أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خبام محمد الزعبي - مصر وأزمة دارفور















المزيد.....



مصر وأزمة دارفور


خبام محمد الزعبي

الحوار المتمدن-العدد: 2622 - 2009 / 4 / 20 - 10:44
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



تتجه الأنظار في منطقة العالم العربي ومن خارجه إلى بؤرتي النزاع الملتهب، الاحتلال الأنجلو أمريكي في العراق والمذابح اليومية التي يرتكبها الاستيطان الصهيوني في فلسطين، وتتوارى قضايا كثيرة أمام بشاعة ما يجري هناك، في حين أن هذه القضايا لا تقل أهمية من حيث ما يرتبط بها من دلالات خاصة بالأمن العربي ومستقبل خريطة المنطقة ككل(1).
بيد أن تفاقم الأوضاع في دارفور والمآساة الإنسانية التي نتجت عن الأزمة وتطوراتها التي كانت ضحيتها مئات الآلاف من النازحين من غرب السودان إلى تشاد، والأوضاع الحرجة التي يمر بها السودانيون في تلك المنطقة من جنوب العالم العربي، يجب أن تشغل اهتمامنا وتستلفت أنظار العالم العربي حكومات وشعوب، من أجل إلقاء الضوء على الأبعاد المتشابكة والمعقدة للنزاع في دارفور والأوضاع الإنسانية والاجتماعية والسياسية الحالية وآفاق حل الأزمة وكذلك مخاطر التدخل الأجنبي في تلك المنطقة التي تعد امتداداً استراتيجياً لمصر.
ومما لا شك فيه أن أزمة إقليم دارفور الذي يقع غرب السودان تعتبر من أهم الأزمات التي ظهرت على سطح الأحداث السياسية العالمية في السنوات الأخيرة(2) ، والتي انتشرت أخبارها في الصحافة والإعلام في جميع أنحاء العالم، وانشغل فيها أهالي دارفور والسودانيين والعرب والمصريين والاتحاد الأفريقي، وكذلك جذبت اهتمامات الدول الأجنبية والقوى الخارجية، وبذلك أصبحت في مقدمة الأزمات والمشكلات المطروحة على المنظمات الإقليمية والدولية(3) .
ودارفور إقليم ذات إمكانات بشرية كبيرة وثروات طبيعية هائلة وفي مقدمتها الثروة البترولية واليورانيوم والنحاس وغير ذلك. وبالتالي فإن هذه الثروات المهمة جعلت الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية تسعى لايجاد منفذ لها للسيطرة على هذا الإقليم الذي يتميز بموقعه الهام والإستراتيجي في وسط القارة الأفريقية وإحكام قبضتها على الثروات النفطية الهائلة التي يملكها هذا الإقليم، وبذلك تكتسب دارفور أهمية كبيرة بسبب سيطرتها على مناطق تتوفر فيها الإمكانات الزراعية والرعوية، وتتنوع فيها وسائل العيش والحياة، ولوقوعها على طرق التجارة والقوافل بين الشمال والجنوب، ووقوعها أيضاً على الطرف المتجه من الغرب إلى الشرق في مسيرة الجماعات المتوجهة إلى الحج في الأماكن المقدسة في الحجاز(4) .
وبالتالي فإن تصاعد الاشتباكات العسكرية في دارفور خلق بؤرة صراع جديدة في السودان بعد أن لاحت بشاير السلام في الجنوب بتوقيع اتفاقية فيفاشا في 27 مايو 2004، هذا مما أعاد السودان مرة ثانية إلى مشكلات القتال والصراع المسلح، والتي زاد في تصاعدها تدخل قوى أجنبية فيها سعياً وراء تحقيق أهدافها ومصالحها السياسية والاقتصادية(5).
ولقد لعبت إسرائيل دوراً كبيراً ومهماً في تعقيد مشكلة دارفور وتدويلها ودعم المتمردين في هذا الإقليم مادياً ومعنوياً وإعلامياً بغية الالتفاف حول الأمة العربية والسودان ومصر بالذات(6). وفي هذا الإطار تأتي هذه الورقة التي أتناول فيها أزمة دارفور وأبعاد الدور المصري فيها من خلال المحاور الآتية:
أولاً: التطور الداخلي للأزمة في دارفور:
إن مشكلة دارفور تعود إلى عدة عوامل اجتماعية واقتصادية وسياسية وبالتالي يمكن إيجازها بالآتي:
1- إن التركيبة الاجتماعية لدارفور تركيبة معقدة جداً، قائمة على القبائل والهيكل الأساسي هو هيكلي قبلي، داخل هذا الهيكل يوجد ثنائية عرقية، بمعنى أن هناك قبائل إفريقية موجودة منذ فترات طويلة وهم في غالبيتهم من المزارعين المستقلين، أما القبائل العربية فأغلبها من الرعاة المرتحلين وراء الكلأ والماء، فعندما يكون هناك ثنائية "رعاة ومزارعين" دائماً ما يكون هناك حركة للقبائل، حيث يصاحبها احتكاكات على أساس أن الرعاة دائماً يتحركون وراء الماء والعشب وفي طريقهم يتعدوا كثيراً على أرض المزارعين ومن هنا تحدث المشكلة(7).
2- أن موجة التصحر والجفاف التي أصابت شرق أفريقيا وخاصة في السبعينيات والثمانينات، وبالتالي فإن هذه الموجه دفعت القبائل العربية إلى النزوح جنوباً للوصول إلى المناطق المروية بالأمطار، هذا مما أدى إلى المزيد من الاحتكاكات بين المزارعين والرعاة (8).
3- إن المشكلة بين القبائل العربية والأفريقية كان هناك اختلاف عرقي(9) ، خصوصاً إن القبائل العربية احتفظت بشيء من الاستعلاء تجاه القبائل الأفريقية بسبب أنها هي التي أدخلت العقيدة الإسلامية والثقافة العربية الإسلامية إلى هذه المنطقة سواء في شمال أفريقيا، أو صعيد مصر، أو الجزيرة العربية، فرأت أنها هي التي لها الحق في سيادة الإقليم لأنهم هم الذي أدخلوا الثقافة ومن هنا جاء الاستعلاء، ولذلك يطلقون على الأفارقة "الزرقة".
