أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - إدريس ولد القابلة - كتاب - قضايا مغربية















المزيد.....



كتاب - قضايا مغربية


إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)


الحوار المتمدن-العدد: 758 - 2004 / 2 / 28 - 06:23
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


مقدمة

يحتوي هذا الكتاب جملة من المقالات تصب بكاملها في اتجاه واحد، و هو محاولة رصد الواقع المعيش بالمغرب من زوايا متباينة و أحيانا بأصوات مختلفة و متخالفة.

و رغم استقلالية كل نص عن الآخر استقلالية تامة، فإنها مجتمعة تحاول أن تسلط بعض الأضواء على مغرب اليوم، مغرب المتناقضات، مغرب السعي نحو تدشين انطلاقة ديمقراطية فعلية، مغرب الواجهة و مغرب العمق، مغرب التخمة و مغرب الفقر...

إنه تجميع لمقالات مغربي أنهكه الانتظار، انتظار كل قرار أو عمل كان على الدوام مسبوقا بعبارة " غدا، أو في القريب العاجل سوف نـ ...."


إدريس ولد القابلة

قضايا مغربية

مقدمة

 قضايا سياسية

قضايا شائكة

قضايا الفعل السياسي

قضايا اجتماعية

قضايا حقوقية

قضايا العدالة

 قضايا عامة

ملحق

 

قضايا سياسية


1- النظام السياسي بالمغرب
2- الجغرافية السياسية بالمغرب
3- النظام و المسألة الدينية
4- المسلسل الديموقراطي من أين و الى أين؟
5- السياسية ومكر السياسة
6- موقع السوسيين في الركح السياسي بالمغرب

 

 

النظام السياسي بالمغرب


يتوخى النظام السياسي المغربي الاعتماد على قواعد الديموقراطية البرلمانية المرتكزة على الاقتراع العام مع الاحتفاظ بسلطات حاسمة بيد طرف واحد غير خاضع للتغيير(الملك). وهو نظام تأسس على دستور بلورته مجموعة من الخبراء في ميدان القانون الدستوري, دستور لم يخضع بأي شكل من الأشكال لنقاش واسع بمساهمة جميع الأطراف و الفعاليات و الشعب المغربي. انه دستور جاء بالأساس, حسب رأي عدد من المتخصصين في القانون الدستوري, لعقلنة الديموقراطية البرلمانية المغربية. و حسب رأي هؤلاء, فان نظام الغرفتين المعتمد هو مجرد طلاء ديموقراطي لم يغير من طبيعة سلطة الحكم.

و يرتكز النظام السياسي بالمغرب, حسب منطوق الدستور, على كون السيادة للأمة تمارسها مباشرة عبر الاستفتاء و بطريقة غير مباشرة بواسطة المؤسسات الدستورية. إلا أن الدستور لم يوضح من هي هذه الأمة, هل هي مجموع الناخبين (المغاربة البالغ سنهم 18 سنة فما فوق), أم هي كافة المغاربة المقيمين على أرض المغرب؟

و مهما يكن من أمر فهي ليست الشعب, لأنه إذا كان الأمر كذلك لاستعمل الدستور المغربي لفظة الشعب عوض الأمة, اعتبارا لكونها أكثر دقة و تداولا من طرف الجميع.

إذن في منظور الدستور المغربي, السيادة للأمة و ليست للشعب. علما أنه استعمل عبارتي أمة و مواطنين و لم يستعمل لفظة الشعب بالمرة. فحسب الدستور المغربي السيادة للأمة و للملك حق ممارسة السيادة باعتباره الممثل الأسمى للأمة, و باعتبار ملك المغرب يسود و يحكم, خلافا لمل هو الحال في الملكيات الدستورية الغربية حيث الملك أو الملكة يسود و لا يحكم.

فالملك بالمغرب يعين الوزير الأول, والحكومة المغربية مسؤولة أمام الملك قبل أن تكون مسؤولة أمام البرلمان. و للملك سلطة حل البرلمان و هذا من شأنه فتح المجال لممارسة السلطة التشريعية, علاوة على إعلان حالة الاستثناء و هي سلطة غير محدودة, كما يمكن للملك تعديل الدستور و تقديم مشروع دستور للاستفتاء. و سلطة الملك حسب الدستور سلطة مطلقة و هي دستوريا في مأمن من أي اعتراض اعتبارا لأن شخص الملك مقدس لا تنتهك حرمته. علما أن الحصانة البرلمانية بالمغرب لا تشمل التعبير عن آراء تجادل في النظام أو في المؤسسة الملكية.

و في رأي بعض فقهاء القانون الدستوري, إن هذا الواقع يتعارض مع حق المواطنين في انتقاد الحاكمين كما تنص على ذلك مختلف المواثيق الدولية.

لكن هل فعلا الدستور المغربي يضمن تكريس الديموقراطية؟
أولا انه دستور ممنوح, لم يساهم الشعب المغربي في بلورته, و إنما عرض عليه للتصويت بعد منحه مهلة أسبوعين للتفكير, و تم التصويت عليه بنعم, و بذلك حدد المواطنين مستقبلهم و مستقبل الأجيال القادمة إلى أن يعرف المغرب دستورا آخر.

و الدستور المغربي يمنح الأولوية للحكومة في تحديد جدول أعمال الغرفتين(مجلس النواب و مجلس المستشارين) و بذلك يمكنها في أي وقت- بمقتضى الدستور- إرجاء النظر في مشاريع القوانين التي لا تروقها و لا توافقها. علاوة على أنها, بواسطة قوانين التأهيل و مراسيم التدبير التي تقرها بين الدورات البرلمانية يمكنها التدخل مباشرة في اختصاص البرلمان و تمرير جملة من القضايا.

إضافة إلى أن الحكومة يمكنها توسيع سلطتها التنظيمية بواسطة مشاريع القوانين-الإطار و هو حق يخوله لها الدستور.كما أنه يمكنها أن تلجأ إلى مسطرة الاستعجال قصد التقليص من مدة نقاش القوانين من طرف البرلمان و أن تنحي بواسطة التصويت دفعة واحدة التعديلات التي لا ترغب فيها و لا تروقها, وذلك باللجوء إلى اللعب على ورقة : إما الكل أو لاشيء. و كل هذا بمقتضى الدستور, وهو أسلوب يمكن الحكومة إما من القضاء على النصوص التي لا تروقها و إما من التعجيل بالبث في تلك التي تروقها.

و علاوة على هذا و ذاك, و حتى في حالة اتفاق الغرفتين يمكن للملك سحب أي نص نهائيا من البرلمان.

وحسب البعض إن مختلف هذه الإجراءات من شأنها إفراغ اللعبة البرلمانية من روحها الحقيقية و الجوهرية, بحيث ليس من الممكن إقرار قوانين و نصوص لا تروق الحكم, كما أنه لا يمكن بالمقابل رفض نصوص يرغب فيها.

ومهما يكن من أمر فان الملك- بمقتضى الدستور- له الحق في تقديم مشروع تعديل دستوري يحد من سلطات البرلمان للاستفتاء. كما تظل إمكانية حل البرلمان دائمة الحضور- بمقتضى الدستور, إذ للملك الحق في حل البرلمان أو إحدى غرفتيه.

و بذلك يعتقد البعض أن ما يريده الحكم هو ما يكون, لأنه مسموح له دستوريا بإقرار القيود القانونية التي تقيد ممارسة حريات المواطنين الأساسية.

و فيما يخص ممارسة وظيفة المراقبة, فان الدستور يمنع تشكيل لجان التحقيق الدائمة و لا يسمح بخلق لجان تحقيق إلا بطلب أغلبية أعضاء إحدى الغرفتين. و إذا أضفنا مقتضيات الاحترام الواجب للمؤسسة الملكية, فانه يبدو بجلاء حسب رأي البعض, أن الدستور المغربي سهب في وضع قيود قاسية لممارسة المراقبة البرلمانية, ما دام أنه ليس من السهل ضمان أغلبية لتشكيل لجان التحقيق و مادام أن الدستور لا يسمح بانتقاد المؤسسة الملكية.
و الحكومة المغربية    تظل حكومة تحت الإمرة, فالوزير الأول يعينه الملك و يقيله متى شاء, و هو واقع على الدوام تحت وصاية الملك و لا يمنكه الإفلات منها. إضافة إلى أنه ليست للوزير الأول أية سلطة على باقي الوزراء الذين هم مسؤولين أمام الملك و مطالبين بتطبيق التوجيهات الملكية.

و فيما يخص استقلال المجلس الدستوري و السلطة القضائية, فحسب الفصل 79 من الدستور, فان الملك هو الذي يعين نصف أعضائه كما يختار رئيسه.

و في مجال حماية الحقوق و الحريات فان الدستور يعهد للملك حمايتها. أما فيما يتعلق باستقلالية القضاء, فان الدستور يوفر نوعين من الضمانات, عدم قابلية قضاة المحاكم للعزل و هيأة لحماية القضاة :   المجلس الأعلى للقضاء المكلف بمهمتين, اقتراح القضاة لتعيينهم من طرف الملك و السهر على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة. إلا أن تشكيلة هذا المجلس حسب ما هو منصوص عليه في الدستور تجعل منه هيأة خاضعة للسلطة. إذ أن هذه التشكيلة تعطي الامتياز للأعضاء المنتخبين من طرف القضاة(6), في حين ينم تعيين خسة لهم صوت مرجح, علاوة على أن اثنين من هؤلاء هما أعضاء في السلطة التنفيذية.

و هكذا تتضح أن السلطة التشريعية للبرلمان المغربي محدودة, و سلطة النواب في المجال المالي مقيدة, و أن الدستور يكرس أولوية الملك التشريعية باعتباره مشرعا أعظما, كما يكرس أولوية الحكومة على البرلمان في المسطرة التشريعية. علما أن التشريع المغربي مازال يتسم بغلبة مشاريع القوانين على مقترحات القوانين.

و بالتالي يبدو أنه يكاد يكون من المستحيل لأية مؤسسة أن تواجه ما يريده النظام و بذلك تم إغلاق دائرة اللعبة البرلمانية المغربية.

و هذا يجرنا إلى التساؤل حول مدى تكريس حق تقرير المصير بالمغرب.

فمن المعلوم أن حق تقرير المصير تم التنصيص غليه في العهدين الدوليين الخاصين سواء بحقوق الإنسان المدنية و السياسية أو بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية(1966). وقد تصدراهما معا بنفس الصيغة و بدون تغيير اعتبارا لأهميته القصوى و حيويته و تأكيدا لوحدة حقوق الإنسان و عدم قابليتها للتجزئة.

و حق تقرير المصير يعد من المبادئ الأساسية و هو حق يقر بحق الشعوب في اختيار و تأسيس كيانها و نظامها السياسي.

و في هذا الصدد بعثت الدولة المغربية إلى جنيف في 27 غشت 1999 تقريرا رصدت فيه التقدم الطارئ بخصوص حقوق الإنسان بالمغرب. و فيما يخص حق تقرير المصير جاء في هذا التقرير أنه " حق أساسي أولت له الدولة المغربية عبر تاريخها السياسي و الدستوري أهمية بالغة و شكل تابتا من توا بثها ]...[وتذكروا أن دساتير  1962,  1970,  1972,
1992 و 1996 كلها وضعت أساس النظام السياسي المغربي وفق مبدأ تقرير المصير, و الدليل أن السيادة للأمة تمارسها مباشرة عبر الاستفتاء و بواسطة الهيئات الدستورية ]...[
و أن الأعضاء البرلمانيين يستمدون سلطتهم من الأمة".
كما سطر ذلك التقرير أن حق تقرير المصير كان الشغل الشاغل للدولة المغربية منذ البداية. و بذلك يكون المغرب قد سبق العهدين الدوليين في هذا المجال مادام أن حق المصير معمول به منذ دستور 1962 فبل العهدين الدوليين السابقين الذكر (1966).

و ما يهمنا في هذا الصدد هو الشق المحلي و ليس الدولي, في التعامل مع هذا الحق. إذ أن البعض بالمغرب – لاسيما الجمعية المغربية لحقوق الإنسان و بعض التنظيمات السياسية – يعتبرون أن المغرب مازال لم يعرف بعد التطبيق الفعلي لحق تقرير المصير, وذلك اعتبارا لكون أن الدستور ممنوح و ليس نابعا من إرادة الشعب الذي لم يسبق له أن شارك أو ساهم في بلورته أو إعداده, إذ غالبا ما كان يتم إعداد الدستور و يتم التصويت عليه مع الدفع بالتصويت بنعم بجميع المسائل الممكنة الظاهرة منها و الباطنية لتبرير النتيجة المعلن عنها و التي غالبا ما كانت تقارب نسبة 99, 99 %. و اعتبارا كذلك لكون أن جميع الدساتير تكرس السلطة التشريعية و التنفيذية و القضائية بين أيدي المؤسسة الملكية, علما أن المؤسسة الملكية مقدسة دستوريا و هي فوق السلطات كلها. كما أن الحكومة مقيدة بحدود دستورية. علاوة على أنه لم يسبق أن خرجت أي حكومة من الحكومات السابقة من صناديق الاقتراع, و إنما كانت و لازالت تعين, و هي إما أن تكون حكومة تقنوقراطية أو سياسية أو تقنوسياسية. أما فيما يتعلق بالنظام الاقتصادي, يعتقد هؤلاء أنه لم يسبق أن تمت استشارة الشعب المغربي بخصوص النظام الراغب في اعتماده و إنما ظل يفرض عليه فرضا بطريقة فوقية.

و مهما يكن من أمر فانه في عصر العولمة إن جميع الشعوب سترتاح من حق تقرير مصيرها مادام السوق هي التي ستحدد كل شيء بدل و مكان الشعوب و عوضها.

 

 


الجغرافية السياسية بالمغرب

 


إن الجغرافية السياسية بالمغرب ارتكزت على الدوام على العلاقة الوطيدة القائمة بين السياسة الداخلية و الحرص على الانفتاح على أوروبا و الشرق الأوسط. و هناك 3 أهداف دائمة الحضور طبعت السياسة المغربية : البحث على استكمال الوحدة الترابية, استعمال الموقع الجغرافي للمغرب و الإسلام. و هذا في إطار البحث باستمرار على الحفاظ على الانتماء الإفريقي و المغار بي مع الطموح إلى لعب الدور الأول على صعيد منطقة البحر الأبيض المتوسط و الشرق الأوسط و العالم العربي.
لقد سبق لنابليون أن قال إن الجغرافية تحدد سياسة البلد. و فعلا إن موقع المغرب بالشمال الغربي لإفريقيا منفتح على بحرين, يعتبر موقعا خاصا و متميزا يؤثر بامتياز على مختلف جوانب السياسة المغربية.

و في هذا الصدد لابد من الإشارة إلى أن المغرب تربطه روابط قوية مع فرنسا. فمنذ 1914 التجأت فرنسا إلى أفريقيا الشمالية لتطعيم جيوشها بالرجال, باعتبار أن مستعمراتها كانت بمثابة،،مشاتل،، للرجال حسب مقولة ليوطي المشهورة. كما أن المغرب العربي كان يعتبر من أكبر منتجي الحبوب و بالتالي لعب دورا حاسما في ضمان الغذاء لفرنسا. ولقد كان دعم المغرب لفرنسا خلال الحرب العالمية الثانية حيويا, إذ أن المغاربة ضحوا بحياتهم من أجل تحرير فرنسا, أكثر من 2000 قتيل و 18000 من أسرى الحرب. فالمغرب دخل الحرب في نوفمبر 1942 مع هبوط القوات الأمريكية بسواحله بأسفي و الدار البيضاء والقنيطرة, وقد اعترف الجميع ببطولات و شجاعة المغاربة, لاسيما الطابور الرابع الذي كان محط اهتمام الجنرال الأمريكي،،باتون،، الذي طلب من الجنرال الفرنسي ،،كيرو،، أن يسمح لذلك الطابور بالالتحاق بجيشه. و كان المغاربة يشكلون 36 في المائة من القوات الفرنسية أي 85000 مغربي ضمن 233000 جندي.

كما أن إشكالية الحدود مع الجيران كانت دائمة الحضور في الجغرافية السياسية المغربية. فعلاوة على قضية الصحراء بالجنوب, هناك بالشمال إشكالية المدن و الجزر المحتلة من طرف أسبانيا. فمنذ 1960 و المغرب يطالب بمدينتي سبتة و مليلية.كما أن إشكالية الماء ظلت حاضرة في قلب السياسة المغربية.إن البحث عن تأمين الاستقلال الغذائي يستلزم ضمان توفير المياه الضرورية. علاوة على أن إشكالية الماء تعد من الأولويات اعتبارا لأربعة أسباب على الأقل, أسباب ديمغرافية و اقتصادية و سياسية و ثقافية. إن الأمر يتعلق بتوفير الغذاء و ضمان شروط العيش و الوقاية, أي سياسة توصيل الماء لكل المواطنين في مختلف المناطق, و هذا من شأنه التأثير على نمط العيش. ولعل المرأة هي المستفيدة الأولى من انعكاسات هذه السياسة مادام أنه في 70 في المائة من الحالات نجد أن الفتيات اللائي يقل عمرهن عن 15 سنة هن اللائي يتكلفن بمهمة جلب الماء لسد الحاجيات اليومية منه في أغلب القرى المغربية. و يعتبر هذا العمل الشاق من الأسباب الرئيسية الكامنة وراء عدم التحاق فتيات البادية بالمدرسة. وبذلك يكون توفير الماء الصالح للشرب بالقرى بمثابة ضمان حرية تلك الفتيات و تمكينهم من ولوج العصر, وهذا مظهر من مظاهر الأسباب الثقافية لسياسة الماء بالمغرب.
ومن جهة أخرى, فان المغرب لعب دورا دائما دورا ملحوظا فيما وراء حدوده لاسيما وأن موقعه الجغرافي يمكنه من دور متميز. فهو على بعد 14 كلم من أوروبا, الجزء الجنوبي للحلف الأطلسي. فليس هناك ميناء أقرب من نيويورك بأوروبا و المنطقة, باستثناء ليشبونة, مثل ميناء الدار البيضاء. كما أن التحول الذي عرفه مفهوم الأمن الأوروبي دفع الاتحاد الأوروبي إلى الاهتمام بمنطقة البحر الأبيض المتوسط, لاسيما دول المغرب العربي.

كما أن المغرب لعب دورا دبلوماسيا و عسكريا بالشرق الأدنى رغم بعده الجغرافي. لقد شارك الجنود المغاربة بالجولان في 1973 و في تحرير الكويت سنة 1991. كما أن دور المغرب في التحولات التي عرفتها صيرورة القضية الفلسطينية لا يخفى على أحد, لاسيما فيما يخص تقريب وجهات النظر بين العرب و إسرائيل من أجل انطلاق الحوار, ولقد لعب المغرب بعد حرب الست أيام دورا متميزا على صعيدين, الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية, فتح, كممثل شرعي و وحيد للشعب الفلسطيني من جهة, و من جهة أخرى تسهيل اللقاء بين مصر و إسرائيل.

و على مستوى المغرب العربي, فان المغرب سعى جاهدا لتكريس الوحدة بين البلدان المغاربية. فلقد كان من مؤسسي اللجنة الاستشارية المغاربية الدائمة سنة 1964, كما أن اتفاقية الوحدة العربية الإفريقية المبرمة مع ليبيا شهدت النور بمدينة مراكش في 17فبراير 1989 رغم أنها اتفاقية ظلت حبرا على ورق منذ 1992.

وفيما يرتبط بإفريقيا, فان المغرب يعد همزة وصل بين العالم المتوسطي و إفريقيا الجنوبية.
إن المغرب يواجه عدة تحديات و هي تحديات العصر علاوة على التحديات المرتبطة بطبيعة المرحلة الانتقالية التي يجتازها حاليا. ويظل اكبر تحدي هي الإشكالية الاقتصادية الاجتماعية :
من أجل التمكن من الإقلاع لابد للمغرب أن يتطور و ينمو, لاسيما و أنه لا يزال يعرف أكثر من معضلة عويصة سواء على صعيد التعليم و الصحة و السكن و تنامي الفقر و تفاحشه. وبذلك يكون السؤال المطروح هو : كيف يمكن للمغرب الاستعداد على أحسن وجه لانفتاح الأسواق و الحدود بكيفية تضمن الاستقرار و السلم الاجتماعيين؟

على المغرب أن يبحث على تطوير اقتصاده و عن جلب الاستثمار بهدف تقوية القطاعات المنتجة للثروات ذات أكبر قيمة مضافة. وفي هذا الإطار يبدو أن القطاعات المعتمد عليها تتكون من السياحة و النسيج و المنتوجات البحرية و الالكترونيك و تيكنولوجيا الاتصالات, وذاك اعتبارا لقدرتها على التصدير و اعتبارا لكونها تعتبر أجدى قطاعات الاستثمار بالمغرب في عيون الأجانب علاوة على انعكاساتها الايجابية المباشرة على مختلف مكونات الاقتصاد الوطني. فالمغرب لا يمكنه أن يظل رهين عائدات القطاع الزراعي باعتبار أن الحدود ستلغى و أن على الاقتصاد الوطني أن يضمن شروط التنافسية في قطاعات أخرى غير القطاع الفلاحي و استغلال المواد الأولية.

و هذا يعني أن المغرب يعول على قطاعه الخاص, وهذا بدوره يستلزم جهودا استثمارية كبيرة لتمكينه من تجميع شروط التنافسية مادام المغرب يرى مصلحته في ربط تنميته بالانفتاح السياسي و الاقتصادي على أوروبا بالدرجة الأولى وعلى الولايات المتحدة الأمريكية كذلك.

طبعا, اعتبارا لموقعه الجغرافي يعتبر المغرب شريكا أطلسيا طبيعيا للقوة البحرية الأمريكية. وفي هذا الإطار بالضبط يجب وضع مشروع منطقة التبادل الحر بين المغرب و الولايات المتحدة الأمريكية من جهة و أمريكا و المغرب العربي من جهة أخرى.

 أما بالنسبة لأوروبا فإنها تلعب دورا حيويا في الحياة الاقتصادية للمغرب, إنها تستقبل
50 % من صادراته و تزوده بأكثر من 66 % من وارداته, علما أن اتفاقية أحداث منطقة التبادل الحر في أفق 2010 دفعت المغرب للاستعداد لهذا الحدث عبر 4 محاور :   الديموقراطية, التنمية, حقوق الإنسان و الحوار السياسي. إلا أنه مازال مطالبا بالمزيد من الضمانات في مجال الإقرار بحقوق الإنسان و سيادة دولة الحق و القانون و تكريس المواطنة بعد أن حقق خطوات هامة في مجال دمقرطة الحياة السياسية. وفي  المضمار يبدو أنه لامناص من تطور المجتمع المغربي. فكيف يمكن التصدي لمختلف التأخرات التي تشير إليها مختلف مؤشرات التنمية و النمو المعتمدة عالميا؟ وكيف يمكن التصدي لواقع العالم القروي الذي لا يزال ينخره الفقر و الأمية و يعيقان إمكانية تحقيق تنمية فعلية في العمق؟ وكيف يمكن ضمان شروط عيش كريم لجماهير البادية المغربية التي تعيش في غالبيتها تحت عتبة الفقر؟ فكيف يمكن قبول أن أكثر من 30 % من الجماهير تعيش بأقل من عشرة دراهم أي ما يعادل دولارا واحدا في اليوم لكل شخص؟
 في واقع الأمر لازلنا نلاحظ أكثر من مغرب. فهناك مغرب الأقلية التي لا تكاد تبين و هي في بحبوحة العيش رغم مسؤوليتها الأكيدة فيما آلت إليه البلاد. و هناك مغرب الحواضر المنفصل عن البادية و الذي لم يستطع تجميع الشروط الأزمة لتوفير فرص الشغل الكافية. وهناك مغرب الأحياء و الضواحي المهمشة حيث يسود التهميش و الإقصاء والتي تشكل قنابل موقوتة قابلة للانفجار في أي لحظة. و هناك المغرب القروي الذي ظل منسيا و على هامش صيرورة التنمية التي عرفتها البلاد.

و يأتي مشكل الهجرة للمزيد من تعقيد الوضع أكثر وليضاف إلى الملفات الكبرى, ملف الصحراء وملف الاستعداد للانفتاح الاقتصادي و هي من التحديات الجغرافية السياسية التي تواجه المغرب حاليا.

 

 

النظام و المسألة الدينية بالمغرب

 


لقد تحدث الكثيرون عن قضية المسألة الدينية بالمغرب، فمنهم من تطرق إلى الخلفية الثقافية التي دأبت على استغلال الجهل و الفقر في هذا المجال، و منهم من تطرق إلى الاحتكار الايدولوجي للإسلام في الحقل السياسي، و منهم من اهتم بشرعنة العنف و الإرهاب و تغلغل المد الشيعي في الحركات الإسلامية المغربية، و منهم من تناول قضية الدين من زاوية منظومة إمارة المؤمنين، و منهم من حاول الدفاع على أطروحة التعددية الدينية بين المذهب المالكي و الأشعرية و الصوفية.
و الإشكالية الدينية ليست جديدة بالمغرب، تعود بعض عناصر الصراع بين الإسلام الرسمي للدولة و إسلام العموم إلى فترات متباعدة. و لعل أقربها ما حدث في النصف الأخير من القرن الثامن عشر بعد اشتداد الصراع بين الزوايا و السلطة المركزية حول النفوذ الديني. و مقابل ظهور المنافسة السلطوية للزوايا، معتمدة على السلفية (العودة إلى المنابع الأولى للدين) لجأت السلطة المركزية إلى الوهابية. و كان أول سلطان مغربي وظف الوهابية كوسيلة للنيل من شعبية الزوايا هو السلطان مولاي سليمان (1792-1822) الذي عمل على تبني انتقادات علماء الوهابية للممارسات الدينية المنحرفة للمتصوفة و الطرقية و هي الأساس التنظيمي المعتمدة عليه الزوايا. و في سنة 1811 حرر السلطان مولاي سليمان رسالة تليت في المساجد عبر أنحاء البلاد تحت عنوان رسالة ضد المواسم و البدع. إلا أن السلطان مني بهزيمة أمام الزوايا حينما لجأ إلى فرض التوازن السياسي من خلال دعمه المباشر للإيديولوجية الوهابية. و عرفت حرب السلطان ضد القبائل (معقل الزوايا) سنة 1818 هزيمة مشهودة حيث تم أسره مما فرض اللجوء إلى المصالحة الدينية و اعتماد توازن سياسي بين الإسلام الشعبي (الزوايا) و الإسلام الرسمي.
و في فترة الحماية حاول الاستعمار إذكاء نفس الصراع بين الوهابية و الزوايا لضبط خيوط اللعبة في اتجاه خدمة مصالحه و استدامة تواجده بالمغرب. إلا أنه تبين عبر التاريخ أنه كلما ابتعدت ظروف الصراع بين السلطة و جماعات الضغط الديني عاد المذهب المالكي إلى البروز باعتباره أساس الوسطية الدينية السائدة بالمغرب.
و مهما يكن من أمر يظل تناول المسألة الدينية بالمغرب مطبوعا بخاصيات ذاتية، إذ كل ظهور خلخلة في البنيات التقليدية المهيكلة للحقل الديني بالمغرب يؤثر مباشرة و بالضرورة على وظائف مؤسسة المخزن، لاسيما و أن هناك رمزية قوية مستمدة من الدين. كما أن بنية الملكية بالمغرب مرتبطة بالدين مادام هناك تداخل بين السلط الروحية و الزمنية، اعتبارا لكون الإسلام و الملكية صنعا المغرب. و كل هذا يقع ضمن واقع عام يتميز حاليا بأزمة للعقل الإسلامي و بظهور حركات إسلامية احتجاجية تسعى إلى تغيير الواقع استنادا على الدين و من أجل تطبيقه.
و هذا، في وقت يسجل فيه البعض أن المغرب يحاول حاليا أن يروم خلق حركية جديدة في الحقل الديني، و هذا ما أشار إليه البروز العلني لزوجة الملك و كذلك التحكيم الملكي في مشروع تعديل مدونة الأحوال الشخصية و قانون الأسرة.
إلا أن أحداث 16 مايو 2003 بالدار البيضاء طرحت من جديد الهاجس الأمني ضمانا لاستقرار المؤسسات، لا سيما مؤسسة إمارة المؤمنين و المؤسسات السياسية. إلا أن التصدي لجذور العنف و الإرهاب بالمغرب كشف جبهات أخرى لامناص من التصدي إليها، و التصدي إليها يستوجب أول ما يستوجبه عدم ترك المجال للهاجس الأمني ليحدد التصورات و الاختيارات و المخططات. و هذه الجبهات هي الجانب الاجتماعي و الجانب الاقتصادي و إشكالية التعليم و قضية الدين بالمغرب. و تزداد خطورة اعتماد الهاجس الأمني كأولوية في وقت أضحت إشكالية الدين مطروحة بوضوح أكثر من أي وقت مضى, سواء فيما يتعلق باحتكار الإسلام و توظيفه لأغراض سياسية أو تعلق بفصل الدين عن الدولة. علما أن النظام بالمغرب يعتبر أن علاقة الدين بالدولة محسومة في ظل تنصيص الدستور على أن المملكة المغربية دولة إسلامية و أن أمير المؤمنين مؤتمن على حماية الدين.
و من الواضح حاليا أن الملكية و الحقل الديني بالمغرب لن يكونا مثلما كان الحال عليه بالأمس، لاسيما فيما يرتبط بالنهج الجديد في التعاطي مع الحقل الديني. خصوصا و أنه منذ أن ظهر الحديث حول سياسة جديدة للتعاطي مع المساجد و الصحوة الإسلامية و الدينية، و هذا ما شارك فيه بعض الإسلاميين المقربين من المخزن. و ذلك لمحاولة التخلص من هيمنة الهاجس الأمني على تنظيم الحقل الديني بالغرب و الذي أدى إلى نتائج عكسية و مأسوية أحيانا كثيرة تعيش البلاد آثارها و انعكاساتها حاليا.و ما يعيشه المغرب اليوم في هذا المجال إلا نتاج طبيعي لسياسة وزير الأوقاف و الشؤون الدينية السابق الذي سعى لمواجهة تيار الشبيبة الإسلامية بعد أن ساهم بقوة من قبل في بروزها لمواجهة الحركة الماركسية اللينينية المغربية.
و قد تزامن تطبيق هذه السياسة في ظرف عرفت فيه عدة مدن مغربية انتفاضات من أجل الخبز و تحسين الأوضاع المادية المزرية. آنذاك بالضبط عملت وزارة الأوقاف على إرسال بعثات من الطلبة و الفقهاء إلى السعودية، و هناك تشرب هؤلاء بالمذهب الوهابي فكرا و ممارسة و قناعة، ليعودوا متشبعين بجملة من الأفكار دعوا إليها بعد عودتهم إلى أرض الوطن. و هذا ما أدى بدوره إلى تفريخ خطباء و وعاظ، لاسيما في مساجد الأحياء المهمشة، يدعون إلى مثل تلك الأفكار إلى أن بدأت البلاد تعرف ركحا دينيا متمردا غير خاضع للسلطة كما كان الحال من قبل. الشيء الذي ساهم في بروز إشكالية احتكارية الدولة للحقل الديني.
و هكذا بدأ تضييق الخناق على الحركات الإسلامية بالمغرب، لاسيما بعد أحداث 16 مايو 2003 بالدار البيضاء، و قد تم اعتقال ما يفوق 1000 شخص في إطار التحقيقات المرتبطة بتلك الأحداث، و قد امتد الأمر ليشمل بعض الأشخاص المحسوبين على الإسلاميين المعترف بهم (الإسلاميين الشرعيين).
و في اعتقاد البعض، جماعة العدل و الإحسان مثلا، فان الحديث عن مشروع إصلاح تدبير الشأن الديني بالمغرب يظل مجرد ديماغوجية، لأنه في اعتقاد هؤلاء، أن المشروع العام (النظام) يقوم، سياسيا و اقتصاديا و اجتماعيا، على فصل الدين عن الشأن العام، أي فصل الدين عن الدولة و هو أمر لا يستقيم مع الإسلام.
في حين يستحسن البعض الآخر مبادرة الحكومة الرامية إلى تأطير الشأن الديني عبر إرساء توافق بين سياسة الدولة و تعاليم الإسلام و الالتزام المذهبي.
و هذا في وقت تعرف فيه المؤسسات الدينية الرسمية أزمة واضحة المعالم. و لعل من أبهى مظاهر هذه الأزمة البؤس المعرفي و العلمي  - مازال الجميع يتذكر حرب البيانات المرتبطة بلعبة البوكيمون و الفتوى المرتبطة بها و قضية شرعنة القداس المقام بالرباط على أرواح ضحايا أحداث 11 شتنبر 2001 بحضور المسلمين و اليهود و النصارى-. و قد كشفت هذه الحرب بجلاء مدى التخبط الذي يطبع مؤسسات الإسلام الرسمي بالمغرب. كما أن أحداث الدار البيضاء الأخيرة أبانت هي كذلك انفلات المساجد، لاسيما مساجد الأحياء المهمشة، من قبضة الوزارة الوصية.
و يظل السؤال مطروحا :  كيف يمكن حل إشكالية علاقة الدين بالدولة في المغرب؟
فلا يخفى على أحد أن الإسلام هو المرجعية الثقافية الأساسية في تكوين الهوية المغربية، إذ بفضله تمكن المغرب من الحفاظ على استمراري ته ككيان عبر التاريخ. فالإسلام كان السند لمواجهة الغزاة و التحريض النضالي في مواجهة المستعمر. كما أن الاسلام ظل يحتل موقعا متميزا في الخطاب السياسي إذ ظل الشأن الوطني ممتزجا بالشأن الديني. إلا أنه بعد خروج المستعمر و بعد أن تتالت الاحباطات أضحى الإسلام من المستندات للتنديد بالواقع سعيا وراء تغييره. و قد تمكن هذا المد من البروز و الاتساع و الانتشار بفعل الأوضاع الاجتماعية المزرية و استفحال التهميش الاقتصادي و الاجتماعي و المعيشي لأوسع فئات الشعب المغربي التي ظل عددها يتزايد لتوسيع دائرة الفقر بمرور السنين و بفعل اتساع الأزمات المتراكمة. و بذلك أضحى الإسلام دائم الحضور في الصراع السياسي منذ منتصف سبعينات القرن الماضي.
و في هذا الصدد يعتقد البعض أن الشأن الديني بالمغرب هو من اختصاص كل المغاربة، و يجب أن ينفصل على العمل الحكومي، لاسيما استغلاله في ظرفية معينة لأغراض ضيقة. و في هذا الإطار يقترح هؤلاء ربط الحقل الديني بمؤسسة أمير المؤمنين عبر تأطيره من طرف مجلس وطني مستقل. لأن الحكومة نفسها لا يحق لها هي كذلك استعمال الشأن الديني بأي شكل من الأشكال.
و في هذا المضمار هناك أطروحة للباحثة المغربية آمال الوردي بعنوان "تنظيم الحقل الديني بالمغرب :   العلماء نموذجا". و قد استهلت الباحثة أطروحتها بالإشارة إلى اجتهاد الدولة المغربية منذ الاستقلال على استثمار المرجعية الدينية من أجل إضفاء الشرعية على اختياراتها و توجهاتها، و كذلك عبر احتكارها لكل الرموز و الشعائر الدينية و تأويل النصوص الدينية. إلا أنه سرعان ما طفا إلى السطح تناقضا واضحا بين التكوين الفقهي التقليدي لعلماء المغرب و الطابع الحديث و العصري للإدارة الموروثة بعد الاستقلال. و بذلك ذهبت الدولة في اتجاه تهميشهم التدريجي من دواليب الحكم و الإدارة و بالتالي الاستغناء عنهم و عن دورهم و عن خدماتهم بعد التوجه نحو الاعتماد على أطر حديثة ذات ثقافة عصرية مخالفة لثقافتهم رأسا على عقب.
بالرجوع إلى التاريخ المعاصر للمغرب تبرز عدة محطات و أحداث كرست تهميش العلماء و اقضاءهم من دواليب الحكم و الإدارة. و ذلك منذ فجر الاستقلال، و في هذا الصدد يمكن ذكر منع الحزب الشيوعي المغربي اعتمادا على خطاب ملكي و محاكمة حركة العلماء البهائيين في سنة 1963، و هي حركة احتجاجية دينية. و منذ ئد سعت الدولة بالمغرب إلى ضبط الحقل الديني بالبلاد و ذلك عبر تأطيره بجملة من المؤسسات الدينية و ضبط و تحديد دور العلماء بالمغرب في تدبير المقدس اليومي بانسجام و تناغم مع السلطة السياسية و شرعنة اختياراتها. و هذا ما أدى إلى مأسسة وظيفة العلماء لجعلها مكلفة بحماية الأرثودوكسية الدينية. و قد نجحت الدولة في ذلك عن طريق ضبط مراكز إنتاج و إعداد علماء الدين لضمان احتواهم عبر إنتاج و إعادة إنتاج هذه النخبة داخل المؤسسات الرسمية و تأطيرها في تنظيمات تحسبا لأي انفلات (رابطة علماء المغرب، المجالس العلمية). كما أنه يمكن إدخال طبيعة التعامل مع جامعة القرويين في هذا الإطار العام إذ تم تحويلها إلى مجرد مؤسسة تربوية خاضعة لمراقبة الإدارة. و بذلك تحول العالم بالمغرب إلى مجرد موظف عادي ينتظر مرتبه الشهري تحت وصاية الإدارة كغيره من الموظفين بعدما كان من قبل يتمتع بالاستقلالية إزاء السلطة. و كان هذا التغيير تغييرا جذريا لدور جامعة القرويين و لمهمة العلماء بالمغرب، و هذا ما دفع جملة من العلماء إلى مغادرة الجامعة و التخلي عن التدريس فيها.
و عندما رأت الدولة أن غياب العلماء أدى إلى فراغ اعتبرت أنه تم استغلاله من طرف الحركة الماركسية اللينينية المغربية، ثم بعدها من طرف حركة الشبيبة الإسلامية المستقلة عن الدولة، ففكرت في تجديد المجالس العلمية، و بذلك حاولت من جديد مأسسة دور العالم بالمغرب عبر إعادة تحديد وظيفته لمراقبة الحقل الديني و السياسي. و بذلك تكلف العالم المغربي بالتأطير الديني الهادف إلى صيانة وحدة الأمة على مستوى المذهب و العقيدة. و ذلك للتصدي للتهديد الذي كانت تمثله بما أسمته بالايديولوجيات المناوئة للإسلام و حركات الإسلام السياسي، و كذلك خوفها من تهديد العلماء أنفسهم. و كان أجدى و أفضل سبيل أمامها هو جعل هؤلاء العلماء مساعدين لها بتنصيبهم حماة للأرثودوكسية الدينية و ليس كحماة للشريعة أو كمجتهدين. و هكذا تحول علماء المغرب إلى أجراء قائمين على تدبير العبادات. و بذلك تميزت حصيلة المجالس العلمية على امتداد أكثر من عقدين من نشاطها و ممارستها بالعقم و الانحصار في بعض شؤون العقيدة و العبادات و بطريقة منفصلة انفصالا تاما عن مختلف مجالات الحياة الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية، إلى درجة أن المجالس العلمية المغربية أضحت غريبة عن سيرورة المجتمع المغربي و على هامشها، رغم أنه من المعلوم و المعروف، لدى العام و الخاص، لا يمكن بأي شكل من الأشكال فصل بين شؤون الدين و الدنيا في منظور الشريعة الإسلامية. و هذا كاف و زيادة لتفسير الدور السلبي لوضعية العالم بالمجتمع المغربي و تفسير عقم المجالس العلمية على امتداد مرحلة وجودها و إلى حد الآن.
و بذلك لا يمكن أن نستغرب إذا لاحظنا انحصار نشاط العلماء بالمغرب في المجال الفقهي التعبدي الصرف و بعدهم، بعد السماء عن الأرض، عن قضايا الفرد و الجماعة و الأمة، و بعد اهتمامهم عما تزخر به حياة المجتمع المغربي من معضلات و مستجدات عصرية لم تتح لهم الفرصة، الفعلية و المسؤولة و النزيهة، ليلقوا بدلوهم فيها و ليقلوا كلمتهم يصددها و يقترحوا حلولا ملائمة خاصة بها و تكون حلولا تتناسب و جوهر الإسلام. و هذا دون الحديث عن الضغوطات التي واجهتهم سواء من طرف الدولة أو من طرف عامة الناس الذين دأبوا على مطالبتهم بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بدون قيد و لا شرط. و هكذا أضحى علماء المغرب بين نارين، فالسلطة تطالبهم بالدفاع عن شرعية لامشروطة و لا يمكن التشكيك فيها، و عموم الأمة تطالبهم بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر مهما كانت الظروف.

أما فيما يرتبط بدور المساجد بالمغرب، فترى الباحثة آمال الوردي أن المساجد بالمغرب لعبت دائما دورا سياسيا، كما اتخذت كأداة لتنامي التيارات الإسلامية، إذ أصبحت لا تفتح إلا لأداء الصلوات الخمس و تم تعيين خطباءها و إلزامهم بإتباع توجيهات وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية. كما أن بناء و تشييد بيوت الله بالمغرب أصبح خاضعا لوزارة الداخلية في إطار ما أصطلح علية بالتنسيق بين الفرقاء و السلطان. و لم يقتصر الأمر على هذا الحد، و الاقتصار على هذه الإجراءات التنظيمية، و إنما تم تعيين قياد(رجال سلطة تابعين لوزارة الداخلية) في عمالات و أقاليم المملكة المغربية لتكليفهم فقط و حصرا بالربط بالتنسيق بين المجالس العلمية و السلطات و وزارة الداخلية، و مهمتهم الحقيقة غير المعلن عنها هي الضبط.
لكن بالرجوع إلى الواقع المعيش و على امتداد سنوات، يتبين و بجلاء أن كل هذه الاحتياطيات و الإجراءات المرتكزة بالأساس على اعتبارات أمنية محضة بفعل الهاجس الأمني و الرغبة في الضبط و احتواء الأماكن الشرعية و محاولة خلق خطاب ديني رسمي عبر تكوين و تعيين الخطباء و الأئمة لن تفلح في مهمتها لأنها اصطدمت بديناميكية المجتمع المغربي و التي كانت في عمومها مطبوعة بسيرورة مضادة انتجت علما و خطباء مستقلين عن السلطة، و بالتالي عملوا على إنتاج و بلورة خطاب ديني بديل ينافس الدولة منافسة قوية في المجال الديني.
و مع حلول العهد الجديد بدت رغبة واضحة في إعادة هيكلة الحقل الديني ضمن مؤسسة محددة الأهداف و التنظيمات، لاسيما و أن المؤسسات القائمة فشلت فشلا ذريعا في أن تكون مصدرا للاجتهاد قصد التصدي للإشكالات و الأسئلة المطروحة على ركح الواقع المعيش اليومي في مختلف المجالات السياسية و الاقتصادية و الثقافية و الاجتماعية بغية تحصين المجتمع من مختلف أنواع التطرف الفكري عبر إشاعة جوهر الإسلام القائم على الوسطية و الاعتدال و التسامح. و أول ما كان يتطلبه هذا هو محو الأمية – لاسيما الأمية الدينية- و رفع الخضار عن المساجد قصد المساهمة الفعلية في تنظيم الحقل الديني و فق منظور حضاري منفتح على قضايا و شؤون المجتمع و ليس اعتماد إصدار فتاوى من بروج عاجية مقامة على هامش المجتمع و خارج دائرة اهتماماته.
و مما يظهر فشل الدولة في التعامل مع الحقل الديني بالمغرب، أن خططها كانت بمثابة مجرد محاولة مأسسة هيئة العلماء بجعلهم مجرد أدوات لإنتاج و إعادة إنتاج نوعية خاصة من القيم الدينية و الرمزية لدحض كل ما من شأنه مخالفة خطابها الديني و لاسيما السياسي. و هذا يبين أن من أكبر الأخطاء اعتماد الاحتكار المؤسساتي للمعرفة الدينية. هذه الاحتكار ساهم في بروز ديناميكية قوية في المجتمع المغربي ترفض احتكار الدولة للدين و مؤسساته، كما ساهم هذا الاحتكار في جعل الحقل الديني أن يصبح مجالا لرهانات استراتيجية و هذا ما شكل خطرا كبيرا تلمسه الكثيرون منذ مدة.
 
