حميد الأبيض
الحوار المتمدن-العدد: 2550 - 2009 / 2 / 7 - 08:25
المحور:
الادب والفن
في بادرة تعتبر الأولى من نوعها بعد وفاة الشَّاعر محمود درويش
في بادرة تعتبر الأولى من نوعها عربياً ودولياً بعد رحيل الشاعر محمود درويش، أعلن صبري يوسف الكاتب والشاعر السوري المقيم في منفاه الاختياري في ستوكهولم بالسويد منذ عام 1990، حداده وحزنه على وفاة هذا الشاعر المبدع لمدة 40 يوما يقضيها كفترة حداد في كتابة نص شعري ينعي ويرثي فيه الشاعر الراحل الذي سماه بـ"الشاعر الوطني الإنساني المبدع الذي كان خسارة كبيرة ليس لفلسطين والعرب والشرق بكل تلاوينه وأطيافه، بل للعالم بأسره".
وقال صبري أن "الحداد العميق على شخصية عزيزة علينا، نحن المنحدرين من حضارة تعود إلى آلاف السنين، هي 40 يوما خاصة إذا كان المتوفي من العزيزين على القلب وغالباً ما يكون من العائلة". وأوضح أنه بالنسبة لحالة محمود درويش فقد: "أصبح متجذرا في صميم القلب والحزن عليه كل هذه المدة، هو نوع من الوفاء العميق لهذه القامة السامقة، حيث أعتبر درويش شخصية شعرية فريدة من نوعها لأنه أوصل الشعر العربي الشرقي إلى مصاف العالمية".
وأكد أن محمود درويش الذي يمثل بالنسبة إليه "أريج الشعر" و"قامة شعرية تلامس وجنة السماء" و"مدرسة شعرية لا يمكن أن تتكرر"، وهو "رائد الكلمة الحرة الأبية وابن الأرض والحياة والخلود، سيبقى ويبقى شعره خالدا في قلوبنا وقلوب ملايين الملايين إلى الأبد"، لأنه "حمل الهم الوطني والإنساني، وهو إنسان مبدع إلى أقصى درجات الإبداع ومتواضع إلى درجة البهاء والروعة .. واستطاع أن يترجم مشاعر وطن برمته عبر القصيدة الشعرية".
ورغم أن صبري يوسف لم يلتق مع درويش في حياته لكنه كان يتوق إلى لقائه "توقا عميقا"، قائلاً: "لقد عرفته شاعراً خلاقاً منذ أن كنت على مقاعد الدراسة في الحلقة الإعدادية والثانوية، قبل أن أتابع قراءة تجربته عبر المرحلة الجامعية وبعد التخرج" يقول صبري، مضيفا أنه "منذ عقود من الزمن وأنا على تواصل مع قصيدة درويش، حيث بدا لي مثل أمواج البحر التي تقف في وجه الريح والعاصفة دفاعاً عن الأرض والوطن وإنسان الوطن".
وقال في تصريح مقتضب لـ"القدس العربي"، "كنت وما أزال أكن وداداً عميقاً ومحبة عميقة للشاعر الراحل ولقامته الشعرية الخلاقة باعتباره إنسانا عظيماً، لو قاد الوطن لقاده إلى بوَّابات الأمان، ربَّما أكثر من أي قائد عربي لأنه إنسان مليء بالإنسانية والمحبة والسلام". وأضاف "نحن نحتاج إلى قائد إنساني حكيم وقادر على فهم ذاته وفهم الآخر وفهم الكون. وما قدَّمه محمود درويش عبر القصيدة لم يقدمه أي زعيم عربي عبر جيوشه الجرارة!!!؟".
ويشتغل الشاعر صبري يوسف على إصدار مجموعة قصصية تتناول مواضيع كوميدية ساخرة، ويحتفي كل عام ومنذ ليلة 25 مارس 1987 تاريخ "إعدامه الصوري للسيجارة"، بيوم "ميلاد موت السيجارة" معتبراً هذا اليوم كأنه عيد ميلاده و"يوما مهمَّا ومنعطفا طيبا في حياته". ويعمل على نص مفتوح بعنوان "أنشودة الحياة" له نفس ملحمي طويل يصدر في عدة أجزاء ويتناول قضايا إنسانية وحياتية عديدة منطلقها علاقة الإنسان مع أخيه الإنسان.
