أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد علي حسن - صورة الآخرفي مجموعة (إش ليبه دش ) للقاص زيد الشهيد















المزيد.....

صورة الآخرفي مجموعة (إش ليبه دش ) للقاص زيد الشهيد


عبد علي حسن

الحوار المتمدن-العدد: 2572 - 2009 / 3 / 1 - 03:42
المحور: الادب والفن
    


(1)
يتعين علينا بدءاً تفكيك العنوان الرئيسي (( صورة الآخر )) كيما نتوصل الى الفضاء الدلالي الذي تتحرك فيه قراءتنا للمجموعة القصصية ( اش ايبه دش ) للقاص زيد الشهيد الصادرة عن دار تراسيم – 2008 .
يتكون العنوان من مفردتين ( صورة ) و ( الآخر ) ، فـ ( صورة ) تحيل الى المكونات الثابتة والمفاهيم التي تم التوصل اليها من خلال المراقبة والمعايشة ، وتتميز هذه ( الصورة ) بالثبات إذا جرى التحقق من التكوين المتكامل لمفرداتها في زمن سابق لزمن الثبات ، أما ((الآخر)) فهو المكون الذي لا ينتمي الى البنية الحضارية بكل تفرعاتها ومكوناتها لمكون مغاير ومختلف عن تلك البنية وتمتلك الحاضنة والبيئة الحضارية المشكلة لشخصيته وتفرده وتميزه عن المكوّن الآخر ، وإذا ما دمجنا المفردتين فستكون صورة الآخر هي مجموعة المفاهيم والمكونات القارة والمشكلة أزاء المكون الحضاري المغاير للشخصية الحضارية للمتحدث وهنا ( السارد ) الذي تحركت أحداث قصصه جميعها في مكان مغاير لمكان ولادته ونشأته وهو (( اليمن )) فجميع مكونات النصوص ( الشخصيات – والأحداث – والزمان – والمكان )) تنتمي الى مدن يمنية مختلفة شكلت محطات عمل لسارد وإذا إعتبرنا تلك المكونات منتمية الى بنية إجتماعية وحضارية مغايرة لبنية السارد فأنها – المكونات – تتضمن أيضا ً مكوناً آخر – ثالث – ينتمي الى بنية إجتماعية وحضارية مغايرة الى كل من البنيتين المتغايرتين – السارد والمكان – بذا فان النصوص الواردة في المجموعة قد تعاملت مع مغايرين ( آخرين ) ، الأول عربي ( اليمن ) والثاني أوربي ، فملاحظة وجود عامل حضاري مشترك وهو ( اللغة ) بين السارد ( عراقي ) وشخصيات المكان الآخر ( اليمن ) هو ليس كافياً لإنتماء هذا السارد الى بنية الآخر الجديدة ، إذ إن هنالك عوامل أخرى مكونة للبنية الإجتماعية لا تشمل السارد كالتكوين الاجتماعي والفكري ، وحتى الانتماء الحضاري ( الحلقات الحضارية السابقة واللاحقة ) فالسارد ناتج تكوين إجتماعي وإقتصادي وسياسي مغاير في جميع الأحوال لمكونات المكان ( الآخر ) ( اليمن ) ، والثاني غربي ( شخصيات تنتمي الى حضارة غربية ) ووفقاً لهذا الفهم لـ ( الآخر ) ، ستم لاحقاً الكشف عن منظومة المفاهيم والتصورات الثابتة التي تضمنتها نصوص المجموعة عن ( الآخر ) عربياً وغربياً ....

