أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - جمال بن رمضان - آليات الحرب السرية في الجزائر















المزيد.....

آليات الحرب السرية في الجزائر


جمال بن رمضان

الحوار المتمدن-العدد: 771 - 2004 / 3 / 12 - 08:01
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


بعد مرور اثني عشر عاما على الحرب الاهلية في الجزائر ماذا نعرف فعليا عن هذا النزاع الدامي الذي اوقع ما يقارب الـ 150 الف قتيل غالبيتهم من المدنيين المفتقرين الى اي حماية؟ تقدّم عشرات المؤلفات الصادرة في فرنسا ابتداء من خريف العام 2000 والممنوعة تلقائيا في الجزائر اضاءة غير مسبوقة على آليات "التمرد المضاد" الذي اطلقه الجيش الجزائري للقضاء على الثورة الاسلامية المسلحة. ومع ان هذه الشهادات لا تزال جزئية ويصعب التأكد منها احيانا(1) الا انها كشفت خبايا حرب قذرة كانت رموزها تعصى طويلا على التفكيك والتي كان للمخابرات الجزائرية الدور الرئيسي فيها.

بعد "انقلاب" كانون الثاني/يناير 1992 الذي عطل الانتخابات المؤيدة للجبهة الاسلامية للانقاذ، ارتكز الجيش الجزائري على قسم من المجتمع المدني والاحزاب السياسية لاستعادة زمام الامور. وكان اعلان حال الطوارئ ومنع الجبهة الاسلامية مؤشراً لحملة واسعة من الاعتقالات حيث اوقف آلاف المناضلين الاسلاميين والمؤيدين و"المشكوك" في امرهم لينقلوا الى الصحراء حيث سجنوا من دون محاكمة(2). من افلت من الاعتقال انخرط في العمل السري او التحق بالمجموعات الراديكالية التي حملت السلاح بعد اعتقال زعمائها في حزيران/يونيو 1991 (3).

فشلت خطة القمع الواسعة بهدف تفكيك الحركة الاسلامية في فترة لا تتعدى الاشهر كما كان مخططا لها، فانتشر التمرد المسلح لفترة طويلة في شمال البلاد مدعوما من شبكات الجبهة الاسلامية للانقاذ. كما دخل الارهاب المديني بعنف الى الحياة اليومية لسكان العاصمة مع ما تسبب به من تصفيات وتفجيرات وما تعرض له سكان القرى من ممارسات الفصائل الاسلامية المسلحة. فأقام الجيش النظامي العاجز عن وقف موجة العنف المتمادية، آلة حرب معقدة ترتكز في جزء منها على مديرية الامن والمعلومات التي تحولت منذ 1992 الى محور الجهاز المناهض للارهاب(4).

ستؤدي حلقة العنف هذه الى طحن عشرات آلاف الارواح. فمنذ بداية المواجهة تكاثرت التعديات على المدنيين لاسيما في المنطقة الوسطى وسهل ميتيدجا حيث تتجذر الجماعة الاسلامية المسلحة. ويروي لنا احد سكان تلك المنطقة، السيد نصرالله يوس، مسار الانزلاق المحتم نحو العنف. يصف لنا كيف تعرض سكان بلدة بن طلحه الواقعة على بعد كيلومترات من العاصمة، لاعمال العنف من الاطراف كافة: الاسلاميين، الجيش والميليشيات. فشهدوا التصفيات والخطف والاعتداءات او الهجمات وصولا الى ما حدث في شهر ايلول/سبتمبر عندما قامت مجموعة مسلحة بقتل وذبح ما يقارب الاربعمئة شخص طوال ليلة واحدة. والشهادة التي يقدمها وإن كانت لا ترمي المسؤولية على الجيش الا انها تتناقض مع الرواية الرسمية التي تنسب الى الاسلاميين وحدهم العنف الذي يمارس ضد الاهالي. وصاحب الشهادة يتعرض في الجزائر الى هجمة اعلامية منظمة(4).

