أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالحميد السياب - قصة















المزيد.....


قصة


عبدالحميد السياب

الحوار المتمدن-العدد: 2578 - 2009 / 3 / 7 - 06:19
المحور: الادب والفن
    



تسمّر بوجه صاحبه وأطلق عبارة كادت ان تقتله لولا انه وجده بتلك اللحظة المناسبة ليطلقها
وبكل الم وحسرة وأسف (( أنعل أبو ألتنظير)) هزّ يديّه بانفلات وقوة ........نظر الى صاحبه
بفراسة وتحد وانبهار ثم أضاف بعد نظرة طويلة أخرى بوجه صاحبه حيث أقترب منه اكثر وكأنه يعاتبه أو يعاتب الزمن وأضاف بكل حزن وحسرة لقد رحلت .....توفت يا صاحبي رفيقة حياتي وها إني أعيش الوحدة والضياع ........ثم سار بين المارة المزدحمين في سوق الخضار حيث تتعالى أصوات الباعة وضجيج الناس ضاع الرجل الذي ( نعل التنظير ) وبقى صاحبه في دهشة ...صامتا يلوح بنظره لعله يستطيع ان يتلقفه من بين عشرات الناس المكتظ بهم السوق جاءوا لشراء حاجاتهم اليومية الضرورية الملحة والكل يحمل كيسا بعضها مملوء بالخضار و البعض الاخر خاليا ينتظر دوره لكي تدس به انواع من الخضار ألطازجة واصحاب الاكياس بين سائر وبصعوبة من ازدحام غير طبيعي يحدث في مثل هذه الساعات من النهار وقف بعض المشترين ليناقش عن سعر لم يعجبه وصوت احد البائعة يعلو ملوحا ببضاعته .....خس .......خس.....خيار خيار ........ خيار..لهانه قرنابيط وقد رصت البضاعة بعناية ومهارة كل سلعة لوحدها تقابلها سلعة اخرى الطماطة والباذنجان والكوسة والبامياء والبطاطا ومحلات للفواكه مختلفة ببضاعتها ........صاحبنا بقى متسمرا في مكانه لا يدري اين يتجه وماذا يشتري وبهذا اللغط العجيب وكلام صاحبه الذي قذف مدويا بجملته ( أنعل أبو ألتنظير) وخبره المحزن بوفاة زوجته والذي صار يرن باذنه بل دارت الدنيا به .....شعر بدوخة ودوار مفاجئ ولو كان بقرب مستشفى أو عيادة لطبيب لراح اليه ليتأكد من ضغطه ونسبة السكر هناك شئ ما صار فيه اختلال وربما اصابه شئ في تفكره الذي بدى مشوشا تماما نظر لمن حوله مرتبكا الكل مشغول بالشراء وعد النقود ثم همس مع نفسه الدنيا هنا الكل مشغول بحاله ونفسه انها الذات (الانا) حين تريد ان تقتني شيئا تنسى كل شئ من حولها تنصهر بأنانيتها وبهوس الامتلاك من هنا وجد فرصته للانطلاق لكنه لم يستطع السير بشكل طبيعي للازدحام الحاصل ولوضعه النفسي المنهار وجدها فرصة سانحة ان يلتقط انفاسه المتعبة ليعيد التوازن لنفسه ويحافظ على رباطة جأشه كما يقال إنتبه لصوت بائع الخس الذي راح يطلق صوته الاجش الذي بح من كثرة المناداة خس ........خس...خس ( الديرة) ما كاد يسمعه حتى انبرى له شاتما ومحتجا أنت كذاب يا هذا من اين جئت به خس الديرة ؟! إنه خس مستورد خس المناطق الاخرى وتزعم انه خس الديرة أتستغفلنا ؟ أتعتقد أننا لا نعرف خس (الديرة)؟ نظر له صاحب الخس باستغراب وقال له بكل برود (ولا يهمك يا أستاذ نقول خس مستورد) ثم أضاف البائع وببرود واضح بس لا تعزل المسألة لا تحتاج الى كل هذا الانفعال أستاذ حافظ على صحتك نظر صاحبنا الى البائع بدقة واستغراب وهمس مع نفسه ما الذي جعلني اصرخ على هذا الرجل ؟