4- كان إلغاء الإدارة المحلية سبباً آخر من أسباب تفاقم مشكلة دارفور، حيث كانت الإدارة المحلية في الماضي متمثلة في العمدة أو الشيخ بعمل تنظيمي إيجابي لحل النزاعات سلمياً بين القبائل فكانوا هؤلاء المسؤولون يملكون سلطة قانونية تخولها لهم الدولة، وبالتالي فإن هذه السلطة كانت تساعدهم على عملية إدارة العلاقات بين القبائل الأفريقية والعربية. غير إن هذه الإدارة المحلية قد تعرضت للإلغاء من قِبل نظام الرئيس السابق جعفر نميري، مما حرم زعماء وشيوخ قبائل دارفور من كثير من الاختصاصات الواسعة التي كانت لهم، كما حرم القبائل من دور هؤلاء الزعماء في تسيير النظام الإداري، وفي وسط هذا الفراغ كان من الضروري أن يحمل السلاح الشخصي والصراع القبلي محل رأي مجالس الكبار، هذا مما أدى إلى المزيد من التنافس العرقي وغير العرقي بينهما (10).
5- تشابك الحدود وانتشار السلاح في الإقليم، حيث تمتد حدود إقليم دارفور بغرب السودان لمسافة طويلة، وتشترك مع ثلاث دول هي ليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى، ورغم إن هذه الحدود طويلة بدرجة ملحوظة فلا توجد عليها حراسات أمنية كافية، وبسبب الحدود المشتركة بين القبائل الأفريقية و العربية فقد كانت تتأثر هذه القبائل دوماً بالتفاعلات السياسية وبخاصة النزاع الليبي التشادي والحرب الأهلية في تشاد، حيث أن الفريق المهزوم في تلك الاشتباكات كان يرتد إلى بطونه في دارفور حاملاً أسلحته وأزمته السياسية مع الآخر(11).
6- التهميش، حيث يعاني غرب السودان من التهميش على كافة المستويات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وكذلك انهيار البنية التحتية والمشروعات الاستثمارية، وإهمال التنمية الزراعية والحيوانية والبشرية وعزلة الإقليم، والنقص الكبير في الخدمات الصحية وكذلك انتشار البطالة بنسبة كبيرة وخاصة بين الشباب، لقد أعاقت كل هذه الظروف أية تطورات اقتصادية للإقليم خاصة في مجالات التجارة والتسويق والتنمية مما عمق من أسباب الخلاف بين دارفور والخرطوم التي تتزعم الحركات العسكرية الأفريقية والتي تقود منذ الثمانينات التنظيم المسمى بالتجمع العربي(12).
7- مما لا شك فيه إن مشكلة دارفور محلية في أساسها إلا أن تدخل القوى الخارجية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وغيرها من الدول الغربية كان له أثر سلبي أدى إلى تفاقم الأزمة وانتقالها من أزمة محلية إلى أزمة إقليمية ودولية، حيث عمل الإعلام الغربي على تضخيم المشكلة وعرضها بالصورة التي تخدم مصالحها، وبالتالي فإن المستفيد الأول من قيام الحروب في دارفور هي القوى الأجنبية (13).
8- تجاهل الحكومة للأزمة في بادئ الأمر، مما جعل حركة التمرد في دارفور تبلغ هذا الحد من العنف، وبالتالي فإن الحكومة قد استهانت بها أول الأمر، واعتبرتها عملية بسيطة خارجة عن القانون، حيث إن الحكومة وهي تتفاوض مع الجنوبيين قالت أنها سوف تتفاوض مع حاملي السلاح وبدأت تفاوض الحركة الشعبية على هذا الأساس، وعندما طلب الشماليين المشاركة في المفاوضات رفضت الحكومة ذلك، وعلى هذا الأساس أيضاً خرج التجمع وحزب الأمة من المفاوضات.
وبالتالي فإن خطأ الحكومة أنها حاولت أن تحل هذا التمرد بطريقة أمنية فقط بدلاً من أن تعالج المشكلة اجتماعياً وكذلك أخطأت في إدارة الأزمة سياسياً إعلامياً (14).
ثانياً: الأدوار الإقليمية في مشكلة دارفور:
نظراً لأن السودان بلد أفريقي ومجاور لكثير من الدول الأفريقية فقد كان من الطبيعي أن تؤثر أحداث دارفور والسودان على الدول الأفريقية المجاورة له وسوف أعرض في هذه الورقة دور مصر في قضية دارفور وتأثيرها على الأمن القومي المصري بصفة خاصة ودور بعض الدول الأفريقية بصفة عامة:
أ) دور مصر في مواجهة أزمة دارفور وتأثيرها على الأمن القومي المصري:
غني عن القول ما تشكله كل من مصر و السودان من وحدة طبيعية وجغرافية وتاريخية وثقافية وديموغرافية، تضرب بجذورها في أعماق تاريخ صاغ حضارة وادي النيل. فارتباط كل منها بالآخر ارتباط عضوي ومصيري، فضلاً عما تشكله السودان من عمق استراتيجي وامتداد للأمن القومي والقدرة على الحيلولة دون تمكن المشروع الغربي من بلوغ أهدافه في فصل شمال الصحراء "البلدان العربية الأفريقية" عن بلدان جنوب الصحراء الأفريقية" والذي تشكل فيه أزمة دارفور إحدى استهدافات هذا المشروع التفكيكي(15).والارتباط المصري بالسودان تاريخياً وسياسياً يقوم على عدة اعتبارات أساسية ومن أهمها.
1- إن مصر بلد أفريقي، والسودان هو مدخلها إلى قلب القارة الأفريقية، وهناك امتداد تداخل كبير للقبائل السودانية في مصر، والقبائل المصرية في السودان حول نهر النيل مثل قبائل النوبة.
2- إن نهر النيل مصدر الحياة والنماء بالنسبة للبلدين، فقد ربط بين مصالحهما رباطاً قويا، وللحقيقة والتاريخ فإن معظم مشروعات الري التي تمت في السودان كان لمصر دور هام في بنائها وبالتالي فإن مصالح البلدين واحدة (16).
وهنا تنبع أهمية تناول قضية دارفور في الوقت الراهن من حقيقة أساسية وثابتة وهي أن الاهتمام بالأمن القومي المصري يوجب علينا الاهتمام بالأمن جنوب مصر وليس فقط الأمن الشرقي، وعلى هذا الأساس دخل السودان دوماً دائرة اهتمام المعنيين بالأمن القومي لمصر، فمع بداية عملية المفاوضات في قضية جنوب السودان ومع تركز الأضواء على ما يحدث في غرب السودان أصبح من الجلي أن الأمن القومي المصري يستوجب النظر إلى ما يأتي من الجنوب في هذه الآوانة من لحظات تطور الأمن القومي العربي كلياً والأمن القومي المصري في جوهره (17).
ولذا فمن الطبيعي أن يأتي الموقف المصري داعماً ومسانداً للسودان في كل ما يحفظ له أمنه وسلامته واستقراره ووحدة أراضيه (18).
