أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالوهام سمكان - حوار مع الكاتب و الشاعر المغربي عبد الوهام سمكان















المزيد.....


حوار مع الكاتب و الشاعر المغربي عبد الوهام سمكان


عبدالوهام سمكان

الحوار المتمدن-العدد: 2555 - 2009 / 2 / 12 - 08:29
المحور: الادب والفن
    


الكاتب و الشاعر المغربي عبد الوهام سمكان:
أجرى الحوار: سفيان حكوم*
- إننا أبطال عميان في عتمة قدرية ....
- لكل نص نار ينبثق من رمادها. الكتابة هي طائر الفينيق الحقيقي، هي الحياة بعد الموت.
- جاء الشاعر محمد الأشعري إلى وزارة الثقافة و تلته الممثلة و الرائدة المسرحية ثريا جبران، ورغم هذا لا نتنفس هواء نقيا. هذا أشبه بطعنة من الخلف وُجِّهَت إلى الثقافة المغربية و إلى المثقفين المغاربة و إلى الشباب المبدعين في هذا الوطن.
- و اقعنا اليوم منفتح على العالم حتى درجة التشوه، مثلما هو منفتح على الماضي بنفس الدرجة أو أكثر أو أقل! فلماذا لا ينفتح إنتاجنا الرمزي؟

لا يمكن للشخص وهو يجالس القاص و الشاعر المغربي عبد الوهام سمكان ليحاوره أن لا يشعر بتجربته الحياتية القاسية، فهي منثورة على سحنته،في غضبه العصبي، على يأسه المشحون في كلماته و حركاته. عرفته قبل أزيد من خمس سنوات حين أسس جريدة " رؤى ثقافية"، و فيما بعد كنت أحد أفراد هيئة تحريرها إلى جانبه قبل أن تتوقف، و منذ ذلك الزمن حتى هذه اللحظة بقي واقفا على شاطئ ثالث. كان و ما زال همه الأساسي تأسيس مشروع ثقافي/ أدبي، مغربي و عربي، مشروع ينحاز إلى الإبداع و الحرية و الإستقلالية و الإختلاف الصحي، لم تُغْرِه طموحات بعض أقرانه بالسير في كوكبة من أجل الظفر ببعض الفتات، و هذا ربما ما أجَّلَ خروج إبداعاته إلى الضوء رغم وفرتها، شعرا، و قصا، ورواية، و بعض نصوص مسرحية قصيرة و مقالات أدبية و سيناريوهات. حين توقفت "رؤى ثقافية" تحت ضغط ظروف متداخلة، لبعض المثقفين المغاربة فيها نصيب مهم، طلبت منه أن أجري معه حوارا يفضح فيه كل شيء، لكنه رفض قائلا أن الوقت لم يحن بعد! و بقي دائما يردد هذا المبرر. تركته و هاجرت إلى الكويت في عقد عمل، تركته خلف طاولته لشواء و بيع النقانق معاندا إصرار السلطات المحلية في تهديده بين الفينة والأخرى في لقمة عيشه. كانت رغبته كبيرة أن يصدر ديوانه الشعري " كتاب الغرباء" عن منشورات وزارة الثقافة رغم عدم ارتياحه لها! و حين يئس قطعا انسل كعادته إلى عزلته و لا أعرف كيف خطرت له فكرة إرسال إحدى مجموعاته القصصية إلى مجموعة البحث في القصة القصيرة، و حين صدرت موسومة بعنوان " كلاب السوق"، أخبرته أنه حان الوقت، لكنه رفض، مكتفيا بإمكانية حوار حول المجموعة و ظروف إصدارها و ما تتضمنه. أجرينا الحوار دردشة على الأنترنيت بعد توصلي بنسخة إلكترونية من "كلاب السوق". و حين أنهينا الحوار دون أن ينتهي، بقيت عدة أسئلة عالقة و أجوبة منطوية في الصمت و التأجيل. و أنا أعيد قراءة الحوار كنت أحاول أن أتخيل كل ما يرافق ردوده و كأني أجالسه في الواقع، فلمست تلك الأشياء التي ذكرتها في بداية تقديمي. لو كنت في مراكش لأجريت الحوار معه على رصيف أو كرسي مقهى أو قرب طاولة الشواء! هل تسير الحياة إلى الأجمل أم أنها واقفة مترعة على الألم؟ أتمنى أن يتغير الواقع القاسي للمبدعين و المثقفين المغاربة الملتزمين بقضايا جادة و مبادئ إنسانية، و أفسح المجال للحوار....