ثم ها هو الرد من البائع رد بسيط ومقنع وساذج لكنه أفحمني تماما رد لم يتهيأ البائع بنطقه ولا بتردده كأنه يردد القسم الذي يتلى امام المتخرجين الجدد أو ان طلابا راحوا ينشدون النشيد الوطني في يوم الخميس بطابور الاصطفاف وقد حفظوه بعناية ودقة هكذا تصور الحال فصاحبنا له محاولات في كتابة الشعر والقصة لذلك فهو يعيش في خيال يحلق به الى عالم آخر صمت قليلا ثم سار .........وهو يلوح بيديه وكأنه يطلب العفو والمعذرة ويُهدأ على صاحب الخس الذي راح وبصوت عال وأكثر حماسا وبحشرة واضحة خس الديرة طيب ورخيص وكأنه يريد ان يغيض صاحبنا الذي راح يسرع الى ناحية مجهولة لا يدري ما الذي يفعله وقال لنفسه مهدأ اياها ان ما قاله صاحبي حقيقة لابد ان اعترف بها انها عبارة من الصميم من العمق من تجربة عاشها هذا الرجل ( أنعل أبو التنظير) قالها بعد ان هزته ريح قاسية هبت على حياته ووضعه الصعب لتأخذ منه رفقته وزوجته العزيزة لم استطع ان اوقفه ليتحدث لي عن حياته لقد اكتفى بنقل الخبر والتعليق المقتضب واختفى تاركا بصمته العميقة في ابعادها ومعناها الدقيق تركها ظلا وحملا ومسؤولية نعم لقد عشنا هذا الواقع المؤلم واقع التنظير الذي سبب لنا القهر والمعاناة والالم حيث صار ينظر احدهم عن الايدلوجيات والافكار وكيف كانوا يرددون وينظرون وبعض الاحيان يقلبون حتى الحقيقة ويلونها لصالحهم وبذكاء وخبث وبخبرات وتجارب يشوهون ويبنون آمالا كبار .........يشيدون بيوتا في الاحلام وقد يلوحون بأياديهم الى الجماهير التي احتشدت لتحييهم موعدين تلك الجماهير بوعود كثيرة وكبيرة سوف تتحقق وفي المستقبل القريب نعم كانوا قادرين على إقناعنا انهم يصهرون كلماتهم في بوتقة واحدة لتقدم بالشكل المقنع والمؤثر .........كان هو وصاحبه والكثير من الضحايا للمنظرين يستمعون وبشغف وعفوية وينفذون وبطاعة عمياء ما يسند لهم من اعمال وصار يتذكر كيف وقبل اعوام خلت كيف كان بيت صاحبه الذي (نعل التنظير) واختفى كان مسرحا لتلك الاحداث حيث لا يخلو البيت من الرفاق كانوا ينظرون ويتهامسون ويضحكون ويكتبون يأكلون ....... يشربون وكانت رفقتهم التي جاء الخبر من زوجها انها توفت كانت توزع لهم الحنان والابتسامات الصادقة حيث ترحب بهم كالام الرءوم وهي تستقبل اولادها توزع الاكل اللذيذ والعصائر التي تعدها قبل مجيئهم إنها بحق اختهم وامهم ورفيقتهم .........إنها تعرفهم جميعا وتعرف مشاكل كل واحد منهم وما يشغله وتعرف حتى اسرهم وكم زوجت من الرفاق وقربت ما بين الاسر المتباعدة وربما القلوب المتنافرة لقد كانت وبحق المظلة و المحطة والخيمة التي يستظل بها المتعبون كانت تهمس باذن فلان وتضحك مع تلك وترضي الجميع وتستوعبهم رغم تفاوت السنين بينهم وبينها إنها رفيقة دربهم كانوا يتحدثون عنها بلطف ويثنون على اعمالها الطيبة المتنوعة وينعتونها بألقاب تليق بها مرة يقولون لها