وبالتالي فإن دور مصر فيما يتعلق بأزمة دارفور تدور حول الوقوف ضد أي سعي لتدويل أزمة دارفور، وضرورة التزام الجهود الدولية كافة خطاً ثابتة يحترم سيادة السودان ووحدة أراضيه وكذلك الحرص على معالجة الأزمة تحت مظلة الاتحاد الأفريقي، وفي إطار أفريقي عربي وعدم اللجوء إلى استخدام القوة ورفض الالتجاء إلى تطبيق عقوبات دولية على الحكومة السودانية كآلية لحل الأزمة أو تحسين الأوضاع الإنسانية للمتضررين من السكان. وكذلك عملت مصر على ضرورة التوصل إلى اتفاق سلام شامل وعادل بين الحكومة السودانية.
وحركات التمرد التي تحمل السلاح في دارفور من أجل تحقيق السلام في كافة اتحاد الإقليم (19).ومافتئت الحكومة المصرية تجسد هذا الدور في مختلف المحافل الإقليمية والدولية، وفي القمم الأفريقية العامة والمصغرة، وفي الوفود الزائرة لإقليم دارفور والمشاركة في أعمال الإغاثة، وعمل كل ما من شأنه تجنيب السودان أية مخاطر تضر بمصالحه السياسية والاقتصادية، والواقع أن الحفاظ على وحدة السودان هي في الحقيقة، الحفاظ على كيان مصر ذاتها وعلى بُعدها الاستراتيجي خاصة وأن مؤسسات ومشروعات التكامل بين مصر والسودان تسير سيراً سريعاً نحو تحقيق أهداف اقتصادية مشتركة بين البلدين.
وانطلاقاً من موقف مصر الرافض لأي تدخل أجنبي في شؤون السودان داخلياً كون أن ذلك يمس أمن السودان ومصر بالدرجة الأولى، وقد صرح صفوت الشريف أمين عام الحزب الوطني في مصر بشأن وضع دارفور قائلاً "إن القيادة المصرية ورجال الدبلوماسية في مصر عملوا كل ما في وسعهم لتجنيب السودان أية مخاطر" (20).
وكذلك رعت مصر المحادثات بين الحكومة السودانية والتجمع السوداني المعارض في القاهرة إلى أن تم التوصل إلى اتفاق نهائي، والذي تضمن ضرورة حل جميع قضايا السودان برؤية قومية واحدة، ونص على مشاركة جميع ممثلى التجمع في وضع دستور السودان المؤقت، والاشتراك في الحكومة الانتقالية (21).
وكذلك أعلن الرئيس المصري حسني مبارك دعم مصر الكامل للسودان في سعيه للعمل على حل أزمة دارفور، وأمر بتقديم مساعدات مادته للمنكوبين هناك، فوصلت فى شهر أغسطس عام 2004 خمس طائرات حربية مصرية كبيرة محملة بالمواد الغذائية وغيرها من المساعدات الإنسانية التي قدمتها مصر لإغاثة المتضررين في دارفور (22).
وبإزاء تداعيات قرار مجلس الأمن الدولي 1706 حول أزمة دارفور والجهود المبذولة للحل السلمي أكدت مصر على أهمية الحفاظ على الطابع الأفريقي للقوة الهجين في دارفور، وأن تعمل رئاسة هذه القوة في شراكة كاملة مع الحكومة السودانية لضمان تحقيق الهدف المنشود وبناء السلام واستعادة الأمن واستقرار إلى دارفور (23).
وفي خطوة اعتبرت امتداداً للجهد المصري وإعادة بلورة لأفكار مصرية أعلن محمد الميرغني رئيس الحزب الاتحادي الديموقراطي رئيس التجمع الوطني السوداني المعارض في منتصف ديسمبر 2006 عن مبادرتين تتعلق الأولى بتوحيد الحركات والفصائل المتمردة بدارفور والأخرى لجمع الصف الوطني السوداني وترسيخ دائم السلام فيه، وأعطى الميرغني الأولوية بالمبادرة الخاصة بدارفور عبر مائدة حوار تعقد في القاهرة.
وهنا يمكننا التوصل إلى أن مصر أيدت كل عمل يساعد على حل أزمة دارفور سواء جاءت من جانب بعض الدول كليبيا وتشاد أو من جانب الجامعة العربية التي حاولت لعب دور مباشر في حل مشكلة الإقليم وجمع التبرعات وتسيير العمل الإنساني إليه (24) .
ب) دور تشاد في أزمة دارفور:
يخضع الارتباط بين تشاد وأهداف دارفور إلى العلاقات المصلحية بين بعض المجموعات القبلية والحكومتين التشادية والسودانية، فبحكم موقعها الجغرافي، واتصال النسيج الاجتماعي على الجانبين، حيث تلعب تشاد الدور الرئيسي في التأثير والتأثر بأحداث دارفور فهناك حوالي 13 فبيلة أفريقية وعربية مشتركة بين إقليمي غرب السودان وشرق تشاد (25).
وبالتالي ما جرى ويجري في دارفور له علاقة بأوضاع تشاد السياسية والمسألة لم تخل من إقدام بعض عناصر الجيش التشادي على دعم المتمردين لو جستياً وتسليحياً وربما المشاركة معهم في المعارك، على أن ذلك ليس في صالح تشاد لأن التوصل لأي حل سلمي لمشكلة دارفور ستكون تشاد من أول المستفيدين منه (26).
ج) دور أريتيريا في أزمة دارفور:
بالرغم من أن أريتيريا لا تمتلك حدوداً مع دارفور إلا أنها انتهجت سياسة اتصفت بالعدوانية لحكومة الخرطوم وأيدت كل القوى المعارضة لها، واستقبلتها في أراضيها ودعمت حركة العدل والمساواة وتحرير السودان خاصة بعد أن أصبحت الحركتان عضوين في التجمع السوداني المعارض الذي يتخذ من أسمرة مقراً له. وتحاول أريتيريا من خلال تصعيدها لأزمة دارفور تحقيق عدة أهداف ومن ضمنها، تخفيف حدة الضغط الإقليمي الذي يشكله محور صنعاء المكون من اليمن وأثيوبيا والسودان عليها، وذلك من خلال اختراقها للسودان وإحداث القلق فيه, وكذلك هدفها تخفيف الضغوط التي فرضتها الحكومة السودانية على منطقة الشرق المجاورة لها، وبالتالي لعبت أريتريا دوراً مهماً لحساب بعض القوى الخارجية كالولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، ومن هنا كانت مساعدتها للمتمردين بالسلاح والسعي لتصعيد الموقف في دارفور(27). وقد جرت محاولات وساطة ليبية ومصرية لعمل مصالحة بين أريتريا والسودان أثر انعقاد اللجنة المشتركة الأولى بين البلدين عام 2005، وبذلك أصبحت العلاقات جيدة وتم الاتفاق خلالها رفع التمثيل الدبلوماسي بينهما، وهذا ما دفع الخرطوم إلى استغلال هذا التحسن من أجل الاتفاق مع أريتريا على التوسع في المفاوضات (28).
