أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالعالي أواب - رائحة الخبز /1














المزيد.....

رائحة الخبز /1


عبدالعالي أواب

الحوار المتمدن-العدد: 2512 - 2008 / 12 / 31 - 03:00
المحور: الادب والفن
    



بداية, ليس بالأمر الهين أن يرمي حداد ما, المطرقة من قبضة يده و يمسك القلم بين أصابعه المفحمة بلون الصدأ الحديدي ويعتنق ملكة الكتابة. كما ليس هيّنا عليه كذلك أن يمسح عن طبلتي أذنيه صياح القزدير , و يخلد إلى ركن هادئ و دافئ ,بعيدا عن صخب و ضجيج المصنع ونفاياته ليكتب يومياته مرتبة ومرقمة كما يجب ..

لكنها الضرورة, ضرورة البوح بما في الصدر من حَرّ قبل أن ينفجر !؟

لكن هل أستطيع ــ أنا العامل البوجادي البسيط ــ أن أحدث ثورة على الورق الذي ينتظرني كلما عدت في المساء منهوكا إلى بيتي المغارة لأتقيأ على بياضه سواد قلبي؟؟ فيا ليته يسعفني !

هل أستطيع أن أحيك كل خيوط حكاياتي من ألفها إلى ياءها بدقة الروائي الماهر؟ ثم هل أستطيع بدرايتي البسيطة لقوالب الكتابة وفنونها العنيدة أن أرسم كل المحنات وكل المرارات التي مرت لا بردا ولا سلاما على هذا الرأس ؟ - أعني رأسي- أم أكتري كاتبا أريه كل أحزاني وكل همومي وأكشف له عن كل حكاياتي من بأسها إلى فأسها؟...

كل هذه التساؤلات وغيرها راودت بالي, لكن أخيرا عملت بنصيحة أبي التي ما فارقتني طول حياتي..أذكر أنه كان حكيما حين قال لي باللسان المغربي :(اللّي ما يَغسلْ كساتُو أو ما يكتبْ بْراتُو ولا ..ولا.. يتعزى في حْياتو..) يعني كل إنسان وجب عليه قضاء حوائجه بيده وإلا فليتقبل التعازي في حياته قبل مماته وذلك خير له من عيشة ضنكا..

وهذه أيامي التي تداولتها مع الأخيار والأشرار داخل أسوار ما يسمى بالشركة المنجمية الشريفة..باسم الضرورة أكتبها.

25 خمسة وعشرون عاما و ما يزيد، ثمانية ألاف يوم عمل مضت عليَ بأيامها ولياليها ، بلهيبها و صقيعها بين المطرقة و السندان صابرا على اللقمة المرة و الساخنة وذلك من أجل إطعام مجموعة من الأفواه المفتوحة الجائعة التي تنتظرني كل يوم حتى أعود ومعي كسرة خبز زقومية المذاق, تلك التي كنت أحلّلُها وأحلّّيها بصبري الحديدي ونيتي الخالصة في خدمة الشركة والوطن بكل إخلاص وتفان في العمل.

واجهت طيلة هذه السنوات كل أنواع الآفات ,كل المصاعب والمتاعب, كل الشدائد وكل ألوان وأشكال القمع من طرف شرذمة من منعدمي الضمير من الأطر الخارجين عن الإطار القانوني و المسؤولين ( الشافات) البغاة الذين لايعرفون لا الله ولا رسوله ولا حتى الوالدين ! فأغلب (الشافات) كانوا يقولون لنا نحن العمال بسفه العبارة أنهم لا آباء لهم ..ويردفون القول : (خْدَمْ أو قََوَدْ) و كلاما آخر أعور، أشد قبحا و وقاحة من هذا وذاك يندى له الجبين خجلا وحياء...