(2)
ينحصر زمن كتابة نصوص المجموعة بين الأعوام 1994-1997 ، ومكان وقوع أحداثها في المدن اليمنية حيث عمل القاص ، وهو إنتقال تعتقده إنتقالاً يتعدى الحدود المكانية العيانية الى تكريس المظاهر النفسية والاجتماعية في البنية الاجتماعية الجديدة التي عاشها السارد ، وقد إعتبرنا مكوناتها ممثلة للآخر ، وتبدو هذه البنية واضحة في العتبات الأولى لنصوص المجموعة وأعني بها الغلاف الذي حمل عنواناً وهو جملة تنتمي الى البنية اللغوية للآخر.. فضلاً عن اللوحة التي توسطت الغلاف وهي مجموعة من الصبايا راقصات الباليه وهي أيضاً تحيل الى المنجز الفني للآخر منذ العنوان الرئيسي الذي حمل عنوان احدى قصص المجموعة ، إلا أن هذا الإختيار يشكل مدخلاً للكشف عن صورة الآخر في نصوص المجموعة ، فجملة ( ICH LIEBE DICH) تعني ( أنا أحبك ) في اللغة الألمانية ، وضعها القاص عنواناً لقصة تكون مع مفتتح المجموعة وهي قصة (( أبو طير )) محاورة للآخر البعيد إن صحت التسمية وأعني به المنتمي الى الحضارة الأوربية ففي قصة أبو طير يتضح الفعل التدميري لأهداف الشخص الذي يتقنع بالتقوى والورع في محاولة منه لجذب أبناء القرية الذين يجدون فيه منقذهم ومخلصهم من آلامهم وأحزانهم وحين ينجح في كسب ثقتهم يفاجأهم بطلب يعد تهديداً لوجودهم الديني والاجتماعي وهو تهديم مرقد الرجل الصالح ( أبو طير ) الذي نالت قرية ( ذيبين ) بركات هذا الرجل الصالح الذي اقترن وجوده الروحي بينهم بالطير الذي يقف على قبة ضريحه ليغرد بأصوات غريبة مزدوجة بين تغريد البلبل وزقزقة لعصافير ، وتحمل هذه البنية دلالة النقاء والفأل الحسن الذي يعكس صلاح الرجل الصالح ( أبو طير ) الذي اتخذ هذه الكنية من خلال فعل الطير القرين به ، لذا يعد هذا الطلب ( إزالة مرقد الشيخ أحمد أبو طير ) إزالة لثوابت أبناء القرية التي تكونت نتيجة بركات الشيخ أحمد .. وما الرجل الطيب الذي ( يجتمع الناس حوله فيسمعهم جديد كلام يبهرهم ، مؤججاً خيالاتهم ، رسم لهم مسالك وقلاع ، جنائن وفراديس ) .... النص ص17 سوى دخيل توضحت أهدافه ومراميه من خلال الرؤيا التي إجتاحت أبناء القرية ، ظهر فيها الشيخ أحمد وهو يذكرهم بطيب أفعاله على أبنائهم واجدادهم ، مما جعل أبناء القرية ينتفضون مشككين بامر ( الرجل الغريب ) .. وقد إقترنت دعوته لازالة ضريح ( الشيخ أحمد ) بظهور غراب على منارة الشيخ بدلاً من الطير الجميل الذي إعتادوا رؤيته وسماعه ، وهي دلالة على الدعوة الشيطانية للرجل الغريب ، وقد كان من نتيجة لتلك الرؤيا أن اتجه أبناء القرية الى بيته ليجدوه فارغاً إذ ولّى هارباً وأبصره البعض من أهالي القرية بمظهر لا يأتي على البال قطعاً ( أبصروه متجرداً من ملابس التقى ومظاهر النقاء ومرتدياً بنطلون جينز وقميصاً تشابكت فيه ألوان فائرة اتخذت شكل أفاع ملتوية ومطوية ومتشابكة تصاحبه فتاة شقراء صعدا سيارة جيب كانت متوارية في بيت مهجور وأنطلقا باتجاه الشمال ... ص21 ).