د) دور ليبيا في مواجهة أزمة دارفور:
تولي ليبيا القارة الأفريقية اهتماماً ينطلق من مقولة في الكتاب الأخضر: "السود سيسودن العالم" وقد سعت إلى التفاعل مع هذه المقولة عبر أكثر من آلية سواء من خلال نشاطها القيادي في الاتحاد الأفريقي وسعيها إلى إقامة الولايات المتحدة الأفريقية أو من خلال العلاقات الثنائية مع جميع الدول الأفريقية، أو من خلال فتح الحدود الليبية أمام العمال الأفارقة(29). وكون أن إقليم دارفور يجاور الصحراء الليبية الجنوبية ويقوم بين قبائله والقبائل الليبية ارتباط تاريخي، فقد كان من المفترض أن يشكل هذا التداخل عامل ترسيخ الأمن والاستقرار وبالتالي فإن أي قطر يعاني من أزمة لابد أن ينعكس بالآثار السلبية على أجزاء الجوار.
وهنا فإن مشكلة دارفور وتعقيداتها يصعب النظر إليها بعيداً عن تدفق السلاح إلى الإقليم من الأقاليم المجاورة، وبعيداً عن آثار الحرب التشادية والتشادية، والصراع الليبي التشادي فيه ثمانينات القرن الماضي، ومعارضة ليبيا دعم الولايات المتحدة الأمريكية لجعفر النميري، وفي ذلك الوقت كانت تشاد محور اهتمام الزعيم الليبي لإقامة الحزام الأمني عبر أفريقيا.
وقد لعبت القيادة الليبية دوراً كبيراً على صعيد توحيد مواقف التمرد في السودان وإقناعها بالتمسك بالسلام، ووقف إطلاق النار، وبقيت لبعض الوقت حلقة الوصل بين الحكومة الأريترية في كبح جماحها عن دعم متمردي دارفور، وكذلك أسهمت الجماهيرية الليبية في الوفاق بين قبائل دارفور المتنازعة بسبب المراعي، حيث تم على أراضيها عقد مؤتمرات مصالحة قرر فيها شيوخ الزيادية والميدوب على إعادة بناء نظام اجتماعي محافظ على أسس السلام والاستقرار والتسامح.
وبالتالي فقد قادت الجماهيرية الليبية تحركاً إقليمياً لمحاولة حل أزمة إقليم دارفور سلمياً ورفض أي وجود عسكري غير أفريقي فيه(30) .
ويأتي هذا التوجه الجاد لمعالجة أزمة إقليم دارفور في الإطار الأفريقي من شعور بخطر ما يحاك للمنطقة، يمهد له بالتدخل الدولي، من خلال إرسال قوات أجنبية إلى إقليم دارفور فإن ذلك سوف يشكل كارثة يصعب حلها، حيث سيأتي إسلاميون أصوليون من كل بقاع الأرض بهدف الجهاد مع أهالي دارفور وستصبح دارفور أفغانستان أو عراق آخر، ولذلك يجب أن يكون الحل عن طريقي الاتحاد الأفريقي و الدور العربي، وهذا ما أكده أمين الاتصال الخارجي الليبي بقوله "إن أي خلل في الجغرافيا السياسية والبشرية في السودان سينعكس على دول المنطقة كلها".
وهنا تجدر الإشارة إلى أن الجماهيرية الليبية استضافت ورعت عدة لقاءات بشأن تحقيق الأمن والاستقرار في دارفور، وكان من أهمها لقاء طرابلس الذي ضم ممثلي حكومة السودان والدول والمنظمات الدولية الإقليمية المهمة بتحريك عملية السلام بدارفور. وذلك عام 2007 حيث صدرت وثيقة توافق طرابلس التي أكدت على أهمية توحيد مبادرات الاتصال بالحركات الرافضة لاتفاقية السلام وتنسيقه بما يعجل بالتحاق هذه الحركات بعملية السلام.
ومن جانب آخر لعبت الجماهيرية دوراً مهماً في إغاثة النازحين من دارفور ومساعدتهم وسمحت بانسياب المعونات من البحر الأبيض المتوسط عبر أراضيها إلى مخيمات اللاجئين الدارفوريين في تشاد.
هـ) دور الاتحاد الأفريقي في مواجهة أزمة دارفور:
تشكل الاتحاد الأفريقي في يوليو 2002 ككيان أفريقي جامع يجابه التحديات والقضايا الراهنة كقضايا السلم والأمن والفقر.
لذلك فقد شكلت أزمة دارفور اختباراً عملياً لقدرة الاتحاد الأفريقي في معالجة الصراعات الأفريقية وقد نجح هذا الاتحاد في جعل دوره متقدم على غيره من الأدوار في شؤون وقضايا القارة، فقد خشي الاتحاد ما حدث في إقليم دارفور تكرار لما حدث في رواندا من جرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية (31) .
وبذلك أصبح الاتحاد الأفريقي هو صاحب الدور المحوري في التعامل المباشر مع أزمة دارفور باعتباره المنظمة الإقليمية المعنية بقضايا الأمن والسلم و الاستقرار في أفريقيا، وقد أخذت هذه الأزمة اهتماماً مكثفاً في قمة الاتحاد الأفريقي والأوروبي التي انعقدت في عام 2004 في أديس أبابا.
وبذلك فقد دخل بكل ثقله في مشكلة دارفور، وتصدي لمواجهة الأزمة عبر مؤسساته لمعالجتها بدلاً من تدخل القوى الدولية التي كانت من الممكن أن توسع الأزمة وتصدرها دولياً وتلحق الضرر بالمنطقة ككل.
وهنا لابد من الإشارة إلى أن الاتحاد الأفريقي أسهم في محاولته للسيطرة على أزمة دارفور من خلال العديد من القرارات الفاعلة التي كانت من أهمها:
 نشر مراقبين عسكريين في إقليم دارفور لتقرير وقف إطلاق النار.
 تقديم المساعدات الإنسانية وتأمين العودة الطوعية للنازحين إلى مناطقهم.
 عملية حفظ السلام.
