أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - منتصر الطيب - مقابلة مع السيد كارل ماركس















المزيد.....


مقابلة مع السيد كارل ماركس


منتصر الطيب

الحوار المتمدن-العدد: 2537 - 2009 / 1 / 25 - 07:21
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


حاوره منتصر الطيب
أجريت هذه المقابلة مع شبح السيد ماركس المتوفى فى عام 1883 ميلادية، وكان هو نفسه قد استعمل مصطلح شبح لوصف قوى أجتماعية حية في صدر البيان الشيوعي قائلاً: "هنالك شبح يجول فى أوروبا ألا وهو شبح الشيوعية". الواقع أنه لم يتبق سياسى أومفكر جاد لم يهتم بالشيوعية، بل الطريف أن رئيس الولايات المتحدة الاميركية المنتخب براك أوباما قد أتهم بالشيوعية والاشتراكية. إذن، وبما أن شبح ماركس لا زال هائماً فقد رأيت أن أتجشم عناء التحدث إليه، أحد أكثر الاشخاص إثارة للجدل في التاريخ ، في قبره عسي أن أتمكن من استجلاء بعض الامور.

المحرر: سيد ماركس، من أنت؟

ماركس: أنا كارل ماركس المولود بالمانيا عام 1818 من أسرة من الطبقة الوسطى ، و كنت من تلاميذ المفكر والفيلسوف هيجل.

المحرر: سيد ماركس، ألا تجد فكرة هذه المقابلة غريبة بعض الشىء بعد مائة ونيف سنة من وفاتكم؟

ماركس : نعم أجدها غريبة بعض الشىْ ولكنها فرصة لأوضح بعض الأشياء، فحتى خلال حياتى روج العديد من الناس لآراء هى ليست من أفكاري لدرجة أننى صرحت بأن فلانا هذا إن كان يزعم بأن هذه الآراء ماركسية فأننى بالتالى لست ماركسيا. ومثل هذا الانتحال و التلفيق ليس بجديد فلو سمعت بعض الذين يتحدثون باسم الانبياء أو باسم الله نفسه فستجد أن الحديث على لسان البشر الفانين من امثالنا ليس غريبا.

المحرر: ماهى الماركسية اذا؟

ماركس: لم نزعم أنا او صديقي ورفيق نضالى فريدريك انجلز بأن هنالك نظرية متكاملة خاصة بنا .... إن مجهودنا الفكرى المشترك والمستمد من تراث المدرسة الاشتراكية الفرنسية والاقتصاد السياسى الانجليزى والفلسفة الالمانية كان محاولة لاستكمال هذا التراث الفكرى وربطه بالفعل البشرى العام وتراث الحركات الاجتماعية التى كانت تمور بها أوروبا فى القرن التاسع عشر. ولو نظرنا الى جذور هذه التيارات الفكرية فسنجد أن الفلسفة تعود جذورها الى مصر القديمة (وليس الى اليونان كم كنا نعتقد آنذاك فى القرن التاسع عشر)، والاقتصاد السياسى الذى بدأ مع آدم سميث كان لازما لدراسة التطور فى النظام الرأسمالى الذى حدث ابتداءً من القرن الخامس عشر. الاشتراكية تعود الى الفطرة البشرية ولكنها لم تأخذ اطاراَ فكرياَ الا مع الثورة الفرنسية التى كانت أحد أهم المنعطفات الاجتماعية في التاريخ.

أما دراسة التاريخ فهو أمر قديم أحد رواده المفكر المغاربي أبن خلدون، لكن دراسته لم تتاح لى للأسف لعدم إلمامى بالعربية وعدم ترجمة أعماله إلى اللغات الاوربية مثل أعمال ابن رشد وغيره.

المحرر: الأنموذج الخماسى لتطور البشرية، هل لازلت مقتنعاَ به؟

ماركس: هذه الفكرة تعود لهيجل ولم أزعم قط بوجود أنموذج شامل فهذا الأنموذج لا يفسر تاريخ الشرق مثلا، لذلك فقد حاولت ان أفسر ذلك بما يعرف بنمط الانتاج الآسيوى وقد أسست الدراسات والحقائق العلمية التى تلت حياتنا لأهمية العوامل الثقافية، أو ما أسميناه آنذاك "البنية الفوقية"، في تشكيل أنماط الإنتاج. الإنتاج نفسة عمل ثقافي (الزراعة مثلاً لها تقويم يختلف عن تقويم الرعي). الإقطاع ميز الثقافة الهندو-أوروبية التى توسعت قبل ميلاد المسيح بحوالي الألف عام، وقد ارتبطت هذه الثقافة كذلك بمفهوم العبد والعبودية، وهو مفهوم لم تعرفه الحضارات البشرية السابقة رغم وصولها شأواَ بعيداَ فى التطور المادى، أي أن السخرة لم تكن دائماً أمراً ضرورياً.

