أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - طارق حجي - ما العمل ؟















المزيد.....

ما العمل ؟


طارق حجي
(Tarek Heggy)


الحوار المتمدن-العدد: 2556 - 2009 / 2 / 13 - 08:01
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    



لا أَكلُ من ترديدِ أن أوضاَعنا العامة والاجتماعية هما نتيجةٌ مباشرةٌ لتردي أحوالنا الإقتصادية والتعليمية والثقافية وأن ذلكَ هو نتيجةٌ طبيعيةٌ للفقرِ الشديدِ في تكوين الكادر البشري المسؤول عن قيادةِ العملِ الإداري/ التنفيذي في آلافِ المواقع بكل الوزاراتِ والإداراتِ والوحداتِ الإقتصادية سواء منها ما يسمى الآن بوحداتِ قطاع الأعمال أو ما يندرج منها تحت مسمى المؤسساتِ الخاصة وكذلك كل الوحدات الخدمية. فالكادرُ البشري الذي يُناط به قيادة العمل الإداري/ التنفيذي في كل تلك المواقع شبه مفرغ من مؤهلاتِ القيادةِ الإداريةِ العصريةِ الناجحةِ والفعالةِ. إن لدينا في كل هذه المواقع "رؤساء عمل" وليس لدينا من يصح أن نسميهم بالقادة التنفيذيين فالمشكلة في صلبها وتشخيصها وفيما يتعلقُ بعلاجِها "مشكلة إدارية" للنخاع.

وإذا كان البعض يشعرُ أحياناً بصعوبة التفاؤل بسبب هول حجم المشكلة أو بالأحرى المشكلات، فإنني أَعتقدُ أن موقفَ التفاؤل أو موقف التشاؤم هنا موقفٌ عاطفي ولكنه ليس بموقفٍ علميّ. فحسب مفاهيم علوم الإدارة الحديثة فإن كلَ الأوضاع قابلة للتغيير إلى ما هو أسوأ كما أنها قابلة للتغيير إلى ما هو أفضل -ويتوقف الأمرُ على الكادر الإداري القيادي الذي يفرزه المجتمعُ، فإن كان من كوادر الموظفين العموميين بمفاهيم معظم العقود الأولى من القرن العشرين كنا على طريق استحالة الأمل وفي المقابل فإذا كان الكادرُ المذكور منتمياً لكوادر الإدارة الحديثة والتي تعمل بآلياتٍ وتقنياتٍ مختلفة فإن الأملَ يصبح كبيراً في التغير إلى الأفضل.

وبالتالي فإن أكبر التحديات التي تواجه أَية حكومةٍ في مصرَ هو التحدي الخاص بإختيار القيادات في كل المواقع بمختلف الوحدات وأيضاً بروح عمل هؤلاء. وليس من الصحيح أن يقول البعض : "ومن أين نأتي بهؤلاء؟ !!…

فإذا كان الواقع يؤكد أنه ليس لدينا مخزون كبير من القادة الفعاليين لمختلف المواقع (وذلك بسبب تدهور المستويات العامة خلال العقود الأخيرة) فإن الواقع أيضاً يثبت أن لدينا (في معظم المواقع) من هم أَفضل نسبياً لو تجاسرنا وواجهنا العديد من عيوبنا الذائعة مثل "الشخصانية" في الإختيارات.. ومفاهيم بالية مثل "الأقدمية" كمعيارٍ أَساسي للإختيار...وجنوح الرؤساء في العديد من مواقع العمل لإختيار من هو "أسلم" لهم عوضاً عن إختيار الأكثر كفاءة .. وكذلك طغيان قيم المصالح والمال والنفوذ في مواقع يجب أن تختفي فيها هذه القيم. لو تجاسرنا وواجهنا (بشجاعةٍ أدبية) جل هذه العيوب فإننا يمكن أن نوفر كوادر بشرية أفضل (نسبياً) في العديد من المواقع القيادية …ولا يعني أننا سنحصل على نتائج مثلى لأن معطيات وعناصر النتائج المثلى شبة منعدمة بسبب المناخ العام (القدوة…التعليم…الإعلام…الفساد بصورتيه : الأدبية والمادية)…ولكننا – لاشك- سنحصل على معدل تقدم أفضل- أما النتائج المثلى فيمكن فقط حدوثها (عبر عقد واحد من الزمان) لو توفرت العناصر المثلى في الرقائق العليا للهرم المجتمعي – وهو أمر حدث بالفعل في العديد من البلدان ولكنه لم يحدث في منطقتنا بأسرها خلال كل العقود الأخيرة.

