أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الطب , والعلوم - أحمد هيبي - درس في غباء الجسم الانساني















المزيد.....

درس في غباء الجسم الانساني


أحمد هيبي

الحوار المتمدن-العدد: 2632 - 2009 / 4 / 30 - 03:36
المحور: الطب , والعلوم
    


براعة الجسم البشري
كثيراً ما سمعنا عن ذكاء جسم الحي، وبراعته في تصريف شؤونه لوحده. والأمثلة على ذلك كثيرة، فهو يحارب الجراثيم، ولديه جيش جرّار من كريات الدم البيضاء المقاتلة, الجاهزة للتصدي لأي كائن غريب يتعدى حدود هذا الجسم ويحاول العبث به. حتى صرنا نظن ان الجسم الانساني ما هو الا مستعمرة كاملة التنظيم, فيها الرأس وفيها العمال والجنود, ولها الحدود المحمية من كل جانب. وحتى بتنا يساورنا الاعتقاد ان الجسم الانساني يدير نفسه بنفسه باستقلال تام عن صاحبه.
خذوا مثلا نظام الجوع والعطش، لا حاجة لأن نتذكر أننا لم نتناول الطعام منذ ساعات طويلة, فجسمنا ينبهنا الى ذلك، ولا حاجة لتذكيرنا بموعد نومنا وراحتنا, فجسمنا يدق ناقوسه الصغير ويثقل أجفاننا برماد لا نراه, يجعلنا نخلد الى النوم صاغرين.
ثم هناك آلية التفريغ وفيها من الفوائد ما فيها, وآلية التعرّق، حيث يطرح الجسم خارجه وعن طريق مسامه الأملاح والأوساخ والسموم التي استغنى عنها. والأهم من ذلك ما يشاع أن جسم الكائن الحي هو طبيب نفسه. بل هو يستغل فترات نوم صاحبه, في تصليح ما تضرر من أعضائه, وشفاء ما أصابه من أمراض.

الجسم كماكنة
ويرى ديكارت مثلاً أن الجسم هو أشبه بماكنة ذكية، ذاتية التشغيل. بحيث أن أجزاء الماكنة هي التي تقوم بتشغيل بعضها بعضاً. وإذا كانت يدنا تتحرك لأن جزءاً من دماغنا يأمرها بذلك، فإن قلبنا يتحرك بدون أوامر. وكذلك نتنفس الهواء, شهيقا وزفيرا, بدون أن يجبرنا على ذلك أحد. وربما كان هذا التصور الجديد للجسم هو وراء فكرة نقل الأعضاء من والى الجسم. فكما أن الآلة مؤلفة من أجزاء مترابطة, يمكن استبدالها , كذلك الجسم الإنساني مؤلف من الاعضاء التي يمكن استبدالها عند اللزوم. ولإقناعكم أن هذه الفكرة جديدة ووليدة العصر الحديث يكفي ان نتذكر أن رجال الدين والمتحدثين باسمه, وعلى أنواعهم, رفضوا بهذه الدرجة او تلك, فكرة الماكنة, وبالتالي فكرة استبدال الاعضاء.
ويمكن ان نفهم وجهة نظر رجال الدين في ذلك, فالجسم الانساني شيء مقدس ينبغي عدم التعدي على وحدته بالاستبدال, وهناك من يرفض منهم فكرة التشريح لهذا السبب بالذات.
وأكثر من ذلك, يسبغ أصحاب الأديان أهمية كبيرة على الجسم الإنساني. فهو برأيهم على صورة الله (في التوراة). وهو كامل, وفي أحسن تقويم (القرآن الكريم).
ولا شك ان افلاطون كان يرفض فكرة قدسية الجسم الانساني. فهو كجسم مكون من نفس عناصر الطبيعة الموجودة في التراب والصخور. ولذلك فقد سخر من تلاميذه الذين جاءوا يسألونه كيف يوارونه التراب بعد موته وأين. فالجسم بالنسبة له كومة من الاظافر والشعر. والمرء في حياته لا يحفل كثيرا أين يواري شعره أو أظافره التي تخلص منها, ويستطيع أن يودعها دلو النفايات بدون أسف أو تأنيب ضمير. ان جسم الانسان ليس هو الانسان, ولا ينبغي بالتالي ان نحيطه بهذه الهالة من القداسة والتبجيل. (دون أن يعني ذلك احتقاره أو التخلص منه).

