أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي وجيه - تحت ضوء (فوانيس) كامل الركابي















المزيد.....

تحت ضوء (فوانيس) كامل الركابي


علي وجيه

الحوار المتمدن-العدد: 2593 - 2009 / 3 / 22 - 01:37
المحور: الادب والفن
    



(عودة الإبن الذي لم يغادر !)
علي وجيه

وخاف يصير المزاود
وأظل ساكت
وأبحّر غاد
مو كلمن يحب بغداد يحب بغداد!.
(مظفّر النوّاب)
(1)
توطئة
أشرنا غير مرة أن الشعر الشعبي العراقي حالياً يمرُّ بحالة (جاهلية) أو (نكوص) ؛ فبعد الإنفجار اللغوي والرؤيوي الذي حصل بجسد القصيدة الشعبية بداية الستينات من القرن الماضي والذي أدّى الى خلق قصيدة حيّة تتماشى ومتطلبات المُجتمع (أخلاقياً ، آيدلوجيّاً ، عاطفياً .....إلخ) ؛ أقول : بعد هذا التحوّل الكبير في الشكل والمبنى مرَّت سنين مظلمة بالشعر الشعبي العراقي (مما نراه هذه الأيام) من غير بصيص ابداعٍ واحد (غالباً) ؛ فنحنُ لا نرى شاعراً يكتب قصيدةً ذات رؤية أو هدف ؛ بل أن ما نراه هذه الأيام ليس سوى (زَبَد) سينقشع سريعاً (شخصياً : لا أظن ذلك بسبب ذائقة الجمهور المُتردية!).
في هذه المرحلة المظلمة لا نرى مَنْ ينظر للقصيدة كـ(مسؤولية) إلا ما ندر ؛ وهذه الحالة سببها أو أحد أسبابها الرئيسة هو أنَّ مرحلة تحوّل الشاعر الشعبي من (شرنقة – مُتلقي) إلى (فراشة – شاعر) مرحلة غير طبيعية تزامنت ومرحلة افراز المُشوّهات الذوقية في الحرب العراقية / الإيرانيّة وما تلاها من تحوّل الشعر من صانع للجمال إلى مجرد ممارسة ساديّة ومتوحشة ودموية وحبلى بالقيح ؛ إضافة للإستسهال الحاصل للشعر من قِبِل أغلب الشعراء !.
من بين كل هذا ؛ بين انعزال وكسل الشعراء الكبار وبين نشاط الشعراء غير المُثقفين الداعين للـ(طائفية ، العِرقية ، المذهبيّة ، وجميع الممارسات غير الإنسانيّة) ، بين كل هذا : يبزغ بين حينٍ وآخر شاعر يقول : انتبهوا : ما زالتْ القصيدة الإنسانيّة على قيد الحياة.
(2)
"كامل الركابي شاعر شعبي عراقي من جيل السبعينات" ، سطرٌ يفتتح الغلاف الأخير من مجموعة الركابي (فوانيس) وأعتقد أن جملة "من جيل السبعينات" كافية لتوضيح أن الركابي – وحده - جيل حمل الثقافة والرؤية والهدف والإنسانيّة بكل معانيها ، الجيل الذي تذوّق المنافي بكافة انواعها ! قابضاً على شرف كلمته / الجمرة في وقت يعجُّ بالأمطار السلطوية ؛ ورُبَّما لا نبالغ إن قلنا أن الجيل الوحيد الذي سيذكره الشعب مُستقبلاً وبصورة جيدة هو الجيل السبعيني.
(3) الشاعر / الشاهد ونفي (الأنا)
خطوة تُحسب للركابي بطبعه مجموعة شعرية رغم أن الجميع يعرف أن الشعر الشعبي شعر صوتي ؛ أي : مسموع لا مقروء ؛ إلا أنه قدّم بضاعة لا يُستهان بها بوسيلة تقديم الهدايا (النخبوية) مُراهنا في نفس الوقت على (متن) المجموعة النُخبوي الذي قُدّم بصحن الثقافة العاميّة التي تحتاج وبشدة إلى مبادرات مثل (فوانيس).
(فوانيس) مجموعة شعرية كُتبتْ بفنيّة عالية واشتغال رؤيوي عالٍ جداً ، واستخدام آليات في الكتابة شبه جديدة ونادرة في الشعر الشعبي العراقي.
