أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جمال بنورة - الدرس الأخير - قصة قصيرة














المزيد.....

الدرس الأخير - قصة قصيرة


جمال بنورة

الحوار المتمدن-العدد: 2540 - 2009 / 1 / 28 - 04:27
المحور: الادب والفن
    


التلاميذ ينتظرون بفارغ الصبر أن يُقرع الجرس.
المعلم يتململ أيضاً، وينظر بين الحين والآخر إلى ساعته، كأنه يستعجل انتهاء الدوام.
اضطر المعلم لاختصار درسه، حينما لم يتمكن من جذب انتباه التلاميذ.
منذ بداية الحصة ودوي إطلاق الرصاص يتناهى إلى مسامعهم من مكان قريب، ويُشتت انتباههم عن شرح المعلم.
شرع بعضهم بإغلاق كتبه ووضعها في الحقيبة استعداداً للرواح. ورأفت ينبش في حقيبته-قبل أن يغلقها-ليتأكد من وجود النقافة بداخلها.
التلاميذ مشدودون إلى مقاعدهم-وهم في حالة تحفز- كأنما هم مقيدون إليها، التزاماً بالتعليمات المشددة بعدم المغادرة، قبل انتهاء الدرس الأخير. تكاد ملامحهم تنطق بما يحسون به من ترقب، وتوتر، وضيق، وخوف.
***
ما كاد رنين الجرس يلامس آذانهم حتى تدافع الأولاد متسابقين إلى خارج الصف، يزاحم بعضهم بعضاً، وكأن أحداً يطاردهم بعصا.
عندما صاروا خارج المدرسة، اختار بعضهم السلامة، وسار في اتجاه بيته. ومشى معظمهم صوب الحاجز، حيث تدور المواجهات بين المتظاهرين والجنود.
نسى رأفت أو تناسى ما أوصته به أمه بالابتعاد عن مواقع المواجهة.
دفعه الفضول والرغبة في المشاركة للمرة الأولى للذهاب مع غالبية الطلاب.
***
جهزت أم رأفت طعام الغداء، ووضعته على السفرة، مع اقتراب موعد مجيء أولادها من المدرسة.
حضر كلهم ما عدا رأفت.
سألت إخوته عنه، فلم يجبها أحد.
اندفعت مسرعة إلى الشارع. لحقها الابن الأكبر عندما اكتشف اختفاء نقافته من مخبأها.
بغضب، طلبت إليه الرجوع إلى البيت-خشية أن يذهب للمواجهة هو الآخر-والإعتناء بإخوته الصغار ريثما تعود.
مضت تبحث عن ابنها بين الأولاد العائدين من مدارسهم. وتتساءل:-هل رأى أحدكم رأفت؟
أشار أحد الأولاد بيده نحو الحاجز.
-رأيته يذهب إلى هناك..
هذا ما كانت تخشاه طوال الوقت.. منذ اندلعت انتفاضة الأقصى، كانت تحس دائماً أنه سيأتي اليوم الذي لن تستطيع فيه منع أبنائها من المشاركة.
لم تقتنع أن مثل ابنها يمكن أن يقدم أو يؤخر في الانتفاضة فهو لم يشتد عوده بعد. ومضت مسرعة في طريقها، ودقات قلبها تقرع صدرها بشدة. واستولى عليها خوف مميت.
رأت بعض النسوة يخرجن من المخيم للمشاركة.. ربما، أو للبحث عن أولادهن. إحداهن تحمل بعض رؤوس البصل للتغلب على رائحة الغاز التي فاحت في الجو حتى وصلت إلى المخيم.
***
رأفت يتقدم إلى موقع المواجهة، غير شاعرٍ بالخطر المحدق به، كأنه يمارس لعبة مع أترابه. حقيبته على ظهره. نقافته في يده، والحصى في جيبه، وهو يمسح دموعه التي انسابت بتأثير رائحة الغاز.
انهمرت الحجارة كالمطر على سيارات الجيش التي يحتمي بها الجنود.
نزل أحدهم من الباب الخلفي للجيب. صوّب سلاحه، أطلق قنبلة غاز.. أخذت تتدحرج على الإسفلت.. وهي تطلق نفثاتٍ قوية من الدخان.