ان البنية الدالة المستخلصة من هذا النص هو تثبيت التصور الكامل والمفهوم الراسخ في أذهان السارد بالسعي الشيطاني للآخر ( الاوربي ) في ازالة الثوابت المبدئية والأصيلة الراسخة في مشاعر أبناء القرية ... أما على مستوى السرد ، فان القاص قد استخدم اسلوب السارد الداخلي والسارد الخارجي ، وقد لجأ القاص الى هذا الاسلوب لعدم معرفة السارد الخارجي لتفاصيل الحوادث التي اخذ ( حميد الباش ) مهمة سرد لما جرى للرجل الغريب وموقف أبناء القرية وتتضح صورة الآخر في هذا النص مقدّرة المفهوم السائد لدى الشعوب في وسائل وطرق الآحتيال التي يعتمدها المستعمر لزحزحة الثوابت والاصيلة لدى الشعوب ، وبذات الاتجاه في تخليق صورة للآخر ( الغربي ) ، بحدود ظهور بنية الآخر في البنية الاجتماعية ( اليمنية ) ، الا ان هذا الآخر في قصة ( ايش ليبه دش ) يحوز على الانبهار من قبل افراد المجتمع الذي يظهر فيه ذلك الآخر .. فهو مدهش ومثير للتأمل دائماً ممثلاً بشخصية ( لورا ) الممرضة ضمن الكادر الصحي الالماني في قرية ( ذيبين ) والتي استحوذت على اهتمام الطالب ( حيران ) ( آه .. ايتها الغريبة ! أنت تقودينني الى الجنون ... ص39 ) وقد كرس السارد بنية الحب بين جبران ولورا بدلالة على امكانية تبادل المشاعر الانسانية بين البشر وان كانوا ينتمون الى بنى اجتماعية وحضارية مختلفة ، الا ان هنالك توجس وخوف من نتيجة تلك العلاقة بفعل المتغير في وضع الآخر وعدم الاستقرار مما يؤدي الى التهديد المستمر لهذه العلاقة بفعل عوامل التغيير وعدم التكافؤ فضلا عن ان تلك العلاقة قد قامت على الانبهار فقط لافتقاد ( جبران ) الاثارة في نساء قريته ، الاّ أن تلك العلاقة التي تطورت الى الالتحام الجسدي بينهما أثناء السفر الى جبل ( ظفار ) كانت محكومة بالانتهاء في أي وقت وذلك لمعرفة ( لورا ) بأن إقامتها في القرية لن تطول وسوف يأتي الوقت الذي تسافر فيه الى مكان آخر ، لذا فان العلاقة كانت علاقة مؤقتة بالنسبة الى ( لورا ) وطويلة الأمد بالنسبة لـ ( جبران ) في حالة وجود ( لورا ) أو عدم وجودها وهذا ما كان يخشى منه ، فبعد سفر ( لورا ) ظل جبران منشغلاً فيها .. وقد دفع ثمن ذلك الانشغال بانسحابه الى داخله قاطعاً الصلة بمن حوله ، وقد استطاع السارد من خلال طبيعة هذه العلاقة أن يرسم صورة ( الآخر ) الغربي في علاقته المؤقتة والعابرة الغير ممتلكة الأفق المستقبلي لهذه العلاقة التي غالباً ما يضعها في إطار المنفعة الخاصة ، دون الاعتناء والاهتمام بالطرف الثاني .