نظرية التطور
إن أصل البراعة المزعومة للجسم الانساني عند من يقول بتطوّر الجسم من خلية بدائية في رحلة استغرقت ملايين السنين, هو في مبدأ التجربة والخطأ. فعن طريق التجربة والخطأ يتعلم الانسان السباحة والصيد وبناء البيوت. وعن طريق التجربة والخطأ ينبت للطيور أجنحة وللوحوش أنياب حادة. والغريزة التي تجعل النحل ينظم حياته ليست وليدة موهبة, بل هي وليدة تجارب عديدة ودروس مكتسبة عبر عصور كثيرة من التجريب والتعلم.
وإذا كانت عينا الحصان على جانبي وجهه, فإن ذلك عائد إلى أن الحصان يرغب أن يرى حوله أعداءً مفترضين، وهو يرعى العشب في سهل مكشوف. وإذا كانت الحرباء تغير لونها وتصبح في لون الأشجار الخضراء أو سواد الشارع، فما ذلك الا لأن جسم هذا المخلوق تعلّم أبسط قواعد السلامة في عالم العدوان الذي يعيش فيه ، وهو التخفّي. وجسم الإنسان أكثر تطوراً من جسم السمكة ويحتوي على أعضاء أكثر براعة ودقة في أداء عملها، لأن جسم الإنسان قد قطع شوطاً كبيراً في مسيرة التحسينات التي مرت عليه.
والرأي المعاكس للقائلين بنظرية الخلق (في جميع الاديان) , يضع الامور بشكل معكوس أيضا. فالغريزة موضوعة أو مخلوقة في الحيوان والانسان وليست مكتسبة. والجسم الانساني هو جسم الانسان الأول وبدون اية تحسينات عليه منذ وجد أول مرة, سواء خلقه زفس عند اليونان, أو براهما عند الهنود. والنحل يتصرف بالطريقة التي يتصرف بها, لأن خالقه وضع فيه هذه الغريزة, وكان يمكن أن يضع فيه غريزة ثانية مخالفة.

غباء الجسم الانساني
إلا أنه يمكن ببساطة الاعتراض على ذكاء الجسم الانساني أو كماله. لنبدأ أولاً بأبسط الأشياء فقد حاول صديقي حك ظهري قبل دقائق ولم يستطع. ان يده لا تصل هناك ببساطة, ولذلك هو مضطر أن يفعل كما يفعل الحصان مع الحائط, او أن يطلب مني مساعدته. وفي البيت يستعمل مغرفة الطعام لانجاز هذه المهمة والتغلب على الم الحكة.
قد يكون هذا نقصاً في الجسم قليل الاهمية بالنسبة إليكم, ويمكن بالتالي التغاضي عنه. ولكن ما رأيكم بالجسم الإنساني الذي يستعمل عضوا واحدا في عمليتين أكثر حيوية بكثير: وهما العملية الجنسية والتبول؟
نقص آخر أشد خطورة, هو أن الجسم الإنساني لا يستطيع بقواه الذاتية أن يفرّق بين العدو والصديق. وقد قبلنا ان يصارع الجسم الجراثيم المضرة ويقاتلها قتال المستميت, ولكن كيف له ان يقاتل كلية اصطناعية زُرِعت له لكي تكرر دمه, وتطيل في عمره وعمر صاحبه، فتراه يقاتلها قتالاً عنيفا, لا يقلل من حدَّته إلا أدوية لردعه والتخفيف من وطأة غضبه. هل مثل هذا الجسم يمكن أن يوصف بالذكاء
ثم انظروا إليه كيف يستعمل السموم ويدمن عليها. فتراه يهش لها ويرحب بقدومها، بل يحزن وينحط إذا مُنعت عنه. انه ينفث بفرح وابتهاج الدخان الذي سيكون سبباً في القضاء عليه. ويأخذ من المشروبات الكحولية ما يمكن أن يتلف كبده ويسلبه الحياة.
ثم ان الجسم الانساني قد ينقلب على نفسه, في ظاهرة هي اغرب من الخيال. فتراه يصنع بنفسه خلايا سرطانية تسعى الى تدميره في نهاية المطاف. بل انه ينتج النفايات التي تتسبب بعد ذلك في قتله وسد شرايينه. ونفايات الاكسدة التي لا يستطيع الجسم الانساني التخلص منها تعجل في شيخوخته, وتؤدي الى عجزه ودماره الذي صار الناس يعتقدون انه لا مناص منه. بينما لو أخذنا بنظرية ديكارت نفسه عن الجسم الماكنة, لما كان أمر كهذا واجب الحصول. فالماكنة ترمم وتجدد باستبدال قطعها واعادتها الى العمل من جديد, فلماذا لا يتم ذلك في الماكنة البشرية على وجه مماثل؟
ويرى اصحاب الاديان غباء الجسم الانساني على انه عجز وضع فيه من البداية. وهو لذلك غير قابل للاصلاح. فعلى الماكنة ان تموت عاجلا او آجلا, نافثة آخر انفاسها, ولا يهم كم رقعة وضعنا فيها. فالموت حق, بل دين وواجب على جميع الكائنات الحية أن تؤديه شاءت أم أبت. واذا كان الانسان موضوعا على شكل الاله نفسه, فليس معنى ذلك – برأيهم – أنه خالد مثل الأصل. وليس معنى حسن التقويم فيه أنه أقوى من النمر أو الاسد, أو اجمل من الطاووس. فالكمال للأصل وحده وليس للتقليد.

