ابراهيم الأمين
الحوار المتمدن-العدد: 153 - 2002 / 6 / 7 - 07:05
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
>من القوى التي خاضت انتخابات المتن الشمالي، كان الحزب الشيوعي الذي له حضور تاريخي في هذه المنطقة منذ تأسيسه قبل عقود بعيدة الى ما سبق الحرب الاهلية من نضالات، وصولا الى الحرب الدموية التي اخرجت قسماً كبيراً من كوادره من هذه المنطقة، قتلا او تهجيراً، من قبل قوى الامر الواقع التي قامت هناك على مر عقدين من الزمن. وعندما وضعت الحرب اوزارها كان الحزب الشيوعي يعتقد انه بالامكان لعب دور مركزي في اطلاق حوار عام، واختار يومها هذه المنطقة من لبنان لاقامة احتفاله السنوي بذكرى تأسيسه، واطلقت يومها مواقف لم تترك تأثيراً جوهرياً لان القدرة الفعلية على التأثير كانت ما تزال بيد من كانوا وظلوا يمسكون بزمام المبادرة في الحياة السياسية اللبنانية، ومع ان الحرب انتهت وفتحت المناطق بعضها على بعض، الا ان الوضعية السياسية العامة للحزب لم تعد الى تلك المنطقة بقوة، فلا كادره الاساسي عاد ليعيش حياة كاملة هناك، ولا خطابه نجح في جذب اوساط شبابية او سياسية نحو خطاب مختلف عن القوى الطائفية، وكان على الحزب التعامل مع الاقرب الى خطه من شخصيات وقوى مثلت على الدوام بعض عناوينه الاساسية مثل حال اندية ثقافية واجتماعية ومواقع سياسية ظل ابرزها على الدوام نسيب لحود.
>لكن الذي حصل منذ سنوات عدة هو السعي الى احتلال موقع خاص في هذه المنطقة، وكانت الانتخابات النيابية في الدورة السابقة مناسبة لخوض تجربة مع ترشيح رافي مادايان نجل زوجة الامين العام السابق للحزب جورج حاوي، وحفيد احد مؤسسي الحزب ارتين مادايان، وكانت التجربة مناسبة لخرق ظل محدوداً او مرتبطاً بقوة حركة الفريق الحاضن لهذا الترشيح، اي مجموعة المعارضة المسيحية الاقرب الى الخط الوطني للحزب، وتحديداً نسيب لحود. لكن الانتخابات الفرعية الاخيرة في المنطقة ذاتها فتحت الباب من جديد امام دور انتهى الى نتائج معينة، مع العلم ان الامر كان ربما يأخذ شكلا مختلفاً لو ان جورج حاوي قد ترشح لهذه المعركة، وثمة تفسيرات متضاربة لعدم حصول الامر، من بينها انه لم يكن محل تقاطع او اجماع القوى التي خاضت المعركة بنجاح، ثم لكونه لم يكن ليشكل عنصراً محفزاً لكل الجمهور الذي خاض المعركة، اضافة الى كون الحزب الشيوعي نفسه ليس في موقع يتيح له خطوة كهذه، لكن ميشال المر يقول ان حرمان حاوي من حقوقه المدنية بسبب حكم قضائي عليه هو من منعه من طرح الفكرة. ومع ذلك فان الحضور السياسي لحاوي ارخى بظل الحزب الشيوعي على بعض ملامح المعركة، حتى ان فريقاً من المعارضين جرب استخدام هذا الحضور في مجال منع الصفة الطائفية او السياسية الضيقة عن المعركة التي خيضت بمرشح له خصوصية على صعيد انتمائه العائلي والمناطقي قبل موقعه في اللعبة السياسية العامة في البلاد.
>لكن نوعية مشاركة حاوي جاءت تماماً كما هي طريقة حاوي نفسه في معالجة مسائل من هذا النوع. فهو اصلاً من الفريق السياسي الذي لا يقيس بدقة كل ما يقوله، وهذا امر له اثره على الحركة العامة للفريق الذي يمثل، ثم لكون مواقفه من عناوين تفصيلية طرأت على المعركة، مثل الموقف من آل المر، جعلت الحزب الشيوعي في مكان يبتعد قليلا عن تبني مجمل خطاب حاوي الدعائي او التعبوي، مع العلم انه يمكن القول ان مواقف حاوي وتصديه بلغة قاسية وحادة لمواقف ميشال المر كان له اثر كبير ربما يوازي حملة <<الكليبات>> التي اطلقتها محطة ال<<ام. تي. في>>، حتى ان يساريين في المنطقة وشيوعيين حاليين او سابقين من الذين لا يروق لهم التحالف مع الرئيس امين الجميل او مع <<القوات اللبنانية>> او حتى السير خلف فريق يقوده البطريرك الماروني، وكانوا يعتقدون ان حاوي يبالغ في مواقفه، حتى هؤلاء لم ينجحوا في كتم اعجابهم بما قاله حاوي خلال الايام التي سبقت يوم الاقتراع، وشعر بعضهم ان حاوي بما قدم للجمهور على انه ممثل الحزب الشيوعي، قد اعاد بعض الحيوية الى ماكينة جامدة منذ وقت طويل، وجعلهم يخرجون باسمائهم الاصلية لا متسترين وراء لافتات لمواقع وقوى وشخصيات ولو انهم يكنون لها الاحترام والتقدير.
