سليم محسن نجم العبوده
الحوار المتمدن-العدد: 2637 - 2009 / 5 / 5 - 04:49
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
بعد العديد من الرؤساء الأمريكان الذين تعاقبوا على حكم البيت الأبيض بتوجهات لم تكن متشابهة إلى حد بعيد الا أنهم تشابهوا بأمر واحد الا وهوا السلطة المطلقة النابعة من مفهوم "الأمة التي لا تقهر" فكل الرؤساء الأمريكان تعاملوا مع السياسة الخارجية من زاوية "ان كل العالم هوا مجال الأمن القومي الأمريكي " اذ ان سياسة الضغط المستمر هي التي كانت تعطي النتائج المرجوة خصوصا بعد ما أكدها انهيار الاتحاد السوفيتي السابق وكان نتيجة ذلك الانهيار ان الولايات المتحدة انفردت بالتمتع بمقومات الهيمنة والصدارة والشهرة العالمية من خلال امتلاكها لمثلث الهيمنة (القوه - السلطة - الثروة ) ويمكن الاطلاع على مقال كتبناه تحت عنوان (الديناميكية الحاكمة ومستقبل العلاقات الدولية :) يبين تفصيل نشوء القوة الدولية الا ان الانتصار الذي حققته الولايات المتحدة على السوفيت فيما عرف بالحرب الباردة كان في الحقيقة أول مسمار جلب للنعش الأمريكي الا ان قدوم " بوش دبليو بوش" على احتلال العراق 2003م كان النجار الذي قطع أخشاب النعش على مقاس الهيمنة والجبروت الذي طالما تمتعت به الولايات المتحدة الأمريكية وقد كتبنا مقالا في هذا الخصوص تحت عنوان ("الاتفاقية العراقية الامريكيه انجاز عراقي لا يخلو من السلبيات" .. مقال أخر" الكونكرس الأمريكي وقعوا الاتفاقية وليشبكنا يخلصنا" ) يبينان عمق الأزمة الأمريكية ومدى الانهيار الحاصل في مثلث الهيمنة( القوه - السلطة – الثروة) .
في السابق وفي عهد الرئيس الأمريكي "ريتشارد نيكسون" والذ ي كان متخوفا من أي منافسة إقليمية او غير إقليمية على منابع الشرق الأوسط البترولية خصوصا منطقة الخليج العربي الغنية بالبترول والهشة من الناحية السكانية وصعوبة السيطرة والمرابطة الدائمة لذلك اوجد "نيكسون" حل لهذه المعضلة الدائمة والتي طالما أرقت الساسة الأمريكان من خلال تنصيب دولة إقليمية تمتاز بالولاء التام للولايات المتحدة وتكون في الوقت ذاته قوية ولها هيبة إقليمية ولذلك وقع الاختيار على شاه ايران "محمد رضا بهلوي" ونتيجة لذلك الاتفاق فتحت مخازن السلاح الأمريكية على مصراعيها أمام إيران واستمر الحال هكذا في عهد كل من "فورد" و"كارتر" وحتى سقوط العرش الإيراني تحت مطرقة الثورة الإسلامية التي قادها "الأمام الخميني" عام 1978م مما اضطر "جيمي كارتر " عام 1979م للقدوم الى القاهر والذهاب الى القدس ومن ثم عودته الى القاهرة بداعي تفعيل اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية الا ان الحقيقة هي عمق المأزق الذي أصبحت فية الولايات المتحدة وإسرائيل بعد استيلاء الإسلاميين الإيرانيين على إيران بما فيها من مخازن الأسلحة التي لا تعد ولا تحصى إضافة الى ذلك ان الوضع الإقليمي أصبح أكثر توترا وهشاشة من السابق جعلت من "كارتر" اشبه ما يكون بالدجاجة التي تريد ان تبيض ..! . خصوصا وان المد الديني والحماسة التي ظهر بها الثوار الإيرانيون أخذت ترمي بضلالها على المحيط الإقليمي . ولذلك فان "جيمي كارتر"كان يعتبر سقوط ايران بيد الثورة الإسلامية وتحويلها إلى جمهورية أسلامية معادية للولايات المتحدة وإسرائيل بعد ان كانت تحت السيطرة والأمر الأمريكي أسوء بكثير من سقوط الصين عام 1948م تحت النفوذ الشيوعي .