 تفعيل العملية السياسية والتوصل إلى اتفاق السلام لدارفور في مايو 2006 وبذلك فقد شكلت مؤتمرات الاتحاد الأفريقي وقراراته مع الحكومة السودانية نقلة نوعية ودفعة كبيرة لاستكمال مفاوضات السلام في دارفور بين حكومة السودان وحركتي التمرد إلا أن معارضة ممثلي حركتي التمرد لوجهات نظر الحكومة السودانية فقد أعاقت إمكانية الاستفادة من هذه الجولات (32).
وبالتالي فقد سعي الاتحاد الأفريقي إلى إبقاء ملف دارفور داخل الأسرة الأفريقية وقطع شوطاً كبيراً وموفقاً في أفرقة الحل، إلا أن أسباباً عدة ومن أهمها صعوبة تغطية تكاليف الإنفاق على قوات حفظ السلام وكذلك قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الأرقام 1679، 1706 جعل أزمة دارفور تنتقل من الأفرقة إلى مشاركة دولية، وبالرغم من إقناع الحكومة السودانية بهذه المشاركة إلا أنها تتعاون مع الأمم المتحدة بحذر شديد من خلال الاتحاد الأفريقي.
و) الدور العربي إزاء أزمة دارفور "جامعة الدول العربية":
بعد تفاقم الحرب الأهلية بين جنوبه وشماله وظهور المسألة السودانية على سطح الأحداث العالمية فقد تم طرح المبادرة العربية (المصرية الليبية) والتي تضمنت حلاً لمشكلات السودان السياسية بما فيها الجنوب، إلا أن هذه المبادرة لم يؤخذ بها لأن الولايات المتحدة الأمريكية عملت على استبعاد الدور العربي من الفعل السياسي للمشكلة، وخاصة المصري منه في القارة السمراء ذلك الدور الذي كان له أكبر الأثر في تحرير القارة الأفريقية وتخليصها من الاستعمار وإنشاء الاتحاد الأفريقي (33).
وبالرغم من كل ذلك كان هناك اهتمام عربي واسع بمشكلة دارفور خاصة بعد تأزمها وعدم ابقاء الحكومة السودانية بمفردها أمام هذه المشكلة كما حدث في مفاوضات "مشاكوس وميفاشا" وسط ضغوط أمريكية وغربية وتدخل أجنبي واضح في شؤون السودان(34).
ومن جانبها تابعت الجامعة العربية أزمة دارفور منذ تفجرها، فقد أوفد الأمين العام بعثة رسمية للوقوف على الأوضاع في دارفور. وقد درس مجلس الجامعة في دورته غير العادية على المستوى الوزاري التي عقدت في 8 أغسطس 2004 تطورات الأوضاع في دارفور في ضوء تقرير البعثة لتقصي الحقائق.
ويمكن القول أن اجتماع مجلس الجامعة قد صاغ خطة عربية في جهود الوساطة تحت رعاية الاتحاد الأفريقي ومشاركة المجتمع الدولي خلال جولات المفاوضات كافة، وخلال الفترة من 30-31 أكتوبر 2007 عقد المؤتمر العربي الذي نظمته جامعة الدول العربية في العاصمة السودانية، حيث شاركت فيه وفود كبيرة عن معظم الدول العربية وذلك بهدف دعم وتحسين الأوضاع الإنسانية في دارفور عبر إقامة مشروعات التنمية، وقد تمخض المؤتمر عن تقديم دعم يقدر بمبلغ 250 مليون دولار وإن كان لا يرقى إلى حجم الأزمة، فإنه على أقل تقدير يشكل تعبيراً تضامنياً مع السودان. وبالتالي فإن مشاركة جامعة الدول العربية في معالجة أزمة دارفور ينطلق من حرصها على الحفاظ على مصالح السودان ووحدته والإسهام في رد أسباب الأزمة إلى جذورها المتمثلة بصرعات عرقية. ويبقى القول بأن ما قامت به بعض الدول العربية وجامعة الدول العربية من جهود و إزاء معالجة أزمة دارفور تتطلب جهوداً عربية جماعية من الدول العربية كافة ترتقي بمستوى الدور العربي إلى حجم الرسالة التاريخية والمسؤولية القومية التي صاغت روابط الجغرافيا والتاريخ والثقافة المشتركة على مستوى القارة الأفريقية عامة والسودان خاصة (35).
وأخيراً فإنه ثمة ضرورة ملحة لتفعيل السياسات العربية في أفريقيا تحت مظلة قومية لا قطريه تقوم بمجهود اقتصادي يسعى إلى الدفع بالاستثمارات، وأن تتعاطى الدول العربية كافة مع دول الاتحاد الأفريقي بروح التجديد للدور الحضاري الفاعل.

ثالثاً: الأدوار الدولية في أزمة دارفور:
يبدو أن الغرب تنبه فجأة إلى حقيقة ما يحدث في إقليم دارفور، حتى أصبحت المسألة الدارفورية، تتبوأ موقع الصدارة في أجندة السياسية العالمية (36).
ومن أبرز ملامح التدخل الدولي الراهن في السودان هي عودة التكالب الاستعماري من جديد إلى المنطقة، وهو ما سوف تحاول هذه الورقة إلقاء الضوء عليه من خلال تحليل بعض نماذج سياسات القوى الكبرى الفاعلة في السودان على النحو الآتي:
أ ) دور الولايات المتحدة الأمريكية في أزمة دارفور:
كان من الواضح أن بعض الدول الأفريقية احتلت مكانة محورية في التحليل الاستراتيجي الأمريكي في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، وكان السودان في طليعة تلك الدول.
فالولايات المتحدة الأمريكية لا تتدخل لحل مشكلة إلا من منطلق مصالحها المباشرة لذلك فقد سارعت الإدارة الأمريكية إلى إدانة ما يحدث في دارفور باعتبارها كارثة إنسانية(37).
ففي يونيو 2004 اصدر الكونجرس قراراً يصف فيه أزمة دارفور بأنها إبادة جماعية، كما أن وزير الخارجية الأمريكي السابق كولن باول قام بزيارة الإقليم، وأدان حكومة الخرطوم لعدم وفائها بتعهداتها الخاصة بنزع سلاح ميليشات الجنجويد، ومحاكمة قادتها، وكذلك تحركت الإدارة الأمريكية باتجاه استصدار قرار من مجلس الأمن بفرض عقوبات اقتصادية على السودان (38) . ومن هنا يمكننا بإيجاز تحديد الدوافع الأساسية التي حركت الولايات المتحدة الأمريكية بالتدخل في قضية دارفور وتصعيدها كالآتي:
 الخروج من المستنقع الآسيوي (الأفغاني والعراقي) ومحاولة تضخيم جانب التدخل الإنساني في دارفور وفي هذه الحالة لمصلحة المسلمين حيث أن طرفي الصراع هناك من المسلمين، يعني ذلك محاولة تجميل السياسة الخارجية الأمريكية ودرء التهم عنها بأنها في حالة حرب ضد الإرهاب تستهدف المسلمين في المقام الأول (39).