التطور الى أمام
واذا عدنا الى نظرية التطور, أمكننا أن نرى سبب هذا الغباء غير المغتفرلجسم الكائن الحي, وذلك في ناحية ثانية مختلفة كل الاختلاف عن رأي الاديان. فإذا كان الجسم الإنساني نتاج مسيرة طويلة، من التطورات والتحسينات، فإنه يحتاج إلى ملايين السنين الأخرى، لكي يستطيع ان يفرِّق بين قلب زُرِعَ له وبين قطعة من سكين معدني أدخل فيه عُنوة.
والمطلوب من الانسانية الواعية والعاقلة, أن تساعد الجسم الانساني في اجتياز ما تبقى من هذه المسيرة الطويلة بأقصر مدة ممكنة. ولا تترك للتحسن ان يتم بطرق الطبيعة الحثيثة, وحسب مبدأ التجريب والخطأ كما حدث للطيور والاسماك. والانسان ليس جسما فقط وحفنة عناصر من الطبيعة والتراب, بل هو عقل وارادة ووعي أيضا. وسواء كانت هذه ناجمة عن الجسم نفسه وتطوراته العديدة, او موضوعة فيه من خارجه (مثلا الروح), فان بمقدور الانسان عن طريقها ان يساعد الجسم (الجسد) في اجتياز محنته ونواقصه وتجاوز غبائه الى آفاق أجمل وأبقى.



#أحمد_هيبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجنس عند اليهود - الجزء الأول
- الذكاء المتعدد - أنواع الذكاء الانساني - أعمدة الذكاء السبعة


المزيد.....




- صدمة التشخيص بالسرطان – ما الذي ينبغي على المريض وأقاربه فعل ...
- ما أبرز الادعاءات المتداولة على الإنترنت حول العملية العسكري ...
- دراسة تحدد شكل الجسم الذي يزيد خطر الإصابة بسرطان القولون
- ثبتها الآن.. تردد قناة الفجر الجزائرية على الأقمار الصناعية ...
- “أمتع قنوات الطبيعة“ تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك 2024 نايل ...
- روسيا تمنع تمرير مشروع قرار أمريكي حول عدم نشر الأسلحة النوو ...
- موسكو: رفضنا المشروع الأمريكي حول منع نشر أسلحة الدمار الشام ...
- موسكو: نريد فرض حظر شامل على نشر الأسلحة في الفضاء
- روسيا تمنع تمرير مشروع قرار أمريكي في مجلس الأمن الدولي حول ...
- الديوان الملكي يُعلن مغادرة الملك سلمان المستشفى بعد إكمال ا ...


المزيد.....

- المركبة الفضائية العسكرية الأمريكية السرية X-37B / أحزاب اليسار و الشيوعية في الهند
- ‫-;-السيطرة على مرض السكري: يمكنك أن تعيش حياة نشطة وط ... / هيثم الفقى
- بعض الحقائق العلمية الحديثة / جواد بشارة
- هل يمكننا إعادة هيكلة أدمغتنا بشكل أفضل؟ / مصعب قاسم عزاوي
- المادة البيضاء والمرض / عاهد جمعة الخطيب
- بروتينات الصدمة الحرارية: التاريخ والاكتشافات والآثار المترت ... / عاهد جمعة الخطيب
- المادة البيضاء والمرض: هل للدماغ دور في بدء المرض / عاهد جمعة الخطيب
- الادوار الفزيولوجية والجزيئية لمستقبلات الاستروجين / عاهد جمعة الخطيب
- دور المايكروبات في المناعة الذاتية / عاهد جمعة الخطيب
- الماركسية وأزمة البيولوجيا المُعاصرة / مالك ابوعليا


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الطب , والعلوم - أحمد هيبي - درس في غباء الجسم الانساني