ويقودنا ما سلف إلى السؤال الهام وهو: ما العمل؟…والإجابة يجب ألاَ تكون من خزان الإقتراحات النظرية لكل عقل يتصدى للإجابة عن هذا السؤال وإنما ينبغي أن يكون الجوابُ من مراجعةِ محايٍدةٍ لما حدث في الواقع المعاش خلال العقود والقرون الماضية.

وإذا فعلنا ذلك فإننا سنجد أننا بصدد آليتين (أو نظامين) لبلوغ المراد في هذا الشأن:

* أما الآلية الأولى فتتمثل في العمل الدؤوب على إحداث تغيرات كمية إيجابية في كلِ موقعٍ أو مكانٍ أو جهةٍ تساهم (إيجابياً أو سلبياً) في تكوين مستويات القيادات . ونحن هنا أمام معضلة كبيرة لأن ذلك يعني أن علينا أن نعمل عملاً دؤوباً ووفق رؤيةٍ واضحةٍ ومن أجل أهدافٍ محددةٍ في مجالاتٍ بالغةِ التشعب. فالتعليمُ جهة ذات صلة وثيقة بهذا الأمر إذ أن العديدَ من قيم التقدم وقيم العمل الحديثة تُغرس في الإنسان من خلالِ سنواتِ التعليم وبرامجه ومدرسيه وأساتذته...والإعلامُ بدوره جهة بالغة التأثير في هذا المجال...ونفس الشيء يقال علي المؤسسة الدينية أو المؤسسات الدينية فإن دورَها لا ينكر في هذا المجال...والحياة الثقافية هي أيضاً مساهم كبير فيما يعنينا في هذا المقام...والقدوة التي تقدمها القياداتُ التنفيذية العليا هي مساهم كبير للغاية بالشكلين الإيجابي والسلبي في هذا الشأن...وبرامج التدريب الإدارية هي كذلك لاعب رئيسي في ملعبِ هذا الموضوع. ورغم صعوبة هذه الآلية إلاَ أنه لا مفر من المحاولةِ عن طريقها لأنها الآليةُ المضمونة حيث يؤدي العملُ التراكمي الإيجابي لإحداث التغيرات المنشودة . ولكن من عيوب هذه الآلية أولاً: صعوبتها وثانياً: تشعبها وثالثاً: عدم قدرتها على الإنجاز السريع ورابعاً: إحتياجها لنقطةِ بدايةٍ تتمثل في مبادرةٍ من رقائق المجتمع العليا...إِلاِّ أنه لا مفر من العمل وفق معطيات هذه الآلية.
* وأما الآليةُ الثانية فتتمثل في حركةِ تغييرٍ واسعةٍ وكبيرةٍ في معظم الرقائق العليا للمواقع القيادية التنفيذية تغيراً يأتي بمن يفرضون قواعداً ونظماً في العمل والأداء تكفل النهضة المنشودة بسرعة أكبر جداً من سرعة إنجاز الآلية الأولى.

ومن الواضح أن الآلية الأولى هي التي عملت في العالم الأوربي الغربي بروافده في القارة الأمريكية الشمالية والتي يمكن أن تسمى بآلية المطبخ البطيء. كما أنه من الواضح أن الآلية الثانية هي التي إتُبعت في البلدان التي سميتُها في كتابٍ حديثٍ لي بدول الطفرة مثل العديد من الدول الآسيوية وبعض دول أمريكا اللاتينية. وبينما بلغت الآلية الأولى أهدافها عبر قرون فإن الآلية الثانية قد بلغت أهدافها في عقود قليلة كانت في أفضل النماذج (مثل ماليزيا وكوريا الجنوبية) في حدود عشر سنوات فقط...بينما كانت في بلدان أخرى (مثل سنغافورة وتايوان وتايلاند وكوستاريكا) قد استغرقت ما بين عشرين وخمسة وعشرين سنة.

