أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زهير الجبوري - انتصار المكان الغائب في امسية شعرية















المزيد.....

انتصار المكان الغائب في امسية شعرية


زهير الجبوري

الحوار المتمدن-العدد: 2575 - 2009 / 3 / 4 - 05:47
المحور: الادب والفن
    



انّها مجرد كنيسة صغيرة انسحبت بصمت الى شارع جانبيّ من شوارع مدينة انتويربن البلجيكية في الشمال المحاذي لهولندا.

هذه الكنيسة الحزينة هجرها الاب والرهبان, تركوا الشتاء وحيدا في صالاتها العالية دون ان توبّخه بدفأها ذاكرة الاناشيد والقداسات واعترافات الكراسيّ المصفوفة بعناية في جانبيّ الصالة الكبيرة, الباردة والذكريات معلّقة على جدرانهاالمدهونة بأنفاس الراهبات وعلى رخام ارضيتها ربّما وانت تمرّ تعثرت ببقايا نشيد قديم او ربّما استمعت الى اعتراف خجول يجيئ من زاوية مشغولة بشمعة صغيرة وربّما التقطت همس وردة سقطت من بين اصابع خرجت للتو من نشيد زواجها المبارك.

الالم والفرح الخير والشرّ ربّما التقيا هنا يوما ما لفكّ اشتباك قديما اواستدعاء غيمة العهد لتقول للعائلة سلاما في المدخل وقرب الباب الواسعة العالية المدهونة بالاسود الذي ترك بعض الغبار كي يتسلق امتاره الممتدة حتى منتصف الواجهة نشر حازم كمال الدين المسرحي العراقي المقيم منذ الف عام في هذه المدينة بعض الشموع ربّما اراد ان يقول لضيوفه الذين حضروا من مدن بعيدة سأفتح لكم وبمعاونة هذه الشموع كوّة على الماضي وربّما اراد ان يشطب بعض القساوة المظلمة التي هبطت منذ زمن على هذه الكنيسة.

لقد استطاع حازم كمال الدين ان يجرّ الحاضر اللا مبالي الى فضاءات الذاكرة وجماليات العابر بصمت وحين يشتدّ صخب الحياة ومقولات الواقع ربّما يستطيع عطر الذاكرة ان يهمس لاصابعنا الباردة ان تلمس الاوقات الدافئه على ارضية الصالة الكبيرة الباردة كانت ايضا هناك شموع كثيرة ربّما اراد الفنان حازم كمال الدين مخرج هذه الامسية ومدير مؤسسة زهرة الصبار ان يستقدم ملائكة النور كلّها لطرد شياطين الظلام وربّما اراد ان يفرغ كل مواساته لكي تسيح لاستعادة ثقة المكان بجمالياته من خلال توطين العلامات الدالة على النور اولا وطردا لدلالة الشر الذي صبغ الظلام عينيه ويديه رمزا واسطورة على مرّ الدهور.

ولان الشموع ايضا تحقق هذا الانسجام التاريخي بين مصدر الاضاءة والكنيسة بما تحققه هذه الاضاءة من هدوء للفضاء الكنسي وتواضعا حميما عندما يتعلّق الامر بالمقدّس. ورغم هذا فأن ماجد مطرود الذي كان مدعوّا ايضا لهذه الامسية وفّر للرعب فرصة ان تتسلل لقلبي حين اخبرني ان المكان سيكون باردا بل ان برودته لا تحتمل.

الامسية بدأت في الساعة الثامنة مساء وكان من المفروض ان يكون عدد الضيوف لا يتعدى الثلاثون لهذا أحضر المخرج عدد من الاغطية التي لم تكف ضيوفه. في الحقيقة كان عددهم اكثر بكثير من عدد بطانياته ولكن لماذا كانت الاغطية عبارة عن بطانيات بلون رماديّ؟
لماذا اللون الرماديّ؟
ولماذا البطانيات اصلا؟

طبعا ثمة اكثر من سبب لاحضار البطانيات
اولا عندما شارك حازم كمال الدين شخصا آخر بوضع البطانيات على اكتاف الضيوف قبل ان يقودهم الى قاعة صغيرة في آخر مبنى الكنيسة تحوّل الضيوف بسرعة الى رهبان وراهبات وهكذا استطاع المخرج ان يحّول ضيوفه الى كائنات نوديّ عليها من فضاءات الذاكرة لكي تقذف في مساء يوم السبت لكي تعطي هذه الكائنات للمكان روحه الغائبة وهذه الرؤية هي نزوع المسرحي لمنح جسد الامسية فرصة للتناغم بين الزمان والمكان انّه تدخّل مباشر من المخرج لعقد مصالحة بينهما. وثانيا اراد ان يعطي لضيوفه بعض الدفأ من خلال منحهم اغطية الرهبان التي هي بطانيات وضعت على الاكتاف بطريقة تبدو وكأنها مسوح وبذلك اوحى لضيوفه بضرورة ان يتقمصوا ارواح الرهبان الصبورة على الاقلّ للاستعانة بها لمدة ساعتين من اجل تحمّل البرد’

بدأ العرض واقصد الامسية الشعرية التي جمعت بين الشاعر المصري المقيم في مدينة انتويربن البلجيكية عماد فؤاد والشاعره البلجيكية ايفا كوكس المقيمة في مدينة خنت البلجيكية.