و مما سبق يتبين أن مسالة تدبير الشأن الديني بالمغرب ليست قضية جديدة إذ ظهرت منذ ستينات القرن الماضي، إلا أن هذا التدبير كان يخضع لمعالجات ظرفية أو قطاعية في ظل غياب تصور شامل لإدارة الشأن الديني. لاسيما و أنه في عهد وزير الأوقاف السابق كانت مواقف الوزارة يشوبها الغموض و التناقض و أحيانا التنافر، مما يبرهن عن غياب أي تصور واضح المقاصد. و كان الطاغي هو التعامل الظرفي و الخضوع لعلاقات شخصية و مصالح شخصية. و يمكن لهذا النهج أن يكون قد ساهم – إضافة لما ذكر أعلاه- في صعود و تصاعد التيارات الدينية بالمغرب. لكن من الأكيد أنه على امتداد عقد و نصف على الأقل تم تجاهل هذه التيارات ثم الحركات التي انبثقت عنها، ثم اتخاذ مواقف الاقتراب و المهادنة و المداهنة بعد ذلك.

و بعد أحداث 11 شتنبر 2001، و خصوصا بعد 16 مايو 2003 تحولت علاقة المغرب بالوهابية إلى مقت باعتبارها تنتج الجماعات المتطرفة (السلفية الجهادية، الهجرة و التكفير، الصراط المستقيم، المجاهدون المغاربة...) كلها ذات علاقة بشكل أو بآخر بأحداث الجمعة الأسود بالدار البيضاء. كما أن موقف المغرب من الوهابية كان لمبررات دولية، لاسيما و أن الولايات المتحدة الأمريكية أعلنت الحرب على التطرف الديني الموصوم بالإرهاب.

و في هذا الصدد يرى البعض أنه أضحى الوضع بالمغرب يتطلب إحداث جبهة دينية تجمع الدولة و جماعات الإسلام السياسي المناهضة للإرهاب (التوحيد و الإصلاح، جماعة العدل و الإحسان) في إطار توافق ديني سياسي لمواجهة العنف الديني، على غرار توافق نهاية التسعينات (1998) بين الملك الراحل الحسن الثاني و عبد الرحمان اليوسفي. إلا أنه يبدو أن الدولة لن تسمح باقتسام تدبير الشأن الديني بالبلاد، باعتبار أ، هذا الشأن من اختصاص إمارة المؤمنين و التي أضحى البعض ينادي بتحديثها.
و فيما يخص مؤسسة إمارة المؤمنين، ذهب البعض إلى طرح تطويرها في اتجاه الملكية البرلمانية العصرية و دولة حامية لكل الديانات، كما البعض نحو اختزالها في البعد المادي الزمني الصرف (حماية الثغور)، كما عبر عن ذلك مثلا محمد عابد الجابري.
و بالرجوع إلى المفهوم الإسلامي، ليس هناك مصدر تبث فيه الفصل الواضح و الصريح بين صفة القائد و الإمام، و هما الصفتان المجتمعتان في خليفة الرسول (صلع) و في خليفة الله في أرضه، يحكم بما أنزله الله و يرعى بهما شؤون عباد الله في دينهم و دنياهم على السواء.
و يرى البعض أن العلمانيين و بعض الإسلاميين يتشابهون في المطلب، فالفريق الأول يطالب بعزل الدين جانبا و الفريق الثاني يقول بفصل القيادة عن الإمامة.
و يعتقد البعض في هذا الصدد أن الإمامة تقوم على أسس تقليدية لا يمكن أن تسمح بالتحديث و الدمقرطة. و يرد عليهم آخرون بأن إمامة المؤمنين صمام أمان يحمي الملكية كقيادة للدولة من الخروج على ما أنزل الله، و الإمامة بالنسبة لهؤلاء تلزم باحترام ثوابت الدين و لا تقبل ما يعارض شرع الله، و بذلك يقول هؤلاء أن الإمامة تحفظ الملك من الخروج عما أنزله الله دون تكبيله عن التطلع إلى متطلبات القيادة الحداثية.
و يبدو أن هناك شبه إجماع ما بين الإسلاميين و العلمانيين بخصوص تحديث إمارة المؤمنين، إلا أن البعض يرى أن المطلوب ليس هو تغيير مؤسسة الإمامة و تطويرها لأنها في نظرهم ضرورة إسلامية، و إنما المطلوب في نظر هؤلاء هو ما يمكننا كمغاربة مسلمين أخذه من الآخرين دون أن نتخلى عن ثوابتنا و على رأسها وجود إمام واحد يضطلع بمسؤولية الحكم بما أنزل الله و إبقاء الحلال حلالا و الحرام حراما. و يرتكز هؤلاء في قولهم هذا على أن التحديث في ظل الإمامة كان دائما مطلوبا على امتداد التاريخ الإسلامي منذ عهد الرسول (صلع) عندما كانت الفتوحات الإسلامية متوالية و كذلك تلاقح الثقافات و الحضارات، لكن دون أن يمس ذلك بالشأن الأخروي اعتبارا لكون "القائد يجدد و الإمام يسدد" حفاظا على التوازن.
و بخصوص دور وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية، هناك إجماع على ضرورة إعادة هيكلتها لتخليصها من الانزلاقات التي تم تكريسها في عهد الوزير السابق المدغري العلوي، و هي الآن في حاجة إلى إصلاح على أكثر من مستوى للتصدي للاختلال الذي ساد فيها. و لم تعد خافية الآن التداعيات السلبية للتجربة السابقة على امتداد سنوات، مما يدعو إلى إعادة هيكلة المجالس العلمية و إعادة تأهيلها و مراجعة هيكلة الوزارة برمتها، و إعادة النظر في أوضاع نظارات الأوقاف و التي الكثير منها أضحى بمثابة دولة داخل الدولة إذ أن القائمين عليها أحرارا يتصرفون فيها كأنها اقطاعات خالصة لهم، لا يخضعون لأية مراقبة من أي نوع و لا لأي متابعة و تتبع بالرغم من جملة من التصرفات المشبوهة. هؤلاء ظلوا يتصرفون في ثروات هائلة و عقارات شاسعة و مداخيل غزيرة بدون أي شفافية و لا ضوابط لا تتبع، و بدون حسيب و لا رقيب. و ظل الحال على ما هو عليه رغم ظهور ممارسات مريبة بجلاء و رغم تراكم الشكايات و المطالبات في هذا الشأن.

و في هذا الإطار قدم الوزيأن الشأنللأوقاف و الشؤون الإسلامية استراتيجية جديدة و تصورا جديدا، و هو تصور يقع ضمن الإطار العالمي لمحاربة الإرهاب و التطرف و يروم إعطاء نفس جديد للمشروع الديني لمنعه من الانزياح نحو التطرف و الانفلات.و في هذا الصدد يرى البعض أن الشأن الديني لا يتعلق بوزارة الأوقاف وحدها لاسيما و أن المغاربة يعيشون الآن في عالم منفتح، يفعل فيه تداخل المذاهب و الثقافات و الأديان و يجعل الاقتصار على المذهب المالكي من باب التمسك بأمور تاريخية لا يمكن التمسك بها أراد من أراد و كره من كره. خصوصا و أن الأسئلة المطروحة في عهد الإمام مالك لا علاقة لها بالأسئلة المطروحة اليوم. و من ضمنها تلك المرتبطة بالتطرف، إذ أن الإمام مالك لم يعالج هذه الإشكالية بالمفهوم الحالي رغم أنه كان له موقف من الخوارج. و الأخذ بمذهب مالك أو بغيره ليس كافيا لإصلاح الحقل الديني بالمغرب ما دام الأمر لا يرتبط فقط بالشق الديني الصرف و إنما يرتبط بالأساس بإرادة سياسية تجتمع فيها كل مكونات المجتمع المغربي من أجل إصلاح هذا الحقل، و ذلك من أجل تهييء الظروف الملائمة لإجراء هذا الإصلاح.
و يرى البعض أنه إذا اعتمدنا المذهب المالكي وحده كنهج لتطبيق الدين فإننا قد نقتل الدين، لذا وجب الأخذ بروح المذهب المالكي و كذلك بالاجتهاد و هذا أضحى ضروريا. فالنص القرآني قادر على تقديم مقترحات بامكانها تحرير الفكر الديني مما علق به على امتداد قرون ما دام الإشكال يكمن في ترسبات علقت به عفا عليها الزمان و تحتاج لإعادة نظر. و بالتالي فان الالتزام بمذهب ما لن يسمح بهذا الإصلاح لكونه سيظل يفرض أشياء لم تعد صالحة للناس حاليا.
و يظل أكبر إشكال بالمغرب، في هذا الصدد، هو اعتقاد فئة ما أنها تمتلك الحقيقة و أن إسلامها هو الإسلام الحق و غيره ليس أسلاما. ناهيكم عن اللخبطة التي من شأنها أن تبرز بين الإسلام الرسمي و الإسلام الشعبي و الإسلام الحركي.
و في هذا الإطار نجد أن المسألة محسومة دستوريا بالمغرب، إلا أنه هناك حركات إسلامية منافسة في الحقل الديني. و من هنا يمكن القول أنه بالمغرب إذا كان الملك يملك السلطة الزمانية فان الحقل الديني تتفاعل فيه الكثير من المكونات، فهناك مكونات النص الديني و هناك حاجة الواقع المرتبطة بهذا النص (ربط النص بالواقع) أي الاجتهاد. و المشكلة هي أن البعض يعتقد بأن هذه العملية إذا أشرف عليها الرسميون فقط فهي باطلة، و هذا يجرنا من جديد إلى إشكالية احتكار النطق باسم الإسلام، علما أن كل عملية اجتهادية تظل عملية نسبية قابلة للصواب و الخطأ. و في هذا الصدد يدعو البعض إلى اعتبار ما يسمى حكما شرعيا أنه يبقى اجتهادا بشريا، و هذا الاجتهاد قابل للصواب و الخطأ و ليس ملزم للناس بشكل نهائي و أزلي، و إنما هو اقتراح من طرف الجهة المجتهدة (شخصا كان أو هيئة) و هو اقتراح يمكن تصحيحه أو تجاوزه، سواء كان اجتهاد مالكي أو شافعي أو حنبلي أو من عالم القرن الواحد و العشرين أو غيره، ما دام أننا لسنا ملزمين أزليا باجتهادات تاريخ معين دون سواه، و إلا سنعلن على اغتيال الاجتهاد و الانفتاح. علما أن الظرف الذي ظهر فيه الإمام مالك كان مرتبطا بالقوة الإسلامية آنذاك، و بالتالي من الصعب قبول حاليا جملة من اجتهادا ته، من قبيل أن تارك الصلاة يقتل حدا مثلا.

لهذا يبدو أن أنجع السبل هو أن يقوم الرسميون أو الوزارة الوصية بتأطير الحقل الديني في إطار حرية تسمح بنقاشات و حوارات خاصة بالحقل الديني دون إقصاء أي طرف و دون اعتماد أي نوع من أنواع الاحتكار في هذا المجال. و لعل مثل هذا التصور برز بشكل كبير عندما قام ثلة من العلماء بالمغرب بالتوقيع على نص الفتوى المحرمة لمشاركة المغرب في الحرب الأمريكية على الإرهاب، و حينها كان رد الوزارة الوصية عليها بعنف و صرامة.
و مهما يكن من أمر بالنسبة للمغرب حاليا، الأفضل هو التعبير في الضوء و أمام الملأ حيث يمكن الرد و الحوار و النقاش و ليس اعتماد القرارات في الظلام و الكواليس و وراء ستار ركح الواقع المعيش. و هذا يعني أن المغرب في حاجة إلى الحريات في المجال الديني، حريات مؤطرة و مسؤولة. لأن الشرعية لا تكتسب بالفرض و إنما تكتسب من خلال إعطاء الحرية. و هذه الشرعية أقوى و أمثن و أقدر على التصدي إلى أي انزلاق. و هذه الحرية لكي تكون مجدية هي في حاجة إلى تهييء فضاء علمي و ثقافي من أجل تجديد الفكر مادام لا يمكن انتظار أي جديد مهما كان في إطار اعتماد المطلق و غياب حرية التعبير في هذا المجال بالذات. فما يحتاجه المغرب اليوم بصدد الحقل الديني هو إصلاح ديني حضاري و ليس إصلاح احتكاري.
لقد ظل النقاش في الشأن الديني بالمغرب من الطابوهات الكبرى، رغم أن المغاربة متدينون، كما لو أنه لدينا رجال دين لهم وحدهم الحق في ذلك دون سواهم. فلا يحق لأي أحد أن يمنع الآخرين من المشاركة في تجديد الحقل الديني، فكفانا من احتقار العقول في هذا المجال، لأنه من الممكن أن توجد أفكار جيدة عند غير ما نسميهم برجال الدين، كما يمكن أن تكون لهم انتقادات قد تكشف خطأ اجتهاد رجال الدين – و الأمثلة كثيرة في هذا الصدد.
و تزداد أهمية تلك الحرية في وقت نعيش فيه أزمة دينية و أزمة ثقافية حادة، و هي في واقع الأمر جزء من التخلف العام الذي نعيشه على المستوى الحضاري، لاسيما و أن الاجتهاد توقف منذ زمن بعيد. و علينا أن نتذكر دائما أنه عندما كان العقل الإسلامي مجتهدا استفادت منه أوروبا قاطبة، و لا يخفى على أحد أن الإصلاح الديني بأوروبا نفسها قام بناء على اسهاملت ابن رشد و فكر الأنوار.
لقد أضحى من الضروري حاليا تفعيل الاجتهاد، و بالنظر إلى مدونة الأسرة يبدو أن هناك دفع بمسألة الاجتهاد إلى حدوده القصوى و الاستفادة من المذاهب الأخرى، إلا أن الانفتاح المذهبي، مع أحداث 16 مايو، قد يبدو متناقضا لاسيما و أن التهمة موجهة للاتجاه الوهابي الحنبلي الذي يعتبر مسؤولا إيديولوجيا عن تشكل جماعات العنف الديني المنفذة لتفجيرات الدار البيضاء. فلا يخفى على أحد أن المذهب المالكي يعتبر مذهبا وسطيا مثل المذهب الشافعي، في حين يعتبر المذهب الحنفي أكثر انفتاحا بين المذاهب الأربعة. و قد بدا من خلال قانون الأسرة أن الدولة حاولت  الاستفادة من المذهب الحنفي، و هذا يعني الرغبة في عدم الاستمرار في التقوقع في المذهب المالكي، أي استنباط ما يمكن استنباطه من المذاهب الأخرى. فإذا كان هناك تصدي للوهابية من خلال استبعاد كل الأحكام المستنبطة من المذهب الحنبلي، و الاستفادة من المذهب الحنفي، فناك الحفاظ على أساسيات المذهب المالكي.
و تزداد أهمية الشأن الديني باعتبار أنه كان دائما عنصرا أساسيا لضبط التوازن السياسي في المغرب.
فالسياسة قامت دائما على حفظ التوازنات. و الكل لازال يتذكر كيف كان تخلق الأحزاب السياسية و تتناسل قصد تفعيل مواجهة أحزاب أخرى، و نفس النهج ظل حاضرا بامتياز في تدبير الشأن الديني. و هكذا دأبت الدولة على تشجيع فاعلين دينيين في مواجهة آخرين، لاسيما باستعمال الصوفية و الإسلام السياسي و الإسلام السلفي، إلا أنه في السنوات الأخيرة أخرج الإسلام السلفي من الحساب في هذه التوازنات لاعتبارات خارجية أساسا، و باعتبار أنه لم يعد مرتبط بالتوازنات الداخلية، خصوصا و أنه أضحى ذي ارتباطات مع الخارج ابتدءا من إعلان تنظيم القاعدة على حربها ضد الغرب و ظهور السلفية الجهادية. و هذا ما تسبب في اختلال على مستوى التوازنات القائمة على امتداد سنوات خلت. ففي السابق كان حفظ التوازن على صعيد الحقل الديني تتم بين المذهب المالكي السائد و الاستعانة ببعض التيارات ذات التأثيرات الحنبلية لمواجهة و التصدي لتيار الإسلام السياسي.
و ما دامت الدولة المغربية اتجهت نحو تبني مشروع مجتمعي ديموقراطي حداثي غير منفصل عن الهوية الدينية، فقد اضطرت إلى تطعيم المذهب المالكي السائد باجتهادات المذهب الحنفي بغية تحقيق محاصرة مختلف التيارات المتطرفة المعتمدة أساسا على المذهب الحنبلي المعروف بتشدده. و هذا يعني أن الدولة حاليا و على صعيد الحقل الديني ليست بصدد تدبير تناقض بنيوي مع خصومها، و إنما هي بالأساس بصدد تطويق التيار السلفي الجهادي الشيء الذي سيفرض عليها تدبير التناقضات الأقل أهمية حاليا مع الجماعات الإسلامية التي لا تتفق مع أطروحاتها و تصورها. و يبدو في هذا الصدد أن الدولة يبحث الآن على تذويب خلافاتها مع الجماعات الإسلامية بغية محاولة تشكيل جبهة لمواجهة التطرف بالمغرب، لا سيما التطرف الذي تجسده السلفية الجهادية و التي يبدو أن لها امتدادات أكيدة داخل المجتمع، لاسيما وسط الشباب المغربي المهمش.
و يرى الأستاذ محمد ضريف من الضروري إدخال جماعة العدل و الإحسان في ذلك التوافق الديني لأنه لا معنى لإقصائها من الجبهة المعارضة للتيار السلفي الجهادي، لاسيما و أن لها فعالياتها الأكيدة في هذا المضمار. و بذلك يرى الأستاذ محمد ضريف أن تلك الجبهة الدينية يمكن أن تتكون من الدولة و جماعة العدل و الإحسان و البديل الحضاري و الحركة من أجل الأمة و حركة الشبيبة الإسلامية الحالية لاسيما و أن هذه الأخيرة بصدد مراجعة خطها السياسي و الفكري في اتجاه اتخاذ موقف واضح إزاء العنف و الإرهاب. و يعتقد ذ. ضريف أنه من السهل تكوين هذه الجبهة باعتبار أن جماعة العدل و الإحسان عرفت تحولا أساسيا في خطها السياسي و الفكري، و هي الآن بصدد القيام بمراجعات لتصوراتها، و هذا من شأنه تقريب الرؤى و التصورات لإحداث تلك الجبهة، لاسيما و أنه لم يعد بالامكان إنجاز توافق سياسي في المغرب بمعزل عن التوافق الديني.


المسلسل الديموقراطي ببلادنا...من أين....وإلى أين ؟

1 ـ التغيير، مطلب كان حاضرا بامتياز
الديمقراطية آتية لا محالة وإرادة الشعب لابد من أن تحترم.
هناك عدة تساؤلات شغلت الرأي العام ولاسيما الرأي الشعبي.
 كيف يمكن النظر إلى ما يسمى بتطور المسلسل الديمقراطي ببلادنا؟ وهل الديمقراطية بدأت تمارس فعلا؟ هل هي في بدايتها ؟ هل هي في منتصف الطريق؟ وإلى أين تسير ؟ وماهي أهلية القوانين الجاري بها العمل حاليا في تعزيز المسار الديمقراطي ؟
 ألم تكن فترة أزيد من أربعة عقود كافية للقوى الديمقراطية لكي تتقدم في إنجاز مهمتها الأساسية المتمثلة في إصلاح الدولة المغربية عبر إرساء قواعد دولة الحق والقانون ؟ فأين يكمن الخلل؟
 لقد افتقرت السياسة السائدة ببلادنا وإيديولوجيتها إلى الأساس الديمقراطي سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا. إن الاختيارات السياسية المعتمدة منذ الاستقلال كانت تفتقر للبعد الديمقراطي والمراقبة الشعبية. وتعمقت هذه الوضعية مع فرض حالة الاستثناء، ورغم المحاولات التي تلتها لإعادة تدشين المسلسل الديمقراطي عبر تحديث المؤسسات فإنها لم تسمح بسيادة الإرادة الشعبية وبالتقييد الديمقراطي للسلطة ومحاسبتها في ممارسة مسؤولياتها...وتراكمت الهفوات والانزلاقات والانحرافات في جو ساد فيه القمع والاستغلال والفساد مما أجل ممارسة التغيير الديمقراطي الفعلي.
 إن السياسات المنتهجة عملت أساسا على تنمية امتيازات الأقلية على حساب السواد الأعظم لفئات المجتمع المغربي، ولم تنفع الحلول التقنية والروتوشات التقنوقراطية لأن الاختيارات مسندة على خدمة مصالح آنية ومستقبلية مرتبطة بتحالف طبقي سائد لم يسمح بإحداث تغييرات جوهرية لأن من شأنها إضعاف تلك المصالح وتقويض أساسها. هكذا كانت المؤسسات المنبثقة من الانتخابات لا ترقى إلى المستوى الضامن لتحقيق انطلاقة إرساء الديمقراطية لأنها ببساطة لم تكن سليمة المنشأ ولا تتوفر على سند شعبي إضافة إلى أن آليات وأدوات تدخل الدولة غير مدمقرطة لتكفل خلق فضاء ديمقراطي سليم.
 ولقد ناضل الشعب المغربي نضالا مريرا من أجل إرساء أسس دولة الحق والقانون منذ فجر نضاله من أجل بناء المغرب الجديد، مغرب في مستوى تضحيات أبنائه الأوفياء الذين ضحوا من زجل ضمان أسباب العيش الكريم لمختلف فئات الشعب المغربي. ومنذئد والشعب المغربي يتلقى الانتكاسة تلو الأخرى. وإذا كان القضاء على الاستعمار المباشر قد تحقق فإن إرساء أسس الديمقراطية الحقة مازال موضع عدة تساؤلات إذا اعتبرناها أولا وقبل كل شيء مشاركة سياسية فعلية ومساهمة مجدية وفعالة في تدبير الشأن العام.
 فالديمقراطية ليست مجرد ظاهرة للاستهلاك الخارجي فحسب، إنها قضية الإنسان الاجتماعية والاقتصادية في تدبير شؤون البلاد وبهذا المعنى مازالت الديمقراطية عندنا متعثرة.
 لقد بدأت الدعوات الأولى للديمقراطية بالمغرب منذ الأربعينات إلا أنه ابتداء من الستينات أخذت النضالات من أجلها تتبلور نظريا كهدف ضمن استراتيجية على يد مفكرين وسياسيين ومناضلين من طينة المهدي بنبركة ومن تلوه، تسكنهم رغبة جامحة في تغيير الواقع الاجتماعي. وتطورت الحركة النضالية واتسع مداها بعد أن تحول الأمل في الاستقلال، لبلوغ التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية يستفيد منها الجميع، إلى خيبة من جراء تكريس واقع التخلف الاجتماعي والسياسي لأوسع الفئات الشعبية، وتفاقمت المشاكل الاجتماعية لاسيما إبان الأزمات الاقتصادية التي عرفتها البلاد.
 وكانت المطالبة باستصدار الدستور بواسطة الجمعية التأسيسية باعتباره خطوة للانتقال من عهد الحكم الفردي المباشر إلى عهد سلطة المؤسسات ورغم كل الانعكاسات استمر الشعب المغربي بفضل قواه الحية في نضاله من أجل الديمقراطية كاختيار وباعتباره أداة وسبيلا ونهجا لبناء دولة عصرية. إلا أنه لم تكن الإنجازات التي تحققت على امتداد أربعين سنة بعد الاستقلال إلا تعبيرا جليا عن مصالح فئات اجتماعية تحققت لها السيادة عبر تحالف طبقي تصلبت مواقعه في إطار التبعية.
 وابتداء من السبعينات عرفت البلاد احتدام الصراع الطبقي وظهر بجلاء فشل التنظيمات السياسية في قيادة الجماهير عبر التجدر وتوالت الانتخابات واستمرت البلاد في اجترار الأزمة وإعادة إنتاج نفس المشاكل الاقتصادية والاجتماعية مما أدى بالقوى الديمقراطية إلى تسليط الأضواء الكاشفة على ما يراد إخفاؤه والتعرية على الواقع المزري المعيش مؤكده على حاجة البلاد الماسة إلى ديموقراطية حقيقية وفعلية يمارسها الشعب عبر مؤسسات فاعلة منبثقة منه. ولا حاجة لنا للتذكير بن العمل الوحدوي للقوى الديمقراطية قد أثبت جدواه وأعطى جزء من أكله حيث أنه بفضله تم فرض فتح ملف الحريات العامة وإثارة إشكالية ضرورة ارتكاز الحكم على مؤسسات دستورية ذات مصداقية ومسوؤلية فعلية منبثقة من الشعب فاعلة في اتجاه خدمة مصالحه والدود عليها.
 النضال الديمقراطي والارتقاء به إلى مستويات مكنت من تحقيق مكاسب كان ولازال مطلوب صيانتها، وهي في الحقيقة نضالات تعتبر امتدادا لحركة التحرير الشعبية من أجل بناء " مغرب الغد".
 ولقد مضت أكثر من أربعة عقود من الصراع والنضال من أجل تحقيق شروط العيش الكريم لأوسع فئات الشعب المغربي ولازالت قواه لحد الآن، وأكثر من أي وقت مطالبة بالنضال لتحقيق ذلك. فإذا كانت أربعة عقود كافية لإخراج الاستعمار الأجنبي فإن نفس المدة لم تكن لم كافية لإرساء قواعد انطلاقة فعلية لمسلسل ديمقراطي حقيقي كفيل بتحقيق ظروف اجتماعية تضمن شروط العيش الكريم لأوسع فئات الشعب المغربي. هكذا يبين التاريخ أن النضال من أجل الديمقراطية أشق وأطول من النضال ضد المستعمر وهذا ما سبق وأن أكده أحد قادة جيش التحرير حين قال أن الثورة المغربية لم تستمر إلى نهايتها وكان ذلك نتيجة مؤامرة مدبرة لقطع الطريق عليها من جراء تلاقي والتقاء النيات الاستعمارية مع نيات الوصوليين الذين كانوا يستعجلون الوصول إلى أي حل كيفما كان".
 وقد عرفت المسيرة النضالية تعثرات منذ نهاية السبعينات، ويعزو البعض هذا التعثر لتراجع دور ومساهمي الشباب في هذا النضال. بعدما كان الشباب المغربي على رأس النضالات مناديا بضرورة التغيير، موظفا قدرته على عدم الامتثال للتقليد والواقع المعيش وعدم اعتباره قدرا مقدورا، وقدرته على تحطيم الطابوهات وعلى البحث عن بدائل كفيلة بتخليص البلاد من أزمتها مضحيا في سبيل تحقيق ما يؤمن به من أفكار ومبادئ اعتبرها صالحة لبناء مجتمع جديد.
 

2 ـ الديمقراطية ممارسة قبل أن تكون خطابا.
 منذ الثمانينات أعلن بوضوح أن توجه البلاد هو توجه ليبرالي، وهذا ما ترجمته مختلف السياسات المتبعة، وهي سياسات ارتكزت على تعليمات صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، وتمحورت أساسا حول التصدي لعجز الميزانية على البحث عن توازن مالي عبر تقليص النفقات العمومية وتخفيض الاعتمادات المرتبطة بالقطاعات الاجتماعية وتقليص التوظيفات العمومية والتفنن في إثقال كاهل الجماهير الشعبية بالضرائب واقتطاعات مختلفة. ومع استفحال الأزمة تعاظمت البطالة حتى همت حاملي الشهادات العليا في ميادين ومجالات لازالت تشكو فيها بلادنا من العجز في الأطر ( مهندسون / أطباء / تقنيون..).
 كما اعتمدت تلك السياسات المتبعة على الخوصصة سعيا وراء ضمان الانفتاح على الاقتصاد العالمي وفتح الأسواق وجعل قانون العرض والطلب هو المتحكم في ظل المنافسة والعولمة الاقتصادية، حيث بات الاستهلاك عالما مما أدى إلى سيادة " القانون الغابوي " لا يرحم الضعيف ويزيد من إثراء الثري وسيطرة القوي ويفقر الفقير ويقهر الضعيف.
 ومن المعلوم أن الإمبريالية الأمريكية قد عملت على دعم التوجه الليبرالي المتوحش عبر العالم انطلاقا من متطلبات خدمة استراتيجيتها، فالعولمة والتحولات الدولية دفعها إلى البحث عن استمرار سياسي لضمان مصالحها البعيدة المدى عبر العالم الشيء الذي دعا إلى نهج إصلاحات الواجهة الديمقراطية.
 ويعتمد البعض، في هذا الإطار أنه تم طرح ما يسمى باستحقاقات لضمان استقرار سياسي وسلم اجتماعي لاسيما وأن الأزمة كانت سائرة نحو الاستفحال آنذاك.
 وظلت الأوضاع الاجتماعية تتميز بتقليص مداخيل الفئات الواسعة للشعب وضعف الأجور وارتفاع الأسعار وانخفاض القدرة الشرائية بل انهيارها، وتدني مستوى المعيشوالتبذير.بطالة واستمرار الأمية وتدهور الخدمات الاجتماعية ( تشغيل، تعليم، وتكوين، صحة، إسكان، ضمان اجتماعي..) وقد رافق هذه الوضعية امتهان لكرامة المواطن وانتهاك لحقوق الإنسان وتجاوز أحكام الدستور ومقتضيات القانون وفساد إداري وإمعان في مظاهر البذخ والبهرجة والتبذير.
 وزاد الطين بلة مع الانتكاسة التي عرفها مسلسل إرساء الديمقراطية، لقد تم تغييب الرأي العام والرأي الشعبي على وجه الخصوص، لأن الحكومات السابقة كانت تتخوف منهما لأنها بكل بساطة كانت لا تعبر عن الإرادة الحقيقية للشعب الذي من المفترض أن تحكم باسمه، وكان منتظرا من الحكومة الحالية، حكومة التغيير أن تضع في حسبانها الرأي العام والرأي الشعبي، لكن يبدو أن الجبل تململ فأنجب نملة، ولازالت الملفات الثقيلة تنتظر من الحكومة الحالية الوفاء بعهودها ولو في مستوى حدها الأدنى. إن " الاستحقاقات" والتطورات التي رافقتها جاءت في ظروف تفاقمت فيها أزمة الرأسمال التبعي بالبلاد من جراء صيرورة العولمة وما صاحبها من هجوم على الاقتصاديات المحلية وكان المآل هو النفق المسدود في جو تنامت فيه الأنشطة الطفيلية المرتبطة بالمخدرات والممنوعات والتهريب، واستفحلت فيه مظاهر الفساد وانتشرت الرشوة وبرزت إشكالية حقوق الإنسان والمواطن بكيفية لم يسبق لها مثيل من قبل.
 في هذا الجو العام أقدمت الكتلة الديمقراطية على تقديم تنازلات ساهمت بشكل كبير في فبركة خريطة سياسية مشوهة في إطار خيار التوافق والتراضي والقبول بالسلم الاجتماعي، وذلك في وقت يعتقد فيه البعض أنه لا زالت إصلاحات دستورية وسياسة مطروحة، حيث يعتبرون أن الدستور الأخير في حاجة إلى تعديل وإلى تطوير ليكون التشريع الأعلى المعبر عن المصالح الحقيقية لأوسع فئات الشعب والضامن لحقوقها ولمشروعية المؤسسات. لأن المصلحة العامة لهذه الفئات هي المصدر الأساسي المبني على تشريع دستوري يسعى لتحقيق الديمقراطية الحقة حسب اعتقادهم. لذا فإنهم يرون أن الفعل الديمقراطي الحقيقي ـ كما تطمح إليه الفئات الحية للشعب المغربي ـ مازال لم يتحقق بعد، ولازال هؤلاء يتساءلون حول تمكين مؤسسات المجتمع وضمان فعلها ومشاركتها في تدبير الشأن العام؟
 هؤلاء يعتبرون أن التغيير أو الإصلاح، ليس مجرد رغبة أو وصفه إرادية معزولة عن مسار التاريخ وعن الشروط المعيشة. فالمشروع الديمقراطي هو كل لا يمكن تجزيئه، وحالما جزء فقد مضمونة، كما أن تجزيئه يؤدي لا محالة إلى نتائج سلبية ليس عل الجزء فقط ولكن على الكل، على المسار بكامله وهنا تتجلى المسؤولية التاريخية الجسيمة للقوى المناضلة من أجل الديمقراطية.
 إن تقييم الممارسة الديمقراطية تنبع من مضمون وفعالية الممارسة على أرض الواقع المعيش لاسيما فيما يرتبط ببلورة القرار والمشاركة الفعلية في تدبير شؤون البلاد والشأن العام وضمان حقوق الإنسان والمواطن والحرص على احترامها، إن أي مشروع ديمقراطي هو ترسيخ للفعل الديمقراطي، ليس كفعل آلي لحظي ولكن كفعل يتجاوز الفاعلين الراهنين إلى فاعلين مرتقبين أو محتملين، إنه فعل يخص الحاضر والمستقبل، وأحيانا حتى الماضي ( المحاسبة والمساءلة )، وهذا هو المضمون الفعلي للنهج الديمقراطي ولأفق التغيير الديمقراطي الذي تطمح إليه طلائع الشعب المغربي منذ أمد.
 ولازلنا نستشف من الدراسات والتحاليل الفكرية والسياسية والسوسيواجتماعية والاقتصادية التي تناولت إشكالية الديمقراطية ببلادنا أن التساؤل لازال قائما حول غياب أو حضور انطلاقة ديمقراطية فعلية، حيث يتحدث البعض عن نوع من " المعاندة التاريخية " في الساحة السياسية بحكم قوة التقاليد وصلابة العقلية السائدة على امتداد أكثر من أربعة عقود.
 لكن هل فعلا توفرت الشروط الأساسية، الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لتدشين تحول نوعي بجعل البلاد تلح فعلا عهدا جديدا ؟
 إن مهام التغيير الديمقراطي الفعلي لازالت مطروحة ولازالت تستوجب توحيد جهود القوى الديمقراطية لبلوغ مستوى يضمن الشروط لممارسة ديمقراطية حقة تتجسد في تدبير الشن العام من طرف الشعب بواسطة ممثليه الفعليين، وهذا التدبير يجب أن يشمل مختلف القضايا المرتبطة بالحياة اليومية الآنية والمستقبلية، كل ما يهم لقمة العيش والتعليم والصحة والشغل والسكن وظروف الحياة في الشارع والحي والمنطقة والمدينة والقرية والدوار والإقليم والجهة وموقع البلاد ضمن دول العالم، وإدارة وإعلام وميزانية وضرائب..لأن كل ما يحدث بالبلاد وبعلاقة مع البلاد هو من الشأن العام.
 فالديمقراطية، وهذا معروف لذا الجميع، ليست مجرد رغبات وخطابات ودعاية إعلامية ومهرجانات وتنظيم لقاءات أو أيام دراسية، إنما قبل هذا وذاك ممارسة يومية والتماس نتائج على أرضية الواقع المعيش، إنها ليست فقط مجرد ضمانات منصوص عليها ضد السلطة التعسفية بل تشمل مختلف الضمانات لتوفير شروط العيش الكريم للمواطن، ضمانات دستورية وضمانات عملية وتوفير آليات فعالة لمواجهة الانحرافات وضمان سيادة الشروط للمشاركة السياسية الفعلية وضمانات اعتبار الصفة الإنسانية مهما كان الظرف ومهما كانت الصفة ومهما كان الرأي والموقف.
 والديمقراطية ليست مجرد التعددية من أجل التعددية من أجل التعددية، فهناك من التحديدات ماهي مزيفة وشكلية وبهلوانية، فحتى ما يسمى بالديمقراطية التمثيلية أصبحت في ظل سلطة الرأسمال وعمولته لا تخدم مصالح الفئات الشعبية الواسعة لأن السبيل لخدمة هذه المصالح يمر بالضرورة عبر الارتباط الوثيق بالمواطن والاقتراب منه أكثر فأكثر لتجسيد ديمقراطية المشاركة والديمقراطية التداولية حرصا على خدمة مصالح وسع الفئات، ففي واقع الأمر تظل الديمقراطية غير مكتملة إذا هي لم ترتكز على أساس فعل ديمقراطي متجسد سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا، غذ أنها بدون هذا لفعل لا يمكنها أن تتجاوز نطاق حدود ما سمي " الديكتوقراطية". 
 


3 ـ تحقيق الطفرة...ضرورة تاريخية.

 من المفروض على المغرب أن يلج عهدا جديدا، وهذا ما ظهرت بوادره، إلا أنه ما زالت ضرورة تحقيق الطفرة لأنها ضرورة تاريخية تفرضها الضرورة التاريخية وتفرضها طموحات الشعب المغربي ومسيرته النضالية ويفرضها الوفاء لتضحيات الشهداء من أجل مغرب حر يضمن العيش الكريم لأبنائه. وباب تحقيق هذه الطفرة هو تكريس الديمقراطية الحقة، فلا خيار لنا، ولا مناص من دعم انطلاقة مسار ديمقراطي حقيقي لأن استمرار غياب الديمقراطية الفعلية والفعالة يدفع المجتمع نحو الآفاق المسدودة المعيقة لنموه وتقدمه وفقدان طابعه الإنساني ويجعله خارج الركب الحضاري مهما تعددت الروتوشات لتحسين الواجهة. فالديمقراطيات الحقة في عصرنا الحالي اختيار لا مفر منه ومسار لا رجعة فيه، وغيابها شكل السبب الرئيسي والأساسي لكثير من المشاكل التي عرفتها البلاد من توتر واحتقان وعرقلة التقدم ونشدان التطور الجدير بها اعتبارا للتاريخ النضالي للفئات الشعبية واعتبارا للتضحيات الجسام لأبناء الشعب الأفذاذ الذين قضى بعضهم نحبه في ركح النضال من أجل خير هذا البلد وسموها.
 لقد كان النضال الديمقراطي ولا زال معدنا لطاقات النضال والتعبئة للفعل حاضرا ومستقبلا لأنه هو الكفيل بخلق خلخلة ورجة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية لضمان الأداء الديمقراطي الكفيل بالإرساء الفعلي لصيرورة تصليب بنيات دولة الحق والقانون على مستوى الممارسة والعقلية ونهج التعامل والفعل في فضاءات المجتمع السياسي والمجتمع المدني. وقدر بلادنا حاليا مرهون بالديمقراطية الحقة لأنها شرط أساسي وحيوي لأية تنمية مجدية في كل المجالات والميادين، لأنه لا يمكن تقوية الفعل السياسي وتأطير المجتمع المدني دون ديمقراطية حقة ودون فعل ديمقراطي حقيقي. فالتنمية تتطلب انخراط الإنسان وإدماجه لضمان تفاعله ولن يأتي ذلك إلا بإقرار ديمقراطية حقة. فلازالت هناك ضرورة تاريخية ملحة للنضال من أجل إنجاز إصلاحات دستورية وسياسية لتوفير إمكانية تأسيس قواعد دستورية وقانونية مناسبة فعلا للتطور السياسي للبلاد وتضمن الانتخابات ذات مصداقية كفيلة بإقرار مؤسسات منتخبة معبرة فعلا عن اختيارات أغلب فئات الشعب المغربي تنبثق منها حكومة منسجمة ذات الإرادة والكفاءة اللازمتين لتحقيق برنامجها مستعدة للمحاسبة والمساءلة بصدده.
 وبن يأتي هذا إلا عبر المزيد من الإصلاحات الكفيلة بتوسيع اختصاصات البرلمان وآليات تشكيله وتمكين الوزير الأول من السلطات اللازمة لتحمل مسؤولياته كمسؤول أول في الحكومة وتمكين المنتخبين من الممارسة الفعلية للديمقراطية المحلية والجهوية عبر إعادة النظر في اختصاصات العمال والولاة والإدارة المحلية وتمكين الهيئات المنتخبة المحلية والجهوية من الرشد عبر تخليصها من مقتضيات الوصاية المكبلة للممارسة الفعلية لمسؤولياتها السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية.
 إن سيادة الانتهازية واستغلال الظرفية لا يعود إلى غياب فعالية المجتمع المدني القادر على محاسبة ومراقبة النخب السياسية، ولا إلى غياب قواعد الشفافية والمسؤولية الواعية في قدرة المواطن السياسية على اختيار من ينوب عنه في تدبير أمور البلاد عبر التعبير عن همومه وطموحاته فقط، وإنما يعود كذلك إلى ضعف التأطير السياسي وسكون الأحزاب السياسية وهشاشة التجدر السياسي وسط الجماهير لاسيما في البادية وانفصال التنظيمات السياسية الديموقراطية عن هموم المجتمع الفعلية. وهذا ما يفسر إلى حد كبير عدم قدرتها على بلورة حركية مجتمعية قوية وضاغطة.
 وهناك قضية مطروحة منذ السبعينات وهي أن التغيير يستوجب توحيد القوى العاملة من أجله والهادفة إليه، ولقد بينت التجربة أن النضال من أجل التغيير يستوجب توحيد القوى العاملة من أجله والهادفة إليه، ولقد بينت التجربة أن النضال من أجل التغيير الحقيقي لا يشترط أي توحيد أو أي تكتل وإنما يشترط بالدرجة الأولى توحيدا وتكتلا مبنيا على تقارب الرؤية في العمل والدور وأساليب دعم صيرورة التغيير المنشود. وليس هناك من ضمانة للتصدي للانحرافات والنواقص والعيوب إلا بالنضال الواعي واكتشاف أنسب الأساليب النضالية الحضارية الملائمة للظرفية وللمرحلة وللملابسات الاجتماعية وهذه مسؤولية القوى الديمقراطية حاليا.
 فالديمقراطية الحقة لن تتحقق بدون وحدة صفوف القوى الديمقراطية، فلا ضمانة لاستمرار النضال من أجل دعم المسار الديمقراطي الفعلي ولا ضمانة لقدرته على تحقيق الأهداف المتوخاة دون تحالف القوى الديمقراطية، ولن يكتب النجاح لهذا التحالف إلا بالانفتاح على حركية المجتمع المدني وهموم أوسع الفئات ومشاركتها الفعلية والفعالة لأن قيمة التحالفات وفعاليتها لا تكمن في البيانات والمواثيق والبلاغات والاتفاقات بل تكمن أساسا في الارتباط بالفئات والفعاليات المعنية الأولى بالقضية الديمقراطية وبضرورة التغيير. وهذا الارتباط هو الذي يعطي قيمة للبيانات والمواثيق والبلاغات والاتفاقات والتصريحات وليس العكس.

وهذا يستوجب مشروعا مجتمعيا يساهم في إرساء انطلاقة جديدة لمسلسل ديمقراطي ديناميكي فعال وفاعل كفيل بإخراج البلاد من دائرة الركود الذي تعيشه حاليا.

 

 


                           الـسـيـاسـة و مـكر الـسيـاسة….!
مـدخـل لـطـرح الإشكـالـية بـبـلادنـا

                                        
                                         
يقال أن السياسة الحقيقية هي سياسة الحقيقة لكن السياسة الحقيقة تستوجب أولا وقبل كل شيء الواقعية و الجرأة على تعرية الأمور بشفافية و القدرة على كشف المستور وتسليط الأضواء على مناطق الظل .
و انطلاقا من هذا المنظور يقال أن السياسة هي فن ممكن، لكن هذا الممكن يجب أن يكون في إطار سياسة الحقيقة و إلا دخلنا في نطاق مكر السياسة عندما نغلف الممكن اعتمادا على إبعاد كل ما ليس مرغوب في تحقيقه بدعوى عدم الإمكان وهذا حال بلادنا على امتداد سنوات طوال وقد برز مكر السياسة على مختلف الواجهات سيما فيما يخص واجهة الديمقراطية وواجهة الاقتصاد.

فمنذ الثمانينات توجه المغرب حول التصدي للعجز المالي في الميزانية العامة من أجل التقليص من النفقات العمومية بإلغاء بعض أبواب الميزانية وتقليص عدد الموظفين العموميين والمأجورين مما نتج عنه بطالة انضافت جز المالي في الميزانية العامة من أجل التقليص من النفقات العمومية بإلغاء بعض أبواب الميزانية وتقليص عدد الموظفين العموميين والمأجورين مما نتج عنه بطالة انضافت إلى البطالة القائمة في وقت مازالت تشكو فيه البلاد من الخصاص في الأطر )مهندسون / أطباء/ تقنيون… كما تم الاهتمام بالتصدي إلى التضخم نظرا لتأثيراته على التجارة الخارجية.

وفيما يتعلق بالضرائب، من المعروف أنه من مبادئ الليبرالية تخفيض الضرائب ، في حين عرفت البلاد تصاعدا مستمرا للثقل الضريبي.