1- كل الذين يعرفونك عن قرب كانوا ينتظرون صدور ديوانك الشعري " كتاب الغرباء" عن منشورات الكتاب الأول لوزارة الثقافة المغربية، فإذا بك تصدر مجموعتك القصصية " كلاب السوق" عن منشورات مجموعة البحث في القصة القصيرة، فما الذي حدث؟
* ما الذي حدث؟! حدث كل خير. تحضرني الآن كلمات بعض الأصدقاء حين علموا بصدور مجموعتي القصصية عن منشورات مجموعة البحث في القصة القصيرة عوض صدور كتابي الأول عن وزارة الثقافة، جميعهم، حتى بعض من صدرت كتبهم عن الوزارة، هنأوني لأني أصدرت كتابي الأول عن مجموعة البحث عوض الوزارة! الكثير منهم متذمر من النشر عن طريق وزارة الثقافة. طبعا هناك عدة أسباب لهذا التذمر، بعضها يتعلق بالتوزيع، و بعضها يتعلق بالمدة الزمنية التي يقضيها المخطوط سجين الإنتظار قبل موافقة الوزارة أو رفضها، ثم المدة التي يقضيها في انتظار لحظة الطبع و النشر، و التي حسب ما بلغني قد تمتد لسنوات! و بعضها الآخر يتعلق بطريقة تعامل المسؤولين في الوزارة مع المخطوط من خلال صاحبه و من يكون؟! غير أن السبب الأهم في التذمر هذا هو قيمة المصداقية للكتاب المنشور. فأنت دون شك قد تتذكر ما يرافق جائزة الدولة للكتاب التي تشرف على منحها الوزارة، نفس الشيء ربما أو أكثر ينطبق على الإصدارات! بالنسبة لي مضى أكثر من سنة و نصف على تقديمي مخطوط ديواني الشعري " كتاب الغرباء" إلى وزارة الثقافة، و لم أتوصل بأي رد حتى الآن، أي رد، رغم أني اتصلت عدة مرات هاتفيا بالوزارة و خاصة بالشاعر حسن الوزاني رئيس قسم تعميم الكتاب، الجواب الوحيد الذي كنت أتلقاه هو أن لجنة القراءة لم تجتمع بعد! و بعثت أيضا برسالة إلكترونية على البريد المعلَن للسيدة الوزيرة، و مرة أخرى لا رد!. أما بالنسبة لمحموعة البحث في القصة القصيرة فالأمور تختلف كثيرا، الجميع هنا يشير إلى أن لها لجنة قراءة متخصصة و حقيقية، و لا تعتمد في حكمها بالموافقة أو الرفض على امتيازات أخرى سوى قيمة النصوص التي تتوصل بها، ثم إنه حين تصدر اللجنة موافقتها لا يبقى الكتاب سجين الإنتظار، بل يتم تسهيل كل الخطوات من أجل تحويل المخطوط إلى كتاب مطبوع و يتم توزيعه و تشجيع صاحبه على الإستمرار. شخصيا لمست هذا و عشته. لم يسبق لي حتى الآن أن جالست فردا من أعضاء مجموعة البحث في القصة القصيرة، أرسلت مخطوطي عبر الشبكة العنكبوتية و بعد انتظار لم يتجاوز شهرا و نصف على أبعد تقدير اتصلوا بي ليخبروني أنه تمت الموافقة على نشر كتابي، و جاءت كل الخطوات الأخرى بليونة و تشجيع، و حتى الآن و الكتاب قد وزع و نشر عنه خبر في العديد من الجرائد و كتبت بعض القراءات عنه و نشرت داخل الوطن و خارجه، و توصلت بما طلبته من نسخ دون نقصان ، لم أجالس أي فرد منهم وجها لوجه. حقا إن هذا أشبه بحلم جميل تحقق، رغم أنه يستحيل تصديقه في بلد كالمغرب، جميعنا نعرف حجم الفساد الذي يعرفه قطاع النشر هنا و الآن. أما بالنسبة للوزارة المعنية فالأمر أشبه بحلم يتحول إلى كابوس.