والشاعر عماد فؤاد شاعر مصري له اربعة كتب شعرية كان آخرها ـ حرير ـ وقد حصل الشاعر منذ فترة على جائزة الهجرة الثقافية وهي جائزة سنوية تمنح للمبدعين من كل انحاء العالم كما انه كان ضيفا على مهرجان الشعر العالمي.

ويعتبر عماد فؤاد صوت شعري متميز في فضاء الكتابة الشعرية الجديدة في مصر والعالم العربي. انّه يسدد اقواسه لليوميّ الذي يغطيه غبار اللامبالاة ليرفعه لمستوى يحقق من خلاله الجمال والذاكرة ميدانه احيانا يلّمع اوراقها الصفراء ويمسدّ عليها باصابع الربيع الذي لا يكفّ عن الاخضرار.

اما الشاعرة البلجيكية ايفا كوكس فقد اصدرت كتابين شعريين وهي شاعرة ممتازة تكتب بلغة جميلة تتصدى لليوميّ وتلتقط انفاس الاشياء الصغيرة المخبأة في زوايا النفس البعيدة ولها علاقة حميمة بالمكان وبالمدينة وتفاصيلها واسرار لغتها الهولندية
لها كتاب “اقلام/ صمغ/ماجيك/شفاه” وقد رشحت هي ايضا لجوائز شعريه.

بدأت الامسية بصفين من الرهبان على جانبي القاعة وعازف قانون احتل مؤخرة القاعة هو الفنان العراقي اسامه كمال الدين وهو فنان عراقي له الكثير من الاعمال الموسيقية والنشاطات الثقافية في الكثير من مدن اوربا وهو معروف بحرصه على تقريب ارواح الموسيقى الشرقية والغربية وتعريفها ببعضها بلقاء نغميّ رائع لقد انتج نصّا موسيقيا منسجما مع المكان، مع الضوء، مع الشعر. مع هذه الليلة الجميلة، كدحت اصابعه لتقول اشياء تصالحت مع القراءات الشعريه اصابعه لقد احبّت وكرهت وشتمت ولعنت وطارت احيانا مثل الفراشات واحيانا حزنت كثيرا وبانت في فضاء القاعة غيوم كثيرة خرجت من اصابعه.

والى جانبه يختبئ جنديّ مجهول يظهر في آخر العرض الا وهو الفنان التشكيلي العراقي طارق شبوط امينا على عرض ترجمة النصوص الشعرية على شاشة في مقدمة القاعة وخلف اثنين من المقاعد متباعدين ومتقابلين يجلس عليهما شاعر وشاعرة تناوبا لساعة كاملة على قراءة قصائدهما التي تحمّل الفنان حازم كمال الدين تهمة الخيانة وقام بترجمتها بكثير من الحبّ والحرص.

صمت الرهبان وهم يستمعون لقانون اسامه كمال الدين الذي رافق رحلة الانشاد الطويلة والتي تناوب عليها الشاعر عماد فؤاد والشاعره ايفا كوكس.

واقول انشاد لان القصائد كانت منسجمة تماما مع الجّو الكنسي الذي خطط له المخرج حازم كمال الدين بعناية وكأنه اراد ان ينتصر للمكان من خلال استدعاء تفاصيل الذاكرة.

قرأ عماد من كتابه الشعريّ الاخير ـ حرير ـ نصوصا جميلة احتفت بالحرير ونعومته وهداياه وبنفسجه وفواصله واكاذيبه وانوثته وطوافه مثل الفراشات على الزهرة وبكارته وغصونه اليانعة المتدلية المستعدة للتشابك وثرثرته في الطريق وانصاته للاصابع وهي تنسلّ كما الرغبة الخجولة وتجاعيده ايضا وهو يمرّ على المحطات وغفوته اخيرا قبل ان ينام في فراشه المبتلّ بالعطر

اما ايفا فقد قرأت عن الشفاه التي لا تستطيع ان تبّث مشاعرها من خلال الزجاج وعن امرأة تحلم بماسورة بندقية على عنقها وكرسيّ وجبال حول الكاحلين وعن الصوت الصاخب مثل ثلج مجروش يسمرها في مكانها وعن حديقة ماجوريل ـ مراكش ـ وسقوط رأس الطفلة بطيئا فوق الزجاج البارد وعن الضفدعة المحنطة في ناقوس حجري وعن تجاعيد الكرز وعن السراب وهي ترى اختفاءهم ذات ظهيرة واحدا بعد الاخر قرأت ايضا عن المدينة ومرفأها وانتهت بقصيدتها الرائعة عن قطعة الموزاييك المتألقة بشقوق حمراء مبتلّة وقلب من ثلج.

انتهت الامسية.

كانت الكنيسة اقل برودة.

ربّما لان المواساة كانت حاضرة بقوة الشعر وصبر الرهبان الذي حلّ في اجساد الضيوف.


زهير الجبوري
عراقي مقيم في بلجيكا



#زهير_الجبوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كشف دلالات المعنى الشعري عند أديب كمال الدين
- مجموعة (شجرة الحروف) للشاعر أديب كمال الدين:
- محاضرة عن صناعة الكتاب الثقافي : كتاب (الحروفي) أنموذجاً


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زهير الجبوري - انتصار المكان الغائب في امسية شعرية