من أهم الملاحظات التي يُمكن أن تُلاحظ على المجموعة هي هوية الشاعر /المُتكلم ؛ فالشاعر في أغلب نصوص مجموعته نراه (شاهداً) لا (فاعلاً) ، أي : نراهُ شبيهاً بالنفَّري الذي اكتفى بالإستماع أمام الحق أو بجمهور (نبي) جبران الذين اكتفوا - كأفراد - بالأسئلة [لا أعلم من قال : الأجوبة عمياء ؛ وحدها الأسئلة التي ترى ! ]، لكن (كامل : الشاهد) اكتفى – في هذا الزمن الجنوني – بالنظر وليسرد (كامل : الشاعر) بعضاً مما يراه بصورة شبه واقعية لا تخدشُ الإشتغال الفنّي ؛ بل بعض النصوص التي تُعدُّ – مباشرة - (ظاهراً) هي في الواقع ترتدي نصّاً مفتوحاً للقاريء !:
شال بأسفاره الكتب
والحكمة
وتعلم طرق أهل الكتاب
وعاد للبصرة نبي
بعد الخراب!.
في هذه الآلية التي لم يتبعها إلا القلة القليلة من شعراء العامة (الشعبيون) وهي نفي (الأنا) و تسليط الضوء على الـ(هو) ؛ نرى أن هذه الآلية مُحاولة ناجحة بعدم تكبيل النص بالتجربة الذاتيّة مُعطياً قصيدته بُعداً كونياً أو جمعياً رغم أن طفولة نصّه هي ذاتيّة تحوّرت بعوامل الوعي واللاوعي (رُبَّما) وأدَّتْ إلى تحوّل دفّة النص من الفاعل إلى الشاهد.
وعي الشاعر الركابي نقله نقلة نوعية عن حاضر الشعر العامي (الشعبي) بمسافة سنوات ضوئية ؛ فكأن نظرية الركابي هي : ما الشاعر إن لم يكن شاهداً؟؟.
وفي هذه القصيدة التي يُمكن أن نعدّها شيئاً جديداً نظراً إلى الذاكرة والذائقة التي عجّت بالـ(نصّاري والتجليبة) ؛ شيئاً جديداً معنى ومبنى.
في قصيدة (مشاهدات) التي تكرر فيها فعل (شفت) 27 مرة بينما تكرر فعل (كَلت) 3 مرات ؛ وورود هذا الفعل – الثاني - (على شُحّته بالقصيدة) لا يدلُّ على وجود (الفاعل) بل ليضيف أفقاً واسعاً للـ(شاهد):
شفت.. (الشاهد)
شيخ الفقر..مره
بين الناس
من تاريخه..يتبرّه
كَتله : أحوال ! (الشاهد يرتدي قناع الفاعل)
ضحك
طلعت اسنونه مسوّسه وصفره..! (الشاهد يفتح أفقاً جديداً في المقطع)
فحتى فعل (كَتله ) الذي يرد في هذا المقطع لم يخرج من لسان الشاهد إلا ليستفزّ المقابل (شيخ الفقر) بكلمة "أحوال" وأدّى هذا الفعل إلى فتح أفق جديد / بَصَري وتحوّل هذا المقطع إلى ما يشبه النص المفتوح بهذه النقلة البصرية ورغم أن هذه الطريقة البَصَريّة – رُبَّما – ستُحدد مسار المقطع أو القصيدة بشكل يشلّ المخيّلة – نوعاً ما -لكن كامل الركابي يحرص على إضفاء مسحة مُخيّلة على القصيدة خالطاً بين النقيضين بصورة رائعة :
عيونك ساحت
من الشمس
وتشوف
ابعد من سراب العطش
مرات
وابعد من نهر
وهلاله مشحوف !.
(4) بين النفي الذاتي والقسري
المنفى : هو طرد وإبعاد الإنسان عن وطنه ؛و قبل أن تدخل السياسة والآيدلوجيا في نطاق التحكم كان هناك نوع واحد من النفي : نفي الزاني والمُخنث! وقد طال بنا العمر حتى رأينا نفي (الشاعر ، المبدع ، المُفكّر) ، لكن المثقفين العراقيين اختاروا نفياً ذاتيّاً لأن النظام السابق لا ينفي إلا لمكانٍ واحد : القبر (هذا إن كان المنفيّ محظوظاً بالحفاظ على جُثّته !).
لا شكّ أن كامل الركابي (المقاتل في كردستان واليساري والمثقف الذي رأى أن المنفى أفضل من بيع الكلمة) يسعى الى مناخ حر ينفلت داخله من كل (آيدلوجيا ، دولة ، طائفة.....،...) تكبّل نصه، لكن فكرة الحريّة الركابيّة التصقت دوماً بفكرة السفر والنأي و الغربة :
إنته شاعر؟
غربتك غربة جبيرة
بيها نفسك
عافت المشتهى والناس
وذوتْ
شمعة زغيرة..!
لكنه من جهة أخرى يوضّح أن (الغربة الكبيرة) أو (الفعليّة) داخل نفس الشاعر نفسه ، وهذا قول شائع ونجده لدى أغلب المبدعين بشتّى طرقهم بل أنهم يرون أي مكان يتيح للمبدع حريّته هو "وطن" ، وبين تقبّل هذه الفقرة وبين طفولة النفس للوطن الأصلي تبدأ عذابات وهواجس المُبدع : فيبدع!.
