أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - مريم أبو دقة - تاريخ ناصع وذكريات مؤلمة















المزيد.....

تاريخ ناصع وذكريات مؤلمة


مريم أبو دقة
القيادية في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين


الحوار المتمدن-العدد: 2563 - 2009 / 2 / 20 - 03:33
المحور: سيرة ذاتية
    


تاريخ ناصع وذكريات مؤلمة
اليوم أستذكر تاريخ مجد وصفحة بطولات. ذكريات بلا حدود تلتف تعانق صاحبة القلب النابض .ز ثابتة الخطوات الأم الصامدة ، البطلة ... هي البطلة التي تعطي بدون حدود وتعض علي الجراح لتكمل المسيرة.. وهي البحر الذي لا حدود له وهي العالم بلا نهائيته ...
منذ الغزوة الصهيونية البشعة علي ترابنا الحبيب انتصبت المرأة الفلسطينية جنبا إلي جنب تقاوم وفق ظروفها وإمكانياتها تبيع حليها لشراء باروده لزوجها لمقاومة المحتل .. أو انخراطها المباشر في العمل النضالي وبكل الأشكال وإضافة إلي ذلك كانت علي جبهة العناية بالأسرة وتربية الأطفال وقود الثورة وعمادها وشكلت جمعيات وأطر من خلالها قامت بواجبها تجاه قضية شعبها إلي أن التحقت بشكل منظم في فصائل العمل الوطني عام 1965 من خلال م.ت.ف وفصائلها المقاومة وعبر الإتحاد العام للمرأة الفلسطينية كقاعدة من قواعد م.ت.ف الأساسية.
ـ في عام 1967م دشنت المرأة عهد جديد في التصدي لقوات الاحتلال علي إثر احتلالهم باقي فلسطين
( الضفة الغربية وقطاع غزة ) وبذلك استكمل الاحتلال سيطرته واحتلاله لكامل التراب الوطني الفلسطيني .
لم تكن المرأة محايدة في الصراع مع الاحتلال بل كانت في قلب المعركة الوطنية ووقودها المتوصل فانخرطت مباشرة في المقاومة وأدرك الاحتلال خطورة هذا الدور ، فتصدي لها العنف وقسوة لا يضاهيها قوة .. وبدأ مسلسل الإعتقلات ، ولا أعلم لسوء حظي ، أو لحسنه كنت من أوائل الفتيات اللواتي طوردن واعتقلن عام 1968 وأبعدن قضاء فترة عامين في سجون الاحتلال عام 1970م ...
ـ اعتقالي كان في سن طفولتي المبكرة فلم يكن عمري يزيد عن الخامسة عشر عاماً ، ولكن السجن أنضج تجربتي ووسع مدار كي وضاعف عمري الزمني بكثير من الزمان .. وفي السجن وبمواجهة السجان أدركت أنني محظوظة لأنني تعلمت الكثير والكثير واشتد عودي رغم نعومته وعرفت المعني الحقيقي للحرية ... واكتشفت القوة الرهيبة التي كانت كامنة في داخلي والتحدي الذي تمتلكه المرأة الفلسطينية ، لم أكن وحدي ، كنت مطوقة بالأسيرات البطلات اللواتي سبقوني في النضال ، عائد سعد ، صبحيه سكيك ،نجوى البلبيسى ، أم محمد أبو كرش ، نهلة البايض ، خديجة الحلو ... كثيرات أبرزهم الأم الرائعة هانم المصري رحمها الله ... كل امرأة كانت قصة بطولة تبدأ ولا تنتهي .. لم أكن أتصور أنني في يوم من الأيام سأمتلك هذه القوة ، من جملة أطلقتها أمي وقت اعتقالي عندما طوق الجيش الصهيوني بيتنا .. وجاء أبي ليخبرني بضرورة المغادرة معهم وسيعمل ما يستطيع لإطلاق سراحي ... نهضت أمي وقالت لي : مريم.. أصمدي ..إياك أن تعترفي علي أحد من رفاقك .. إذا اعترفتي ستكوني خائنة لشعبك وحينها لست بنتي ولن أعترف بك هذه جملة كبيرة ، عميقة .. ارتعبت كثيراً ورددت في داخلي لا بد أن أصمد رغم أنني لا أحتمل الألم .. لا جاسوسة لشعبي ؟ الموت أهون !! أصمدي مريم تذكرت جميلة بوحيرد ، تذكر عبلة طه، فاطمة برناوي ، رسمية عودة وقد سبقوني بالاعتقال .. وشعرت بقوة الجبل تدخل في أعماقي ، نعم أنا فلسطينية ، مقاومة لا بد أن أقهر الأعداء ... وفي لحظة التحقيق الأولي عندما حاول المحقق يضربني ويخيفني .. ستموتين في السجن .... لن تري أمك وأبيك ، لن تكملي علمك ، هنا في الزنزانة ستموتين دون أن تري الشمس ... اعترفي أحسن لك حتى تخرجي وتري الماما والبابا .. نظرت إليه نظرة حقد واحتقار لم أفعل شئ وعمادا أعترف ؟ وبعد عناء حاول فيه استدراجي .. أحضر قنابل وألغام وطلقات ووضعها علي الطاولة ، وقال لي ما هذا؟ .. قلت له : أمي لا تتركني ألعب علي المزبلة .. وكنت أستهبل عليه سألني كم عملية عملتي .. قلت له .. لم أدخل المستشفي في حياتي .. صحتي جيدة ..؟ هو لا يقصد ذلك وأنا أفهم المقصود ولكني هربت بالتورية ... شعر المحقق واسمه (شمعون / مصري ) أنني أهينه .. استهبله فقال منتفض وسألني ؟ ما هو أغلي شئ عندك ؟ قلت الله والوطن .. قال لي شرفك ليس غالي عندك ؟ قلت له شرفي هو أرضي .. صفعني بقوة ارتد رأسي بالحائط ، تطاير الشرار من عيوني ، لم أعد أري شيئاً فقط شعرت أنني مثل كرة تنتقل من حائط لآخر بين ركلات الجلادين الصهاينة لم أشعر بشيء سوى صوت أمي بقوة.. مريم أصمدي ... لا تعترفي علي أحد لا تكوني خائنة للشعب.
فقد إحساسي بجسمي وانطلق عقلي يفكر ماذا بعد ؟ كيف يجب أن أقهرهم واهزمهم ؟ وبعد ممارسة كل أنواع التعذيب ، نقلوني إلي السجن ، لم أكن أعلم أن هناك غيري.. كانت عائدة سعد وزميلاتها بانتظاري .. طلبوا مني أن أخلع ثيابي ... وسلموني ثياب السجن .. و3حرامات ـ قذرة مليئة بالماء ممزقة . لم أصدق عيني كيف يمكن أن أعيش في هذا الجو ولكني أدركت أنني بيد المحتلين ولا بد من صمود وعدم إظهار نقاط الضعف عندي ، طبيعتي مهووسة بالنظافة ، وكيف سأحتمل ؟ ولكن لابد من الاحتمال .. فهذا أيضا صمود .. ومقاومة نمت علي وجهي وسرحت عميقا .. أمي ستموت دون أن أراها .. وأبي .. ومدرستي .. طموحاتي لن تتحقق ... لا أريد البكاء أمامهم حتى لا أشعرهم بضعفي الإنساني .. منعوا الأسيرات الاقتراب مني باعتباري مجرمة لأنني لم أعترف ... فتسللت عايدة سعد وهمست لي بأذني .. أنا عائدة سعد .. وشعرت أنني أبكي : فقالت مريم .. تبكي!! قلت لها أخاف أن تموت أمي ويموت أبي دون رؤياهم .. فقالت لي مريم إذا لم نضحي بأمنا الصغيرة من أجل أمنا الكبيرة بمن نضحي ؟ قلت لها : صحيح ولكن لحظة إنسانية عابرة .. أوعدك لن أبكي مرة أخرى .
وهكذا بدأت مشواري مع زميلاتي تعرفنا على بعضنا البعض وفكرنا معاً كيف نقاوم السجان.. بإضرابات لتحسن حياتنا وظروفنا الصعبة ... بدأت أكتب لهم مذكراتهم في السجن وأنظم قصائد الشعر التي تحكي المعاناة .. تعرضنا للتعذيب ، وإعادة التحقيق ... وضعوا بيننا عصافير من النساء الساقطات ليتجسسوا علينا .. هجموا علينا وضربونا لكسر إضرابناً .. ولكن كل يوم كنا فيه نكتسب خبرة أكبر ، ونلتصق يبعضنا بعضاً أكثر وأكثر .. لم يكن بيننا أي تمييز .. كان السجن موحد ... فتيات الجبهة الشعبية وحركة فتح وطلائع المقاومة الشعبية لا أحد يسأل عن انتماء أحد .. كلنا مقاومين وعدونا واحد .. لحمة لا مثيل لها .. نعم هو درب النضال الحقيقي .. انتصرنا علي السجان فحولنا حياتهم إلي جحيم .. فقالت لي احدي السجانات أنتم أحراراً ونحن المعتقلين أنا أغادر ، وفي بيتي أفكر بالسجن ، وأنتم في السجن وتفكرون دائما بالحرية .. منعوني من الزيارة ستة شهور عقوبة لي .. لم يعلم أهلي أين أنا .. والدي لم يكن قادر علي زيارتي ... بسبب عاطفته الكبيرة .. لم يكن قادر علي رؤية ابنته خلف القضبان .. عملنا سبح من الزيتون وأرسلناهم لهم هدايا .. كانت مصدر الفخر بنا من قبل أهلنا ..