يااختنا الكبيرة ومرة امنا الحنون وكثيرا ما كانت تؤكد على رفاقها ان يطلقوا عليها يا رفيقة الدرب فهي تعتز جدا ان ينادونها يا أم فلان وقبلها رفيقة كانت تزداد نشوة وإعجاب وتباهي وكانت لا تدري بان الالقاب سهلة التداول ومتوفرة في البيوت التي تزدحم في بعض المناسبات والاحتفالات التي تقام حيث تسمع وقع المسميات واطلاق عبارات يضج بها المكان من العزيز والحبيب والصديق والرفيق وابو فلان والكل ينشد وكانت رفيقتهم تعتز بإئ كلمة يطلقونها وبلا استثناء كانت ترغب ان ترضي الجميع رفيق يرغب بالشاي وآخر بالقهوة وآخر يريد من (الكليجة) التي اكلها في العيد الفائت وتضحك الرفيقة اتبقى (الكليجة) يا رفيق من العيد الفائت؟ لقد عملت بعدها عشر مرات وأكلت انت منها كلها الم تشعر بالفرق بينها ؟ رد الرفيق لا لم اشعر يا رفيقة لانها كلها جيدة المذاق ورفيق آخر مزاجي الطبع لا يشرب إلا من الشربت الذي تعمله الرفيقة والذي يشبه الشربت الذي يشربه من شارع الرشيد عندما كان في الكلية شربت( الحاج ازباله) انه التناقض الابدي لكنها الحقيقة الابدية ورفيق آخر لا ياكل ولا يشرب إنه يدخن ويشرب القهوة المرة فقط لذا تحضر له قهوته المعتادة ومنفظة السجائر وحتى الكراسي تعرف من يرتاح لهذا او لذاك الكرسي تعرف ان احد الرفاق لديه فقرات مزمنة يجلس مع رفيق آخر على (كنبة) ليرتاحوا اكثر بها إنها تحس بهم وتدركهم وتراعي مشاعرهم فالبعض منهم من محافظات اخرى وغير متزوجين مثل هؤلاء لهم احتفاء ومداراة خاصة تختلف عن أشخاص عندهم بيوتهم ومتزوجين ويسكنون في نفس المحافظة أيمكن ان يتساوى هذا مع ذاك ؟ لقد درست رفيقتهم كل الحالات وعرفت كل واحد من رفاقها ......ثقافته وتجربته وآهاته ووضعه الاقتصادي والاجتماعي لقد خبرتهم جميعا لكنها عرفت حقيقة واحدة ان الكل هنا ينظر ويجيد التحدث وبلباقة وينمق بالتنظير والجدل ويفهم النظرية وباحسن ما يكون الفهم فالكل يأتي وهو دارس واجبه وحين يعلن عن وقت الاجتماع وينقطع الكل عن الكلام إلا صوت رفيقهم الذي يدير الاجتماع تحظر الرفيقة الجلسة بكل شغف وامعان وكيف تصغي الى كل متحدث باعجاب تام حين يأتي دورها للحديث كيف كانت تبتسم لرفاقها للتحدث عن ما تعرفه وهي رغم بساطتها وقلة معرفتا بالتنظير لكنها كانت مقنعة جدا بطرحها وبطرقتها في إيصال الفكرة التي تريد ايصالها لرفاقها الذين يجدون المتعة في كلام رفيقتهم الذي يخرج من القلب وبدون رتوش أو تكلف وتذكر كيف أن الرفيقة احضرت كرسيا انيقا وجديدا وفرشته بفراش جميل لأن مشرفا ينوي المجئ اليوم وارادت الرفيقة ان تحتفي وتحتفل بقدومه فأحضرت الحلويات وقناني البيبسي الباردة حيث دستها بالثلاجة وقبل مجئ المشرف بيوم وحين حضر المشرف وبعد التحية الرفاقية الحارة جلس الرفيق المشرف على الكرسي الذي قامت بترتيبه الرفيقة هوى الكرسي بالرفيق الى الارض والرفيق لم يستطع ان يوازن جسمه الممتلئ فراح على ظهره بطريقة غريبة ادهشت الرفاق وبين همس الرفاق وكتموا خجلهم وضحكتهم التي كتموها بصبر وتحمل وغيظ وبكل مرارة ومعاناة وخجل واضح اردفت الرفيقة قائلة ومعبرة عن ما هي به ........