منذ الاشهر الاولى للنزاع عمدت الحكومة الجزائرية الى ضبط الاعلام المستقل وحاولت توجيه عمل الاعلام الاجنبي ومنظمات الدفاع عن حقوق الانسان. ويؤكد محمد السمراوي الكادر السابق في جهاز مكافحة التجسس ان الجهاز تعاون مع صحافيين واحزاب سياسية "صديقة" ومثقفين في سبيل اقناع الرأي العام بصوابية الخيار الامني. وقد وصل التلاعب الى حد الترويج للوائح سوداء مزعومة منسوبة الى الاسلاميين تهدد المثقفين بالتصفية او الى توزيع بيانات منسوبة الى الجماعة الاسلامية المسلحة كانت قد لفقتها المخابرات لبثّ الفرقة بين الفصائل الاسلامية(5).

ويعتقد هذا الضابط الذي تعاون لفترة طويلة مع كبار مسؤولي المخابرات بحصول "اختراق" على اعلى المستويات داخل الجماعة الاسلامية المسلحة مما يتيح استخدام العنف الاسلامي لاغراض سياسية حكومية. وقد تكون مديرية المخابرات عمدت الى تأليف جماعات مسلحة لمواجهة التمرد واستخدمت عسكريين قيل انهم فروا من صفوف الجيش لاختراق صفوف الشبكات الارهابية. لكن الخطط لم تنجح كونها تتطلب السرية المطلقة والتنسيق التام مما جعل بعض الجماعات المسلحة خارجة عن اية سيطرة(6).

وتعتمد الوحدات العسكرية العاملة على ارض المعركة في مناطق التمرد على "حلفاء محليين" متعاونين مع جهاز المخابرات. ويفصّل السيد عبد القادر تيغا، العضو السابق في احد مراكز التمرد المضاد هذه في ميتيدجا، المهمة الملقاة على عاتقهم:"الاستجواب، التعذيب وتصفية المدنيين المتهمين بارتكاب نشاطات ارهابية"منذ العام 1993 ومع انشاء محاكم استثنائية ونشر قانون لمكافحة الارهاب، تلقت هذه المراكز تعليمات واضحة من قياداتها من اجل الحد من "الاحالات على المحاكم"(7).

حاول الجيش الجزائري في موازاة ذلك ضرب القاعدة الشعبية للجماعة الاسلامية المسلحة من خلال تشجيع قيام ميليشيات شبه عسكرية مع ما تتضمنه هذه الخطوة من مخاطر. فهؤلاء المدنيون المخولون رسميا مهمة حفظ الامن في الارياف ضمن اطار "سياسة الدفاع الذاتي" يقفون حقيقة في الصفوف الامامية ضد المجموعات المسلحة. ستؤدي "خصخصة الحرب" هذه الى لجم العنف لكن على حساب اعادة سيطرة دموية على المناطق الريفية. فهناك جزء من هذه الميليشيات لا يخضع لاي سيطرة فيرتكب المذابح من دون وازع ردا على الاعتداءات، ويطلق العنان لعمليات الثأر. وتأتي البيانات الرسمية في كل مرة لتعيد هذا النوع من الاحداث الى تصفية حسابات بين اطراف متناحرين او الى اعتداءات اسلامية(8). ضمن اجواء الفوضى هذه تظهر "كتائب الموت" الخاضعة، على قول الرئيس اليمين زروال، الى "مراكز نفوذ قوية" لا تتبع لاي سلطة رسمية(9). وبحسب محمد سمراوي فان هذه الكتائب تتألف من وحدات سرية تابعة للمخابرات ومكلفة القيام العمليات الانتقامية و"الضربات الملتوية"وتؤدي هذه الحلقة الجهنمية من اعمال العنف والتعديات الى مجازر كبرى وقعت في العام 1997 واودت بحياة الآلاف ولا تزال حيثياتها مجهولة. في العام نفسه واستجابة للضغوط الدولية فتحت الجزائر ابوابها امام منظمات الدفاع عن حقوق الانسان التي قال احد مسؤوليها ان هناك على الدوام "اجواء من التخفي والكذب"(10) والمفارقة ان جهاز المخابرات سيقوم وسط مناخ الرعب هذا بإجراء المفاوضات مع الجيش الاسلامي للانقاذ، الجناح المسلح للجبهة، والذي سيعلن هدنة من جانب واحد في تشرين الاول/اكتوبر 1997 بينما كانت قرى بأكملها تتعرض للابادة والمجازر تتواصل بإيقاع جنوني. لكن الاتفاق العقود بين الطرفين لم ينشر بعد فيما تم العفو عن حوالى 6 آلاف مسلح متهمين بارتكاب جرائم دموية. واذا كان قد رفع الستار عن النواة الاولى لهذا النزاع فان الكثير لا يزال طي الكتمان مثل ملفات الخطف والتعذيب او التفكك السريع وغير المبرر للجماعة الاسلامية المسلحة غداة هذا الاتفاق والمجازر الواسعة النطاق.