في المحكمة العسكرية التي عقدت لي مع معلقتين .. وضعوا معتقلين كأنهم دجاج في قفص... وضع لي أبي ثلاث محاميين وامتلئت المحكمة بجمهور من غزة .. المحامي ممنوع أن يتكلم ـ وجهوا لي التهم .. وطلبوا من أن أطلب الرحمة من الحاكم العسكري تحديت وصرخت بهم .. لا أطلب الرحمة الا من ربي .. لقد اشتقت لزميلاتي في السجن .. أنتم فاشيون من طراز جديد كيف تطلبون من طفلة مجردة من السلاح أن تحميكم من الفدائيين وأنتم دولة لها طائرات ودبابات .. أنا سعيدة إنني اعتقلت لأنني عرفتكم .. وأتمنى أن يمر بالتجربة كل أبناء شعبي ليعرفوا عدوهم .. أنتم تدعون أنكم تحموننا ولكنكم تقتلونا.. تدمروا حياتنا ومستقبلنا.. أنا لم أكن فدائية .. ولكن بعد الخروج سأكون لأناضل ضدكم لترحلوا عن أرضنا الخ........
ارتفعت معنويات جماهير غزة.. وانطلقت الهتافات وعلت الضحكة علي ثغر زميلاتي المنتظرات للمحكمة في القفص اللعين .. ونطقت المحكمة بالحكم ... وأمي أغمي عليها نظرت إليها وقلت لها أمي سنتان سيمروا بسرعة وسأعود إليك ، لا تقلقي.. وغادرت إلي السجن مرة آخري.
بدأت مرحلة جديدة بالسجن ومغامرات لا تنتهي ، ولا يتسع أي كتاب حمل هذا الملف ولكن بعد انتهاء الحكم خرجت من السجن وكان يوم مشهوداً .. احتفلت كل غزة به .. كنت كمن هو غائب عن الوعي .. كنت حزينة لأنني تركت زميلاتي ورائي .. وصوتهن يلاحقني مع السلامة يا مريم .. شوفي الشمس والقمر عنا .. تذكرينا الخ... لم يسمحوا لي أن أودعهن .. أو أحمل دفاتر ذكرياتي.. وفي الصباح الباكر ذهبت إلي مدرستي وهي في خان يونس .. كانت الساعة الأولي في المدرسة مخصصة لاستقبالي.. وفرح الأساتذة والطالبات ولكن .. جاء وقت العودة وكان يراودني إحساس غريب ....... قررت العودة سيراً علي الأقدام ، وكأني أريد أن أودع شوارع البلد وللأخر مرة ، المسافة بعيدة ولكن سرت مع مجموعة من صديقاتي .. قلت لهن أشعر بأني أودع الشوارع .. وما هي إلا لحظات تمر وفي مدخل قريتنا الجميلة ( عبسان الكبيرة ) لمحت حشد من الناس ينتظروني ليبلغوني بأن الجيش الإسرائيلي في بيتنا ويردون إبعادي عن أرض الوطن .. غادرت مسرعة للبيت وجدتهم يجلسون مع أمي.. وعندما دخلت قاموا وأخبروني بالأمر .. شعرت بالتحدي وقلت لهم : لعلهم يغيروا رأيهم .. سأعود لكم فدائية ، قالوا لي : ستنسي كل شيء.. هذه اللحظة كانت من أصعب لحظاتي لأنهم اعتبروني عنصر قلق علي قوات الاحتلال.
وبدأت الجماهير تتوافد علي بيتي للوداع .. كان الموت أهون علي .. ماذا سأعمل ؟ كيف سأحتمل ؟ أن أقتلع من أرضي .. من حضن عائلتي.. وأنا بأمس الحاجة لهم .. جرت كثيرا من الأحداث في هذه الليلة .. وبدأت أودع كل شي .. الشجر، الصور ، بقايا الذكريات ، البقرة الحلوب التي ترعرعنا من خيرها .. قطتي الجميلة .. عصافيرنا الشادية.. أزهار البرتقال والليمون .. إلي أن جاءت سيارة ملعونة تعلن لي الرحيل كأنها الموت المحقق .. صعدت إلي السيارة والتف عنقي باتجاه البيت والأهل وجفت الدموع لتتحول إلي حريق في داخلي ينتظر الانطلاق إلي جسر الأردن، وخطفني الرفاق إلي قواعد الثورة في الأردن .. في الكرامة.. ودير علا ، بعد أن مكثت 11 يوما بين الأردن و إسرائيل ممنوعة من العودة وممنوعة من الدخول .. وعندما رأيت سيارة المقاومة وعلم فلسطين .. صرخت قائلة : الآن خلقت من جديد .. الآن ... نسيت كل شيء وجاء الوقت للانتقام للشعب والوطن .. وللأهل ... وطويت صفحة وبدأت صفحة نضال جديد...
......انتـهـي.....