2- كأنك تضع وزارة الثقافة في الميزان مقابل مجموعة البحث في القصة القصيرة، و هذا يبدو لي غير صائب؟
* ملاحظتك ليست في محلها. لا أضعهما في الميزان مقابلة. فالأولى جهة رسمية، من المفروض أن تكون أول داعم لكُتاب البلاد و مبدعيها، و لها من الإمكانيات ما ييسر لها هذا. أما الثانية فمجرد مجموعة أفراد متخصصين في القصة القصيرة و متطوعين أساسا، لا يتوصلون نهاية كل شهر براتب عما يبدلونه من مجهود من أجل إنعاش الكِتاب و الثقافة. ماذا يعني هذا؟ يعني أن وزارة الثقافة ملزمة بتحمل مسؤولياتها كاملة في إنعاش الكِتاب، و أن مجموعة البحث و غيرها من المجموعات و الجمعيات ليست سوى مكملا لعمل تتحمل الوزارة مسؤوليته. و حتى إن تشبثتَ بمسألة و ضعهما في الميزان فإن هذا يجعلني أطرح سؤالا ملحا: كم عدد الكتب التي أصدرتها وزارة الثقافة خلال السنة المنصرمة 2008 و في المقابل كم عدد الكتب التي أصدرتها مجموعة البحث في القصة القصيرة التي هي في الأصل مجموعة من المتطوعين؟
قد تقول لي أن هذا رهين بعدة شروط، من بينها كون وزارة الثقافة تتحمل مسؤولية تنظيم مجموعة من الأنشطة الأخرى و هي لا تعنى فقط بصنف واحد من الكتب أو المنتوج الإبداعي! و هنا أقول لك أنه هنا تكمن الطامة الكبرى! جرب أن تلقي إطلالة على موقع وزارة ثقافتنا، في الأعلى ستجد مكانا مخصصا لأنشطة الوزيرة، لأسفارها، لاجتماعاتها، و لافتتاحاتها للمهرجانات و ماشابه هذا، و أكثر من هذا أنه الحيز الذي يحين على الموقع بشكل مستمر، بينما لو ألقيت إطلالة على الحيز المخصص للكتاب الأول و الذي في نظري يكتسي أهمية أكثر من أنشطة الوزيرة فستجد أنه لم يحين منذ نهاية 2006 ، و لا يضم سوى أغلفة الكتب، لا نصوص منتقاة منها، و لا متابعات لها! ما معنى هذا؟ هل هو موقع للسيدة ثريا جبران الوزيرة أم موقع للثقافة المغربية؟ على كل ليس هنا الإشكال فقط. فحسب ورقة محمد القاسمي حول حصيلة الأدب المغربي الحديث خلال عام 2008، نجد أن إصدارات وزارة الثقافة لم تتعد سبعة أعمال شعرا و قصا و نصوصا سردية و نقدا و غير هذا. في حين أصدرت مجموعة البحث تقريبا نفس العدد في صنف القصة القصيرة فقط. على ماذا يدل هذا؟ إما أن الكُتَّاب المغاربة مازالوا يفقدون ثقتهم في الوزارة الوصية و يفضلون النشر عن طريق جهات أخرى، كمجموعة البحث، أو التوجه مباشرة إلى المطابع و إخراج كتبهم إلى النور على حسابهم الخاص رغم الظروف السيئة لمعظمهم و رغم إشكالية التوزيع، و إما أن الوزارة تهمل ما تتوصل به و لا تنشر إلا ما يتماشى مع أمزجة بعض مسؤوليها! و أنها تفضل صرف المال العام المخصص للثقافة على أسفار البعض و على مهرجانات صفراء لا يبقى منها للذاكرة الثقافية سوى التقزز و اللعنة، في حين أن صرف نفس المال على إخراج كتب إلى النور، و متابعتها، يبقى حيا إلى الأبد. السؤال الذي يحيرني أكثر أليس من حق الكتاب و المثقفين معرفة أين و كيف تصرف الأموال المخصصة لوزارة تهتم بالشأن الثقافي، و من ثم محاسبتها؟
