دلال الاهوازي
الحوار المتمدن-العدد: 2496 - 2008 / 12 / 15 - 08:01
المحور:
حقوق الانسان
ان حاضر و مستقبل اي شعب مرتبط بعدة عوامل رئيسية، كالمستوي الثقافي، الظروف السياسية و الوضع الاقتصادي و لعل العامل الاقتصادي يوثر بالشكل مباشر و الشفاف علي كل مراحل حياة الانسان. فالواقع ان المجال الوحيد الذي كل الافراد و الجماعات، رغم كل اختلافاتهم في المستوي و الشكل غير قادرين علي ان يتعاملوا معه حسب امر الواقع هو العامل الاقتصادي. فنسبة عالية من الافراد و الجماعات و في كل الطبقات الاجتماعية و السياسية و العلمية، يدبرون امورهم و حساباتهم و علاقاتهم اساسا حسب الروية المادية و حتي حياتهم اليومية تتبرمج و تجري حسب هذه الروية.
اذن كيف اثرت الورقة الاقتصادية علي المجتمع الاهوازي و ما هي اهم تداعيات و أثار الفقر علي الوضع الثقافي و الاجتماعي؟ هل الفقر هو المسئول عن تخلف مجتمعنا ؟
قبل الاجابة عن هذه الاسئلة يجب القول و بايجاز، ان الوضع الاقتصادي في الاهواز، يمر باصعب و احرج حالاته. فكل الاحصائيات الرسمية و الغير الرسمية حول الموشرات الاقتصادية، كالخط الفقر، موشر الغلاء، نسبة البطالة و قوة شراء البضائع و ...الخ تصرخ و بصوت عالي علي حدوث و وجود ازمة اقتصادية عميقة في المجتمع. و هذه الاوضاع الصعبة، موجودة كذلك في ايران و انها النتيجة الطبيعية للمنهج الذي متخذتها الحكومة الايرانية. فبسبب هذه السياسات و الظروف الماساوية للحياة، المحللين الاقتصاديين الايرانين يتكلمون عن خط الفقر الشديد بدل من خط الفقر المطلق. فقسم كبير من الناس يعيشون تحت خط الفقر المطلق و بمعايير ايرانية و لا بالظرورة مقاييس علمية او رفاهية و هذا المستوي اصبح عادي وطبيعي جدا. و المخاوف و التسائلات الموجودة(عند اصحاب الضمائر و لا اصحاب الكراسي )هي حول مابعد خط الفقر الشديد. المخاوف و الاهات هي من غد هذه الشعوب و الجماعات التي خضعت، للفساد و الظلم و اصبحت محترفة في قواعد هذه الثقافة الفاسدة .الثقافة التي بدل ان تربي الانسان الداخلي في نوع البشر اصبحت محترفة في تكريس الكذب و العمالة و التملق و الحسد و السرق و النهب و الجبن و الخوف في المجتمع.
فدائما الشعوب هي التي تدفع ثمن هتافات و سياسات حكامها، ٳما الثمن يكون ماديا" و ٳما معنويا" الذي يتجلي في افساد انسانية الانسان و انخراطه في السباقات الغير عادلة و العبثية من الحياة و کذلك في ارائه و تصرفاته المرفوضة عقليا و انسانيا مع القضايا و الاحداث. و طبعا الشعوب التي لا تربطها علاقة ودية مع من يحكمونها، اكثر من باقي الشعوب تتاثر من هذه التغيرات .
اما بالنسبة لعرب الاهواز، فمازالوا الايرانين اوفياء لكلام احد شاهاتهم الذي قال: اذ اردت الاستيلاء و السيطرة علي الناس اجعلهم اميين و مجاعة. فرغم ان ارض الاهواز غنية و ثرية جدا و تكون المصدر الوحيد لاطعام الايرانين، لكن منذ ابريل1925 و بعد سقوط اخر امارة عربية علي هذه الارض المباركة و حتي الان، ظل العرب الاهوازيين يتعرضون لكل انواع الفقر و الحرمان في حياتهم اليومية. و رغم الحجم الهائل من المتاعب و المصاعب فلا تسير الاوضاع في الاتجاه الصحيح و الصائب. بل مازلنا نتجه نحو الاسوأ و الاصعب من حيث الاقتصادي.
فاذ كنا في الامس القريب نطالب بالمستوي الراقي للحياة و نتكلم عن حق الشعب في العيش الكريم والحياة الهنيئة ، اليوم، المشكلة و بلاخص في البيئة القروية و العوائل الساكنة في زوايا المدن هي مسئلة خبز اليومي و استمرارية الحياة، مسئلة البقاء و مخارجها الباهضة و لا يجد اي مبالغة في هذا الكلام، بل انها الحقيقة الصارخة في المناطق المتراكمة الشعبية في الاهواز.
