أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حاتم جعفر - بأنتظار كلكامش















المزيد.....

بأنتظار كلكامش


حاتم جعفر

الحوار المتمدن-العدد: 2565 - 2009 / 2 / 22 - 05:02
المحور: الادب والفن
    



ستكون وحيدا في الحانة يا جلجامش فقد رحل صنوك الأبدي انكيدو الى العالم الآخر, لاتدع اللوعة تأخذ منك مأخذا فملؤ المدام لن ينجيك شر التذكر, وقضاء الامر لم يكن بأمر من تلك الافعى, ومحاولة الخلود ضرب من الوهم ليس الا, ربما تلتقيان في وقت ما وفي ملحمة أخرى, واحسب حسابك انك فعلت ما استطعت عليه, فلا من عتاب ولا من ملامة, ويكفيك انك تركت لبني رافديك صدق العلاقة بين الاخوة, كذلك روح التصدي والتحدي, ولم يفك من عضدك صعوبة الطريق ووعورته, فأشرب نخب صاحبك ونم قرير العين وهنيئا لك حلمك الوردي.
لسنا هنا امام اعادة النظر او اعادة قراءة ما احتوته الملحمة فهذا أمر مفروغ منه وقد سبقنا في ذلك الاقدر والاجدر, غير اننا سنحاول ما استطعنا وبشكل خاطف نحو ما يمكن استنباطه من هذا النص, هما قضيتان اساسيتان حسبما نرى, وهما قضية الوفاء للآخر, و أي آخر, والمعني هنا هو من انتقل اليك وجعه دون ارادة منك وربما تسلل وأخذ منك على حين غفلة او أقضى مضجعك, فالاحاسيس الانسانية لا تأتي بالمصير المشترك فحسب وانما يكون وقعها عليك أشد مرارة من صاحب العلة.
والأمر الثاني وهو بيت القصيد, فكرة تنقل او انتقال العراقي الاول من مكان الى آخر. فعلى مر التأريخ وتقلباته وتغيراته لم تستهويه بلادا غير بلاده, لذلك ثبت على مسقره من المهد الى اللحد, وما حدث لجلجامش لم يكن غير محاولة بطولية قام بها من أجل انقاذ رفيق حياته أنكيدو. وقد يضن البعض ان مسعى البحث عن نبتة الخلود أو أكسير الحياة قد أدت بصاحبنا أن يذهب بعيدا بعيدا, غير ان الامر ليس كذلك فلم يتعد في رحلته الا مسافات لايمكن قياس بعدها بحجم الرحلات التي نعيشها في زمننا الراهن ولكنهم اعتقدوها نائية وهذا شأن مفهوم وبديهي فالعالم لم يكن بالنسبة للاولين غير بلاد واحدة متباعدة الاطراف.
ومن بداهة القول فأن العراق وعلى مختلف العصور والحضارات التي مرت به, قديما وحديثا, وبسبب من الخيرات التي كان ولا يزال ينعم بها والتي هيأت بدورها كل المستلزمات الضرورية للبحث والمعرفة وما حبته الطبيعة من نهرين عظيمين ومن موقع جغرافي فريد, منحته وضعا ومكانة, جعلته يتربع عرش التمكن والقدرة على الابداع والعيش الرغيد. ولكل الاسباب الانفة لم تجعله مركز استقطاب عالمي وقبلة لمجاميع بشرية معروفة آنذاك فحسب وانما مكانا مكتفيا ومغريا لاستقرار ابناءه, مما قادهم الى عدم التفكير كذلك على مغادرته. ولأن ارضه مقدسة فكانت حتى كلاب بابل محرم قتلها فكيف بالبشر.
ومثلما لشعوب العالم من سمات وصفات وطباع عامة, فبالتقادم وبتناقل الخبرة والتجربة ومن جيل الى جيل, فقد استقر في اعماق وقاع الشخصية العراقية وفي ركن اساسي منها مايمكن ان يتميز بها هي عدم الميل وعدم الرغبة على مغادرة المكان الذي اعتاد عليه وتأقلم فيه. وأزاء هكذا حال فلا بد له من ان يصنع بدائله المقنعة والضرورية التي تجعله مكتفيا بما لديه ومستغنيا كذلك عن فكرة الانفتاح, وربما اعطت هذه الارادة للعراقيين القدامى زخما اضافيا في تدعيم قدراتهم الشخصية وفي الاعتماد اكثر على امكانياتهم الذاتية. (وكي لاتفهم خطأ هذه الفقرة فينبغي اعادة التأكيد هنا ان الكلام بأجمعه وبحصيلته النهائية سيكون بعيدا عن ثورة الاتصالات والعلوم الأخرى الحاصلة في الوقت الحاضر والتي فتحت اركان العالم الجديد على مصراعيه ليكون صغيرا جدا والى المستوى الذي جعل اخباره وتطوراته في متناول الجميع).
وتأكيدا على ثباته واستقراره, فلا زال العراقيون يجدون صعوبة بالغة امام فكرة التنقل بين مدينة وأخرى بل حتى بين حي وآخر, غير ان تطور الاحداث وصعوبات الحياة وخاصة في العقود القليلة المنصرمة وما رافقها من حصار وجوع وحروب وديكتاتورية حكم واحتلال غاشم وما ترتب عليه من غياب كلي لمؤسسات الدولة وبشكل خاص الامنية منها, كل هذه الاسباب فرضت على الاكثرية منهم ما لم يكن في وارد تفكيرهم على الاطلاق, فكان من نتيجته ان اجبروا على الترحال ومغادرة الوطن, بحثا عن مكان آمن, يوفر لهم الكرامة والعيش الرغيد ويحفظ لهم أعز ما يملكون, خاصة بعد ان أوصدت كل الابواب في وجههم ولم تعد للمواطنة والحقوق الطبيعية لبني البشر اية قيمة تذكر.
غير انهم لم يعثروا على ضالتهم في بلاد الغربة, خاصة وان فترة بقائهم الاجباري قد طالت بشكل واضح وغير محسوب له حساب, ولم يعد بالامكان مجاراة متطلباته ومستلزماته, مما ادى الى ظهور الكثير من المتاعب والصعوبات, ابتداءا من الاوراق الثبوتية وخاصة حيرتهم في وثيقة السفر وبين اعتماد الدول المضيفة الفئة أس أم الفئة جيم, والاخطر من ذلك طبيعة التعامل السلبي الذي كانت تتلاقاه على يد مواطني دول الاستقبال واشعارهم بأنهم باتوا يشكلون حملا ثقيلا لم يعد يحتملونه.
الخوض في هذا الموضوع اصبح مألوفا, وقد يراه البعض ممن لا يريد حلا جذريا وانسانيا, ممجا وسمجا, خاصة من قبل اولئك الذين تربعوا على عرش المواقع والمناصب الرسمية التي هيئها لهم الاحتلال مزيحين مقابل ذلك كل الكفاءات والعقول العراقية الكفوءة والمشهود لها والذي ادى بدوره الى خلق حالة من الفوضى في مؤسسات الدولة والى هدر اموالا طائلة, بين السرقات الكبرى وبين سوء الاستخدام والتصرف والامثلة على ذلك عديدة, ومن محاسن الامور ان بدأت بعض الاحزاب الحاكمة بالاعتراف بحجم الاخطاء التي وقعت وفداحتها, مبررين ذلك في وقوعهم تحت ضغط الابتزازات والتهديدات , المتعددة الاطراف والاقطاب.
ورغم الحملات الانسانية التي تقوم بها بعض المنظمات العربية والدولية المختصة كالصليب الاحمر والهلال الاحمر وغيرهما من الجهات المماثلة والتي تقوم بتقديم مختلف اشكال الدعم والخدمات والتسهيلات لعشرات الالاف من اللاجئين العراقيين التي تضمهم بلاد المهجر الاضطراري ورغم كل الصيحات والنداءات التي تنشط بها وبأوقات مستمرة بعض وسائل الاعلام وخاصة العراقية منها, الا ان اجهزة الدولة العراقية المسؤولة لم تقم بأي جهد يذكر وبما يتناسب وحجم الكارثة التي تحيق بالعراقيين, مكتفين احيانا ببعض الوعود التي لاتغني ولا تسمن من جوع, ولولا تلك الحملات الاعلامية المنظمة التي تنشط بها العديد من القنوات الفضائية الخاصة وتسليط الضوء على ما يمكن التقاطه وأبرازه وفضحه, لكان ما ينتظره عراقيو الغربة أكثر مرارة وألما.
واذا ما استثنينا تلك الحالات التي جرى رصدها فأن الغالبية الساحقة من العراقيين, سواء من كان في الوطن أو خارجه, يعيشون وضعا مأسويا قل نظيره في العالم اذا ما قيس بحجم الامكانيات الاقتصادية التي يتمتع بها العراق, والملفت للنظر تزايد حجم المعاناة التي تواجه الفنان والمثقف العراقي بشكل عام, وربما يكون مرد ذلك مستوى التحسس الذي يكابده الفنان ازاء معاناة أبناء شعبه وحمل هموم بلاده على كتفيه في حله وترحاله.
وأخيرا ان كان المعنيون من الطبقة الحاكمة غير مؤهلين لأنقاذ وانتشال العراقيين مما هم فيه ومن مال العراق واهله فليخلوا اماكنهم بأنتظار كلكامش فهو الاجدر والاحرص على انقاذ اخوته.

حاتم جعفر- السويد



#حاتم_جعفر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بعيدا عن الركن الهادىء
- حدوته امريكيه
- مآل الابن الضال
- يا اعداء ( الفدرالية ) اتحدوا
- الحقيقة المرة


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حاتم جعفر - بأنتظار كلكامش