إنه الفقر إنها النقود يا رفيقنا العزيز الذي اسكننا هذا البيت التعس البائس المتعب الذي تفوح منه رائحة الرطوبة والمجاري وفوقنا هذا السقف الهاوي لم نستطع ولأعوام مضت ان نبني حجارة واحدة به ونحن على هذا الوضع الصعب من هنا صار كل ما فيه من اثاث ان لم يتحطم فمصيرة التحطم لا محال ..........صحيح اننا نمتلك قلوبنا قوية صلبه مؤمنة بالمستقبل والغد المشرق هكذا تعلمنا منكم يا حضرة الرفيق المحترم لكن هذا هو الحال هذا هو الواقع لذلك اعتذر باسمي واسم كل الرفاق للذي حصل للرفيق وهذه المحاضرة بل هذا النزيف الدامي الذي ألقته الرفيقة كان خزين ايام طويلة وجد الان له طريقا للخروج من خلال وقوع الرفيق المفاجئ والذي استمع لآهات الرفيقة بعد ان نهض من الكرسي المكسور بطريقة رياضية بهلوانيه وهو يضحك بتصنع وانفعال واخذ يردد لا شئ ........لا شئ بسيطة... بسيطة تحدث مثل هذه الامور لا تعتذري يا رفيقة فنحن ندري بظرفكم الصعب لنهي الموضوع ولنبدأ الاجتماع الان وأراد الرفيق ان يمتص ماحدث له وللرفيقة من حزن وارتباك تم ليعرفهم باهمية الاجتماع وما جاء هو من اجله ساد الصمت كالعادة حين يبدأ الاجتماع وافتتح الرفيق المشرف الاجتماع بكلمة شكر وإعتزاز بالرفيقة وزوجها الذي صمت بلا أي كلمة تذكر وهي عادته في كل مرة وقال موجه التحية للرفيقة التي تقوم بتهيئة المكان للرفاق حيث ان بيت الرفيقة وزوجها الرفيق العزيز بيت آمن وبعيد عن عيون السلطة وجهازها الامني ثم أكمل الرفيق المشرف الاجتماع بينما كانت الرفيقة في غاية النشوة وكالعادة لقد انساها إطراء الرفيق المشرف كل ما حدث وكل كلمة منه كانت تعتقد انها وسام تتقلده وهي ثمرة عمرها النضالي الطويل إن كلمة واحدة حقيقية تسمعها كانت بالنسبة لها هي العطاء والكنز وهذه هي الرفيقة نبيلة بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى فهي الحب والحنان والشعور بالمسؤولية كل الرفاق يشيدون بها ويحترمونها لانها لم تقصر مع احد منهم وراح متذكرا سنين مرت وصفحات انطوت انه ماض جميل مر كالحلم وتذكر كيف تم زواجه صار وكيف زف من قريته وكانت الرفيقة التي وصلت الى القرية هي وبناتها الاربع حيث دخلن القرية لاول مرة وآخر مرة في حياتهن حيث تعرفت بأهله بسرعة وبذكاء دخلت بهم طولا بعرض وكأنها تعرفهم جميعا من زمن طويل وهي بخبرتها النضالية الطويلة تعرف كيف تكسب الناس ما بالك انهم اهل رفيقها وتذكر كيف ان قريبة له سألته هل هذه المرأة تعرفنا من سابقا ؟هل جاءت لزيارتنا من قبل ؟ورد الجميع عليها معك الحق اننا جميعا نشك بذلك حتى احداهن حلفت بأنها قابلتها ذات يوم ولكن اين ومتى لا تدري والرفيقة تضحك من اعماقها على بساطة اهل رفيقها ناظم وحين اضافت قريبة رفقيقها انها تحدثت معها طويلا وبان حديثها ممتع جدا وقالت بانها مع بناتها جاءت الى هنا وجلست هنا وهي جاءت في زواج أحدهم قبل اعوام نعم زواج محمد بن فاضل ربما تكون صديقة ابنتهم أو احدى بناتها صديقة واحدة من بناتهم بسم الله عليهم هن كثيرات وصاح الجميع ممكن .........ممكن والبعض ايدها الى ما راحت اليه وحتى الرجال والذين نادرا ما يتحدثون في القرى عن النساء وخاصة الاجنبيات الزائرات هكذا يطلقون عليهن راحوا يتحدثون عن المرأة وعن بناتها حيث قال احدهم وهو دقيق الملاحظة وذكي في طرح افكاره قال هذه المرأة تستحق الاحترام والتقدير فعلا وإلا ماذا يدعوها للمجئ من المدينة إنها صاحبة موقف ثم سأل في همس وشك ما علاقة ابننا بها ؟ ثم همس ان ابننا له اصدقاء وناس يملكون طيبة هو رجل جيد وصاحب اخلاق وهو لو لم تقدم للزواج من احدى بناتها لأعطته بلا تردد ردت عليه احدهن ومن قال لك انهن غير متزوجات ؟ فرد لينهي جدلا تشعب وربما لا داعي له وقال لا نخرج من الموضوع بل اؤكد ان هذه المرأة اصيلة انها رائعة بمعنى الكلمة دعونا نكرمها ........اسمعوها كلمات جميلة ليست كالتي تنطقونا كل يوم وردت اخته الكبيرة إذا نحن لم نجيد الكلام نتركه لك انت خذ دورنا ياأخي وقالت له اخته وبحدة اجوك ياعبد السلام لا تتهمنا باننا لا نعرف الكلام فنحن لا نعرف المبالغة ولا المجاملة الزائدة ولا الكذب ضحك عبد السلام ضحكته المدوية التي اراد ان يمتص غضب اخته وغضبه الذي بدى يطفح من كلام اختة الممل والمعاد وقال لها هل أنا اكذب يا سليمة؟ حين اتحدث معكم بوضوح تسموني بما تريد افكاركم المريضة ردت عليه واحدة من الحاضرات ليس هذا وقت عتاب وكلام لا معنى له ياعبدالسلام هيا انهو الموضوع اننا في عرس ياجماعه قال عبد السلام الحق معك وما تقولينه يااختي إذا بقينا على هذه الحالة سنصل الى العراك مثل كل مره لنترك هذا الان ودعونا مع المرأة التي هي في هذا الوقت تحضر الدفوف وهنا همست سليمه وسمع عبد السلام همسها المريب عبد السلام لا يعجب بأحد بسرعة وبساطة ما هذا الاعجاب ؟ نظر لها عبد السلام بزدراء وإنفعال ماذا وجدت بعبد السلام هل هو شخص معقد ولا يجيد المعرفة ومعاشرة الناس ؟ ردت عليه اخته سليمه بعد ان فهمت انها قست على اخيها كثيرا وبلا سبب اعوذ بالله يا عبد السلام انني لم اقصد انا متأسفة انني ازعجتك قال لها كفى ...كفى أنهي الان كل شئ حينها صاحت المرأة رفيقة صاحبنا ناظم يا جماعة لماذا سكتم؟ صفقوا غنوا .......زغردوا .ارقصوا هيا ...هيا إنها مناسبة سعيدة لا يسرقنا الوقت ونحن لم نزل نغن في زواج الغالي هيا شجعوني وصفقوا لي سارقص واغني يا بنات ما لكنّ صامتات واقفات بلا حراك هذا يومكم يوم الفرح والانطلاق والبهجة كلنا جئنا من اجل ان نحتفل بزواج العزيز ناظم وراح ناظم يتذكر تلك اللحظات التي لا تنسى لتلك الرفيقة وضع اكياسه قرب حائط قديم كان يجلس بقربه بعض المتسوقين من كبار السن ليستريحوا قليلا أو لينتظروا أبنائهم.... وجدوه مكانا مناسبا ليلتقطوا انفاسهم الآهثة جلس متكورا على نفسه ودس برأسه الثقيل في تلك اللحظة التي اخذتة الى حيث زواجه والرفيقة التي توفت والتي عرف بخبر وفاتها قبل قليل من زواجها الذي بدى عليه الارهاق والتعب واليأس والذي نعل أبو التنظير وما جلبه من معاناة له ولزوجته رفيقة الجميع راح ناظم يجمع شتات نفسه وذكريات لم تمهله ولم تعطه فكاكا وتذكر وصوله الى المدينة بعد ان انطلق موكب زواجه البسيط جدا وكيف كانت الرفيقة تجلس معهم في السيارة التي زفته وكيف صارت تزغرد وتصفق وكانت تناديه من المقعد الخلفي للسيارة حيث كانت جالسة وتقول له شاركني يا ناظم بالتصفيق واترك الزغاريد علي ّ وهي تضحك من كل قلبها الطيب وبعد ان قطعوا اكثر من عشرين كيلو متر من بيت ناظم الى المدينة توجهوا الى احد الفنادق حيث تم الحجز مسبقا لقضاء ليلة الزواج وصلت الى الفندق اربعة سيارات فقط هو كل الموكب ونزل المحتفلين لزفاف ناظم والكل يصفق ويرقص وبعد الوداع همست الرفيقة باذن ناظم لم يفهم البقية ماذا همست وتذكر ناظم حين قالت له غدا سيكون الغداء عندنا نحن بانتظاركما يارفيق ثم اخذت بناتها الاربع وانطلقت الى بيتها الذي لا يبعد عن الفندق سوى القليل وفي اليوم التالي ذهبا ناظم وزوجته وفي اول يوم لزواجهما الى بيتها العتيد حيث اقامت لهما غداء فيه من الاكل ما لذ وطاب كما يقال وبين الضحكة والنكتة والكلام الجميل من الجميع الكل فرح مستبشرا بلقاء العروسين وتعتذر الرفيقة عن كل تقصير وعن المكان الرطب الذي طفحت مجاريه واوعدت ناظم وزوجته بعزيمة اخرى في جزيرة السندباء وفعلا تمت تلك السفرة وانطلق بها الجميع ما ذا اتذكر وما ذا انسى ؟ فهو سجل حافل لهذه الانسانة الرقيقة الدافئة النقية المتواضعة نهض من جلسته التي اطال بها المكوث حيث لم يبق احد بقربه رفع الاكياس التي اشترتها بلا رغبة وبدون مزاج بعد ان سمع الخبر المحزن الذي آلمه كثيرا وحفز به ذكريات مضت وحين وصل الى البيت مثقلا بالهموم التقط ورقة وراح يكتب ما سطره الان لكم واضاف حين اختلف فيما بينهم سياسيوا البلد في ذلك الزمن القاسي هرب هو الى بلد آخر وترك العراق وعلم ان الرفيق الذي ( نعل التنظير ) والرفيقة الطيبة سجنا لفترة وبعد خروجهما سافرا الى محافظة اخرى ليعشا بعيدا عن عيون السلطة وهكذا عانوا معاناة كبيرة كما غيرهم والثمن الذي دفعوه غاليا هو كل حياتهم وعندما رجع من خارج الوطن بعد مرور سنين طويلة سأل عنهم اخبره شخص يعرفهم بأنهم رجعوا الى البصرة ومعيشتهم الان صعبة جدا بل انهم في مأساة حقيقية حيث لم تتزوج واحدة من البنات وامهم مريضة جدا ووالدهم بلا عمل واولادة قسم منهم في البصرة وقسم في النجف وارضهم التي اشتروها صادرتها الدولة وهم الان في وضع يكاد يكون مضرب للامثال في الفقر والضياع وقد انتقلوا الى بيت غير بيتهم القديم والبيت الجديد هو ألآخر خرائب وهو آيل للسقوط عندما سمع ناظم قصتهم المفجعة ... المؤلمة قرر ان يزورهم وبالخفاء لان الوضع في البلد لم يزل ملتهبا وذات يوم تسلل الى البيت وحين دخل الى البيت وسمعت الرفيقة به جهشت ببكاء مرير لم ير مثله من قبل كأن كل حسرات الدنيا وآلامها نطقت به تلك الانسانة