3- هذا كلام خطير في حق الوزارة؟
* هذا واقع، و المؤسف أنه يحدث الآن! لو حدث قبل أزيد من عشرين سنة، لبررنا الأمر على أن من كانوا يتحملون مسؤوليات في وزارة الثقافة قد لا يكون لهم هَمُّ انتعاش الثقافة، و أن الكتاب كانوا معدودين و منشغلين بأمور أخرى، أما الآن و في المرحلة التي قبل الآن بسنوات فقط فالأمر يختلف. جاء الشاعر محمد الأشعري إلى وزارة الثقافة و تلته الممثلة و الرائدة المسرحية ثريا جبران و رفقتها جاء الشاعر حسن النجمي و الشاعر حسن الوزاني و غيرهم...، و جمعيات الكتاب تعددت و أصبحت أكثر حرية، ورغم هذا لا نتنفس هواء نقيا. هذا أشبه بطعنة من الخلف أو الداخل وُجِّهَت إلى الثقافة المغربية و إلى المثقفين المغاربة و إلى الشباب المبدعين في هذا الوطن. وهو من بين أسباب لجوء الكثير من المبدعين إلى العزلة و الصمت و اليأس و الموت السريري و الإختياري.
4- يبدو أن الحوار في هذا الإتجاه سيقود إلى هاوية يصعب الخروج منها، و أنت تعرف كيفية تعامل الجهات الرسمية و الأشخاص في مراكز القرار مع حرية الرأي و التعبير في بلدنا! و لهذا فلنحول حوارنا إلى إصدارك الأول. لماذا " كلاب السوق" ؟ يبدو هذا العنوان أقرب إلى الشتيمة، و نحن المغاربة ندرك هذا جيدا!
* قد تكون هناك بعض تلميحات إلى الشتيمة في المتخيل الشعبي المغربي، لكن " كلاب السوق " كعنوان لمجموعتي القصصية الأولى لا يقبل تأويلا و احدا، فبالعودة إلى القراءة التي نشرها فؤاد زويرق حول المجموعة نجد " عنوان المجموعة لا يدل على نص معين بقدر ما يدل على رمز مطلق استخدمه الكاتب بدهاء في كل القصص، فالكلاب رمز لأتباع السلطة الفاسدين المستبدين، والسوق يختلف معناه باختلاف القصة فتارة يحمل المعنى الحقيقي للمصطلح وتارة أخرى يشير من بعيد إلى مكان ما." و هذا أحد التأويلات التي قد يحيل عليها العنوان، و يمكنه أن يحيل على تأويلات أخرى. بالنسبة لي تبقى شروط اختيار هذا العنوان مرتبطة بحالة نفسية، حالة كاتب مغربي شاب ينتمي إلى الفئات المسحوقة و يعيش بينها يوميا، و يعيش ظروفها ورعبها و عدم طمأنينتها، و حالة إنسان منعزل يفكر و يحلم و لو بتغيير طفيف. منذ الطفولة انخرطت في هاتين الصورتين مجبرا. صورة العيش وسط جماعة مسحوقة و صورة التفكير و الحلم منعزلا بالتغيير! و في الصغر و في قرية مهمَلَة كنت ألجأ إلى الليل و الخلاء أحيانا من أجل الحلم. قرب البيت الذي كنت أعيش فيه، و هو للإشارة ليس بيت أبوي، كان يوجد سوق أسبوعي، حينها كلما انسللت إلى الليل و الخلاء من أجل الحلم، كنت أعود مرعوبا في أغلب الأحيان تطاردني كلاب السوق، فيما بعد حين كبرت و هاجرت إلى مراكش، عشت التجربة بقسوة أكبر، رمتني الظروف أحيانا إلى المبيت على أرصفة الشوارع، قرب باب مسجد، في حديقة عمومية، على رمال شاطئ، و غير هذا...