صبري يوسف صاحب دار نشر في ستوكهولم، أصدر مجموعة قصصية بعنوان: "احتراق حافات الروح" وأصدر الدواوين الشعرية التالية: "روحي شراع مسافر" (باللغة العربية والسويدية) و"حصار الأطفال.. قباحات آخر زمان" و"السلام أعمق من البحار" و"طقوس فرحي" (بالعربية والسويدية) و"الإنسان الأرض، جنون الصولجان" و"ذاكرتي مفروشة بالبكاء"، وحاليا منكب على كتابة نص شعري مفتوح ينعي ويرثي فيه الشاعر الراحل محمود درويش ويهديه إلى روحه، وقد كتب قصيدتين بعنوان "قلب مشظى من جرحِ مطرٍ" و"وداعاً يا جرحَ أرضِ".
ويقول صبري يوسف في بداية قصيدة: "قلب مشظى من جرح مطر":
"درويش برارةُ حرفٍ
مرفرفٍ في أسرارِ الأرضِ
استلهمَ بسمةَ الطُّفولةِ
من زخَّاتِ المطرِ
من مهودِ الأنبياءِ!
شبّاكٌ مفتوحٌ على أنينِ البحرِ
على خيوطِ الشَّفقِ
على قلبٍ ملفَّحٍ
بأنشودةِ الفراقِ
فراقُ الأمِّ من وهجِ العناقِ!
قلبٌ يعزفُ ألماً
على جمرِ الخيامِ
خيامٌ على مدى العمرِ
على برزخِ الشِّعرِ
غربةُ بحارٍ محفورةٍ
على مرافئِ القلبِ
قلبٌ مشظَّى من جرحِ مطرٍ
من دموعِ الأمَّهاتِ
أمٌّ معفَّرة بحنينِ الكونِ
تسهرُ على أغصانِ الزَّيتونِ
تغفو القصائدُ
على مهجةِ الحلمِ
حلمٌ طافحٌ بخصوبةِ اللَّونِ
لونُ الدَّمعةِ
لونُ الشَّمعةِ
السَّاطعة في أعماقِ الغمامِ
لونُ اللَّوزِ
المهفهفِ ببياضِ الحمامِ
يا حمامةَ الرُّوحِ
يا سرَّ البوحِ
في أوجِ الوئامِ
تخرُّ دمعتي على أريجِ غربتي
للغربةِ أريجٌ
مطعّمٌ بملوحةِ البحرِ
كم من الانتظارِ
حتّى تبرعمَتْ سنابلُ الفجرِ
نامَ البحرُ على مروجِ أحزاني
على أعشابِ أرقي
تهتُ في لجينِ القصيدةِ
أبحثُ عن دمعةِ محمودٍ
عن شراعِ الحرفِ
عن درويشٍ مندّى برحيقِ الشِّعرِ
حرفكَ يا صديقُ الكائناتِ
متعانقٌ مع عذوبةِ البحرِ
معَ شوقِ العذارى
إلى شهيقِ الوفاقِ
وفاقُ الأحبةِ
معَ جموحِ الرِّفاقِ
وفاقُ البشرِ مع أشجارِ التِّينِ
مع هديلِ اليمامِ!
يشمخُ شعرُكَ باسقاً
كأشجارِ اللَّوزِ
كأمواجِ البحرِ
في وجهِ اهتياجِ الرِّيحِ!
استرختِ الفراشةُ
فوقَ بتلاتِ الأقحوان
حلمٌ مندَّى
بحفاوةِ ضوعِ البيلسانِ
كيفَ سيغفو الموجُ
على سيوفِ الطُّغيانِ؟!
بكَتِ القوافي
من أوجاعِ الأغاني
صمَتَ اللَّيلُ
من غدرِ الزَّمانِ
قلبٌ تجذَّرَ
في مآقي المكانِ
قلبٌ تسامى زهراً
من فيضِ الإيمانِ!".
... ...... .... ....!
* حميد الأبيض، كاتب وصحافي من المغرب مقيم في فاس
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