(5) الوطن الذي تحوّل إلى منفى والمنفى الذي تحول إلى وطن!!!
النفي في حالة الركابي والغربة نفي وغربة مُسننان ؛ لا يستقران على وضع واحد ، والمسألة هي : ماذا يكون موقف الشاعر من وطنه الأصلي / المنفى الفكري ومنفاه / الوطن الجديد؟؟.
في هذه الحالة : يستمرّ الشاعر بحنينه إلى طفولته / وطنه الأصلي ذامّاً بنفس الوقت وطنه الجديد / المنفى ! :
يا سفر (السفر : وجه للمنفى)
كَمرة وطنه الغالي تبعد
والبيوت بغير أهلنه اشلون تسعد؟
وحينما يرجع إلى الحالة الحياتيّة الملموسة ؛ يوضّح الشاعر – لا إراديّا – موقفه السلبي من وطنه الذي يقوده مُسبب النفي (سياسة أو أزمة فكرية أو أوضاع) دون المس بالوطن – حاضن الطفولة السعيد قبل تفتق فكر المنفي بمسببات النفي والغربة - :
يا صديقي مرت اتلاثين عام
( نقطة التوتر والانطلاق الحنين الى الوطن المنفى ورفضه للنفي ومسبباته)
واحنه مدفونين بالغربة
( بدء الرفض الباهت للمنفى الذي لا يحتوي على الطفولة)
واكَول : البصرة
هي البصرة ما متغيّرة
(حنين)
بس ملحه وغبار
(امتزاج الحنين بالرفض الباهت وعدم التمييز بين الوطنيين)
يالله نمشي الليلة نسكر
من بعد طول انتظار
كَال : أول نلكَه بار!
(اصطدام الفكر بالتابوات)
لذا أعتقد أن أدونيس قد وضَّح هذه النقطة جليّاً بقوله :
لا الخارج بيتي ؛ والداخل ضيّقٌ عليَّ
بذلك : يعود الركابي الى نقطة الانطلاق لسبب النفي كما تعود دورة حياة كل مخلوق إلى التراب ؛ لذلك : سبب كل الأمور هو : التابو.
نستنتج :
1- الوطن وطنان : وطن الطفولة والحنين ووطن الطرد والوحشية الذي تقوده – فكراً وممارسة – تابوات لا انتهاء لها تتعارض وفكر الشاعر.
2- المنفى منفيان : منفى الحريّة وعدم المطاردة ومنفى الوحشة والموت ومُشعل الحنين للوطن الأول.
3- الوطن (2) والمنفى (2) مرفوضان.
4- عدم ترك المنفى – الوطن (1) وعدم رفض الوطن (1).
5- رفض التابوات وتكسيرها – ذاتيّاً – على الأقل.
6- الشاعر شاهد لا سارد لذاته.
7- القصيدة مسؤولية و مسؤوليتها تحويل الفاعل الى شاهد - فاعل.
لم نتكلم أو نكتب انطباعاتنا عن (فوانيس) الركابي كما تستحق فالمجموعة الشعرية زاخرة وتتيح مواضيعها لمسافة لا تنتهي من المناقشة والدراسة وتسليط ضوء النقد عليها ، تحية لكامل الركابي (المبدع ، المقاتل ، الفاعل ، الشاهد ، العائد الذي لم يسافر!).
***
المصادر :
كامل الركابي : فوانيس / منشورات تموز 2008
الأغاني للأصبهاني.
الأعمال الشعرية الكاملة لأدونيس (المجلد الثاني – هذا هو اسمي وقصائد اخرى - / دار المدى) ط 1 1996.
شريط مرئي – مظفر النواب وسعدي الحديثي – لندن 1998
الأنا والهو – سيجموند فرويد.
[email protected]



#علي_وجيه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...
- فنانة لبنانية شهيرة تتبرع بفساتينها من أجل فقراء مصر
- بجودة عالية الدقة: تردد قناة روتانا سينما 2024 Rotana Cinema ...
- NEW تردد قناة بطوط للأطفال 2024 العارضة لأحدث أفلام ديزنى ال ...
- فيلم -حرب أهلية- يواصل تصدّر شباك التذاكر الأميركي ويحقق 11 ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي وجيه - تحت ضوء (فوانيس) كامل الركابي