فخطابهم لنا دائما كان صريحا و واضحا في همجيته، لكن بالنسبة لي، أرى أن الفعْـليْن أحلاهما مُُرُ، فالخدمة ليست خدمة رحمة و شفقة تتطلب الجهد العادي للإنسان بل جهد عفريت أو سبعة خيل ,أو ما يعادلهما !! أمّا القيادة فليست قيادة شريفة وعفيفة بل تلك هي المذلة بعينيها,, إما أن تقود الوشاية إلى طريقها الصحيح والسريع نحو (الشاف) أو تقود النقود والهدايا الثمينة إلى عقر داره مرفقة برقم تأجيرك وخصوصا إذا تعلق الأمر برشوة المواشي والدواجن(ضروري رقم التأجير بحيث يكتب على ظرف و يربط بخيط أسفل رجل الخروف أو الديك الهندي،،) إنه حديث شائع بين شريحة واسعة من العمال, وذلك حسب رواية صحيحة وموثوق منها رواها كثير من زملاءنا الخونة الذين كانوا يفضحون بعضهم البعض سواء عن قصد أو عن غير قصد..

أما الأطر( الشافات) فقد كانوا جلهم حُكاما ظُلاما بكل المقاييس , إلا من رحم ربي.. وهذه سيرة كل الكُبَيرين فهم يحسبون أنفسهم أناسا كبارا يُحسبُ لهم ألفُ حساب و يحسبوننا نحن الصغار رعاة أبقار أو أدنى من ذلك إلى درجة أنهم كانوا لا ينادوننا بأسمائنا الحقيقية ، فكلما احتاجوا منا أحدا، لخدمة ما، كانوا ينادونه :

(آآ الحلوووف! أو آآ البغل!)

قبل هذا الهوان , فلا بأس, قد يقبلوه و يقربونه إلى قلوبهم كخادم وليس كعامل نشيط ذو شرف و كرامة..وذلك حسب طقوس هواهم و مزاجاتهم الوسخة..

أما إذا لم يقبل هذا الذل و الهوان ,فلا أرض تتسع لقدميه و لا حتى لنفسه الضيقة ..إنه زمن الزبونية و المحسوبية والسباق إلى التموقع ولو على حساب الشرف الرفيع !

أما إذا لم تقبل الخضوع لمثل هذه الطقوس فما عليك إلا أن تقلب قفاك إلى الخلف و تقود جثتك المنهكة خارج أسوار الشركة....

فما عليك إلا أن تختار ما بين العار و النار, إما الخضوع أو الجوع..

بالنسبة لي أنا الشاب الفتي المسلح بقوة الإيمان و الصبر، فقد كنت دائما أختار أن أكون أثناء مزاولة عملي الشاق والمضني، عفريتا بإذن الله كي أسْـلَمَ من الكفرة أعداء الله !


ــــ عبد العالي أواب ـــــــــــــــ







الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- هل تزوج حليم من سندريلا؟.. أسرة العندليب تنهي الجدل
- كان يا ما كان في غزة : عندما يصبح الفيلم وثيقة عن الحياة قبل ...
- أول فيلم نيجيري في مهرجان كان يفتح الباب أمام سينما -نوليوود ...
- صفاء السعدون فنان من بابل العراقية يعرض لوحاته في قازان الرو ...
- مالك حداد.. الشاعر والروائي الجزائري الذي عاش حالة اغتراب لغ ...
- آرت بازل قطر ينطلق عام 2026.. شراكة إستراتيجية تكرّس الدوحة ...
- بعد وفاة زوجها وابنيها.. استشهاد الممثلة الفلسطينية ابتسام ن ...
- زاخاروفا: قادة كييف يحرمون مواطنيهم من اللغة الروسية ويتحدثو ...
- شاركت في -باب الحارة- و-عودة غوّار-.. وفاة الفنانة السورية ف ...
- نجمة عالمية تتألق بفستان استثنائي منذ عام 1951 في مهرجان كان ...


المزيد.....

- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالعالي أواب - رائحة الخبز /1