المتعبة وحدثتة عن البنات والاولاد وعن زوجها الذي صار مدمنا كثير العراك وقليل الصبر وقالت الحق معه يا ناظم فنحن منذ ان سجنا انا وزوجي والولد وولدنا الكبير لم يسأل علينا احد من الرفاق ابدا وكأننا في عالم آخر وعند خروجنا من السجن كان التجاهل اكثر من الرفاق حاولنا الاتصال بهم لم نحصل على نتيجة مرضية حتى ان زوجي في يوم التقى بالصدفة مع احدهم قال له تصرفوا انتم وبحسب الظرف الممكن سافروا الى محافظة اخرى الوضع لا يحتمل وتركه لحاله وبعد مدة فعلا انتقلنا الى محافظة اخرى وتركنا كل شئ واولها ذكرياتنا وقد سألنا عنك قالوا هرب الى بلد آخر فرحنا لك كثيرا لكننا عرفنا ان زوجتك بقت عند اهلها وبعد اكثر من سنة التحقت صمت ناظم بعد ان شاركهم البكاء والحسرة ثم قال لها تعرفون اخباري بالتفصيل قالت كيف لا وانت الانسان الشريف الذي لم نسمع منك إلا الكلمات الصادقة النقية ولم تطل الزيارة اكثر من نصف ساعة خرج معه زوجها الى الشارع مودعا وقائلا لناظم اجعلنا نلتقي وفعلا صار ناظم يلتقي بالاب في السوق حيث يبيع الاب سجائر امام احد العمارات وكلما يصير اللقاء يسأله عن وضعه وحالتهم
يخبره الاب انهم في وضع سيء جدا وان اكثر ما يزعجه ويأسف عليه هو تجاهل الرفاق له تماما
وان ما يؤلمه بقاء البنات الاربع بلا زواج لحد الان حيث بلغ عمر الكبيرة اكثر من اربعين سنه والاخريات بالثلاثين من عمرهن وقال بالحرف الواضح ان الناس تجنبوا الاقتراب منهم كما ان بهم مرض الجرب المعدي كان الناس خائفين منهم فالانتقال من مكان الى آخر والسجن وانسحاب الرفاق عنهم وانعزالهم كانت اسباب اكيدة جعلت الناس لا تقترب من بناته ثم الفقر المتقع المؤلم
الذي غزاهم من زمن بعيد وقد اعطوا كل مايملكون للحزب والرفاق بيتهم وراحتهم وما عندهم والكل يشهد على ذلك العطاء وتلك التضحية والتي كانت نتيجتها الهجر والنكران من الرفاق و حين يتذكر تنظيرهم وكلماتهم البليغة لا يصدق ابدا انهم سيقفوا مثل هذا الموقف البائس
المحزن لكنها الحقيقة يارفيق والحقيقة الاكثر إيلاما هو موت زوجتك بهذه الطريفة الحزينة وكيف تركت لوحدك مع البنات فقط حيث تزوج الاولاد وكل استقر لوحده اما انت فحملك تقيل سيدي الان فأنت بلا عمل وكبرت وسنك لا يسمح لك بعمل صعب واين هو العمل ؟ فمن حقك ياصاحبي ايها المهموم ان تلعن التنظير واهله والذي كنت معتقدا بأن الوعود والكلمات التي كانت تعزف في كل المناسبات ستجد لها تطبيقا وترجمة لكن كل شيء صار هباء ومجرد تنظير وتسطير كلمات لا تغني من جوع ولا ترد لك زوجتك الرائعة المناضلة وبحق وهي تساوي المئات من الرفاق المنظرين والمنظرين فقط والباحثين عن مطمع رخيص والمجد للصادقين الواهبين أرواحهم لقضيتهم العظيمة حيث آمنوا فيها وبعمق وشرف وصدق.............

الاحداث حدثت سنة/ 2000 وقد حان الوقت
كي ترى النور هذه الآهات الحقيقية........
عبد الحميد السيا



#عبدالحميد_السياب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالحميد السياب - قصة