أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - نزار نيوف - خليل معتوق والنظام السوري و سلاح ... الصهاريج !















المزيد.....


خليل معتوق والنظام السوري و سلاح ... الصهاريج !


نزار نيوف

الحوار المتمدن-العدد: 2617 - 2009 / 4 / 15 - 09:12
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


نهاية صيف العام 2002 ، وبعد إنهائي القسم الأساسي من العلاج في فرنسا ، قررت العودة إلى سوريا ، كما كنت أكدت مرارا قبل خروجي منها ، لجهة أني لا أريد الحصول على اللجوء السياسي ، سواء فيها أو غيرها ، وأني سأعود فور انتهاء علاجي ، حتى ولو إلى الزنزانة الانفرادية التي قضيت فيها عشر سنوات.

هكذا ، وفي أوائل أو أواسط أيلول / سبتمبر 2002 ، توجهت إلى وزارة الخارجية الفرنسية لوداع بعض الموظفين ، كما تقضي أصول الضيافة ، وتسليم ثلاث رسائل شكر إلى كل من الرئيس الفرنسي جاك شيراك ، ووزير الخارجية هوبر فيدرين ووزير الصحة برنار كوشنير ( وزير الخارجية الحالي) ، اللذين كانا أصبحا خارج الحكومة الجديدة بعد خسارة الحزب الإشتراكي الانتخابات البرلمانية والرئاسية وانتهاء " حكومة التعايش" قبل ذلك ببضعة أشهر ، و استيلاء " البعثيين " الفرنسيين ( طاقم شيراك من "مرتزقة" رفيق الحريري وصدام حسين ) على السلطة من بابها إلى محرابها .

في الواقع ، لم يكن الشكر للثلاثة المذكورين ، بل للشعب الفرنسي الكريم ـ دافع الضرائب الذي كلفه علاجي حوالي 750 ألف فرنك فرنسي ( حوالي 125 ألف يورو) في ثلاث مشاف فرنسية ، وواحدة ألمانية ( بادن بادن)، وفق " فواتير " وزارة الصحة الفرنسية .