ويمكن لدارسي نماذج التطور والتنمية المشار إليها أعلاه أن يقترح أن مجتمعاً مثل مصر ينبغي أن يجمع بين النظامين فيحاول أن يتبع في نفس الوقت الآلية الأولى بمحاذاة محاولة جادة أخرى لإتباع الآلية الثانية لإن ذلكَ أكثر ضماناً لعدم إستفحال عملية تدهور المستويات العامة في الواقع المصري والتي تشمل المستويات الإقتصادية والإجتماعية والإعلامية والتعليمية والإنتاجية والخدمية بل وفي مجالاتٍ أخرى كالمجالاتِ الرياضيةِ والثقافيةِ والفنيةِ وهو أمرٌ بالغ الخطورة ليس فقط على مصرَ وإنما على المنطقةِ بأسرها – فقد كنتُ ولا أزال أؤمنُ أن المتغيرات الكبرى في هذه المنطقة سلباً أو إيجاباً إرتبطت وسوف ترتبط بمصرَ: فعندما قدم محمدُ علي نموذجه للنهضة وهو النموذج الذي لم يشغله وجود أي تناقض بين معطيات الماضي ومعطيات الحاضر والمستقبل فإن المنطقة بأسرها حذت (أو حاولت) حذوه...وعندما إنكسر المشروع النهضوي المصري إنكسرت المشاريع النهضوية في المنطقة وعندما رفعت مصرُ أعلامَ الإشتراكية والقومية العربية رفعت المنطقة نفس الأعلام...وعندما غيرت مصرُ في أواخر السبعينيات أسلوب تناولها للصراع العربي الإسرائيلي تمردت المنطقة بأسرها ثم اقتفت نفس الخطوات (وهذا أمر حدث أي واقعي منبت الصلة بصواب أو خطأ المنهج)...وحتى ما يسمى بالإسلام السياسي (وهو مشروع سياسي بحت لا علاقة له بالدين إِلاَّ إستعمال الدين لتحقيق أهداف سياسية) فإن معظم أدبيات هذا المشروع هي إما منتج مصري أو منتج تم تجديده على أيدي مصريين.

** للمؤلف كتاب (صدر سنة 1986) بعنوان "ما العمل؟" ... لا علاقة له بهذا المقال إلا العنوان المأخوذ من عنوان كتاب أشهر لكاتب أشهر ؛ وأعني الكتاب الذى أصدره لينين بهذا العنوان سنة 190



#طارق_حجي (هاشتاغ)       Tarek_Heggy#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن - كافور الإخشيدي - و كرومويل الإبن والإبن ....
- عن - الهوية - أتحدث ...
- .دراما الإسلام السياسي
- -التعليم الديني-... في الميزان .
- روح النهضة
- أين لطفي السيد عصرنا؟
- الصراع العربي الإسرائيلي .. نظرة مغايرة للذائع من الآراء
- مشتكون .. ومشخصون .. ومعالجون
- التطرف : بين الفكر والظروف .
- يا عقلاء السعودية : إتحدوا !!
- لو كنت سعوديا شيعيا
- الولايات المتحدة ومستقبل العالم
- مؤسسات الديموقراطية أهم من صندوق الإنتخابات
- مشكلة الأقباط فى مصر
- مشروع ثقافي لمصر المستقبل
- البشرية … وأمريكا… ومسيرة التمدن
- المستقبل : ننتظره .. أم نصنعه ؟
- ضرورة الفهم الثقافي للسياسات العالمية
- ملف التعصب ... أم ملف الأقباط
- تعليم عصري … أو الطوفان


المزيد.....




- هل قررت قطر إغلاق مكتب حماس في الدوحة؟ المتحدث باسم الخارجية ...
- لبنان - 49 عاما بعد اندلاع الحرب الأهلية: هل من سلم أهلي في ...
- القضاء الفرنسي يستدعي مجموعة من النواب الداعمين لفلسطين بتهم ...
- رئيسي من باكستان: إذا هاجمت إسرائيل أراضينا فلن يتبقى منها ش ...
- -تهجرت عام 1948، ولن أتهجر مرة أخرى-
- بعد سلسلة من الزلازل.. استمرار عمليات إزالة الأنقاض في تايوا ...
- الجيش الإسرائيلي ينفي ادعاءات بدفن جثث فلسطينيين في غزة
- علييف: باكو ويريفان أقرب من أي وقت مضى إلى اتفاق السلام
- -تجارة باسم الدين-.. حقوقيات مغربيات ينتقدن تطبيق -الزواج ال ...
- لأول مرة.. الجيش الروسي يدمر نظام صواريخ مضادة للطائرات MIM- ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - طارق حجي - ما العمل ؟