسه للريح ويشرع نوافذ عقله لحشو المدارس ورجال الدين ، وسيحتاج كثيراً لكي يحقق قفزة في دماغه تضعه في مصاف اينشتاين أو نيتشه أو فيورباخ أو فرويد أو جون لوك وبرتراند رسل وسبينوزا وكارل بوبر أو طه حسين وعبدالله القصيمي – الذي أرسلته الوهابية لنشر مذهبها في الأزهر ولكن سماحة الأزهر احتوته بل منحته الفرصة ليخلعها عبر المقاهي والشارع المصري الذي كان يتنفس الحريات – وعلى يد بعض الدارسين العراقيين - في ذلك الحين لكي يتحوّل من رجل دين إلى لا ديني ، بل ويبحث بكل حرية في ماهية الدين وماهية الله إلى جانب آخرين من رجال التنوير حتى وقتنا الحالي أمثال ميرسيا الياد وأبكار السقاف ومعروف الرصافي وخليل عبدالكريم وفراس السواح وسيد القمني ، لقد تحرر القصيمي وظل رجال الدين يتصورون بأن الله قيصراً أو زعيماً ضالاً ، ينشرح صدره للنفاق وقصائد المدح والأدعية ، إلى أن يفقد وقاره ، مثلما يقول القصيمي أو كما يقول فيورباخ في أصل الدين أن الدعاء والصلاة لله اتهام له بأنه يسير حسب رغباتنا ، وأننا إذا دعوناه وكأننا نتحكم به بالريموت كنترول بأن يكون أو لايكون ، أننا نطلب منه أن يغيّر سلوكه وأوامره وانفعالاته ويكون بجانبنا بدلاً أن يكون بجانب الآخرين من الأعداء ثم يستميت الأعداء ليطلبوا منه بأن يتركنا ويكون إلى جانبهم لأنهم هم وحدهم أحبابه الركع السجود الصائمين قتلة الكفرة الذين لايؤمنون بالشكل الصحيح الذي طلبه منهم وبأن صكوك الغفران وأبواب الجنة مفاتيحها عندهم وحدهم ، مستميتين في تقديم الرشوة إلى الله لكي يبدل أخلاقه من أجلهم ووفق أهوائهم ، فهذا النوع من العابدون قوم يريدون أن يؤثروا في ذات الله وأن يصوغوا سلوكه متباهين أمامه بـ 34.740.000 حسنة كرصيد لكل واحد منهم مثلاً ، بينما يقول علي بن أبي طالب : لم أعبدك طمعاً في جنتك ولا خوفاً من نارك ، بل عشقاً لذاتك المطلقة التي لا توصف ولا تحد ، العقل الكلي المنزه عن كل الأهواء والاستنطاقات البشرية ، بينما الله يقول إن الذي لا يعلم بوجودي لا يعد مسيئاً لي ، ولكن المسيء لي هو من يعلم بوجودي ويعلن اعترافه بي ، ثم ينسب لي الشرور والنقائض والكتب المتتالية التي تنشر باسمي ويحتكرها الآخرون لمصالحهم وأهوائهم ، ويعتبرونها مقدسة ، بينما لم يفعلها فلاسفة أتوا بأخلاق تسبق كل تلك الأديان بمئات السنين مثل سقراط وأفلاطون وفيثاغورث ومن سبقوهم بقرون من الزمن والدهور ، أديان لم تأت بجديد ، ولكن البشرية لأنها لم تعرف علاقة الأسطورة بالدين ولا مقارنة الأديان ولا نشوء الأفكار وصيرورتها وتبدلاتها ، ومن أين استجمعت كل تلك الكتب ؟ وأن الإنسان وحده الذي تحدث عن الآلهة ودعا إلى الأيمان إليها وصنع لها رسل وكتب ، وبالذات الكهنة والمتدينين هؤلاء الذين بإمكانهم أن يتسامحوا مع الفاسدين والكذبة والظلمة ولكنهم لايتسامحون مع المفكرين لأن المفكرين يعرونهم تماماً ويقولون لهم : من الذي وضعك حارساً للأديان ؟ ولماذا خلق الله لنا العقول ؟ ولماذا لاتترك الله هو الذي يعاقبنا ويذهب بنا للجحيم أم أنك لست مؤمن بقدرته ؟ ولماذا لاتعتني بذاتك وتكثر حسناتك لكي تدخل الجنة الموعودة بعيداً عن صخب الحراسة والوصاية على البشر ، أم أنه الخوف على مصالحك ومصالح أسيادك لكي تظل الأغنام للأبد تأكل العلف ذاته ؟ وبحثاً عن الهتافون الذين هتفوا لكل الزعماء والحكام والعقائد والأنبياء والأصنام الجديدة والقديمة ، الذين هتفوا لكل المتناقضات للعدل والظلم والقاتل والمقتول ، هتفوا للأفيون وللأفكار التي تريح أعصابهم وتسد لهم غرائزهم والأهواء التي ليس لها حد ، الباحثون عن صارخ متألم يصرخ بالنيابة عنهم ، يثيرهم بالخطب الدينية الرنانة مجهزاً لهم التعاويذ الجاهزة للجنة والنار ، محدداً لهم الأبيض من الأسود كما يشتهيه هو لا كما تعرفه الحقيقة ، مهدداً لهم بالويل والثبور والجحيم الإلهي ، ولا ندري كيف يستوعب العقل البشري أن الآلهة تغضب على الذين يضحكون ويفرحون وترضى عمن يحزنون ويبكون ويلطمون ويقتلون ويمارسون كل أنواع العنف والوصاية ومصادرة الحريات وحرية الاختلاف وضد ثقافة الفرح ؟ متناسين بأن كل ذلك يخلق اختلال الغدد والكبد والجهاز الهضمي وانفعالات الدماغ وحركة الجسد وكبت المشاعر والأحاسيس والإصابة بالأمراض النفسية وازدواجية الشخصية أو الشيزوفيرينيا مما يكبل البشرية ويؤخرها عن التقدم والتطور والراحة والتفكير الجميل وعالمنا العربي والإسلامي خير مثال لهذا النوع من المتحفية ، وأنهم لن يخرجوا من هذا المتحف حتى يدركوا بإن الأنبياء لم يٌبعثوا إلى الناس والوحي لم ينزل عليهم لأنهم أفضل من الكائنات الأخرى ، بل لأنهم أجرأ وأقدر على التحدث باسم الكائنات البعيدة الصامتة متسلحين بالمال والقوة والثواب والعقاب الإلهي وصناعة نص يوائم البيئة التي يخاطبونها وفي كل مرة يتبدل الخطاب ويأخذ إزاحات جديدة على مبدأ لكل حادثة حديث زوادتهم في ذلك كل النصوص والأساطير التي سبقت مجيئهم للحياة والاستعانة بمعلمين كهنة لهم مراس كبير في هذا الطريق ، وفي صناعة الأنبياء وصناعة الساسة والقادة والمقدس ، وعودهم الأبدي في ذلك الأمر معرفتهم لتلك اللحظة التي أوجد بها الإنسان الله بعد خلاصهم من التعاويذ والأشجار والأصنام ، والخوف وحده الذي يجعل البشرية تبحث عن جدار يسندها وأن كان من وهم لأنها تخاف من الخفة ولحظة التلاشي بسبب عدم تسلحها بالمعرفة والثقافة فلهذا السبب تبحث عن الأوهام والأساطير والغيبيات والمطلق الذي لايدرك لكي تحتمي به وتسلم أمرها له ، وتخاف من ثقافة السؤال وثقافة الشك وتلجأ لثقافة اليقين القاتل ذو اللون الواحد والحاد والعنيف ، دون أن يعرفوا بإن المنطق بجميع حالاته هو الإنسان الذي يذهب الآن ضحية العنف والعنف الرمزي وغسيل الأدمغة بسبب صراع الأديان وصراع المذاهب والطوائف الدينية وغياب التنوير وفهم ماهية الدين وفصل الدين عن السياسة من أجل مجتمع مدني يمنح الفرد حرية التفكير والتعبير وفهم المنطق ، منطق الإرادة كما شرحها نيتشه وعبّر عنها شوبنهاور وأن كانت الأولى عمودية والأخرى أفقية ، أو من خلال معطيات قفزة الدماغ كما شرحها داروين وماركس وانجلز