استقبلني في وزارة الخارجية مساعد الوزير لشؤون الشرق الأوسط ( نسيت اسمه) ، بحضور مديرة المكتب السوري / اللبناني في الوزارة السيدة بينديكت دو مونلو Bénédicte de Montlaur (رئيسة المكتب الصحفي في السفارة الفرنسية بدمشق حاليا) ، و زميلها روماريك غوانان Romaric Roignan ( رئيس المكتب الصحفي في السفارة الفرنسية بالقاهرة الآن) ، وهما شاهدان على ما سأرويه أدناه ، فهما يعرفان العربية بشكل جيد جدا ، ويتابعان معظم ما يكتبه المعارضون السوريون .
بعد الشكر والمجاملات المعهودة في هكذا مناسبة عرضت الأسباب الموجبة لاتخاذي قرارا بالعودة ، لكني فوجئت بمساعد الوزير وقد بدأ خطاب " ترهيب " وتحذير لجهة أن قرارا من هذا النوع لا يتخذه سوى أحمق ( قالها بنبرة الغيرة والحرص والتودد) . ودعم كلامه بالقول حرفيا على ما أذكر " للأسف ، إن العهد الجديد في بلدكم ( يقصد بشار الأسد) أصابنا بخيبة أمل لجهة التسامح الذي كنا ننتظره منه على صعيد التعاطي مع المعارضة والأمل ببدء مرحلة جديدة من التغييروالإصلاح . والمعطيات المتوفرة لدينا تشير إلى أن حملة الاعتقالات ستستأنف من جديد ، وأن هناك العشرات ينتظرون دورهم " . وكان يشير بذلك إلى الحملة التي بدأت قبل ذلك بعام وطالت عارف دليلة و رياض سيف ورياض الترك ، وآخرين ، قبل أن تتوقف في 11 أيلول / سبتمبر 2001 بسبب " غزوة نيويورك " وتداعياتها ،على الأرجح . وتابع مساعد الوزير قوله " أما بالنسبة لك أنت ( أي كاتب هذه السطور) ، فلدينا معلومات مؤكدة بأن ما قلته على قناة الجزيرة ، وما أثرته في مناسبات إعلامية أخرى ، أفقد النظام صوابه ، وسينتقمون منك شر انتقام" . وأضاف " من المؤكد أنك ستدخل مطار دمشق بكل ترحيب واحترام ، وربما عن طريق قاعة الشرف الخاصة بكبار الزوار ، لكن إذا بقيت حيا بعد ذلك أكثر من أسبوع ، بإمكانك أن تتهمنا يومنا بالكذب والتضليل . وهناك أكثر من طريقة للتخلص منك دون أن يتركوا أي بقعة دم على أيديهم ، فقد يرسلون لك أحد الزعران ليجهز عليك بسكين ، ويزعمون لاحقا أن أحد أبناء طائفتك انتقم منك ، أو يدبرون لك حادثا بواسطة سيتير Citerne[ صهريج] كما سبق وفعلوا مرارا . فهذا النظام لايمكن الوثوق به أبدا ، فنحن من أدرى الناس به.....".
كان مساعد الوزير الفرنسي يشير بذلك إلى ما كنت كشفتُ عنه لجهة مصير عائدات النفط السوري على مدى عشرين عاما ، والمقابر الجماعية ، ومقابر النفايات الكيماوية التي أدخلها زعيم المعارضة الديمقراطية ـ الكيماوية الآن ( خدام وأبناؤه) ، واختبار أسلحة كيميائية وبيولوجية على العشرات من المعتقلين السياسيين في معتقل " خان أبو الشامات " السري في البادية السورية ، وتبرؤي علنا من " علويتي " ( بحكم كوني ماركسيا وملحدا لا أومن لا بالله ولا ملائكته ولا رسله ولا باليوم الآخر ، وليس لأي سبب آخر؛ فالماركسي والملحد لا يمكن أن يكون مسلما أو مسيحيا أو غير ذلك ، فكم بالأولى علويا أو سنيا .. أو بطيخا !) . وهي أمور أفقدت النظام صوابه ، ودفع عددا من رؤوسه ( وزير الإعلام آنذاك عدنان عمران ، ووزير الخارجية / نائب الرئيس لاحقا فاروق الشرع) وزبانيتها في وسائل الإعلام إلى تناولي شخصيا بشتائم واتهامات العمالة والخيانة والجنون وغيرها ، بالتزامن مع إصدار مذكرة اعتقال جديدة بحقي ( بتاريخ 7 أيلول / سبتمبر 2001 ، وفق ما أعلنه محاميّ أنور البني لجريدة " الحياة " في حينه. والمفارقة في الأمر هي أن إحدى دواعي إصدار مذكرة الاعتقال من قبل النائب العام في دمشق : تحقير نائب رئيس الجمهورية عبد الحليم خدام والافتراء عليه بمعلومات كاذبة من شأنها أيضا أن تسيء للسياحة والاقتصاد الوطني!!) . هذا فضلا عن إيعاز النظام وأجهزته لبعض السفهاء والجهلة من أبناء طائفة عائلتي ( العلويين) إلى إصدار فتاوى بالقتل والتكفير وإرسالها عبر عشرات الفاكسات إلى أحمد منصور في قناة الجزيرة ( وقد قرأ أحمد منصور بعضا منها في برنامجه ).