كما تم اللجوء إلى خوصصة مقاولات الدولة بطريقة لم يستنتج منها الشعب شيئا يذكر . وفي اختيار الطريق الليبرالية تأرجحت بلادنا بين النظرة الأنجلوساكسونية المتوحشة، على الطريقة الأمريكية والإنجليزية ، وهما نظامان يتميزان بقوة القطاع الخاص المتمركز أساسا على اقتصاد شركات عملاقة ومتعددة الجنسيات الراغبة في الهيمنة على الاقتصاد العالمي . والنظرة اللاتينية ، على الطريقة الأوربية فرنسا، ألمانيا والتي تجعل مسألة التضامن الاجتماعي هاجسا اقتصاديا بالدرجة الأولى يتفاعل فيه عنصران مهمان : القطاع الخاص والدولة.

هذا فيما يخص الاقتصاد، ومكر السياسة بارز فيه بامتياز أما فيما يخص تجليات مكر السياسة على صعيد المسألة الديموقراطية ،فمن المعروف أن الانتخابات ، في حالة تزويرها ، يمكن أن تكون وسيلة لإخفاء الإكراه والتستر على القمع ، كما يمكنها أن تكون وسيلة لمحاولة التوفيق بين جوهر سياسي محدد مسبقا ومؤسسات شكلية تنازع الجوهر وهناك كذلك يبرز مكر السياسة.

إن النظام الملكي المغربي نظام مركزي مفتاحه هو الملك. فالمغرب يتوفر على تقليد خاص للحكم والدولة. فالملكية المغربية لم تكن نتاجا لمرحلة تاريخية حديثة، وإنما نتاج لشرعية تاريخية ثقافية وشعبية، كما أن السلطة المركزية ببلادنا ليست نتاج حديث ، إن تاريخها يمكن أن يعود إلى الأدارسة وشرعيتها هي شرعية : تاريخية ودينية، كما أنها شرعية سياسية وشعبية لأنها مبنية على البيعة وقد عرف النظام الملكي المغربي بعض التحديات، حيث أصبح نظاما نيابيا ثنائيا مجلسين وتم إقرار تنظيم جهوي، وتحديث بنيات المخزن.
وبهذا المنظور تكون المحاكم ليس لتجريم الناس ولكن لمساعدتهم على استعادة حقوقهم والدفاع عليها وليس العكس .

والحكومة في النظام المغربي، هي حكومة عاهل البلاد اعتبارا لصلاحياته الدستورية، واعتبارا لأن الاختيارات المجتمعية الكبرى يحددها الملك والحكومة تعمل على ترجمتها وتجسيدها. والاختلاف الحاصل يكون اختلافا حول سبل تنفيذ البرنامج الحكومي الذي يستمد أسسه من التوجيهات الملكية.
في بداية القرن الماضي كان النظام القائم نتاجا لبنية سياسية واجتماعية. تتميز أساسا ببروز تحالف بين الأعيان الحضريين والقواد الكبار بالبوادي، واستطاع هذا التحالف السيطرة على القبائل استنادا على الدين لتبرير سيطرته وإضفاء لباس الشرعية على امتيازاته المحققة على حساب السواد الأعظم لسكان البلاد. وازداد هذا التحالف قوة بارتباطه الموضوعي مع الرأسمال الأوربي، الشيء الذي سهل تغلغل الاستعمار ببلادنا.
ومنذ الوهلة عمل الاستعمار على تحطيم البنيات القبلية الجماعية، وذلك بمساعدة القواد الكبار، وهذا ما أدى إلى التقارب بين القصر والحركة الوطنية لضمان دور الملكية في البنية الأساسية.

وفي الخمسينات، نظرا لتصاعد المقاومة في المدن والبوادي اضطر الاستعمار لتعديل مشروعه وإعادة النظر في بتحالفاته في إطار نظام رأسمالي تبعي كحلقة في  الاستعمار الجديد وهكذا اعتمد الرأسمال الأوروبي على فئة من الوسطاء والسماسرة لإرساء قواعد نظام رأسمالي تبعي بالمغرب.آنذاك حركة المقاومة والحركة الوطنية وقد اتضح أنه لم يكن من الممكن إعادة هيكلة السلطة إلا عبر تدجين الحركة الوطنية والتخلص من جيش التحرير الذي أكد على ضرورة استمرار  المقاومة إلى حد تحقيق الاستقلال الكامل.
وقد ساعد التطور الرأسمالي التبعي على خلق سوق داخلية مرتبطة بالمركز على حساب مصالح الجماهير الشعبية ولفائدة توطيد العلاقات بين البورجوازية الكمبروادورية والملاكين العقاريين الكبار. ومنذ الإعلان عن الاستقلال السياسي بدأت سلطة الكمبرادور والملاكين العقاريين الكبار تتهيكل وتتقوى ، ومما سهل هذا المسار إجهاض استقلال فعلي تجسيدا لطموحات ، الجماهير الشعبية السياسية آنذاك – حركة المقاومة والحركة الوطنية وقد اتضح أنه لم يكن من الممكن إعادة هيكلة السلطة إلا عبر تدجين الحركة الوطنية والتخلص من جيش التحرير الذي أكد على ضرورة استمرار المقاومة إلى حد تحقيق الاستقلال الكامل .

وقد ساعد التطور التبعي على خلق سوق داخلية مرتبطة بالمركز على حساب مصالح الجماهير الشعبية ولفائدة توطيد العلاقات بين البورجوازية الكمبروادورية والملاكين العقاريين الكبار وهيكلة سلطتهم مستفيدين بالأساس من سياسة الوحدة الوطنية { وهذا وجه من وجوه المكر السياسي }واغتنام لتحطيم التنظيمات السياسية  المعبرة عن مطامح أوسع الفئات الشعبية والمدافعة عنها .

وقد توجت هذه الفترة بانفراد القصر بالحكم .

فمن النتائج الأولى لاتفاقيات { ايكس ليبان } إرساء حكومة تابعة للاستعمار، مضمونة غالبيتها من الفئات المرتبطة به: عناصر من المخزن و البيروقراطية العصرية رغم ضمها بعض الأفراد من الحركة الوطنية، وقد كانت حكومة ائتلافية، طرفها الأول يدافع عن مشروع وطني و الطرف الثاني معادي لهذا المشروع، يمثل كبار الملاكين وكبار التجار المستفيدين من التغلغل الرأسمالي ببلادنا. وقد استطاع تحالف كبار الملاكين و التجار وبيروقراطية الدولة – الكمبرادور – إقصاء العناصر المنحدرة من الحركة الوطنية للانفراد بالسلطة منذ فجر الستينات.

وفي ظل هذه الظروف ساهمت البنية الاقتصادية التبعية في سيرورة تحويل الملاكين العقاريين الكبار إلى مضاربين في مجالات و ميادين مرتبطة بخدمة وتنمية المصالح الإمبريالية، كما ساهمت في تعزيز وتقوية البرجوازية الكمبرادورية في إطار التبعية للإمبريالية. هكذا تشكلت كتلة حاكمة بتوحيد مصالح و مصير البرجوازية الكمبرادورية في إطار التبعية للإمبريالية. هكذا تشكلت كتلة حاكمة بتوحيد مصالح ومصير البرجوازية الكمبرادورية المتوسطة الصاعدة التواقة إلى تأسيس نظام برجوازي عصري.

ومنذ 1962 انفردت الكتلة الحاكمة بالسلطة بدءا بدستور 1962 و إقامة مؤسساته بعد تنحية أحزاب الحركة الوطنية وبذلك تكرست هيمنة كبار الملاكين العقاريين و حلفائهم البرجوازية الكمبرادودية وبيروقراطية الدولة. فمع بداية الستينات واجهت الكتلة الحاكمة الصراع السياسي بالقمع الممنهج كأسلوب للتصدي ومواجهة الحركات النضالية الجماهيرية، ومع احتدام الصراع السياسي و الاجتماعي وتصدع أجهزة الحكم عمدت الكتلة الحاكمة إلى محاولة احتواء الفئات الوسطى عبر اتخاذ إجراءات اجتماعية تهما – توزيع جزئي لبعض الأراضي المسترجعة، خلق قاعدة وجود فئات وسطى اقتصاديا- إلا أن ذلك حدث في وقت ارتكز فيه التطور الرأسمالي التبعي على آليات الاقتصاد المغربي، بواسطة المديونية و الارتباط الوثيق بأسواقها، الشيء الذي عاق كل إمكانية تطور صناعي، و كانت النتيجة فتح المجال لاستثمارات طفيلية و تعزيز سيطرة البرجوازية الكمبرادورية على المؤسسات المالية و الصناعية بواسطة – المغربة – التي سمحت لبعض عناصر البرجوازية الكبرى غير الاحتكارية و فئات عليا من البرجوازية الكمبرادورية.

وفي بداية السبعينات انطلق حماس كبير مع المخطط الخماسي 1973-1997 اعتبارا لعوامل ظرفية ارتبطت بإعادة قسمة العمل بين المركز و الدول التابعة له وتزامن ذلك مع ارتفاع أسعار بعض المواد الأولية المصدرة و التراكم الذي حققته البرجوازية الكبرى. إلا أنه سرعان ما غابت تلك العوامل فتحول الحماس المفرط إلى خيبة أمل، واضطرت البلاد إلى فرض مخطط التقشف )  1978-1981 ( و الخضوع للبنك الولي وصندوق النقد الدولي و اعتماد توجيهات الرامية إلى إلى تحقيق التوازنات بأي ثمن و تطبيق سياسة حقيقة الأسعار و السماح لقوانين السوق بالقيام بدورها بحرية و لو على حساب السواد الأعظم للسكان. آنذاك اتضح بجلاء أن أزمة البلاد أزمة هيكلية مرتبطة أساسا بالتبعية اللامشروطة  للأسواق الإمبريالية و تعمقت الأزمة أكثر بفعل الطابع الطفيلي و الريعي للكتلة السائدة و هذا الطابع لم يسمح حتى بتحقيق درجة مرضية من التطور الرأسمالي التبعي على علته.

فعلى امتداد السبعينات كانت قوى اليسار في صراع ضاري مع النظام وقد تزامنت تلك الفترة مع المرحلة السوداء من تاريخ البلاد.
وساد القمع بمختلف أساليبه و ألوانه، ساد التهريب و التهديد و الاختطاف و نشر الرعب بين فئات الشعب هكذا انقسم البلد إلى فريقين كبيرين، فريق موالي للنظام مدافع عنه وفريق مناهض بمختلف الوسائل المتاحة الفكرية و السياسية و الثقافية و الاجتماعية و النضالية، ومع تفاحش الأزمة و اتساع مظاهرها و تمظهراتها وتكاثر انعكاساتها عملت قوى اليسار على استثمار السخط الجماهيري الظاهر على صعيد الركح المجتمعي. وهذا ما هيأ جملة من الشروط لخوض نضالات طويلة النفس وواسعة المدى، الشيء الذي خلف عدة ضحايا – استشهاد، اعتقال تعسفي اختطاف، ونفي قسري…-.

ومع بداية الثمانينات شرع في تطبيق سياسية التقويم الهيكي كبديل للخروج من النفق، لكن الواقع المعيش أظهر بجلاء النتائج الوخيمة سواء على الصعيد الاقتصادي أو الاجتماعي، و بالرغم من السخط الجماهيري، الواسع عليها، ظلت استراتيجية التنمية تعتمد على التصور الليبرالي المتوحش المفروض من طرف البنك الدولي المعبر الصادق و الراعي الأمين لمصالح الرأسمال الغربي والشركات و البنوك المتعددة الجنسيات.

فحين بلغت أحدات أروبا الشرقية بدأت تظهر مضاعفات أزمة الخليج و الحرب الحضارية الأولى على الصعيد العالمي و العربي و الوطني و اتسع الاهتمام على المستوى الداخلي بقضايا حقوق الإنسان و برز صراع سياسي بين أحزاب المعارضة و الكتلة الحاكمة مما دفع إلى اعتماد خطاب الانفتاح بالنسبة للأولى و عملت المعارضة للضغط لتقوية موقعها استعداد للتغييرات البادية بشائرها في الأفق آنذاك. هكذا و منذ منتصف التسعينيات بدأت مطاردة بعض الموظفين الساميين أصحاب القرار بل تجريمهم أحيانا، إلا أن الذين كانوا وراء هذه الحملة تناسوا أنهم هم كذلك أصحاب ملفات ضخمة وثقيلة.
وبعد توالي الاخفاقات و تزايد استفحال الأزمة بدأت الديمقراطية تفرض نفسها، كأولوية الأولويات و كسبيل للخروج من النفق، لكن شريطة احترام الثوابت و نبذ أساليب العنف و نهج طريق المساهمة و المشاركة في اللعبة السياسية عوض المواجهة و التصدي. آنذاك برزت على السطح ملامح السلم الاجتماعي و السياسي واعتماد الحوار.
إن الكتلة الحاكمة هي من ائتلاف بين الملاكين العقاريين الكبار البرجوازية الكمبرادورية والمسيطرين على المؤسسات المنتجة للدولة. فعلى امتداد سيرورة تكون تلك الكتلة الحاكمة تقوت ضمنها فئة من ذوي الامتيازات المخزنية و البيروقراطية، استفادت من مواقعها ضمن مختلف المؤسسات، و كانت هي الأكثر استفادة من السياسات المتبعة إضافة للمصالح الاقتصادية و المالية التي وفرتها لها البنية الرأسمالية التبعية. وقد ساهمت هذه الفئة في توسيع مجال الفساد الإداري ومناهضة عصرنة الحياة الاقتصادية.
إن طبيعة تلك الكتلة لم تكن لتدفعها للاهتمام بالإنتاجية أو تطوير أساليب العمل و الإنتاج و التفكير في إرساء الانطلاقة للاهتمام بالتكنولوجيا. وطبيعتها هاته جعلتها تناهض أي إصلاح زراعي يسمح بنمو سوق داخلية من شأنها إعطاء دفعة لتصنيع فعلي، كما جعلتها طبيعتها تكتفي بالمضاربة في مختلف الميادين ) العقار، التجارة، المال، الوساطة…( واستغلال أموال الدولة لفائدتها) صفقات، امتيازات متنوعة…(، وجعلتها كذلك تتملص من المشاركة في عبئ تكوين ميزانية الدولة، و ذلك من جراء الإعفاءات الضريبة أو التملص من أدائها. علاوة على أن طبيعتها الربيعية المضارباتية،و الطفيلية جعلتها تشجع مختلف أنواع الفساد و تهريب الأموال إلى الخارج، الشيء الذي جعلها لا تساهم بترويج أموالها بالداخل بطريقة.

وكل هذا جعل أسباب الأزمة الاقتصادية و الاجتماعية تعمق على امتداد سنوات بموازاة مع ذلك لم تظل الكتلة الحاكمة مكتوفة الأيدي و إنما عملت بمختلف الوسائل على التوغل في النسيج الاجتماعي و الاقتصادي و السياسي، كما نجحت في استمالة جملة من الفعاليات التي كانت محسوبة على المعارضة لجانبها.

و ظلت نقط قواها هي السيطرة على الأجهزة الأمنية و الاستحواذ على الجهاز الإداري و على ممتلكات الدولة و استغلالها لخدمة مصالحها و تحويل المؤسسات التي من المفترض التعبير عن طموحات الشعب إلى آليات تكرس سيطرتها على المجتمع .

إن السيرورة التي عرفتها بلادنا سهلت إقصاء الحركة الوطنية من المناصب الحساسة في الإدارة المغربية و مواقع القرار، علاوة على أن القواد الذين تحالفوا مع المستعمر، مؤقتا ظلوا يشكلون سياسة استطاعت مراقبة البادية المغربية وإقصاءها من الدائرة السياسية و ذلك من وعي اعتبار للقوة التي يمكن أن تشكلها.

لقد عملت الإيديولوجيا السائدة على إقحام الليبرالية في خطابها، لا سيما على المستوى الاقتصادي  مع مراعاة درجة كبيرة من التحفظية على المستوى السياسي و الاجتماعي.
هكذا كانت تستند على الإسلام و الليبرالية المتوحشة، فبعد الدفاع عن تدخل الدولة تم تحويل الاتجاه ب 180 درجة لتبني الليبرالية المتوحشة، فغالبا ما كانت الإيديولوجية السائدة تعتمد على الظرفية و الديماغوجية و بناء الخطاب على مجموعة من الأفكار و الشعارات البراقة، والاستفادة على منهجية تقنوقراطية، وهي منهجية تعتبر أنه من الممكن حل المشاكل باللجوء إلى أخصائيين دون إشراك و مشاركة المواطنين سواء مباشرة أو بصفة غير مباشرة.

ومنذ فجر التسعينات تقوى الخطاب المرتكز على الليبرالية و الانفتاح ومفهوم المتوسطية و التعاون الأرومتوسطي و الحوار العربي الأوروبي.

المخزن مؤسسة فاعلة في المجتمع المغربي، لها آلياتها و منهجيتها و عقليتها و أساليبها، و كان دائما و زير الداخلية الحجر الزاوية للعقلية المخزنية.

فالمخزن كان – وربما لا زال – رديف الهيبة – و الاستبداد و القمع و تمييع الحياة السياسية.

و هذه العقلية تعتبر كل إنقاد للواقع و المطالبة بتغييره قضية أو إشكالية تمس بهيبة الدولة، و هذا منطقي، ما دامت العقلية المخزنية تستمد قوتها بالأساس من القمع و التهريب. و كانت توكل هذه المهمة لرجال السلطة و رجال الأمن.و من هنا يبدو و بجلاء أن ما يميز دولة المخزن عن دولة المؤسسات هو أن هذه الأخيرة تكسب هبتها من مشروعيتها و من الثقة القائمة بين الحاكمين و المحكومين. فكيف يعقل، في إطار دولة المؤسسات، استغلال طاقات رجال السلطة في الإخبار و الاستخبار و التجسس على عباد الله و العمل على تكريس هيبة مصطنعة للمخزن ممارسة و تعاملا. وليس هذا بالغريب، فقد استطاع المخزن في الفترات السابقة خلخلة المجتمع و مكوناته بفعل القمع الممنهج لبلوغ هدف التحكم في الأمن السياسي.

فأما أصبح جهاز الدولة المخزني معبرا و حاميا لمصالح التحالف الطبقي البائد شكل عرقلة في وجه مسار تطورات مرحلة – ما بعد الاستعمار الجديد-. هكذا عملت المؤسسات الإمبريالية،و من ضمنها البنك الدولي على فرض بعض التغيرات لمحاولة لجم النضالات الجماهيرية و إعادة إرساء جو الاستقرار لضمان مصالحها، إلا أن هذه التغيرات لم تمس و لو قيد أنملة من الطابع المخزني للدولة، لذا اعتبر البعض أن المخزن لا زال يعتبر من العناصر المعرقلة لإرساء أسس بناء ديمقراطية حقة.

إذن، المخزن عقلية و نهج قبل أي آخر…إنه عقلية و نهج لمنظومة كانت تدبر الشأن السياسي للبلاد عبر التفرقة و تأجيج التعارضات بين مختلف القوى السياسية في ظل غياب قواعد واضحة و شفافة لتنظيم اللعبة السياسية. و الآن أضحى الوعي حاضرا بضرورة تغيير هذا النهج عبر تمكين المؤسسات الدستورية من القيام بالدور الموكل لها كاملا في ظل السيادة التحكمية للمؤسسة الدستورية من القيام بالدور الكامل لها في ظل السيادة التحكمية للمؤسسة الملكية.

و على الحكومة أن تحكم و البرلمان أن يشرع و الجماعات أن تضطلع بمسؤولياتها كاملة غيرمنقوضة دون وصاية و أن يكون القضاء نزيها مستقلا.

لقد كان يقال إياك من ثلاثة : النار و البحر و المخزن، إنها نصيحة يعطيها الآباء للأبناء، لكن الأمر كان لابد أن يتغير مع إقرار مبدأ دولة الحق و القانون، و هو مبدأ يجعل كل المغاربة سواسية أمام القانون، و هو مبدأ يجعل كل المغاربة سواسية أمام القانون،و المخزن و رجاله ليس فوق القانون و إنما تحت و طأته، لذا أصبح من المفروض تكريس روح المواطنة التي لن تستقيم باستمرار و جود الحذر كلما تعلق الأمر بالتعامل مع المخزن.

و نافل القول أن هناك من يطالبون بإصلاح حقيقي، و هناك من يطالبون بإصلاح حقيقي، و هناك من يريدون ترك دار لقمان على حالها بعد إدخال بعض الروتشات،و الذين يطالبون بإصلاح حقيقي يريدون للبلاد أن تنتقل من نظام الريع و الامتيازات و المحسوبية و الزبونية و تمركز الخيرات بين أيدي كمشة من سكانها، إلى نظام عادل في توزيع الثروات محترم لحقوق الإنسان و مؤسسا لدولة الحق و القانون و دولة المواطنة. و هذا الانتقال له طريق واحد لا ثاني له ،و هو الذي يمر عبر إصلاحيات سياسية و دستورية حقيقية.
  و هؤلاء يدفعون في اتجاه إقرار نظام ملكي برلماني ديمقراطي.


ملحق
و كنموذج ندرج  آخر بيان لجماعة العدل و الاحسان أصدرته  بعد تصريح وزير العدل المرتبط بملف أحداث 16 مايو بالدار البيضاء المعروض على أكثر من محكمة بالبلاد حيث جاء في البيان المذكور ما يلي
تناقلت وكالات الأنباء و الاذاعات ما طلع به على المغاربة وزير العدل محمد بوزبع في ندوته الصحفية يوم الأربعاء 6 غشت 2003 بخصوص المتابعات و المحاكمات التي تلت التفجيرات الاجرامية بالبيضاء. و قد أحدثت بعض تصريحاته تشويشا لدى المواطنين و المتتبعين السياسيين و الاعلاميين للساحة المغربية, حيث أقحم اسم جماعة العدل و الاحسان اقحاما في الموضوع, و ادعى أن 120 من أعضاء الجماعة اعتقلوا في سياق الأحداث, و هو ادعاء بعيد كل البعد عن الصحة و لايشرف حكومة تزعم الشفافية و الوضوح, بل لا يشرف جهازا المفروض فيه النزاهة و الصدق و تحري الحقيقة بكل قوة.
و للتدكير فان الحالتين الوحيدتين اللتين توبع فيهما أعضاء من جماعة العدل و الاحسان في حالة اعتقال هما ما تم في مدينة تطوان في حق الأستاذ عيسى أشرقي عضو مجلس الارشاد و الأستاذ أحمد حجيوج خطيب جمعة بمدينة المضيق, و نشير الى أن الحالتين معا كانتا بايعاز – كما صرحت الشرطة المعنية وقتها- من والي المدينة و هو كما لا يعلم كثير من الناس من حزب الوزير الساهر على العدل ( الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية), و قد تمت تبرئة الأستاذين معا مما نسب اليهما و أطلق سراحهما و أيقي على غرامات مالية حسابها معروف !!
و جاءت بعد ذلك متابعة الأستاذ عمر أمكاسو نائب الأمين العام للدائرة السياسية للجماعة في حالة سراح بسبب تصريح صحفي. أما ما سوى ذلك فهي اعتقالات كانت تتم في اطار مجالس النصيحة, مجالس تربوية لذكر الله و تلاوة القرآن و قيام الليل. و كان الاخوة المعتقلون  يفرج عنهم مباشرة بعد الاجراءات الروتينية من التعرف على الهوية...
فهل تصريح وزير عدلنا غلط أو مغالطة للرأي العام الداخلي و الخارجي وراءها مكر سياسي تغذوه حسابات حزبية عفى عليها الزمان؟
نرجو ألا يكون الأمر وصل الى هذا الدرك, كما نرجو أن يكون تدبير قضايا من هذا الحجم في مستوى يرتفع عن الحزبية المقيتة التي جنت – من بين ما جنا- على المغرب لعقود متتالية./.
                


موقع السوسيين في الركح السياسي بالمغرب


سوس هي منطقة تقع في الجنوب الغربي للمغرب
لقد سبق للكاتب " واتربوري" أن تطرق إلى مكانة السوسيين ضمن النسيج المجتمعي والنسيج الاقتصادي المغربي لاسيما في مؤلفه المعنون " أمير المؤمنين".

لقد اعتبر " واتربوري" أن السوسيين لم يكونوا ضمن المحظوظين لاسيما وأن موقعهم ضمن الإدارة كاد يكون غائبا، كما أنهم لم يهتموا بالدراسة والتعليم، إلا أن تضامنهم في المجال الاقتصادي جعلهم يحتلون موقعا خاصا في الركح الاقتصادي على الصعيد الوطني، وبفضل تقوية هذا الموقع تمكنوا من احتلال موقع ضمن النخبة السياسية.

 ولا يخفى على أحد أن مدينة الدار البيضاء شكلت منذ البداية مركزا للنشاط التجاري للسوسيين، إضافة إلى أنهم تحكموا في تجارة التقسيط على الصعيد الوطني بامتياز وقد كان لهؤلاء دور حاسم في التطور الذي عرفته منطقة سوس ومدنها وقراها الذي استثمروا أموالهم بها.

 وبعد مدة اهتم التجار السوسيون بالصناعات الحديثة بالأراضي الفلاحية، وقد لعبت بعض الفصائل القبلية دورا مهما في هذا الإطار، مثل إذاوكنضيف، أملن، آيت صواب وآيت مزال بتخصص أبنائها في أنشطة تجارية محددة، فبالنسبة لأملن اهتموا ببيع السجائر والبقالة، أما إداوكنضيف فقد نافسوا الفاسيين في تجارة الجلد والنسيج.

 لقد جاء في كتاب " واتربوري" أنه يكاد يكون من المستحيل العثور على سوسي من أملن بفاس أو بمكناس اللتان كانتا تشكلان ميدانا لأبناء إداوكنضيف، وقد عزى أندري أدام هذه الظاهرة إلى نوع من العادة استقرت وسط العائلة السوسية، حيث أين ما ذهب الأب يتبعه الأبناء وأفراد العائلة، إن الطفل الصغير الذي يبدأ حياته العملية كمساعد في متجر يندمج على مرور السنين في دواليب المهنة والوسط ويستعد للحصول على مكانته في سن الرشد، ومن الأسباب والعوامل التي تسهل هذا المنحى ـ الذي يكاد يكون عاما ـ أن المقاولة السوسية ترتكز بالأساس على العلاقات العائلية وعلى التمويل الأسري ونادرا ما يلجأ للغير.

 وكانت الانطلاقة هي اهتمام بعض السوستين لاسيما بالدار البيضاء باقتناء بعض مقاولات الأوروبيين ومن أمثال هؤلاء الحاج عابد الذي برع في هذا المجال أما البعض فقد اختاروا التحالف مع عائلات فاسية بواسطة الزواج لولوج الركح الاقتصادي من بابه الواسع، لاسيما في المدن الكبيرة.

 بالرجوع إلى الإحصائيات القديمة المتوفرة، ففي سنة 1657 بلغ عدد تجار التقسيط بالمغرب ما يناهز 295420 ، أي تاجر تقسيط لكل 30 مغربي تقريبا، آنذاك كان الكثيرون يكتفون ببيع بعض السلع القليلة بواسطة التجوال بأمل الاستقرار يوما وتحويل جزء من الأرباح إلى بلد الأصل .

أما في الميدان السياسي فإن السوسيين كان لهم تواجد متميز في حزب الاستقلال قبل الاستقلال، وأغلبهم تبعوا توجه المهدي بنبركة، ومن أبرزهم عبد الله إبراهيم والفقيه البصري وأولحاج بنسعيد، ولقد قيل الكثير عن التنافس الحاد بين السوسيين والفاسيين، إلا أنه في الواقع المعيش يلاحظ نوع من التعايش مع سيطرة الفاسيين على حزب الاستقلال، ولا أدل على ذلك اختيار الفاسيين آنذاك على راس غرف التجارة والفلاحة قبل الاستقلال، كما أن السوسيين قد قبلوا بدور عباس القباج، وهو فاسي من طنجة بحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وكان فلاح بناحية أكادير وقد تم اختياره كممثل لبيوكرة في البرلمان سنة 1963.

 ولإظهار دور السوسيين في المجال السياسي في فجر ستينات الألفية الثانية، يجب الرجوع إلى الانتخابات الأولى بعد الاستقلال المقامة في 8 مايو 1960 والخاصة بتجديد مكاتب غرف التجارة والصناعة، وبمفاجأة الجميع آنذاك فاز الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بأغلبية المقاعد في الدار البيضاء والرباط وطنجة والقنيطرة ومكناس وسيدي سليمان وسطات والجديدة والقصر الكبير، في حين أنه لم يقدم أي مرشح بمدينة فاس.
 وقد لعب السوسيون دورا حاسما في هذا الانتصار الكاسح، كما أنهم لعبوا نفس الدور في انتخابات سنة 1963 الخاصة بغرفة التجارة والصناعة للدار البيضاء، لكن هذه المرة انحازوا لعبد الله الصويري الذي ارتبط بالفديك (حزب من صنع النظام).

 ومهما يكن من أمر فإن السوسيين كانوا دائما حاضرين بشكل أو بآخر على الركح السياسي.
التجار السوسيون بباريس

لا يخفى على أحد أهمية تجارة المواد الغذائية بالتقسيط التي يديرها السوسيون بباريس وضواحيها، إن عدد المحلات التي يديرها هؤلاء تفوق 1200، أغلبها متمركزة بالضواحي، وتحتل ضمنها البقالة حظ الأسد بنسبة 73% إذ تضاعف عددها بسرعة ملحوظة على امتداد أقل من 10 سنوات.

 وبجانب البقالة هناك تجارة الأثواب والمخبزات والحلويات إلا أن هذه التجارة تظل دائما وراء البقالة لتي تظل هي السائدة، إذ أن هذه الأخيرة تتمركز بالأحياء التي يقطنها المغاربيون بصفة عامة، لاسيما في المقاطعة 18، بحي " باربيس" و " كوت دورا" و " جونفيلي" و " كليشي".

 فيما يخص تجارة المواد الغذائية يمكن التمييز بين نوعين: البقالة التقالعصرية فتحترمالمتاجر العصرية، فالأولى لا تختلف كثيرا على البقالة كما هي بالمغرب، وتتمركز بالأساس في الأحياء الشعبية لباريس ويديرها بقالون مسنون من الرعيل الأول، وتحتل المواد الغذائية مكانة بارزة في هذه المحلات (توابل، طجين، براد.....) كما أن مساحات هذه المحلات صغيرة ونادرا ما تتعدى 40م2 أما المتاجر العصرية فتحترم كل مواصفات المتجر العصري وغالبا ما تعمل بطريقة " الخدمة الذاتية".

 وبجانب البقالة هناك تجارة الخضر والفواكه، وغالبا ما تعرض على الرصيف أمام المحل، إلا أن السوسيين لا يتعاطون كثيرا لهذه التجارة التي تكاد تكون مجالا يسيطر عليه التونسيون .

 أما الجزارة فإنها تعد أول تجارة تعاطى إليها السوسيون بباريس قبل غيرها، وأغلب محلات الجزارة متمركزة في الأحياء التي يقطنها المسلمون، لاسيما في المقاطعات 20, 18, 11 أكثر من 85% من محلات الجزارة باريس يديرها سوسيون.

 أما في قطاع المطاعم فهناك عدد من السوسيون يديرون مطاعم مختصة في المطبخ المغربي، وهو قطاع يأتي في الدرجة الثالثة بعد البقالة والجزارة، ويتعلق الأمر بصنفين:مطاعم شعبية مفتوحة خصيصا في وجه العمال المغاربيين، لاسيما في المقاطعة 18، على سبيل المثال لا الحصر هناك مطعم أكادير ومطعم الدار البيضاء ومطعم مراكش، ويشر عليها سوسيون من تزنيت، أما الصنف الثاني من المطاعم فهي التي تستهدف زبائن أوروبيين وهي منتشرة في جميع أنحاء باريس منها مطعم المامونية بحي لاكورنوف ومطعم تزنيت بحي بلان ميسنيل ومطعم شمس مراكش بحي سان أرون والمطعم الصغير لأكادير بحي لاكارين كولومب، إن هذه المطاعم توجد بالأساس في الأحياء البرجوازية بباريس، إن أسماء هذه المطاعم في غالبيتها الساحقة ذات ارتباط بالمغرب مثل النخيل، موعد بأكادير، في المطاعم الشعبية غالبا ما تكون الوصفات المعروضة محدودة، الكسكس والطاجين مرفوقة بالشاي أو المشروبات الغازية بأثمنة تتراوح ما بين 30 و 50 فرنك فرنسي ومدخولها اليومي يتحدد ما بين 3000 و 4500 فرنك فرنسي، أما في المطاعم العصرية فإن الوصفات أكثر تعددا مرفقة بالخمر والحلويات وثمن الوجبة 250و 350 فرنك فرنسي أما المدخول فيصل إلى ما بين 6000 و 9000 فرنك فرنسي، وقد يتجاوز 10000 فرنك فرنسي أيام العطل والمناسبات.

 ومن الملاحظ أن أغلب المتعاطين لقطاع التجارة بباريس أصلهم من تزنيت يليهم الذين من أكادير ثم الأطلس الصغير ثم تارودانت ثم كلميم أما الآتون من الدار البيضاء ومكناس ووجدة والقنيطرة فلا يمثلون إلا قلة قليلة.

 أن التجار المغاربة المتواجدون بباريس الآتون من إقليم تزنيت أغلبهم من مدينة تزنيت (30% تقريبا) و 25% من لخصاص و 17 % من أكلو و 14 % من الساحل و 8% من أولاد جرار و 4 % من مير اللفت، كما أن أكثر من 55 % من هؤلاء يشتغلون في قطاع البقالة و 22 % في الجزارة و 6 % في بيع الخضر والفواكه و 5 % في قطاع المطاعم.

 أما بالنسبة للأكاديريين فإن الأوائل منهم استقروا في خمسينات الألفية الثانية في حي جونوفيلي وعرف عددهم تطورا ملحوظا في سبعينات الألفية الثانية وبالنسبة للتجار الآتون من الأطلس الصغير والمشهورون في ميدان البقالة بالمغرب نفسه يحتلون المرتبة الثالثة من ناحية العدد وأغلب هؤلاء من أنزي وآيت باها وإغرام وتافراوت وبعض هؤلاء قدموا إلى فرنسا بعد مغادرتهم للجزائر سنة 1975.

 في حين أن الرودانيين فأغلبهم آتون من حركيطة وباقي التجار المغاربة المستقرين بباريس آتون من قبائل آيت با عمران (كلميم وبويزكارن) والذين شرعوا في التعاطي للتجارة في فجر الثمانينات من القرن الماضي.

 وبجانب كل هؤلاء هناك بعض التجار المغاربة من الدار البيضاء ومكناس ووحدة والقنيطرة، إلا أنهم لا يمثلون إلا أقل من 3 %.
فيليكس مورا

النخاس الفرنسي الذي أعطى الانطلاقة لهجرة.
منذ الخمسينات، احتاجت فرنسا للسواعد المغربية، ولذلك فتحت أبوابها لهجرة واسعة النطاق للمهاجرين من دول المغرب العربي، وبذلك بدأت فترة "بلترة" أقوى سواعد الشباب المغربي لاسيما المنحدرين من الجنوب، حيث تم آنذاك تشغيل ما يناهز 78000 شاب مغربي في مناجم الفحم بشمال بادوكالي بفرنسا، وقد تكلف بهذه المهمة جندي فرنسي سابق يدعى فيليكس مورا، وهو شخصية ذائعة الصيت بمنطقة سوس لاسيما بين جيل الخمسينات لأنه كان النخاس الفرنسي المكلف باختيار السواعد القوية المرصودة للأشغال الشاقة بمناجم الفحم الفرنسية.

 كل شيء كان يمر عبر فيليكس مورا الذي صال وجال في ربوع سوس ابتداء من سنة لتشغيل أكثر من 66000 مغربي، كان المرشحون يمرون أمامه قصد إجراء الاختيار الأولي.

 وكان مورا هذا يشترط مواصفات محددة في المرشح ما دام سيرصد للعمل في قاع الأرض في ظروف شاقة، ومن بين هذه الشروط أن لا يتجاوز سن المرشح 30 سنة ولا أن يتجاوز وزنه 50 كلغ وأن يتوفر على رؤية جيدة.

 وكان يرافق مورا موظفين من شركة المناجم الفرنسية وموظفين مغاربة الذين تكلفوا أساسا بإعطاء هوية رسمية للمرشحين مادام أغلبيتهم الساحقة لم تكن تتوفر على دفتر الحالة المدنية.

 كان هناك جيش عرمرم من المرشحين، لكن البعض منهم فقط هم الذين تم اختيارهم في نهاية المطاف، لاسيما وأنه كان من اللازم إبعاد كل المصابين بأمراض معدية وبأي عجز.
 كان مورا يكشف على المرشحين بنفسه يعاين اسنانهم وعضلاتهم وعمودهم الفقري، وبعد الفحص يضع على صدورهم إما طابع باللون الأحمر أو اللون الأخضر، فكان الأخضر هو علامة على القبول أما الطابع الأحمر فيعني الإقصاء، وقد قيل أن بعض الفائزين بالطابع الأخضر كانوا يساومون بعض المرشحين حول حضنهم لالتقاء الصدر بالصدر قبل جفاف مداد الطابع مقابل مبلغ مالي أو مصلحة.

 وكان على المرشحين المختارين من طرف مورا أن يتوجهوا إلى المستشفى عل حسابهم الخاص لعرض نفسهم على الفحص الطبي وإذا كان إيجابيا عليهم التوجه إلى المكتب الوطني للهجرة بالدار البيضاء لتوقيع عقد العمل حسب ما تنص عليه الاتفاقية المغربية ـ الفرنسية لسنة 1963.
 وكانت تلك الفترة هي فترة الحلم بالنسبة لشبان كلميم وورزازات وتزنيت ومختلف جهات سوس، وقد أرخت بعض الأغاني الشعبية لهذا الحدث وقد أكدت كلمات بعضها على ما يلي:" جاء وقت بيع فيه الرجال...آه يا مورا النخاس ذهبت بأولادنا إلى باطن الأرض ..جاء مورا وجمل الرجال كما تجمل البهائم...اختار الفحول وترك النعاج....آه يا بنات عليكم بثوب الحزن....مورا أهاننا وذهب....يكون الله في عون شبابنا....ما دام الذي في فرنسا هو من عداد الموتى....".

 
نشأة موقع السوسيين في البرجوازية المغربية.
 هناك أكثر من دراسة تعرضت لإشكالية الثراء ببلادنا، سواء تلك التي أعدها مغاربة أو تلك التي أنتجها أجانب، ومن بين هذه الدراسات هناك دراسة قامت بإعدادها مقاولة أمريكية متخصصة في التحقيقات وهي دراسة رصدت تطور الثراء السوس فيما بين 1963 و 1978 ومقارنته مع الثراء الفاسي ومن بين المعطيات المتوفرة في هذه الدراسة تمركز الثروات بين أيدي الفاسيين.
 إن نصيب السوسيين في الاقتصاد الوطني في 1963 كان محدودا جدا ولم تكن تتجاوز 0,7 % مقابل 3,1 % بالنسبة للفاسيين ، إلا أنه بعد مرور 15 سنة تضاعف نصيب السوسيين مرتين في القطاع الفلاحي وأربع مرات في قطاع الصناعات الخفيفة وأقل من مرتين في قطاع الصناعات الفلاحية والغذائية ، وعرف نصيبهم تطورا لم يسبق له نظير في قطاع الخدمات ..

 كما أن الجدول يبين بجلاء أهمية تدخل الدولة آنذاك في القطاع الاقتصادي، ففي الثمانينات كان عدد الشركات العمومية يناهز 70، لم تكن توفر للدولة إلا 895 مليون درهم، من ضمنها 500 مليون درهم بالنسبة للمكتب الشريف للفوسفاط، إلا أن تدخل الدولة تراجع بشكل واضح لفائدة البورجوازية المغربية، إذ السوسيين والفاسيين معا وضعوا اليد في نهاية السبعينات على أكثر من 30 % من الاقتصاد الوطني.

 


قضايا شائكة


الفساد و الشفافية
الاصلاح الدستوري
 الحوار نهج يفتح الأبواب
الجامعة و الحركة الاسلامية
الحرس الجامعي و حرمة الجامعة
تاريخ إرهاب الصحافة بالمغرب
اللوبي الصهيوني بالمغرب و اللوبي المغربي بإسرائيل
المقاطعة

 

الفساد و الشفافية

إن الشفافية تعتبر عاملا مهما للتخفيف من نسبة العلاقات المشبوهة وغير الشرعية المحتملة مع المسؤولين. والتصدي للفساد يتطلب أول ما يتطلبه درجة عالية من الشفافية، لاسيما وأن الجميع أضحى ينظر إلى الرشوة والفساد على أنهما من الأعمال والممارسات الخطيرة التي تهدد مصالح الأجيال القادمة.
 ولعل من إحدى متطلبات الشفافية الكشف عن مختلف القواعد والأنظمة السلوكية والآليات المعتمدة من طرف الدولة في مختلف إدارتها. وتعتبر هذه أول خطوة على درب فتح المجال للإقرار عمليا بالمحاسبة في حالة عدم احترام تلك القواعد والأنظمة التي فرضتها الدولة على نفسها. إلا أنه ما زلنا نعاين نوعا من التلكؤ في الكشف عنها بوضوح.
 ومهما يكن من أمر، فلا يمكن توخي إمكانية التصدي للفساد إلا إذا كان القانون ـ على علته ـ يأخذ مجراه الطبيعي حتى يتم الإقرار به و تنفيذه بشكل ملائم.
 ومن بين المعايير المناهضة للفساد سيادة الأمانة في تطبيق المساطر والإجراءات والأنظمة الإدارية، علما أنه للوصول إلى الأمانة في العمل يجب دعمه وتدعيمه بالوثائق وبالتوثيق لتمكين تحقيق الغاية المتوخاة، اعتبارا لكون أن من شروط استفحال الفساد ببلادنا عدم بقاء آثار إدارية ووثائقية لجملة من الممارسات والتصرفات. ولهذا فإن توثيق المعلومات يجب أن يكون ممارسة وعملية دائمة ومستمرة في مختلف الإدارات والمؤسسات.
 فالشفافية في واقع الأمر تتضمن الكشف في الوقت المناسب عن المعلومات الملائمة والكافية. والإدارة المتمتعة حقا بحسن التدبير والتسيير تعتمد وتتبنى معايير تتسم بشفافية عالية مما يمكن المتعاملين معها من تقييم وتثمين أدائها العملي وتدبيرها المالي.
 ورغم أن بعض الإدارات قد تكون بحاجة إلى حماية نوع من المعلومات الحساسة، إلا أن القاعدة تظل هي تكريس المزيد من الانفتاح وذلك اعتبارا لمخاطر عدم الكشف عن الحقائق في إبانها وتكريس الضبابية والغموض في تدبير الشأن العام والمالية العمومية.