، في إحدى المرات و في حديقة عمومية استيقظت في عمق الليل من نومي مفزوعا، وجدت كلبا يتشمم قدمي و خلفه كلاب ضالة أخرى. لا يتوقف الأمر هنا، الظروف أيضا ضغطت لطردي و منعي من متابعة دراستي، فتحولت إلى بائع سجائر بالتقسيط، إلى حَمَّالٍ في سوق الخضر، إلى مهرب للسلع من الشمال، إلى عامل مساعد في المجزرة البلدية، إلى بحار على متن قارب هو نفسه من النوع الذي يسمى بقوارب الموت، إلى صاحب طاولة للشواء في الشوارع... و غير هذا، و في كل الأحوال كان علي أن أدفع مالا لأحافظ على وجودي – و هذا لا يمكنني فعله – أو أتعرض للمطاردة الشرسة، فيتم سلبي كل ما أملك، سواء أكانت سجائر للبيع بالتقسيط أو سلعا اشتريتها بما جمعته من مال بكد و إصرار، أو طاولة مأكولات في شارع عام هي كل رأسمالي وهي ما يجعلني أسد نهم جوعي و أغطي عرائي. فكيف إذن تريدني أن أفكر في عنوان غير الكلاب و " كلاب السوق" خاصة.
العنوان بالنسبة إلي هو حالة نفسية مثلما هو تكثيف و ضغط لكل نصوص المجموعة. لا أعرف إن كانت المسألة كذلك بالنسبة للكتاب الآخرين أم لا؟ لكن بالنسبة لي هذا ما حدث.
5- في قصص المجموعة تبدو المسافة أحيانا جد بعيدة أو لنقل متباعدة، فما بين " النبي" و " ليل طويل" من جهة و " المرآة و ذكريات الجنيرال" و "الأعمى في العتمة" من جهة ثانية، تبدو هناك عدة انقلابات ، سواء على مستوى اللغة أو البنية النصية أو الحبكة... كيف تبرر هذا؟
* لا أظن أن المسافة محتجَبَة و إن كانت تظهر متباعدة كما أشرت. التباعد فيها شكلي، فنصوص المجموعة بالنسبة إلي تنتمي إلى بعضها البعض. طبعا هناك خصوصيات لكل نص على حدة و إلا لما كان نصا يمكن قراءته منفردا. أما بالنسبة لمسألة الإنقلابات فليست هناك أي انقلابات. هناك اشتغال مختلف يناسب كل قصة، و هذا يفرض لغة مختلفة من نص إلى آخر، ويفرض حبكة مختلفة و بنية مختلفة.
6- لكن حتى في العوالم المطروحة، في اختيار الشخصيات و انتمائها الفكري و الإجتماعي، في الزمان و المكان، تظهر المسافة متباعدة بشكل جلي؟
* إن كنت تريد الإشارة إلى أن النصوص كُتِبَت في مدة زمنية متباعدة، فهذا ليس صحيحا، هي قصص كُتِبَت خلال سنتين، و كُتِبَ غيرها خلال هاتين السنتين، لكن هناك عدة دوافع جعلتني أجمعها في أضمومة و أستثني غيرها، هناك حَلَقَةُ كلاب السوق، هناك رعبُ ليلٍ طويل طيلة سرد هذه القصص، هناك حلم يبتدئ بقصة النبي و ينتهي بشكل غير محسوم بقصة بوذا المغربي، هناك ترابط جوهري بين نصوص المجموعة، أما على مستوى الشكل فهناك خصوصية لكل نص، في النبي و ليل طويل، يكون السارد طفلا فتأتي اللغة تلقائيا بسيطة و هجينة و يأتي البناء بسيطا و متراصا حتى و إن تدخلت الذاكرة أو الفلاش باك، أما في الأعمى في العتمة فالحالة وجودية و الشخصيات مثقفة و هجينة في الآن نفسه، شخصيات تنتمي اجتماعيا و اقتصاديا إلى فئة مسحوقة لكنها تنتمي فكريا أو ثقافيا إلى فئة متنورة و يائسة أيضا، كل هذا يستدعي اشتغالا مختلفا و احترام كل مكونات النص المُشتَغَل عليه، نفس الإعتبار حاولت مراعاته في القصص الأخرى. هل نجحت؟ هذا ليس شأني، هو شأن المهتمين بالنقد و شأن القراء أيضا.
