زياد أبو شاويش
الحوار المتمدن-العدد: 2580 - 2009 / 3 / 9 - 10:02
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
يقولون المرأة نصف المجتمع لكنها بما تمثله من صفات ومكانة إنسانية تمثل كل المجتمع ولا قيمة لأي مجتمع تغيب فيه المرأة خلف أقنعة يضعها الرجل أو تضعها لنفسها راضية بما يفرض عليها من قيم ذكورية تتلطى خلف مفاهيم تاريخية أو ميثولوجية أو حتى دينية بما يتناقض مع الطبائع البشرية وحقوق الانسان التي ترسخت بفعل عوامل متعددة منها نتائج الحروب المروعة في القرن المنصرم ومنها تطور الحس الانساني كنتاج لتطور الثقافة والوعي المرتبط بممارسة ديمقراطية فرضها تطور الحاجة لمزيد من الحرية من أجل الارتقاء بالعملية الانتاجية ورفاهية أعلى للناس.
لقد تعرضت المرأة على مدار التاريخ المكتوب للحضارة الإنسانية لظلم التفرقة بينها وبين الرجل على خلفية الجنس ليس أكثر، وجرى تجهيلها بشكل متعمد في مراحل وحقب زمنية طويلة من أجل إبقاء امتيازات الرجل وتسلطه في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والعلمية وحكماً الاجتماعية.
إن تقديم الورود للمرأة في عيد الثامن من آذار وعيد الأم وكذلك عيد الحب المرتبط وثيقاً بالمرأة لا يعبر في الواقع عن حقيقة المكانة التي تحظى بها المرأة في مجتمعنا العربي المثقل بالطقوس والمفاهيم القروسطية، وربما ألوان الزهور والورود التي نحملها لتقديمها لأمهاتنا وزوجاتنا وحبيباتنا في هذه المناسبات تعطي الفرح بقدر ما تجعلنا نتأمل أوضاع مجتمعنا فيما يخص مكانة المرأة وحقوقها والتفكير بشكل جدي في أسباب التخلف والضعف التي تعتري هذا المجتمع وتجعله عرضة للتمزق وانفلات المعايير أمام الغزو الثقافي وخلافه من الاسباب الخارجية بذات القدر الذي تسببه النظرة الخاطئة للمرأة ومكانتها ودورها المنوط بها في البناء المجتمعي والاقتصادي والحياة السياسية والممارسة على خلفية هذه النظرة وتلك المفاهيم. ويمكن القول بدون مبالغة أن الأسباب الداخلية المتعلقة بدور المرأة ومكانتها أسبق وأكثر أهمية من العامل الخارجي المرتبط بالغزو الثقافي والعولمة وغيرها من المؤثرات التي غالباً لا نحسن مواجهتها بشكل صحيح، ولا حصانة بكل أسف لدينا في مواجهتها.
إن اختلاف الحال فيما يخص حرية المرأة ودورها في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بين الدول المتقدمة والدول النامية يظهر بدون ريب أو ضبابية موضوعية المشكلة التي نعانيها في مجتمعاتنا العربية وأهمية البحث العميق عن أسباب التخلف ومعالجتها، وبدون شك فإن هذه المعالجة لن تكون بمعزل عن تناول مستوى التطور وإمكاناته في كل المجتمع وعلى كل الأصعدة في الدولة المعنية وليس فقط ما يخص المرأة، مع إيلاء أهمية خاصة لتضييق الفوارق بين الرجل والمرأة في كل المجالات وخصوصاً الثقافية والعلمية.
ربما لا تكون آلية الاعتماد على مؤسسات الدول والحكومات كافية على هذا الصعيد لأن هذه بالذات تمثل في الأغلب أداة قمع للمرأة وتمزيق لوحدة النضال الذي يمكن أن تقوم به من أجل المساواة ناهيك عن الحرية الشخصية والعامة وتولي مناصب سيادية أو عامة في هذه الدول.
ترتبط الحرية السياسية والفكرية وحتى العقائد بالحرية الاقتصادية والقدرة على تدبر وسائل العيش الكريم بالاعتماد على القدرات الذاتية للفرد وهو ما ينطبق على الدول، وليس لأحد أن يدعي قدرته على ممارسة حريته وهو مقيد إقتصادياً وتابعاً لغيره في توفير أسباب العيش له أو لأسرته، ومن هنا نضيف لموضوع الثقافة والعلم مسألة حساسة ولا غنى عنها لتقريب يوم خلاص المرأة من تبعيتها الخاطئة للرجل ترتبط بقدرتها على الانفاق على متطلباتها الخاصة والعامة بما يحررها من عمليات التسليع التي يقوم بها الرجل منفرداً أو عبر مؤسسات مختصة يتم من خلالها تقديم المرأة بشكل مهين تحت عناوين خادعة يتحكم فيها الرجل ويروج من خلالها لبضاعته الكاسدة.
إن وحدة الحركة النسائية والعمل من خلال مؤسسات المجتمع المدني يساعد كثيراً على تطوير المجتمع وخلق الظروف الملائمة لتضييق الفوارق بين شقي المعادلة الاجتماعية ويجعل إمكانية الوصول لأقصى طاقة انتاجية أمراً ممكناً. إن ربع القوة العاملة على سطح المعمورة اليوم هي من النساء حيث يبلغ عددهن ما يزيد قليلاً عن مليارين عاملة من أصل تسعة مليارات ومئتي ألف يد عاملة إجمالية، وهذا أمر جيد بمقياس ما كان عليه الوضع في السنوات الماضية وهو قابل للتطوير إن تم وضع المسائل المتعلقة بالانتاج والتقدم الاجتماعي قيد الدراسة والبحث بشكل دائم وإجراء التعديلات اللازمة على وسائلنا وأدواتنا وآليات عملنا في هذا المجال.
إن حرية المرأة ترتبط إلى حد كبير بحرية الرجل لأن الرجل الذي لا يملك حريته غير قادر على توفيرها للمرأة، وبمفاهيم موروثة كالتي تسيطر اليوم إلى حد كبير على مجتمعنا العربي بتفاوت يصبح الرجل غير الحر أداة اضطهاد مخيفة للمرأة والعكس صحيح.
المرأة الحرة والحاصلة على حقوقها تستطيع أن تكون شريكة للرجل بكل ما تحمله الشراكة من معاني بما فيها تحمل أعباء الحياة ومتطلبات الشراكة مالياً واجتماعياً وأمنياً ووداً وحباً يضفي على الحياة بهجة أكبر وأعمق. إن المساواة بدون ابتذال تقدم للجنسين فرص السعادة التي ينشدها كل الناس منذ بدء البشرية، والمساواة تعطي الرجل وخاصة الشرقي والعربي حرية واسترخاء وربما ثقة في النفس أيضاً لا يمكن أن تتوفر في مناخ المفاهيم البالية والمتخلفة عن المرأة.
صحيح أن الدول الرأسمالية المتطورة قدمت للمرأة فرصة أكبر من مجتمعاتنا لنيل حقوقها لكنها أي المرأة هناك لا زالت تعاني قسوة هذا المجتمع وتمييزه ضدها في عديد المجالات وخاصة العمل، كما أن وحشية النظام الرأسمالي تطول المرأة بنسبة أعلى من الرجل، ومع ذلك لا يمكننا إنكار تمتع المرأة هناك بحرية أعلى وبفرص أفضل..وحبذا لو نجحنا في توفير ذات الفرص لنسائنا هنا مع هذا الترابط الأسري والدفء الاجتماعي فربما تصبح كل أيام السنة أعياداً للمرأة ... وللحب أيضاً.
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