إلا ما شاءت الفيزياء يا صديق ..

طلال احمد

الحوار المتمدن-العدد: 2566 - 2009 / 2 / 23 - 07:39
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    

كنت أسير برفقة احد الأصدقاء .. وكان المكان حولنا يصرخ بضجيج السيارات المسرعة والطائشة ..
وكان حينها صديقي يعبر الطريق بعبثية وتهور شديد وساذج .. أخبرته إن يتمهل ويتوخ الحذر ..
حينها رد علي قائلاً بابتسامة مؤمنة .." يا طلال لا يصيبنا إلا ما كتب الله لنا .. ثم كل شيء مكتوب لك وخاصة ما يتعلق بالموت والحياة .. فلن يصيبنا إلا ما شاء الله .. "
أخبرته حينها " لما لا نقول مثلاً إلا ما شاءت الفيزياء ؟؟ وخاصة في هذا الموقف او السياق الذي نحن فيه "
سألني "ما الذي اقصده ؟.."
أخبرته "بأن الفيزياء وغيرها من العلوم تخبرنا بقوانين كثيرة منها قوانين السرعة وقانون القوة والسببية والنسبية وردات الفعل وغيرها من القوانين التي يمكنك استعمالها في حالة عبور طريق ما او ممارسة سلوك ما – مادي – بالدرجة الأولى ..
أنت باتكالك هذا تلقي كل قوانين الحياة والمفاهيم التي درستها وعلّمتها لك الحياة لتحافظ على نفسك وتمارس سلوكك في عالم المادة هذا والذي لا يعترف كثيراً بتهورك الميتافيزيقي هذا .. الأمر ليس بهذه الاتكالية العمياء التي تهرج بها يا صديق .. ولو كان الأمر كذلك لما كان من الداعي أن نتعلم وتعلمنا الحياة شيء .. لو كان الأمر كذلك سألقي - كل كتب الفيزياء والرياضيات والعلوم التي تُعلمنا العبور في هذا الواقع المادي .. كل تلك المفاهيم من سببية ومن احتمالات ومن استنتاجات ومن قوانين السرعة والقوة والتوازي والتجاذب والتصادم والاحتكاك والاندفاع وردات الفعل وغيرها من القوانين والمفاهيم – سألقي كل ذلك خلفي وامشي مغمض العينين على بركة السماء"..
ثم ابتسمت له ضاحكاً وطلبت منه أن يثبت لي قوة إيمانه ويغمض عينه ويمشي الطريق المزدحم ما دام كل شيء مقدر ومكتوب .. ولن يكون ذنبه ان يصدم اليوم او يموت اليوم بل سيكون مساهم في تحقيق قدرة المكتوب مسبقاً .. ودفعته ممازحاً " هيا هيا اعبر فكل شيء قد قدر وكتب لك "
ضحك واخبرني قائلاً " الأمر ليس بهذا العبث "
فرددت عليه وقلت "وهو أيضاً ليس بمثل عبثك الذي بدأت به .. ولست الوحيد الذي قام بتفسيره لي او إبرازه لي بنفس طريقتك الأولى الغير منطقية .. بل اني أجد من الناس تتغير ملامحه حين تعترض على قصة شخص أصيب بحادث بقولك لولا سرعته وتهوره لما أصيب بأي ضرر .. فيلتفت إليك مكشر الوجه وينظر لك نظرة مستنكرة .. ويقول " استغفر الله .. يا أخي هذا شيء مكتوب له ولا يمكنه الهروب منه .. سوى أسرع او لم يسرع .. قدر الله وما شاء فعل .."
(( متناسياً كل ما درسه في المدرسة والجامعة والحياة من مفاهيم تشكل معظم ما يحدث في عالم المادة ))

هكذا يختمون أحاديثهم ومشاكلهم وكل ما يقع عليهم حتى وان بلغ درجات عالية من المأساوية ..فلا يترددون بأن يلقوا كل مشاكلهم وأخطائهم وإهمالهم وتهورهم ومصائبهم على القدر وعلى الله .. دون التعمق والإيمان بالقانون الطبيعي والمشيئة الطبيعية أولاً ..
فذلك يقول عندما يشاهد أخوه مقتولاً بطريقة بشعة بحادث او لسبب ما معروف ومبرر .. الله كتب وقدر ذلك .. وتلك تتزوج رجل بقدر جدها ويحملها العذاب ثم العذاب وتقول الله كتب ذلك .. "مقدر ومكتوب وقسمة ونصيب .! " وكأنها تقول الله قسم لي هذه القسمة الظالمة في الحياة؟؟ .. إلى أخرها من الأحداث التي استغرب كيف تلقى على الله ورغبة الله والى المشيئة الميتافيزيقية البعيدة عن واقعنا المادي الذي نعيشه ويجب أن نؤمن به لنستطيع عيشه والتكيف معه او حتى التغلب عليه ..


ونحن نسير قلت لصديقي " بمشيئة الفيزياء وتكالنا عليها سنصل إلى المكان المحدد سالمين " وضحك صديقي وهو يخاف ان يشاركني الإثم بضحكته بسبب هذه المقولة ..

ملاحظة : لا يشترط الاتكال على الفيزياء فقط في الحياة .. فكل ما نتعلمه هو مادة معرفية يمكننا الاتكال عليها في عبور هذا الواقع وممارسة حياتنا عليه بشكل سليم يسايره بل ويتغلب عليه ..

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل