يوسي شوارتز
الحوار المتمدن-العدد: 808 - 2004 / 4 / 18 - 10:23
المحور:
القضية الفلسطينية
أعلن الوزير الأول ارييل شارون ، الذي يحتل واجهة الأحداث بسبب مشرعه الرامي إلى فك الارتباط مع غزة في متم السنة الجارية ، انه يعتبر إن اقتصار مشروعه هذا لفك الارتباط مع غزة وحدها ، دون مصاحبته بانسحاب من الضفة الغربية ، راجع إلى « المعارضة المتزايدة للمشروع في صفوف وزراء الليكود » .
ليس لهذا الموضوع طبعا أي علاقة مع المعارضة داخل حزب الليكود . آخذ يعلم شارون انه يمكنه الاستمرار كوزير أول ، حيث أن حزب العمال سوف يكون مسرورا للدخول في حكومة ائتلافية معه و مع أنصاره . و كما صرح وزير الخارجية شالوم سيلفان لإذاعة الجيش يوم الخميس الماضي ، « إذا ما صوتت الحكومة لصالح المشروع ، فان الوزراء التابعيين للحزب القومي الديني و الاتحاد الوطني سوف يقدمون استقالتهم ( من الائتلاف ) ، و سوف يؤدي هذا إلى حدوث احتمالين : أما التحاق حزب العمال ( بالائتلاف ) ، أو تنظيم انتخابات جديدة .» .
سوف يكون شارون و معه العديد من الأعضاء داخل دوائر الحكم ، مسرورين لمغادرة غزة ، تلك الرقعة الصغيرة و الشديدة الفقر و التي تعتبر اشد مناطق العالم اكتضاضا . كل ما يشغله هو أن المعارضة ، بما فيها حماس قوية جدا في غزة ، سوف تتحكم في المنطقة بمجرد أن تغادرها إسرائيل .
و حسب مسودة للمشروع نشرت مؤخرا في صحيفة معاريف بوم الخميس ، فان إسرائيل يمكن أن تظل داخل ثلاثة مستوطنات شمال قطاع غزة و في جميع الحالات سوف ترابط في الممر الموسع المدعو "طريق فيلادلفيا" بين غزة و مصر . من جهة أخرى يريد شارون الحصول على اعتراف من الولايات المتحدة بمستوطنات ارييل Ariel و معالييه ادوميم Ma aleh Adumim و غوش اتزيون Gush Etzion ، التي تريد إسرائيل ضمها .
هكذا ، نجد أن مشكلة شارون ليست في المعارضة داخل حزب الليكود ، أو الحزب القومي الديني ، أو الاتحاد الوطني ، بل في البيت الأبيض الذي يبدي قلقه من آن يؤدي ضم هذه المستوطنات إلى خلق اضطرابات متزايدة في المنطقة ، خاصة في الوقت الذي تعمل فيه الولايات المتحدة ، على زيادة ضغوطها على سوريا ، لتسريع عملية خوصصة اقتصادها الذي لا يزال مؤمما .
و لقد صرح نائب مساعد وزير الدولة المكلف بالشرق الأوسط ، دافيد ساترفيلد David Satterfield ، يوم الخميس (11 مارس) ، إن الولايات المتحدة لم تحدد بعد موقفا من مشروع فك الارتباط ، و هي لن تقوم بذلك إلا بعدما تتلقى مزيدا من الأجوبة من إسرائيل . لكنه أضاف أن واحد من اكبر الأسئلة هو مدى الانسحاب المقرر من الضفة الغربية ، الذي ترى فيه أمريكا مكملا ضروريا للانسحاب من غزة .
