نزار محمود
الحوار المتمدن-العدد: 2464 - 2008 / 11 / 13 - 06:14
المحور:
الادب والفن
بتاريخ 4 ـ 11 ـ 2008 أقام صالون حوارات برلين الأدبي ، الذي يشرف عليه الشاعر والروائي العراقي صبري هاشم في المعهد الثقافي العربي في برلين ، أمسية أدبية في الذكرى الأولى على رحيل الشاعر سركون بولص وقد شارك في الأمسية الشعراء : جميل حسين الساعدي والشاعر كريم الأسدي بالإضافة إلى الشاعر والروائي صبري هاشم الذي استهل الأمسية بكلمة جاء في مقدمتها : اجتمعنا لكي نشيد صرحاً من كلمات لشاعر فاتنا أنْ نشربَ معه نخبَ ما قبل الرحيل .. جئنا لكي نبعث ذكراه في هذا المنفى الألعن .. بعدئذٍ قرأ مرثية سركون " حيرةٌ على الكسندر بلاتس " نقتطع منها :
شبحُ الشاعرِ حادّ النظرةِ كان
أين ؟
في الميدان ، الكسندر بلاتس وسط برلين ، الذي أوغلَ في تدميرِ الذاكرةِ
متجهماً انبثق من بين الحطامِ
ومنه نحوي التفاتةٌ فلتت غاضبةً
لم أتعرّف عليه حين التقيته مصادفةً
وعليّ لم يتعرّف
هكذا قدّرتُ بعدئذٍ
ثمة غربةٌ تفضي إلى غربةٍ
وغيظٌ يأخذُ بتلابيبِ غيظٍ
لكن الشاعرَ إزائي لم يكن ودّيَّ النظرةِ فصرتُ في حيرةٍ وسؤال
مِنْ أين جاء ؟
ومرّةً أخرى مِن أينَ جاء حتى يمرَّ أمامي ؟
في تلك الساعةِ كنتُ أُفضض أحلامَ المارّةِ بأقمارٍ بيضاء
على هامتي منذُ الصباحِ هطلت
في تلك الساعةِ كنتُ أُعابثُ نسمةً شبقيةَ الهوى خضلةَ الروحِ
حين رمحت قامةُ الشاعرِ في مداري
وتساءلتُ :
هل خرج من فراغٍ ؟
مِن جسدِ الهواء ؟
مِنْ هوّةٍ عاتيةِ الأنفاسِ في أنينِ المساء ؟
مِن أين خرجَ توّاً ؟
مِن أيِّ قافلةٍ غارقةٍ نجوتَ أيها الشاعرُ فاستويتَ بلا ذاكرةٍ ؟
شجناً صار المساءُ
لبس وجهاً كحلياً وذاب
ثم تحدث الشاعر جميل الساعدي عن لقائه الأول بسركون بولص قائلاً : التقيت الشاعر سركون بولص قبل أعوام ، على ما أتذكر بعد عام 2002 في مقهى في برلين وكان يجلس قبالتي .. ثم أضاف : كان في حوزتي كتاب هو " مختارات شعرية مترجمة من الانجليزية " للأستاذ توفيق علي منصور من مصر ، فتحت الكتاب فوقع بصري على قصيدة " رثاء الأبرياء " لوليم شكسبير ، بدأتُ بالقراءة ، وسرح سركون بأفكارهِ بعيداً وهو يتأمل في معاني القصيدة ، وكأنه كان هو المعني بتلك القصيدة . لم أكن أعلم بعد أن مرّت سنوات على ذلك اللقاء أنني سأرثي سركون بقصيدة على نفس الوزن والقافية ، التي اعتمدها المترجم آنذاك في نقل قصيدة شكسبير إلى العربية . اعتمد المترجم توفيق علي منصور بحر الرمل وقافية الهمزة في نقل النص الشعري لكنه في مواضع عديدة خرج عن هذا البحر فجاءت أبيات كثيرة غير موزونة .
ومن قصيدة جميل حسين الساعدي التي بعنوان " وداعاً أيتها البسمة " هذه الأبيات من بحر الرمل :
أيها الشاعرُ ما أروعَها
بسمةً لم تنطفأْ رغْمَ العَنَاءْ
زمنٌ خلفكَ قاسٍ مُتْعبٌ
وجراحٌ لمْ يُلامسْها الشفاءْ
مدنٌ تسألُ عنْ أبنائها
وقرىً تحلُمُ دوماً باللقاءْ
والمحطّاتُ التي غصّتْ بنا
حَمَّلتْ أوجهنا ألقَ طلاءْ
أما الشاعر كريم الأسدي فقدم مداخلة طويلة بعنوان " في ذكرى سركون : شاعرٌ من بلادي " تحدث فيها عن الشاعر الراحل سركون بولص ثم عرج على غربة المثقف العراقي وحيرته في المنافي والمغتربات وعن دور المؤسسات الثقافية والسياسية في تهميشه وإقصائه ومن مداخلته هذه اخترنا هذه الأسطر المعبرة : حاولتُ أن أتذكرَ أين التقيتُ سركون بولص لأولِ مرّة . كان المكانُ أحدَ مقاهي برلين ، وفي يومٍ صيفي على ما أتذكر ، في سنةٍ من أواسطِ التسعينات . لم يقدمني أحدٌ إليه ، بل ذهبتُ إليه شخصياً وقدمتُ نفسي ، فنهضَ مرحباً ومسروراً ومُلبياً إلى حدٍّ بعيد . كنتُ قد قرأتُ له ، ورأيتُ صورتَهُ منشورةً في غير جريدة ومجلة ، وكانَ هو الآخر قد قرأ لي وسَمِعَ باسمي . لم انتظرْ أنْ يُعرفَني أحدٌ عليه في برلين ، فالجهاتُ والمؤسسات التي تسعى إلى تعريفِ المبدعين العراقيين والعرب إلى بعضهما قليلة جداً إنْ لم تكن غير موجودة ، ونفسُ الشيء ممكنُ أن يُقال عن الأفراد . إنه شاعرٌ من بلادي ، مغتربٌ مثلي ، له نفسُ همومي ، أو على الأقل إن لنا بعضَ الهمومِ المشتركة ، فهو قريبٌ مني ، ولا احتاجُ في التعرف إليه إلى وسيط . هكذا تعرفتُ من قبل إلى الفنانِ والشاعرِ العراقي أحمد أمير . أرى من الجميل أن يقطع الانسان بعضَ الخطواتِ ليتعرف على زميلٍ له في الابداع ، وأخٍ له في الوطنِ والانسانية .
ومن المفيد أن نذكر أن الشعراء الثلاثة قرؤوا ، بالإضافة إلى قصائدهم ومداخلاتهم ، عدداً من قصائد الشاعر الراحل سركون بولص .
[email protected]
صالون حوارات برلين الأدبي
في 7 ـ 11 ـ 2008
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