7- في كلاب السوق، أو الأصح في أكثر من نصفها، تحضر شخصيات مشهورة أدبيا أو فكريا ( سواء أكانت واقعية أم متخيلة) ضيوفا على قصصك، خورخي لويس بورخيس في " الأعمى في العتمة"، العقيد أوريليانو بوينديا في " المرآة و ذكريات الجنيرال" هيديو كوباياشي في " بوذا المغربي"، لِمَ هذا الهروب شرقا و غربا للعودة إلى هنا، إلى قصص تعبق برائحة مجتمع مغربي مسحوقة معظم فئاته؟
* هل هو هروب؟ أم ضرورة وجودية بالنسبة للنص كي يكون؟.
على العموم حضرت أيضا شخصية النبي محمد و عبرها شخصيات الرسل في قصة النبي، حضرت شخصية الكاتب المغربي سعيد الفاضلي في قصة " رسالة الفاضل" وحضر غيرهما في القصص الأخرى. أتذكر صديقا قاصا جالسني مباشرة بعد قراءته للمجموعة. جلسنا في مقهى و أعطاني درسا في هذا الأمر! قال لي: "تخيل أن كل هؤلاء الجالسين في المقهى قرؤوا مجموعتك، هل سيتجاوبون معها؟ لقد كتبتَ قصصا نخبوية و الدليل أن بعض شخصياتها لا يعرفها أحد، استحضرتَ بورخيس و العقيد أوريليانو بوينديا و المفكر الياباني هيديو كوباياشي، هؤلاء لا يعرفهم سوى المثقفون، و هذا استعلاء! و هذا ما يجعل نسبة المقروئية تتقزم في وطننا العربي، إننا لا نفكر بالقارئ". أضرب لك هذا المثال الحادث، لأظهر لك فقط أن القراءة تختلف، فأنت ترى هذا هروبا و آخر يراه استعلاء و نخبوية و أنا أراه ضرورة وجودية. أما بالنسبة للتأثير السلبي في نسبة المقروئية، فهذا يحتاج إلى دراسة متخصصين و ليس لإلقاء القبض على تجربة كتابية مختلفة و محاولة خنقها، نقول في المثل الشعبي المغربي " طاحت الصومعة، علقوا الحجام"، لماذا نعلق الحجام؟ هل لأنه يملك مقصا و به قص الصومعة فسقطت! هذه مهاترة، ليتَهُم قالوا "علقوا الرقيب و النقيب!" !"، فمقص الرقيب و النقيب أشد مضاء و إيلاما!. أما بالنسبة للقراء الذين يجهلون بورخيس في الواقع و يجهلون العقيد أوريليانو بوينديا فهم أيضا يجهلون الطاهر، الشخصية الموجودة في قصة ليل طويل و يجهلون شخصية يوسف الموجودة في قصة " بوذا المغربي" مثلما يجهلون إلياس أحد شخصيات رواية " الأشجار و اغتيال مرزوق" لعبد الرحمان منيف. الأمر ليس مرتبطا بمعرفة الشخصية في واقعيتها و لكن في وجودها السردي و الإبداعي. هل شخصية محمد بن أحمد بن محمد بن رشد بطل قصة بحث ابن رشد لبورخيس هي نفسها شخصية ابن رشد التي نعرفها و التي نقلها إلينا التاريخ؟ من يقول بهذا عليه أن يعيد قراءة التاريخ و قراءة الإبداع و قراءة الواقع.