..هل نحن مستعدون فعلا للشفافية ؟
 الشفافية هي الوعلى مختلفليط الضوء على مختلف الجوانب، لاسيما جوانب القصور في الأداء السياسي. وفي هذا الصدد تلعب الشفافية دورا بارزا ما دامت القيادة السياسية من أهم عناصر التنمية شريطة الإقرار بالمساءلة وممارستها. وإهمال هذا الجانب من شأنه أن يبعث حالة اليأس والإحباط في نفوس المواطنين. وهذا ما هو واقع عندنا حاليا بامتياز.
 وتعد الشفافية المسألة المحورية في عملية التنمية، وهي لا تشترط فقط الإشراف والمساءلة حول النفقات العامة فحسب. وإنما تفترض كذلك ضمان والحرص على عقلانية هذه النفقات قصد الحد من هدر المال العام والثروات الوطنية.
 ففي غياب الشفافية يتعذر على الحكومة والدولة عموما تحقيق أي تقدم، لاسيما تلك الشفافية المتصلة بالمحاسبة الصارمة. ولقد أثبتت التجربة في عدة دول أن التمسك بالشفافية يقلل من وقوع الأزمات الاقتصادية، وإنها تساعد بدرجة كبيرة على معالجة القضايا عند وقوعها وقبل استفحالها واتساع مداها.
 ويظل الفساد هو العدو الرئيسي للشفافية، ما دامت الشفافية تستوجب الحرص الشديد على تطبيق القانون واحترامه لكي تبلغ أبعادها وتحقق الأهداف المعلقة عليها. ولعل من شروط سيادة الشفافية قيام شراكة حقيقية بين الحكومة ومختلف مؤسسات المجتمع المدني. شراكة تستهدف بالأساس المساهمة الفعالة في إنضاج الرأي العام لمقاومة الفساد وتكريس رفض ممارسته عبر تقوية وتعزيز ثقافة الانتماء للوطن والالتزام بقضاياه. وفي هذا الصدد علينا نحن المغاربة جميعا أن نعمل بصدق ونناضل من أجل الكشف عن الحقيقة كسبيل لتكريس الوضوح والتعرية على كل ما من شأنه عرقلة الإقرار بالشفافية لمحاصرة مساحات الفساد والتقليل من عدد أنصاره ومرتكبيه.
 ومن الشفافية سرعة البث في القضايا والمحاسبة على طبيعة السلطة التشريعية وفاعليتها والتصدي للمتورطين ضمنها في قضايا الفساد حتى لا يكون منهكوالقانون يساهمون في تشريع القوانين.
 ومن الشفافية كذلك التصدي إلى ما تعاني منه السلطة القضائية من ضغوط كبار المسؤولين المتدخلين من أجل التستر عن مرتكبي الفساد ومنتهكي القانون، هؤلاء الذي يفلتون في واضحة النهار من قبضة العدالة ويتمادون في ممارساتهم المنتهكة للقانون ما دام في إمكانهم تحريك سلطة القانون كيفما يريدون ومتى يشاءون وكيفما يشاءون. وفي هذا الإطار تبرز تساؤلات عريضة ما هي العلاقة بين الشفافية والسلطة؟ وهل في حالة اختفاء الشفافية وتراخي المحاسبة يسشتري الفساد؟ وهل الفساد هو نتيجة حتمية لغياب الشفافية ؟
 ومهما يكن من أمر، فإن الشفافية تعني أولا وقبل كل شيء تدفق المعلومات وعلانية تداولها عبر مختلف وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة باعتبارها هي التي تساهم في تسهيل مأمورية صد مختلف أشكال الفساد وتوفير تواصل المواطنين بصانعي القرارات والقائمين على الأمور لتحفيزهم على تطويق ومحاصرة الفساد واجتثات جذوره.
 وبهذا المنظور يبدو بجلاء أن غياب الشفافية واختفائها يساهمان في تعذر قياس حجم الفساد وتثمين انعكاساته السياسية والاقتصادية والاجتماعية الإجمالية سواء الآنية منها أو المستقبلية. فمما لاشك فيه أن حجب المعلومات تسبب في التستر على الفساد ومرتكبيه في وقت يفترض فضحه بمختلف الأشكال والأساليب والوسائل. إن محاربة الفساد عندنا تستوجب أول ما تستوجبه وضع كل شيء على الطاولة من أجل الكشف عن الحقيقة ما دامت الشفافية ستساهم عندنا في تمكين ممارسة الديموقراطية على النحو الصائب والسليم.
 ولقد تأكد الجميع الآن أن الفساد المستشري في مجتمعنا هو ثمرة لغياب الشفافية المالية وضعف تكريس الإحساس بالمسؤولية. وإن غيابها ساهم إلى حد كبير في هدر المال العام والثروات الوطنية على امتداد أكثر من 4 عقود خلت وتبديدها. علاوة على أن غيابها ساهم في تعزيز اهتزاز ثقة المواطنين بدولتهم التي تجافي في اعتقادهم الراسخ لعدالة توزيع الثروات. وهذا من شأنه أراد من أراد وكره من كره أن يؤدي طال الزمن أو قصر إلى عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي، فإذا كانت الشفافية تعتبر من الشروط الرئيسية لتحقيق التنمية بوصفها إحدى الوسائل لمكافحة الفساد. فإنها لازالت غير متوفرة عندنا نظرا لصعوبة الحصول على المعطيات والمعلومات لمتعلقة بظاهرة الفساد. أما المساءلة فلازالت تصطدم عندنا باحتكار القوة من طرف من يستحوذون على السلطة ويتحصنون بأموالهم ليتحولوا إلى قوة ضاغطة تحقق مكتسبات بطرق غير شرعية.
 فهل والحالة هذه، نحن مستعدون فعلا لتكريس الشفافية قصد التصدي بجدية للفساد ؟؟؟
 
هل حقا نتوخى الشفافية ؟!
 هناك ثروات متراكمة بين بعض الأيادي لا تكاد تبين من قلتها. وأصحاب هذه الأيادي يخشون نظرة المغاربة إليهم ومعاينتهم اليومية لتكدس ثرواتهم، كما يحسبون ألف حساب لي مطالبة بالمراقبة من أي نوع كانت، حتى تلك المراقبة المرتبطة بسيادة الأمة أو السيادة الشعبية. كما يمقتون أشد المقت كل حديث عن اللجن البرلمانية للتقصي...لاسيما منذ انفجار فضائح القرض العقاري والسياحي...لكنهم يجهلون حقيقة الحقائق وهي أن الشعب من حقه أن يعرف في أين استعملت وصرفت ووظفت الثروات الوطنية ؟ وما هو مال ما يؤديه المواطنون من ضرائب ؟
 كما من حق الشعب المغربي أن يعرف لماذا مستشفياته وطرقه ومدارسه ومؤسساته ومرافقه العمومية في وضعية لا يمكن الرضا عنها، في وقت يعاين فيه تناسل الإقامات الفاخرة " آخر تقليعة" والبنايات الفاهرة " آخر صيحة" والمركبات السكنية الخاصة المحروسة والحسابات البنكية المملوءة والسندات والأسهم المتراكمة ونمط ومستوى عيش الأقلية القليلة والذي قد يصل إلى درجة لا يمكن تصورها من طرف المواطن المغربي حتى في الحلم.
 بطبيعة الحال هناك أناس جدوا واجتهدوا وكونوا ثروة بعرق جبينهم وبعملهم وكدهم ومثابرتهم، هؤلاء لا يجب أن يؤذوا الثمن مكان أولئك الذين يخشون المحاسبة والشفافية والوضوح. فالأوائل لا يخشون، باسم المواطنة ولإبعاد أي شك، الإعلان والتصريح عن ثرواتهم ومداخيلهم وتاريخ تكوينها ونموها. أما الآخرون فلا يريدون الحديث عن هذا الأمر قطعا، وهنا تتناسل التساؤلات.
 لماذا لا يتم هذا مرة واحدة وتتضح الأمور ويظهر الصالح من الطالح عوض انتظار انكشاف فضيحة هنا وأخرى هناك، وعوض الارتعاش في كل مطالبة بالمراقبة أو التقصي ؟
 " أح وبردات" مرة واحدة وينطلق القطار نحو أفق قوامه الشفافية والمسؤولية.
 يجب قراءة صفحة الماضي قبل طيها، و إلا ستظل الشكوك قائمة، وستظل متربصة وكلما سنحت الفرصة ستبرز المطالبة. بالتقصي هنا أو هناك. وستظهر تصريحات هنا أو هناك أو سيكتشف وثائق هنا أو هناك، لاسيما وأن هذا الماضي في المجال المالي، على وجه التحديد، هو الذي يعتقد الكثيرون أنه دمر البلاد ورهن حاضرها ومستقبلها.
 إن أقدم حزب بالبلاد، ومع مختلف الحركات الاشتراكية والتقدمية التي عرفت النور تحت شمس المغرب، طالب بشكل أو بآخر بتطبيق شعار:" من أين لك بهذا "؟ إلا أن " اللوبيات الثرواتية " لم تبخل بأي جهد ومجهود لجعل هذا الشعار يكسوه الغبار على الرف منذ أزيد من أربعة عقود خلت.
ألم يحن الوقت للرجوع إلى هذا الشعار ؟

المساءلة والشفافية وحق المواطن في المعلومات
المساءلة والشفافية مفهومان مرتبطان أشد الارتباط بحقوق الإنسان الأساسية، لاسيما الحق في الإعلام والإطلاع. وهذا الحق الأخير هو واقع الأمر يعتبر آلية محددة وعملية متماسكة تسوق في نهاية المطاف إلى المساءلة.
فمن حق المواطن أن يتوفر على معلومات كافية حول المعاملات والإجراءات والمساطر المرتبطة بمصالحه. و أكدت المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على هذا الحق وكرسته وإن لم تعينه بكل وضوح، إذ نصت على ما يلي:" لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير. ويشمل هذا الحق حرية تبني واعتناق الآراء دون أي تدخل واستفاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة دون التقيد بالحدود الجغرافية". كما أن هذه المادة 19 أعيد دمجها في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وكأن هذه المادة أضحت مرادفا لحرية المعلومات. كما تجدر الإشارة إلى أن هناك منظمة تنشط على الصعيد الدولي وتصدر تقارير منتظمة في هذا المجال، حيث نصبت نفسها للدفاع على حق كل إنسان في حرية التعبير وفي طلب المعلومات والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة يختارها. كما أنه في سنة 1993 أحدثت لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة المقرر الخاص حول حرية الرأي والتعبير، جاء فيه " أن حق طلب المعلومات والحصول عليها وبثها يفرض على الدول موجب تأمين الوصول إلى المعلومات".
 وقد تطرقت دساتير جملة من الدول إلى هذا الحق، إلا أن الملفت للنظر هو التحول الخطير الحاصل في الولايات المتحدة التي كانت تكرس حق الإطلاع بموجب ما يسمى بقانون حرية المعلومات، إذ بعد أحداث 11 سبتمبر جرى تجميد الجزء الكبير من مقتضيات وأحكام هذا القانون إذ سقطت الحرية أمام الأمن، وهذا كذلك ما انسحب على جملة من الدول الأخرى عبر التذرع بالأمن للتضييق على الحرية.
 وقد نصت الدساتير المغربية على حرية التعبير والرأي ومستلزماتها، اعتبارا لكون المقدمة أو الديباجة لها هي كذلك قيمة دستورية شأن سائر مواد الدستور.
 لكن كيف يتعاطى المواطن العادي مع المعلومات ؟ وكيف يمكنه أن يمارس حقه في الإطلاع وذلك تأمينا وضمانا للمساءلة والشفافية ؟ ففي الحالات الخاصة، حيث أن الموضوع يرتبط بأفراد أو بمصالح خاصة ومعينة من الواضح أن حق الإطلاع يظل محصورا على ذوي الحقوق وأصحاب العلاقة، وهذا أمر يعتبر مشروعا لحماية الحياة الخاصة والشخصية.
أما على مستوى الحياة العامة، فلابد من الإشارة إلى الحالات التي تختلف من إدارة إلى أخرى. وفي هذا الصدد لا يخفى على أحد أهمية إلزامية هيئات الرقابة بنشر تقاريرها الدورية واتساع تداولها. وفي هذا المجال تلعب وسائل الإعلام دورا حيويا باعتبار أن المواطن العادي قد لا ينتبه إلى ما يعتور سلوك الإدارة أو القائمين عليها من أخطاء أو مخالفات أو تجاوزات.
 وفي هذا المجال لا مناص من الإشارة أنه إذا كان السبب والقذف ممنوعا قانونيا، فإنه إذا كان المعني بالأمر موظفا رسميا حاز للصحفي أو غيره قذفه شريطة الإثبات لأن للإعلام عموما والصحافة على وجه الخصوص دور في مراقبة عمل الإدارة.
كما أن المجتمع المدني يلعب من خلال تنظيماته ومكوناته دورا مهما في تعميم الثقافة الحقوقية بهدف المساهمة في تكريس وتفعيل حق المواطن على الإطلاع على ما يهمه ويرتبط بمصالحه.
إلا أن هذا الحق في الإطلاع والمعلومات لابد له من آليات تقرها تشريعات خاصة.

حق حيازة المعلومات والشفافية

 من بين حقوق الشعب حقه في حيازة المعلومات التي تمتلكها السلطات، وهذا حق يدخل في إطار حرية حيازة المعلومات، وهو حق إنساني أساسي. وقد تأكدت أهمية هذا الحق لكون أن التدابير القانونية أضحت غير كافية لتأمين ممارسة هذا الحق وبالتالي أصبح من الضروري سن قوانين خاصة بهذا الحق بالذات.
 هناك قوانين تشير بشكل أو بآخر، إلى حرية حيازة المعلومات إلا أنها تتضمن استثناءات قلصت إلى درجة كبيرة جدا من التمتع بهذا الحق وهذه الحرية. ولعل من أبرز عوامل تقليصها اعتبار الهاجس الأمني بشكل يتجاوز الحدود المقبولة. علاوة على تكريس طابع السرية لأتفه الأسباب. وكثرة هذه الاستثناءات تصل في نهاية المطاف إلى تقويض القانون . ولعل القاعدة الأنسب الواجب إتباعها في هذا الصدد هي أن مختلف الاستثناءات يجب أن تخضع لمصالح الشعب بكامله. لأن كشفها يكون أفيد وأقل من التستر عليها.
 فمثلا عندما تكون معلومات شخصية متعلقة بموظف أو مسؤول سام بالدولة تكشف عن الفساد، فهذا الكشف يصبح ضروريا حتى ولو كان يدخل ضمن دائرة الاستثناءات.
 ومهما يكن من أمر فإن تكريس حرية حيازة المعلومات يعتبر من أنجع السبل فإخضاع القائمين على الأمور للتدقيق العام، وهذه من أعلى درجات الشفافية التي أضحى يتوخاه الجميع في مختلف الميادين.
 وهناك أكثر من هيئة ومن جهاز يستثنى من الكشف عن المعلومات من ضمنها كل المؤسسات المرتبطة بالأمن، كالجيش والاستخبارات وبعض المؤسسات الرسمية الأخرى رغم أنه لا تمت بصلة بالأمن القومي. في وقت تظل فيه القاعدة هي أن جميع الهيئات الرسمية عليها الالتزام بكشف المعلومات ما لم يكن هناك ما يخالف ذلك قانونا، وذلك لتكريس سيادة الشفافية. إلا أنه وفي أحيان كثيرة لا يوجد مبرر معقول لحفظ جملة من المعلومات بشكل سري.
 وهناك إشكالية أخرى تستوجبها ممارسة حق حيازة المعلومات وهي المتعلقة برفض الكشف على المعلومات من طرف الموظفين، خاصة في حالة إخفاء الفساد أو تصرفات خاطئة. ففي بعض الحالات يسمح القانون الجاري به العمل اللجوء إلى المحاكم الإدارية في هذا الصدد، إلا أن هذا المنحى لا يمكنه أن يسفر عن نتائج مرضية إلا في حالة سيادة استقلال القضاء وتمتع المنظومة القضائية بالقوة اللازمة.
 ففي اليابان مثلا هناك قانون يضمن للمواطنين حق حيازة المعلومات الرسمية، وهو قانون يضمن للمواطنين حق حيازة المعلومات الرسمية، وهو قانون يمكن المواطن الياباني من اللجوء إلى مجلس كشف المعلومات في حالة إخفاء الإدارة معلومات يطلبها أو في حالة رفضها عن الكشف عنها. وهذه الممارسة مكنت من الكشف عن حالات عديدة من الفساد.
 ويعتبر جملة من المحللين أن قوانين إفشاء المعلومات يساعد المواطنين وهيئات المجتمع المدني على كشف الفساد، لاسيما وأن الإدارة عموما تملك سلطات استثنائية واسعة النطاق بشأن المعلومات الواجب الكشف عنها والتي لا يمكنها ذلك.
 ومما جعل الإشكالية معقدة عدم وجود معايير واضحة تساهم في تكريس التمتع بحق حيازة المعلومات في وقت ينادي في الجميع بضرورة سيادة الشفافية.

 

الشفافية والمساءلة من ركائز الديمقراطية
الشفافية والفساد مصطلحات متنافران، إلا أنهما مترابطان لأنه لا يمكن الحديث عن إحداهما دون الحديث عن الآخر، رغم أن علاقتهما عكسية ما دام وجود إحداهما ينفي، أو على الأقل يقلل من فرص وجود الآخر.
ولا يخفى على أحد أنه بوجود وتكريس الديمقراطية فإنه تتوفر الفرصة المناسبة لممارسة الشفافية وتنفتح السبل والأبواب أمام المساءلة والمحاسبة.
والمساءلة والمحاسبة بدورهما تعززان وتطوران تكريس الديمقراطية وتقويان قواعدها ولبناتها. وفي المقابل في مناخ لا توجد فيه إمكانية توفر الشفافية يسود فيه الظلام وتنعدم فيه المساءلة والمحاسبة، وبذلك ينتشر الفساد الذي يقود إلى تدهور أوضاع المجتمع على مختلف الأصعدة، لاسيما انتشار الفقر وتزايده، وتراجع الاقتصاد، وهذا وضع يكرس التعسف تجاه المواطنين وكأن على الفئات الضعيفة أن تتحمل لوحدها دفع فاتورة الفساد والاختلالات والانحرافات على حرمانها حتى من أبسط شروط الحياة الكريمة.
 تعتبر الشفافية والمساءلة من أهم الركائز والمبادئ التي تقوم عليها الديمقراطية. وهما مفهومان مرتبطان ارتباطا عضويا، لاسيما في مجال عملية صنع القرار في المجتمع. وطبعا فلا يمكن أن تكون الشفافية هدفا بحد ذاتها ولذاتها، وإنما هي وسيلة من الوسائل المساعدة في عملية المحاسبة والمساءلة. كما أن المساءلة والمحاسبة لا يمكن أن تتم بالصورة المرجوة والفاعلة والمجدية دون ممارسة الشفافية وتكريسها.
 وتظل المساءلة والمحاسبة حق من حقوق المواطن تجاه السلطة كأحد الضمانات الأساسية لتعزيز الديمقراطية وتكريسها في المجتمع. وهي في واقع الأمر تهدف بالأساس لخدمة الصالح العام وخدمة مصالح المواطنين وخاصة حقهم في الإطلاع على عمل الحكومة وعمل من اختاروهم لتمثيلهم.
 إلا أن المساءلة والمحاسبة تستلزم المشاركة الفعلية في الحياة العامة، كما تستوجب ممارسة كافة الحقوق، ومن ضمنها الحق في المشاركة في عملية صنع القرار، وذلك عبر التأثير في هذه العملية بواسطة ممارسة حق المساءلة والمحاسبة.
 والشفافية أيضا حق ن حقوق المواطنين، كما أنها واجب من واجبات السلطة والحكومة والإدارة تجاه المواطنين. فمن واجب الحكومة فتح المجال أمام المواطنين للإطلاع باستمرار على سير إدارة وتدبير شؤون المجتمع في كافة المجالات وذلك لسببين رئيسيين. أولهما أن الديمقراطية تقتضي منح المواطنين كافة حقوقهم غير منقوصة وثانيهما منح إمكانية تصحيح وتصويب الأداء الحكومي ومختلف الهيئات في المجتمع باستمرار إلى تطور المجتمع نحو توفير أفضل السبل لتحسين أوضاع المواطنين.
والشفافية تعني أن تكون كل الهيئات والمؤسسات والمرافق التي تدير وتدبر الشأن العام شفافة أي أنها تعس ما يجري ويدور داخلها، وكذلك الأمر حتى بالنسبة للأحزاب السياسية والنقابات ومنظمات المجتمع المدني، بحيث تكون كل الحقائق معروضة ومتاحة للبحث والمساءلة.
 ومن أجل ممارسة الشفافية وتكريسها ومن أجل توفير مناخ مناسب للمساءلة والمحاسبة كحق من حقوق المواطنين لابد من توفير جملة من الأسس. ومن أهمها سيادة القانون، الفصل بين السلط، احترام حقوق الإنسان والمواطن، حق وحرية الحصول على المعلومات، ممارسة وتكريس الشفافية في إدارة وتدبير الحياة العامة.
 وسيادة القانون تعني بالأساس تطبيق القانون على الجميع، بغض النظر عن الانتماء السياسي والموقع أو المرتبة الاجتماعية. أي أن القانون لا يطبق فقط إلا على المواطنين ولا ينطبق على أصحاب القوة والنفوذ وذوي المناصب والسلطة. لأن عدم سيادة القانون تؤدي لا محالة إلى الظلم والاستبداد في المجتمع، ويصبح أصحاب المواقع والنفوذ والمناصب العليا في الدولة هم وحدهم صانعي القرار، وبالتالي لا يحق للمواطنين المشاركة في ذلك أو حتى الإطلاع على الكيفية التي يتم بها وعلى أساسها صناعة القرار. ومن الطبيعي أن يفتح هذا الوضع الأبواب على مصراعيها لتفشي الفساد والتعسف والاعتداء على حقوق المواطنين لصالح ولمصلحة فئة قليلة، وتكرس كل القرارات والقوانين من أجل خدمتها وتعزيز قوتها ونفوذها.
 أما الفصل بين السلط فهو يكفل توزيع مصادر القوة في المجتمع لخلق التوازن بين مصادر القوة الثلاث:  السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية. كما أن هذا الفصل يؤسس رقابة متبادلة.
 وفيما يخص احترام حقوق الإنسان والمواطن على اختلافها فإنه يؤدي إلى تكريس التفاعل بين المواطن والمجتمع ويدفع المواطن إلى المشاركة الفعالة والمستمرة في الحياة لمجتمعه بواسطة وعبر المعلومات التي تمكنه من ذلك، ويرفع درجة قدرة المواطنين في التأثير في صنع القرارات وقدرتهم على المساءلة والمحاسبة.
 ويعتبر حق وحرية الحصول على المعلومات من أهم الأدوات بالنسبة للمواطنين من أجل ممارسة كافة حقوقهم. ولا يخفى على أحد أنه بدون توفر معلومات لا يستطيع المواطن ممارسة أي دور فاعل ومجدي في المجتمع، كما أن حقوقه تظل عرضة للاستلاب أو الانتقاص منها. وفي هذا الصدد تلعب وسائل الإعلام دورا رئيسيا وحيويا، ولذلك أطلق على الصحافة لقب " السلطة الرابعة" إشارة إلى أهمية الدور الذي تقوم به.
 أما ممارسة الشفافية في إدارة الحياة العامة، فهو أمر يقع بالتمام والكمال في نطاق حقوق المواطن، وفي ذات الوقت يعتبر من الواجبات الأساسية للحكومة تجاه المواطنين. وهذا يعني أن تكون سياسات الدولة في مختلف المجالات واضحة ومحددة ومكشوفة دون غموض أو لبس، وهذا يمكن المراقبة والمتابعة والمحاسبة على تلك السياسات، إلا طبعا فيما يتعلق بالأسرار الأمنية والعسكرية المتعلقة بأمن الدولة والمجتمع والتي تحدد بناءا على القانون وليس بصورة اعتباطية.
 والمساءلة تستوجب جملة من الشروط، من أهمها درجة معينة لوعي وتنظيم المواطنين، وقيام وسائل الإعلام بدورها. إنه كلما زادت درجة وعي المواطنين زاد حجم التأثير الذي من الممكن إحداثه من خلال المساءلة. كما أن هناك علاقة واضحة بين درجة الوعي وبين تنظيم المواطنين في الأحزاب والنقابات والمنظمات والجمعيات وجماعات الضغط والمصالح. وبالتالي كلما ارتفعت درجة تنظيم المواطنين كلما زادت قوتهم وبالتالي تأثيرهم في عملية المساءلة والمحاسبة.
 أما فيما يخص دور وسائل الإعلام في هذا الصدد، فقد تكون بعض الصحف في ملكية أحزاب أو فئة معينة، وبالتالي تعمد إلى نشر ما يتوافق مع مصلحتها، كما أنها قد تكون ذات طبيعة تجارية وربحية بحتة، وكل ما يهمها هو تحقيق ربح على حساب نقل الحقائق والمعلومات.
 فالشفافية إذن تعتبر ركنا أساسيا وعنصرا هاما في ترسيخ وتكريس الديمقراطية في المجتمع، سواء على مستوى الأفراد والجماعات. والشفافية تهم الهيئات الرسمية كما تهم كذلك مؤسسات المجتمع المدني.

 


الإصلاح الدستوري شرط أساسي للتحديث الفعلي


الحداثة...قضية شغلت و لازالت تشغل بال العديدين بالمغرب، إلا أن الحداثة تقتضي أولا تحديث الدولة عبر تبني جملة من التغييرات السياسية، لا سيما الإصلاح الدستوري لكونه يعتبر حجر زاوية التحديث السياسي و الاقتصادي الفعليين.
و حسب البعض أن أول خطوة لامناص من تحقيقها في هذا المضمار، هو التخلص من الطبيعة المخزنية للنظام السياسي، باعتبار أن الدولة ليست فوق الطبقات، و لا يمكنها مهما كان الأمر أن تكون متعالية على إرادة الأفراد و المجتمع برمته. و هذا هو السبيل الأنجع و الأجدى للدمقرطة الداخلية و التحديث الذاتي لمختلف مكونات المجتمع المغربي.
و في هذا الإطار لابد من القول أن دور الأحزاب السياسية المغربية ليس هو مجرد التصارع على الكراسي و الاستوزار و المواقع في فترة الانتخابات فقط على رأس كل 6 سنوات، و خارج ذلك تظل تنتظر هذا الموعد متفرجة على المجتمع الذي لا يحيا إلا بالحفاظ على المكتسبات و تحقيق مكتسبات جديدة و تجديد الفكر و الإبداع السياسي.
و هذا المسار جعل الأحزاب السياسية المغربية أضعف بكثير مما كانت عليه في السابق، بل أغلبها أضحى مجرد وكالات انتخابية ليس إلا. و هذا لن يجر على مستقبل المغرب إلا المزيد من الضبابية الكثيفة. و ذلك لأن الحداثة الفعلية تقتضي بالأساس تحديث الدولة نفسها بنفسها عن طريق تبني التغييرات السياسية التي أضحت ضرورية. و أهم خطوة في هذا المسار هي التي تكمن في اعتماد إصلاح دستوري و الذي أضحى يكتسب حاليا بالمغرب راهنية و ضرورة خاصتين باعتبار ارتباطه الوثيق بالتحديث السياسي و الاقتصادي. علما أنه لا يمكن الحديث عن التحديث الفعلي بدون رد الاعتبار لدولة المجتمع و دولة المؤسسات.


الحوار نهج يفتح الأبواب و لا يصدها

عمدت بعض الصحف الوطنية المغربية المحسوبة على الصحافة المستقلة للهجوم على عبد حريف قائد النهج الديموقراطي الذي أسسه جملة من مناضلي المنظمة الماركسية اللينينية "إلى الأمام". و سبب هذا الهجوم موقفه من قضية الصحراء.
و لقد تعرفت على عبد اله حريف في درب مولاي الشريف )المعتقل السري) و هو المهندس الشاب خريج المدارس العليا بفرنسا، كما عايشته عن قرب بالسجن المركزي بمدينة القنيطرة، و عرفت فيه الرجل الهادئ على الدوام و المحلل المتأني الذي يعرض أفكاره طوبة طوبة كأنه بصدد تشييد بناء، يبدأ بالأساس ثم يشرع في طرح فكرته تدريجيا إلى أن يكتمل البنيان ليعيد طرحها مركزة مختزلة مصاغة كما تصاغ قواعد العلوم الحقة.
لقد اطلعت على جملة من كتاباته داخل السجن، لاسيما دراساته و تحاليله حول الوضعية الاقتصادية و الطبقية بالمغرب، و على وجه الخصوص إسهاماته قي اغناء أطروحة إشكالية تكون المخرن و الطبقات السائدة بالمغرب و طبيعة البرجوازية المغربية بمختلف مكوناتها الكومبرادورية و التقليدية و العصرية. و قد شدتني كثيرا جملة من تحاليله حول مسار هيمنة النمط الرأسمالي المبتور بالمغرب و انحرافات سيرورة تطوره.
لقد كان عبد الله حريف بمعية ثلة من مناضلي "إلى الأمام" يدافعون و بشدة على ضرورة الاستمرارية باعتبار أن الحركة الماركسية اللينينية المغربية نتاج لصيرورة تطور أفره المجتمع المغربي من داخله و تفاعلت كحركة مع هذا المجتمع للتمكن من تحديد مهام تاريخية ظلت و ستظل قائمة على امتداد أجيال.
و إذا كان موقف عبد الله حريف من قضية الصحراء له خصوصياته و منطلقاته و أسسه الفكرية و الإيديولوجية و التاريخية و النفسية، فانه ليس الموقف الوحيد الذي يدعو إلى البحث عن الحل الحاسم و النهائي للقضية في إطار التصور المغاربي الشامل. فقد كانت هناك مواقف دعت إلى هذا التوجه مند زمن، و يمكن ذكر على سبيل المثال لا الحصر موقف محمد الفقيه البصري في هذا المجال.
و مهما يكن من أمر إن النقاش حول هذه القضية بالذات هو في حد ذاته دليل على أن التواصل و الحوار أضحى من الأمور العادية حول كل القضايا و لم يعد يخيف أحدا و هذا، بغض النظر عن فحوى و مضمون الأفكار المعبر عنها و الطريقة التي يدار بها، يعتبر أمرا ايجابيا. لأن بالأمس القريب لم يكن لأحد الحق في النقاش حول هذه القضية، و إلا عرض نفسه للخطر الأكيد و هذا فعلا ما حصل للعديدين.
و الجميل في الأمر حاليا، هو أننا بدأنا نعاين بروز نوع من التفهم، باعتبار أننا بدأ،ا نسمع للآخر  و نفهم أن لكل قناعاته و أن السجال و الحوار كفيل بتبيان كل شيء و أن ترك الفرصة للتعبير الحر عن الرأي تكبل الجميع، حتى أصحاب الآراء المخالفة و تلك التي تبدو غريبة على الأفكار السائدة. فمادام لأصحابها حق التعبير عنها فلا خوف منها حتى وان كنا نعارضها لأن كشف الأفكار و عدم التضييق عن التعبير عنها يؤدي إلى تحليلها و انتقادها و لغنائها و تمحيصها و الباقي منها يكون للأصلح و الأصوب. و هذا النهج يؤسس لعدم الخوف من الأفكار لأن الأفكار المجانبة للصواب و المخالفة للصيرورة التاريخية للبنية المجتمعية و قوانين تطورها من السهل دحضها و هنا فليتنافس المتنافسون.


الجامعة المغربية و الحركة الإسلامية

مند فجر تسعينات القرن الماضي، أصبحت الجامعة المغربية فضاءا للحركة الإسلامية، لاسيما فصيل جماعة العدل و الإحسان. و لا يخفى على أحد الصراع المرير بين مختلف فصائل الحركة الطلابية، و أحيانا عرف هدا الصراع أحداثا دامية سقط على إثرها ضحايا، و تم الزج ببعض الطلبة في السجون، و هكذا تحول جملة من الطلبة إلى مجرمين في نظر القانون.
و مند سنوات دخلت الفصائل الأخرى للحركة الطلابية بالمغرب في ردة فعل انتهت بانسحابها من الساحة أو على أحسن تقدير حاولت جاهدة الحفاظ على حضور باهت لا يكاد يبين.
في ظل هده الأجواء كانت التيارات الإسلامية تتقدم و تثبت أقدامها بالجامعة المغربية و كان صوتها يعلو و زحفها يمتد بعناية فائقة.
و مع هدا التصاعد بدأت تظهر إشارات محاولة تفجير هده القوة من الداخل بواسطة تيارات إسلامية تغاير الأولى في الخطاب و الموقف رغم اتفاقها على المرجعية، و أبرز هده التيارات طلبة التوحيد و الإصلاح، هدا من جهة، و من جهة أخرى بدأ تضييق الخناق على مناضلي فصيل العدل و الإحسان و منع أنشطته و سحق قيادته و اعتقالهم ادا اقتضى الحال دلك.
و في منتصف التسعينات أصبح فصيل العدل و الإحسان في مواجهة شبه يومية مع الحرس الجامعي، و هي قوة مسنودة بالأجهزة الأمنية السرية و قوة الأمن و قوة القانون. و تلى دلك حرب الشواطئ سنة 2000، و التي اعتبرها البعض تحديا للنظام المخزني، نتج عنها أن العدل و الإحسان عبرت على أنها قوة هادئة و لا تؤمن بالعنف و أنها لا ترفض الحوار. آنذاك أصدر الشيخ عبد السلام ياسين رسالته "إلى من يهمه الأمر" الموصوفة بخطاب أبوي صارم.
و هكذا أضحت الجامعة فضاء ميت بعد أن هجرها أغلب الطلبة النشيطين عندما كانت الجامعة تفضي بهم في أحسن الأحوال إلى غياهب السجون أو إلى التحاقهم باعتصامات المعطلين للمطالبة بحقهم في الشغل و في مكان تحت شمس وطنهم. و ظلت الوضعية إلى ما هي عليه إلى أن استفاق المغرب على الضربات الإرهابية ليوم الجمعة الأسود في 16 مايو 2003. و كانت فرصة سانحة للهجوم على الحركات الإسلامية و اتهامها جملة و تفصيلا.
و قد أدت هده الأجواء إلى تنازل حزب العدالة و التنمية عن الانتخابات الجماعية بعد تفاوضه مع الدولة. و كان لهدا الحدث بالنسبة للبعض عنوانا بارزا و عريضا لتشغيل آليات احتواء الحركة الإسلامية داخل البرلمان كخطوة أولى لتفعيل خطة الدولة للضغط على كل طيف الحركة الإسلامية بالمغرب في اتجاه التفاوض و تقديم التنازلات و التراجعات لتحقيق السلم السياسي. و في هدا الوقت شاهدت أكثر من كلية (فاس، المحمدية، تطوان، الدار البيضاء...) تحركات بارزة للعيان من طرف الحرس الجامعي تمحورت كلها حول عرقلة الإصلاح الجامعي و استعمال العنف و اتهام طلبة فصيل العدل و الإحسان. و حسب البعض فان هده الممارسات ما هي إلا معالم لخطة محكمة تسعى لتخليص الجامعة المغربية من هيمنة فصيل العدل و الإحسان.
و في هدا الإطار تتموقع أحداث 13 أكتوبر 2003 بكليات الحقوق بالمحمدية و العلوم ابن مسيك بالدار البيضاء و الحقوق بعين الشق بالدار البيضاء، حيث هجم الحرس الجامعي الذي ينعته طلبة المغرب بالأواكس على الطلبة لمنع مكاتب التعاضديات من تنظيم أيام التعارف الطلابي التي دأب الاتحاد الوطني لطلبة المغرب مند سنوات خلت على إحيائها و تنظيمها مع حلول كل موسم جامعي جديد. و في هده السنة تم اختيار شعر "تلاحم طلابي يؤطرنا نحو مستقبل دراسي يؤهلنا". و قد اتخذت مكاتب التعاضديات كل الترتيبات اللازمة لتنظيم هده الأيام. إلا أنه بمجرد الشروع في الاستعداد الفعلي لتنظيم تلك الأيام حاصرهم الأواكس و انهالوا على بعض الطلبة المنظمين بالضرب و الرشق بالكراسي، و أصيب على اثر دلك أكثر من طالب. و حاولت بعض الطلبات اللجوء إلى إدارة الكلية لطلب سيارة الإسعاف لنقل أحد المصابين، إلا أنهن منعت تحت التهديد من طرف عناصر من الحرس الجامعي من ولوج مبنى الإدارة التي كانت أبوابها موصدة و وجوههن. و في آخر المطاف اتصل استاد بهاتفه الشخصي بالإسعاف، فحضرت السيارة لنقل المصابين إلى المستشفى.
و جاء في محضر الشرطة أن الطلبة الضحايا أحدثوا هلعا و رعبا داخل المستشفى و أهانوا مسؤولا هناك، كما قاموا بإتلاف ممتلكات الدولة. إلا أن أحد الشهود أكد بصورة قاطعة أن ما جاء في المحضر مجرد افتراء لا أساس له من الصحة. فهل يعقل أن طلبة مصابين قاموا بما نسبته إليهم الشرطة؟. و يقول الشاهد أن ما وقع هو أن المسؤول عن الاستقبال و التسجيل بالمستشفى طلب من الطلبة ضحايا اعتداء الأواكس بأداء واجب الإسعاف، علما أن الخدمات الطبية يقال أنها مجانيا بالغرب بالنسبة للفقراء أو معدومي الدخل، أو على الأقل هدا ما يقره الخطاب الرسمي. و لما أخبروه بأنهم طلبة وأن إصابتهم كانت نتيجة لاعتداء من أشخاص محسوبين على الدولة (الأواكس) تجاهلهم المسؤول و صد الباب في وجههم ثم تلفن إلى الشرطة التي حضرت في الحال لاعتقال ثلاثة منهم، ثم قدمتهم إلى المحكمة زوال نفس اليوم في حالة اعتقال بتهم إهانة موظفين عموميين أثناء مزاولتهم لمهامهم و إلحاق خسائر مادية لمرافق مخصصة للمنفعة العامة و توجيه إهانات بالسب و الشتم بأعلى الأصوات إلى الجهاز الحكومي. علما أن اثنين من الثلاثة ما زالا صغيري السن.
و يوم المحاكمة عمت جماهير الطلبة إلى باب المحكمة التي كانت مطوقة بقوات الأمن و الحواجز الحديدية. و قد آزر الطلبة المعتقلين أزيد من 50 محاميا، و اعتبر الدفاع برمته أن المحاكمة تعتبر محاكمة رأي بامتياز، لاسيما و أن موقف الاتحاد الوطني لطلبة المغرب من الإصلاح الجامعي مناهض له. و هدا ما حدث بالنسبة لطلبة كلية الحقوق بعين الشق بالدار البيضاء.
أما الطلبة الأربعة أعضاء تعاضدية الاتحاد الوطني لطلبة المغرب بكلية الحقوق بالمحمدية، و هم كذلك من فصيل العدل و الإحسان فقد وجهت إليهم تهمة إهانة موظف أثناء مزاولته لعمله و العصيان و القذف، و تتراوح أعمارهم بين 20 و 24 سنة آزرهم 18 محاميا. و قد وصف منسق الدفاع هدا الملف بأنه ملف سياسي و خصومة إيديولوجية ضد جماعة العدل و الإحسان، علما أن عميد كلية المحمدية قد عمل كل ما في وسعه و كل ما أوتي من قوة تعبيرية لإبراز صفتهم (انتمائهم إلى جماعة العدل و الإحسان) في الشكاية التي وجهها إلى وكيل الملك. و قد جاء في الشكاية المذكورة أن هؤلاء الطلبة ينتمون إلى فصيل العدل و الإحسان و يسعون دائما لتمرير خطابات و أفكار هده الجماعة المحظورة داخل صفوف الطلبة قصد إفشال الإصلاح الجامعي الذي انطلق في ظروف جيدة هده السنة.
و قد صرح جميع الطلبة المعتقلين أنهم تعرضوا للضرب و التعذيب و سوء المعاملة من قبل مصالح الاستعلامات العامة و جهاز الحرس الجامعي و في مخافر الشرطة.
و حسب هيئة الدفاع فان مجموعة من الطلبة قاموا بنشاط عادي يتكرر كل سنة للترحيب بالطلبة الجدد، و هدا عرف راسخ مند مدة في تاريخ الاتحاد الوطني لطلبة المغرب لمناقشة جملة من المشاكل التي تعيشها الجامعة كالإصلاح الجامعي و المنح وهدا من حقهم. إلا أن هناك إرادة مبيتة دفعت الحرس الجامعي إلى منع هدا النشاط و الهجوم على الطلبة و ضربهم على مرأى الأستاذ المحاضر.
و الأدهى في هدا الملف، حسب الدفاع، هو أنه جاء في محضر الشرطة، أن الضابطة القضائية استلمت الطلبة المعتقلين من عناصر الاستعلامات العامة و الحرس الجامعي، و هدا في حد ذاته تجني سافر و خطير جدا، اد أضحى بالمغرب- في ظل دولة الحق والقانون- عناصر أخرى غير التي صرح بها المشرع هي التي تقوم بهذا الأمر. و بعد دلك أكد المحامي أن المعتقلين تم اقتيادهم إلى مركز الشرطة و لفقت لهم محاضر وقعوها تحت الإكراه البدني و التهديد.
و قد صرح شاهد عيان لإحدى الجرائد أن الطلبة كانوا يقومون بحلقات عادية، و فجأة ظهر عدد من الحرس الجامعي رفقة الكاتب العام للكلية يتوجهون نحو الطلبة، و عندما اقتربوا منهم صاح الكاتب العام قائلا " من يريد أن لا يذوق طعم الهراوة عليه أن يخرج توا من الكلية".
و لازال الجميع يتساءل حول هدا الملف فيم هل هو دي صبغة سياسية ؟
و قد صرح أحد المحامين أن محاكمة طلبة كلية الحقوق بالمحمدية يأتي في سياق إعلان الحرب على الإسلاميين و محاولة منها في إلصاق تهمة العنف على كل دي لحية عمدت السلطة على إرجاع ملف العدل و الإحسان ليطفو على السطح من جديد. كما يأتي في سياق جامعي يتميز بتطبيق الإصلاح الجامعي الذي خلف ردود فعل سواء من طرف الأساتذة الجامعيين أو من طرف الطلبة على حد سواء. و حسب المحامي الأستاذ عصام الإبراهيمي تأتي هده المحاكمة لتكرس نهجا تعوده الطلبة مند التسعينات. و قد أضاف قائلا أن تفاصيل المحاكمة مند بدايتها كانت تندر بأن الحكم سيكون قاسيا، و دلك من خلال أن رئيس الجلسة كانت له إرادة واضحة في الإسراع بالمحاكمة، دلك أنه لم يعط للمحامين المنصبين الفرصة لإعداد الدفاع، كما أن الجلسة لم تتوفر فيها شروط العلنية اد عمد رجال الأمن و السلطة إلى تطويق المحكمة و منع الجمهور من حضورها. كما أن الدفاع تقدم بطلب استدعاء مصرحي المحضر لأن سلطة الاتهام في تسطيرها للمتابعة و تكيبفها للوقائع اعتمدت بشكل مباشر و أساسي على هؤلاء المصرحين (قيدوم الكلية، الكاتب العام للكلية، أعضاء الحرس الجامعي) باعتبارهم ضحايا، و دلك نظرا لأن المحكمة لا يمكنها أن تشكل قناعتها بناء فقط على تصريحات تدعي الضابطة القضائية على أنها تلقتها خلال البحث التمهيدي. إلا أن المحكمة رفضت هدا الطلب و دون الاختلاء حتى للمداولة فيه. و اعتبر الأستاذ عصام الإبراهيمي أن هده الممارسات الصادرة عن المحكمة لا تنم عن حياد القضاء و استقلاليته و لا تشكل و لو الحد الأدنى من معايير المحاكمة العادلة.
و الغريب في الأمر أن الضابطة القضائية تؤكد أن إيقاف الطلبة المتهمين و اعتقالهم كان من طرف هيئة لا يخولها القانون دلك.
و قد اعتبرت الجمعيات الحقوقية و النشطاء الحقوقيون بالمغرب أن هده المحاكمة هي في واقع الأمر محاكمة للاتحاد الوطني لطلبة المغرب و محاكمة فصيل طلبة العدل و الإحسان الذي يحتل مقاعد مهمة في هدا الإطار النقابي الطلابي، و هي تشكل حلقة أخرى من حلقات خرق القانون و العصف بأسس دولة الحق والقانون و ضرب عرض الحائط للمكتسبات الحقوقية حتى في أدنى مستوياتها.
و بالعودة إلى الوراء يتبين بجلاء الصراع القائم داخل الجامعات المغربية. فخلال الموسم الجامعي 1995-1996 منع طلبة العدل و الإحسان الجامعة الربيعية التي أراد حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (حزب الأغلبية الحكومية) تنظيمها بمبرر أنه لا يمكن لأي حزب فرض نشاطه على الطلبة من غير اعتبار لأجهزتهم المنتخبة(مكاتب التعاضديات و الفروع) فيما اعتبر أعضاء الحزب الاتحادي أن هدا الفعل مصادرة للرأي و حرية التعبير.
و في الموسم الجامعي 1996-1997 تقدم الاتحاد الوطني لطلبة المغرب (فرع الدار البيضاء) ملفا مطلبيا عاديا ثم يتم إغلاق مقره بالحي الجامعي و الكلية و تحويله إلى مقر الأواكس و تقفل المساجد و تصادر المصاحف و الزرابي التي كانت مخصصة للصلاة. و ابتداء من يناير 1997 بدأ مسلسل من الاعتقالات شملت أزيد من 40 جلهم مسؤولو الاتحاد الوطني لطلبة المغرب (أ و ط م ) بجامعة الدار البيضاء. في نفس الشهر و في ظل تصاعد الاحتجاجات الطلابية وزير الأوقاف السابق- العلوي المدغري- يفتي بعدم جواز الإضراب عن التعليم في الجامعة خلال أولى الدروس الحسنية الرمضانية. و في ذات الشهر و السنة تستنكر النقابة الوطنية للتعليم العالي الوضع الأمني داخل الجامعة المغربية و تدين خرق حرمة الجامعة و اعتقال الطلبة بها. و كان رد السلطة صدور الدورية الثلاثية لوزراء الداخلية و العدل و التعليم العالي و التي جاء فيها أن الحكومة عازمة على السهر على حسن سير الجامعة و وضع حد للممارسات الهدامة ذات الأهداف المبيتة لمجموعة قليلة متطرفة و ظلامية تهدف إثارة الفوضى في الجامعة، و دلك عبر اتخاذ إجراءات صارمة كإضفاء دينامية أكبر على دور الحرس الجامعي. إلا أن هده الدورية لقيت إدانة و استنكار كل مكونات المجتمع المدني بكافة أطرافه و اتجاهاته الإسلامية واليسارية. لكن الدولة اجتهدت في التطبيق الدقيق للدورية الوزارية من خلال استمرار ملاحقة و اعتقال الطلبة و تفريق التجمعات الطلابية بالقوة و منع الصلاة بإقفال المساجد داخل الجامعات و الأحياء الجامعية. و رافقت هده السيرورة تعيينات لعمداء جدد للجامعات جلهم تدرجوا في سلك وزارة الداخلية. و في فبراير 1997 اتسعت موجة الاعتقالات الطلابية لتشمل جامعات فاس و وجدة و مراكش و أكادير و الجديدة.
و خلال موسم 1997-1998 اتسعت حملات الاعتقالات و القمع و الهجوم على الحرم الجامعي و تزايدت الاعتقالات في صفوف مناضلي ا و ط م الشيء الذي دفع الجمعيات الحقوقية إلى التنديد بهده الخروقات و المطالبة بإجلاء قوات الأمن عن الحرم الجامعي. و في نونبر 1997 تناقلت أنباء عن مقتل الطالب منصف المزوزي بجامعة فاس حيث فارق الحياة متأثرا بجراحه الخطيرة برأسه اثر تدخل قوات الأمن (فرقة التدخل السريع). و أعيدت الكرة في فبراير 1998 بشن هجومات على الطلبة و الطالبات مازال بعضهم يعاني من أثرها إلى حد الآن. و مند مارس 1998، مع حكومة عبد الرحمان اليوسفي بدأ الترقب يسود الوسط الطلابي و الآمال معقودة على حكومة التغيير.
و في موسم 1998-1999 تم الإعلان عن تأسيس لجنة التنسيق الوطنية خلال الملتقى الطلابي السادس، إلا أن هده الخطوة لقيت معارضة كل التيارات الطلابية باعتبارها محاولة سطو العدل و الإحسان على ا و ط م.
و تميز الموسم الجامعي 1999- 2000 بالدعوة إلى شن إضراب وطني هو الأول من نوعه احتجاجا على مشروع الميثاق الوطني للتربية و التكوين.
و في الموسم الجامعي 2000-2001 صدر تقرير حقوقي وطني حول الأوضاع بالجامعة المغربية يرصد مختلف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان و تشمل الاعتقالات التعسفية و المحاكمات الصورية و انتهاك حرمة الجامعة و مصادرة الحق النقابي و الحرمان من الحق في السكن و المنع من حق الصلاة و نزع الحجاب على الطالبات.
و خلال موسم 2001-2002 يتم تعليق عقد المؤتمر الاستثنائي للاتحاد الوطني لطلبة المغرب بعد ثلاث سنوات من التحضير.
و خلال موسم 2002-2003 يعود الهدوء النسبي للجامعات المغربية بعد سنوات طوال من القمع و التسلط. إلا أنه سرعان ما عادت حملات الاعتقال و الإدانة و الاعتداءات مع بداية الموسم الجامعي 2003- 2004.