طبعا ، وللتاريخ ، انتهت المقابلة مع المسؤولين الفرنسيين بأن اقتنعت ( أو أُقنِعت) بالحصول على اللجوء ( صدر قرار رسمي به بعد بضعة أيام على اللقاء ) . ولم تكن قناعتي وليدة الخوف من السجن الذي اسمرأناه واستمرأنا ( اربع مرات مجموعها حوالي 12 عاما) ، ولكن لأني ـ ببساطة ـ لا أريد أن أموت الآن ، أقلـّه لأني أومن بشعر ناظم حكمت الذي يؤكد أن "أجمل الأيام تلك التي لم نعشها بعد " ! وستكشف لاحقا الأكاديمية والروائية الفرنسية السيدة نويي شاتليه جوسبان Noëlle Châtelet Jospin، شقيقة رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق ليونيل جوسبان وأرملة الفيلسوف والمؤرخ اليساري البارز فرانسوا شاتليه ، عن أن عملية منحي اللجوء " كانت أشبه بعملية احتيال حقيقية بين النظام السوري و فريق شيراك الجديد ( آنذاك) ، حيث طلب النظام إبقائي في فرنسا ، لئلا تتسبب عودتي بمشكلة له وإحراج ، إذ سيكون مضطرا لاعتقالي ، خصوصا بعد أن صدر قرار بذلك من النائب العام بدمشق " . وبعد سنتين سنحصل على وثيقة رسمية سورية ( صادرة عن سفارة النظام في باريس ، وموقعة من قبل السفيرة ،آنذاك ، صبا ناصر ) يؤكد مضمونها ما قالته السيدة جوسبان حول بشأن التفاهم المشار إليه بين دمشق وباريس !

كان عليّ أن أصدق كلام وتحذير مساعد الوزير الفرنسي ، وأن آخذ كلامه على محمل الجد ، لأنه كان صادقا تماما حين أكد أنهم ( أي الفرنسيين " الرسميين ") أدرى بهذا النظام من غيرهم ! ومن أدرى بك من شريكك !؟ لا أحد . فقد كنت أعرف أنهم ، وأوربيين غيرهم ، شركاء في برنامج اختبار الأسلحة المذكور ( مقابل الاستفادة من نتائجه العلمية !) ، ودعمهم لهيمنة المافيا السورية ـ الحريرية على لبنان ( كرمى لعيني أموال الحريري التي مولت الحملات الانتخابية لشيراك ، و للتراخيص السرية التي منحها ، بموافقة غازي كنعان ، لسلاح البحرية الفرنسية للتنقيب سرا ، ودون معرفة الحكومة اللبنانية أو البرلمان ، عن الغاز في الجرف القاري اللبناني ، فضلا عن الأعمال المافيوزية الأخرى ، وليس أقلها فضيحة شركة "فرانس تيليكوم" المعروفة . طبعا ، نسي جماعة 14 آذار الآن أن شيراك شخصيا ، وليس أحد غيره ، هو من أعلن من على منبر البرلمان اللبناني في تشرين الأول / أكتوبر 2003 أن الجيش السوري يجب أن يبقى في لبنان ، حيث قال حرفيا : "إن خطوات إعادة الانتشار وفقا لاتفاق الطائف ومرجعيته الدولية تعني أن الانسحاب العسكري السوري [ من لبنان] غير ممكن بأي صورة قبل تحقيق السلام الشامل في المنطقة" ! ذلك ـ للتذكير فقط ـ قبل أن يتصرف كزعيم عصابة أو زعيم عشيرة و يتفق مع جورج بوش على طرد الجيش السوري ، دون أسف بالطبع ، من لبنان لمجرد أن المافيا الحاكمة في دمشق رأت أن من مصلحتها منح امتياز التنقيب عن الغاز السوري لشركة كندية يمثلها محمد مخلوف ، وليس لشركة فرنسية على علاقة بالحريري واهتمامات وليد جنبلاط ... النفطية !) .

