أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شوقي عبدالأمير - ابقي ساهرةً أيّتها القصيدة















المزيد.....

ابقي ساهرةً أيّتها القصيدة


شوقي عبدالأمير

الحوار المتمدن-العدد: 2639 - 2009 / 5 / 7 - 09:58
المحور: الادب والفن
    


بعد 33 عاماً قضاها في الناصرية فقط، يرحل علي البزاز إلى عواصم عديدة. يترنّح بين موسكو وباريس ولكن مقعده يستقر في أمستردام وقد أثقله النزوح والمحطّات والمدن الباردة قرابة عقدين من الزمن "أيها الدربُ لا تغلظ بالنزوح.

إذا تريد أن تتهجّى النسيان فبقليل من التنصّل وإذا كان تعب الدروب لا بدّ من مناداته فلا تضمّنهُ "لماذا؟".
هو "المصاب بالبلاد" لا يزال "البصيصُ مقيماً بفتيله". هادئُ النبرة في كل شيء. القصيدة تزحف فيه، تعلو على نظراته وتلتبسُ في تماهيه مع الصمت عندما لا يكف عن الحديث.
ليس من آلته في الشعر الحذاقةُ ولا التراكيبُ ولا المعرفةُ بل هي لحظة مكوّرة تجعل منه "صنيعةَ الغرف المجاورة للمواهب" كما يزعم هو الشاعر الذي "لم يَختَمْ بالوصف".
أحسُّ وأنا أقرأ علي البزّاز أنه يدخل القصيدة مثل طفل في حوض ماء ويظل يصفِقُ جسدَه برشحات الماء في لعبة ينسى نفسه فيها وكأنه وحدَه تماماً قبل، أثناء وبعد الكتابة. تتراكم الصور والضربات التي تهزّك حدّ القشعريرة أحياناً "حتّى أحجاري تتجرّعُ الطريق المعبّدة بالمجهول.. حجارة تسُكُّ الطريق عملات غير نقديّة، الحجارة وأنا ليست الجدران فقط، بل كذلك ما يعتري البياض من هزال... أين الأقدام التي لا تريد أن تشغلَ الانهيار؟".
عندما أقرأ له يكتب كمن يرسم بورتريت لنفسه دون أن يدري "هذا الشاعر نسيمٌ منزوعُ الهبوب، رايةٌ من تلك التي تَسبِقُ الناظرَ إليها" أكادُ أرى علي البزاز نفسه.
والقصيدةُ تظلُّ بين يديه، تنتشرُ أمامَهُ، تعيدُ نفسَها "تتريثُ في الدخول" قبل أن تجعل "الحكمةَ على مفترقِ العقل" بين أحلامه التي يبقى معظمُها "في ضيافةِ الممحاة".
أعرفهُ لا حيلةَ له في شيء آخر، بالقصيدة فقط يواجه "العطبَ الذي ألحقوه به" ربّما لأنه الشاعر الذي يحسن "أن يتقاسم سلاماً تستعيرُه الحربُ حيث لا فنارَ يقدرُ على توجيهِ صُراخه بعدما اكتملَ نهبُ رُشْدِه".
شاعرٌ يتدفق النصُ أمامَهُ، يسيل فَيعدو هو وراءَه، لكنه لا يفارق الصورة التي يرى نفسه فيها لحظة النص أنه "شهيد حاجتها" ولن "ينجو من الخوف المؤدي إلى الجنون"؟.
"بعضه سيدوم كالبلدان" عنوانُ ديوانه الوحيد في اللغة العربية لأنه، وتلكَ بعضٌ من مفارقاتِه، قد أصدر قبل ذلك أربعَ مجاميعَ باللغة الهولندية "شمعةٌ ولكنْ تكسفُ الشمس" و"نادل أحلامي" و"تضاريس الطمأنينة" و"صوت في عريشة". أتذكر عندما سألته عن سرّ هذه المفارقة وقد تعلم اللغةَ الهولندية بعد أربعينَ عاماً من تعلمه العربية وعيشه في العراق؟ أجابني بقناعتِه الباردة والتي أحسست - عبرها - كأن سؤالي هو الغريب وليستْ حالته، بأنه يعيش في هولندا وقد أحب اللغة الهولندية وخاصة ظهرت له هذه اللغة وكأنها "مقشّرة" وطيّعة أمام الصور التي تتداعى عليه عندما يكتب... ولكنه أضاف، على أي حال ديواني في اللغة العربية جاهز، ولم يطبع بعد... أفكر في ذلك مع ناشر عربي... ولكنني بعيد في هولندا والعالم العربي أبعد إليّ من نجوم السماء...
هذا الديوان هو الذي أتصفحه الآن أمام القرّاء ولا أجد مفرّاً من المفاجأة بشاعريّة ذات ثراء صوري واشتباك في الدلالات اللمّاحة التي تجعل من لُغته مثل شاشة على درجة عالية من الكثافة التي ما تكاد تُمعِن فيها حتى تنبعثَ عن خلجاتٍ وصور ورؤى ذات رخاء شعري ولكن أحياناً قد يسيء إليها إزدحامُها وإرتطامُها بعضها ببعض وكأنها تتدافعُ وتتصادم "تلك البلاد المشغولة بنشر أرجائنا على السطوح الغصة هي المياه التي يروفُها القيظ...".