وفرويد ودور العقل في بناء الحضارات وبناء الإنسان وليس من شيء فوق العقل وما التفكير إلا هو انعكاس الكون على الإنسان أنه يشبه – المرايا – تماماً ، فأنت حينما تناجي لا تناجي سوى جوانيتك حيث أن العالم كل العالم يكمن بداخلنا وليس بالخارج وما نحمله من حلم أو أمل أو ضوء أو محبة أو فكر ينام في حجراتنا الداخلية وفي عقلنا الباطن بمعنى آخر في قبضة أيدينا وليس في السموات أو في أي مكان آخر ، هل فهمت ما أعني أيها الإنسان المدبر المتدبر المتأمل المنفرد والمنصهر في وحدة الوجود بالوقت ذاته ؟ أم أنك ستظل دائماً تحت سلطة الوهم والخوف والغيبيات دون أن تكسر القيود والسلاسل والجدران التي أحاطوك بها لكي تدخل كهفهم بلا عودة لذاتك الحقيقية ؟ الفكر حركة ولا شيء يتحرك في هذا الكون دون الفكر ، والطاقة النفسية أو شحناتنا هي التي تتحوّل إلى آلهة وشياطين ، موجب وسالب ، ثنائية الحبس والتأرجح دون خلاص ، وإلى معابد وملاهٍ ، وإلى غناء وصلوات ، ثنائيات ليس لها حد ، واقتحام الألم نوع من التفكير الصعب ، فلذة الألم في سبيل الفكرة الكبيرة أكبر من الألم نفسه وليس ثمة جهة أطهر من النار ، والعقول لم تُستشر في الأديان وإنما أُخذت بالتلقين والتتابع والوراثة والوصاية ، فالذين يولدون في أيّ دين يكونون من أهله ، والناس يجدون أديانهم كما يجدون أوطانهم وأرضهم وبيوتهم وآباءهم ، يجدونها فقط ولا يبحثون عنها أو يؤمنون بها أو يفهمونها أو يختارونها ، كذلك يحدث ذلك مع الدين والنصوص التي يتم تلقينها لهم في المدارس دون حرية اختيار ، فالكل ينهض في الصباح ليذهب إلى الحظيرة ليتناول العلف بعيداً عن ثقافة السؤال وحينما يكبر أيضاً يذهب لكي يصبح برغي في آلة السلطة من أجل علف بروتيني وملابس ومأوى وسرير ولن يسمح له بالتقاط أنفاسه والتفكير في حريته وحرية معتقداته ويتحوّل مع الأيام إلى آلة تتحرك بشكل روتيني ، وحتى صلاته يذهب لها بفعل الارتباط الشرطي الذي عناه " بافلوف " في نظريته ، هكذا هم الناس في زماننا يعتقدون ثم لايفكرون ، أو يفكرون فيما لايجعلهم يفكرون ، أنهم يفكرون بشكل هوائي مزاجي نفسي ، فمن يرفع صوته متغنيَا بأي أغنية ليجدٌ الراحة التي يجدها من يصلي بحرارة ، لأن الغناء تعبير مثل الصلاة والدعاء والكتابة والرسم والرقص ، لذا لو أن السماء أرسلت لنا كل أنبيائها ينهوننا عن الإيمان ويحرَمون علينا كل عبادة ، لعصينا كل الأنبياء وبقينا نؤمن ونصلي ونتعبد . فالعبادة استفراغ روحي ، وعملية جنسية تؤديها الروح لحسابها ، لا لحساب الآلهة كما يرى فيورباخ وفرويد والقصيمي وآخرين استطاعوا أن يفككوا الدين ويعرفوا ماهيته بعد تفكير طويل وتأمل ومثاقفة وقراءة في مقارنة الأديان ونشوء وارتقاء الفكرة وعلاقتها بالأسطورة والخوف عند الإنسان البدائي وقراءة قصة الحضارة من ومضتها الأولى وحتى الآن ، ومعرفة الساكن والمتحرك من الأفكار إذ أن العقل الذي لايقبل التحاور مع نقيضه أو قراءة ما لديه والوقوف ولو لمرة واحدة ضد نفسه فهو عقل قد مات أو نزل إلى مرتبة الحيوان الذي يسعى