 

الحرس الجامعي و حرمة الجامعة بالمغرب

 

إن وجود الحرس الجامعي يعود إلى بداية ثمانينات القرن الماضي، و هو يرتبط في ذاكرة الحركة الطلابية المغربية بالإصلاح الجامعي المنفرد الذي قامت به الدولة. و قد تزامن ظهور الحرس الجامعي مع فشل المؤتمر 17 للاتحاد الوطني لطلبة المغرب و دخول ه في الحظر العملي.

و رغم أن السلطة العمومية تجتهد اجتهادا محاولة تقديم الحرس الجامعي كنوع من أنواع الشرطة الإدارية، فان الواقع يقر بأن الحرس الجامعي مكون من عناصر تابعة للإدارة العامة للأمن الوطني ألحقت بالعمل بالجامعة، لكنهم تحت إمرة السلطة الإدارية و الرئاسية بإدارتهم ( الأمن الوطني). و تنعدم أية سلطة للجامعة على أفراد و جهاز الحرس الجامعي العاملين بها.

و قصد تحسين الصورة و التغطية على الطبيعة الحقيقية لجأت وزارة الداخلية إلى إيجاد حل توفيقي يجعل الحرس الجامعي تابعا لمدير الحرس الجامعي الذي هو موظف من موظفي وزارة الداخلية، و جعل تدخلهم يكون بناء على أوامر مدير الحي الجامعي بصفته رجل سلطة لا بصفته مدير مؤسسة جامعية و هنا تكمن اللعبة. لذا فالأمر لا يتعلق في الحقيقة بشرطة إدارية بقدر ما يتعلق برجال أمن عاديين يعملون في رحاب الجامعة و الخرم الجامعي تحت إمرة رجال سلطة يستمدون سلطتهم من وزارة الداخلية. علاوة على أن نعت الحرس الجامعي غير وارد في أي نص تشريعي أو تنظيمي، ما عدا المذكرة الثلاثية، و التي هي كذلك لا تؤسس لجهاز الحرس الجامعي و إنما تتحدث فقط عن تأهيل عناصره و إخضاعهم للتكوين و التدريب لأداء مهامهم. علما أنه لا وجود لأي نص قانوني أو تنظيمي يحدد مهام هذا الحرس، رغم أنه في حقيقة الأمر يمارس السلطات العادية لجهاز الأمن الوطني، بصفته قوة عمومية تتدخل لفرض احترام القانون. علما أن الشرطة القضائية في محاضرها لا تعترف لعناصر الحرس الجامعي بأي وصف رسمي. و هذا يدعو إلى التساؤل، لماذا يستمر الحرس الجامعي – كجهاز غريب عن الجامعة في ممارسته خارج نطاق القانون في ظل دولة الحق و القانون؟

و إذا كانت الدولة ترغب في التشبث بهذا الجهاز الدخيل على الجامعة المغربية عليها على الأقل، و احتراما لأسس و مبادئ دولة الحق و القانون أن تضفي عليه الشرعية القانونية الواضحة غير الملتوية و ذلك بواسطة نص قانوني واضح و صريح يؤسس له و يبين مهامه. علما أن عليها قبل ذلك التفكير في آليات إخضاعه للمبدأ المسطر من طرف الإصلاح الجامعي نفسه لسنة 1975 و الذي ينص بصريح العبارة و بدون لف و لا دوران على أن الجامعة المغربية مؤسسة مستقلة إداريا و ماليا و لها حرمتها التي لا يحق انتهاكها.

إن طلبة المغرب ينعتون الحرس الجامعي، منذ فرضه على الجامعة المغربية في الموسم الجامعي 1981-1982، بالأواكس على غرار طائرة التجسس الأمريكية.

فالواضح أن الأواكس جهاز دخيل على المنظومة التربوية للجامعة، و له تاريخ أسود في علاقاته مع الطلبة، لا سيما المناضلين منهم، و هذا أمر كاف للتساؤل حول استمرار وجوده. خصوصا و أنه من ناحية المبدأ تعتبر الجامعة فضاء للمعرفة و البحث العلمي من المفروض أن تضم نخبة من الشباب المثقف المدرك لحقوقه و واجباته.
و من باب النكتة قال أحد الطلبة أن وجود الأواكس بالجامعة المغربية ما هو إلا تكريس مبدأ تقريب الإدارة (السلطة) من المواطنين، باعتبار أن هراواتهم تظل قريبة و لاصقة بالطلبة، و بالتالي لا داعي لطلب تدخل قوات الأمن من خارج الجامعة لإطلاق العنان لهراواتهم على رؤوس الطلبة و الطالبات العزل.
إن اقتحام جهاز الحرس الجامعي لفضاء الجامعة في واضحة النهار و على هامش القانون في ظل التغني بأسس و مرتكزات دولة الحق و القانون و تكريس حقوق الإنسان يدعو بإلحاح إلى التساؤل خول الحركة الطلابية و دورها في المجتمع المغربي.
فلا يخفي على احد أن الحركة الطلابية شكلت إلى باقي مكونات المجتمع المدني رافدا من روافد الدفع للنهضة و التغيير في أفق بناء مستقبل أفضل و مجتمع قوامه الحرية و العدل و العدالة الاجتماعية و حرمة و كرامة الإنسان. و في سبعينات القرن الماضي راهن الكثيرون بالمغرب على الحركة الطلابية كبديل في ظل فشل الأحزاب السياسية المغربية في فرض التغيير المرتقب. آنذاك كانت المراهنة عليها و على الحركة العمالية لتوجيه المغرب نحو التغيير الجذري.
و لقد لعبت الحركة الطلابية آنذاك من خلال إطارها الشرعي الاتحاد الوطني لطلبة المغرب (ا و ط م) دورا فعليا و فعالا في النضالات التي خاضها الشعب المغربي من أجل إصلاح حقيقي، و قد أدى الطلبة المغاربة الثمن غاليا من اجل ذلك و قد استعملت السلطة المخزنية كل الأساليب الممكنة لمواجهة هذا المد النضالي بدءا باستصدار القوانين الرامية إلى تضييق الخناق على الحركة الطلابية و وصولا إلى القمع السافر حتى باستعمال ممارسات واقعة بجلاء على هامش القانون الجاري به العمل على علته.

و من بين الإجراءات التي قامت بها السلطة المخزنية إنزال جهاز الأواكس و فرضه على الجامعة المغربية. و قد أفادت التجربة أن هذا الجهاز كان سببا في اندلاع عدد من الأحداث التي أثرت تأثيرا بليغا على الحياة الجامعية و السياسية عموما بالمغرب، و يمكن ذكر منها أحداث مراكش و فاس و الدار البيضاء في 1989-1990 التي أدت إلى استشهاد جملة من الطلبة و إلى اعتقال الكثيرين منهم و كذلك أحداث 1996 و غيرها.

و يظل الجميع يندد بعسكرة الجامعة المغربية منذ ثمانينات القرن الماضي و ذلك في ظل المناداة بالإقرار بدولة الحق و القانون و تكريس الديموقراطية و حقوق الإنسان.

و يبدو أن المطالبة بجلاء الحرس الجامعي عن الجامعة المغربية أمر يدخل في إطار طي ملف الماضي و تطليق العقلية التي كانت سائدة على امتداد السنوات الرصاصية التي عاشها المغرب، و التي أدانها، جملة و تفصيلا، المجتمع المغربي قاطبة و برمته. علما أن اللجوء إلى إحداث الحرس الجامعي كان عنصرا من عناصر الاستراتيجية المخزنية الرامية إلى عزل الحركة الطلابية و حركة الشبيبة المدرسية و الجامعية عموما عن محيطها و منعها منعا و لو بالقوة من إنتاج و إعادة إنتاج شروط قيام فضاء جامعي عقلاني يساهم في تخريج أطر حزبية و نقابية فعلية. و هذا ما أصطلح عليه باستراتيجية مخزنة الجامعة المغربية. و الآن و الحالة هاته، فالمطروح على القوى الديموقراطية الفعلية أن تضع الجامعة المغربية في حسبانها و في برامجها النضالية لتمكينها من استعادة قوتها المعرفية و النضالية ما دامت الجامعة تظل أحسن و أفضل فضاء لتأطير أجيال المستقبل.

تاريخ الإرهاب ضد الصحافة المغربية

لازالت الصحافة المغربية في محنة

الصحافة المستقلة بالمغرب تعيش محنة تذكرنا في جملة من جوانبها بالسنوات الرصاصية سيئة الذكر على لسان المغاربة قاطبة و التي عرفها المغرب بالأمس القريب علما ا، الرأي العام أذانها بشكل واضح لا غبار عليه، لاسيما بعد انكشاف فظاعة الانتهاكات الجسيمة للصفة الإنسانية و لحقوق الإنسان و انفضح الدوس على كرامة الإنسان على امتداد عقود من الزمن.

و الآن هناك جملة من الصحفيين فرض عليهم القبوع وراء الأسوار العالية و خلف القضبان الحديدية السميكة، إما باسم قانون مكافحة الإرهاب أو بتفعيل بطريقة من الطرق الغريبة لقانون الصحافة.
و من ضمن هؤلاء مدير جريدة الحياة المغربية الجهوية الصادرة بمدينة وجدة بشرق المغرب. ففي غضون شهر يوليو 2003 توصلت الضابطة القضائية بأمر قصد البحث في مضمون حوار صحافي أجرته الجريدة المذكورة مع محمد العبادي عضو مجلس الإرشاد لجماعة العدل و الإحسان( التي مرشدها عبد السلام ياسين)، و هو حوار تضمن حسب النيابة العامة مسا بالمقدسات و الاحترام الواجب للملك.

و في هذا الإطار توبع مصطفى مدير الجريدة إضافة لرئيس تحريرها بتهم الإخلال بالاحترام الواجب للملك و المس بالنظام الملكي و التحريض بواسطة مطبوعات على القيام بأعمال من شأنها المس بالسلامة الداخلية للأمن تبعا للفصول 39 و 49 و 67 و 68 من قانون الصحافة.
و قد حضر أكثر من 100 محام لمؤازرة المتهمين، كما حضر الحقوقيون و الصحفيون بكثافة للمحاكمة للتعبير عن سخطهم و استنكارهم للتهم الموجهة إلى الصحفيين المتهمين. إلا أنه في الوقت الذي كان ينتظر فيه الجميع حفظ الملف نطقت المحكمة بحكمها..

ادانت المحكمة الابتدائية بوجدة في بداية نونبر 2003 كل من مصطفى قشنني و محمد العبادي بالسجن لمدة سنتين حبسا نافذا و غرامة مالية قدرها ألف دولار ( 10 آلاف درهم) و على محمد بوطريكي و عبد العزيز جلولي بسنة و نصف و غرامة قدرها 500 دولار (5000 درهم).

و اعتبر الدفاع أن هذا الملف يدخل في إطار التضييق على جماعة العدل و الإحسان، لاسيما و أن الحوار المذكور لا يحتوي على السب أو القذف، اللهم ما اعتبرته النيابة العمة قذفا في حق الملك ( بفتح الميم و كسر اللام أي السلطان) حينما تحدث العبادي عن الملك (بضم الميم و جزم اللام و ليس بفتح الأولى و كسر الثانية) العاص و الجبري، علما أن هذا الوصف متضمنا في أكثر من حديث من الأحاديث النبوية الشريفة المرتبطة بالخلافة و منهاج النبوة.

و قد أكد الكاتب العام للنقابة الوطنية للصحافة المغربية أن التهم الموجهة لمدير جريدة الحياة المغربية و رفاقه غير محددة و لم تشمل جملا أو كلمات أو فقرات معينة، و إنما كانت من أجل الاستجواب برمته، و قد اعتبر هذا النهج تعسفا بارزا.


لازال قانون مكافحة الارهاب يسقط رؤوس الصحافيين

لقد عرفت عدة محاكم بالمغرب متابعات صحفيين استنادا على قانون مكافحة الارهاب أو قانون الصحافة، و للمثال لا الحصر يمكن ذكر مدير جريدة دومان و مدير جريدة الشرق الصادرة بوجدة و رئيس تحريرها و مدير جريدة الحياة المغربية الصادرة بوجدة و أحد أعضاء هيئة تحريرها و مدير جريدة الحدث  الصادرة بالرباط و رئيس تحريرها و مدير جريدة أجراس و رئيس تحريرها   و مدير جريدة القنطرة الصادرة بالقنيطرة.

و انضاف مؤخرا الى هذه اللائحة مدير جريدة الخضراء الجديدة الصادرة بمدينة طنجة الذي توبع بتهمة السب و القذف في حق مسؤولين أمنيين، و تعود هذه النازلة الى مقال بقلم مدير الجريدة الزميل  ا
أحمد  افرازن تحت عنوان " بني مكادة (و هو حي شعبي بمدينة طنجة) تحت غطاء الارهاب، اعتقال أشخاص ابرياء، القضاء يصلح أخطاء "الآخرين"). علما أن قضية هؤلاء الأشخاص أحدثت ضجة كبيرة بمدينة طنجة. لاسيما و أنه تم تقديم هؤلاء في حالة اعتقال و قضت المحكمة ببراءتهم من جميع التهم الخطيرة المنسوبة اليهم ما عدا تهمة تأسيس جمعية دينية  بدون ترخيص، و هي مجرد جنحة لا تتجاوز عقوبتها  الغرامة المالية.

و قد تطرق مقال الزميل أحمد افرازن – كتعليق على الحكم- الى فكرة أن العدالة بطنجة مؤهلة فعلا لتصحيح أخطاء "الآخرين" ثم طرح تساؤلات حول دواعي اعتقال مواطنين لمجرد الاعتقال.
في حين اعتبر المسؤولان الأمنيان أن بعض ما جاء  في المقال يعتبر  قذفا و سبا في حقهما، بل طالبا بمتابعة مدير الخضراء الجديدة بتهمة تشجيع "جماعة زاغت عن الطريق بنشر أفكار هدامة كمطية لبلوغ مرامي مجهولة و تحريض الرأي العام ضد الجهاز الأمني خدمة لأهداف مشبوهة",
و قد اعتبر الكثيرون أن قصد المسؤولين الأمنيين هو نصب فخ لمدير جريدة الخضراء الجديدة، رغم أن موقفهما يعاكس على طول الخط حكم العدالة الذي قضى ببراءة المتهمين.

و يعتبر الزميل أحمد افزارن أنه تساءل لماذا يعتقل  مواطنين أبرياء ؟ و هذا حق لأي مواطن مغربي، و بالأحرى أن يكون هذا المواطن يمتهن مهنة المتاعب . كما اعب.  كما اعتبر أن المسؤولين الأمنيين لم يستوعبا مضمون المقال المنشور


ضريبة الجرأة الصحافية

لا يخفى على أحد أن شرط تطور الصحافة الجادة و تألقها هو الحرية، إلا أن هذه الحرية أضحت اليوم تقزم بالمغرب استنادا على خلفيات تارة تتقمص شكل المس بالمقدسات و تارة أخرى شكل الإشادة بالإرهاب.
و قد وصل تضييق الخناق على الصحافة المستقلة و الحرة بالمغرب درجة أصبح معها العام و الخاص يتساءل :  لماذا كشرت الدولة عن أنيابها لافتراس الصحفيين؟ أم أن هذه الصحافة أضحت تهدد سيادة الدولة؟
و الغريب في الأمر أن الصحافة المستقلة و الحرة بالمغرب هي الأكثر استهدافا، خلافا لما كان في السابق، عندما لم تكن موجودة بعد، حيث كانت الصحافة الحزبية المعارضة هي المستهدفة.
و يبدو حاليا بالمغرب أن الصحافة المستقلة و الحرة الجادة هي التي أضحت تضطلع بدور المعارضة الفعلية للحكومة، و ذلك لكونها تلعب دور الفاعل المدني الذي يرصد مظاهر الانتهاك و الانتكاسة،  رغم أن واقع هذه الصحافة في غالبيتها لازال مزريا مادامت، خلافا للصحافة الحزبية، لا تستفيد لا من الدعم
 المالي الممنوح من طرف الدولة و لا من الإشهار أو من كل ما يساهم في تأهيلها ماديا و تطويرها و ضمان استمراريتها بطريقة مريحة كما هو الحال لبعض الصحف الحزبية التي تصدر منذ عدة سنين خلت رغم أن مبيعاتها لا تكاد تفت المائة أو المائتين من الأعداد. علما أن الدعم الممنوح لها يقتطع اقتطاعا من جوع أغلب فئات الشعب المغربي.
و لقد لعبت الصحافة المستقلة و الحرة الجادة، في السنوات الأخيرة، دورا حيويا و غير مسبوق في الكشف عن ملفات الفساد الكبرى التي عرفها المغرب، و قد يعود إليها الفضل في دعم اتجاه الكشف و تسليط الأضواء على مناطق الظلام إلى درجة أن أهمية الصحيفة بالمغرب أصبحت تقاس بمدى دورها و قدرتها على كشف المستور و جرأتها في تسليط الأضواء عليه.
إلا أنه لازال البعض يعتقد أن المغرب في حاجة لصحافة مواطنة تساهم في التربية السياسية للمواطن، لاسيما و أن الدولة مجبولة على محاولة تهميش كل من يسير في اتجاه معارضتها سواء كانت صحيفة أو حزبا أو جمعية، لذلك يبدو أن الصحافة المستقلة و الحرة الجادة بالمغرب ما زال عليها أن تتحمل ضريبة لجرأتها التي قد تصد بسهولة إلى السجن في انتظار غد أفضل.
إن تاريخ انتهاك حرية التعبير، والحق في الخبر (الذي لا ينص عليه دستوريا) والتصدي للصحافة ومعاقبتها حافل بالأمجاد. فمنذ الخمسينات إلى حدود سنة 2001، ظلت الصحافة الجادة مستهدفة، لاسيما الجريئة منها فكم من منبر صحفي منع ببلادنا ؟ وكم من صحفي حوكم؟ ففي منتصف دجنبر 1959 تم منع جريدة التحرير لسان حال الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وذلك بقرار من مجلس وزاري، علما أن الحكومة كان على رأسها آنذاك عبد الله إبراهيم الذي وقع على قرار إعدام جريدة حزبه. لكن لماذا منعت جريدة التحرير ؟ إنها منعت لسببين اثنين : السبب الأول هو نشر خبر بدون تعليق مفاده أن الأمير مولاي الحسن ( آنذاك) تعرض لمحاولة اغتيال ، وقد تم اعتبار نشر مثل هذا الخبر من شأنه المس بالأمن والاستقرار والدفع لإحداث قلاقل. علما أن نفس الخبر نشر في 1963 دون أن يؤدي لي منع. أما السب الثاني هو تسمية الصحافة في إحدى المقالات بصاحبة الجلالة وتم اعتبار ذلك مس بشخص الملك رغم أن المقال لم يتطرق للملك بتاتا وبالمرة. وفي غضون شهر أبريل 1967 ظهرت جريدة المحرر بالعربية وجريدة " ليبراسيون" بالفرنسية وهما ناطقتان باسم نفس الحزب، الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وبعد صدور العدد الأول تم منع المحرر بواسطة أمر شفوي صادر عن الجنرال أفقير ودون أي تفسير رسمي ومسؤول. وقيل أن الجنرال لم يستحسن ما جاء في إحدى المقالات التي أشارت إلى دور الموساد في اختطاف المهدي بن بركة. أما جريدة " ليبراسيون" فقد كان سبب منعها هو نشر استجواب مع الزعيم " شي غيفارا" لهذا تم منع الجريدتين المذكورتين في عهديهما الأول ولم ترى جريدة المحرر النور. والخروج إلى الوجود من جديد إلا في سنة 1974، أما " ليبراسيون" فلم تستأنف صدورها إلا في عام 1976.
وآنذاك كانت الرقابة تحسب أنفاس الجرائد. ، حيث كان من الضروري تقديم نسخة الجريدة قبل الطبع إلى مصلحة الرقابة التي عليها أن توافق على كل ما تحتويه وإلا فلا يمكن القيام بطبعها وبالأحرى توزيعها. وكان على القائمين بالجرائد الانصياع إلى أوامر الرقابة ( تغيير عنوان أو عبارة أو جملة أو صورة ..) وإلا فإن العدد لن يرى النور. وظلت هذه الرقابة سارية المفعول إلى حدود سنة 1977. وحتى بعد هذا التاريخ كانت وزارة الداخلية تحشر أنفها لتضييق الخناق على حرية الصحافة وترهيب الصحافيين، إما بإعطاء أوامر أو تحذيرات هاتفية، أو مطالبة الجرائد بعدم التطرق لقضية من القضايا، كما حدث سنة 1978 إذ أن الوزير اتصل بالجرائد لإخبارها بأمر مفاده عدم السماح بنشر أي شيء يتعلق بالانتفاضة التي كانت إيران مسرحا لها آنذاك. وفي غضون نفس السنة ( 1978) تعرضت كل من جريدة المحرر وجريدة " ليبراسيون" لمنع دام 15 يوما بسبب تطرقهما في إحدى المقالات بمناسبة المؤتمر الثالث لحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية للملكية البرلمانية.

في غضون شهر يونيو 1982 عرفت الدار البيضاء مظاهرات عارمة. ومساء ذلك اليوم تم حجز جريدة المحرر وجريدة ليبراسيون لمنعها من التوزيع بدون تفسير رسمي وعلني، وللإشارة فإن مصالح الأمن اعتقلت مصطفى القرشاوي رئيس التحرير لجريدة المحرر آنذاك بتهمة المشاركة في المظاهرة ورشق الحافلة بالحجارة. وخلال المحاكمة صرح الوكيل أن المفتشين ـ وهما شاهدا عيان على ما اقترفه المتهم ـ قم تم نقلهما إلى مدينة بعيدة وقد تعذر حضورهما للإدلاء بشهادتهما. أما بالنسبة لمنع الجريدتين فقد قيل أنهما قد دعتا إلى العصيان المدني، كيف ذلك؟ لأنهما بكل بساطة، نشرتا في عددهما ليوم 18 يونيو مقالات حول المقاومة وحول الإضراب العام، علما أن أحداث الدار البيضاء كانت يوم 22 يونيو.
وفي شهر يونيو 1989 صدر آخر عدد من مجلة " لاماليف" ( بالفرنسية ) بعد أن اضطرت مديرتها زكية داود لتوقيفها، لأنه على امتداد 15 يوما على التوالي كان يتم استدعاؤها من طرف وزارة الداخلية وتظل تنتظر ساعات عديدة، وفي الأخير يقال لها عليك الرجوع غدا صباحا. وفي الأخير عندما تمكنت من اللقاء مع إدريس البصري أفهمها بطريقة مباشرة بضرورة تخليها على إصدار المجلة.
وفي مارس 1988 جاء دور مجلة " كلمة " وكان آخر عدد لها آنذاك، وكانت مفارقة غريبة حقا إذ أن ملف ذلك العدد الأخير وموضع غلافه مخصصين لحرية الصحافة. فبعد ثلاث سنوات من الصدور المنتظم دون توقف، تم إلحاق ضربة قاضية بالمجلة. حيث أنه في مارس 1988 تم السطو على كل أعداد المجلة من الأكشاك ونقط البيع بالقوة لأنه تطرق لدعارة الرجال بمدينة مراكش. وهكذا تم استدعاء مديرها نورالدين عيوش من طرف وزارة الداخلية ، وبأمر شفوي منعت المجلة. وبعد مرور 6 أسابيع وبواسطة مكالمة هاتفية للكاتب العام لوزارة الداخلية آنذاك. عزيز حسبي، تم الإعلان شفويا كذلك على رفع المنع الصادر شفويا دون أي كتاب رسمي وشرعي. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد. إذ بعد مرور شهر واحد من رفع المنع تم حجز العدد الذي سبب لأصحابها خسائر مادية كبيرة إلى حد عدم تمكنها من الاستمرار.
وفي 2 دجنبر 2000 كانت قنبلة رسالة الفقيه البصري، والتي نشرتها كل من لوجورنال والصحيفة والتي علقت عليها لودومان، وتم الإعلان على منع الجرائد الثلاث بمقتضى الفصل 77 الشهير في زمن حكومة التناوب. والجميع لازال يتذكر وضعة " حيص بيص" التي عاشتها الحكومة من جراء قرار المنع هذا والتسويفات والمماطلات التي تلته فيما يخص رخص إصدار جرائد بديلة.
وفي 20 أكتوبر 2001 نشرت جريدة لدومان خبرا حول إمكانية عرض قصر الصخيرات للبيع، وعلى إثر ذلك توبع مديرها علي لمرابط وحكم عليه ب 4 أشهر سجنا نافذا وغرامة مالية قدرها 30000.00 درهم. وقد صرح الوكيل خلال المحاكمة أن حجر القصر الملكي مقدس. وقبل علي المرابط الحكم بصدر رحب ولم يطعن فيه إلا أن النيابة هي التي طلبت الاستئناف.
و في غضون 2000 و2001 و2002 و2003 برزت المضايقات و المحاكمات التي تعرض إليها الصحافيين مصطفى العلوي و خالد مشبال و علي المرابط, و لازال هذا الأخير موجودا بالسجن لقضاء مدة 4 سنوات.
هذه بعض محطات تاريخ إرهاب الصحافة ببلادنا.

 

اللوبي الصهيوني بالمغرب و اللوبي المغربي بإسرائيل ؟؟؟؟؟؟؟

من المعلوم أن هناك لوبيا صهيونيا مزروعا في الجسد العربي من المحيط إلى الخليج, وبلادنا كذلك لها لوبيها. وقد بدا اللوبي الصهيوني يرسي دعائمه بالمغرب مع بداية الترويج للكذبة الصهيونية الاستعمارية و تهافت المتشبثين بأهدابها و على رأسهم آنذاك "اندري شوراقي" الكاتب العام للرابطة الإسرائيلية العالمية الذي اهتم أكثر من غيره بدراسة يهود شمال إفريقيا و من ضمنهم اليهود المغاربة. وبفضله لعبت الجريدة الصهيونية "نوار" الصادرة آنذاك دور تسميم عقول الشباب اليهودي المغاربة في الفترة الممتدة من منتصف أربعينات إلى فجر خمسينات القرن الماضي’ في وقت سادت فيه روح التعايش و التسامح و التناغم و التفاهم "العضوي" بين المغاربة المسلمين و اليهود. ولعل المجتمع البدوي في سوس و الأطلس الكبير و تافيلالت و ميدلت و غيرها من المناطق القروية المغربية أكبر دليل على دلك. علاوة على مساهمة الحرفيين المغاربة اليهود في تسليح مجاهدي عبد الكريم الخطابي البطل الريفي الذي حارب ببسالة الاستعمار الأسباني. إلا أن اللوبي الصهيوني بالمغرب, والدي كان في طور التأسيس آنذاك عصف بكل دلك. و هو لوبي مكون من الصهاينة و المتصهينين’ و قد تقوى عبر صيرورة "تصهين" فعلت فعلها على امتداد سنوات خلت حتى استطاع بلوغ قيادة و مراكز و جرائد.
و كانت أولى هجمات هدا اللوبي بمناسبة صلاة "بيصاح" (أي السنة القادمة في القدس) حيث تم استغلالها بدرجة كبيرة للترويج للكذبة الصهيونية. وآنذاك بالضبط نشط أحد رسل الصهيونية و أبرز مؤ طيرها بالمغرب "بروسبير كوهن" الذي دعا اليهود للتخلي عن الأمل في المسيح و البشرية. ومند ئد بدأت تقوية قاعدة اللوبي الصهيوني بالمغرب للحرص على تحقيق كل ما من شأنه خدمة الصهيونية آنيا و مستقبلا. هكذا و بتمويل سخي من طرف ادموند دو رولتشيلد تأسست أولى المؤسسات التعليمية العصرية الخاصة باليهود في المغرب, ودلك لتوفير الشروط "لإنتاج" نخبة يهودية مثقفة بالمغرب تخدم القضية الصهيونية. ومند البداية تم استئصال جذور هده النخبة عن واقعها المغربي عبر إدماجها و دمجها في نمط عيش غربي و عبر ربط مصالحها بالثقافة الغربية حتى وجدت نفسها غير قادرة على بلورة "تصور وطني" فعلي لجماهير اليهود المغاربة. وبدلك عملت على توجيه هؤلاء في اتجاه واحد لا ثاني له وبدون أي خيار آخر, الصهيونية و لا شيء آخر إلا الصهيونية, لاسيما وأن النخبة إياها استفردت بكافة اليهود المغاربة في ظل بنية و منظومة اجتماعيتين مطبوعتين بالانعزال الثقافي. وهكذا فعل تأثير اللوبي الصهيوني فعله و لم يتمكن حتى أولئك اليهود المغاربة الدين ساهموا فعلا و فعليا في حركة الكفاح الوطني المغربي, فكرا و سلاحا, من مواجهة سواء النخبة أو اللوبي الصهيوني فتركوا جماهير اليهود المغاربة في قبضة الصهيونية تفعل بهم ما تريد إلى أن تم ترحيلهم إلى الكيان الإسرائيلي في بداية ستينات القرن الماضي.
و لا يخفى على أحد الآن الدور الذي لعبه اللوبي الصهيوني بالمغرب في مفاوضات "ايكس ليبان" المتعلقة بالاستقلال السياسي للمغرب, وهدا إن كان يدل على شيء فإنما يدل على قوة هدا اللوبي الذي لم يتوقف عن تمتين دعائمه مند أربعينات القرن الماضي, ولازال تأثيره و فعله بارزين للعيان لحد الآن.
لقد عمل اللوبي الصهيوني العالمي على خلق صلات بين المغرب و إسرائيل حتى قبل الاستقلال. ولقد ألح المهدي بنبركة أكثر من مرة على تلك الصلات القائمة بين البلدين يهودا و حكومة. كما صرح أكثر من مرة أنها صلات قائمة على الأقل مند 1955. علاوة على أن بعض المؤرخين و المحللين السياسيين كشفوا عن دور يهود المغرب في تفعيل و تغيير موقف السلطات الفرنسية حول ما وقع بالمغرب في بداية الخمسينات, لاسيما فيما يخص رهان فرنسا- الذي كان خاسرا مسبقا- على تنصيب "بن عرفة" سلطانا على المغرب حيث كان الأولى هو عودة محمد الخامس إلى عرشه بعد ترتيب الأمور معه فيما يخص المستقبل. كما كشفوا أن قضية اليهود تمت إثارتها في المفاوضات المتعلقة بالاستقلال السياسي, حيث حصل الاتفاق على اعتماد ترتيبات وفق جدول زمني لتسهيل سفر أعداد كبيرة من يهود المغرب إلى إسرائيل في هدوء و دون دعاية و"شوشرة"... هكذا و على امتداد أقل من عشر سنوات وصل عدد اليهود المغاربة المهاجرين إلى إسرائيل ما يناهز ثلاثمائة ألف مهاجر في صمت تام و دون "هرج", كما سمح لليهود الباقين بالبلاد بربط صلات غير مقيدة مع أهاليهم و دويهم الدين فضلوا الهجرة.
و عاد المرحوم محمد الخامس إلى عرشه في نوفمبر 1955, في وقت كان فيه الشرق الأوسط يعيش توترا كبيرا و شديدا, و ظهرت فيه نوايا فرنسا للتعاون مع إسرائيل و الإنجليز للتصدي لمصر التي كانت تساند و تدعم الثورة الجزائرية.
ولولا دور اللوبي الصهيوني بالمغرب, يقول بعض المحللين ومن ضمنهم أبراهام السرفاتي لما نجحت صفقة فتح الباب لهجرة يهود المغرب إلى الكيان الإسرائيلي, لاسيما ادا علمنا طبيعة صلات الصهاينة آنذاك بفرنسا.
و يذهب بعض المحللين السياسيين إلى الاعتقاد أن طرح قضية تمثيلية الشعب الفلسطيني من طرف منظمة فتح دون غيرها, كانت بفعل اللوبي الصهيوني لأن إسرائيل كانت تريد التخلص من دور عاهل الأردن( الملك حسين آنذاك) في القضية الفلسطينية, لاسيما و أنه كان هو الوحيد الذي في استطاعته إحراج الكيان الصهيوني قانونيا على المستوى الدولي بالمطالبة بالعودة إلى خطوط ما قبل يونيو 1967 ارتكازا على مضمون نص قرار مجلس الأمن رقم 242 و الذي صدر كما هو معروف في وقت لم تكن فيه منظمة التحرير الفلسطينية قد ظهرت بعد. كما أنه من المحتمل جدا أن يكون اللوبي الصهيوني قد لعب دورا كبيرا في تمكين الموساد من الاستماع و التنصت على مؤتمرات القمة العربية المنعقدة في الستينات.
ولقد ورد في كتاب "المفاوضات السرية بين العرب و إسرائيل" أن الجنرال المغربي الدليمي حمل سنة 1976 أول رسالة من رئيس الوزراء الإسرائيلي "إسحاق رابين" إلى الرئيس المصري أنور السادات. كما جاء فيه أن اللوبي الصهيوني بالمغرب عمل جاهدا من أجل ترتيب أول اجتماع سري بين مبعوث رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن(الجنرال موشي ديان) و مبعوث الرئيس السادات (حسن التهامي) في شتنبر 1977. ومن القضايا التي ساهمت في كشف قوة اللوبي الصهيوني بالمغرب أساليب و آليات الدعوة إلى التطبيع مع إسرائيل. فمن المعروف أن المغرب كان الداعي لأول مؤتمر اقتصادي بين العرب و إسرائيل سنة 1992 في الدار البيضاء. وكان هدا المؤتمر محاولة جريئة في تطبيع العلاقات العربية الإسرائيلية. وقد اعتبرها البعض من بصمات فعل اللوبي الصهيوني.
كما أن تتبع جملة من المواقف و الممارسات و المهام من شأنها توضيح وجود اللوبي الصهيوني بالمغرب.
لقد أكدت "ستيلا" و هي ابنة عم أبراهام السرفاتي أن الشخصيات و الأعيان اليهود المغاربة رفضوا التوقيع على عريضة الاستقلال بإيعاز من اللوبي الصهيوني. كما أن الكل يعلم أن "سيرج بيرديغو"(و هو وزير سابق للسياحة بالمغرب) تربطه علاقات وطيدة بحزب ميفدال الإسرائيلي و هو حزب يميني متطرف, كما أنه هو الكاتب العام للطائفة اليهودية بالمغرب و آنذاك عمل على إعداد العدة لتنظيم مؤتمر المنظمة الصهيونية العالمية بمراكش. و هدا "روبير أصراف3 الذي كان صديقا حميما للجنرال أفقير و كانت تربطه به علاقات وطيدة أثارت أكثر من جهة علاقته بالمخابرات الإسرائيلية(الموساد) و دوره المتميز و الفعال في ترحيل و تهريب اليهود المغاربة إلى إسرائيل, وحضوره أكثر من مرة كمؤتمر بالمنظمة الصهيونية العالمية رغم أن الأمم المتحدة تعتبر الصهيونية شكلا من أشكال العنصرية المنبوذة من طرف العالم بأسره.
ومن الأحداث كذلك عقد لقاء سري سنة 1999 بفندق "الميراج"(أي السراب) بمدينة طنجة جمع بين مسؤولين إسرائيليين و مسؤولين مغاربة و لم يعلم أحد ما دار في دلك الفندق الواقع خارج المدينة في منطقة منعزلة.
ومن بصمات اللوبي الصهيوني كذلك الحملة التي استهدفت الفنان الساخر المغربي أحمد السنوسي وكل من أحيوا يوم انتصار الشعب اللبناني على إسرائيل والدي نظم في غضون سنة2000. و ما هده إلا علامات لوجود هدا اللوبي و هدا ما دفع الدكتور المهدي المنجرة أكثر من مرة إلى القول بأن الصهاينة يتحكمون في أكثر من بلد عربي.
وهدا من جهة أخرى دفع البعض إلى التساؤل حول إمكانية وجود لوبي مغربي بإسرائيل. فادا كان من المعروف و المعلوم أن لليهود تأثيرا واضحا في العالم, لأنهم شكلوا ولازالوا قوة فاعلة و مؤثرة في الولايات المتحدة الأمريكية, فهل اللوبي المغربي بإسرائيل, في حالة وجوده فعلا, في استطاعته القيام بمثل هدا الدور داخل الكيان الإسرائيلي و بدلك تكون له إمكانية التأثير حتى في اللوبي اليهودي بأمريكا و بالتالي في العالم؟ فهل هده حقيقة أم مجرد وهم؟ وهل هناك فعلا ما يدعو للحديث عن إمكانية وجود لوبي مغربي بإسرائيل؟
يعرف الجميع أن وضعية اليهود بالمغرب في الخمسينات و الستينات من القرن الماضي كانت مريحة و آمنة أكثر من أي بلد آخر في العالم, وربما حتى أكثر من أمريكا نفسها. آنذاك كان عصر ازدهار الجماعات اليهودية و حيويتها بالمغرب. فالآباء و الأجداد لازالوا يتذكرون أجواء حفلات "ملاح"(حي اليهود) بمدينة فاس و سلا و صفرو و ميدلت و مدن أخرى حيث تعايش اليهود المغاربة ضمن قبائل الأطلس و الجنوب وتافيلالت ودلك بالرغم من دسائس الاستعمار الرامية إلى التفرقة, وهو الذي لم يبخل بأي جهد على امتداد قرن من الزمن لبلوغ مراميه. آنذاك نشط أتباع الصهاينة كثيرا, لاسيما أولئك الدين تشبثوا بالكذبة الاستعمارية الصهيونية و تعلقوا بأهدابها حتى أضحت حقيقة أمر واقع مفروض. وتكفي مضامين مؤلفات "اندري شوراقي" لتبيان دلك.
لقد ظهرت أولى علامات تأسيس لوبي مغربي مند المفاوضات المرتبطة باستقلال المغرب اد طرحت هجرة اليهود المغاربة إلى إسرائيل بحدة. وقد تم الاتفاق كما سبق الذكر على ترتيبات لتسهيل هجرة جماعية إلى الكيان الإسرائيلي. و التتبع لهده العملية لاشك أنه لاحظ في غضون عشر سنوات وصل عدد اليهود المغاربة المرحلين إلى إسرائيل قد فاق300 ألف شخص. كما حصل الاتفاق على السماح لليهود النازحين بإبقاء صلات مع دويهم, اد ظل بالمغرب ما يناهز200 ألاف يهودي مغربي. و قد قيل آنذاك أن المؤسسات اليهودية(ومن ضمنها الحكومة الإسرائيلية) قد تعهدت بالعمل على التعاون للحفاظ على استقرار الأوضاع بالمغرب. و عموما كانت هجرة اليهود من مراكز تجمعهم مقيدة بشروط معينة في باقي الدول, إلا أن التجمع اليهودي بالمغرب لعب دورا أساسيا في الهجرة و تعمير إسرائيل, خصوصا وأن يهود أمريكا تم يكونوا راغبين في الهجرة للاستقرار بالكيان الإسرائيلي رغم استعدادهم الكبير و غير المشروط للدعم المالي و السياسي و الدبلوماسي و الاقتصادي و العسكري, اد أنهم فضلوا المكوث بالولايات المتحدة الأمريكية. أما يهود وسط أوروبا و شرقها, نظرا لوقوعهم تحت هيمنة الاتحاد السوفياتي فقد كان من العسير عليهم أن يهاجروا جماعات جماعات بدون مضايقات. هكذا كان اليهود المغاربة مصدر الهجرة الواعدة آنذاك. وليس خاف على أحد أن يهود المغرب, في أغلبيتهم الساحقة, كانوا يتطلعون بشوق كبير و حماس عظيم للمشروع الصهيوني آنذاك بفلسطين المغتصبة, و دلك بفعل التأطير القوي لدعاة الصهيونية.
وقد يقول قائل أن التجمع اليهودي بالمغرب لم يكن هو الأهم في العالم من حيث العدد. فعلا, من المعروف أن اليهود انتشروا مند القدم حوت البحر الأبيض المتوسط الذي شكل بؤرة التجارة العالمية, و في هدا الإطار كان المغرب يعتبر من أكبر مراكز تجمع اليهود. إن عددا كبيرا منهم كانوا قد فروا من الأندلس للاستقرار بالمغرب, و حسب الإحصائيات المتوفرة كان المغرب يحتل المرتبة الثالثة في هدا الصدد بعد أمريكا(6 ملايين) و أوروبا الوسطي و الغربية قبل الحرب العالمية الثانية(3 ملايين من الأشكناز و هم يهود الغرب) ويأتي بعدها المغرب(700 ألف و معظمهم من السافرديم و هم يهود الشرق). وهده مؤشرات من شأنه تأكيد دور اليهود المغاربة بإسرائيل مند نشأتها إلى حد الآن. فالدارس لتاريخ اليهود المغاربة يعرف حق المعرفة مواقع تأثيرهم في إسرائيل, مجتمعا و دولة و حكومة, حيث أن لهم هناك حزب سياسي يعتبر من أهم الأحزاب ذات الثأتير رغم عدم بروزها بالشكل الواضح و الجلي( حزب الشاس), علاوة على أنهم يشكلون عمودا أساسيا في البناء السياسي الإسرائيلي. و لا يخفى على أحد أن الساسة الإسرائيليين يحسبون ألف حساب لعلاقة المغرب بيهوده و لدورهم في قلب المجتمع العبري. ومند كانت هجرتهم في أوجها بدأت تطفو على السطح عدة تساؤلات على صعيد الدوائر العليا للدولة بالمغرب فيما يخص الموقف من إسرائيل و كيفية النظر إليها و التعامل معها. اد ظهرت علامات مند مند الخمسينات و فجر الستينات تشير إلى أنه ظلت صلات بين المغرب و إسرائيل حينما برزت أهمية الجالية اليهودية بالمغرب نظرا لغناها و نفوذها بين يهود الولايات المتحدة الأمريكية و حتى يهود إسرائيل الدين كان من ضمنهم يهود من أصل مغربي هاجروا مبكرا إلى فلسطين. ومن الواضح أن اليهود المغاربة لعبوا دورا حيويا في الاتجاه الذي سارت فيه الدولة العبرية و حكوماتها. ويمكن استشفاف هدا الأمر انطلاقا من الدور الذي لعبه المغرب في تهيئ الشروط الحاسمة التي أعطت الانطلاقة لمسلسل السلام بالشرق الأوسط رغم التناقض الظاهر لمواقف حزب الشاس من القضية, وهو حزب ساهم في تقويته اليهود من أصل مغربي.
كما أضحى معلوما أن المغرب عمل على تأسيس منظومة من العلاقات بباريس اخترقت حتى أجهزة الأمن و المخابرات الفرنسية, و كانت هي الانطلاقة للوصول إلى اختراق الموساد. ومن المؤشرات التي تفيد بدلك مشاركة الموساد بدور نشيط في تتبع تحركات المهدي بنبركة و خطة إيقاعه ثم اختطافه, و هدا ما أوضحته وثائق ملف التحقيق في قضية اغتيال المهدي بنبركة بعد سقوط طابع سر الدولة عنها.
و اليهود من أصل مغربي يشكلون اكبر جالية يهودية وافدة على إسرائيل اد أن عددهم يناهز 900 ألف نسمة. وقد ساهموا في مختلف مجالات حياة المجتمع الإسرائيلي و ولجوا الوظائف الحكومية و السياسية و منهم نواب في الكنيست أو مناصب حساسة و استراتيجية, و على سبيل المثال لا الحصر يمكن ذكر دافيد ليفي الذي كان وزيرا للخارجية و هو المولود بالمغرب حيث قضى شبابه بمدينة الدار البيضاء و الرباط و عيره كثيرون في مختلف المجالات.
إن كل ما سبق يشير بقوة إلى احتمال كبير لإمكانية وجود لوبي مغربي بإسرائيل, ويبدو أن المغرب من بين البلدان القلائل الدين يتوفرون على هده الوضعية. فهل في امكان هدا اللوبي الفعل في اللوبي اليهودي بالولايات المتحدة الأمريكية في اتجاه يخدم المغرب أم لا ؟ أم أن هده الوضعية تعتبر في واقع الأمر نقمة لأن العم سام و معه أوروبا لن يسمحا لأي بلد من الجنوب إن يتوفر على مثل هدا اللوبي الذي من شأنه الفعل على الصعيد الدولي سواء مباشرة أو بطريقة غير مباشرة؟؟ و هدا مجرد تساؤل الداعي إليه هو الآتي :
إن اللوبي الإسرائيلي يلعب دورا مهما على الصعيد العالمي و هدا أكيد و لا نقاش بصدده. كما أن هدا اللوبي مرتبط ارتباطا عضويا بإسرائيل التي فيها لوبي مغربي لديه من الشروط للتوفر على قدرة الفعل, فهل يمكن لهدا اللوبي إن يخدم مصالح المغرب و القضية العربية بشكل أو بآخر؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
 