 إقامة إمبراطورية عولمية بدءاً من قلب العالم القديم.
 السيطرة على مصادرة الطاقة وفي مقدمتها البترول واليورانيوم.
وهنا لابد من الإشارة إلى أن السياسة البريطانية جاءت رديفة للسياسة الأمريكية في تصوير ما يجري في دارفور من أجل تحقيق مصالحها والاستفادة من الثروة الباطنية التي يتمتع بها السودان.
ب) الدور الفرنسي في أزمة دارفور:
ينطلق الموقف الفرنسي من مشكلة دارفور من زاوية أن فرنسا كانت تحتل دولتي تشاد وأفريقيا الوسطى المجاورتين لإقليم دارفور محل النزاع، والأمر بهما بالطبع لأن لها مصالح اقتصادية فيه، وعلى صعيد آخر فإن ارتباط السياسة الفرنسية تجاه قضية دارفور بمجمل أهداف السياسة الأفريقية لفرنسا يتضح من تصريح وزيرة الدفاع الفرنسية السابقة التي رأت أن التعامل الفرنسي مع أزمة دارفور يتسق تماماً مع الدور الفرنسي في أفريقيا والتزامها بمساعدة شركاتها, ومن الملاحظ إن مفهوم الشراكة الفرنسية الفرنكفونية قد ظهر واضحاً أثناء القمة الفرنكفونية التي عقدت في بيروت عام 2002. وبالتالي فإن الحكومة الفرنسية تسعى جاهدة إلى تأمين التوصل إلى تسوية سلمية للأزمة السودانية بما يسمح لها من استغلال حصتها في الثروة النفطية السودانية، ومع ذلك فإنها على وعي بأن أساس المفاوضات الراهنة وموقف الولايات المتحدة الأمريكية الداعم والراعي لها سوف يحرم الفرنسيين من استغلال ثروات الجنوب السوداني. وعليه فإن فرنسا اتخذت موقفاً مغايراً للولايات المتحدة في دارفور وعارضت فرض عقوبات اقتصادية على السودان (40).
ويرى المحللين السياسيين إن الرؤية الفرنسية في أفريقيا تسعى إلى:
 دعم المكانة والنفوذ الفرنسي في أفريقيا.
 تأمين مصادر الطاقة والموارد الطبيعية في أفريقيا.
 مجابهة الهيمنة الأمريكية الجديدة.
 تبنى منظور متعدد الأطراف من خلال الاعتماد على المؤسسات الدولية والإقليمية التي تمكن فرنسا من التأثير على مجريات الأحداث بشكل لا تستطيع أن تمارسه بمفردها.

ج) الدور الإسرائيلي واللوبي الصهيوني الأمريكي في أزمة درافور:
ينظر الفكر الاستراتيجي الإسرائيلي للسودان على إنه مجموعة عرقيات وأقليات تختلف فيما بينهما، وانطلاقاً من هذه النظرة اتخذت إسرائيل من السودان حقلاً لتطبيق إستراتيجيتها المعروفة بـ "شد الأطراف ثم بترها" والتي يتلخص مضمونها في إقامة علاقات تحالفية مع الجماعات الأثنية المحيطة بالدول العربية بهدف تفتيت هذه الدول وتقويضها. ومن ثم اهتم واضعوا هذه الاستراتيجية بدعم حركات التمرد والانفصال في السودان، وهو ما تعتبره إسرائيل مهماً لأمنها , ولذلك بادرت إسرائيل إلى دعم حركة التمرد بجنوب السودان منذ اشتعالها، ومدها بالسلاح. فخلال عام 2004 وعن إسرائيل بالتنسيق مع أمريكا اللقاء الذي جمع بين جون قرنق وزعماء حركة تمرد دارفور في واشنطن بهدف التنسيق بين الحركة الشعبية وحركات التمرد في دارفور من جهة ومد الجسور بين إسرائيل وزعماء حركات التمرد في دارفور من جهة أخرى (41) وقد استغلت إسرائيل وجودها النشط في أريتريا، واتخذت منها مركزاً لدعم حركات التمرد بدارفور من خلال القيام بتدوليهم وتسليحهم. ولقد وجدت إسرائيل في الصراع الدائر في السودان فرصة لتسويق السلاح الإسرائيلي فيه (42). وقد كشفت دراسة استراتيجية أمريكية يدور مضمونها حول وجود سيناريو لتقسيم السودان إلى ثلاث دول، إحداهما دولة في دارفور موالية لإسرائيل.
والواقع أن المخططات الإسرائيلية تجاه أفريقيا تمثل تهديداً للأمن القومي العربي بصفة عامة والمصري بصفة خاصة، حيث تهدف إسرائيل إلى دعم علاقتها بالدول الإفريقية خاصة تلك التي لها حدود مشتركة مع دول عربية بغية الالتفاف حول الأمة العربية والسودان ومصر بالذات في شكل حزام يمتد من أريتيريا وأثيوبيا وحتى تشاد مروراً بكينا وتنازنيا ورواندا وجمهورية أفريقيا الوسطى، مما يهدد منابع النيل، وبالتالي المصالح المصرية والسودانية، وكذلك تسعى إسرائيل من خلال دورها المتنامي في أفريقيا إلى إضعاف التأييد الأفريقي للقضايا العربية وكسب الرأي العام في القارة السمراء إلى جانبها خاصة في قضايا الصراع العربي الإسرائيلي.
د) الدور الصيني في أزمة درافور:
انطلق الموقف الصيني من أزمة دارفور من مصالح الصين البترولية في السودان، حيث أن شركاتها البترولية تعمل في السودان، ولذلك كانت الصين مع فكرة حل مشكلات دارفور والسودان عن طريق الاتحاد الأفريقي حتى لا تجد الولايات المتحدة الأمريكية لها منفذاً للتغلغل بشكل أكبر في دارفور والسودان, وطبقاً لهذه الاستراتيجية لم توافق الصين على مشروع قرار الولايات المتحدة المقدم إلى مجلس الأمن بفرض عقوبات على السودان(43).
رابعاً: قرار المحكمة الجنائية الدولية ضد البشير والموقف العربي منه:
يأتي القرار رقم 1593 الذي أصدره أوكامبو المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية ضد الرئيس السوداني عمر البشير في يونيو 2008 كحلقة في سلسلة طويلة من حلقات المحاصرة، والضغط على النظام السوداني تديرها الأطراف الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانية من أجل إدانة النظام الحاكم في السودان، وخلق الجو المناسب لتدخل هذه الأطراف لكي تحقق هدفها النهائي في تمزيق أواصل السودان وتفتيته إلى عدد من الدويلات المتصارعة واستغلاله ونزعه من الكيان العروبي اتساقاً مع مخطط الشرق الأوسط الجديد (44).