8- لكنني سألتك عن الهروب بعيدا باستحضار تلك الشخصيات للعودة في النهاية إلى المجتمع المغربي في قصصك! و لم أتحدث عن النخبوية أو جهل القراء للشخصيات؟
* الأمران سيان. استحضار تلك الشخصيات كان ضرورة وجودية لتلك القصص لتكون! لولاها لما كتبت ما كتبت. كنت سأكتب قصصا أخرى. و هذا ليس هروبا أو نخبوية، إنه شرط، و حوار إنساني مع ثقافات عالمية برؤية شخصية، و هذا لا ينفي اشتغال نصوصي على المجتمع الذي أنتمي إليه، بل على العكس يوطد ذلك الإشتغال. هل نحن خارج العالم؟ هل يجب أن نقفل علينا في زجاجة و نتفسخ؟ هل يجب أن نسد الأبواب فلا يخرج ضوءنا و عتمتنا إلى العالم ولا نستقبل ضوء و عتمة العالم؟ أظن أن الواقع يعطينا جوابا شافيا لكل هذه الأسئلة، و اقعنا اليوم منفتح على العالم حتى درجة التشوه، مثلما هو منفتح على الماضي بنفس الدرجة أو أكثر أو أقل! فلماذا لا ينفتح إنتاجنا الرمزي؟
9- انتبهَ عدد ممن يعرفونك إلى طغيان أجزاء من سيرتك الذاتية في مجموعتك، هل هذا صحيح؟
* طبعاً كل كاتب أو مبدع يستحضر في منتوجه ماهو ذاتي، لكن هذا لا يعني طغيان أجزاء من سيرته الذاتية في أعماله و إلا فإنه كان من المفترض وسم العمل بسيرة ذاتية.
10- لكن على سبيل المثال نجدك تستهل مجموعتك بقصة " النبي" التي تدور أحداثها في قرية قبل إلحاح التفكير بالهجرة إلى المدينة، و إن عدنا إلى سيرتك الشخصية سنجد هذا مطابقا لمرحلة من حياتك، بل إنه حتى المدرسة التي تتحدث عنها و الخلاءات و طبيعة الشخصيات و غير هذا، يشبه صورا مقرصنة من طفولتك قبل الهجرة إلى مراكش! نفس الملاحظة بالنسبة لبطل قصتك " الأعمى في العتمة" حيث تتحدث عن صاحب طاولة للشواء، و حكاية آلامه و معاناته مع ممثلي سلطة فاسدين، و هذه تجربة حياتك الخاصة وهي منشورة على مدونتك في مقال؟
* أنت سيء في التعامل مع تلك النصوص. أليس لمعظم المواطنين البسطاء آلام ومعاناة مع ممثلي السلطة الفاسدين؟ أنا لا أنكر أن هناك شذرات من حياتي الشخصية و من آلامي و معاناتي الشخصية و من أحلامي و طموحاتي في كل نص أكتبه. و لكن هذا لا يعني طغيان سيرتي الذاتية في أعمالي، و للإشارة فأنا أشتغل على سيرتي الذاتية في عمل مستقل، و إن راجعتَ ما أنشره إلكترونيا فستكتشف هذا. إنها مجرد شذرات من جهة، أما من جهة ثانية فيجب أن تعرف أن لكل نص نار ينبثق من رمادها. الكتابة هي طائر الفينيق الحقيقي، هي الحياة بعد الموت. أما بالنسبة لإشارتك إلى قصتَيْ النبي و الأعمى في العتمة و علاقتهما بسيرتي الذاتية، فأحيلك على حوار رائحة الغوافة الذي أجري مع غابرييل غارسيا ماركيز قبل أزيد من ربع قرن، لعلك عبر هذا الحوار تتوصل إلى مفتاح من مفاتيح النصوص السردية. يرد ماركيز على سؤال حول نقطة الإنطلاق لكِتاب قائلا: "الكِتاب عند كُتاب آخرين، يولد، حسب ماأظن، من فكرة، من مفهوم. أنا أنطلق دائما من صورة بصرية."