المحرر: كيف تمكن المصريون القدماء إذن من بناء الاهرامات؟

ماركس: طوعاً، و هنا يتدخل العامل الثقافي مرة أخري، لقد أتي أولئك الآلاف من الفعله والمهندسين لبناء الأهرام تطوعاً و احتساباً من منطلقات ودوافع دينية.

المحرر: أراك تتحدث عن الثقافة كثيراَ، ألست أنت القائل بأن التاريخ تحركه القوى الاقتصادية ؟

ماركس : بالفعل ولازال الاقتصاد هو القوة التى تحدد الشروط المادية لحياة البشر وسأضرب لك مثلا ببلادك السودان ففى ستينيات القرن الماضى كان اقتصادكم بعافيته ولم تعرف بلادكم المشاكل الاجتماعية والأخلاقية التى تعرفونها اليوم، و كنتم تعتقدون أنكم كشعب محصنون من الأمراض الي ترونها لدي الشعوب الاخري.

إذا كان للعمل الذى قمنا به انا ورفيقى أنجلز فى دراسة تركيبة النظام الرأسمالى في اوروبا من قيمة فهي تبيان أن الأساس الاقتصادى للمجتمع يؤثر إلى حد بعيد في منظومة القيم الأخلاقية والاجتماعية السائدة. ما نراه اليوم من تفشى الانحطاط الأخلاقى والقيم الفردية فى العالم وازدياد الجريمة وقتل الناس وبيع أعضائهم.. الخ يرتبط بتوسع اقتصاد السوق، خاصة في الدول التى يستشري بها سوء توزيع الثروة (الجريمة ليست غريزة بشرية). وحتى قصة هابيل وقابيل تجسد مرحلة الانتقال من براءة مجتمعات الجمع والالتقاط الطبيعية الى عنف المجتمع الطبقي مع اكتشاف الزراعة والرعي. لو رايت دولاً مثل النرويج والسويد اليوم فهى تقريبا خالية من الجريمة بينما نشاهد ارتفاع نسبة الجرائم المرتبطة بالعنف فى دول مثل الولايات المتحدة الأمريكية وجنوب أفريقيا والمكسيك ومصر وغيرها.

المحرر:ماذا عن العبارة التي نسبت إليك "الدين أفيون الشعوب"؟

ماركس: هذا مثل قول( ولا تقربوا الصلاة......) لدى المسلمين، خارج سياقه ودون إكمال النص. بقية جملتى كالآتى (الدين أفيون الشعوب وصرخة المضطهدين). وفى الواقع لا زال هذا مدخل البشرية للدين الى يومنا فهنالك من يستعمل الرصيد الروحي الضخم للدين لتمرير أجندته الدنيوية كما هو غالب اليوم ابتداءاَ من اليمين المسيحي الجديد (جورج بوش) وانتهاءا بالحركات الاسلامية. ولكن هنالك قلة ممن يسعون لتسخير هذه الطاقة الروحية الضخمة لتغيير حياة الناس الى الأفضل مثل أهل لاهوت التحرير فى أمريكا الوسطى والجنوبية وتراث الإمام محمد عبده في الإسلام. على كل حال الناس ليس لديهم الخيار حينما يأتى الأمر الى الدين فهم يولدون بدينهم، لكنهم بالقطع يملكون خيار أن يأخذوا الجانب الصحيح في خياراتهم السياسية والاجتماعية والأخلاقية

المحرر: هل لازلت مؤمنا بالشيوعية بعد كل هذه السنوات؟

ماركس: بالطبع، الشيوعية هى الفطرة التى جبل عليها الناس. ثم ماذا يفعل بيل جيتس بكل هذه الملايين؟ ألا يأكل مثلما نأكل ويشرب مثلما نشرب؟ تصور لو تم توزيع هذة الثروة علي الفقراء في أمريكا دعك من الجوعى في الدول الفقيرة.