سبب آخر دفعني لتصديق المسؤول الفرنسي ، وتحديدا فيما يتصل بحكاية الصهريج ، أو " سلاح الصهاريج " ، كما ينغي له أن يسمى . فخلال العقد الماضي ، وبعد الاتصالات التي جرت بين جماعة الأخوان المسلمين السوريين والمخابرات السورية ، وهو ما اعترفت به الجماعة لاحقا ، عاد الكادر الأخواني الدكتور غسان أبا زيد إلى سوريا من المنفى القسري ، وجرى " تعيينه " عضوا في " مجلس الشعب" السوري ، مكافأة له على قيامه بتسليم عشرات المطلوبين من أخوانه في التنظيم ( بعضهم كان ينشط سرا في الداخل ، وبعضهم الآخر جرى استدراجه بالخداع من الخارج) . لكن المتعوس لم يهنأ بمكافأته طويلا . ففي أحد الأيام ، وبينما كان ذاهبا بسيارته إلى درعا كما اعتاد أن يفعل أسبوعيا ، أرسلوا له صهريج وقود ليسحق سيارته ويحولها إلى عصف مأكول . وكان من الطبيعي أن تسجل الحادثة قضاء وقدرا وضد مجهول . أولم يكن أخا مسلما مؤمنا بقضاء الله وقدره !؟
الواقعة " الأغرب " منها ، والتي وصلت إلى حد الاعتراف المبهم من قبل السلطة ، جرت مع المحامي خليل معتوق شخصيا . فليلة التاسع / العاشر من تموز / يوليو 2001 ، كان من الواضح أنهم " صوبوا " أحد الصهاريج بهدف قتله ، أو على الأقل إرهابه على خلفية دفاعه عني ، بصفته صديقا ومحاميا لي بتوكيل رسمي ( إلى جانب المحامي المعتقل لاحقا أنور البني) . أما القصة ، فجرت على النحو التالي :

قبل الحادثة ببضعة أيام ، وبالصفتين المشار إليهما ، ذهب خليل برفقتي إلى فرع الهجرة والجوازات بدمشق لاستخراج جواز سفري من أجل السفر إلى فرنسا للعلاج ( بعد موافقة بشار الأسد ، مكرها على ذلك من قبل رئيس الوزراء الفرنسي آنذاك ليونيل جوسبان ، خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده خلال زيارته إلى باريس ، وكان منقولا على الهواء مباشرة) . إلا أن رئيس الفرع ، العقيد علي حمادة ، رفض منحي الجواز ، متذرعا بأنه يجب عليّ إحضار إما فاتورة كهرباء أو فاتورة هاتف أو عقد ملكية أو إيجار يثبت أني مقيم في دمشق ! وكان من الطبيعي أن أفقد صوابي إزاء هذه المهزلة المجنونة ، فقد كنت خرجت للتو من السجن ، و المنازل الوحيدة التي كنت أملكها في دمشق هي مجموعة الزنازين المنفردة التي تنقلت فيما بينها على مدى عشر سنوات تقريبا ما بين تدمر وصيدنايا والمزة وفرع فلسطين وفرع التحقيق وفرع المنطقة . ولما كانت الحال كذلك ، فقد انفجرت بوجهه في مكتبه ، وكان عشرات المراجعين في الصالون أمام المكتب . لم أبق كلمة " سوقية " إلا وقذفتها بوجهه ، لكن أخطرها ، بالنسبة له ( وهو ما جعل شعر رأسه يقف ) قولي له حرفيا " اتصل بهذا الأخو الـشـ .... علي دوبا ( رئيس شعبة المخابرات العسكرية السابق) و الأخو المنـيـ ...... حسن خليل ( رئيسها آنذاك) وخذ منهما فاتورة ، فقد كنت مستأجرا زنزانة عندهما لمدة عشر سنوات ، وهما من كان يدفع فواتير الماء والكهرباء والهاتف ... إلخ " ! والحق إن سببا آخر دفعني للاعتداء على العقيد وإهانته أمام الناس بسوقية أشعر بالندم عليها الآن ، وقد أفصحت عن هذا السبب للصديق خليل معتوق فور خروجنا من الفرع ، وأنا أذكره الآن للمرة الأولى علنا . فقد ظننت ، من اسمه و من لهجته الريفية القريبة من لهجة أبناء بلدي ، أنه أحد الضباط العلويين الذين يتنمرون على الناس ويمارسون البلطجة لمجرد أنهم أبناء هذه الطائفة ( طائفة عائلتي)! فكان لابد من " تأديبه والانتقام للناس منه وشرشحته أمام عشرات المراجعين " . هذا ما فكرت به في تلك اللحظات ، بكل صدق ، رغم أن تصرفي لم يكن لائقا أبدا ، بل و " قليل الأدب " أيضا . وسأكتشف لاحقا أنني " تخوزقت " فعلا ، فقد علمت أن الرجل من ريف دمشق ، وتحديدا من إحدى قرى وادي بردى . وبتعبير آخر " راح تعبي ع الفاضي "! (1)