* رئيس تحرير "الجيريا انترفاس" (http://www.algeria-interface.com)



--------------------------------------------------------------------------------

[1] ثلاث من الشهادات الصادرة في فرنسا واوروبا هي من توقيع اعضاء سابقين في جهاز المخابرات الذي كانت له صلات مع الحركة الجزائرية للضباط الاحرار وهي منظمة منشقة مثيرة للجدل.

[2] Lyes Laribi, Dans les geôles de Nezzar, Paris-Méditerranée, lieu , 2002

[3] تم اعتقال زعماء الجبهة الاسلامية للانقاذ اثر الاضراب العام في حزيران/يونيو 1991

[4] Voir Habib Souidia, La Sale guerre, La Découverte, Paris, 2001

[5] Nesroulah Yous, Qui a tué à Bentalha ?, La Découverte, 2000

[6] Mohamed Samraoui, Chronique des années de sang, Denoël, Paris, 2003

[7] كان لوزير الدفاع السابق خالد نزار رأيه خلال الدعوى التي اقامها في باريس ضد مؤلف كتاب "الحرب القذرة"، حبيب سويديه. وقد أكد ردا على اتهامات السمراوي "ان الاختراقات والافعال الملتوية كانت سائدة ..." لكنه انكر ارتباط الجماعة الاسلامية المسلحة بالمخابرات.

[8] Algérie : les révélations d un déserteur de la SM , Nord-Sud Export, Paris, n? 427, septembre 2001

[9] وهو يحصي في مدينة رليزان الشرقية وحدها 131 حالة اختطاف موثقة وتصفيات من دون اي محاكمة على يد الميليشيا التي يقودها رئيس بلدية المدينة.

[10] في رده على لويزا حنون، رئيسة حزب العمال، والتي اوردت جواب الرئيس في كانون الاول/ديسمبر 2001

[11] Le procès de La sale guerre , La Découverte, 2002


جميع الحقوق محفوظة 2003© , العالم الدبلوماسي و مفهوم



#جمال_بن_رمضان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- منهم آل الشيخ والفوزان.. بيان موقّع حول حكم أداء الحج لمن لم ...
- عربيا.. من أي الدول تقدّم أكثر طالبي الهجرة إلى أمريكا بـ202 ...
- كيف قلبت الحراكات الطلابية موازين سياسات الدول عبر التاريخ؟ ...
- رفح ... لماذا ينزعج الجميع من تقارير اجتياح المدينة الحدودية ...
- تضرر ناقلة نفط إثر هجوم شنّه الحوثيون عليها في البحر الأحمر ...
- -حزب الله- اللبناني يعلن مقتل أحد عناصره
- معمر أمريكي يبوح بأسرار العمر الطويل
- مقتل مدني بقصف إسرائيلي على بلدة جنوبي لبنان (فيديو+صور)
- صحيفة ألمانية تكشف سبب فشل مفاوضات السلام بين روسيا وأوكراني ...
- ما عجز عنه البشر فعله الذكاء الاصطناعي.. العثور على قبر أفلا ...


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - جمال بن رمضان - آليات الحرب السرية في الجزائر