>لكن حاوي المشهور بمبالغاته، اقترف ما اقترف من اخطاء في الشكل والمضمون، الا ان الضربة الكبرى كانت في خطابه الثوري امام حشد المحتفلين بفوز غبريال المر، وكان يتحدث مراعياً بصورة غير منطقية جمهور الواقفين امامه، واكتشف انه امام جمهور لم يعتد عليه من قبل، بل يعرف هو ما يستسيغه هذا الجمهور من عبارات ومواقف، لكن الامر وصل به الى حد لم يكن بالامكان لدى بقية الشيوعيين تحمله، الامر الذي فاقم من النقاش الذي قام اصلا داخل الهيئات القيادية في الحزب الشيوعي، حتى وصل الامر الى صدور بيان عن المكتب السياسي للحزب فيه العبارة الاتية: <<ان بعض المواقف التي اعلنت من احد الرفاق القياديين في مجرى العملية الانتخابية وبعد انتهائها انما هي مواقف لا تعبر عن مواقف هيئات الحزب ولا تلزمها>>.
>وقد فهم لاحقاً ان احتجاجات قامت داخل الحزب على مواقف حاوي التي اعتبرت مطابقة لخطاب القوى الطائفية التي قالت قيادة الحزب انها لا تجاريها في موقفها، حتى ولو اتفقت مع جانب منها على معركة بوجه ميشال المر او السلطة، وقد ادى صدور البيان الى مداخلات من جانب قياديين في الحزب لمنع تحول الامر الى مشكلة داخلية او مشكلة لا يحتاجها الحزب في لحظة الاستعداد لجولة حوار داخلية لمواجهة العناوين الخلافية بين تيارات الحزب، مما اضطر حاوي الى توقيع بيان اصدره الامين العام للحزب فاروق دحروج وضمنه ما يشبه <<الانتقاد الذاتي>> لما سبق ان ادلى به، مع تأكيد من جانب حاوي نفسه ان ما اطلقه هو من مواقف لا يلزم الحزب بأي حال من الاحوال. وقد جرى اعتماد هذا البيان وتم سحب بيان المكتب السياسي من وسائل الاعلام مساء امس الاول.
> لكن المرجح ان حاوي لم يكن ليصدر هذا البيان لو ان الاعتراض داخل الحزب بقي داخل غرفة الاجتماعات، وثمة قياديين يعتقدون ان الحزب لو كان متشدداً حيال ما اطلق سابقاً من مواقف لكان حاوي قد امتنع عن الدخول في <<العاب انتخابية نارية>>. مع العلم ان حاوي استفاد من التضامن العام الذي مارسه الشيوعيون معه يوم تعرض لتهديدات مباشرة من وزير الداخلية وكانت ردة الفعل لدى قيادة الحزب باطلاق مواقف تعتبر استثنائية في معرض انتقاد اهل الحكم، لكن الحزب لم يكن يومها في موقع الابتعاد عن المعركة، وهو وجد نفسه في بعض الشعارات التي اطلقت في مواجهة فريق السلطة، وكان رائجاً بين الشيوعيين انها معركة تخص الحزب، وكان كثيرون منهم يتصرف ان المرشح هو نسيب لحود وليس غبريال المر، وان الماكينة الانتخابية يقودها نسيب لحود وليس فريق الرئيس امين الجميل.
>ومع ذلك فان الفريق الذي لا يعجبه سلوك حاوي داخل قيادة الحزب يقر بان المعركة الانتخابية في المتن الشمالي حققت اموراً جيدة للحزب وصورته، ويقول هؤلاء انها معركة <<تركت الاثر الايجابي بالنسبة للحزب، واذا جرت المقاصة العامة، فان حواجز كثيرة كانت قائمة منذ زمن بعيد تعرضت لتحطيم ولو جزئي ويمكن للحزب القول بانه حقق نتائج جيدة ولو باثمان باهظة ابرزها اخطاء او هفوات حاوي لا فرق>>. ولكن السؤال عن كيفية استثمار ما حصل وعن علاقة ما حصل بالنقاش القائم داخل الحزب نفسه.
>غداً: المنبر داخل الحزب