بعد حادثة " فرع الهجرة والجوازات " بيومين توجه خليل معتوق ، وكما يفعل أسبوعيا ، لزيارة أهله في القرية الواقعة قرب الحدود اللبنانية إلى الغرب من مدينة حمص وسط سوريا. وفي اليوم التالي اتصل به العميد مصطفى التاجر ، رئيس فرع فلسطين في المخابرات العسكرية ( الذي سيجري اغتياله صيف العام 2003 بمادة الأكوتاينAconitum السامة على أيدي زعران غازي كنعان الذي اتهمه بالوشاية به إلى الأميركيين لجهة أنه أشرف على نقل أموال صدام حسين إلى بنك المدينة اللبناني بالاتفاق مع رفيق الحريري وكريم بقرادوني قبل الغزو الأميركي بشهرين ، ثم سرقة 300 مليون دولار من أموال النفط مع الحريري وإياد علاوي بعد غزو العراق ووضعها في أحد البنوك الأردنية !) . وقد أصر مصطفى التاجر على خليل معتوق أن يحضر فورا إلى " فرع فلسطين " ، لكن خليل أبلغه بأنه ليس في دمشق الآن ، وأنه في زيارة لأهله ، وأن الوقت متأخر ( حوالي العاشرة ليلا) ، وأن السفر خطير جدا في الليل ، وإذا ما سافر لن يصل قبل الفجر ، وأنه سيكون غدا صباحا باكرا في الفرع ! لكن التاجر ركب رأسه ، وأصر على حضور خليل فورا ، حتى وإن لم يصل قبل الواحدة ليلا !؟ كان التاجر محقا ، فالصهريج كان بانتظار خليل ، والله لا يحب أن يؤجل المرء عمله إلى الغد ، ويحب من المؤمن " أن يتم عمله إذا شرع به "!

لم يكن أمام خليل سوى الإذعان ، فانطلق بسيارته حوالي منتصف الليل من قريته التي تبعد حوالي 50 كم إلى الغرب من مدينة حمص . ولأن " الفأر كان يلعب بعبي" كما يقول المثل ، ولأني أعرف التاجر وأعرف نظامه جيدا ، بقيت أتصل مع خليل على هاتفه الخليوي من منزله ( حيث كنت في ضيافته) كل ربع ساعة لأطمئن عليه . وبعد حوالي ساعة أو يزيد توقف هاتفه عن الرد !؟ ولم نعرف ما حصل إلا صباح اليوم التالي ، عندما بادر هو إلى الاتصال بنا ، ولكن من مشفى الشفاء بدمشق ، ليخبرنا عما جرى معه . وكان من الواضح أنه نجا بأعجوبة من عملية قتل مدبرة بصهريج ظل يقترب منه إلى حد الملامسة لإجباره على الدخول تحت سيارة شاحنة أخرى كانت أمامه ( ربما كانت صهريجا آخر !؟) . ولم يكن أمامي سوى المسارعة إلى إبلاغ وسائل الإعلام ، واتهام المخابرات العسكرية بمحاولة قتله . والواقع ليس هناك من مبرر لإجباره على الحضور من حمص إلى دمشق منتصف الليل ( أكثر من مئتي كيلو متر) إذا لم يكن الأمر يتعلق بفخ نصب له ويجب أن يقع فيه !؟ ( انظر رواية مراسل " الشرق الأوسط " أدناه ).

لماذا هذا السرد كله الآن ؟ الأمر ببساطة لأن خليل في دائرة الخطر مرة أخرى ، وإذا ما حصل له مكروه ، سيكون " أصحاب السوابق " أنفسهم مسؤولين عنه ، ولا أحد سواهم .