في الوقت الذي طرحت فيه قصتا ( أبو طير ) و ( اش ليبه دش ) صورة الآخر الأوربي تحديداً ، فان قصص المجموعة الأخرى قد حاولت الاقتراب من تفاصيل الانساق الاجتماعية الفاعلة في بنية المجتمع اليمني وبشكل خاص تلك التي تمثل الموروث الديني والاجتماعي ( القبلي ) ، كما في قصة ( تضرعات واعدة ) يتخذ السرد مساراً يؤكد القوة الروحية ويقينية الخطاب الديني في ادامة حياة مجتمع ((ذيبين )) الذي يعاني من الجفاف والقحط ولعدم سقوط الأمطار لمدة استمرت ثلاثة أعوام إلا أن الأمل لا يزال مستقراً في الصدور المطمئنة والمؤمنة مجسداً في صوت ( حورية ) :
( ولا شيء : لا شيء البتة ! . نجد ان اليقين لا يموت ، لا يمكن أن يموت ، صحيح ظل الجفاف مستمراً لثلاثة أعوام ، وها هو العام الرابع يدب بأيامه البخيلة إلا أن للأمل بقايا ، ما مات نبت إلا وخلف بذراً .. ص22 ) ، وتكتسب صورة الجدة ( حورية ) وهجها الايماني من التقاطع الحاصل بين حالة اليأس والقنوط التي تتلبس أهل ذيبين وحالة الأمل الذي يملأ صدر ( حورية ) ، ولعل دلالة اسم الجدة يضيف وهجاً آخر الى الصورة التي يرسمها السارد لهذه المرأة .. ( ان ايمانها شفيف لم تمسسه شائبة سنواتها المتراكمة قضتها مؤمنة ، موقنة بالخير تحنو على الصغار وتطمئن الكبار ، النساء يقصدنها في جل مواقفهن العسيرة ، ويخرجن بنفوس مطمئنة .. ص29 ) ، اذ يشكل هذا الوصف للجدة ( حورية ) معادلاً للآثام والقنوط والحيرة التي تسكن صدور أهل ذيبين الذين وجدوا في ( حورية ) ملاذ الشفاعة والاطمئنان ، وفي ليلتها الأخيرة التي قضتها في قراءة القرآن ، هطل الغيث صوب السهل المنحدر اسف جبل ( كحل ) وحورية ( تسمعها اللحظة هادرة فتستحيل القراءة عندها الى ترتيل يعلو شكراً مسموعاً تبثه في فضاء غرفتها الضيقة لتسمع أعداد الملائكة غير المرئيين حولها ، السماء تجود بما حملت ... ص29 ) وفي الصباح توجه أهل ذيبين الى دار حورية التي وجدوا بابها وارباً ، وهالهم مشهد الجدة وهي متكفئة على القرآن المفتوح مغمضة العينين ، لقد شاء السارد أن يعلق صورة الجدة عند لحظة استجابة السماء لتضرعاتها لتظل رمزاً للخير والعطاء .
وفي قصة ( احتراقات صامتة ) تتوضح صورة المرأة المسلوبة الارادة المغلوبة على امرها وعدها ضحية لثوابت المجتمع البطرياركي ( الابوي ) الذي ينطوي على كبح رغبات المرأة وطموحها ، اذ يرسم السارد صورة ( لفاطمة ) بطلة حكايته وعالمها الذي تعيشه ( السنوات الثلاث منذ رحيله قضتها لا تعرف سوى الارض وصريف العنب والذرة التي تزرعها في الارض الوسيعة ، والولدين اللذين أتعباها كثيراً بحكم حاجتهما للاهتمام ... ص45 ) ويشير هذا المقطع الى الوضع الاجتماعي الذي تعيشه فاطمة ، فهي أرملة منذ ثلاث سنوات وتقوم بأعباء العمل الزراعي ، الاهتمام بولديها ، دون أن تهتم بشيء آخر حتى نفسها ، واذ يبدأ السارد من حيث تنتهي حكاية ( فاطمة ) ،اذ تشكل هذه النهاية الصورة الكاملة لها ، بعد تزويجها لرجل تستطيع الافصاح لوالدها بعدم رغبتها الزواج منه ، فلا تملك الا الاذعان لأمره فتزويجها منه ( لماذا يحرمها ؟ ثم لم يسألها الرأي ؟ ، توقفت فتأست وهل كان لأختيها الكبيرتين رأي من قبل ؟ ... ص47 ) وذهب حلمها بالزواج من (خارف) أدراج الرياح بعد رفض والدها تزويجها منه ، واصراره على تزويجها من ( عبد الله ) الذي يكبرها بأعوام كثيرة ، وسرعان ما داهمه مرض خطير لم يمهله طويلاً فرحل مخلفاً وراءه صبيين وامرأة كسيرة القلب ، ويستمر السارد في توضيح تفاصيل الصورة التي رسمها في مفتتح القصة فبعيد محاولة ( خارف ) للزواج منها بعد أن تزوج من امرأة أخرى أنجبت له ثلاثة أولاد .. إلا إنها ووفق وضعها الحالي ، لا تملك إلا أن تقنع وترضى بما حصل لها لتبقى مع ولديها والأرض الواسعة مستسلمة لأحلام يقضة تراودها وهي تدس جسدها في فراشها كل ليلة .. هي كل ما تملك من عنفوان الصبا ، لقد تمكن السارد من رسم الملامح النهائية المتكاملة لصورة ( فاطمة ) المستلبة ، وتعريف المتلقي بمعاناتها في مجتمع تسود فيه مفاهيم المجتمع الذكوري وعدم إحترام المرأة ورأيها خاصة في القضايا التي تهم حياتها المستقبلية ، وفي الزواج تحديداً .