هذا مما يؤكد على أن قرار المحكمة قد تم إعداده وتجهيزه في مطبخ السياسة الأمريكية، وأن الولايات المتحدة على علم كامل بمجريات أمور المحكمة رغم أنها لم تصادق على قانونها الأساسي وكأن الولايات المتحدة الأمريكية تمثل سلطة "الشرطي الدولي" مستغلة قوتها العسكرية دون الالتزام بقواعد القانون الدولي وأحكام المعاهدات الدولية (45).
ويمكننا هنا أن نحدد أبعاد وأهداف السياسة الأمريكية من وراء إصدار قرار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لتوقيف البشير و القبض عليه كالآتي:
 تحقيق رغبة الإدارة الأمريكية في إيجاد طريقة لاختراق السودان لتحقيق استراتيجيتها وسياستها العولمية وتجزئة هذا البُعد وفرض السيطرة السياسية عليه وسلخه من الكيان العربي وأفرقته واستغلال موارده.
 إبعاد الصين من السودان أو تحديد وجودها على الأقل في إطار الاستراتيجية الأمريكية للسيطرة على أماكن ومناطق إنتاج الطاقة (46).
 الاستيلاء على ثروات السودان النفطية والمعدنية.
 تحقيق المصالح الإسرائيلية المرتبطة بالمصالح الأمريكية في السودان ووسط أفريقيا.
 منع السودان من استغلال فرصته الأخيرة والوحيدة للتعافي وبناء وطن موحد بعد عقد اتفاق نيفاشا للسلام الذي أنهى سنوات من الحرب الأهلية مع الجنوب.
 إيقاف تدفق الاستثمارات المالية من خارج السودان وخاصة الخليجية منها.
 إشاعة الفوضى الخلاقة في السودان بعد أن فتح السودان طريقه أمام الاستقرار الداخلي وعقد المصالحات والاتفاقات مع القوى السياسية.
 الانتقام من تصرفات الحكومة السودانية التي تتسم بالاستقلالية ورفض الوجود الغربي(47).
أما الموقف العربي من القرار:
منذ إثارة الأزمة الأخيرة في المحكمة الجنائية الدولية في يوليو 2008 فقد اعتبرت الدول العربية بأن هذا القرار هو تخطيط صهيوني أمريكي ضد البشير.
وقد عقد وزراء الخارجية العرب اجتماعاً طارئاً في يوليو 2008 واتخذوا قراراً يؤكد على رفض الدول العربية لأية إجراءات تتخذها المحكمة الدولية ضد الرئيس البشير وكذلك أكدوا على دعمهم الكامل للشرعية في السودان، واعتماد الحل السلمي لمشكلة دارفور ورفضهم لكافة القرارات والإجراءات التي تعرقل استكمال المصالحة وتحقيق السلام. فالرئيس المصري أكد وقوف مصر مع السودان ومساندته له حكومة وشعباً خاصة في حالة التأزم التي يتعرض لها، وأضاف أن مصر سوف تسخر كل اتصالاتها الدبلوماسية وعلاقتها السياسية لخروج السودان ورئيسه من مأزق المحكمة الدولية لأن أمن السودان هو في الحقيقة أمن لمصر ذاتها(48).
أما ليبيا، فقد صرح منسق العلاقات المصرية الليبية السيد أحمد قذاف الدم بعد صدور المحكمة الدولية الأخير "بأن ما يتعرض له السودان يمثل العمق الاستراتيجي للبلدين، وتنسق القيادة السياسية في مصر وليبيا للحفاظ على وحدة السودان وسيادته واستقراره. أما دمشق، فقد أكد الرئيس السوري بشار الأسد رفض بلاده قيادة وشعباً لقرار المحكمة الجنائية الدولية ضد البشير معتبراً أن هذا القرار محاولة لابتزاز السودان وتدخل سافر في شؤونه، وكذلك اعتبر وزير الخارجية السورية أن ما يحدث يعد سابقة خطيرة في العلاقات الدولية وتجاوز لصلاحيات المحكمة الجنائية (49).
آفاق الخروج من أزمة دارفور:
السؤال الذي يطرح نفسه في نهاية هذه الدراسة، ما هي آفاق الخروج من أزمة دارفور وهنا يمكن أن نحدد أهم التصورات والحلول لإنهاء هذه الأزمة يمكن إيجازها بالآتي:
 إن حل مشكلة دارفور تبدأ من اعتراف الحكومة السودانية أولاً وقبل كل شيء بأن هناك في الإقليم وأن حجم هذه المشكلة كبير يستحق كل الاهتمام والتيقظ.
 إن المدخل العملي لحل الأزمة وإنجاز عملية التفاوض مع المتمردين هو الوقف الفوري لإطلاق النار بين المتمردين من جانب والحكومة والميليشيات المؤيدة لها من جانب آخر تحت إشراف أفريقي أو دولي.
 حل المشكلة السودانية على أساس التفاوض السياسي السلمي.
 معالجة المظالم التي لحقت بالأبرياء من السكان من قتل وحرق ونهب وإجراء تحقيق شامل وعادل مع الخارجين على القانون الذين ارتكبوا جرائم إبادة أو جرائم ضد الإنسانية.
 أن يعمل السودان على تحسين علاقته بصورة إيجابية مع جيرانه على أن تكون هذه العلاقة مبنية على أساس تحقيق المصالح الاقتصادية والمنافع المشتركة.
 التحرك العربي بكل مستوياته من أجل تحقيق حل شامل في دارفور على أساس العدل والمساواة.
 إعطاء دور أكبر للاتحاد الأفريقي في حل القضية الدارفورية.
 يجب أن تؤسس اتفاقية السلام بين الشمال والجنوب بين الحكومة السودانية والمتمردين في دارفور على أساس التوزيع العادل للسلطة والثروة ومراعاة العدالة الاجتماعية.
 على الحكومة السودانية وضع خطة اقتصادية شاملة من أجل النهوض بجميع دويلات وأقاليم السودان.
 الإقرار بمبدأ التعددية الثقافية، وإنهاء مشكلات المزارعين والرعاة.
وأخيراً فإن الشعب السوداني بمختلف تكويناته الإثنية والثقافية ظل شعباً متجانساً في نسيجه الاجتماعي ومنسجماً في ألوانه وعلاقاته، يجمعهم الوطن الواحد والمشاعر الواحدة والتاريخ المشترك، وهم لذلك المعنيون قبل غيرهم بحل قضاياهم، وهم الأقدار على الخروج من المأزق والأزمات إذا ما أخلصوا النوايا، وأجمعوا على أن يعيشوا أحرارا متساويين في الحقوق والواجبات وعند ذلك نجد أن المحبة والألفة والسلام سوف تسود بين جميع السودانيين.

قائمة المراجع
( ) عبد العزيز حسين الصاوي، أزمة المصير السوداني، مناقشات حول المجتمع والتاريخ والسياسة، الخرطوم، مركز الدراسات السودانية، 2004.
(2) الأهرام، 20/4/2007.
(3) إسماعيل سليمان، المشكلة القومية واتفاقية السلام في السودان، الخرطوم، الشركة العالمية للطباعة والنشر والتوزيع، 2007.
(4) عبد الفتاح مقلد. الإسلام والعروبة في السودان، القاهرة، العربي للنشر والتوزيع، 1985،.
(5) التيجاني الطيب بابكر، البحث عن السلام في السودان، مجموعة وثائق، السودان، الشركة العالمية للطباعة والنشر، 2005،.
(6) المعتصم أحمد على الأمين، ورقة بعنوان: أزمة دارفور، المقدمات، النتائج، الحلول، مقدمة في المنتدى العلمي لمستقبل وادي النيل حول أزمة دارفور بمعهد البحوث والدراسات الأفريقية بالقاهرة بالاشتراك مع مركز البحوث والدراسات الأفريقية بجامعة العالمية بالخرطوم في 13-14 ديسمبر 2004،.
(7) الشرق الأوسط، 26 أغسطس، 2004.
(8) إجلال رأفت، هاني رسلان، أبعاد الصراع في دارفور : الأزمة والأفق المستقبلي، تحرير نادية مصطفى، القاهرة، مركز البحوث والدراسات السياسية، 2004، ص33.
(10) الأهرام، 4 أغسطس، 2004.
(12) سيد حامد حرير، ورقة بعنوان دارفور انتروبولوجيا، البُعد الأثني للصراع السياسي، مقدمة في المنتدى العلمي للمستقبل وادي النيل حول أزمة دارفور بمعهد البحوث والدراسات الأفريقية بالقاهرة بالاشتراك مع مركز البحوث والدراسات الأفريقية بجامعة العالمية بالخرطوم في 13-14 ديسمبر 2004،.
(13) الحياة، 2/7/2007.
(14) اجلال رأفت، محاضرة لطلبة الماجستير والدكتوراه في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة، 2007.
(15) أحمد الأصبحي، دارفور: الأزمة والحل، القاهرة، مطابع المتنوعة، 2007، 165.
16) زكى البحيرى, دارفور اصول الأزمة وتداعيات المحكمة الجنائية الدولية، القاهرة، مكتبة النهضة المصرية، 2008، ص185.
(17) عبد الله الأشعل، السودان، المحكمة الجنائية الدولية، القاهرة، بدون ناشر، ط1، 2009، (18) جمال عنقرة ، ست البنات حسن، مصر ومعركة السودان الدولية، القاهرة، بدون ناشر، ط1، 2008،
(20) الأهرام، 4 أغسطس 2004.
(21) الأهرام، 12 ديسمبر 2004.
(22) الأهرام، 4 ديسمبر 2004.
(23) أحمد الأصبحي، مرجع سبق ذكره، ص169.
(24) خالد حنفي علي، ورقة بعنوان الأطراف الإقليمية الفاعلة وإدارة أزمة دارفور مقدمة في المنتدى العلمي لمستقبل وادي النيل حول أزمة دارفور المنعقد بمعهد البحوث والدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة بالاشتراك مع مركز البحوث والدراسات الأفريقية بجامعة العالمية بالخرطوم في 13-14 ديسمبر، 2004،
(25) الأهرام، 7/1/2008.
(26) المركز السوداني للخدمات الصحفية، دارفور، الحقيقة الغائبة، كتاب صادر عن المركز نفسه على الموقع، http://www.smcsudan.net .
(28) بدر حسن الشافعي، قراءة في اتفاق شرق السودان السياسية، مجلة السياسة الدولية، العدد 2007، ص12 .
(29) أحمد الأصبحي، مرجع سبق ذكره، ص171.
(30) الحياة، 30/3/2007.
(31) أحمد إبراهيم محمود، ورقة بعنوان دور الاتحاد الأفريقي في أزمة دارفور، مقدمة في المنتدى العلمي لمستقبل وادي النيل حول أزمة دارفور بمعهد البحوث والدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة بالاشتراك مع مركز البحوث والدراسات الأفريقية بجامعة أفريقيا العالمية بالخرطوم في 13/14 ديسمبر، 2004
(33) جريدة العربي الناصري، 29 أغسطس، 2004.
(34) الأهرام، 30/3/2007.
(36) الأهرام، 20/4/2007.
(37) الأهرام، 9/1/2008.
(38) الأهرام، 30/5/2007.
(39) حمدي عبد الرحمن، أفريقيا وتحديات عصر الهيمنة أي مستقبل، القاهرة، مكتبة مدبولي، 2007،
(40) الحياة، 30/5/2007.
(41) الأهرام، 3/1/2007.
(42) الأهرام، 30 أغسطس 2004.
(43) الأهرام، 20/2/2007.
(44) زكي البحيري، مرجع سبق ذكره، ص267.
(45) الأسبوع، 19/7/2008.
(46) الأهرام، 4/11/2008.
(47) الأهرام، 1/7/2008.
(48) الأهرام، 28 يوليو 2008.
(49) الأهرام، 18 يوليو 2008



#خبام_محمد_الزعبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- وسائل إعلام إيرانية: سماع دوي انفجار شمال غرب أصفهان
- صافرات الإنذار تدوي في شمال إسرائيل وأنباء عن هجوم بالمسيرات ...
- انفجارات قرب مطار أصفهان وقاعدة هشتم شكاري الجوية ومسؤول أمر ...
- وسائل إعلام: الدفاعات الجوية الإيرانية تتصدى لهجوم صاروخي وا ...
- وسائل إعلام: إسرائيل تشن غارات على جنوب سوريا تزامنا مع هجوم ...
- فرنسي يروي تجربة 3 سنوات في السجون الإيرانية
- اقتراب بدء أول محاكمة جنائية في التاريخ لرئيس أميركي سابق
- أنباء عن غارات إسرائيلية في إيران وسوريا والعراق
- ??مباشر: سماع دوي انفجارات في إيران وتعليق الرحلات الجوية فو ...
- عاجل | هيئة البث الإسرائيلية الرسمية نقلا عن تقارير: إسرائيل ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خبام محمد الزعبي - مصر وأزمة دارفور