في الوقت الذي التقى فيه شارون يوم الخميس ( 11 مارس ) في القدس ثلاثة من المبعوثين الأمريكيين الذين جاءوا لسماع المزيد من التفاصيل حول مشروع فك الارتباط ، كان وزير الدفاع شاؤول موفاز Shaul Mofaz يناقش المشروع مع قادة الإدارة الأمريكية . إذ التقى موفاز مع نائب الرئيس ديك شيني Dick Cheney و وزير الدولة كولن باول و وزير الدفاع دونالد رامسفيلد و مستشارة الأمن القومي كونداليزا رايس Condoleezza Rice. و حسب صحيفة هآرتس Haaretz (11/03/2004) فان « موفاز قد اخبر محاوريه أن الدعم الأمريكي للمشروع أساسي ، لأنه سوف يساعد شارون على تسويقه داخل إسرائيل و كذلك بين الفلسطينيين و العالم اجمع .»
في غضون ذلك كانت السلطة الفلسطينية تطالب بفرصة ثانية ، إذ وعدت شارون بأنها سوف تسحق المقاومة في غزة ، لكنها تطلب في المقابل ، أن تقوم إسرائيل عقب فك الارتباط بالسماح لرئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات بالتنقل بحرية بين رام الله و غزة ، بحجة أن ذلك ضروري لقوات أمن السلطة الفلسطينية لكي تبسط سيطرتها على غزة بعد الانسحاب الإسرائيلي . لحد اللحظة لا يزال شارون يرفض هذا الطلب . لان سجل عرفات و السلطة الفلسطينية ليس مشجعا جدا . إذ انهم عجزوا عن القيام بالعمل الذي وعدوا به ، كما يذل على ذلك واقع عجزهم عن الحيلولة دون حدوث انتفاضة و عجزهم ، بعد حدوثها ، عن سحقها .
وقد عمل النظام المصري ، الذي يعتبر ثاني أهم دعامة للسيطرة الإمبريالية في الشرق الأوسط ، على عرض خدماته بكل سرور . فلا مبارك و لا وزير خارجيته عبرا عن أي معارضة لمشروع ارييل شارون لفك الارتباط ، كما قدمه لهما شالوم . إذ أعلنت مصر استعدادها لنشر قواتها على طول الحدود مع قطاع غزة ، إذا ما انسحبت منها قوات الدفاع الإسرائيلية . و طبعا ، غلف مبارك موافقته على دعم إسرائيل ضد الجماهير الفلسطينية ، بقوله إن فك الارتباط لابد وان يكون جزءً من "مسلسل سلام" يقود إلى تشكيل دويلة فلسطينية .
لقد أتى هذا التصريح خلال الزيارة التي قام بها ، للعاصمة المصرية ، وزير الخارجية سيلفان شالوم ، الذي أجرى لقاءً وديا مطولا مع الرئيس حسني مبارك ، و أجرى محادثات مع نظيره احمد ماهر و رئيس المخابرات المصرية ، عمر سليمان .
حسب مبارك فان الهدف من نشر القوات المصرية ، سوف يكون منع تهريب الأسلحة الموجهة لدعم النضال ضد الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية . « إننا اليوم نقوم بعمل نشيط في اكتشاف الإنفاق » و أضاف « سوف نواصل هذا في المستقبل ، سوف ندخل تعديلات طفيفة على الاتفاقية و سننشر في المنطقة شرطة الحدود التي تمتلك قوة اكبر و خبرة أكثر .. » ( هآرتس : 11/03/2004 ) .
و قد اخبر مبارك ضيفه الإسرائيلي بأنه بالرغم من ذلك فان مصر لن ترسل قواتها إلى داخل غزة . و قال « لقد تحدثنا بهذا الصدد مع الفلسطينيين و قلنا لهم انه عليهم أن يقوموا بمسؤولياتهم في حفظ الأمن هناك ، اعتمادا على قواتهم الخاصة .» .
و هذا ما عملت السلطة الفلسطينية على تأكيده ، إذ صرح مستشار الرئيس الفلسطيني لشؤون الأمن ، جبريل الرجوب ، في لقاء صحفي ، إن المصريين يريدون تجهيز الفلسطينيين لتمكينهم من القيام بمسؤولياتهم الأمنية في قطاع غزة التي ستنسحب منه إسرائيل . و قال الرجوب للصحيفة الفلسطينية "الأيام" إن هذا الوعد قدمه ، للسلطة الفلسطينية ، رئيس المخابرات المصرية عمر سليمان .