البشرية أمضت 90% من عمرها فى مجتمعات مشاعية سادتها قيم التكافل والسلام لكنها لا يمكنها الاستمرار في ظل "حضارة" تضع 90% من الثروة فى بلد مثل امريكا في يد أقل من 4% من السكان. لكن، يجب ان أضيف أن هنالك فرق بين الشيوعية كحلم إنسانى وبين الاشتراكية كأمر قابل للتحقيق. هنالك نماذج بالفعل تقترب من، بل ربما هي أفضل من جمهورية افلاطون و مدينة الفارابى الفاضلة مثل السويد، حيث يستمتع الناس بنظام متقدم للرعاية الصحية والاجتماعية ويتمتعون بالحرية فوق ذلك.

المحرر: يزعم البعض ان الرأسمالية قد انتصرت (فوكوياما) وأن الشيوعية والاشتراكية كقيم بشرية قد اندثرت مع زوال الاتحاد السوفيتى؟

لا أتفق مع ذلك، هنالك العديد من الدول والشعوب لا زالت تحكم بصيغة أو بأخرى لها علاقة بقيم العدالة الاجتماعية مثل الصين التي يحكمها حزب شيوعى حول دولة كانت تقبع تحت سطوة الأفيون إلى قوة كبرى وهنالك النموذج الاسكندنافى، وهنالك كوبا التى هى المثل الأعلى لدول أمريكا اللاتينية والتى نشهد بها تيار غالب أتى باليسار للسلطة عبر صناديق الاقتراع، وهنالك فوز أوباما فى الولايات الاميركية والذى يشكل هزيمة لقيم الرأسمالية المتوحشة وسيادة اقتصاد السوق الذى تم تصدير أنموذجه إلى دولكم النامية.

المحرر:صارت كتبك رائجة هذه الايام فى السوق مع الأزمة المالية الاخيرة!

ماركس: للأسف لم استطع جني المال من ذلك كما تفعل رولنج مؤلفة هارى بوتر. لو توفر لي بعض من ذلك الدخل لأنفقتة على تلك المرأة الارستقراطية الجميلة، جينى ماركس، التي قبلت بالحياة مع كاتب معدم مثلي.

في الواقع حينما تنبأت بالأزمات الدورية للرأسمالية لم اكن ضاربا بالرمل بل بنيت توقعاتى على سنوات من الدراسات المعمقة بما فى ذلك استعمال النماذج الرياضية لاول مرة فى هذا المجال. لقد استغرق مني الأمر سنوات وكل ذلك موجود فى الأجزاء الثلاثة من كتابي "رأس المال" الذى لم استطع أن اكمله لأن الموت كان أسبق. ومن المؤسف أن مجهودي هذا قد تم اختزاله فى كتيبات صغيرة وأفكار مبتسرة لا علاقة لها بمنهج الجدل، وفى قوالب جامدة وعقيمة. لا بد من التأكيد هنا على أنني قد أكدت على التالي: الأزمة المالية التى تمسك بخناق العالم اليوم ليست أمرا طارئاَ ولكنها جزء من الطبيعة الفوضوية والطفيلية للرأسمالية. فوضوية لأن آلية السوق، هذه البقرة المقدسة لدى الفكر الرأسمالي، تؤدى الى أزمات الإنتاج وهو ما يؤدى الى الأزمات الدورية، وبالمناسبة يؤدى ذلك أيضاً الى إحداث ضغط على المنظومة البيئية الهشة للكرة الأرضية، وهو أمر لم يكن فى بالنا خلال القرن التاسع عشر. إن كان مالتوس قد استطاع ببصيرة نافذة أن يلمح ذلك فهو ما أخطأنا به أنا وانجلز.

تعمل الرسمالية على تجاوز الطابع الهيكلي والداخلي لأزمات إنتاجها بالنفخ فى فقاعة النشاط الطفيلي وإشعال الحروب وهو ما أنتج الأزمة الحالية حتى أصبح اكثر القطاعات بؤساَ وجشعا فى المنظومة الرأسمالية، قطاع المضاربات، يمتلك اليد العليا سياسياً و اقتصاديا. لنري الآن ما الذي سيفعله السيد أوباما و فريقه.