أما صورة المرأة ( الأخرى ) فقد كوّن تفاصيلها السارد ضمن قصتين ( عبير الحلم ) و ( مساء الاحتراقات ) وتبدو العلاقة بين القصتين واضحة ، فـ ( عبير ) العاملة لمتجر لأدوات التجميل والتي وجدت في السارد وصديقه نافذة انسانية تشعرها بوجودها الانثوي من خلال الاهتمام بها وفضح مشاعر الهيام والشوق التي كانت بحاجة اليهما من أبناء جلدتها والعمال الذين يعملون معها والذين كانت بنية التقاليد الاجتماعية الموروثة عائقاً أمام الافصاح عن اعجاب أي أحد منهم بها وبالتالي الزواج منها كنهاية لأي علاقة في مجتمع منغلق كمجتمع ( تبور ) الذي يرفض وبعناد التقرب العاطفي منها .. الذي يعد افساداً لها ، اذ كثيراً ما كان العمال يسمعوها التقريع بقولهم ( لماذا تدفعان بها الى الهاوية ، لقد كانت أمهر وأشطر بائعة هنا وكنا حريصين عليها كحرصنا على جوهرة غالية ، ان لها أهلاً ينتظرون ومستقبلاً تبغي بناءه ... ص61 ) ...
الا أنهم وبنفس الدوالفع لا يجرأون على التقرب منها لكسب ودها العاطفي أو اختيار أحدهم لها كزوجة ، الا أنها تندفع اتطريز علاقتها بالسارد وصديقه برغبة مناكدة وعناد العمال ولا تخفى ذلك امام صديقيها اللذين يجدا في الاستمرار بالحضور الى المحل لرؤيتها سبباً لطردها من المحل وبالتالي فقدانها لعملها فيقرران عدم التواصل وانهاء العلاقة من قبلها وعدّها جرحاً في كبريائها وكرامتها وهو ذات الموقف الذي اتخذته ( منى ) حبيبة ( مراد ) في قصة ( مساء الافتراقات ) بعد يقينها بانه كان حريصاً على اللقاء بها في متجر ادوات التجميل ليغرز عينيه في عيني ( عبير ) كأنها صومعته الروحية على أن تفاصيل الصورة تتضح من خلال رسالة ( منى ) الى ( مراد ) ...
فالسلوك الذي كان يقوم به ( مراد ) في المتجر لا يختلف عن سلوك زوج ( منى ) وعدته عبثاً مقصوداً بأعصابها ، ( رأيتك تعد خطيئة زوجي لترسم لوحة تتنافر الوانها وتسيل لتفتح نافذة قاتمة تصل بؤرة الضوء المنبعثة من حي زرعته لك على تخوم القلب .../. ص76 )
وبهذا تنغلق صورة المرأة في القصتين على علاقة عابرة لا تملك مقومات ديمومتها واستمرارها لأسباب تعود الى ضعف التعالق الاجتماعي بين الأطراف فضلاً عن وضوح بنية الاغتراب وما تؤول الى اقامة اسوار الحذر والترقب في ذلك التعالق ...