الا ان أنباء الحرب المستعجلة التي وقعت بين العراق وإيران عام 1980م أثلجت صدور الأمريكان والإسرائيليين على حد سواء وذلك لعدة أسباب كان أهمها استنزاف السلاح الأمريكي المكدس في المذاخر الإيرانية وأضعاف كل من العراق وإيران خلال حرب استنزاف طويلة كما وأظهرت الحرب على منذ بدايتها حقيقة الا وهي ان الإسلاميين الإيرانيين بالرغم مما يظهرونه من عداء سافر لإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية على حد سواء الا أنهم من الممكن ان يتعاملوا معهم بسهولة اذا ما اقتضت المصلحة ذلك وهذا ما اكدتة فضيحتي "إيران كونترا" و "إيران كيت" وهذا يعني ان الذمة السياسية الايرانية ليست ثابتة كما يحاول الساسة الايرانيون ان يصورونها . بل ان الكيان الصهيوني وخلال فترة الحرب العراقية الإيرانية لم يكن ينظر لأيران على انها العدو الحقيقي بقدر ما كان يرى في العراق ذلك .
الا ان الانهيار الاقتصادي الذي أصاب" القوى المرنة" في الولايات المتحدة خصوصا بعد ما أرهقت الميزانية ألعامه وقضت على الاحتياطي الفدرالي الأمريكي في حربي احتلال العراق وأفغانستان للاقتصاد الأمريكي المرهق أساسا من تكاليف الحرب الباردة وتراكم "الكلفة" للبقاء على قمة الصدارة العالمية غيرت بشكل كبير جدا من الثوابت في السياسة الأمريكية الخارجية فبعد ان كانت تعتمد على الثروة لبسط سيطرتها أصبح لزاما عليها ان تتخذ طريقا "تقشفيا وارضائيا " للأطراف الأخرى وهذا ما يطلق علية حاليا مصطلح"تجميل السياسة الخارجية " للولايات المتحدة بل ان الحقيقة هي ليست تجميل بقد ما هي تغيير " سلوك سياسي متبع" يمارس به الضغط من طرف واحد ..
ومن المعطيات التي ذكرناها أعلاه فمن الممكن ان تلتقي المصالح الإيرانية الأمريكية خصوصا بوجود الرئيس الأمريكي الحالي "باراك اوباما " والذي منح استثناءات تاريخية في إمكانية تغيير سلوك السياسة الأمريكية وهذا الامتياز فرضته الظروف على واقع صناع القرار الأمريكي ولم يكن هناك بديل او خيار .. والتلاقي يكون من خلال ان الولايات المتحدة بقيادة "اوباما" تنهج سياسة معتدلة مبنية على أساس شراكة شبه حقيقية تأخذ بنظر الاعتبار المصالح المتبادلة وهذه السياسة ليست ابتكار "اوباما " بقدر ماهية منبثقة من رحم الأزمة السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية القومية التي حلت على الأمة الأمريكية على الرغم من الانتقادات الواسعة التي يتلقاها من معارضي سياسته وخصوصا من "ديك تشيني" الذي اعبر السلوك الذي يتبعه اوباما في العلاقات الخارجية يقلل من الهيبة الأمريكية في المجتمع الدولي . بينما" اوباما" يقول ( ليس على الولايات المتحدة وحدها ان تتغير بل على العالم كله ان يتغير ) ويمكن الرجوع الى مقال كتبناه تحت عنوان (اوباما على عتبة التاريخ ما لم يضيع الفرصة) اما إيران فهي تمتلك حلم حقيقي في التوسع الإقليمي ورغبة كبيرة في الحفاظ على مشروعها النووي او امتلاك دورة تخصيب يورانيوم كاملة والتخلص من العقوبات الدولية و الابتعاد عن مركزا لضغط الأمريكي وكذلك حاجة حقيقية في تجميل صورتها عالميا على اعتبارها رائدة لنظام حكم شيعي أسلامي وليس أسلامي فقط .
ولذلك فمن الممكن ان تعود العلاقات الأمريكية الإيرانية الى سابق عهدها في زمن الشاه فيما لو تفهم الطرفان الضرورات الملحة وقابلية التكامل في تحقيق مصالح متبادلة فيما بينهما فالولايات المتحدة تريد البقاء مهيمنة على الشرق الأوسط و لا تريد مزيد من الأنفاق خصوصا في ظل الأزمة المالية الأمريكية والتي أصبحت عالمية فمن الممكن ان تمنح او بالأحرى تعيد ذات الواجب الإيراني في عهد الشاه "محمد رضا بهلوي" الا وهوا رجل البوليس او العين الأمريكية في جسد إيراني و بتالي فان الهيمنة الإقليمية لأيران سوف تتحقق من خلال ذلك وان نفقات الأمريكان ستنخفض بشكل كبير خصوصا وان النظام الإيراني أكد تاريخيا إمكانية تخليه عن الثوابت والتعامل مع الدول المحظورة اذا ما اقتضت المصلحة الإيرانية ذلك وهذا ما اكدتة فضيحتي "ايران كونترا " و "إيران كيت" بل ان التصريح الأخير للرئيس الإيراني" احمد نجاد" كون إيران لا يمكنها ان تعارض مشروع حل أقامة الدولتين على أراضي فلسطينية معترفا ضمنا بالدولة الإسرائيلية دليل على قابلية إيران من التحول من أقصى اليسار الى أقصى اليمين وبالعكس اذا اقتضت الضرورة وربما هذا يبرهن على ما قاله "وينستون تشيرشل" (لا توجد صداقات دائمة بقدر ما توجد مصالح دائمة). ومن الممكن ان ترى الفرق بين الأيدلوجية الفكرية الشرقية والغربية من خلال استقراء الماضي و إسقاطه على الحاضر والمقصود بذلك اننا لو نضرنا الى "ألمانيا " في عهد " أدولف هتلر" وفكرة المجال الحيوي والتوسع الجنوني على الحساب الإقليمي و العالمي ا انه بمجرد اندحار ألمانيا في الحرب العالمية الثانية أخذت ألمانيا تنظر للواقع بمنظار حكيم فبنت قدراتها الاجتماعية والاقتصادية والعسكرية داخل حدودها السياسية بعيدا ومتناسية الطموح الفاشي في التوسع اما "الفكر الأيدلوجي الشرقي" فانه يضل حبيس التاريخ و لا يرضى بأقل ما وصلت إليه الإمبراطوريات الغابرة في الوقت الحالي و هذا ما يدخل الدول الشرقية في مشكل أزلي ديدنه الولوج في التاريخ من خلال المستقبل و هذا ما تعمل عليه ايران مع الأسف .
أما الدول العربية فان عدم قدرتها على ان تكبر على خلافاتها سيجعلها دوما تابعة للمنتصر وذلك بسبب عدم استقلالية القرار العربي النابع من عدم القدرة العربية على استلهام ذاتها و الأيمان بقدراتها القيادية ولد ا يمكن ان نسميه" الانكسار والتبعية" .
و في اعتقادنا المتواضع انه من المستحيل جمود العداء الإيراني الأمريكي الى الأبد خصوصا مع إمكانية التقاء مصالحهم في أكثر من موقع وان إيران ستكون الرابح الأكبر في حال تم الانفراج والتفاهم الا ان المستحيل هوا بقاء العلاقات متوترة الى الأبد في حين ان "طهران" على موعد مع الهيمنة الإقليمية بمباركة وتوقيع أمريكي . وبكلام مختصر ومفيد ان العلاقات الأمريكية الإيرانية فيما لو تم التوافق والاتفاق وسيتم التوافق والاتفاق حتما سيكون هناك شلال من المنافع الإيرانية المكتسبة مقابل ما سيحصل عليه الأمريكان من نزر بسيط من تلك المكاسب وربما سيكون المكسب الأمريكي الأكبر في هذا التوافق هو" إغلاق جبهة وخفض نفقاتها ".
#سليم_محسن_نجم_العبوده (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