المحرر: لنأتى على ذكر الفلسفة فأنت القائل "اهتم الفلاسفة بتغيير العالم لكن المهم هو تغييره"، هل لا ازلت ترى للفلسفة دورا؟

ماركس: كلمة فلسفة الاغريقية تعنى حب الحكمة والسعى اليها، وأنتم تقولون "الحكمة ضالة المؤمن.." لقد نشأت على تقاليد الفلسفة الالمانية فى أوج عظمتها، عاصرت هيجل وفيورباخ وقرأت كانط. لكن، هذه الفلسفة الألمانية وتقاليدها الإشراقية الإنسانية لم تعصم هذا الشعب من الانسياق وراء أشد الآيدولوجيات انحطاطا -النازية- لأنه بمثلما ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان لا يستطيع هذا الإنسان الحياة أيضا بلا خبز، فالأزمة الاقتصادية وإذلال الحرب العالمية الأولى بعثت التقاليد الأشد ظلاما فى الثقافة الألمانية وحولت هذا الشعب المستنير حينها الى وحوش. ذلك ما جعلنى قبل نصف قرن من هذا التحول المريع أنبه الى أهمية وجود فلسفة اجتماعية للتغيير. لو تمكنت جمهورية فايمار من الانتصار في الحرب عام 1919 لما تمكن هتلر والحثالة التى معه من الوصول الى الحكم.

خلال المائة ونيف الماضية حدثت متغيرات كبرى بالذات فى مجال العلوم الطبيعية لا سيما في علوم الفيزياء والأحياء و ترويض الذرة واستكشاف الفضاء ما سمح بثورة الاتصالات. هذه المتغيرات حتمت التساؤل حول جدوى الفلسفة. لطالما اعتمدت الفلسفة على العلوم الطبيعية لبلورة مفاهيمها وعلى علوم المنطق فى تصنيع المقولات. ما أود قوله هو أن المساحة الضخمة التى احتلتها الفلسفى فى الماضى (كونها أم العلوم) قد تم شغلها اليوم بواسطة التقدم فى العلوم الطبيعية.

غير أن ذلك لا يعنى أننا لسنا فى حاجة إلى التعميمات النظرية والرؤى الشاملة العابرة لمجالات المعرفة وضروب التخصص وللتداخل بين ما يعرف بالعلوم الطبيعية والانسانية، وهذه الأخيرة أيضا صارت تعتمد بصورة متزايدة على الأدوات الكمية المستعملة فى العلوم الطبيعية مثل الرياضيات...الخ. الفلسفة كانت تلعب هذا الدور فى الماضى فهل ما زالت تستطيع ذلك؟ هذا سؤال متروك أمره لفلاسفة اليوم.

المحرر: العديد من الثورات والحركات الاجتماعية فى المائة الماضية حدثت تحت لواء أفكاركم ما هو شعورك وكيف ترى حصيلة ذلك؟

ماركس: لم يكن ذلك يدور بخلدى أو فى تصورى على الإطلاق، أي أن نحظى بشرف كهذا، أنا فخور بهذا الأمر، نعم كنا نرى أنا وزميلى انجلز بشائر هذه الحركات الاجتماعية الملهمة بالثورة الفرنسية فى كومونة باريس وهى تحالف أيضا بين العمال وفقراء المدن والمثقفين الكارهين للضيم الاجتماعى، والفلاحين فى حالات أخرى، وقد استعملت هذه الحركات أساليب نضال مختلفة. زميلى فريدريك انجلز (إذ كنت قد توفيت حينها) رأى أيضا طلائع الحركات المعادية للاستعمار فى الثورة التى تمت فى بلادكم بقيادة محمد أحمد المهدى، رأى طبيعتها الاجتماعية كما رأى طابعها المعادى للاستعمار فى أوج ما سمى بالهرولة نحو افريقيا. لكن، الحدث الأهم والثورة ذات الأثر الأبعد مدى هى تلك التى تمت فى روسيا أوائل القرن العشرين وأدت الى نشوء الاتحاد السوفييتى، وهى تجربة عظيمة بكل ما شابها من اخفاقات، لأول مرة تتمكن الطبقة العاملة من الحكم بصورة ما وتنشىء دولة وتقيم انموذجا للتآخى بين العمال والفلاحين وبين القوميات، وأن تثبت أن الحافز المادى الفردى والربح ليس أساس التقدم الاقتصادى والاجتماعى.