بعيداً عن مثل هذا التزاحم الصوري يمكن لنص علي البزاز أن يمنح أجمل تجلّياته
"صبيٌّ جُرّدتْ يداه عن العشب،
يُرسلُ أصابعَه في المياه فتعودُ متوّجةً بالحصى … جرّب ساقيةً أخرى!
فمشت متّكئةً على الرمل".
يقدّم علي البزاز ديوانَه وهو الأول في سلسلة شعرية جديدة تصدرها جريدة "الغاوون"، وهي الجريدة الأولى الخاصة بالشعر في العالم العربي، يرأسُ تحريرها زوجان شاعران؛ زينب عساف وماهر شرف الدين وقد قدّما هذا الديوان بحفاوة يستحقها لكن الغريب في الأمر هو ما أشهده بعلامة استفهام تكبرُ كل يوم أن الصحافة الأدبية اللبنانية في بيروت حيث صدر هذا الديوان لم تَنبُسْ ببنتِ شفة وغشتْ عيونَها ضبابةٌ ليست شعرية بالتأكيد...
لم يتطرق أحد ولم تذكر مجلة أو صفحة أدبية، ما عدا "الغاوون"، ناشر الديوان، خبراً عن الصدور؟ مثل هذا الصمت في الواقع يرافقه كل يوم وعلى الصفحات "الثقافية" "خبابير" من كل حدب وصوب وشعراء يُتوجون وتُوضع فوقَ رؤوسهم أكاليل وأوسمة ولا تجد في نصوصهم ما يرقى إلى مثل هذه الحفاوة ولا هذا الاهتمام... فنتساءل ماذا يحدث؟
إنني أتابع من بيروت أغلب الاصدارات الشعريّة التي تتفاوت في جودتها وضعفها بين شاعر وشاعر ولكنني لم أقرأ نصّاً يفاجئُ ويصدمُ ويشقُّ طريقاً أحاديّاً مثل الذي يقدمه علي البزاز في ديوانه الأول هذا منذ فترة طويلة. أقول هذا خارج اي اعتبار وليس من عادتي أن أضع أكاليل زائفة... لكن علي البزاز في الوقت الذي يشكّل ديوانه إختراقاً شعرياً لا يخفى على أحد، تنتصبُ بوجههِ شاشةٌ من اللااكتراث والصمت؟!
تُرى، هل لأنه بعيدٌ عن الأضواء والمقاهي والعلاقات العامة، هو الذي قَدُم من الناصرية إلى أمستردام دون أن يترك آثاراً في حكومة أو حزب أو مؤسسة، أم أنه الهامش القسري الذي يُراد حشر الشاعر العراقي فيه... الهامش الذي يُحاصَرُ فيه العراق سياسيّاً منذ صدّام وبعد صدّام؟ أجدني مضطراً أن أبحث في أسباب لا علاقة لها بالشعر ولا بالمعرفة ولا بالنقد، أسباب للأسف لا تَرقى حتى لأن تُذكر بتفاصيلها لأنها صارت أكثر من معروفة وقد طغتْ وتمادتْ تحت قناعِ اللااكتراث تارةً والتندّر أخرى.
إن "الغاوون" بتقديمها علي البزاز تؤكد من جديد وبجرأة على أنها تجترح طريقاً جديداً وتكسر هامشاً يحاصر الشعرية العربية الجديدة لتحتلَّ بذلك موقعاً لم تعرفه صحافةُ الشعر ولا صفحاتُه في بيروت ولهذا فإنها هي الأخرى تعاني من مواجهة واصطدام دائمين.
إبقي ساهرةً... أيتها القصيدة وأنت أيها الشاعر أنّى تمضي أمامكَ تبقى:
"مفتوحةً في الصباح نوافذ البيوت
المطلةُ على الغريب!
لكن أبوابَها مغلقةٌ
هذه البيوت مرائية أشكالُها
تدّعي التسامح
تقهرُ المجداف
وتمنع العبور".
ــــــــ
* الأبيات بين قويسات مختارة من ديوان "بعضه سيدوم كالبلدان" لـ علي البزاز - منشورات الغاوون.







الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- بأقلام قطرية.. كاتبات صغيرات يرسمن أحلامهن بالكلمات
- اختتام مؤتمر الاتّجاه النفسي في النقد باتحاد الأدباء
- قبل 24 ساعة على انطلاقه.. مهرجان كان السينمائي يحظر العُري ع ...
- مغني الراب شون -ديدي- كومز أمام القضاء بتهم الاتجار بالبشر و ...
- الصين بعيون مغربية: هكذا عرفتُ الصين.. مُشاهدات أول طالب مغر ...
- -عليهم البدء بتعلم اللغة الروسية-.. برلمانية أوروبية توجه ند ...
- فرنسا: كان تفرش السجاد الأحمر لكبار المخرجين والممثلين وتجدد ...
- الکويت يرفع التمثيل الدبلوماسي مع لبنان
- مدينة كان الفرنسية تستعد لافتتاح مهرجانها السينمائي يوم الثل ...
- الدموع في عينيه.. بوتين يتأثر بمشاهدة فيلم -غير مدرج في القو ...


المزيد.....

- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شوقي عبدالأمير - ابقي ساهرةً أيّتها القصيدة