قبل يومين أقدم القضاء العسكري في حمص على تحريك دعوى قضائية ضد خليل ؛ أما التهمة فأغرب من الخيال ، رغم أن الفجور والعهر الذي وصل إليه زبانية بشار الأسد في ممارساتهم مع الشعب السوري ، لم يصله سوى مجرمي تل أبيب مع الفلسطينيين . بل وتكاد تكون ممارساتهم متطابقة تماما ، شكلا ومضمونا ( ليس في ذلك أيما غرابة ، فليس ضروريا أن يكون الصهوني منحدرا من الطائفة اليهودية ، إذ إن الصهيونية ظاهرة تاريخية يمكن أن تكون مجسدة في النازية أو الفاشية أو البعث ، فضلا عن أن الكولونيالية الداخلية ليست سوى الشكل الأكثر انحطاطا من الكولونيالية الخارجية وابنتها الشرعية تاريخيا).

خليل معتوق متهم الآن ، بموجب منطوق الدعوى ، بـ " تحقير رئيس الجمهورية وتحقير إدارة عامة وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية " !؟ لماذا ؟ لأنه ببساطة لم يزل مصرا على محاكمة عناصر من المخابرات العسكرية ( جماعة الصهاريج !) على خلفية ارتكابهم جريمة نكراء في قريته " المشيرفة" بتاريخ 14 تشرين الأول / أكتوبر الماضي أدت إلى مقتل ابن أخيه الشاب الثلاثيني سامي معتوق ـ الخريج في الأدب الإنكليزي ، الذي تواجد بمحض المصادفة في المكان الذي كانت فيه دورية أمنية تلاحق عناصر متهمين بالتهريب على الحدود اللبنانية ( مكان الجريمة يقع في الحارة التي يقيم فيها في قريته المذكورة ) . وكان معتوق تقدم بشكوى أمام رئيس النيابة العامة العسكرية في سورية ، العميد جورج طحان ، بحق مرؤوسه رئيس النيابة العسكرية بحمص بسبب تقاعسه في الكشف على مكان الجريمة، على الرغم من صدور قرار عن العميد جورج طحان يقضي بفتح تحقيق بالقضية واستدعاء من يثبت تورّطهم بالجريمة. كما أنه ، أي معتوق ، سبق أن وجّه برقية مسجّلة إلى بشار الأسد ناشده فيها ، بصفته القائد العام للجيش ورئيسا لمجلس القضاء الأعلى ، توجيه القضاء العسكري للتحقيق في جريمة مقتل سامي. لكن وزير الدفاع السوري المارشال حسن تركماني مونتغمري ( بطل التصدي للطائرات الإسرائيلية التي أغارت على دير الزور وعين الصاحب و قامت قبل ذلك برحلة سيران فوق القصر الرئاسي !) ، وعملا بقانون العقوبات العسكري الإنكشاري ، أمر في نهاية شباط / فراير الماضي بحفظ التحقيق بالقضية على الرغم من ادعاء والد سامي معتوق على ضابطين بفرع الأمن العسكري بحمص وضابط بحرس الحدود بجريمة قتل نجله .
بتعبير آخر ، إن نظام البغي والفجور والصهيونية الأسدية يريد محاكمة الضحية لمجرد إصرارها على المطالبة بحقها في ملاحقة القتلة ؛ تماما مثلما يفعل مجرمو أجهزة الأمن الإسرائيلية حين يعتقلون المواطنين الفلسطينيين في القدس أو أماكن أخرى بتهمة الاحتجاج على سرقة أو هدم بيوتهم ، أو حين يغرمون أهالي القتيل الفلسطيني بثمن طلقة الرشاش التي قتلوا بها ابنهم !؟
أعرف جيدا ، وأنا متأكد من ذلك ، أن كل هذا الإرهاب لن يفت في عضد خليل معتوق ، ولن يهز شعرة في مفرقه ، ولا حتى في مؤخرته ، ولكني أخشى عليه جديا من " سلاح الصهاريج " ! ولهذا أنصحه بعدم الذهاب للمرافعة أمام محاكم النظام بسيارته ، وأن يشتري ـ لهذا الغرض ـ حمارة أو بغلة ، فهي أكثر أمنا ، فضلا عن أن هكذا اصطبلات قضائية ليست جديرة بأن يقصدها المرء إلى على ظهور الدواب !

