إياد محسن
الحوار المتمدن-العدد: 2599 - 2009 / 3 / 28 - 06:20
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
قد يختار الإنسان أن يكون مجرما ويسلك طريق الشر وهو يدرك انه محل ازدراء ورفض من المجتمع , ويشكل حالة نشاز في المنظومة الأخلاقية لمحيطه ... وحين يلاحقه القانون والعرف الاجتماعي سيعلم إن ما يطاله من عقاب هو استحقاق طبيعي لأخطاء اقترفها ...
لكن... حين يصدر منه ضرر باتجاه المجتمع وهو يؤدي واجبا شرعيا ...وهو موقن انه ينفذ تعاليم تثيب عليها السماء ويأمر بها الدين, سنكون أمام حالة أكثر تعقيد, إذ الدافع المعنوي لإنتاج الضرر اكبر في هذه الحالة , وهو ينتج بدوره عن سوء فهم للنصوص الدينية خصوصا ذلك المتعلق بامتلاك الحقيقة المطلقة, ومحاولة احتكارها وإقصاء الآخر... فالمتدين هنا ضحية , تنتج أضرار دون إدراك أو وعي ...بسبب جهل وسطحية في التفكير ... وبدلا من أن يتخذ الدين رسالة تسامح ومحبة وبناء سيجعله محرابا ينحر على بابه الأجساد بغير ذنب ولا جريرة ...وحامل الفكر الديني هنا, لا يعدو كونه قنبلة ...اشتعل فتيلها ولا يمكن درء الخطر القادم منها إلا بنزع ذلك الفتيل ...
الخطاب الديني للمجتمع يشكل ابرز المتحكمات في إنتاج الثقافة الدينية لإفراده , والتي تعتبر المحرك الأساس لسلوكهم داخل المحيط , اذ ليس مها ما يعنيه الدين لغة أو اصطلاحا ...وليس مهما ما يعنيه لدى الأنبياء والرسل...المهم ما يعنيه في ارض الواقع ..وما ينتجه من اثر في سلوك الإنسان وفي علاقته مع المجتمع ...وبالتالي لا بد من متابعة هذه الثقافة وتحليلها والتأكد من كونها قائمة على المبادئ الإنسانية السامية لتي جاءت بها الأديان , وليست مستندة إلى مجموعة من الأفكار المريضة المسمومة القاصرة عن احتواء الآخر والتعايش معه, ساهم في صناعتها ارث ثقيل من القراءات غير الواعية
الخطاب الديني يستلزم توافر ثلاث أطراف ...المخاطب (بكسر الطاء) وموضوع الخطاب , والمتلقي ...والعنصر الأساس والفعال في هذا الموضوع هو الطرف الذي يتولى توجيه الخطاب , لأنه يقوم بقراءة النصوص وتفسيرها وفق ثقافته الذاتية ومكتسباته المعرفية ويقوم بتصدير الخطاب المغلف بفهمه الخاص, إذ الخطاب غالبا ما يكون أسير الصفات الشخصية للخطيب, وان ما يصل منه إلى ذهن المتلقي يكون بعيدا عن قصد الشارع وعن دلالة النص .ما يصل هو وجه نظر الخطيب ليس إلا
وهذا ما يفسر نشوء المذاهب الفقهية واختلاف المجتهدين داخل المذهب الواحد في الحكم الواجب الأتباع في ذات المسالة
(إن الدين عند الله الإسلام).. نعم ...ولكن ما هو الإسلام ...فمن تمسك بحرفية المفردة , ذهب إلى انه إسلام الشعائر والطقوس التي كان يؤديها الصحابة وقت النبي (ص) واصبح خطابه يتضمن تكفير أهل الأديان الأخرى ...ومصادرة حقهم في الحياة ...وأرسل طائراته ليفجر برج التجارة العالمية في سبتمبر ليقتل آلاف الأبرياء باسم الإسلام ...
أما من بحث عن جوهر المفردة , فقد فسر الإسلام على انه الطواف حول ألذات المقدسة أيا كانت لغة ذلك الطواف, و عرف المسلم بأنه من سلم الناس من يده ولسانه , وهذا النموذج هو أكثر قدرة على التعايش مع الآخر المختلف , ويحترم أشيائه ومقدساته بقدر ما ينشده لمقدساته هو من احترام وتقدير .
اغلب من يتولون عملية تصدير الخطاب الديني يعانون من عزلة عن المحيط المجتمعي ...فهم يعيشون في بيوت الدرس اغلب حياتهم , يطالعون مناهج بنفس الاتجاه , ويلتقون بأشخاص من نفس المحيط ,فتكون الأفكار المتبادلة والثقافة الدائرة بينهم مكرورة ومستهلكة ,لا تخضع للنقاش مع الآخر ولا تستفيد من التطور الذي يعيشه المجتمع , والذي يستلزم تجديد الخطاب بما يتماشى مع الحاجات الجديدة, ويكون الخطاب الواصل للمتلقي الديني , تبعا لذلك , خطابا متطرفا , لا يلائم الواقع العصري , ولا يماشي روح الإسلام باعتباره دين لكل العصور وفيه من النصوص والحوادث ما تقبل القراءة والتأويل .
الحاجة كبيرة في العراق ..وفي هذه الظروف بالذات , إلى أجراء إصلاح في منظومة الخطاب الديني , إذ بدون أجراءه لا يمكن بناء ثقافة سياسية واجتماعية سليمة وخالية من العوق ...خصوصا ونحن جربنا الخطاب المتطرف والمشوه خلال السنوات التي تلت سقوط النظام والذي أفرز عملية سياسية باصطفافات طائفية , خارج الحسابات والاعتبارات الوطنية ..
لا بد في سبيل ذلك من إدخال رجال الدين من جميع الأديان والمذاهب في دورات تعليمية حول التركيز على المشتركات الإنسانية في خطبهم وكتبهم , وعدم الخوض في كل ما من شانه الدفع باتجاه الفرقة والاستفزاز للقضاء على الخطاب الإرهابي وتجفيف منابعه الثقافية ..مع سن القوانين التي تتابع وتراقب مثيري الفتن الدينية والطائفية لوضعهم تحت طائلة القانون ...كذلك يكون الإصلاح بان تأخذ منظمات المجتمع المدني دورها في إقامة الندوات والحلقات النقاشية التي تحاول قراءة النصوص الدينية قراءة تجديدية ومحاولة تفسير النص من خلال الواقع وليس العكس ...وهناك مسئولية ملقاة على عاتق الأعلام التلفزيوني تتمثل في تنظيم البرامج الحوارية إلي تصب في ذات الهدف ...أما الأداة الاهم في عملية الإصلاح فتكمن في إصلاح المناهج الدراسية الدينية ومحاولة إعدادها بصورة معتدلة بعيدا عن التحيز لأي دين آو مذهب خصوصا وهي تستهدف فئات في طور البناء والتنشئة وتشكل نواة للمستقبل ولو بني أساسها الثقافي بشكل سليم فحتما ستنتج ثمار ايجابية على مستوى مستقبل الدولة العراقية ...إذ ليس من المنطقي إن ينظر احد التلاميذ إلى زميله على انه كافر وخارج عن الملة ...ولا يجوز تزويجه إن كان من دين آخر وهم يدرسون منهجا دينيا لم يحسن واضعه قراءة النصوص الدينية قراءة إنسانية واعية .
#إياد_محسن (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