لكن الأهم بالطبع بالنسبة لكم في الدول النامية هو الدور الذى لعبه الاتحاد السوفييتى فى القضاء على الاستعمار. بعد الحرب العالمية الأخيرة التى كان للسوفييت فيها القدح المعلى فى القضاء على الفاشية تمكنت شعوب المستعمرات من نيل استقلالها دون من أو أذى، بدءا من الهند وانتهاء بافريقيا الخ.. لقد كانت حقبة عاصفة وثورية بحق. والآن ترى كيف يستأسد الاستعماريون فى العالم بل ظهر من ينادى بعودة الاستعمار وتقسيم العالم الى كتل نفوذ، لكن هذا بالطبع مستحيل فثلث العالم (الصين) خارج النفوذ المباشر للسيطرة السياسية للرأسمالية.

المحرر: ذكرت ان حافز الربح ليس حافزا أساسيا للتقدم الاقتصادى هل يمكنك ان تشرح ذلك اكثر؟

ماركس: هذه أحد الأوهام التى يروج لها الرأسماليون وهي أننا نعيش من أجل جنى المال والتملك. الدولة السوفييتية هى البرهان العملى على خطل ذلك وقد كانت دولة متقدمة تكنولوجيا واقتصاديا وأتى علماؤها بما لم يأتى به رصفاؤهم عبر "الجدار الحديدى" بينما كانوا لا ينالون أرباحا ضخمة عن إنتاجهم الفكرى. فى الواقع، العلماء والمخترعون فى الدول الرأسمالية نفسها لا ينالون أرباحا ضخمة عن إنتاجهم الذهنى، بل يذهب الربح فى الغالب إلى المالكين والمدراء التنفيذيين للشركات الكبرى وهم بالكاد يمكن تصنيفهم فى عداد المبدعين أو المخترعين، هؤلاء هم الذين يمتلكون المنتجعات والجزر الخاصة فى امريكا الجنوبية والمحيط الهادى ويجوبون العالم فى يخوتهم الفخمة. مايكل مور، المؤلف والمخرج السينمائي الأمريكي الساخر وصاحب كتاب "الرجال البيض الأغبياء"، عرض تجربة مثيرة حيث قام بتوجيه عدد من الأسئلة المفصحة عن القدرات الذهنية والمعلومات العامة إلى عينتين من الناس، إحداهما من العمال والأخري من حي مانهاتن الراقي. أظهرت الإجابات تفوقاً واضحاً للعمال، فمثال بيل غيتس وكريغ فينتر ليس إلا استثناء في عالم الأغنياء في الغرب.

الوهم الآخر أن الرأسمالية تتبنى الإبداع والمبدعين، لكن سجلات براءات الاختراع وعالم التأليف الموسيقى وكاتبى السيناريو للأفلام أدلة على غير ذلك. الإنسان يبدع وينتج لأن هذا مصدر متعة له وأحد آليات استمراره فى البقاء وليس من أجل السوق والربح . رعاة الأبقار فى افريقيا ينتجون ويحوزون آلاف الأبقار التى يرتبطون بها ولا يودون بيعها فى السوق بأية حال لأن عملية الإنتاج في حد ذاتها متعة لهم.

المحرر: بعد مائة و خمسون عام من البيان الشيوعى ماذا كنت ستقول أذا أتيح لك ذلك مرة أخري؟

ماركس: سأقول "يا عمال العالم وشعوبه المضطهدة اتحدوا"! حسب مجلة (فوربس) لازالت هنالك حفنة قليلة من البشر لا تتعدى المئات تحوز على ثروات الناس وموارد الأرض بينما العالم فى اضطراب اقتصادى واجتماعى ونشهد كنتاج ذلك، وبصورة دورية، ليس فقط الأزمات الاقتصادية والمالية بل بروز العرقية والتعصب مرة أخري والحركات الاجتماعية اليائسة والفاقدة للبوصلة والتى تلجأ الى تدمير الذات. الذين فجروا مترو الأنفاق فى لندن احتجاجا على دور بريطانيا فى الحرب علي العراق فجروا فى الواقع أولئك العمال والموظفين الذين خرجوا بالملايين احتجاجا على تلك الحرب. أما الذين ورطوا بريطانيا فى الحرب فهم فى مأمن بل واستعملوا تلك الأحداث الإجرامية فى تمرير قوانين معادية للحريات في أعرق الذيموقراطية.