سارع أحد الشباب إليها. تناولها فحرقت أصابعه، وبسرعة رمى بها ثانية باتجاه الجنود.
رأفت مسرور بممارسة لعبة الحرب، التي كان تدرب عليها مع رفاقه.
لماذا لم يشعر بالخوف؟ ألانه لا يفهم معنى الخوف؟ أو لأنه لا يعرف ما يتهدده.. ودوي إطلاق الرصاص يشتد مع تزايد رشق الحجارة؟
أحس بشيء يصدمه في صدره. لم يفهم ماذا أصابه! تثاقل في مشيه، وهو يتقدم نحو الجنود.. ثم لم يعد قادراً على حمل نفسه.. رجلاه تخونانه عن السير.. تقوس ظهره قليلاً. انبثق الدم من صدره.
صرخة انطلقت قريبة منه.
-أصيب الولد!
كأنه ظنّ الحديث يدور عن شخص آخر..
تهاوى إلى الأرض. أحاط به عدد من الشباب. خفت صوت إطلاق الرصاص للحظات.
الشباب يتقهقرون إلى الخلف.. كثرت الإصابات. حملوا رأفت في سيارة إسعاف، كانت تقف قرب المكان لنقل الجرحى والمصابين.
***
ركضت الأم نحو السيارة.
-ماذا جرى؟.. من الذي أصيب؟
-لا تؤخرينا عن عملنا!
لم يعرف أحد أن المصاب هو ولدها.
طال بحثها عن ابنها على غير طائل.. حتى قال لها أحد الأولاد:
-أخذوه في السيارة!
-أي سيارة؟
-الإسعاف..
لطمت وجهها بيديها.
-يا ويلي!!
تذكرت في هذه اللحظة زوجها، الذي يقبع في السجن منذ خمس سنوات.
***
في المستشفى تجمع عدد كبير من الناس. البعض جاء ليستفسر. البعض الآخر ليتبرع بدمه.
أهالي المصابين يبحثون عن أبنائهم. بعضهم في غرفة الطوارئ.. وآخرون نقلوا إلى غرف المستشفى لمزيد من العلاج. ومن كانت إصابته طفيفة أُخرج على الفور.
هناك جثة لصبي في العاشرة، لم يكن أحد قد تعرف عليها بعد.
الأم تدور بين الجرحى تبحث عن ابنها..
لم يستطع أحد أن يذكره أمامها.. حتى جاء أقاربها..
قال أحدهم:
-أمامك وقت كافٍ لإظهار حزنك!..
-حزني؟.. على من؟ قالت كمن فقد صوابه.
ظنّها الرجل تعرف بالخبر. قال وهو يربت على كتفها:
-هذا قضاء الله.. عليك بالعودة إلى البيت الآن.. وسنحضره فيما بعد..
-رأفت؟ مات!!
-قولي.. استشهد!
وقعت مغشياً عليها..
فيما أخذوا يعملون على إفاقتها.. كان آخرون يلفون الصبي بالعلم، ويعيدونه إلى البيت.



#جمال_بنورة (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- من الدلتا إلى العالمية.. أحمد نوار يحكي بقلب فنان وروح مناضل ...
- الأدب، أداة سياسية وعنصرية في -اسرائيل-
- إصدار كتاب جديد – إيطاليا، أغسطس 2025
- قصة احتكارات وتسويق.. كيف ابتُكر خاتم الخطوبة الماسي وبِيع ح ...
- باريس تودّع كلوديا كاردينال... تكريم مهيب لنجمة السينما الإي ...
- آخر -ضارب للكتّان- يحافظ في أيرلندا على تقليد نسيجي يعود إلى ...
- آلة السانتور الموسيقية الكشميرية تتحدى خطر الاندثار
- ترامب يعلن تفاصيل خطة -حكم غزة- ونتنياهو يوافق..ما مصير المق ...
- دُمُوعٌ لَمْ يُجَفِّفْهَا اَلزَّمَنْ
- جون طلب من جاره خفض صوت الموسيقى – فتعرّض لتهديد بالقتل بسكي ...


المزيد.....

- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جمال بنورة - الدرس الأخير - قصة قصيرة