لوكسمبورغ 13 / 4 / 2009
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ـ أغتنم هذه الفرصة ، وإن متأخرا جدا ، لأعبر عن عميق اعتذاري للعقيد علي حمادة ، الذي أصبح متقاعدا حسب علمي . وأرجو ممن يقرأ هذا الاعتذار أن يبلغه إياه إن كان يعرفه ، فقد كان ظني في غير مكانه . هذا فضلا عن أنه كان يؤدي وظيفته وينفذ أنظمة إدارة الهجرة والجوازات، وكان شخصا محترما خلال خدمته ، وفق شهادة كثيرين وجهوا لي اللوم على إهانته أمام الناس.

(2) ـ انظر رواية مراسل " الشرق الأوسط " في دمشق رزوق الغاوي عن الحادثة على الرابط التالي ( علما بأنه من عظام رقبة النظام ، ومن موظفي التلفزيون السوري الرسمي أيضا ):

http://www.aawsat.com/details.asp?section=4&article=46813&issueno=8260



#نزار_نيوف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طريقة واحدة وبسيطة لإثبات كذب -شريط الاعترافات - السوري الخا ...
- طريق حزب الله إلى معرفة سعر عماد مغنية في سوق - التجارة الاس ...
- الغارة الإسرائيلية بين فضيحة النظام و فضائح الإعلام
- المفتي - الأنواري- والبعث .. الظلامي !
- جوزف سماحة .. الرؤيوي الأكثر شراسة ونبلا في احتقاره نظام الأ ...
- رسالة مفتوحة إلى من يهمه الأمر : عن رفعت الأسد والشيخ البيان ...
- بروستات عبد الرزاق عيد و .. بواسير السلطة !
- أعيدوا - بسطات - البندورة لأصاحبها .. أو لا تلومنّ الناس إذا ...
- محنة أهلنا العالقين في العراق : بين جريمة السلطة وتضليل المع ...
- كرنفال دولي للدعارة الحقوقية !
- خبيران أوربيان في السلاح : إطلاق صواريخ حزب الله من الأماكن ...
- تقرير أميركي مصور يثبت استخدام إسرائيل الأسلحة الكيميائية وا ...
- سلوى .. أمي التي رحلت
- الفوتومونتاج الخلاعي : آخر ابتكارات دمشق في محاربة معارضيها
- الديغوليون الفرنسيون وظاهرة ال -Ramization -السورية
- كافتيريات يامن حسين .. الوطنية !
- ست سنوات على رحيله : حافظ الأسد الحيّ فينا ومعنا !
- فقيد - الجزيرة - الكبير !!
- ثورة سمير قصير المغدورة والتيرميدور اللبناني !
- النص الكامل لتقرير الرقيب نضال معلوف رئيس مخفر - سيريا نيوز ...


المزيد.....




- مصر: بدء التوقيت الصيفي بهدف -ترشيد الطاقة-.. والحكومة تقدم ...
- دبلوماسية الباندا.. الصين تنوي إرسال زوجين من الدببة إلى إسب ...
- انهيار أشرعة الطاحونة الحمراء في باريس من فوق أشهر صالة عروض ...
- الخارجية الأمريكية لا تعتبر تصريحات نتنياهو تدخلا في شؤونها ...
- حادث مروع يودي بحياة 3 ممرضات في سلطنة عمان (فيديوهات)
- تركيا.. تأجيل انطلاق -أسطول الحرية 2- إلى قطاع غزة بسبب تأخر ...
- مصر.. النيابة العامة تكشف تفاصيل جديدة ومفاجآت مدوية عن جريم ...
- البنتاغون: أوكرانيا ستتمكن من مهاجمة شبه جزيرة القرم بصواريخ ...
- مصادر: مصر تستأنف جهود الوساطة للتوصل إلى هدنة في غزة
- عالم الآثار الشهير زاهي حواس: لا توجد أي برديات تتحدث عن بني ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - نزار نيوف - خليل معتوق والنظام السوري و سلاح ... الصهاريج !