يكفي الدخول مرة واحدة لقري الاهواز او مناطق سبيدار، المنبع، حصيرأباد و ... للادراك و الاحساس بحجم الماساة و الالام المخيمة علي حياة هولاء الناس. هولاء المستضعفين، كافراد عاجزين عن تامين اولي حاجاتهم المعيشية و غير قادرين علي تامين ابسط حياة كريمة لهم ولعوائلهم و غالبا ما يعانون من سوء التغذية و الامراض الناتجة منها. و كجماعات و اهالي محرومين من اولي الخدمات البشرية كالمياه السالمة ، مراكز صحية ، شوارع نظيفة و مراكز تعليمية و ...الخ و كأنما منفصلين عن هذا العالم و غير معنيين بالحياة الحديثة و تطوراتها في مجال الصحة و العلم و لا ينتمون الي بلد ذو سلطة محلية (قهرية كانت ام شرعية) مسئولة عن تقديم هذه الخدمات الابتدائية .بل وحدهم و دون اي معرفة او اي خيار او سبيل يواجهون هذه الصعوبات و الالام و في الاخير غالبا ما ينهارون و يسقطون امام هذا الواقع المرير دونما يخلق سقوطهم اي تاثيرا او اي احساس بالخجل و الخوف و الرعب و الحزن في نفوس المرتبطين بامر الفقر. بل اقسي من هذا فهذا السقوط الصامت و السكوت امامه قد يمهد الطريق لارتكاب جرائم اكبر و اخطر بحق الطبقات الاكثر فقرا من المجتمع الاهوازی.
و اكثر و اعمق من هذا فلا تقتصر اثار الفقر علي الجانب المادي من الحياة فقط. بل الماساة الحقيقية تنكشف لنا حينما نتعرف عن نفسية و احوال الانسان الذي يعيش تحت هذه الظروف. فالمشكلة تقع حينما ينهار الفرد امام الفقر الاقتصادي و بدل القبول به و المداراة معه يهرب منه و يلجاء و يسقط في اعمالا و افعالا و مصائب اخطر و اصعب و اتعس من الفقر علي حد ذاته.
ما يتبقي من الانسان و ما هو وضع اسرته، حينما بسبب الفقر يلجا الي الخرائب و من اللا شي و من الفقر الراسخ حتي العظام يدفع المال من اجل السقوط و التورط اكثر و اكثر في فخ الادمان و المخدرات؟ و هل الادمان يعالج اوجاع و مشاكل الانسان المسكين ام يعالج مخاوف الطغاة من يقظة الضمائر الحرة؟
نعم!الانسان التعبان يبحث عن داء لتسلية الامه و متاعبه . الانسان المنهار من الفقر و المتعب من البحث عن طريقة و وسيلة لتحسين الامور الرفاهية لاسرته، بالتاكيد في لحظة ما يفقد قوة الاستمرار و يقع في فخ الذي من اجل تسليته و من اجل هذه حالاته مبسوط في المكانات العامة و الخاصة. فالوقوع في فخ الادمان وحرق الاموال و الاعصاب و الشرائين في زمن البؤس و الفقر هو تصرف مساكين اجبرهم ضعفهم علي الترحيب و القبول باي شيا" ينسيهم هموم الدنيا و احزانها. لكن السؤال الرئيسي هو هل حقا يصعب علي السلطة المحلية العثور و الاستيلاء علي موزعين هذه المخدرات في المنطقة؟ و الي اين تريد ان تصل السلطة بهذه الاخلاقيات و التجاهلات!؟
من المسئول و من وراء التوزيع الوسيع و السهل للمواد الجديدة و القاتلة من المخدرات، كالكراك و الشيشة ؟ اني هنا لا انوي الدخول في تفاصيل كارثة الادمان لكن يجب القول ان في هذا المجال المشكلة و المخاوف تجاوزت الاثار و التبعات النفسية للشخص المدمن. فاذ كنا في الامس نخاف من هذه التداعيات علي سلوكيات الفرد، اليوم المخاوف هي حول مسئلة حياة وممات هذا الشخص المصاب. فلاعتياد بهذه المواد القاتلة يختلف جدا عن، صحوة ما بعد السكر، في المخدرات الكلاسيكية, فهنا لا يحدث مطلقا شيئا" باسم صحوي او يقظة. بل ما يتبقي من الانسان هو مجرد عظاما خاوية و عيون ذابلة مترصدة اللحظات لبيع الغالي و النفيس من اجل شراء البضائع لتجنب الرجوع وحتي للحظات او ثواني الي هذا العالم المتعب و المؤلم.
نعم هولاء المدمنين، هولاء المنهاريين هم قسم من ضحايا الفقر و الحرمان. فاثرت هذه الظروف علي كل طبقة من مجتمعنا حسب ظروفها و نوعية حياتها. فاما كان الفقر المخيم في الاهواز ناتج من الحرمان المتعمد او انه نتيجة الفساد الاقتصادي فلتاثير علي المستوي الجماهيري هو واحد و هو ان هذه الحالة و الظروف اتعبت العوام و اضعفتهم فهذه الظروف و بطبيعتها تهدف الي تضعيف الناس و اذلالهم واحتقارهم، فانها الحالة المناسبة للتحكم بمصير الافراد و فرضهم علي تغيير مسارهم او علي الاقل تاجيل حركتهم نحو ما يطمحون اليه.
#دلال_الاهوازي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