و أضاف الرجوب للصحيفة قوله ، إن سليمان « اخبر الرئيس ياسر عرفات ، بان الرئيس المصري حسني مبارك عازم على إعادة تأهيل و تدريب قوات الأمن الفلسطينية لكي تتمكن من مواكبة التطورات المستقبلية . » و أكد الرجوب بان مصر « تلح على انسحاب مخطط له بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية . » و قال بأنها « مستعدة لمساعدة السلطة الفلسطينية ، على فرض القانون و النظام ، في حالة حدوث انسحاب إسرائيلي من قطاع غزة . »
أما السلطة الفلسطينية فإنها تطالب ، من جهتها ، بإعطائها بضعة شهور كمهلة ، لكي تتمكن من تحضير قواتها لمرحلة ما بعد الانسحاب الإسرائيلي . وقد تم إبلاغ سليمان بهذا الموقف . إن التدخل الأمني الوحيد الذي مصر مستعدة للقيام به ، هو مساعدة السلطة في تدريب قواتها وإرسال خبراء لنصح السلطة الفلسطينية حول كيفية منع أي عملية ضد إسرائيل في القطاع .
و هكذا يتضح ، لكل من له عقل يفكر به ، إن الصراع القائم بالمنطقة لا يدور بين الإسرائيليين و الفلسطينيين ، بل بينهم و بين حكام الولايات المتحدة و حلفائها ، أي الطبقة الرأسمالية في مصر و إسرائيل الممثلة في شارون و مبارك ، و السلطة الفلسطينية التي تحاول الالتحاق بهم . و عندما ستُلعب هذه اللعبة الرهيبة ، سوف تستعمل الجماهير العربية و الإسرائيلية ، كبيادق لضمان استمرار هذا النظام السياسي المهتز المؤسس على الاستغلال الرأسمالي.
إن الماركسيين في إسرائيل يدعمون حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم و يعارضون الاحتلال . إننا نريد أن يغادر الجيش الإسرائيلي جميع الأراضي المحتلة . إلا أن مخطط شارون ليس خطوة في اتجاه إعطاء الفلسطينيين الحق في تقرير المصير . ففي ظل الشروط الحالية ، سوف يؤدي انسحاب قوات الجيش الإسرائيلي من غزة ، إلى حدوث حرب أهلية بين السلطة الفلسطينية و حركة حماس ، بل داخل حركة فتح نفسها ، و إلى حدوث ، مجازر مشابهة لتلك التي تحصد أرواح العديد من المدنيين في العراق ، و ليس إلى تحقيق أي نوع من الاستقلال الحقيقي.
يمكننا منذ الآن التنبؤ بما سوف يحدث . فيوم الثلاثاء الماضي (09/03/2004) و بعد ساعات قليلة من قيام مجموعة من الأشخاص الملثمين ، باغتيال خليل الزبين – صحفي مقرب من ياسر عرفات ، و كان واحدا من مديري مكتبه في قطاع غزة – استعاد مسؤول رفيع بفتح ذكريات الأيام الأولى التي تلت توقيع إعلان المبادئ بين إسرائيل و منظمة التحرير الفلسطينية ، في حديقة البيت الأبيض ، (13/09/1993) .
فخلال تلك الفترة ، تم اغتيال ثلاثة من ابرز قادة فتح في قطاع غزة ، و هم الذين كانوا يباشرون الحوار بين إسرائيل و فلسطين : أسعد السفتاوي ، أحد قادة فتح في غزة و محمد أبو شعبان ، رئيس جمعية المحامين في غزة و مساعده محمد كحال .