نعم الوحدة مطلوبة اليوم أكثر من أى وقت مضى بسبب التحديات التى تواجهها البشرية مجتمعة. فريق التفكير الرأسمالى ليس لديه الكثير ليقدمه وهو مشغول بمصالحه الأنانية الضيقة، وترفض الولايات المتحدة التوقيع على اتفاقية كيوتو لمحاربة الاحتباس الحرارى، والتاريخ يبين مرة تلو الأخرى أن الحلول الناجعة للمعضلات البشرية لا يمكن أن تتم بصورة نهائية فى الأطر القومية فأوروبا مثلا لا يمكنها أن تقيم واحة للرفاه فى محيط من البؤس والفاقة يلفها من كل حدب، النتيجة هى الهجرة غير الشرعية الواسعة التى تطرق ابوابها. ما تحتاجونه اليوم هو حكومة عالمية، قيم عالمية، وعدالة للناس أيا كانوا. وربما كان تروتسكى محقا هنا فى صعوبة بناء الاشتراكية فى بلد واحد، فالمصالح القومية يمكن أن تتضارب مع المصالح الانسانية. لقد شهدتم في القرن الماضى اضمحلال الدول القومية التى اعقبت الامبراطوريات القبلية (الرومان – المغول)، وأصبحت هنالك قيما جديدة يتحاكم اليها الناس اليوم، ولم يعد من المقبول اليوم ما كان يمكن قبوله قبل نصف قرن مثل اجتماع وزراء خارجية ألمانيا و بريطانيا لتقسيم أوروبا.

المحرر: كيف ترى مستقبل البشرية اذا؟

ماركس: مزيد من السيادة والقبول لهذه القيم.. لأول مرة فى التاريخ نرى قيما شاملة تتجاوز الفوارق الثقافية والوطنية: حقوق الانسان، حقوق المرأة، العدالة الدولية وغيرها من القيم، التى هى أصلا جزء من التراث الانسانى، هذه لم تعد مجالا للجدل. الظروف الاقتصادية والاجتماعية التى لم تكن تسمح بتطبيقها قد تغيرت فالمرأة التى لم تكن تستطيع التحرر من ربقة الاقتصاد المعيشى والمنزلى صار بإمكانها ذلك مع المتغيرات الاقتصادية والتقنية. هنالك قبول متزايد الآن لحقيقة ان أهم تلامذة السيد المسيح امرأة (مريم المجدلية) وأن لها انجيلا باسمها، وقد علمت أيضا ان نبى الإسلام محمد (ص) يدعو الى أخذ نصف الدين من امرأة. كل ذلك لم يجد أذنا صاغية فى الماضى. كذلك لم تجد دعوات الأديان المختلفة للتخلص من الرق فتيلا، تمسك الناس به من شتى الديانات حتى القرن التاسع عشر لأن العمل اليدوى كان مصدر الإنتاج الرئيسي.

إن مستقبل البشرية اليوم يكمن فى هزيمة قيم الفردية والجشع والعنف التى يروج لها أصحاب المصالح الضيقة. ومما يثلج الصدر أن الاشتراكيين.. اليسار والقوى الاجتماعية الحية التي تنبأنا بها أنا وزميلى انجلز هي في صدر هذا النضال المشروع و المصيرى.



#منتصر_الطيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- الشرطة الإسرائيلية تفرق متظاهرين عند معبر -إيرز- شمال غزة يط ...
- وزير الخارجية البولندي: كالينينغراد هي -طراد صواريخ روسي غير ...
- “الفراخ والبيض بكام النهاردة؟” .. أسعار بورصة الدواجن اليوم ...
- مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من ...
- م.م.ن.ص// تصريح بنشوة الفرح
- م.م.ن.ص// طبول الحرب العالمية تتصاعد، امريكا تزيد الزيت في ...
- ضد تصعيد القمع، وتضامناً مع فلسطين، دعونا نقف معاً الآن!
- التضامن مع الشعب الفلسطيني، وضد التطبيع بالمغرب
- شاهد.. مبادرة طبية لمعالجة الفقراء في جنوب غرب إيران
- بالفيديو.. اتساع نطاق التظاهرات المطالبة بوقف العدوان على غز ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - منتصر الطيب - مقابلة مع السيد كارل ماركس