، بالنسبة لي لا يختلف الأمر كثيرا، النص يولد من حدث واقعي وينبني حسب حالتي النفسية في التعامل مع ذلك الحدث، ولا يهم إن كانت الأحداث التي ستتوالى نتيجة ذلك الحدث واقعية أم متخيلة، ذاتية أم موضوعية. في قصة الأعمى في العتمة، كان الحدث الواقعي انتحار بائع " البيصارة" في أحد أحياء مراكش قبل سنوات من الآن. ذات صباح وجدوا جسده مدلى من قنب مربوط إلى فرع شجرة كقدر أمام مقاطعة لرجال السلطة، كان انتحاره احتجاجا على سلبِه طاولته لبيع المأكولات من طرف السلطة، ذهب احتجاجه هباء منثورا، لم يهتم لانتحاره أحد، لا الفاعلون السياسيون في هذه المدينة و البلد، لا المثقفون، و لا أيها الناس! طبعا السلطات لَمَّت القضية في رمشة عين، وعادت لتسلب آخرين مصادر عيشهم البسيطة. آلمني هذا الحدث كثيرا و آلمني أكثر حدث لا مبالاة الجميع. و طيلة سنوات بعد هذا الحدث بقيت أفكر فيه مرعوبا، و لم يَخِفّ رعبه إلى أن كتبت " الأعمى في العتمة"، طبعا فكرت أحيانا أن من سيقرأ قصة الأعمى في العتمة قد لا ينتبه للأمر، مثلما حدث في الواقع، الجميع سوف ينتبهون إلى حضور بورخيس في القصة، سينتبهون إلى آلام البطل المعلَن و معاناته في البحث عن حكاية اختفت فجأة من كتاب ألف ليلة و ليلة، و ينتبهون إلى معاناته المسرودة نتيجة قسوة الظروف، لكن لا أحد سينتبه إلى البطل المخفي و حدثِ انتحاره و الهباء المنثور، و حتى الآن هذا ماحدث، لقد بقي حدث انتحار ذلك الشخص لامبالى به، سواء في القصة أو في الواقع. "الأعمى في العتمة" تقول: إننا أبطال عميان في عتمة قدرية. هل الأعمى يرى في العتمة؟، الأكيد أنه لا يرى حتى في واضحة النهار، لكن يمكنه أن يتلمس، سواء في العتمة أو في الضوء، و حينها سيكتشف الكثير: الطريق و الحياة و القدر....و العتمة و الضوء. في العتمة بإمكان الأعمى أن يرى أفضل من الرائي! لأنه محترف تلمس. وإذن قصة الأعمى في العتمة ليست جزءا من سيرتي الذاتية، بل هي سيرة مجتمع – حتى بفئاته المتنورة – لا يبالي أفراده إلا بما يمسهم شخصيا. في قصة النبي هناك فعلا حدث شخصي، ما أزال أتذكر ذلك اليوم الذي و قفت فيه على جنبات طريق رئيسية أنتظر حافلة أو شاحنة تقلني إلى مراكش، كنت أعد النقود التي خبأتها في جيوبي منذ مدة، و كنت ألتفت بين الفينة و الأخرى إلى الطريق الترابية التي تقود إلى قريتي، محاذرا أن يكون أبي أو أحد إخوتي لحق بي ليمنعني من الهجرة، حينها لم أكن طفلا، كنت في سن نهاية المراهقة، و كنت قبل مدة قد طردت من الثانوي و منعت من متابعة دراستي على إثر إضراب تضامني مع انتفاضة الحجارة فعدت إلى قريتي خائبا و مخيبا، كان كل أفراد أسرتي يتمنون أن أصبح دركيا، و كنت أحلم بالشعر و التمرد. في لحظة الإنتظار تلك كتبت قصة النبي في داخلي، و هناك في داخلي عاشت سنوات. الحدث الرئيسي لولادة القصة هو حدث انتظار حافلة أو شاحنة تحملني إلى المدينة، إلى الحلم، إلى الشعر و التمرد، أما غير هذا مما جاء في القصة فكان ضرورة لكتابتها و ليس جزءا من سيرتي الذاتية، كان قدرها الخاص! فأنا لم أحلم بالنبوة، و لكنني حلمت و تمردت. و تقريبا كل القصص الأخرى في المجموعة تولد من حدث، و لا يهم هل هذا الحدث ذاتي أم موضوعي؟.

* كاتب و صحافي مغربي يقيم في الكويت.







#عبدالوهام_سمكان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...
- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالوهام سمكان - حوار مع الكاتب و الشاعر المغربي عبد الوهام سمكان