كان خليل الزبين (59 عاما)، قبل اغتياله الأسبوع الماضي أمام مدخل بناية حكومية ، يشغل منصبين اثنين . و لقد كان الصحفي الذي يحرر المقالات لصالح وكالة الأنباء الفلسطينية و يدير موقع الانترنيت التابع للسلطة الفلسطينية (e-zine A-Nishara) الذي مهمته الأساسية ، الرد على معارضي عرفات ، بما فيهم المنظمات الإسلامية و الوزير الأول السابق أبو مازن و منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية . كما كان يشغل كذلك منصب مستشار عرفات لشؤون الإعلام و حقوق الإنسان و يدير مكتب الرئيس في غزة .
إن اغتياله يُنسب إلى الصراعات الداخلية داخل فتح نفسها . فحسب ذلك المسؤول الرفيع من فتح ، أدى الحصار المتواصل على عرفات في المقاطعة و انقسام السلطة الفلسطينية بين الضفة و قطاع غزة ، إلى ظهور معسكرين رئيسيين في غزة ، يحاول كل منهما بسط سيطرته . فمن من جهة هناك قائد الأمن السابق ، محمد دحلان ، الذي لا يشغل الآن أي مهمة رسمية لكن قوته مستمدة من دعم رشيد أبو شبك رئيس وحدة الأمن الوقائي ( و هي الوحدة الأكثر تنظيما و الأفضل بين وحدات الأمن ) و مساندة بعض المجموعات المسلحة داخل فتح . و لقد لجأ هذا المعسكر إلى استعراض قوته في قطاع غزة ، خلال الأشهر القليلة الماضية ، ليرسل هكذا رسالة واضحة إلى عرفات و إلى حكومة الوزير الأول ، احمد قريع ، ( أبو العلاء ) بأنهم لا يمتلكون أي فرصة للعمل في قطاع غزة دون موافقة دحلان .
غالبا ما تقف باقي المنظمات المعارضة المتواجدة في غزة ، بما فيها حماس و الجهاد الإسلامي ، جانبا لتتابع تطور الأحداث داخل فتح . لقد سجلت حماس منذ إعلان مشروع فك الارتباط ، إن قرار شارون إنما يستهدف المقاومة الفلسطينية المسلحة و بالخصوص جناحها المسلح . و كما هو الشأن بالنسبة للصراع بين دحلان و عرفات ، فان حماس تستعمل تكتيكا إعلاميا مبنيا على تسعير الخلافات داخل فتح عبر خلق صورة مبالغ فيها عنها ، مستعملة في ذلك الإعلانات و البيانات الصحفية و كذلك موقعها على الانترنيت . بينما يدعو الناطقون باسم المنظمة ، و خاصة إسماعيل هنية ، رئيس مكتب زعيم حماس الشيخ احمد ياسين ، إلى المبادرة القديمة – الجديدة للحوار بين المجموعات الفلسطينية ، و التي يعلمون أنها مستحيلة في الوقت الحالي ، لكن الفكرة تجد صدى واسعا بين الجماهير .
كما تساهم حماس بدورها في الفوضى . إذ في إحدى الليالي قيل أسبوعين ، انفجرت عبوة شديدة الانفجار داخل المكاتب الفارغة لجمعية خيرية في دير البلح ، يديرها قادة سابقون في حماس ، و يبدو أن المتسببين في هذا التفجير يريدون وقف نشاطاتها التي تنافس حماس .
إن المطلوب ليس هو دعم الإمبرياليين و خدامهم المحليين ، بل المطلوب هو سياسة مستقلة للطبقة العاملة في مواجهة الحكام الذين يتلاعبون بأرواحنا . ففي غياب نضال موحد بين الطبقة العربية و الإسرائيلية ، يقود نحو حسم السلطة لصالح الطبقة العاملة و بناء فدرالية اشتراكية في الشرق الأوسط ، لن تقود كل "مشاريع السلام" هذه سوى إلى اتجاه واحد ، ألا و هو تعميق و توسيع مدى القمع ضد الفلسطينيين و استمرار الفخ المميت الذي يعلق فيه الإسرائيليون .
12 مارس 2004
http://www.marxist.com/
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