إلى العلف فقط وتبرمج بشكل آلي على حياة رتيبة ، وتناقض العقل ليس ضعفاً فيه ، لكنه يعني أنه يعمل في عدة ميادين وينظر إلى كل الجهات ، والعقل هو الذي يدرك تناقض العقل ، فالتناقض وإدراك التناقض أسلوبان عقليان ، العقل ناقداً ومنقوداً هو كل المعرفة ، وتحاور فكرتين وإيجاد بعدهما الثالث هو الحركة أو ما يسمى بالديالكتيك حسب الفكر الماركسي أو الجدلي وفق فلسفة هيغل ، والآلهة لاتستجيب لمن يدعونها ويُصلَون لها ، أنها تفعل الواجب والحق ، إذن لماذا تدعى ويٌصلى لها ؟ وهل يُدعى النهر ويصلَى له ليفعل ما هو فاعل ؟! إذن لنا أن نقول ليس الإيمان والصلاة إلا أسلوباً من أساليب الغضب والرفض والهجاء ، كان المؤمنون يقولون في مخاطبة الله : " اللهم إنَا نعوذ بك منك ونلجأ منك إليك " – دعاء فيه أقسى مشاعر المرارة والمقاومة الضائعة ، فيه كل الهجاء والرفض والهرب وكل معاني الحرب . الإيمان والصلاة دائماً احتجاج مستتر على الآلهة التي تعرض ذاتها وعبقريتها عرضاً يصدم الإنسان في منطقه وأنانيته وضروراته، وينافي الأخلاق في جميع حدودها. حتى الإيمان بالزعماء والمذاهب والنظم ليس إلا نوعاً من الاحتجاج والمعارضة والبكاء . وهل يصدق خيال المؤمن أن الله يتنزل من عليائه ليكلف ملائكته بالنزول إلى الأرض ليوحي إلى الأنبياء بالأكل من ذلك الطعام ، أو بلبس ذلك الثوب ، أو بحب فلان وكره فلان ، والنوم على الجانب الأيمن ، أو بوضع الخاتم باليد اليمنى ، أو بركوب الحمار ، أو أن يتحوَل النص الإلهي إلى سيرة ذاتية للنبي ؟ وهل الله ينهى عن فعل الزنا ثم يخلق طفل من هذا الفعل ، بمعنى آخر هل الله متناقض لهذه الدرجة ؟ بالطبع لا أحد يسأل مثل تلك الأسئلة سوى العقل المرن الفعال ، العقل المفكر أو العقل " الثيوصوفي " ، وأي خالق هذا الذي يجعل مخلوقه محتاجاً للعذاب والتلوث والمعاناة والأحزان ليكون سعيداً ؟ ! بينما نحن البشر يرى كل واحد منا بأن الله معه فقط وليس مع أحد سواه ، مع المؤمن وليس مع الملحد ، و أليس الملحدون الذين يعيش على عبقريتهم المؤمنون أعظم فضيلة وتديناً من المؤمنين الذين يعيشون دائماً على ذكاء غيرهم وقوتهم ؟ أم أنهم – " دول شوية كفار سخرهم ربنا لينا " كما يقول زغلول النجار في جوابه على السؤال الذي يقول : لماذا دائماً الكفار وحدهم هم من يكتشف الأعجاز العلمي في القرآن ؟ ، ولماذا أصبحنا نحن ندفع الجزية للغرب بشكل أو آخر بينما نخالف أبن عثيمين في فتواه والتي يطالب بها الغرب بأن يدفع الجزية إذا لم يدخل في ملة الإسلام ؟ ولماذا لا ينفذ الرئيس الأمريكي أو البريطاني أو الفرنسي تلك الفتوى أم أنها مجرد فتاوى والسلام لا تختلف كثيراً عن فتاوى " الميكي ماوس " ، لماذا لا ندعو إلى التسامح وحرية المعتقد والحوار ، ولماذا لا يستوعب رجال الدين بإن ألههم العنيف المتوتر هو إرادتهم العنيفة المتوترة ، وبأن ألههم المتسامح هو إرادتهم المتسامحة ، وبأن كل أناء فما فيه ينضح أو – كل على قدر الزيت الذي فيه يضاء – كما يقول الشاعر مظفر النوّاب ، لذا على كل إنسان أن يعرف من هو ؟ لأن الإنسان بعد أن أصبح أنساناً ، لايزال يحمل كل الخصائص لأسلافه من الكائنات الدنيا ، لأنه لايتطور بل يتراكم . إن فيه خصائص السمك والقرود والثعالب والببغاء والكلاب والقطط والأسود والحمير وكل الموجودات الحية التي هي أصله وتظل تناديه بين فترة وفينة ، لكن قفزة الدماغ – العقل - وحدها هي التي تجعله يرتقى عنها أو عليها ويتخلص من كل الخرافات والأصنام والأوهام والنصوص التي تسمى مقدسات وأن يعرف إن القيمة هي دائماَ عين الضرورة : إنه لولا الضرورة لما كانت لأيَ شيء قيمة . والغباء مثل الخبز : غذاء يومي للجماعات ، لاتستطيع أن تعيش بدونه ، والذكاء لايعيش إلا في ضجيج من الغباء ، وأن الذي يقول لك أقاتلك دفاعاً عن الله أو عن الدين أو عن الأنبياء أو عن الحرية أو عن النظام والعدل إنما يعني الدفاع عن أسلوب من الحياة قد رتَب مصالحه عليه كما يقول " ميكافللي " ، وبمجرد أن تنتفي عنده المصلحة والأنانية يتحوّل إلى كائن جميل يؤمن بالحوار والمحبة والسلام والتحضر والليبرالية وتقبل الآخر والتعددية ويسمح لك أن تكون حراً في التفكير والتعبير . لكنها ليست سوى نوع من العبودية المختارة والتي قال عنها أتيان دي لابواسي : " فأما الآن فلست أبتغي شيئاً إلا أن أفهم كيف أمكن لهذا العدد من الناس ، من البلدان ، من المدن ، من الأمم أن يحتملوا أحياناً طاغية واحداً لا يملك من السلطان إلا ما أعطوه ولا من القدرة على الأذى إلا بقدر احتمالهم الأذى منه ، ولا كان يستطيع إنزال الشر بهم لولا إيثارهم الصبر عليه بدل مواجهته . إنه لأمر جلل حقاً وإن انتشر انتشاراً أدعى إلى الألم منه إلى العجب أن نرى الملايين من البشر يخدمون في بؤس ، وقد غُلّت أعناقهم دون أن ترغمهم على ذلك قوة أكبر بل هم ( فيما يبدو ) قد سحرهم وأخذ بألبابهم مجرد الاسم الذي ينفرد به البعض ، كان أولى بهم ألا يخشوا جبروته ، فليس معه غيره ، ولا أن يعشقوا صفاته فما يرون منه إلا خلوه من الإنسانية ووحشيته . إن ضعفنا نحن البشر كثيراً ما يفرض علينا طاعة القوة ونحن محتاجون إلى وضع الرجاء في الإرجاء ما دمنا لا نملك دائماً أن نكون الأقوى . فلو أن أمة أجبرت بقوة الحرب على أن تخدم واحداً ( مثل أثينا الطغاة الثلاثين ) لما وجب الدهشة لخادِمِيّتِها بل الرثاء لنازلتها ، أو بالأحرى ما وجب الدهشة ولا الرثاء بل الصبر على المكروه والتأهب لمستقبل أفضل . إن من شأن طبيعتنا أن تستغرق واجبات الصداقة المشتركة بيننا قسطاً لا بأس به من مجرى حياتنا. فمن العقل محبة الفضيلة وتقدير الأعمال الجليلة وعرفان الفضل من حيث تلقيناه، والاستغناء أحياناً عن بعض ما فيه راحتنا لنزيد به شرفاً وامتيازاً من نحب ومن استحق هذا الحب. " . والطغاة أنواع وأكبرهم الكاهن الذي يستند على نصوص تقمع الفرد وبالذات الأنثى في مجتمعاتنا الشرقية وعلى الأخص الدينية ، حيث تحرمها من حقوقها السياسية والاجتماعية وأبسطها كمثال قيادة السيارة كما يحدث في السعودية تحت تبريرات واهية ومتناقضة ، وهنا أتذكر تبرير عبد المحسن العبيكان