د: مريم أبو دقة
رئيس مجلس إدارة جمعية
الدراسات النسوية التنموية الفلسطينية



#مريم_أبو_دقة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة نسوية لنتائج الانتخابات التشريعية الثانية - فلسطين


المزيد.....




- قصي خولي في أول تجاربه بالدراما التركية المعربة مع ديمة قندل ...
- هل يمكن أن تستهدف إيران منشآت النفط في الخليج إذا تعرضت لهجو ...
- كيف يبدو مستقبل علاقة دول الخليج مع إيران؟ علي الشهابي يجيب ...
- -حزب الله- يقصف قاعدتين إسرائيليتين في الجليل والجولان السور ...
- أوباما يلقي بثقله لدعم حملة هاريس
- -ميتا- تكشف عن أداة ذكاء اصطناعي تنتج مقاطع صوت وصورة
- جونسون: عثرنا على جهاز تنصت في حمام مكتبي بعد زيارة نتنياهو ...
- حسن نصر الله.. هل دفن جثمان الأمين العام لحزب الله سرا؟
- هاشم صفي الدين.. أنباء عن استهداف إسرائيل للخليفة المحتمل لن ...
- أسعد درغام في بلا قيود: رفضنا منذ البداية جبهة الإسناد ووحدة ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - مريم أبو دقة - تاريخ ناصع وذكريات مؤلمة