المقاطعة ….والمصالح الإسرائيلية ببلادنا

أكثر من جهة نادت ولازالت تنادي بمقاطعة المواد والمنتوجات والخدمات ذات الصلة بشكل أو بآخر بإسرائيل أو بحليفتها التاريخية والاستراتيجية: الولايات المتحدة الأمريكية. وهذا التصرف من قبيل أضعف الإيمان بالنسبة للمواطن العادي الذي يعاين يوميا تقتيل الشعب الفلسطيني في ظل صمت العالم ونكايته. لكن المطالبة بالمقاطعة، بالإضافة للمواد والمنتوجات الظاهرة والمعروفة. يجب أن تطال كذلك المصالح الإسرائيلية والتصدي إليها.
وهناك مصالح إسرائيلية كثيرة ببلادنا وفي أكثر من بلد عربي. لاسيما وأن الإسرائيليين تمكنوا من التسرب بمختلف الأشكال في جملة من القطاعات الاقتصادية وتمكنوا من إرساء مصالح أكيدة تساهم في تمويل الآلة الحربية الإسرائيلية مباشرة.
وقد يقول قائل أن العلاقات انتهت رسميا مع إسرائيل منذ 23 أكتوبر 2000، في عهد نتنياهو، مع إقفال مكتب الاتصال الإسرائيلي، على مختلف الأصعدة ومن ضمنها العلاقات الاقتصادية والتجارية إلا انه في الأيام الأخيرة قامت مجموعة من الفعاليات المغربية بتوجيه التماس إلى عبد الرحمان اليوسفي لمطالبته بمنع استيراد أي منتوج قادم من إسرائيل إلا أن وزيرنا الأول لم ير من الأجدى أن يولي الاهتمام لهذا المطلب لهذا كافي زيادة للتساؤل حول استمرار العلاقات التجارية بين بلادنا و إسرائيل، لكن ألا توجد علاقات من تحتها" لا " تخفى على القائمين على الأمور، و من ضمنهم الوزير الأول ؟.
فمن الأكيد كذلك أنه كانت هناك علاقات تعاون على الصعيد العسكري مع إسرائيل لا سيما بعد معاهدة أسلو سنة 1993وهذا ما تطرقت إليه أكثر من جهة و لم يتم تكذيبه في حينه.
و لا يخفى على أحد أن في منتصف تسعينات القرن الماضي لم يفت الإسرائيليون أي فرصة للاستثمار ببلادنا. ألم يتم توقيع اتفاق بين الخطوط الملكية الجوية و شركة عال الإسرائيلية عندما كان سيربح بريدكو وزيرا للسياحة ؟ كما أنه في تلك المرحلة بالضبط سمعنا عن مشاريع بين رجال أعمال مغاربة و إسرائيليين رغم أنها لم تر النور كلها و لم تجسد على أرض الواقع مثل مشروع هنا مردخاي في القطاع السياحي بأكادير و محاولة المجموعة المالية الإسرائيلية كول بيس بروجكت إحداث فرع لها بالبيضاء من طرف دافييد عامران وهو ضابط سامي سابق بالجيش الإسرائيلي هذه المشاريع لم تكتب أن تر النور لكن أليس هناك مشاريع أخرى أنجزت فعلا ألم تستثمر رؤوس أموال إسرائيلية في قطاع التجهيزات و التكنولوجيا الفلاحية، لا سيما فيما يرتبط بالماء و السقي ؟ ألم تتكلف شركة " تاهال " بتطهير المياه ببن سليمان و استعمالها في سقي ملعب بهذه المدينة ؟ ألم يكن هناك حضور إسرائيلي بارز في مشروع ضيعة التجارب بأزمور ؟ ألم تنشأ شركات ترميم آلات و تقنيات السقي و شركات الملاحة البحرية بمساهمة رؤوس أموال إسرائيلية ؟ فمن الأكيد أنه في تلك الفترة قامت عدة وفود مغربية بزيارة إسرائيل و عدة وفود إسرائيلية بزيارة المغرب، و أغلب عناصرها كانوا من رجال الأعمال و أصحاب رؤوس الأموال في السبعينات كانت الشركات الإسرائيلية تبيع تجهيزات فلاحية للمغرب مباشرة، و بعد ذلك استمرت هذه المبيعات بواسطة الشركة الهولندية " سلويس و كروت " و غير من الشركات الأوروبية لا سيما تلك المستقرة بقبرص، و في هذا المضمار ساهم البنك الدولي في تمويل جزء من واردات بلادنا في هذا المجال و بهذه الطريقة و لجت منتوجات شركة " نيطافيم " إلى الضيعات المغربية و لا زال الرأي العام يتذكر فضيحة بذور الطماطم المستوردة من إسرائيل
و في هذه الفترة تمكنت بعض الشركات الإسرائيلية مع أخرى أوروبية مثل فيف كونترول " و هي إسرائيلية " و ريكافيم و قيل أنها إسرائيلية إسبانية شركة " زيماك " و شركة «تاهال" و شركة "سوبروما" و شركة "حيفا شيميكال" و شركة "مارتيشيم".
فشركة "زيماك" المحدثة بالدار البيضاء سنة 1983 هي في الحقيقة فرع لشركة "زيم" للملاحة و التي تساهم فيما الدولة الإسرائيلية بأكثر من 48% في رأسمالها و هي تؤمن رحلة بحرية مرة أو مرتين أو ثلاث مرات بين أشود ) حيفا – برشلونة – الدار البيضاء ( وشركة تاهال فهي متخصصة في تكنولوجيا السقي الزراعي، ساهمت في إقامة مشاريع بين سليمان و بوجدة أما شركة ريكافيم فقد أنشئت سنة 1993 كشركة إسبانية و هي فرع لشركة " نيطافيم الإسرائيلية و هي متخصصة كذلك في التكنولوجيا الفلاحية و هناك كذلك شركة "سوبرومان" المتخصصة في شتائل الموز و بذور الطماطم.

أما شركة " حيفا شيميكال" هي  متخصصة في الأسمدة و ممثلة من طرف الشركة الفلاحية لسوس و هناك شركة مارشيم" و هي ممثلة من طرف الألمنيوم الفلاحي لسوس.
ولقد حضر رجال أعمال إسرائيليين لبلادنا للمشاركة في المؤتمر العالمي للماء في شتنبر 1997 المنعقد بمراكش إلا أنه ابتداء من سنة 1999 أصبحت الأمور تجري في الخفاء اعتبارا لتوسع مدى الجولة الثانية للانتفاضة الفلسطينية لكن هذا لم يمنع رواج و ترويج المنتوجات الإسرائيلية ببلادنا حيث تم تسجيل سنة 2000 ارتفاع المبيعات بنسبة 18% على الأقل.
فمن المعلوم أن تقنيات السقي الإسرائيلية تغطي أكثر من 32000 هكتار ببلادنا، علما أن 60% من الفلاحين الذين يتعاطون للبواكر يفضلون التجهيزات و التقنيات الإسرائيلية، لا سيما التي تدعي «بابريلا" و " ووادانيلا" من الصعب التخلي عنها من طرف الفلاح المغربي لأنها تهم أكثر من 5000 هكتار و لأن منتوج الطماطم المصدر يحقق رقما للمعاملات يناهز مليارين من الدراهم، علما أن 85% من الفلاحين يستعملون البذور الإسرائيلية.
فكيف تصل المنتوجات الإسرائيلية إلى بلادنا في حين لا وجود لأي علاقات تجارية ؟ الجواب بسيط جدا، إن الشركات الإسرائيلية تبيع امتياز تلفيق سلعها لشركات أوروبية ) إيطالية أو أسبانية ( و بالتالي يختفي المصدر الأصلي و الحقيقي للمنتوج، أو أن فروع شركاتها بالمغرب تقوم بفتحها و تأسيسها شركات إسبانية، و هذا ما هو حاصل بالنسبة لشركة «ريكافيم" و هي ممثلة في أكثر من مدينة ببلادنا، و التي تعتبر رسميا تابعة للشركة الأم ريكابير برشلونة و لكنها في واقع الأمر هي فرع من فروع نيطافيم و هي شركة إسرائيلية عابرة القارات.
أما بأية و وسيلة تصل المنتوجات الإسرائيلية إلى ببلادنا فهناك خط بحري تؤمنه شركة "زيماك" و هي فرع لشركة زيم أن المنتوجات تنتقل من حيفا ) أشدود ( إلى برشلونة و من هناك تأتي إلى الدار البيضاء كمنتوجات أوروبية.

و إذا علمنا أن جملة من المساعدات المسلمة للمغرب من طرف الإتحاد الأوروبي هي مرصود لاقتناء تجهيزات السقي و التقنيات المرتبطة بها فهذا يجرنا إلى التساؤل التالي: فهل هذه المساعدات مرصودة لاقتناء تجهيزات السقي و التقنيات منتوجات إسرائيلية ليس إلا ؟ و يبدو أنه لكل هذه الأسباب و غيرها لم يبادر الوزير الأول للإجابة على ملتمس توقيف قبول المنتوجات الإسرائيلية ببلادنا. وكل هذا يجرنا كذلك إلى التساؤل حول و جود لولبي إسرائيلي بالمغرب ؟ ولعل أول المجالات التي قد تستقطب الأنظار، المجال العسكري.
فلقد كتب الكثير هنا و هناك حول إمكانية حدوث تعاون عسكري بين المغربي و إسرائيل و هناك مؤشرات قديمة في هذا الصدد.
لقد جاء في كتاب أحمد البخاري أن تعيين الجنرال أفقير سنة 1959 على رأس الأمن الوطني عوض محمد الغزواني كان بإيعاز من "إيسير هاريل" رئيس الموساد، و كذلك الشأن فيما يخص اضطلاع المخابرات الأمريكية بإعادة هيكلة المصالح الخاصة بالمخابرات المغربية.كما أنه في كتاب" أنيس بنسيمون " المعنون " الحسن الثاني و اليهود أن الجنرال أوفقير كان على علاقة بالموساد و انه ساهم في تسهيل مهمة المنظمة السرية: " ميسيكري" المحدثة من طرف إسرائيل للإشراف عن ترحيل اليهود المغاربة إلى أرض الميعاد.
و لعل اللوبي الإسرائيلي بدأ في إرساء دعائمه ببلادنا مع بداية الترويج للكذبة الصهيونية الاستعمارية مع تهافت المتشبثين بأهدابها و على رأسهم آنذاك " أنظري شوارق" الكاتب العام للرابطة الإسرائيلية العالمية و هو الذي اهتم أكثر من غيره بدراسة أحوال اليهود شمال إفريقيا، كما ساهم بشكل كبير في تسميم عقول الشباب اليهود المغاربة آنذاك عبر الجريدة الصهيونية " نوار " و هكذا… كانت البداية لتكوين اللوبي من طرف الصهاينة و المتصهينين. و يفيدنا التاريخ حول أولى هجمات هذا اللوبي بمناسبة صلاة " بيصاح" { أي السنة القادمة في القدس }، إذ تم استغلالها للكذبة الصهيونية ببلادنا على يد أحد " رسل " الصهيونية و أبرز مؤطريها آنذاك بالمغرب " برو سيبير كوهن " فمنذ بدأت تقوية قاعدة اللوبي الإسرائيلي ببلادنا للحرس على تحقيق كلما من شأنه خدمة المشروع الصهيوني آنيا و مستقبلا لقد عمل اللوبي الصهيوني العالمي على خلق صلات بين المغرب و إسرائيل منذ خمسينات القرن الماضي و يذهب بعض المحللين إلى الاعتقاد أن طرح قضية تمثيلية للشعب الفلسطيني من طرف منظمة فتح دون غيرها، كانت بفعل هذا اللوبي لأن إسرائيل كانت تريد التخلص من دور عاهل الأردن { الملك حسين آنذاك } في القضية الفلسطينية، لا سيما و أنه كان الوحيد الذي يستطيع إحراج الكيان الإسرائيلي قانونيا بالمطالبة بالعودة إلى خطوط ما قبل يونيو 1967 ارتكازا على مضمون قرار مجلس الأمن رقم 242 الصادر في وقت للم تكن فيه منظمة التحرير الفلسطينية قد ظهرت بعد.
كما أنه من المحتمل أن يكون ذلك اللوبي قد لعب دورا كبيرا في تمكين الموساد من الاستماع على مؤتمرات القمة العربية المنعقدة في الستينات.
فلقد جاء في كتاب:" المفاوضات السرية بين العرب و إسرائيل " أن الجينرال الدليمي حمل سنة 1976 أول رسالة من رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين: إلى الرئيس أنور السادات.كما جاء فيه أن اللوبي الإسرائيلي بالمغرب عمل جاهدا من أجل ترتيب أول اجتماع سري بين مبعوث الرئيس السادات { حسن التهامي } و مبعوث رئيس الوزراء الإسرائيلي { مناحيم بيغن } و { الجنرال موشي ديان } في شتنبر 1977 و من القضايا التي ساهمت في كشف قوة اللوبي الإسرائيلي ببلادنا و أساليب و آليات الدعوة إلى التطبيع مع إسرائيل , فمن المعروف أن بلادنا كانت الداعية و الراعية لأمل عقد مؤتمر اقتصادي بين العرب و إسرائيل سنة 1992 في الدار البيضاء . و كان هذا المؤتمر محاولة جريئة في تطبيع العلاقات العربية الإسرائيلية ،و قد اعتبرها البعض من بصمات فعل اللوبي الإسرائيلي بامتياز
كما أن تتبع جملة من المواتيق و الممارسات و المهام من شأنها توضيح وجود لوبي إسرائيلي ببلادنا.
فالكل يعلم حاليا أن سيرج بير ديكو، و هو الوزير السابق للسياحة تربطه علاقات وطيدة بحزب" ميفدال " الإسرائيلي و هو حزب يميني متطرف. و قد عمل سيرج هذا على إعداد العدة لتنظيم مؤتمر المنظمة الصهيونية العالمية بمراكش سابقا.

ومن الأحداث التي تسير في هذا المسار عقد لقاء سري سنة 1999 بفندق" الميراج " بطنجة جمع بين مسؤولين مغاربة و مسؤولين إسرائيلين، لم يعلم أحد ما دار فيه.
كما انه من بصمات اللوبي الإسرائيلي ببلادنا الحملة المسعورة التي استهدفت الفنان السنوسي.
و كل هذه المؤشرات تدفع إلى الاعتقاد بوجود لوبي إسرائيلي ببلادنا و لعل من هذا المنطق يجب النظر في إشكالية المقاطعة.


قضايا الفعل السياسي

صناعة القرار السياسي

 إشكالية التعددية الحزبية ظروف النشأة

رأي في الحركات الاسلامية

أحزاب تحول دون استكمال الانتقال الديموقراطي

تنحي اليوسفي ليس في مستوى مساره الطويل

الاتحاد الاشتراكي بين الموت و الاستجابة لسياق التحولات

 

 

 

صناعة القرار السياسي بالمغرب


لقد لاحظ الجميع أن أهم القرارات التي عرفها المغرب منذ سنتين الى الآن كانت صادرة عن القصر و أن أجدى المشاريع في مختلف القطاعات و الميادين كانت خلال هذه الفترة من صنع القصر و إبداعه. و قد تأكد هذا المسار في وقت كثر فيه الحديث عن المسلسل الديموقراطي و التناوب على السلطة بمفهومها الجديد. كما أنه خلال هذه الفترة بالذات ظهر نوعا من الهجوم و التراجع واضح المعالم في مجال الحريات و حقوق الإنسان، لاسيما حرية التعبير و الصحافة.
و منذ بدأ الحديث عن التناوب اعتقد الجميع أنه ستحدث تغييرات فيم يخص آليات اتخاذ القرارات، لاسيما فيما  يتعلق بإقتسام السلطة بين القصر و الفاعلين السياسيين بالمغرب، بل  أكثر من هذا، هناك من تحدث على نموذج الملكية البرلمانية على غرار الملكية في بريطانيا. إلا أن المسار على أرض الواقع اتخذ اتجاها آخر مخالفا لما كان منتظرا. لاسيما و أنه تبين أن التناوب التوافقي كان بالأساس لإعادة ترتيب الأوراق و التوازنات، و قد لعب عبد الرحمان اليوسفي دورا حاسما و حيويا في هذا المضمار. و سرعان ما ظهر من جديد أن آليات القرار لا تتخطى دائرة القصر و الدائر الاستشارية و الهيئات التقنوقراطية غير المسيسة ذات العلاقة الوثيقة بمركز الحكم. و هكذا تبين أن المسلسل الديموقراطي مازال في في بداية بداياته بالمغرب،  لاسيما و أن حكومة إدريس جطو، ذات طبيعة تختلف عن حكومة اليوسفي، إذ أنها ذات بنية  تقنوقراطية، و قد تقوت هذه البنية بجلاء بفعل قصور الفعاليات السياسية في التأثير على القرارات المتخذة. و هكذا أضحى القصر يقود مشروع الاصلاح و مشروع المجتمع الحداثي لدرجة أنه يظهر كفاعل أول و وحيد على أرض الواقع  في هذا المجال، و لا يظهر أثر لا للأحزاب السياسية و لا للبرلمان و لا للنخبة السياسية في هذا الصدد.
و زاد الطين بلة في وقت تجلى فيه ضعف الساسة و عدم كفايتهم و ابتعادهم عن تحمل المسؤولية و ممارستها. و بذلك أضحت الساحة خالية  لتدخل التقنوقراطيين الذين أصبحوا يساهمون بشكل كبير في صياغة القرار عوض السياسيين كما هي القاعدة في كل الديموقراطيات. و تنضاف الى ذلك  وضعية البرلمان الحالية و واقعه، لاسيما فيما يرتبط بفساد ممثليه و دورهم الصوري و عدم قدرتهم على القيام بدورهم، لاسيما فيما يخص المراقبة و المتابعة و قوة الإقتراح. و لعل هذا الواقع، علاوة على فشل الأحزاب و النخبة السياسية يشكلان السبب الرئيسي في تغيير مجرى السياسة و الحكم بالمغرب حاليا. لقد كان من الضروري أن يسد القصر الفراغ، و قد نتج عن هذا الوضع اضطلاع أشخاص غير منتخبين، و إنما مختارين، بالتحكم في آليات بلورة القرار بالمغرب. و أضحى هؤلاء، في الواقع الفعلي، يقومون  مقام الساسة و أحيانا كثيرة مكان المؤسسات الدستورية.
و هذه نتيجة طبيعية و منتظرة بفعل ضعف الحقل السياسي الناتج عن ضعف تعبئة المواطنين من طرف الأحزاب السياسية المغربية، أي و بكل بساطة، فشلت  فشلا دريعا و أفلست إفلاسا واضحا و غير مسبوق على مستوى التأطير و التعبئة، و كذا على مستوى انتاج و إعادة إنتاج النخب المؤهلة. و بذلك تكون الأحزاب المغربية قد فرطت مرة أخرى في موعدها مع التاريخ عندما كان المطلوب منها هو إعادة النظر في نفسها و أوضاعها و مهمتها و دورها، و لم تقم بذلك لحد الآن بل ربما قامت بعكس المطلوب، إذ  بالرغم من أن عدة أصوات نددت بغياب الديموقراطية داخلها و بسيادة ثقافة الزعامة فإن لم تعر أي إهتمام للأمر. و قد وصلت  هذه الأحزاب  الى وضعية أصبحت الملكية – والتي يقال أنها تقليدية- تطالب الأحزاب السياسية بتحديث نفسها.
و الغريب في الأمر أن بعض هذه الأحزاب كانت و لازالت تطالب بالتخلي عن الطبيعة المخزنية للحكم في المغرب في وقت يقود فيه القصر قاطرة الحداثة بالمغرب.
و خلاصة القول أن واقع المغرب الحالي يعرف و يعاين تجميع كل الشروط لاحتكار اتخاذ القرار على كافة المستويات بفعل عدم قدرة المؤسسات الدستورية و الأحزاب السياسية و النخب السياسية على القيام بالدور المنتظر منها.

 


إشـكالـية التـعـدديـة الحـزبـيـة بـالمـغـرب ظـروف الـنـشـأة


إن مشروع المنظومة الحزبية بالمغرب عرف النور في منتصف عشرينات القرن الماضي. وهي منظومة فرضتها قوى سياسية وتنظيمية عاشت ظروفا خاصة في تقلص المجال الحزبي آنذاك وعدم التجانس التنظيمي وضعف التأطير.
وما دام كل مشروع حزبي يختزن في جوهره هيمنة إديوليجية وسياسية، فقد استندت الفكرة الحزبية في المغرب على القومية { والإصلاح كمنظومة سلفية تمحورت أهدافها بالأساس حول مبدأ الإصلاح }
      وبعد الاستقلال عرف المغرب بنية امتدت وتوسعت على شكل هرمي تميزت بتفشي الرشوة والتدبير والركود. وتميز الركح السياسي آنذاك بكثرة الأحزاب المتناقضة مع الطابع المنسجم و المتماسك للجهاز البيروقراطي المهيمن.وهكذا أضحت التعددية الحزبية يقابلها جهاز بيروقراطي متكمن من جميع القطاعات الاجتماعية الحيوية. علما أن حالة المغرب ظلت تعتبر من الحالات النادرة في إفريقيا و العالم الثالث عموما فيما يخص عدم سيادة الحزب السياسي الوحيد، رغم أن الحركة الوطنية شكلت كتلة تاريخية تنظمت من خلال حزب كاد أن يكون وحيدا إلى حدود السنوات الأولى من الاستقلال. وهذه الصيرورة فعلت فيها عوامل سوسيولوجية وعوامل سياسية.
في رأيي ثلة من المحللين فإن التعددية بالمغرب لم يكن لها تأثير كبير ومباشر على النظام السياسي المغربي، كما أن حزب الاستقلال – وهو أعرق الأحزاب المغربية – لم يستطع أن يكون حزبا وحيدا و أن الحركة الوطنية لم تنجح في تجاوز خلافاتها وتحقيق وحدتها.
ومن العوامل التي طبعت هذا المسار، هناك الاختلافات العرقية والجغرافية والاجتماعية والتباينات الإيديولوجية والاختلافات الشخصية، وكلها عوامل أثرت بشكل أو بآخر على صعيد التنظيمات النقابية والجمعيات المهنية وغيرها وليس فقط على صعيد الركح السياسي والحزبي الضيق. وهذه التباينات تعكس في الحقيقة التنوع الاجتماعي الذي ظل يطبع المغرب.
إلا أن هذا التنوع الاجتماعي لا يفضي بالضرورة إلى تعدد في التنظيمات ما دام قد أفضى في دول أخرى عديدة إلى نظام الحزب الواحد.
         وحسب زارتمان – وهو صاحب مؤلف حول التعددية بالمملكة المغربية – فإن كل تنظيم سياسي يمكنه أن يتحول إلى حزب وطني وحيد متى استطاع احتكار الوسائل المادية والإيديولوجية التي تخول له احتواء مختلف الصراعات. لكن متى استطاع احتكار هذا التنظيم هدفه الأساسي في الوصول إلى السلطة وفقد حماسه الحزبي تحول الأمر إلى دولة بدون حزب، و إذا وجدت قنوات بديلة عن السلطة ومنحت الحرية في المشاركة و التنظيم فإن ذلك سيسفر عن تبلور نظام سياسي تعددي.
إلا أن التعددية السياسية بالمغرب منذ انطلاقها شلت حركة التنظيمات السياسية ولم تجعلها تلعب الدور الأساسي في اتخاذ القرارات، إذ أنها ظلت تلعب دور جماعات المصالح دون أن تؤثر في آليات  »خلق السلطة « حسب تعبير » زارتمان «.
إن التنظيم السياسي للحركة الوطنية لم يكن يستند على أسس مصلحية واضحة المعالم، وحزب الاستقلال كان يضم شرائح اجتماعية مختلفة ومن أجيال مختلفة وحرص أن يظل كحزب مهيمن. وفي سنة 1958 تشكلت حكومة ذات أغلبية استقلالية إلا أن برزت في صفوفه خلافات لم يقو على احتوائها فظهرت أحزاب جديدة منافسة له في ذات الوقت الذي عرفت فيه شرخا كبيرا في صفوفه.
     وانسلخ منه حزب جديد هو الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، كما أنه فقد جملة من أطره وشخصياته ذات النفوذ والتي أسست حركة الأحرار المستقلين ) وهي الفائزة بربع عدد المقاعد في الانتخابات الجماعية ( المجالس المحلية في سنة 1960.
إلا أن أغلب المحللين السياسيين يعتبرون التعددية السياسية التي عرفها المغرب سنة 1960 لم تكن عبارة عن تشر ذم سياسي و إنما كانت عبارة عن نوع من التمايز الطارئ في صيرورة إعادة ترتيب الركح السياسي المغربي. وفي هذا المضمار يكون الانشقاق تعبيرا عن اندماج حزب الاستقلال في اللعبة السياسية لا سيما بعدما تخلص من عناصر التحالف الوطني القديم. فحزب الاستقلال كان يضم زعماء تقليديين لهم نفوذ في مختلف أرجاء البلاد، كما ضم التجار و الحرفيين وصغار البرجوازيين، لكن كانت تتزعمه البرجوازية الفاشية بالأساس. أما الاتحاد الوطني للقوات الشعبية فكان يضم زعماء لهم ارتباط بالمدن الصناعية الكبرى ، إضافة للمنشقين من حزب الشورى والاستقلال كما كان له   حضور بارز وسط صغار الموظفين ، وقد استطاع الفوز في انتخابات 1963 في المدن الساحلية من طنجة إلى أكاد ير . أما حزب الحركة الشعبية فإنه تماثل خصوصا مع الشرائح البربرية وشرائح تقليدية تعيش في مناطق فقيرة، وقد تميز هذا الحزب بارتباطه بالملكية وانتقاده الشديد لحزب الاستقلال اعتبارا لسخطه التاريخي على البورجوازية الفاسية.
وهكذا يمكن اعتبار التعددية الحزبية بالمغرب أنها قامت على أكتر من معيار. فهناك صراع الأجيال والصراع الثقافي مدن، بادية، سهول، جبال، والفئات والشرائح الاجتماعية – حداثة – والصراع الجغرافي العرقي.
ومختلف هذه الأحزاب عرفت تمايزا إيديولوجيا وسياسيا، فعلى المستوى الإيديولوجي غالبا ما كان حزب الاستقلال يؤكد على القيم التقليدية في حين يؤكد الاتحاد الوطني للقوات الشعبية على قيم عصرية مستوحاة من التجارب العالمية تجربة اليابان، الدول الاشتراكية إلا أنه لا وجود لفصل إيديولوجي واضح المعالم بين الحزبين، إذ أنهما يؤكدان معا على نفس القيم الوطنية و الدينية دون تحديدها بشكل واضح، وهذا جعل من الصعب تصنيف أي من الحزبين بين العصري و التقليدي. فكلاهما يتبنى بشكل متفاوت مقولات العصرنة و التحديث و الدعوة إلى التنمية الاقتصادية و إلى الديمقراطية والتطور العلمي و التكنولوجي.
وحسب بعض المحللين، فإن الحركة الوطنية المغربية لم تستند على أرضية إيديولوجية واضحة الشيء الذي أدى إلى بروز نوع خاص من الأحزاب بالمغرب، الحزب الزبوني والذي شكل أحد ثوابت الحياة السياسية المغربية. وهذا النوع من الأحزاب لا يقوم على أساس إيديولوجي و إنما يقوم بالأساس على مصالح مشتركة.
ويرى البعض أن هذه الصيرورة التي عرفتها الساحة السياسية المغربية كانت بالأساس نتاجا لطبيعة البنية الاجتماعية المغربية ونظامها السياسي. إن التطور الدستوري الذي عرفه المغرب يعتبر حسب هؤلاء صيرورة تبديل أدى إلى الخروج من السلطنة المخزنية إلى الملكية العصرية. وهذه الصيرورة ألجمت من حرية حركة وحركية الأحزاب المغربية، إذ أضحى التنافس الحزبي قائما ليس فقط على ضرورة تغيير النظام السياسي أو عدم تغييره و إنما بالتنافس حول إشكاليات دستورية بحتة.
وعموما يبدو أن التهميش الذي عاينته الأحزاب المغربية كان نتيجة للتطور العام على مستوى البنية الاجتماعية المغربية ولمناورات سياسية.فعلى سبيل المثال، إن تأميم التجارة الخارجية ومنح بعض الامتيازات للنقابات أفضى حسب البعض إلى إضعاف حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية.كما أن اختفاء الحزب الاشتراكي الديمقراطي وجبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية يعزوه البعض إلى كون أن رجال الأعمال و أصحاب المصالح و الثروات شعروا و أحسوا أن بإمكانهم الدفاع عن مصالحهم و تنميتها بالاتصال مباشرة مع الدوائر العليا في البلاد دون حاجة إلى أي وساطة حزبية كما هو الأمر في دول أخرى. وقد تم دعم هذا بالاتصال مع المؤسسات المالية الدولية. وتكتمل الصورة إذا علمنا أن المشاريع الإنمائية في الميدان الفلاحي قد جعلت نخب و أعيان البادية المغربية ترتبط بالنظام أكثر من ارتباطها بالأحزاب السياسية التي لم تقم على امتداد تاريخ وجودها على اختراق البادية أو التجدر فيها، علما أن العالم القروي بالمغرب كان تحت مراقبة المخزن السلطة ) هكذا كانت نشأة التعددية بالمغرب

 

رأي في الحركات الإسلامية بالمغرب

 


هناك قوى سياسية تستمد أفكارها من الإسلام، موجودة فعليا وفعلا في المجتمع المغربي، هناك منها العلنية والمعترف لها بالشرعية وأخرى محجوب عنها حق الوجود الشرعي وبالتالي محرومة من حق تشكيل حزب سياسي رغم رغبتها في ذلك، وهناك منها من لا ترغب في الشرعية، وهذا الحجب عن الشرعية ومنع تأسيس الحزب أو هيئة سياسية يرتكزان بالأساس على كون القانون ببلادنا لا يسمح بقيام أحزاب على أساس ديني، لكن هذه التيارات التي لا تتوافر حاليا على الشرعية القانونية، هل تتوفر على الشرعية السياسية والاجتماعية والثقافية ؟ وكيف تتعامل تلك التيارات مع الواقع الحالي ؟
 من أكبر التيارات المحجوبة عن الشرعية من حيث الحجم والفعل في الركح المجتمعي هناك جماعة العدل والإحسان. وهو تيار ينعته البعض بتيار الإسلام السياسي.  ومن المعلوم أن الإسلام السياسي ليست ظاهرة جديدة أو وافدة على المجتمع المغربي. فالإسلام السياسي كان دائما يعتبر أحد الثوابت الأساسية في التكوين الحضاري والسياسي للمجتمع المغربي.
 قبل دخول الاستعمار إلى المغرب كانت القيم والأفكار الإسلامية هي السائدة. وهي التي كانت تطبع السلوك السياسي والاجتماعي سواء بالنسبة للنخبة أو العامة، ودون الدخول في حيثيات إشكالية عدم تطابق التصور السائد ( الإسلام الموروث أو التدين الشعبي) مع الإسلام الحق في أصوله وثوابته.
فالإسلام كان يعتبر الدعامة الأساسية للحياة المجتمعية رغم ما انتابه من خلط بين التصورات الشعبية وبين الإسلام كعقيدة وشريعة. لكن الاستعمار في نهاية القرن 19 وبداية القرن 20 أدخل على مجتمعنا أنساقا أخرى للقيم والسلوك للضبط الاجتماعي وبذلك عوض القانون الغربي نظام الشريعة، الشيء الذي أدى إلى حدوث ازدواجية نظامية وقيمية في المجتمع المغربي، وكان الإسلام آنذاك حاضرا بامتياز في الصراع مع التيارات السياسية الدخيلة وقد برز هذا بجلاء منذ القرن الماضي.
 لكن منذ السبعينات حدثت تحولات بمجتمعنا،تأسيس تصور جدري للحركات الإسلامية بلادنا، حيث أنه أصبحت الأفكار ترتكز على تحليل الواقع، والتي اعتبرت أن منظومة المجتمع المغربي مرفوضة بدعوى أنها مقامة بالأساس على " الجاهلية" وعدم التزامه بالأصول الإسلامية ما دامت تعتمد على تصورات ضالة خارجة عن دائرة شرع الله.ف " الإسلام السياسي" ظل كامنا بمجتمعنا، إلا أن تطورات الأوضاع الداخلية والعربية والدولية (هزيمة 1967، تعنت الكيان الصهيوني، هجوم الإمبريالية ) ساهمت بشكل كبير في بروزه، ألم تظهر أولى التنظيمات الإسلامية بالمغرب في السبعينات؟
 هكذا بدأ جيل ينخرط في الفعل السياسي الإسلامي، سريا في البداية وعلنيا بأشكال أو بأخرى منذ سنوات قليلة.
 فمنذ النشأة ركزت الدعاية السياسية على التشكيك في الرموز والقيم وأنماط السلوك السائدة في المجتمع مع الدعوة لتأسيس معايير جديدة للحكم على الثقافة السياسية والاجتماعية السائدة، ومع اتساع الاعتقالات في صفوف أعضاء الحركة الإسلامية فتر فعلها إلا أن دعوتها ودعايتها بين الفئات الشعبية ظلت قائمة على امتداد سنوات منذ منتصف السبعينات، رغم القمع الشديد الذي كانت تواجهه آنذاك. وفي خضم هذا الصراع ظهر تأثير جملة من الأفكار على الركح المجتمعي. مثل أفكار التكفير والمجتمع الجاهلي والهجرة إلى الله وكلها أفكار تلتقي في بوتقة واحدة: إصدار أحكام قيمة على المجتمع والفرد.
 ومن الواضح أن السياسات الرسمية المتبعة عجزت عن مواجهة الأفكار الإسلامية " الساسية" وعن التصدي للتصورات المجتمعية التي رافقتها وبفعل القمع الشرس اتسعت الهوة بين مختلف المؤسسات الدينية الرسمية ومختلف الحركات والجماعات الإسلامية الفاعلة، بشكل أو بآخر في المجتمع المغربي، ووصلت الأمور في نهاية السبعينات إلى مفترق الطرق، حيث عرفت البلاد انعطافا تاريخيا مع اتضاح الهوة بين الدين والدولة والإيديولوجيات الوضعية وتصورات المشاريع المجتمعية المعبر عنها، وبدأت الجماعات الإسلامية الفاعلة في الركح المجتمعي تبحث عن توحيد الصفوف وتقريب الرؤيا، كما ظهرت جماعات صغيرة جديدة أخرى، وكانت للثورة الإيرانية التأثير المباشر على الحركات الإسلامية ببلادنا، حيث برزت بالنسبة للبعض كنموذج لمشروع مجتمعي، لاسيما وأنه أظهرت بجلاء إمكانية مواجهة الغرب بمختلف تلاوينه اعتمادا على الإسلام كنهج ومنظومة سياسية واجتماعية ودولتية قابلة للتنفيذ بامتياز في العصر الحالي. كما جعلت عجز المؤسسات الدينية الرسمية يبرز على السطح بوضوح وبدأت تساؤلات جريئة تحوم حولها أكثر من السابق. لاسيما فيما يخص عجزها التام وشللها الواضح في مواجهة تحديات الحياة عبر تفعيل آليات النهج الإسلامي الحق بواسطة الاجتهاد لمواكبة المتغيرات ومتطلبات التفتح والتصدي للانحرافات.
 وفي غالبيتها دافعت الجماعات الإسلامية على مشاريع إسلامية تعارض الأشكال الرسمية التي انتقدتها بشدة شكلا ومضمونا رافضة المؤسسات الدينية الرسمية التي اعتبرتها مؤسسات موالية، لأنها لا تؤدي دورها المنوط بها وهو الذي يتأسس أولا وقبل كل شيء على تطبيق شرع الله في الدولة والمجتمع.
 وتعتبر حاليا جماعة " العدل والإحسان" الأكثر تجربة وتراثا على مستوى التنظير والممارسة والفعل في الركح المجتمعي والتعامل مع مختلف فئات الشعب، حتى على مستوى المواجهة والتصدي على الركح السياسي وفضاءات المجتمع المدني، علما أن أغلب الجماعات خرجت من عباءة الشبيبة الإسلامية التي عرفت النور بموازاة مع الحركة الماركسية اللينينية منذ فجر سبعينات القرن الماضي.
 ولازالت بعض الجماعات الإسلامية تعتبر أن الديمقراطية منهاج للحياة مخالف لنهج الإسلام الحق. وحسب هذا التصور أن صاحب سلطة التشريع في الأنظمة الديمقراطية يحرم ويحلل، وذلك من شأنه أن لا يتناسب والنهج الإسلامي. وبعضها أعادت طرح إشكالية الجهاد كواجب لتغيير الباطل، رغم السكوت عن هذه الإشكالية وتجنب التطرق إليها بشكل مباشر.
 وعموما عرف الإسلام السياسي ببلادنا تباينا في مواقف الجماعات من الواقع والأهداف المتوخاة وسبل بلوغها، وهي مواقف تختلف بين أطراف النقيضين. فالطرف المتطرف كان دائما يرفض الواقع السائد بأحزابه ومؤسساته ويشكك في شرعيتها ويدعو إلى العزوف عن الانخراط في الأحزاب والساحة السياسية ومقاطعتها، والطرف الاعتدالي، لا يقول بعدم شرعية المؤسسات ولكنه يطالب بتطبيق الشريعة والسماح للتيارات الإسلامية بالممارسة في الشرعية والعلنية.

بشهادة الجميع يعتبر تنظيم " الشبيبة الإسلامية " أول تنظيم حركي إسلامي بالمغرب.
 في البداية، في فجر السبعينات ثم تأسيسي جمعية الشبيبة الإسلامية بواسطة مجلس ضم آنذاك أربعين عضوا من رجال التعليم وكان المسؤول الأول فيها هو عبد الكريم مطيع ينوب عنه إبراهيم كمال وكلاهما من هيئة التعليم وحددت الجمعية جملة من الأهداف تمحورت حول إعادة التربية من أجل تربية إسلامية ومحاربة الأمية والتوجيه والاهتمام بالمرأة ومجموعة من الأنشطة الثقافية والمدنية.
 وفي سنة 1975 اغتيل عمر بنجلون ووجهت أصابع الاتهام للشبيبة الإسلامية واضطر عبد الكريم مطيع لمغادرة البلاد واعتقل إبراهيم كمال نائبه.
 وبعد تهجم الشبيبة الإسلامية على النظام ورموزه تعرض أعضاؤها لحملات قمع شرس لاسيما بعد إصدار عبد الكريم مطيع جريدة " المجاهد" بالخارج سنة 1981، وتعرضوا لاعتقالات واسعة النطاق.
ومنذئذ بدأت سيرورة تشتت هذا التنظيم الذي أفرز عدة جماعات وتوجهات.
منذ بداية سنة 1978 بدأت تظهر داخل الشبيبة الإسلامية اختلافات بين عبد الكريم مطيع والقيادة بالداخل، وتمخض عن ذلك بروز أكثر من توجه:
ـ توجه القيادة داخل الوطن.
ـ توجه مساند لعبد الكريم مطيع المتواجد بالخارج.
ـ توجه يدعو إلى " التبيين ".
ـ توجه يدعى " الحركة من أجل الأمة " الذي ظهر في 1992.
ـ البديل الحضاري الذي برز في 1995.
وتوجهات أخرى قليلة الأنصار والمساندين ففي سنة 1981 التف جزء مهم من مساندي قيادة الداخل حول عبد السلام ياسين وظهرت " أسرة الجماعة " التي أسست في 1983 جمعية الجماعة الخيرية " وفي سنة 1987 رفع شعار " العدل والإحسان «.
 وفي سنة 1981 كذلك ظهرت الجماعة الإسلامية المنبثقة من بعض مساندي عبد الكريم مطيع ومنها انبثقت جماعة " الإصلاح والتجديد " سنة 1982 والتي أنجبت بدورها جماعة " التوحيد والإصلاح «.
 وانبثقت جمعية الشروق الإسلامية من دعاة " التبيين " وهي الجماعة التي توحدت مع الجماعة الإسلامية بالقصر الكبير وجمعية الدعوة الإسلامية بفاس، وفي 1994 ونتيجة للتجميع ظهرت رابطة المستقبل الإسلامي.
 وتحتل جماعة " العدل والإحسان " موقعا خاصا بين التنظيمات الإسلامية الأخرى، حيث أنه رغم الحصار الشديد المفروض عليها تحاول بشتى الطرق والسبل أن تتواصل مع محيطها السياسي والفكري والاجتماعي سواء على الصعيد المحلي أو الدولي. ولعل هذا الحصار الشديد يدفع الجماعة أكثر فأكثر إلى الإصرار وتقوية المجهودات المبذولة من أجل التجدر وسط الفئات الشعبية وتعريفها بمواقفها وآرائها ومناهجها وأهدافها.
فمنذ 1989 برز توجهان:
- العدل والإحسان لعبد السلام ياسين.
ـ الإصلاح والتجديد لبنكيران.
لكنهما وجدا صعوبات كثيرة في تجميع وتوحيد الجماعات والجمعيات المتفرقة.
ومن الشائع لدى المثقفين أن الحركة الإسلامية هي حركة سياسية ترتكز على الدين وتهدف للوصول إلى السلطة قصد تطبيقه حسب منظورها وتصورها ومنهجها.
والحركات الإسلامية المغربية ما زالت لا تعبر عن مميزات خاصة بها تميزها عن الحركات الإسلامية المعروفة على الصعيد العالمي، إنها لا تنهل من ثقافة دينية مغربية وإنما من تجارب ونماذج شرقية (الثورة الإيرانية، الثورة الأفغانية، الإخوان المسلمون...)
والمرء يلاحظ بسهولة التأثير الكبير الذي تمارسه هذه النماذج على الحركات الإسلامية المغربية، علاوة على الأفكار والتصورات فهناك تأثير حتى على مستوى اللباس والهندام.
 
نشر هذا المقال في دجنبر 2000
في البداية تم اعتقال المسمى محمد مرابطين من طرف عناصر من مصلحة المحافظة على التراب الوطني D.S.T بطنجة .
 وهو مواطن ذو جنسيتين فرنسية وجزائرية، سبق له أن حارب بجانب مجاهدي البوسنة والهرسك، وذلك لسبب علاقاته بالإسلاميين المتشددين بالمغرب، لقد ألقي عليه القبض في شهر يوليو سنة 2000، هذا الاعتقال لم يتسرب خبره إلا مؤخرا رغم المدة التي قضاها لدى عناصر المحافظة على التراب الوطني "الديسطي " ومعلوم أن هذه الأخيرة ليست هي الشرطة القضائية، لهذا اعتقالاتها تبقى وتظل غالبا أو دائما في كامل السرية حتى تتمكن من الوصول إلى الاعترافات، والمعلومات اللازمة والمطلوبة أو المرغوب فيها وكامل خيوطاها.
هل المرابطين الجزائري اجتمع عبد السلام ياسين ؟
وحسب أكثر من مصدر مطلع، فإن محمد مرابطين اجتمع أكثر من مرة مع الأستاذ عبد السلام ياسين الرافض للعنف، سواء بطنجة أو بسلا. كما تأكد وجوده بالمغرب إبان أحداث فندق إسني بمراكش 1994 ولقد اعتقل وأطلق سراحه بدون متابعة لانعدام الحجة، بعد هذا توجه محمد مرابطين إلى فرنسا رفقة عائلته دون شوشرة وعائلته مكونة من زوجته الفرنسية من أصل صربي – كرواتي ـ وثلاثة أطفال ظلوا تحت رعاية القنصلية الفرنسية طوال مدة احتجاز الزوج من طرف " الديسطي DST".
لكن لماذا تم اعتقال محمد مرابطين ؟ 
في أواسط شهر يوليوز 2000 أو أواخره تمكنت عناصر من الشرطة والجمارك بطنجة من ضبط حمولة من المخدرات " الحشيش" بإحدى الشاحنات المتوجهة إلى أوروبا كمية تقدر بحوالي 19 طنا محمولة مع كمية من الملابس ومنتوجات نسيجية، وتم القبض على سائقها وهو حامل للجنسية الفرنسية أصله جزائري وليست هي المرة الأولى التي يأتي بها السائق الفرنسي إلى المغرب, وله أسلوب خاص حيث اعتاد ترك الشاحنة بعد دخوله إلى طنجة دون قيادتها إلى المكان المرصودة إليه، حيث كان يتركها ويضل ينتظر عودتها ليقودها ثانية إلى أوروبا، وهذه من التصرفات التي أثارت انتباه رجال الأمن ومما أثار الانتباه كذلك أن الكمية من الحشيش (19 طن) لم تكن مخبأة بطريقة جيدة، وبعد أيام من ضبط الشاحنة المذكورة تم اعتقال جزائري آخر حامل للجنسية الفرنسية كذلك من طرف " الديسطي DST بميناء طنجة وهو يتأهب للصعود إلى الباخرة مع عائلته بسيارة شخصية. فهل هذا الاعتقال له علاقة ب 19 طن من الحشيش التي تم ضبطها بأقل من أسبوع قبل هذا.
مهرب المخدرات له علاقة وطيدة مع الإسلاميين ؟!
والظاهر أن الديسطي DST ربما كانت لديها معلومات وافرة عن الشخص الثاني، حيث اتضح أنه كان مهربا للمخدرات وأصبحت له علاقات وطيدة مع الإسلاميين خاصة المتطرفين علاوة أن تواجده بطنجة قد تزامن مع وجود محمد مرابطين بها.
 
 
إن الأقوال والإشاعات وما راج منذ بضعة أشهر عن احتمال أسلحة قادمة أو مهربة أو ما شابه هذا قد تكون سربت إلى المغرب من عدة دول من أوربا ومن الجزائر ومحتمل جدا أن تكون هذه الأسلحة موجهة خصيصا لضرب مواقع أمريكية وإسرائيلية،
ويعتقد أن اعتقال محمد مرابطين كان في إطار التحريات حول كمية من الأسلحة من الجزائر ومن بعض الدول الأوربية، ويقال ويروج أن تلك الأسلحة كانت مرصودة لمجموعة " البهتي" وهي خلية لإحدى الجماعات السلفية المنظمة جدا، خاصة بالدار البيضاء، وأميرها يدعى " البهتي" .
ما راج في بعض الكواليس بالدا رالبيضاء أن البهتي أمير الجماعة الإسلامية المغربية بالدا رالبيضاء قد تكون له علاقة بالأمير حسن الحطاب الجزائري أمير الجماعة الإسلامية المسلحة الجزائري، الذي يعتبر عند بعض الإسلاميين من الأمراء المعروفين حتى خارج الجزائر.
و هناك شكوك كبيرة حول محاولة المتطرفين الجزائريين في تسريب كميات من السلاح الناري إلى المغرب، وإن كانت بالنسبة لنا مجرد شكوك لأن حسب معلوماتنا لحد الآن ما زال لم يعلن عن أي اعتقال في صفوف منظمة أو جماعة البهتي إلى أنه من المعروف أن غضب هذه المجموعة الإسلامية السلفية منصب على ثلة من فعاليات المجتمع المدني: 1 شخصيات سياسية، 2 اجتماعية مغربية، 3 جميعات نسائية، 4 أمريكية صهيونية.
ويقال أن الخطاب الإيديولوجي الإسلامي البهتي متطابق مع خطاب حسن الحطاب أمير الجماعة المسلحة الجزائرية، هل المدعو البهتي له وجود حقيقي، وهل هذا الاسم مستعار ؟وهناك أقوال تروج على أن البهتي وهابي مؤمن بالوهابية السعودية .
 كما يجب الإشارة إلى أن أجهزة الأمن المصري قد كشفت في نفس الفترة على اعترافات مجموعة المعتقلين الإسلاميين المصريين وغيرهم، والتي مفادها أن مجموعات موزعة على بلدان المغرب العربي كانت تستعد للقيام بهجومات مسلحة تخريبية على مصالح...ومؤسسات..وعلى مؤيدي التطبيع مع الكيان الصهيوني.
و مهما يكن من أمر فان هناك إجماع على صعيد المجتمع المدني حول رفض جميع أشكال التطرف و التنديد بها.
فبعد النتائج التي أدى إليها التطرف أصبح من الضروري ـ حسب البعض ـ من نفض الغبار عما هو معاد للثقافة والحياة في التراث، لاسيما فيما يخص ما بلورته " إيديولوجية الموت " من تكفير التفكير وتبديع الإبداع. تلك الإيديولوجية التي ارتكزت على التفكير القرنوسطى الذي قال أن المنطق تزندق وأن المنطق يؤدي إلى الفلسفة وما يؤدي إلى الكفر كفر، أي المرتكزة على الجوانب المظلمة في التراث، المعادية لنور العقل، واستمدت منه سلاحين من أسلحة الدمار: الرقابة والقتل.
 هذه الإيديولوجية هي المسئولة على أحداث ماي بالدار البيضاء، وقبلها عن دعوى الردة على الفنان محمد عبد الوهاب من أجل أغنية " من غير ليه «، وكذلك الحكم بالردة على نصر حامد أبو زيد، والاعتداء على نجيب محفوظ بالسلاح الأبيض تنفيذا لفتوى بردته من أجل " أولاد حارتنا ".
 لماذا " إيديولوجية الموت " تتبع هذا المنحى؟ تكفير التفكير والمفكرين ويبدعون الإبداع والمبدعين وينشرون الموت والدمار ؟ أولا لأن التعصب متأصل في بنيتهم النفسية ، يوهمهم امتلاكهم للمعرفة الإلهية. وفي واقع الأمر إن التعصب يكون بديلا عن حقيقة لا يستطيع مواجهتها دون التفكير في الانتحار. كما أن المتعصب والمتطرف يكون مسكونا برغبة في توجيه البشرية، وهذه الرغبة مزيج من النرجسية والسادية والميل إلى التلصص، الشيء الذي أدى به إلى فرض وجهة نظره على الآخرين أي على جميع الذين لا يوافقونه الرأي.

 
أحزاب تحول دون استكمال الانتقال الديقراطي


لا يخفى على أحد أن الأحزاب السياسية تعتبر حجر الزاوية في بناء الديموقراطية لاسيما و هي تعكس تعدد الاتجاهات السياسية و تباين و تناقض المصالح بين الطبقات و الفئات الاجتماعية و التصورات
و في هذا الصدد لا يمكن إنكار الدور الفاعل الذي لعبته الأحزاب الديموقراطية بالمغرب و الذي أسفر عنه إصلاحات دستورية و سياسية و هي ذات الإصلاحات التي فتحت باب الأمل في إمكانية تحقيق انتقال ديموقراطي.
إلا أنه اليوم، و أكثر من أي وقت مضى، من الملاحظ أن فعل الأحزاب السياسي بالمغرب قد تراجع و أضحى باهتا إلى درجة تدعو إلى التساؤل حول جدوى وجودها و استمرار تحمل البلاد و العباد انعكاساتها السلبية لاسيما فيما يرتبط بمسار المسلسل الديموقراطي الذي لازال في بداية الطريق.
علما أنه من المفروض أن تساهم هذه الأحزاب في تفعيله و توسيع مداه. لاسيما فيما يتعلق بترسيخ الثقافة و التقاليد و الأعراف الديموقراطية لتأهيل المجتمع المغربي لانخراط فعليا في إنجاز المشروع الديموقراطي الحداثي الذي طالما تطلع إليه المغاربة.
لدينا أكثر من ثلاثين حزبا سياسيا، إلا أن أثر معظمها السياسي و فعلها في الدفع بالمسار الديموقراطي غائبا. و لا تظهر تلك الأحزاب إلا في الانتخابات لتروج نفس الخطاب و نفس الشعارات المستهلكة و لتكريس ذات الممارسات المطبوعة بشراء الذمم لاسيما و أن المجمع لازال غارقا في الفقر و الجهل و الأمية و التخلف و عدم التشبع بمفهوم المواطنة.
لم يعد المغربي يرى في الأحزاب ذلك التنظيم السياسي الذي يحرص على استقطاب الأطر و المثقفين و أصحاب الكفاءات القادرين على بلورة التصورات و تجديد البرامج و اغناء و إثراء الفكر السياسي و التخطيط لتفعيل النشاط الحزبي. كما أنه لم يعد يعاين المناضل بمفهومه الصحيح، ذلك الإنسان المتميز بقناعته و تشبعه بجملة من القيم و المبادئ و المستعد للتضحية و الدفاع عنها.
فما أصبح المغربي يلاحظه و يعاينه هو تهافت الأحزاب على استقطاب رجال الأعمال و أصحاب الأموال مهما كان مصدرها، ما دام هؤلاء في امكانهم شراء كل ما يمكن شراءه للفوز بالمقعد في البرلمان و في الجماعة و الجهة و الغرف، و ما دامت هذه المقاعد هي التي أضحت تحدد أهمية الحزب بالمغرب حاليا.
و فعلا لقد رشحت جملة من الأحزاب أصحاب الأموال رغم عدم وجود علاقة تنظيمية فعلية و ذات مصداقية بها. و هذه من الممارسات التي تجعل النتائج المحصل عليها في نهاية المطاف لا تعبر على التمثيلية الحقيقية لا على المستوى الاجتماعي و لا على المستوى الإيديولوجي و لا على مستوى تصور و مشروع مجتمعي.  و هذه من أبهى الصور لتزييف الخريطة السياسية بالمغرب. و بالتالي يصبح من الطبيعي معاينة عدم الانضباط و الترحال. و هذا لن و لم يساهم في استكمال الانتقال الديموقراطي، بل على العكس من ذلك، عرقل بامتياز المسلسل الديموقراطي.
 
فإلى أين نحن سائرون بالمغرب ؟ انه سؤال مرعب و يدعو إلى التخوف من الغد القريب البعيد بالمغرب.

 
تنحي عبد الرحمان اليوسفي ليس في مستوى مساره الطويل

اعتزل عبد الرحمان اليوسفي العمل السياسي قبل شهور فقط من انعقاد المؤتمر السابع لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، و هذا يدعو إلى التساؤل.
و بعد أن استقال اليوسفي و اعتزل العمل السياسي و أنهى عضويته بالحزب أصبحت قيادة الحزب أمام محك تدبير المرحلة الانتقالية.
و مهما يكن من أمر، فان استقالة اليوسفي تعتبر سابقة بالمغرب. لاسيما و أن السائد عندنا، و مند زمن طويل جدا، هو التشبث بالمواقع و الكراسي الحزبية و السياسية مدى الحياة إلى حد أن بعضها أضحى وراثيا أبا عن جد. و على الكثيرين من ساستنا المغاربة أن يأخذوا العبرة التاريخية و السياسية و الأخلاقية و لمعنوية من هذه الحادثة بغض النظر عن دوافعها و أسبابها و ملابساتها.
فحسب البعض جاءت استقالة اليوسفي و اعتزاله عن السياسة في وقت يعرق قيه المغرب مرحلة الانتظارية كادت أن تخلق السأم على أرضية ملغومة بأكثر من قنبلة ملغومة و موقوتة تؤثثها عدة أزمات خانقة.
و كيف ما كان الحال يعتبر مسار عبد الرحمان اليوسفي من مسارات الرجال الذين طبعوا تاريخ المغرب المعاصر.
انخرط اليوسفي في النضال مبكرا، ففي سنة 1943 و عمره لا يتجاوز 19 ربيعا انخرط في صفوف حزب الاستقلال لاسيما عندما انتقل من مدينة طنجة إلى مدينة الرباط لمتابعة دراسته بثانوية مولاي يوسف و هناك أسس خلية نضالية. و سرعان ما تعرض لمطاردة السلطات الاستعمارية، كما كان الحال بالنسبة لرفيق دربه المهدي بن بركة. و استمر فارا من الاعتقال بين مدينتي أسفي و مراكش قبل أن يستقر بالدار البيضاء لممارسة العمل النضالي السري في صفوف المقاومة. و كان ينشط بالأساس بدرب مولاي الشريف الذي أصبح بعد الاستقلال مشهورا بمعتقله السري الذي مر من غيا هبه مناضلو مختلف الأجيال المغربية بدءا من خمسينات و مرورا بستينات و سبعينات و ثمانينات القرن الماضي.
و كان أول ظهور إعلامي لعبد الرحمان اليوسفي عندما استقبله الملك محمد الخامس صحبة الزعماء الجزائريين، بن بلة و بوضياف و آيت أحمد و خيضر و الأشرف.
لقد كانت بداية لمسار نضالي حافل على امتداد أكثر من 6 عقود، بدءا بالتصدي للمستعمر و مرورا بالمعارضة للمخزن و وصولا إلى قيادة تجربة التناوب التوافقي.
و عبد الرحمان اليوسفي هو أولا و قبل كل شيء رجل قانون، عرف بالتزامه القوي بالنضال الحقوقي، خريج المعهد الدولي لحقوق الإنسان. اضطلع بمسؤولية التنظيم النقابي في صفوف الحركة العمالية بالدار البيضاء من 1944 إلى 1949 و بالعمال المغاربة المهاجرين إلى فرنسا فيما بين 1949 و 1952. و ابتداءا من سنة 1952 مارس المحاماة كمحامي دولي بطنجة.
و مع نفي الملك محمد الخامس إلى مدقشقر سنة 1953 اهتم اليوسفي بتنظيم المقاومة و جيش التحرير إلى غاية 1956. و هي السنة التي حصل فيها المغرب على الاستقلال السياسي الذي و جهت إليه عدة انتقادات صادرة من أكثر من جهة لاسيما عناصر وازنة من المقاومة و جيش التحرير.
و مند غشت 1956 عرف المغاربة عبد الرحمان اليوسفي كرئيس للمجلس الوطني للمقاومة، إلا أنه بعد الاستقلال، إبان حكومتي البكاي و بلافريج، دفعته الظروف مرة أخرى للعمل السري، لاسيما و أنه كان من بين المتأففين آنذاك و المتعالين عن قبول اقتسام الغنائم و تناسي المبادئ. و هكذا سافر إلى فرنسا لمتابعة دراسته العليا. و ذات الوقت الذي عاد فيه عبد الرحيم بوعبيد إلى المغرب للمساهمة في صياغة المشاركة السياسية بالبلاد.
و في سنة 1959، كان اليوسفي أحد مهندسي قيام حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بمعية المهدي بن بركة و محمد الفقيه البصري و المحجوب بن الصديق و عبد الرحيم بوعبيد و عبد اله إبراهيم. و بمناسبة انتفاضة يناير 1959 عاد اليوسفي إلى المغرب لرئاسة الجامعة الجهوية لطنجة حيث اضطلع كذلك بمسؤولية تحرير جريدة التحرير من 1959 إلى 1965. آنذاك كان ميلاد عبد الرحمان اليوسفي المعارض حتى النخاع، و بالضبط منذ دجنبر 1959 عندما اعتقل رفقة مدير تحرير الجريدة، محمد الفقيه البصري، و وجهت لهما تهمة المس بالأمن الداخلي للدولة. و قد تم الاعتماد على افتتاحية الجريدة لتكييف هذه التهمة، إلا أن ملف هذه النازلة تم حفظه بدون تعليق. لكن في يولي 1963 يتعرض اليوسفي للاعتقال من جديد بمعية المكتب المسير للحزب و يحكم بسنتين حبسا مع إيقاف التنفيذ. وبعد الافراج عنه تولى الاشراف على سير الحزب حيث عمل على تصحيح مساره و الذي أدى منذ يوليو 1972 إلى التمهيد لبروز حزب جديد في سنة 1975، حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
و عندما تم اعتقال أعضاء المكتب السياسي للحزب و نفيهم إلى قرية ميسور بجنوب المغرب، قام اليوسفي بتوجيه الحزب و عمله النقابي في إطار الكونفدرالية الديموقراطية للشغل. و ذلك علاوة على نشاطه الحقوقي للدفاع عن الحريات و التصدي للقمع، لاسيما ضمن الأمانة العامة لاتحاد المحامين العرب.
و في نونبر 1965 يغادر اليوسفي المغرب متجها إلى باريس لحضور محاكمة مدبري اختطاف المهدي بن بركة قصد اغتياله. و منذ ئد بدأ منفاه القسري الذي دام 15 سنة. خلال هذه الفترة توبع اليوسفي غيابيا خلال محاكمات مراكش ( 1969-1975)، حيث حوكم بالإعدام. و من فرنسا ينخرط اليوسفي في الحركة الحقوقية، و يصبح كاتبا عاما بالنيابة لاتحاد المحامين العرب من 1969 إلى 1990، و عضوا في المنظمة العربية لحقوق الإنسان و جمعية مناهضة التعذيب، و المعهد العربي لحقوق الإنسان. و في سنة 1975 عين اليوسفي كمندوب دائم للحزب الجديد الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بالخارج، ثم عضوا بالمكتب السياسي للحزب خلال المؤتمر الثالث المنعقد سنة 1978.
و في سنة 1980 يعود اليوسفي إلى المغرب بعد استفادته من العفو،  و يضطلع بتسيير الحزب منذ 8 يناير 1992 بعد وفاة عبد الرحيم بوعبيد.
و بعد شهور فقط يقدم اليوسفي استقالته للتنديد و الاحتجاج على التزوير الذي طال انتخابات شتنبر 1993 و يتوجه إلى مدينة كان بفرنسا بنية الاعتزال عن العمل السياسي. و بعد إلحاح رفاقه في الحزب يقبل من جديد الاضطلاع بمهمة الكاتب الأول للحزب ابتداء من غشت 1995 من أجل قيادة المطالبة بالتعديل الدستوري و الانتخابات قبل الأوان.
و في سنة 1998 يقبل اليوسفي قيادة حكومة التناوب التوافقي، و ظل وزيرا أولا إلى حدود 27 شتنبر 2002.
لقد خاض اليوسفي صراعا مريرا مع الحكم المركزي في سبيل مغرب يؤطره الحق و القانون و العدالة الاجتماعية. و قبيل أواخر مشواره قبل اليوسفي بركوب مغامرة تسيير الشأن العام بغية تحقيق الانتقال الديموقراطي و تحقيق القطيعة مع السنوات الرصاصية.
فمن معارض شديد اللهجة و الممارسة إلى حليف تاريخي للملكية الدستورية، هكذا يمكن وصف مساره هذا الرجل الذي ترك بصماته واضحة في تاريخ المغرب المعاصر. و كان هذا التحول بواسطة الميثاق الذي عقده الرجل مع الملك الراحل الحسن الثاني، في وقت كان فيه المغرب مهددا " بالسكتة القلبية" . آنذاك غامر اليوسفي على أرض ملغومة. و كانت أول خطوة قام بها هي إقناع أعضاء الحزب للانخراط في منظور التناوب التوافقي رغم المعارضة لهذا الاتجاه لاسيما و أن تاريخ الحزب ظل مطبوعا بالمواجهات بينه و بين المخزن على امتداد سنوات طوال.
و عبد الرحمان اليوسفي هو المعرض حتى النخاع، المحكوم عليه بالإعدام أكثر من مرة، ظل وفيا لمساره النضالي إلى النهاية. و عاد مرفوع الرأس إلى المغرب بعد منفى قسري دام طويلا ليخرج حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية من طوق المعارضة التي حكمت مساره منذ نشأته الأولى.
فهل اليوسفي كان جسرا بين مرحلتين متناقضتين؟
و الظاهر أن اليوسفي كان مقتنعا بخوض تجربة التناوب، إلا أن الرياح عصفت في اتجاه لم تكن تشتهيه السفن. و كانت الحصيلة دون قوة درجة الانتظارات الجماهيرية.
و حسب العديدين تظل مرحلة اليوسفي مطبوعة ببروز انتهازيي الحزب الذين ضربوا عرض الحائط جزءا كبيرا من حلم مناضليه الأوفياء. و قد عاب الكثيرون على اليوسفي سهولة قبوله لتنازلات كبيرة في ظل وضع يتميز بوجود جيوب مقاومة التغيير المنشود.
و هذا ما يفسر في نظر البعض الخسارات الكبيرة التي لحقت به في أخر مساره الحكومي السياسي.
و من أهم محطات هذه الحصيلة أن الحزب انشطر إلى عدة اتجاهات، الاتحاد الاشتراكي، المؤتمر الوطني الاتحادي، جمعية الوفاء الديموقراطي و التائهون بين هؤلاء و هؤلائك.
و قاأن هناكأن أهم عمل قام به عبد الرحمان اليوسفي أنه لم يترك للجيش فرصة التدخل, و يبدو هذا هو الالتزام الذي وضع يده على القرآن بسببه في حضرة الملك الراحل الحسن الثاني.كما أن هناك أكثر من صوت داخل الحزب تحمله مسؤولية مآله الذي أصبح عليه.
و إذا كانت استقالة عبد الرحمان اليوسفي قد فاجأت البعض، فان الكثيرين اعتبروا من الطبيعي أن يقدم الكاتب الأول للحزب على تنحية نفسه في هذه المرحلة بالذات. و الظاهر أن المكتب السياسي للحزب لم يكن من عداد المفاجئين و هذا له دلالته الكبرى.
و أغلب قادة ا الأحزاب السياسية المغربية أرجعوا تنحي اليوسفي إلى الخلافات التي تنخر الحزب، و اعتبروها السبب الرئيسي الكامن وراء هذا القرار. و قد اعتبر بعضهم أن الخلافات المتناسلة داخل الحزب منذ المؤتمر السادس كانت كافية و زيادة على دفعه إلى اتخاذ قراره. إلا أن الجميع يتفق أن استقالة اليوسفي تعد خسارة كبيرة للحقل السياسي بالمغرب. و مهما يكن من أمر، فان استقالته كانت واردة، و جاءت لتكشف مدى الخلافات داخل الحزب، و الشرخ في تنظيماته و مؤسساته.
لقد تذرع عبد الرحمان اليوسفي بالسن 79 سنة) و الصعوبات الصحية، لاسيما و أنه يحيا منذ مدة برئة واحدة. إلا أنه من بين مناضلي الحزب من يبلغ 86 سنة و لازال على الدرب صامدا. إلا أن الأسباب الحقيقية و الفعلية للاعتزال تكمن بالأساس في مآل الحزب و وضعيته الحالية و طبيعة النتائج المحققة منذ ولوج تجربة التناوب التوافقي. لاسيما و أن اليوسفي وجد نفسه وحيدا في آخر المطاف لا أحد يدعمه فلم يلق خيرا في الحلفاء و لا في المخزن و لا في الحزب و لا في أصدقائه. هذه الأسباب التي أسرها بمرارة لجملة من مناضلي و مناضلات الحزب.
و يعتقد البعض أن استقالة عبد الرحمان اليوسفي، في هذا الظرف بالذات، تندرج بالأساس ضمن منطق محاولة لتبرئته من واقع سياسي مطبوع بالمكر السياسي و سياسة المكر و الأكاذيب. كما يرجع البعض الآخر أسبابها إلى صدمة تعيين وزير أول تقنوقراطي بعد انتخابات شتنير 2002، علما أن اليوسفي صرح بعد تعيين إدريس جطو وزيرا أولا تصريحا ببلجيكا انتقد فيه مآل الديموقراطية بالمغرب و طالب فيه بنهاية وزراء السيادة و إلغاء الغرفة الثانية و أجراء تعديلات دستورية تقوي الوزير الأول و تربط مسؤوليته بالأغلبية البرلمانية.
كما يرى البعض الآخر أنه كان من الطبيعي أن يكون مآل عبد الرحمان اليوسفي هو اعتزال العمل السياسي في هذا الوقت بالذات، اعتبارا لكون مرحلة التناوب التوافقي قد وصلت نهايتها مع الانتقال السلس للسلطة و العودة إلى نهج القيادة التقنوقراطية بعد الانتخابات الأخيرة. علما أن البعض يعتبر استقالته جاءت متأخرة اعتبارا للتنازلات و التراجعات و الاحراجات التي تلقها اليوسفي من جراء جملة من التصريحات و الممارسات. و في هذا الصدد يمكن ذكر تصريحات أندري أزولاي المتعلقة بالانتقادات الشديدة للأداء الاقتصادي لحكومة اليوسفي.
و يرى البعض أن اليوسفي ظل 17 سنة خارج المضمار التنظيمي للحزب، يشتغل بالأفراد و اعتمادا عليهم لا بالمؤسسات. و من الأمور الداعية إلى التساؤل في هذا الإطار، توجيه رسالة الاستقالة المؤرخة في 27 أكتوبر 2003 إلى عبد الواحد الراضي عوض تسليمها لنائبه محمد اليازغي أو توجيهها لأعضاء المكتب السياسي للحزب.
و إذا كان منصب نيابة الكاتب الأول للحزب لا يطرح مشكلا بفعل تواجد محمد اليازغي، فان الاضطلاع بإعلام الحزب يعتبر من الأمور الشائكة. فمن المعلوم أن هذا المشكل ظل مطروحا منذ انعقاد المؤتمر السادس للحزب في منتصف 2000 حين أقدم اليوسفي على تحميل خالد عليوة مسؤولية العلاقات الخارجية للحزب و تعيينه مديرا لتحرير جريدة الاتحاد الاشتراكي دون طرح هذه القضية للنقاش على أنظار المكتب السياسي. كما أن اليوسفي قدم لائحة الوزراء الاتحاديين للمساهمة في حكومة إدريس جطو ( الوزير الأول التقنوقراطي) دون استشارة المكتب السياسي.
و تظل أقوى الضربات   تلقاها اليوسفي عندما كان على رأس حكومة التناوب، و كانت هذه الضربات صادرة من أقرب الناس إليه. و كان هذا في الوقت كان فيه المغرب في مفترق الطرق- دواعي ضمان استمرارية الملكية و الانتقال الديموقراطي و إعادة الحسابات على الصعيد الاقتصادي...
و بصدد حل مشكل تعويض اليوسفي على رأس الحزب بدأت تطفو إلى السطح جملة من الحسابات و الخلافات. و يرى البعض أن الرجل الذي ذاق ويلات السجن و التعذيب رفقة عبد الرحيم بوعبيد و عمر بنجلون. و كان أحد ضحايا الرسائل المفخخة و التي مازال يحمل آثارها على وجهه و جسده. و قد عرف اليازغي بمواجهته الشديدة لتوجه محمد الفقيه البصري و بمواجهة تيار عبد الرحمان بنعمرو و أحمد بنجلون (حزب الطليعة الاشتراكي) و كذلك تيار نوبير الأموي و   مجمعة محمد ساسي و نجيب أقصبي.
و يعتبر مؤيدو محمد اليازغي أن عبد الرحمان اليوسفي لم يحترم الضوابط التنظيمية في تقديم استقالته. علاوة على هذا استمر اليوسفي بعد استقالته في التصرف كمسؤول على الحزب حيث اتصل بالنيابة العامة و تنازل لمحمد الصديقي (أمين المال) بتسيير جريدة الاتحاد الاشتراكي و كلف الحلوي بإتمام الإجراءات القانونية لانتقال الجريدة من يد اليوسفي إلى الصديقي. و هذا اعتبره مؤيدو اليازغي قفزا صارخا على الضوابط التنظيمية. و ليست هذه المرة الأولى التي يقفز فيها على تلك الضوابط، فقد سبق له أن انفرد بدفع خالد عليوة لعمادة الدار البيضاء و نشر افتتاحية بجريدة الاتحاد الاشتراكي اعتبرها مؤيدو اليازغي أنها قلبت التوجه السياسي للحزب المشارك في الحكومة. علما أن هؤلاء كلهم خارج الحكومة، و يعتبرهم الكثير من المحللين السياسيين بالمغرب مشروع مستوزرين في انتظار حقائب وزارية لاحقا.
و مهما يكن من أمر، فان تنحي عبد الرحمان اليوسفي لم يكن في مستوى مساره السياسي و النضالي الطويل، و هذا هو السائد داخل الرأي العام بالمغرب.

 


الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بين الموت السياسي و الاستجابة لسباق التحولات

يعيش حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أكثر من تصدع، و ذلك منذ انعقاد مؤتمره الوطني السادس، و بهذا التصدع يدشن مرحلة انكسار الشعور الاتحادي الذي حمله أكثر من جيل. فرغم أن الحزب احتل المرتبة الأولى في انتخابات شتنبر 2003 الأخيرة، فقد تمت معاينة انسحابات و انشقاقات و صفها البعض أنها بمثابة انكسار حركة وطنية تقدمية انطلقت منذ نهاية خمسينات القرن الماضي.
و في نظر هؤلاء أن المعالم الأولى لهذا الانكسار بدأت في الظهور منذ انعقاد المؤتمر الخامس للحزب في مارس 1989 الذي عمل أساسا على إرجاء الانفجار إلى وقت لاحق. و رغم أن المؤتمر السادس لمارس 2001 انعقد تحت شعار الوحدة و التجديد، إلا أنه لم يوحد و لم يجدد إذ وقع على إثره انشقاق و كانت البداية لانطلاقة سيرورة الشتات الاتحادي و انكسار الحلم الذي حمله جيل بأكمله و الذي دفع الثمن باهضا في السابق. و بذلك أضحى المناضلون البسطاء يحملون المسؤولية للأطر التي استسلمت إلى إغراءات التصالح و قدمت تنازلات جوهرية فكرية و إيديولوجية و سياسية مقابل مجرد وعود مائعة استفادت منه كمشة من نخبة الحزب إذ حقق فعلا أفرادها قفزة نوعية غير مسبوقة في مواقعهم الاجتماعية و المهنية و في استفادتهم من امتيازات. حيث أن تيار الانتهازيين و الانتفاعيين عرف كيف يسيطر على الحزب و يبني سلطته و نفوذه داخله من خلال التحكم في واجهات الحزب الإعلامية و البرلمانية و عبر اكتساح المواقع القيادية و التنظيمية. و هذا ما يفسر إلى حد كبير التحالفات غير المنطقية و غير المفهومة التي طبعت الانتخابات الجماعية الأخيرة في أكثر من منطقة بالمغرب.
و زاد انكسار حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وضوحا بفشله الذر يع في تجديد هويته السياسية و فشله في استقطابه لأطر سياسية جديدة أو على الأقل تهييء الخلف من مناضليه القاعديين و فشله الكبير في حل العلاقة بين العمل السياسي و العمل النقابي بطريقة تصمن وحدة القاعدة العمالية للحزب و فشله الذريع في تفعيل انخراط الشباب من أجل تحقيق الحلم الاشتراكي الديموقراطي كما كان يتبجح بذلك قادة الحزب.
و هذا الواقع يشير إلى أن دور هذا الحزب لم يعد رائدا في الانتقال الديموقراطي بالمغرب، و ربما هذا يؤكد قولة الدكتور المهدي المنجرة- مخزنة النخب و بجلاء.
و الآن و الحالة هاته، فليس أمام هذا الحزب إلا خيارين لا ثالث لهما :   إما الموت السياسي ( و في أحسن الأحوال قبول البقاء على الهامش) أو مراجعة النفس و الانتباه لسياق التحولات قصد القيام بما يجب القيام به للبقاء على الركح.

 

قضايا إجتماعية

 


- وقفات على أرض الواقع المغربي
- علامات إستفهام
- الفقرقراطية بالمغرب
- إشكالية السكن
- منظومة الرواتب و الأجور
- زيادة تعويضات النواب

 


وقفات على أرض الواقع المغربي
ثلاث وقفات ليس إلا.
الوقفة الأولى:
إن أمل الخروج من دوائر التخلف ومواكبة عالم الألفية الثالثة يمر بالضرورة وحتما عبر التمكن من مجال الكمبيوتر وتكنولوجيا الاتصالات. ولن يتأتى هذا إلا بتمكين المواطن متوسط الدخل في البداية والمواطن العادي في مرحلة قريبة موالية من استعمال والتأقلم مع هذه التكنولوجيا في حياتهم العادية. وهنا يكمن الإشكال العويص، إذ أن مدخول أغلب المواطنين لا يسمح بالبتة على الحصول على كمبيوتر عائلي. وما دام الأمر كذلك، فكيف يمكن ضمان مسايرة العلم والمعرفة في الألفية الثالثة؟ لاسيما وأن البعض بدأ يفكر في استعمال الدرهم الإلكتروني وهو الذي بواسطته بإمكان المرء تأدية مقابل مشترياته والخدمات من قاع داره أو مكتبه أو من سيارته أو من أي مكان وفي أي وقت. خصوصا وأن بلادنا ولجت مرحلة جديدة في مجال الاتصالات بانفتاحها على المستثمرين الأجانب وترغب في الاندماج مع العالم تماما في عام 2010. ولن يتأتى هذا إلا عبر بلورة استراتيجية وطنية في مجال تكنولوجيا المعلوميات والاتصالات اعتبارا لكونها من المستلزمات الحيوية للتطور في جميع المجالات.

 ولعل أن الوقت قد حان للتفكير بجدية في تمكين المواطن بأي شكل من الأشكال من الحصول على كمبيوتر عائلي بسعر مناسب أو بتسهيلات في متناول دخله.


الوقفة الثانية:
إن الاقتصاد المغربي يعاني من أكثر من أزمة...هذه حقيقة لا يتناطح عليها كبشان كما يقال.
 ويقال كذلك أن الحلول لمختلف الأزمات الاقتصادية موجودة، وتختلف هذه الحلول باختلاف وتنوع السياسات الاقتصادية المعتمدة..ونقول للحكومة ن الحلول موجودة وقد تم الشروع في تطبيقها، ولكن تحتاج إلى قليل من الصبر والوقت وقدر من المزيد من المعاناة...فهل فعلا تم اتخاذ القرارات اللازمة لتطبيق الحلول لتجاوز الأزمات التي يتخبط فيها اقتصادنا الوطني ؟
لكن لا يخفى على أحد أن وجود الحلول وحده لا يكفي إذا كانت الأيادي غير قادرة على توقيع القرارات اللازمة لتطبيقها..فما جدوى وجودها إذا كانت أيادي أصحاب القرار ترتعش أو تتردد أو أنها غير راغبة فعلا وفعليا في اتخاذها ؟!


الوقفة الثالثة:
" الإدارة والتدبير" من الأسس الفاعلة في نجاح أو فشل أي مشروع أو عمل وعلى كل المستويات والأصعدة. فليس هناك مشروع ناجح أو إنجاز متميز بدون إدارة وتدبير ناجحين...فالإدارة والتدبير جعلا من اليابان قوة اقتصادية رغم افتقارها للمواد والثروات الطبيعية ورغم الانتكاسات التي تعرضت لها، والإدارة والتدبير هما اللذان جعلا من الولايات المتحدة الأمريكية القوة العظمى الأولى في العالم.
ولا يخفى على أحد أن احتضان نهائيات كاس العالم لكرة القدم يعتبر من المشروعات الضخمة التي تمتد تأثيراتها إلى مختلف المجالات وإلى كافة نواحي الحياة، وذلك قبل وأثناء وحتى بعد انتهاء التظاهرة وربما عبر سنوات.
وبالضبط تنظيم نهائيات كاس العالم لسنة 210 يلزمه ضمان وجود " إدارة وتدبير " ناجحين قبل التفكير في الملاعب لاحتضانها، وبه وجب الإعلام اعتبارا لما جنيناه من التجارب السابقة في هذا المضمار.

المعضلات الاجتماعية:

علينا معرفة من أين يبدأ العلاج
حاول القائمون على أمور مدينة القنيطرة التصدي لجملة من الإشكاليات، مثل الباعة المتجولين وعدم احترام قانون السير، وذلك بمنطقهم الأمني المعهود: دوريات الشرطة والقوات المساعدة والدرك حاولوا بهذا المنطق محاصرة تلك الظواهر ومدافعتها لكنهم لم يفلحوا في ذلك، وهذا يدعونا إلى التساؤل عن جدوى وأهمية وفعالية كل الإجراءات المتخذة من طرفهم في هذا الصدد، لاسيما وأنها كلها تعد إجراءات أمنية متكررة.
ونعتقد أن فشلهم في إيجاد حل لتلك المعضلات ناتج بالأساس عن تصورهم الخاطئ الذي يحكم نظرتهم للأمور وعدم استعدادهم لتغيير هذه النظرة، ربما لأسباب سياسية ومصلحية تهمهم أو تهم نافذين في جهاز الدولة وغيرهم.
إن محاولة حصر مسؤولية تفشي ظاهرة عدم احترام قانون السير أو استفحال الباعة المتجولين في رجل الأمن أو القوات المساعدة باعتباره أنه ليس حازما بالشكل الكافي مع الباعة المتجولين أو الخارقين لقانون السير، تعتبر منهجية غير وجيهة لأن الأمر في الحقيقة أكبر من رجل الأمن أو القوات المساعدة وأفراد الشرطة، لأن تلك المشاكل وصلت إلى حجم الظاهرة الاجتماعية وكذا علاج فردي لأي ظاهرة اجتماعية يصبح مضيعة للوقت والجهد وبدون نتائج مرضية ما دامت الظاهرة الاجتماعية بطبيعتها أقوى من الفرد وأنها قادرة على احتواء ذلك الفرد وجعله عنصرا من مكوناتها وفاعلا في استمراريتها وديمومتها، ومن هنا ليس من الغريب أن ينساق البعض من أولئك مع الظاهرة ويغضون الطرف لسبب أو لآخر عن التجاوزات.
لكن الأفضع والأخطر في الأمر أن تصبح المخالفات والآفات الاجتماعية تعتبر " فضيلة " أو " حق" من حقوق شريحة اجتماعية معينة تتغذى باستمرارها وتحيا باستدامتها، وبذلك سيكون من الصعب محاصرتها والتصدي إليها ما دام هذا التصدي وتلك المحاصرة سيكونان بمثابة الدخول في مواجهة صريحة وحرب مباشرة مع تلك الشريحة التي غالبا ما تملك من أسباب القوة والسلطة. وبالتالي فإن المطالبة بوضع حد لتلك الظواهر يعني البحث عن التصدي للذين يريدون استمرار الصيد في المياه العكرة، ويناهضون التغيير نحو إقرار دولة الحق والقانون بصفة شاملة وكاملة غير منقوصة لي اعتبرا كان.