للمفاسد المترتبة على قيادة المرأة السعودية للسيارة ، إذ قال على قناة الجزيرة إن أمان وأمن المرأة لن يتحقق في المطلق للقيادة في الشارع السعودي ، لأن شبابنا للأسف الشديد سيحيل المسألة إلى فورة عارمة من التحرش بالمرأة وأن على الجميع أن يدرك أن الممارسات الخاطئة التي تبدر من شبابنا لا يمكن تصورها بالمقارنة بالمثال ( لو ذهبت إلى أوروبا فلن تجد أحداً يتحرش بالمرأة ) مثلما يحدث في شوارعنا ومن شبابنا السعودي . والرد الرائع للكاتب السعودي علي سعد الموسى – جريدة الوطن السعودية – العد 31316 – مطلع مايو 2009 – والذي قال فيه : " وأنا أبصم مع الشيخ بما لدي من أصابع رغم السؤال المرير الذي يتبعه سؤال أشد مرارة. أما السؤال الأول المر، فلماذا أو ما الذي حول الشاب السعودي ، دون تعميم ، إلى وحش كاسر لا يرتدع بوازع ديني أو شرف اجتماعي حين الحديث عن ثنائية الذكر والأنثى للدرجة التي صرنا نؤمّن ( بتشديد الميم ) على حضارية ورقي كل شاب خارج حدودنا من البحرين الأقرب حتى تشيلي الأبعد عند المقارنة مع مسلك الشاب السعودي في قضايا احترام الذوق العام والآداب وخصوصية الآخرين وعلى رأسها العائلة والمرأة ؟ مذهل جداً اعتراف الشيخ العبيكان ، ومعه اعتراف الجميع بلا استثناء ، أن الشاب الأوروبي – الذي نصمه بالكفر والضلال أكثر تحضراً وأدباً من شبابنا رغم حديث التشدق بالدين وسفسطة الادعاء بالخصوصية . أما السؤال الأكثر مرارة ، فأين ذهبت هذه الكثافة الهائلة من الخطاب التوعوي الدعوي إذا كان الشاب الأوروبي ، الذي لم يحضر درساً دينياً واحداً في كل حياته ولم يدخل كنيسة ولم يستمع لشريط ولم يقرأ منشوراً ثم يظهر أكثر وقاراً واحتراماً للمرأة من نظيره الشاب المحلي الذي وجهت إليه وزارات إرشاد وتوعية كاملة قال بعضها إنها أقامت بالإحصاء ما يزيد عن مئتي ألف محاضرة في عام واحد وحيد فأين تأثير هذه الكثافة ؟ الذي أخشاه أن الدواء الذي ظنناه أنجع الحلول هو الداء ، والذي أخشاه أن ثنائية الفصل الزائد عن الحد في تقابلية الذكر والأنثى هي التي حولت الشاب إلى ذئب جائع بخيالاته عن المرأة وحين يجدها من حوله حتى بكامل الاحتشام يبدأ رحلة الاكتشاف وكأنها أمامه دمية في متحف لا إنسان له كرامته وخصوصيته . " إلى أن يختم مقاله برجاء بأن الأخطاء لا يجب أن تبقى رهن التبرير وسد الذرائع ودرء المفاسد. يجب أن تنتهي بالقانون والقضاء والمحاكم ." .. نعم بالقانون إلى أن يتهيأ المجتمع ويتحوّل إلى مجتمع مدني ليبرالي بعيد عن وصاية الدين الذي فقد مفعوله ويجب إحالته إلى المتاحف قبل أن يتم إحالة ما تبقى من عقول لدى بعض البشر من الأمة إلى هذه المتاحف أو نغدو جميعاً أمة متحفية أو ديناصورات في طريقها إلى الانقراض .. وسأظل أصرخ وأبحث عن جواب لسؤال يضج بداخلي : من أين وكيف يجئ الخلاص من فوبيا الدين ورهاب الكاهن ووصايته ؟ لكي نشعر بالخفة ونطير بكل حرية .



#جاسم_الدودة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جاسم الدودة - ماهية الدين مابين القصيمي وآخرين