جريمة كاملة

انياسيو رامونه

الحوار المتمدن-العدد: 155 - 2002 / 6 / 9 - 11:29
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    

 

Ignacio RAMONET

عودة الى محاولة الانقلاب في 11 نيسان/ابريل، في فنزويلا، ضد الرئيس هوغو تشافيز [1] . فقد عاد الى منصبه بسرعة لكن الدروس لم تُستخلص بعد من هذا الانقلاب الفريد والاقرب الى نموذج تجدر دراسته. والعبر ضرورية تفاديا للتمرد العسكري الجديد الذي يجري التحضير له في كراكاس.

والمذهل بدايةً، هو الغياب شبه الكامل لردّ الفعل الدولي ازاء هذه الجريمة المرتكبة في حق حكومة تعمل وفق اكبر قدر لاحترام الحريات على تنفيذ برنامج معتدل للاصلاحات الاجتماعية، يجسد التجربة الوحيدة للاشتراكية الديموقراطية في اميركا اللاتينية.

ومن المفجع تالياً ملاحظة صمت الاحزاب الاشتراكية الديموقراطية ومنها الحزب الاشتراكي الفرنسي اثناء ما تعرضت له الحريات في فنزويلا من محاولة سحق. بل من المفجع أيضاً وصول الوقاحة ببعض قياداتها التاريخية من امثال فيليبي غونزاليس الى حد تبرير الانقلاب [2] من دون التردد في المشاركة في الفرحة التي ابداها صندوق النقد الدولي ورئيس الولايات المتحدة ورئيس الوزراء الاسباني السيد خوسه ماريا أزنار، الرئيس الحالي للاتحاد الاوروبي...

ويعود آخر انقلاب قام به الجيش ضد رئيس منتخب في اميركا اللاتينية الى ايلول/سبتمبر 1991 عندما تمت اطاحة السيد جان برتران اريستيد في هايتي. ومع نهاية الحرب الباردة ساد الاعتقاد ان واشنطن وضعت حدا لسياسة "عمليات الكوندور" [3] التي شجعت في السبعينات والثمانينات وباسم محاربة الشيوعية قيام انظمة ديكتاتورية في اميركا الجنوبية. وانه سيصار الى ادانة اي تآمر ضد انظمة منبثقة عن انتخابات حرة.

منذ 11 ايلول/سبتمبر 2001 يبدو ان الروح القتالية التي تعصف بواشنطن قد اطاحت كل هذه المحاذير [4] . وباتت المعادلة التي اطلقها الرئيس جورج بوش كما يلي: "من ليس معنا فهو مع الارهابيين". والسيد تشافيز كان مفرطا في استقلاليته. ألم يعمل على اعادة تنشيط منظمة الدول المصدرة للنفط، (اوبيك)، الذي لا ترضى عنها واشنطن؟ ألم يزر صدام حسين وليبيا وايران؟ ألم يقم علاقات طبيعية مع كوبا؟ ألم يرفض تقديم الدعم لمشروع كولومبيا ضد الثوار؟ تحوّل تشافيز الى رجل مطلوب اسقاطه لكن واشنطن ليست قادرة على إطاحته بطريقة دموية كما في الماضي وكما حصل في غواتيمالا مثلا عام 1954 وسانتا دومينغو عام 1965 او تشيلي عام 1973. وقد لاحظ المسؤول عن هذا الملف، السيد اوتو ريخ، مساعد وزارة الخارجية لشؤون القارة الاميركية، انه خلال العقد المنصرم وبالرغم من حدوث اي انقلاب عسكري فإن ستة رؤساء من دول اميركا اللاتينية المنتخبين ديموقراطيا قد أطيحموا وآخرهم السيد ديلا روا في الارجنتين. ليس على يد الجيش بل من طريق الشعب.

هذا هو اذاً النموذج الذي اعتمد لاطاحة السيد تشافيز. اولا، تحالف من اصحاب الامتيازات يجمع الكنيسة الكاثوليكية (الممثلة بمنظمة اوبوس داي) والاوليغارشية المالية وارباب العمل والبورجوازية البيضاء ونقابة فاسدة، وقد اعيدت تسمية هذا التحالف "المجتمع المدني". ثانيا، اصحاب وسائل الاعلام الكبرى الذين اقاموا في ما بينهم عقدا مافيويا والتزموا دعم الحملات التي يشنها كل منهم ضد الرئيس باسم الدفاع عن "المجتمع المدني"...

لم توفر وسائل الاعلام هذه الاكاذيب على انواعها وراحت تعبئ الرأي العام بالطرق على فكرة واحدة: "تشافيز ديكتاتور" و "تشافيز هو هتلر" [5] بالرغم من تذكير البعض بأنه لا وجود لاي سجين سياسي. وبات الشعار المتكرر: "يجب إطاحته".

بينما يتآمر المالكون لقلب رئيس ديموقراطي، تتشدق وسائل الاعلام بعبارات "الشعب" و"الديموقراطية" و"الحرية"... فينظمون التظاهرات في الشوارع ويحولون ادنى نقد حكومي لهم الى "اعتداء خطير على حرية التعبير" ويستنكرونها لدى المنظمات الدولية [6] ويعيدون استنباط الاضراب التمردي ويشجعون الهجوم على القصر الرئاسي والانقلاب...

وقد انساقت وسائل الاعلام وراء نزعتها الطبيعية للدعاية فمزجت بين الشعب الافتراضي الذي ارتكب الانقلاب باسمه في 11 نيسان/ابريل والشعب الحقيقي الذي اعاد السيد هوغو تشافيز الى الحكم في أقل من 48 ساعة. وتتابع وسائل الاعلام الفنزويلية اليوم بشراسة مضاعفة مستفيدة من الافلات من العقاب، بث الاكاذيب والتضليل في سياق اكبر عملية زعزعة لحكومة ديموقراطية. وتسعى هذه المرة وسط اللامبالاة العامة للنجاح في ارتكاب جريمة كاملة.

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1] انظرMaurice Lemoine, … Hugo Chavez sauvé par le peuple î, Le Monde diplomatique, mai 2002

[2]  El Pais, Madrid, 12 avril 2002

[3] اقرأ Pierre Abramovici, “Operation Condor, cauchemar de l’Amerique latine” Le monde diplomatique, mai, 2001

[4] اقرأGuerres du XXIe siècle, Galilée, Paris, 2002. 

[5] . اقرأ افتتاحية المجلة الشهريةExceso, Caracas, avril 2002

[6] تغاضت منظمة "مراسلون بلا حدود" عن احدى ابشع الحملات الاعلامية ضد حكومة ديموقراطية وقد تم التلاعب بها ونشرت تقارير ضد حكومة السيد تشافيز الذي لم يقدم على اي اعتداء على حرية التعبير ولم يوقف اي وسيلة اعلام او يعتقل صحافي واحد.

 

#انياسيو_رامونه (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات