أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - عبدالنبي فرج - فصل من رواية ريح فبراير















المزيد.....

فصل من رواية ريح فبراير


عبدالنبي فرج

الحوار المتمدن-العدد: 2617 - 2009 / 4 / 15 - 09:18
المحور: حقوق الانسان
    


دخل غرفة النوم وفتح جهاز التلفزيون، يدوس على الريموت ويتنقل من قناة إلى أخرى دون أن يرى شيئًا، فقط صور تتابع، وعقل غائب، لا يستطيع أن يحدد ماذا يريد؟ وهو راغب في التأكيد على شيء، هو في حالة سيولة، ترك نفسه للموج يضرب فيه بقوة غير قادر على النظر في أي اتجاه يسير، استسلم إلى آخر مدى، ويفكر كيف يقاوم أو لا يقاوم على الإطلاق، ويظل هكذا إلى أن يكون الفناء؛ الفناء المدمر الذي يجرف كل شيء أمامه، نفاية. كان متأكدا أنه في تلك الحالة نفاية، علبة فارغة، لا شيء.
ترك التليفزيون مفتوحًا على نشرة الأخبار وخلع ملابسه وسار عاريًا في الشقة، ثم دخل المطبخ، أشعل النور ثم فتح الثلاجة وأخرج الأكل؛ لحمة باردة، فواكه موز. أخذ يأكل بشراهة حتى أحس بالشبع. دخل الحمام وفتح الدش تاركًا الماء ينساب على جسده، خرج دون أن يرتدي ملابسه. يقف وبيده زجاجة خمرة، يرى ملامح وجهه في المرآة. لحيته طالت وشعره الأبيض غطى على الأسود، يلوم نفسه على ترك جسمه يترهل بهذا الشكل، يتحسس الشحوم المتراكمة على كرشه وأردافه وفخذيه، شرائح من الدهن لا يقلل من بشاعتها سوى طوله العجيب. رن الهاتف. كانت الفنانة أصالة تحاول إقناعه بإخراج واحدة من أغنياتها "فيديو كليب". أخذ يرحب بها. وكان سعيدًا باتصالها به، فقد كان يعشق صوتها، ويجلس ساعات ينصت لصوتها العذب الذي يسيطر على مشاعره ويخلق حالة ما.
طرح عليها بعض الاقتراحات بعد أن استمع إلى كلمات الأغنية، واتفقا معًا على أن ترسل مدير أعمالها لكي يتفق معه على التفاصيل، أغلق السماعة وتساءل: هل أنا قادر فعلاً على إخراج تلك الأغنية. فقط يسير في الشوارع حاملاً الكاميرا على كتفه يصور المباني، الفضاء، البشر، كثير من المشاهد دون أن يفكر في سياق يحوي كل هذا الركام. ورغم ذلك لا يستطيع أن يتوقف لعله يجد في ذلك نوعًا من اللذة ، وكأنه يبحث عن معنى ميتا فيزيقي، إله يسكن وراء البيوت القديمة، موج البحر، السماء، النجوم، يبحث بإصرار منذ الليلة التي رأى فيها جسد الشهيد الشيخ مرميًّا في قلب أحد شوارع المدينة مشوّهًا والرصاص مغروس في جسده. ظل خلالها طوال الليل يرتعش وجسد الشيخ يتقلب بين ناظريه، يقلب في الكتاب، يقرأ بصوت هامس، يقرأ جهرًا، يصرخ لعل صورة الشيخ تختفي من ذاكرته أبدًا . أشقيتني .. أيها الشيخ حيًّا وميتًا.
كان يعلم أنه واهم ، وأن الذي يبحث عن معنى ميتا فيزيقي لا يمكن أن تكون الكاميرا هي الوسيط، هي الدليل، المرشد. ولكن هو يعلم أنه يحب هذا الفن، ويريد أن يقدم سينما مختلفة فقط. وأن بحثه عمّا وراء فقط؛ لكي لا يبقى شيء من حياته أو من تشكيله كمخرج ، وتذكر في تلك اللحظة زوجته التي طلقها؛ لأنه لم يكن يطيق وجودها أمامه على سجادة الصلاة تقرأ القرآن ، تنصت إلى إذاعة القرآن الكريم حتى فاض به فسحب شرائط الأفلام التي مثلتها في حياتها الفنية، ثم أخذ يضع الشريط في الفيديو وأخذ يتابع حتى أوقف الشريط على مشهد تكون فيه زوجته شبه عارية، حتى أن الرقيب رفض عرض الفيلم إلا بعد حذف سبعة مشاهد.
دخل عليها وسحبها من يدها، وأوقفها في مقابل عريها، وأشار إلى التلفزيون:
- تقدري تمسحي المشاهد دي من وعي الناس؟
- أنا مسحتها من زمان.
- دا وهم .. أنتِ لازم تعرضي نفسك على طبيب.
- أنا موهومة ومستمتعة بوهمي.
- بس أنا مش مرغم أعيش مع وحدة مريضة.
- خلاص نتفق على الطلاق بهدوء.
- نتفق.
- والأولاد؟!..
- معايا وقت ما تعوز تشفهم .. موجودين.
- خلاص.
لست نادمًا الآن، فالذي فرقنا ليس الدين، ولكن أنا الذي لم أعد أحتمل روحها.. كانت روح ثقيلة تكبس على نفسي حتى أنني كنت أحس داخلي أن هذه الروح روح قاتلة، روح ملحدة أكثر من كونها روحًا شفافة. حتى قبل أن تعتزل الفن لم أكن أحبها، ولكن كان يربط بيننا أشياء كثيرة جعلتني أحتمل روحها الشريرة التي تفعل عكس ما تبطن. قد تكون هي لا تعلم عن ذلك شيئًا. قد تكون وقد ينظر إليها آخر على كونها ملاكًا. وقد تكون روحي أنا التي بها سقم، مرض لأرى تشوهي. ولكن هي الآن كما أراها أنا. وقد أقول عكس ذلك بعد فترة بسيطة جدًّا، وأعلم جيدًا أنني روح قلقة ، متوترة. لا أستطيع أن أحتفظ بالأشياء الجميلة أبدًا إلا بعد أن تتهشم مني، ولا يبقى أي أمل في البدء من جديد ؛ ولذلك قولي: لماذا تركتني وخرجت من البلكونة في الدور التاسع إلى الشارع. لا تستطيع أن تدرك شيئًا أو تحدد شيئًا رغم أنني عندما عرفتها قلت في سري: "إنها شيء حلو في الحياة" . "حاجة من عند ربنا". كانت جميلة وكأنها خارجة من الحكايات، كيانًا هشًّا يوحي بأنها زهرة جميلة لا يمكن أن تحتمل شرور المدينة .. قابلتها في بار وسط البلد .. تعرفت إليك ببساطة شديدة، وظللت تشرب حتى غرقت في عالم متوهم من الأصدقاء وزملاء المهنة الأشرار، توجه إليهم الشتائم. تقف في ثقة العارف بأنك لورد السينما المصرية، وأن الآخرين يقومون بسرقتك، ونسبة الأفكار إليهم. إنا أول من ضرب مفتاحًا في هدم السينما الكلاسيكية. خرجت تستند عليها ، ثم دفعتها عنك وقلت لها: أنا أعظم مخرج في هذا القرن النفيس وأخذت تتخبط ، وهي خائفة ترتعش، والسيارات تمرق جوارك وتتفادك حتى سقطت على الأرض ونمت، وأخذت تشخر في الشارع، وهي أحضرت تاكسي وحملتك فيه، وأوصلتك إلى البيت. ماذا جرى. ماذا جرى .. أي كون، وأي حياة التي تحياها .. توقف عن النظر داخلك ..
انتابته فورة حماسة مؤقتة. يرى الفيلم أمامه، وما عليه سوى البدء في "الفعل" سحب قلمًا وأخذ يخطط على الورقة ثم سرعان ما نسي، ويده تضغط بحدة دون وعي منه حتى تعبت يداه. توقف ثم نظر إلى الورقة. كانت الورقة بفعل الإعادة قد تحولت إلى خط غليظ ملأ الصفحة: "أكبر من كل هؤلاء" وتسأل: ما الذي أردته بهذه الكلمة؟ لم يجد معنى لهذه الكلمة في ذاكرته، فمزق الورقة إلى قطع صغيرة. أغلق الإضاءة في الشقة، ولم يترك إلا لمبة تسقط إضاءتها على لعبة كان قد اشتراها لابنه منذ فترة، وكل مرة كان ينسى أن يأخذها معه وهو ذاهب إلى رؤيته في منزل زوجته .. يتذكر فقط وهو يصعد السلم أو وهو يرى اللعب موجودة في الشقة، ساعتها كان يشعر بالتعاسة وأنه مقصر في حق الابن ، ولكن ماذا يفعل ؟ هو هكذا.
ضغط على زر اللعبة فأخذ يدور الطفل في المكان، حمل الكاميرا، وأخذ يتابع من جميع الزوايا حتى اصطدمت اللعبة بحافة السجادة فتوقفت عن الحركة، رغم أنه ما زال يصدر منها أزيز. ثبت الكاميرا فترة طويلة ثم أغلق الكاميرا ووضعها في الحقيبة.
أغلق الإضاءة في الشقة ، وأغلق باب الشقة وراءه نازلاً درج سلم العمارة، يتحرك في الشارع وحالة من التحدي تنتابه مصممًا على الاستمرار ، سيارات قليلة تمر، عساكر الأمن المركزي في كل مكان، أمن الدولة، المخابرات. أخذ يجري في الشارع وهو يعلم أنه ليس حرًّا ، ولكنه يعلم أنه سيتجاوز كل ذلك .
بعد انتحار صديقته كان يخرج بالسيارة ولا يعود إلا آخر الليل، وفي يوم كان يسير في الجبل وحده، وجد شجرة مانجو قد انقطع عنها الماء وردم جزعها بالرمل، فروعها عارية، وقد جفت الأوراق ما خلا ورقة في أعلى الشجرة .. ورقة تقاوم الريح والعطش، وحدها لماذا؟ هل هناك شيء يستحق المقاومة؟ ربما ..



#عبدالنبي_فرج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- العفو الدولية: الحق في الاحتجاج هام للتحدث بحرية عما يحدث بغ ...
- جامعات أميركية تواصل التظاهرات دعماً لفلسطين: اعتقالات وتحري ...
- العفو الدولية تدين قمع احتجاجات داعمة لفلسطين في جامعات أمري ...
- اعتقالات بالجامعات الأميركية ونعمت شفيق تعترف بتأجيجها المشك ...
- منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية تؤكد مسئولية المجتمع ال ...
- ارتفاع حصيلة عدد المعتقلين الفلسطينيين في الضفة الغربية منذ ...
- العفو الدولية: المقابر الجماعية بغزة تستدعي ضمان الحفاظ على ...
- إسرائيل تشن حربا على وكالة الأونروا
- العفو الدولية: الكشف عن مقابر جماعية في غزة يؤكد الحاجة لمحق ...
- -سين وجيم الجنسانية-.. كتاب يثير ضجة في تونس بسبب أسئلة عن ا ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - عبدالنبي فرج - فصل من رواية ريح فبراير