عبد المجيد أمياي
الحوار المتمدن-العدد: 2475 - 2008 / 11 / 24 - 09:05
المحور:
الصحافة والاعلام
منذ أيام شددت محكمة الاستئناف الحكم الابتدائي بحق جريدة" المساء" وبالتالي إجبارها على أداء غرامة خيالية بكل ما للكلمة من معنى، ومنذ أيام أيضا توصل الزميل يحيى الشيحي هنا بمدينة وجدة باستدعاء من وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية ليمثل أمام المحكمة في فاتح دجنبر المقبل، بتهمة أصبح كل من هب ودب يركب عليها ويطلب "بجرجرة" الصحفيين أمام المحاكم، وتوصلت شخصيا ومعي الزميل يحيى مرة أخرى باستدعاء مماثل بعد شكاية مباشرة تقدم بها فريد شوراق مدير المركز الجهوي للاستثمار ورئيس جمعية "وجدة فنون" التي تنظم مهرجان الراي السنوي لنمثل معا في 24 من الشهر الجاري أمام المحكمة الابتدائية بتهمة نشر أخبار زائفة عن سعادة المدير فريد شوراق الذي نسي ربما أن دوره هو خلق المقاولات عبر مركزه ودراسة الطلبات لا ملاحقة الصحفيين في المحاكم.
تاريخ الصحافة المستقلة في بلادنا هو تاريخ قصير، إذا ما قيمنا الانطلاقة الفعلية لمفهوم الصحافة المستقلة، فهذه الصحافة امتدت طوال عقد من الزمن، وهو على الأرجح التاريخ الذي يمكن أن نصف فيه بعض الصحف التي بدأت تصنع لنفسها معالم تجذير مفهوم الاستقلالية على نطاق الممارسة من جهة، وأقلمة الخطاب الإعلامي الجديد الغريب عن المواطن الذي رزح تحت نمطية الخطاب الإعلامي الضيق والأحادي التوجه والتوجيه من جهة أخرى .
هذان المعطيان يوحيان إلى أن الصحافة المستقلة في بلادنا ما تزال تبحث لها عن موطئ قدم حتى تكون آلية من آليات التخليق الإعلامي، والتنويع. إن الرهان الذي رفعته بعض الصحف المستقلة في المغرب ،هو رهان يقتضي أبعادا وجوانب فلسفية تحفظ لها الحد الأدنى من هامش حرية التعبير ، فهذه الصحف وان كانت ترى في تواجدها على الساحة انتصارا لحرية التعبير فهذا لا يتدارك أي تموقع صحيح ، هذا التموقع الذي يشكله هذا التصور يوحي بان حرية التعبير قد تحولت إلى مسلّمة ، في حين أن المعركة الحقيقية التي من اجلها يدفع بصحفيين إلى دهاليز السجون تلك المتعلقة بحرية التعبير نفسها ، فهذه الحرية قبل أن تكون صياغة مبدئية لعمل الصحفي المستقل ، فهي بالضرورة خاصية غريزية في تكوين الشخص الحر بأفكاره، وهذا حتما يمر بإعادة تشكيل الوعي بالمسلمات التي يقترن بها العمل الصحفي ، وهذا ربما ما يمكن أن نعرفه بالمنهجية / الخاصية التي يتوصّل من خلالها الصحفي المستقل إلى تحقيق الاستقلالية المهنية .
إن منهجية كهذه يصعب تحقيقها خصوصا إذا ما كان بعض الفاعلين المحسوبين على الماضي والذين يعيشون بيننا بعقلياتهم الشمولية والاستبدادية ، فذلك بالضرورة يعني أن التنميط الاستبدادي لقطاع الإعلام يؤدي بالمطلق إلى فرض ضوابط لا أساس لها من الشرعية تحت ذرائع شتى ، وبالتحديد هذا ما جرى للصحفيين في المغرب، بيد أن هذا التنميط يجد تكييفا في المنظومة السياسية باعتبارها " المشرعن" الأساسي لاستمرار التضييق على حرية التعبير وإلا فكيف يمكن تفسير المواقف التخاذلية لأغلبية الأحزاب السياسية من المحاكمات الجارية، بالقطع فالزاعمين اليوم بان هامش الحرية المتاح يسمح ببلورة فكر مستقل وكيانات إعلامية مستقلة هو في الحقيقة لا يمكن حصره إلا في نطاقه الهلامي ( الأحلام المبطنة ) بدليل ما يتعرض له الصحفيون اليوم .
إن أهلية بعض الصحف لتكوين جو إعلامي مستقل آمر لاشك فيه ، لكن التبعات الحاصلة في بلورة مفهوم تتدخل الأطراف المعادية لحرية التعبير في تكثيفه وتكييفه أمر يوحي بصعوبة الموقف الذي تتواجد فيه هذه المؤسسات الإعلامية . فكيف تستطيع إذن هذه الصحافة أن ترفع من هامش حرية التعبير ؟
أولا ، يجب الإشارة إلى ملاحظة أساسية وهي :أن القيمة الحسية والأخلاقية التي تبلورها الصحافة المستقلة تتأتى بتقديرات موضوعية بالأساس هي محددات للعمل الصحفي بشكل عام، وبمحايثة عامل المصداقية كقيمة بدئية لتجذير منطق الحرية المهنية ، ولكن القول هنا خارج منطق المعمول به وهذا ربما ما يجعلنا نحس بنوع من "الغربة الإعلامية ".
ثانيا ،يبقى القضاء النزيه والمستقل اللبنة الأساسية التي تضمن للإعلامي تواجده على الساحة كعامل استراتيجي في تخليق الحيوات ( السياسية ، الإعلامية والاجتماعية ..) بل إن هذا القضاء ،هو المصوغ للمنهجية التي ذكرناها لأنه هو الذي يمكن له أن يحدد طبيعة الممارسة الإعلامية في بلورة قوانين تتطابق مع الحرية والمسؤولية .
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