وتنفرد قصة ( تحت غيمة النسيان ) في تكوين صورة الزاهد ( سرحان ) من خلال الولوج الى عوالمه الداخلية والتقرب الى خلجاته النفسية التي يفصح عنها بخوف وقلق ( ومن يقلق عليك ، يا سرحان ؟ ... ص54 ) فهو بلا زوجة ولا ابن وابنة ، واهباً حياته لأهل قريته ، الا ان تلك الخلجات تنتابه حين يوصد عليه باب غرفته ليظل وحيداً يدس جسده تحت الغطاء ، ليعاود في اليوم التالي مهمته في اسعاد الناس ..
ان السارد يقدم في هذه القصة النوازع الطبيعية للانسان كما هي .. الانسان الذي يرغب ان يعيش كالاخرين على الرغم من تبتله .. ( شعر ان شيئاً كالنشيج او النحيب شرع يتفاقم في صدره ... ص54 ) .
• البناء الفني للسرد :
تنقسم مهمة السارد في قصص هذه المجموعة الى قسمين سارد ذاتي وآخر موضوعي ، فقد كان السارد عليماً ذاتياً في القصة (ICH LIBEBE DISH ) و ( عبير الحلم ) و ( مساء الاحتراقات ) اذا كانت التجربة المقدمة في هذه القصص تجارب ذاتية عاش احداثها السارد العليم ، وقد اتضح البناء الفني في قصتي ( عبير الحلم ) و ( مساء الاحتراقات ) بشكل قرّب المسافة بين التجربتين حتى بدتا وكأنها قصة واحدة بجزأين ، وعلى الرغم من هذا التداخل الفني الجميل ، الا ان القاص قد تمكن خلق استقلالية التجربتين ورسم ملامح صورة المرأتين ( عبير ) و ( منى ) بقدرة سردية مؤثرة .
أما السارد في القصص الأخرى فقد كان سارداً موضوعياً خارج المسرود ، الا أن المؤلف الضمني أو الراوي الضمني كان حاضراً من خلال اختبار الابطال كنماذج انسانية مدهشة بتفاصيل حياتها ومواقفها ، ليتمكن من رسم ملامح صورهم يقدم شخصيات أخرى ( عربية ) أو ( عربية ) تبتعد او تقترب من البنية الفكرية والنفسية للقاص الذي حرص ان تكون احداث جميع القصص منتمية الى مكان آخر غير مكان انتماء السارد ، أعتمد القاص لغة فنية متقدمة لا تخلو من الشعرية أسهمت في تخليق الخطاب الفني للسرد ، وقد تمثل ذلك في بناء الصورة السردية الموحية وفق بناء شعري باستخدام الفنون البلاغية من استعارة وتشبيه ومجاز وعلى مستوى اغلاق بناء صورة الآخر قد كشفت آليات تحليلنا للقصص عن اكتمال البناء الختامي على انهاء لعلاقة السارد الذاتي بالطرف الآخر ( عبير الحلم ) و (مساء الاحتراقات ) و (ICH LIBEBE DISH ) وكذلك بناء الصورة التي توضحت لـ (فاطمة) في احتراقات صامتة ) وموت ( حورية ) في ( تفرعات واعدة ) وهروب الدخيل في ( أبو طير ) ...
وقد تمكن القاص زيد الشهيد من تقديم تجربة جميلة على كافة المستويات البنائية والمضمونية ، حازت على قواسم مشتركة تعبر عن تجربة خارج مكان وزمان القاص متخذة صفة الآخر القريب والبعيد على حد سواء موضوعاً لها.



#عبد_علي_حسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تجريبية النص المفتوح ( نص دائرة الاحتواء للشاعر ولاء الصواف ...


المزيد.....




- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد علي حسن - صورة الآخرفي مجموعة (إش ليبه دش ) للقاص زيد الشهيد