الشعب يمول أحزابا لا تخدمه.
هل من المشروع والمعقول والمنطقي، في ظل الأوضاع التي تعيشها البلاد حاليا أن يتحمل المجتمع التكاليف المادية للأحزاب ولجرائدها، إذ أنها تستفيد من دعم يقتطع من أموال الشعب اقتطاعا.
إن فئات الشعب تساهم رغما عنها وربما دون موافقتها، في الدعم المالي للأحزاب، والذي يقتطع أحيانا من جوعها ومن خصصها. فهل يمكن استساغة هذه الحالة في ظل التبجح بالليبرالية، وفي ظرف نلاحظ فيه أن أغلبية الشعب المغربي خارج الأحزاب المدعمة ؟ وهل يمكن قبول مثل هذا الوضع في وقت ينتشر فيه نوعا من عدم الرضا وأحيانا كثيرة من السخط على الأحزاب ؟ إن المال الممنوح والموهوب للأحزاب السياسية هو مال الشعب، ومن حق هذا الخير أن يتعرف على جدوى صرف أمواله على الأحزاب السياسية لاسيما وأن فئات واسعة منه تتحمل ضائقة العيش وفي وقت تعود جزء من مسؤولية تلك الأوضاع لتلك الأحزاب السياسية المدعمة من أموال الشعب.
فإذا كان الدعم المالي للأحزاب قضية مشروعة اقتراضا، فإنه من الصعب قبول وتقبل دعم أحزاب لا يظهر لها أثر إلا عندما تقترب الانتخابات ويكثر الطلب على التزكيات. أليست هذه حالة من حالات إهدار المال العام؟

أولاد القنيطرة" يتكلمون.
عبد الحي المودن، أستاذ العلوم السياسية هو أحد أبناء مدينة القنيطرة، وهو من أوائل تلاميذ مدرسة التقدم الذين تابعوا دراستهم الجامعية العليا بالولايات المتحدة الأمريكية، يدلي برأيه بصدد الرسالة الملكية حول الاستثمار الموجهة إلى الوزير الأول.
" من الواضح أنه من أولوية الأولويات حاليا، في إطار المفهوم الجديد للسلطة، رد الاعتبار إلى العامل الاقتصادي الذي كان مغيبا لحساب ما هو سياسي رغم أن سيرورة التغيير والتحول في الظرف الحالي تفعل فعلها بالأساس على الصعيد السياسي. فنظريا نحن أمام ثلاث أنماط للتدبير والتسيير.
النمط الأول هو النمط الديمقراطي ـ الليبرالي ويتطلب تزكية الاختيارات الاقتصادية من طرف الشعب المغربي والمؤسسات المنتخبة. والنمط الثاني، وهو النمط السلطوي ويرتكز على فرض نهج الدولة ويعني إخضاع الاختيارات الاقتصادية لمصالح القائمين على الأمور بالبلاد.
والنمط الثالث، وهو النمط الذي تطور بأمريكا اللاتينية وهو نمط يتميز بممارسة ماركتينغ  (Marketing)  السياسة من طرف الأحزاب السياسية في المجال الاقتصادي وبديمقراطية الواجهة.
 عندنا بالمغرب، القصر اختار المسار، إلا أن الأحزاب السياسية ما زالت مشغولة البال بالحسابات الانتخابية الضيقة. واختيار النمط الديمقراطي كان من شأنه أن يؤدي إلى نوع من تقارب وتحالف المصالح بين الأحزاب السياسية والفاعلين الاقتصاديين، في وقت نلاحظ فيه اقتراب أهم أحزابنا من النقابات، وهذا أمر من شأنه عرقلة التوصل إلى الهدف. لذلك قام الملك باختيار نمط يضمن قوة الدولة على الصعيد الجهوي، دون المرور عبر المؤسسات المنتخبة.
الأزمة
إن الأزمة الخانقة وظروف عيش أوسع الفئات بالمغرب لا تزداد إلا تدريا، ورغم ذلك لا يعطي البرلمان ولجانه الاهتمام اللازم بمناقشة قضايا أوسع الجماهير، لاسيما العاجلة منها، وهذا في وقت مازال فيه نوابنا يبحثون عن النجومية للظهور أطول مدة ممكنة على الشاشة ولو أدى إلى خلق محطة تلفزية خاصة بهم، كيف لا وبلادنا بلد المفارقات " أش خصك يا عريان خاتم الماس يا مولاي" عوض مناقشة الواقع المعيش والعمل على المساهمة الفعلية في حل مشكلات المواطنين وتخفيف العبء عنهم يفضل نوابنا الهروب إلى الأمام واعتبار الحالة وردية رغم أن هناك أوضاع قد تدعو إلى الانفجار هنا وهناك، سواء في صفوف الموظفين أو الشغيلة أو المعطلين حاملي الشهادات أو الشباب عموما..فماذا يمكن الانتظار من هؤلاء النواب؟ غليان في كل مكان ولم يجرأ أحد منهم على طرح القضايا الاجتماعية العويصة للنقاش الفوري لأن السيل قد يكون وصل الزبى، والقضية أضحت بذلك استثنائية ومستعجلة، ولا يحتمل أي انتظار، والحالة هاته، والغليان في كل مكان ولا صدى لكل ذلك تحت قبة البرلمان وبين نواب الأمة. فهل هذه حالة طبيعية أم لا؟ ربما إنها طبيعية بامتياز ما دام النواب لا يعبرون فعلا عن مشاعر الجماهير وهمومهم وبعيدين كل البعد عن ذلك..فإلى أي نحن ذاهبون؟ وألم يجب التفكير في الأمر قبل فوات الأوان؟
 
 إن واقع قانون الضريبة على الدخل المطبق حاليا أضحى يثير جملة من التساؤلات، لاسيما فيما يتعلق بدوره في بناء " مجتمع ضريبي" يقوم على العدالة والإنصاف الضريبيين ويحقق مبدأ تخفيف الأعباء على ذوي الدخل المحدود، حيث بدون ذلك لا يمكن الحديث بأي وجه من الوجوه عن أي نوع من أنواع العدالة الاجتماعية ولو الشكلية منها.
 إن الضريبة على الدخل ببلادنا لازالت تثقل كاهل المواطنين ومختلف الفعلين الاجتماعيين بدرجة قد لا تطاق مستقبلا، لاسيما ذوي الدخل المحدود، وهو الذين يشكلون أكبر ضحايا الغول الضريبي ببلادنا وهم كثيرون.
وفي الواقع إن الجزء الأكبر من الثقل الضريبي يتحمله الشغيلون والفقراء وهذا حيف اجتماعي بارز لم يعد مقبولا حاليا بأي وجه من الوجوه، ولعله سيشكل أهم المطالب الأساسية التي تتطلب حركة اجتماعية واسعة المدى من أجل الإقرار بهذه الحقيقة التصدي لها قصد العمل على التقليل من فداحة هذا الحيف بجميع الوسائل، فكيف يعقل الاستمرار بقبول تمويل خزينة الدولة بما تقتطعه من الحاجيات الحتيتة لأغلب المغاربة في حين يتم غض الطرف بشكل مفضوح على التهرب الضريبي الذي ينعم فيه أصحاب الثروات الطائلة ببلادنا وهم قلائل ؟ فكيف يسمح نوابنا ووزراؤنا لأنسفهم الاستمتاع بأجور عالية و " طيطانيكية" تقتطع اقتطاعا من حاجيات أغلب فئات الشعب المغربي وربما على حساب حرمانهم وجوعهم وتهميشهم ؟

مجرد تساؤلات
هل سيظل الحال هو الحال ؟
نواب ومستشارون ...ماذا يعملون..؟ وماذا يفعلون؟... والمشاكل والمعضلات تتراكم وتزداد تراكما . فلو كل نائب أو مستشار وهو يناقش تشريعا جديدا قبل صدوره وضع لنفسه تصور واقيعا عن كيفية تنفيذ هذا التشريع وعن آثاره في المجتمع وعلى عباد الله لما حدث ما هو حاصل الآن..ثبوت قصور وربما فساد أكثر من تشريع...ولما عشنا في دوامة الحاجة إلى تشريعات أخرى تعالج فيما فشلت فيه الشتريعات المعمول بها حاليا....
هناك تشريعات كثيرة مليئة بالثغرات... إلى حد أن بعضها كاد يشبه الغربال من كثرتها..وخطورة هذه الثغرات لا تكمن فقط في عجز النص على مسايرة حركية الواقع المعيش، وإنما تكمن بالأساس في أن تمكن كل من يريد الإفلات من أحكام التشريع أو القانون أن يحقق غرضه وأحيانا باسم القانون..سواء بالتحايل والحيل التي توفر تلك الثغرات أو بالممارسة التي لا تعبأ بنصوص القانون ما دام هناك ثغرات تؤدي إلى المخرج.
هناك ثغرات في قوانين التعمير والبناء ومجال الضرائب وأدائها وفي القانون الجنائي وفي غيرها...ولعل أكبر مجال تظهر فيه الثغرات بجلاء، هو مجال تطبيق الأحكام أو العقوبات وتنفيذها على من يستحقها مهما كان وضعه في المجتمع، في هذا الصدد حدث ولا حرج..فلا يخفى على أحد أن العقوبة تنتج أثرها بقدر السرعة التي تتم بها، والعدالة البطيئة هي في الحقيقة نوع من أنواع الظلم. وفي هذا الإطار هناك ضحايا بالمئات، فرغم أنهم أصحاب حق ثابت، لكنهم لازالوا مظلومين مرتين على الأقل: ضرر حرمانهم من حقوقهم وضرر انتظار الاستفادة من آثار تطبيق القانون على من ظلموهم واعتدوا عليهم وسلبوا حقوقهم فإلى متى سيظل حالنا في هذا المجال هو نفس الحال ؟ وهذا مجرد تساؤل أول.
2 ـ دعوة للقائمين على الأمور لترك كراسيهم الدوارة المريحة ومكاتبهم المكيفة والنزول إلى مواقع العمل والوقوف ولو برهة على ركح الواقع المعيش، في زيارات مفاجئة لمعاينة الحال عن قرب ومباشرة والتعرف على الحقيقة العارية...فلقد أثبتت التجربة هنا وهناك أن مثل هذه الممارسات تخلق نوعا من حالة الترقب والاستعداد. فقد تنكشف خلال الجولات أو الزيارات المفاجئة، مخالفات وما أكثرها عندنا في مختلف المجالات والميادين، كما قد تظهر صور متعددة من سوء السلوك والاستهتار والإهمال واللامبالاة وعدم احترام القانون أو الالتزام بالقواعد والنصوص.
لقد اعتاد أغلب المسؤولين على الاعتماد في تقييمهم للأمور والأشخاص على التقارير التي يحررها ويقدمها لهم مرؤوسهم عن سير العمل وتتبع إنجاز المشاريع وما تم تحقيقه من منجزات. فما يكتب من تقارير عن كفاءة الأشخاص أو تقصيرهم ، وما يحرر سواء عن العمل أو الكفاءات فإن معظمه غير مطابق للحقيقة والواقع، لأنه يظل في غالب الأحيان خاضع لأغراض ولربما لأهواء شخصية، ولا يعطي صورة صادقة وآمنة عن الواقع المعيش الفعلي.
ولعل من أسهل الوسائل وأقصر السبل للوقوف على بعض الحقائق والإطلاع على جانب من جوانب الواقع المعيش هو الزيارات المفاجئة والتعرف على ما يجري ويدور عن قرب الاستماع إلى من يعملون وبحث شكاياتهم وشكواهم ومشاكلهم واتخاذ الإجراءات الفورية الهادفة لإصلاح الأمور وإزالة أسباب المشاكل والشكاوى.
فإلى جانب ما تحدثه الزيارات المفاجئة من إصلاحات وترميمات وانضباط فإن تأثيرها يكون عميقا في نفوس العاملين والمواطنين ويحفزهم على المزيد من العمل، كما يساهم في تقوية أرضية تجسيد مفهوم المواطنة.

فمتى تنقلب الآية ببلادنا، فيصبح عمل القائمين على الأمور أكثر خارج مكاتبهم المكيفة وبعيدا عن الكراسي الدوارة المريحة ؟

المسألة الزراعية بالمغرب قضية سياسية
إن الحديث عن المسألة الزراعية بالمغرب يجرنا بإلحاح إلى الحديث عن مكونات البنيات الزراعية ومشاكلها ومعوقات تطورها.
فمن المعلوم أن بلادنا لا تزال بلدا فلاحيا بامتياز إلا أن الفلاحة به تحولت منذ عهد الحماية إلى زراعة تنتج بالأساس من أجل سد حاجيات الأسواق الخارجية وخاصة سوق الدولة المستعمرة آنذاك: فرنسا عوض إدخال حاجيات السوق الداخلية في اهتمامها. وبعد الاستقلال ظلت أحسن الأراضي وأخصبها في يد المعمرين، ظلوا يتحكمون في أخصب الأراضي وأكثرها إنتاجية علما أنهم كانوا قد استحوذوا عليها في فترة الحماية بعد سلبها من أصحابها الأصليين، وبذلك كان من المنتظر أن تعود هذه الأراضي إلى أصحابها الأصليين بعد أن كافحوا وضحوا بالغالي والنفيس من أجل طرد المستعمر وتخليص البلاد من براثين الذل والاحتلال، إلا أنه وبجرة قلم أصبحت تلك الأراضي الخصبة بيد زمرة قليلة لا كاد تبين، وبعضها منحت لمؤسسات شبه عمومية أقيمت لهذا الغرض بالذات تتحكم فيها تلك الزمرة القليلة. وتجدر الإشارة إلى أنه منذ استقلال في عام 1956 وحتى فجر ستينات القرن الماضي، كان عدد من المعمرين الذين اضطروا لمغادرة المغرب لأسباب سياسية يفوتون أراضيهم للخواص لبعض الأعيان والمحظوظين بثمن بخس بمباركة وتواطؤ الإدارة المغربية لاسيما مديرية الأملاك المخزنية المسؤولة عن تدبير وتسيير أراضي الدولة بالمغرب.
ورغم إصدار قانون يمنع تفويت تلك الأراضي إلا بالحصول على رخصة خاصة من دوائر عليا بالبلاد فإن ذلك لم يمنع البعض من الزمرة من الحصول على تلك الرخصة بطريقة أو بأخرى بتفعيل الوساطة والمحسوبية والرشوة، إذن كل تلك الأراضي والتي هي أخصب الأراضي الزراعية بالمغرب، كان المعمرون الفرنسيون والإسبان قد سلبوها بقوة الحديد والنار من مالكيها الأصليين سواء كانوا أفراد وجماعات. وبعد الاستقلال استرجعتها الدولة المغربية وفوتتها لزمرة من المحظوظين دون مقابل يذكر، وهي قلة لا تكاد تبين وسط عرمرم الفلاحين الذين لا أرض لهم كما أن القائمين على أمور الشركات الفلاحية العمومية وشبه العمومية والمتصرفين فيها عتوا فيها فسادا إلى أن أوصلوها إلى مشارف الجرف الهاري وأسقطوها في الهاوية بعد أن أنفقت عليها الدولة من مال الشعب الملايين من الدولارات، هذه الملايين كانت في واقع الأمر تقتطع من جوع الفئات الواسعة من الشعب المغربي ومن قوتهم اليومي، كانت توظف توظيفا لخدمة وتنمية المصالح الخاصة والفئوية الضيقة على حساب الصالح العام وضد مصلحة الأجيال القادمة.
 وحتى تلك الأراضي التي كانت تشرف عليها الشركات بعد أن صرفت عليها أموال الشعب تم تفويتها بأثمنة رمزية بواسطة الخوصصة لكمشة من المحظوظين وكلهم بدون استثناء في غير حاجة لها، في حين يحتضن فيه المغرب فئات واسعة من الفلاحين الفقراء ذوي العائلات المتعددة الأفراد لا يملكون أرضا يحرثونها ويرتبطون بها، ومن ضمنهم ذوي الحقوق المشروعة في تلك الأراضي ما دام آباءهم وأجدادهم أصحاب الأراضي الأصليين قبل الاستحواذ عليها من طرف المستعمر.
وما دام الأمر كذلك فإنهم يرون فيهم أناسا استولوا على أراضي أجدادهم أهديت لهم بجرة قلم أو بأوامر وتعليمات وهكذا ذهب الاستعمار وظلت أراضيهم مغتصبة على مرأى أعينهم لا يستفيد منها ذوي الحق الشرعي الأكيد فيها. وهذا في وقت كثر فيه اللغط عن التنمية الاقتصادية والاجتماعية للعالم القروي بالمغرب واعتبار البادية من أولوية الأولويات، علما أن هذه التنمية مرتبطة بالأرض ومن يحرثها، وتنمية العالم القروي لها سبيل واحد لا ثاني له وهو ربط الفلاح بالأرض التي يحرثها ورغم هذا فإن أغلب الأحزاب السياسية أصبحت لا تلي هذه الإشكالية الأهمية التي تستحقها إذ لم تعد فعلا تطالب باعتماد مبدأ الإنصاف بإرجاع الأرض لذويها الحقيقيين.
ويزداد الطين بلة إذ علمنا أن المعمرين الذين استولوا على تلك الأراضي بالقوة والسلاح استفادوا من تعويضات مالية مهمة سلمتها لهم الدولة المغربية أما أصحاب الأرض الأصليين فظلوا محرومين من أراضيهم حتى بعد خروج الاستعمار.
وكانت أحزاب اليسار والتنظيمات الممنوعة في السبعينات والثمانيات من القرن الماضي تنادي بإلحاح بإصلاح زراعي وتطالب بقوة بتوزيع الأراضي على الفلاحين الصغار. وعندما قامت الدولة بتوزيع بعض الأراضي كانت قد فعلت ذلك لإخماد الغضب العارم. وفي هذا الصدد كانت هناك دراسة خلصت إلى ضرورة تحديد سقف للملكية وقد أجريت في عام 1963 بعد انتفاضة قبيلة أولاد خليفة احتجاجا على حرمانهم من أراضيهم، وكان وراء تلك الدراسة أحد صناديق الأمم المتحدة. وقد تضمنت اقتراح توزيع الأراضي على الفلاحين الصغار بعد انتظامهم في شكل شركات تتولى تسيير تلك الأراضي. إلا أن هذا المشروع رفض تحت ضغط الجهات التي لم ترقها مسألة تحديد سقف الملكية لاسيما من طرف الزمرة التي استفادت من الأراضي المسترجعة بسخاء، وبذلك تظل المسألة الزراعية بالمغرب ليست مجرد مسألة قطاعية أو اقتصادية وإنما هي مسألة سياسية بامتياز ولن تستقيم الأمور فعلا بالبلاد إلا باعتبار كذلك مادامت أنها مؤسسة على أساس ظلم اجتماعي مفضوح.
علاقة المصالح الدولتية بالفلاح في أفق التنمية
هل السياسات الفلاحية المعتمدة بالمغرب حققت فعلا الأهداف التي رسمت لها، علما أن الفلاحة كانت دائما تعتبر من أولويات الأولويات؟
إنه سؤال شغل جميع المهتمين بشؤون التنمية ببلادنا، لقد كان على الفلاحة أن تشكل قاطرة السيرورة التنموية للبلاد، فإذا كان الجفاف له تأثير على مسار الفلاحة المغربية، فإن هناك عوامل أخرى تكمن وراء الوضع الذي آلت إليه فلاحتنا وباديتنا عموما، ولعل من أهم هذه العوامل سياسات التعامل مع الفلاح والعالم القروي.
لقد اهتمت الدولة بمجموعة من الأحواض والسهول اعتبارا للمساحات المهمة القابلة للسقي وأهمية المخزون المائي بها وضرورة حماية بعضها من الفيضانات، الشيء الذي تطلب تجهيزها على امتداد أربعة عقود تحت إشراف المكاتب الجهوية للاستثمار الفلاحي والمحافظة العامة على الأملاك العقارية والرهون وبتنسيق مع بعض الجمعيات المهنية، إلا أنه ظلت هناك جملة من معوقات التنمية الفلاحية والقروية الحقة...ظلت فاعلة على أكثر من مستوى، سواء عل مستوى الأراضي المعدة أو على مستوى المصالح الدولتية أو على مستوى المعني بالأمر الأول: الفلاح.
وما أصبحنا نلاحظه بجلاء حاليا هو محاولة المصالح الدولتية للتخلص من مختلف المهام على عاتقها، وذلك منذ التسعينات من القرن الماضي، قصد إشراك السكان في التنمية المحلية اعتمادا على الشراكة و " الحوار البناء " وتحسيس السكان بالمسؤوليات المنوطة بهم. لكن هل تم فعلا تأهل السكان للقيام بهذه المهمة ف ظل سيادة عقلية الاتكالية على الدولة منذ أمد طويل ؟
هذا في وقت أصبحت فيه الأوضاع متردية بالبوادي من جراء تمركز الملكية العقارية وصيرورة " بلطرة " الفلاح والقروي واستفحال الهجرة القروية ".
 ولقد أكد أكثر من بحث ميداني أن الخلل يكمن في انعدام الثقة بين المصالح الدولتية والفلاحين وفي انعدام التواصل التشاركي الديمقراطي، وفي هذا الصدد ركز بعض الباحثين عن دور الوسيط الاجتماعي والاقتصادي والإداري وأهمية تمكين الأطر والفعاليات التقنية التابعة للمصالح الدولتية من توظيف خبراتهم العلمية والمعرفية على أرض الواقع مدعمة بتجارب وخبرات الفلاحين وذلك بهدف ضمان استمرارية بقاء أهل البادية بأرضهم في إطار تصور جديد لهيكلة السكان في أفق استراتيجية تنموية جهوية لرفع الرهانات المستقبلية.
 
 
المستقبل للدين الإسلامي الحنيف، رغم القهر والحيف أراد من أراد وكره من كره
هناك من حين إلى آخر، هنا وهناك حملة واسعة موجهة ضد تحكيم وتطبيق الشريعة الإسلامية وضد الذين يطالبون بتحكيمها. والسلاح الأكثر استعمالا في هذه الحملة هو التلويح بالديمقراطية والتعددية واحترام الرأي الآخر والحرية السياسية أو التناوب أو تدوال الحكم. وهناك من وصل به الأمر إلى اعتبار أن تطبيق الشريعة سوف يحرم الأمة من ممارسة حقوقها السياسية ويحرم المعارضة من التعبير عن مواقفها.
لكن الدين الإسلامي عنصر أساسي لتحديد الهوية والاعتقاد. الدين هو محور الهوية سواء تم الإعلان عن ذلك أم لا. وفي عصرنا الحالي، وفي هذه المرحلة بالذات تشبثهم بدينهم بامتياز..إنهم أصبحوا يبادرون بالقول " أنا مسلم" قبل أن يقول " أنا مغربي " من الأكيد أن انفضاح وهمية الإيديولوجيات الوضعية بجميع تلاوينها ساهم يف ذلك. لاسيما وأنها كانت مصرة إصرارا وبقوة على إرساء مجتمع دولي من نوع جديد يسعد فيه الإنسان لكن مشروعها عرف فشلا صارخا على جميع المستويات : السياسي ، الاقتصادي، الاجتماعي ، الأخلاقي ، الثقافي والحضاري عموما.
هذا الفشل الذريع دفع للبحث عن بديل، ولم يكن المرء يحتاج لوقت أو مجهود، لأنه وجد البديل في الدين سعيا وراء حل مختلف المشاكل التي عجزت عن حلها الاشتراكية والشيوعية والرأسمالية والليبرالية. ورغم أن الصراع بين الشرق والغرب أسفر على منتصر وهو الغرب فإن هذا الأخير يعيش أزمة حادة كنموذج ومنظومة رغم انتشارهما في أنحاء العالم راميا أطرافه كالأخطبوط. أزمته هاته تمتد كل يوم كلما عجز على حل معضلات العصر: البطالة، الفقر، الانحراف، المخدرات الجريمة والإجرام، الاستغلال اللاإنساني وهذا من شأنه أن يدعم أكثر التوجه نحو البحث عن حلول هذه المعضلات ضمن المنظومة الدينية لإرساء مجتمع جديد.
الشباب حاليا أمام اختيارين: إما أن ينجر وراء النموذج الغربي بنمط حياته وبتقدمه العلمي والتكنولوجي، إلا أنه حاليا ببلادنا لا وجود لتنظيم سياسي فعلي يؤطره في المنحى وانطلاقا من هذا المنظور مع مراعاة الهوية الوطنية لذا تظل الهجرة إلى " فردوس الغرب" هو المآل ما عدا ثلة المحظوظين منهم الذين يتوفرون أصلا على شروط العيش في جزر النعيم العائمة في بحر الفقر الممتدة أطرافه في كل الأنحاء وبين مختلف الفئات.

 وغما التوجه إلى الدين للبحث عن الخلاص والانفلات من انسداد الأفق والظلم واللامبالاة والحيف والبطالة والتهميش.

 وهذا المنحى يتأكد يوما بعد يوم من جراء:
 ـ فشل الاشتراكية والشيوعية.
 ـ فشل النظريات " العالمثالية "
 ـ أزمة النموذج الغربي بمختلف تلاوينه.

 وتزيد العولمة من تسريع هذا المنحى واتساع مداه والدين بإمكانه تحقيق درجة مهمة من الملاءمة ما بين البحث عن هوية ذاتية ومتطلبات الشمولية التي تفرضها العولمة في العصر الحديث، والمقصود بالدين هنا هو النهج الرباني. فالدين يتعالى على مختلف الحدود المصطنعة وحتى الطبيعية منها ويتجاوز الانتماءات القومية والعرقية والاجتماعية، إنه يجسد الكونية بامتياز أكثر من أي منظومة أو نموذج وضعي على امتداد التاريخ، وهي " كونية" أو " عالمية " أكثر تجدرا في الإنسان وأكثر ارتباطا به لكونها نابعة من قناعاته الراسخة.
 لذا قيل ولازال يقال أن المستقبل للدين، والخلاص هو إتباع النهج الرباني.

علامات استفهام


1
يتحدثون عن التغيير وهل يكون التغيير بدون تغيير بعض العقليات..؟!
بالرجوع إلى السنوات الأخيرة يتبين بجلاء أنه تم طرح عدة تساؤلات حول سبل التغير السياسي..فكان من الضروري الوقوف على توفير الشروط والبنيات والمؤسسات الكفيلة بتحقيق درجة من التطور السياسي على مستوى النصوص والمنهجيات والمفاهيم...وكان الاعتقاد سائدا أن تزويد البلاد بنصوص وتشريعات ومؤسسات، كفيل بتحقيق الطفرة المرتقبة في مجال التطور السياسي وتحقيق التغيير المرتقب...لكن عاينا أن المطلوب لم يتحقق بالدرجة المرجوة، الشيء الذي يدفع إلى التساؤل والمساءلة من جديد..مساءلة الواقع المعيش والممارسة الفعلية على صعيد الركح السياسي والركح الاجتماعي، فتبين بجلاء أن العنصر الحاسم في هذا المضمار هو الإنسان. فلا تكفي النصوص والتشريعات والمؤسسات والآليات والتصورات لأنه لا ديموقراطية بدون ديموقراطيين حقا، يكرسونها تكريسا.
ففي الحقيقة، التطور والتقدم...وبالتالي التغيير، يرتبط إلى درجة كبيرة بتطوير وتنمية الموارد البشرية ثقافة ووعيا وفكرا وعملا وممارسة.وبكلمة: تطوير العقلية أي تغيير الإنسان.
إن التغيير المنشود لا يتوقف على اعتماد تدابير وسياسات وبلورة نصوص وابتداع آليات وإحداث مؤسسات، وإنما يتوقف بالدرجة الأولى على تغيير العقليات، وهذا يكاد يستحيل تحقيق دون إعداد الإنسان الفعال فكرا وممارسة.
فلا ديموقراطية بدون ديموقراطيين يكرسونها تكريسا..إنما ستظل روحا بدون جسد ، فكرة مطاطية هيلونية دون وعاء يحتضنها وبدون قناة تقودها إلى التسجيد على أرض الواقع المعيش في المؤسسات وفي الهيئات وفي الإدارات وفي الأحزاب ..وفي المجتمع.
الرغبة في إرساء الديموقراطية حاضرة بقوة، والإرادة الفعلية لإحداث آلياتها أعطت ما يمكن أن تعطي حاليا...لكن هل لدينا ديموقراطيين يكرسون الديموقراطية تكريسا ؟
هذه مجرد علامة استفهام.

2
فقدان الثقة مشكلة العصر...عندنا !
الثقة ...كانت هي الأساس وهي الدعامة لكن مع الأسف فقدناها اليوم. ومع فقدانها تولد اليأس والاكتئاب والإحباط في النفوس.
أينما وليت وجهك لا تلاحظ إلا القلق والتذمر باديان على وجوه المواطنين..الكل يصرخ: لا خير في الكل.
انتشر " وباء " فقدان الثقة على جميع المستويات وفي كل الأوساط والمرافق، الخاصة منها والعامة، الحكومية منها وغير الحكومية، السياسية منها وغير السياسية...أصبح الراجح هو الاحتراس....الاحتراس من أي شيء ومن كل شيء..الاحتراس من أي شخص ومن كل شخص..وأصبح لا مناص من البحث عن الوسائط والسبل غير الواضحة لقضاء المأرب وتحقيق الأهداف وبلوغ الغايات.
لم تعد هناك ثقة في التعليم ورجاله وهم الذين بالأمس القريب كان الجميع يكن لهم الاحترام الزائد عن العادة..أما الآن فأصبحوا يوصفون بصفات يندى لها الجبين، وقس على ذلك الموظفين والتجار والجيران.....أما رجال السلطة، فإن أفعال بعضهم دفعت العامة لنبذهم، وقس على ذلك العدل والقضاء، لاسيما وأنه كثيرا ما كان يخيب الآمال والأماني في الدفاع عن الحق والبحث عن الإنصاف. ولا يخفى على أحد أن العدل هو الأساس في بناء المجتمعات، وإذا كان الناس ينظرون في القضاء وكرا للزبونية فلا خير يرجى.
وفقدان الثقة في الأحزاب السياسية هو بمثابة الخروج من حلبة اللعبة السياسية وربما لفظها وتعريض الوضع للانفجار في أي وقت، ما دامت أغلبية الشعب على هامش الركح السياسي.
فقدان الثقة من شأنه أن يهدد كيان المجتمع ويكسر الروابط القائمة بين فئاته وشرائحه وفعالياته...وهكذا ينتشر الحقد وتتوسع دائرة البغضاء لكل القائمين على الأمور وعلى مختلف المستويات.
ألا يدعو هذا إلى إعادة النظر في الأسباب والمسببات ؟
هذه مجرد علامة استفهام.

3
كم يتقاضى هؤلاء..أصحاب المناصب السياسية ؟
أرقام للتأمل
المناصب السياسية كثيرة ومتعددة ببلادنا. فهناك الوزراء وكتاب الدولة ومدراء الدواوين والمكلفون بمهمة والملحقون الإعلاميون والبرلمانيون ورؤساء المجالس الجماعية ورؤساء أللجن. ويمكن الوصول حتى إلى ربط القائمين على الكتابات الخاصة والمستشارين بهذه المناصب، فكم تكلف هذه المناصب الشعب المغربي ؟
فالوزير الأول يتقاضى شهريا 70.000,00 درهم ( 7 ملايين سنتيما) علاوة على امتيازات النقل والسائق الخاص ومقر الإقامة والتعويضات ، والوزير يتقاضى كذلك 70.000,00 درهم شهريا ويستفيد من نفس الامتيازات عموما. وكاتب الدولة يتقاضى 50.000,00 درهم ( 5 ملايين سنتيما) ، لكن يتقاضى مسؤولوا الدولة عموما أقل ما يتقاضى المسؤولون عن المؤسسات العمومية وشبه العمومية.
أما مدير الديوان فيتقاضى أجرا يتراوح ما بين 12.000,00 و 16.000,00 درهم شهريا ، والمكلف بمهمة يتراوح راتبه الشهري ما بين 9000,00 و 12.000,00 درهم ، والكاتب الخاص للوزير يتقاضى 8000,00 درهم شهريا .
أما البرلمانيون فيتقاضون 37.000,00 درهم شهريا ، وبعد خصم الضرائب والتحملات الاجتماعية يتبقى ما يناهز 28.000,00 درهم علاوة على الاستفادة الدائمة من تخفيضات النقل 50 في المائة بالنسبة للطائرة ، المجانية بالنسبة للدرجة الأولى بالقطار ، و50 في المائة من مصاريف الإقامة بالفنادق المصنفة بجميع أرجاء البلاد. كما يستفيد البرلماني كذلك من خصم يقدر ب :45 في المائة من الرسوم الجمركية المتعلقة بتعشير السيارة الخصوصية مرة واحدة في كل حقبة تشريعية ، كما له حق المعاش إذا انتخب مرتين.
وبخصوص رئيس مجلس الجهة فيتقاضى شهريا 7.000,00 دهم ، أما أعضاء مكتب الجهة فيتقاضون ما بين 4000,00 و 6000,00 درهم شهريا .
في حين يتقاضى رؤوساء الجماعات الحضرية 4500,00 درهم كتعويضات وأعضاء مكاتب المجالس 3000,00 درهما ، ورؤساء الجماعات القروية ستقضون ما يناهز 1600,00 درهم أما نوابهم فيحصلون على ما يقارب 800,00 درهم.
فماذا يقدم هؤلاء للشعب المغربي، مقبل هذه الأجور ؟

4
الدولة تغدق على جرائد غير مقروءة !
على غرار الدعم المادي لأحزاب هناك كذلك دعم الصحافة، لكن ليست صحافة، وإنما الصحافة الحزبية، وهو دعم مادي تمنحه الدولة للصحف الحزبية، ويقتطع من مال الشعب المغربي. فهل فعلا الدعم المالي للصحافة الحزبية يعتبر أمرا مجديا حاليا وفي صالح مسار تطور البلاد؟ بل أكثر من هذا، هل هو يخدم مسار التغيير المنشود؟
إن الدعم المادي المباشر الذي تجود به الدولة على الصحف الحزبية، حتى تلك التي لا قراء لها، هو مأخوذ من جيوب المواطنين، بل مقتطع اقتطاعا من جوع بعضهم !
فهل فعلا المواطن يقبل هذا الوضع ويرضى عنه ويتفق عليه؟ وهل كل تلك الصحف المدعمة من المال العام تقوم فعلا بخدمة تذكر تجاه المواطن ؟
هناك جرائد لا يتعدى عدد قرائها 200 أو 300 فهل هذه الحالة لا تعد هدرا للمال العام؟ علاوة على أن استمرار دعم تلك الجرائد يجعلها اتكالية وربما " طفيلية "لا تفكر في تطوير نفسها، أو السعي للاعتماد على ذاتها، وبالتالي ستظل تهدر المال العمومي إلى ما لا نهاية ودون فائدة.
في حين هناك جرائد لها طاقم صحفي ولكن تنقصها البنيات الأساسية للمواطن من دعم الجرائد التي لا قراء لها وتستفيد من الدعم اعتبارا ليافطتها السياسية فقط.
ولا يخفى على أحد، أنه في ظل سيادة الصحافة الحزبية ليس هناك خضوع لمتطلبات المرودية أو الأداء الصحفي المهني الصرف، إن الجرائد المدعمة غالبا م لا تكترث لحجم مبيعاتها ما دام في كل الحالات هناك دعم الحزب وإعانات الدولة.
لقد أضحى دعم الجرائد ببلادنا كأنه " صدقة " تمنح لجرائد، من المال العام، وأن هناك منابر لا تصدر إلا بفضل " الدعم ـ الصدقة " دون سواه، والأمثلة ليست قليلة في هذا الصدد.
ألم يحن الوقت بعد، في ظل دولة الحق والقانون وسيادة المواطنة، وفي خضم مرحلة التغيير، مراجعة هذا الوضع خصوصا وأن المال الممنوح هو مال الشعب ؟ أليس من الأفضل والأوالمعنوية، في صيغ أخرى أكثر فعالية ؟ من الناحية العملية والمعنوية، للدعم غير صيغة الهبة والصدقة، كالإعفاء الضريبي وتسهيل الاستفادة من الإشهار و " قروض" مساعدة في ميدان التكوين أو اقتناء البنيات الأساسية أو الخروج من الضائقات المالية ؟
هذه مجرد علامة استفهام.

5
المراقبة الشعبية للمنتخبين
يبدو أن الوقت قد حان للتفكير في صيغة من صيغ المراقبة لتمكينهم من التصدي للمنتخب الذي يخل بدوره تجاههم بعد أن منحوه أصواتهم وثقتهم حتى تمكن من النجاح. خصوصا وأن دوره الأساسي يتمثل في تمثيل مصالحهم وطرح قضاياهم ومشاكلهم للبحث عن حلول لها.
ولعل أحسن السبل، هو تمكين المنتخب من احترام إرادة ناخبيه وعدم التلاعب بالثقة التي وضعوها فيه، لاسيما في كل ما هو مرتبط بالبحث عن المنفعة الشخصية عوض المنفعة العامة.
ومن الأسباب التي تؤكد إقرار مثل هذه المراقبة معاناة السكان من جراء أفعال وممارسات من انتخبوهم لتمثيلهم وطرح مشاكلهم. ومن شأن مثل هذه المراقبة أن تجعل الذين أخذوا على عاتقهم الدفاع عن الشأن العام أن يترشحوا للحصول على امتياز ، ماديا كان أم معنويا ، وإنما انطلاقا من قناعة خدمة الشأن العام التي تستوجب التضحية وليس الطمع في تحسين الوضع. ولعل من بين أهم الشروط التي يمكن أن تساعد على بلوغ هذه الغاية ضرورة توفر المرشح على كفاف العيش، لكن هيهات هيهات بين ما نريد وبين الواقع المعيش. فهناك جماعات تضم مستشارين عاطلين وآخرين، وهم كثرة لا يتوفرون على كفاف العيش. فهل لهؤلاء أن يضحوا لخدمة الشأن العام ؟
هذه مجرد علامة استفهام.


6
المقاطعة: من منا لا يعرفها ؟
من منا لا يتمنى أن يقاطعها إلى الأبد ؟!
لعل أول إدارة يتعرف عليها المرء في بلادنا رغما على أنفه هي المقاطعة. فمنذ أول لقاء مع هذه الوحدة الإدارية يتمنى لو استطاع مقاطعتها قطيعة تامة أو على الأقل أن تقاطعه هي...ولو تم ذلك لارتاح واستراح إلى الأبد.
فكيف أنها تسمى " مقاطعة " ولا تقوم بفعل القطيعة بل على العكس من ذلك تماما حيث أنها " تلصقه" 24 ساعة على 24 ساعة، إنها تلبسه ـ كما يقال ـ طول حياته من مرحلة تكونه في رحم أمه إلى مماته وأحيانا كثيرة حتى بعد وفاته ؟
إنها ليست " مقاطعة " وإنما " ملاصقة " " تدخل في الصحة " على الدوام.
هذه هي المقاطعة وما أدراك ما المقاطعة.. كل شيء وكل كبيرة وصغيرة تمر عبر المقاطعة. .وليس من الغريب أن تكون المقاطعة حاليا من أشهر بؤر الرشوة الأكثر تداولا في مجتمعنا..فمن منا لم يكتو بنارها ولو مرة في حياته، ولو على مستوى أدنى تسعيرتها ( 10 أو 20 درهما ).
فما محل هذه المقاطعة من الإصلاح والتغيير والترشيد ؟
لا حديث بتاتا عل هذه " المنطقة الممنوعة " التي حسب البعض ذوي الحنين القوي للعهود البائدة عليها أن تظل محافظة على هيبتها.
هذه هي المقاطعة، الوحدة الإدارية، التي من المفروض عليها أن تساهم بامتياز في تجسيد تقريب الإدارة من المواطن..لكن الواقع المعيش هو على العكس من ذلك بالتمام والكمال لأن المرء ببلادنا يفضل الابتعاد عنها بعد السماء عن الأرض لأن أي اقتراب منها من شأنه تنغيص الحياة عليه إن آجلا أم عاجلا.

7
خصوم الفكر كانوا ولازالوا موجودين ببلادنا، في كل مكان متأهبين، مستعدين للوثب والنهش والخبش والعض، تارة باسم دواعي الأمن، وأحيانا كثيرة من موقع التسلط والخوف على المواقع والمصالح.
فكم سابقا من كتاب صودر ؟ وكم من مؤلف مبدع توبع ؟ وكم من صحيفة منعت ؟ وكم من مشاريع جمعيات قبرت في المهد ؟ وكم من فكر نبذ؟ وكم من الأقلام وكم...وكم ؟
وكذلك كم من متمرد دجن؟ وكم من أفكار حضنت بعد تحويرها وإفراغها من مدلولها ؟ وكم من امرئ قبل " قبلة الموت " ؟.
 ألهذا وجب باستمرار حماية الحرية والدفاع عنها والاحتياط من الاغترار بالمظاهر ؟
هذه مجرد علامة استفهام.

8

يشعر أغلب الشباب ببلادنا بالاغتراب والفراغ واليأس والسأم، اندفع بعضهم إلى اعتناق مذاهب زادت من حيرتهم وقلقهم، ورمى بعضهم بأنفسهم إلى أحضان المخدرات هروبا أو تناسيا للواقع المر المزري.
وأساس القلق واليأس هو فقدان الثقة في الغد وضياع الأمل... فقدان الثقة في الوطن وانعدام قنوات مجدية لدمجهم في مجتمعهم عوض تفعيل آليات تهميشهم باستمرار.
إقدام شبابنا لا ترتكز على أرض صلبة، أغلبهم واعون وعيا نابضا ومدركون إدراكا ثاقبا أنهم مهمشون في وطنهم.
فكيف لهم وهم على هامش المجتمع أن يسايروا الركب الحضاري ؟
من أين لهم بذلك ومواكبة الركب الحضاري أول ما تستوجبه الثقة بالنفس ؟
وكيف لهم، وهم المهمشون قسرا ورغما عنهم، أن يعوا الحاضر والمستقبل وأن يساهموا في الخلق والإبداع خدمة للبلاد وتنميتها ؟
وكيف لهم أن يعتزوا بأنفسهم وأن يشعروا أنهم حاضرون في مسار ركب الإنسانية ؟
 هذه مجرد علامة استفهام !.

9
الفكرة...الكلمة ...حرية مطلقة يحميها القانون أصلا ولا يصادرها قضاة ولا شرطة ولا جهاز إداري أو أمني ولا قواد ولا شيوخ ولا إمام ولا مفتي ولا.الفكرة، الكلمة...لنا الحرية وكامل الحرية في قبولها أو لفظها أو رفضها لكن لا يمكن بأي وجه من الوجوه منعها أو اغتيالها لا من طرف سلطة ولا جهاز ولا بواسطة سلاح أو قمع أو تخويف أو ترهيب.
وهذا هو لب حرية التفكير والتعبير، لذا يقال أنها " مقدسة «..فلا مكان في ملفات القضاء لمتبعة تدعى جريمة الفكر أو الفكرة، أو جريمة الكلمة أو الرأي أو الموقف أو جريمة التعبير أو نشر مقال أو جريمة إصدار كتاب أو جريمة بث خبر.
وفي حالة عدم وجود حرية الفكر، ألن يكون هذا خرقا لمقتضيات الدستور بامتياز، فهو أعلى   قانون في الهرم يعلو ولا يعلى عليه ؟
هذه مجرد علامة استفهام !
10
أكثر من عشرة ملايين طفل دون الخامسة يموتون سنويا في العالم، ويشكل سوء التغذية سببا مباشرا أو غير مباشر لحدوث أكثر من 55 % من هذه الوفيات. و 75 % منهم مصابون بداء سوء التغذية دون بروز أعراضه عليهم.
وسوء التغذية ينجم عن غذاء غير متوازن، إنه ملازم للفقر في عالم يعيش فيه ما يناهز 5 مليار إنسان بأقل من 16 درهم يوميا.
وهذا ما دعا بعض ذوي النزعة الإنسانية إلى المطالبة بالاعتراف بحق جديد من حقوق الإنسان، وإصباغ عليه صفة حق من حقوقه المتعارف عليها دوليا، وهو " الحق في التغذية " فماذا يعني هذا الحق يا ترى ؟
" الحق في تغذية مجدية وحق كل إنسان في أن يكون في مأمن من الجوع " وحسب المنظمة العالمية لتغذية فإن أكثر من 800 مليون نسمة الذين يعانون من سوء التغذية في العالم هم بمثابة شهادة جلية وحجة صارخة على مدى الحرمان من ممارسة وتطبيق والاستفادة من هذا الحق.
ولازلنا نلاحظ أن الدول الغربية ـ بعضها على الأقل ـ لا تتورع في استعمال السلاح الغذائي ضد دول أخرى، ولعل حالة العراق كافية كمثال، فهل من المشروع ومن باب الشرعية استعمال العقوبات الغذايئة ؟
وهناك تساؤل آخر أفظع:" حقوق الإنسان، تستعمل في حالة عدم احترامها والإقرار بها لمعاقبة الدول " الحق في التغذية "، ولا يحترم ولا يعتد به لمعاقبة بعض الدول فهل حقوق الإنسان أصبحت عملة، تحترم تارة وتنتهك أخرى لمجرد بلوغ الهدف: معاقبة الدول والشعوب لكن ليس أية دولة وأية شعوب ؟

11
إدارتنا بحاجة ماسة إلى " نظافة " الإثراء الغير المشروع على حساب الشأن العام
لا مناص من إرساء ثقافة المحاسبة والمساءلة
في فترة من الفترات تناقلت الأخبار اختلاسات مالية وتلاعبات بالمال العام، إلا أن أغلب هذه القضايا لا زالت في طي الكتمان.
لا يخفى على أحد أن هناك فسادا في مختلف جوانب تسيير الشأن العام لاسيما فيما يتعلق بتدبير المال العام، وهذا الفساد يعد من الأسباب الرئيسية للإثراء غير المشروع على حساب الشأن العام.
 سمعنا الكثير والكثير في هذا الصدد..
لقد تم الحديث عن 20 مليار سنتيم في قضية مواد المطاعم المدرسية وعن 90 مليون درهم في نازلة تعشير السيارات بطنجة وبضعة ملايين أخرى في نازلة مماثلة بالناظور وأكثر من مليار سنتيم في ملف وكالة الكهرباء والماء بالقنيطرة وملايين أخرى ببنك فلاحي و 3 ملايير ببنك عقاري ومليار بالخطوط الجوية وملايين ببنك و 4 ملايير بشركة مختلطة مغربية ـ فرنسية وملايين بإحدى الغرف التجارية والصناعية، وملايين أخرى بالسلف الشعبي.
كما سمعنا وقرأنا على صفحات بعض الجرائد أنه تم اكتشاف تجاوزرات ببنك مركزي تهم ملايين إلا أنه سويت القضية بإرجاع الأموال المتصرف فيها بدون إتباع المساطر الواجب إتباعها ربما لتفادي ولتلافي الفضيحة في وقت تم تقديم موظفين في مختلف وكالات البنك بتهمة اختلاس مبالغ مالية أقل أهمية، وهذا ما حدث كذلك في إطار وكالة أنباء عندما سويت القضية مع أحد أطرها دون اللجوء إلى القضاء.
أما الاختلاسات المتعلقة بالجماعات المحلية والمجالس المنتخبة، فقد نشرت عنها الصحف الكثير، كما أن المجلس الأعلى للحسابات وقف على عدة خروقات في الملفات المتعلقة بتسيير وتدبير الجماعات المحلية إلا أن هذا المجلس لا يمكنه القضاء بالإكراه البدني، مما دفع إلى التساؤل حول إمكانية عرض بعض تلك الملفات على القضاء أو تطبيق القوانين الجاري بها العمل بصددها.
 وللإشارة فإن الملفات المرتبطة بالجماعات المحلية والمجالس المنتخبة التي عرضت على أنظار محكمة العدل الخاصة بالرباط لم تهم إلا قضية رئيس مجلس بلدي بمراكش والملفات المتعلقة ببعض مداخيل المجازر في بعض الجهات في بلادنا، وقد تم الاعتماد بالدرجة الأولى على الاختلال الحاصل بين إحصائيات الأطباء البيطريين التابعين لوزراة الفلاحة والمداخيل المثبتة في حسابات القباضات البلدية ، علما أن هذه الاختلالات توجد بالنسبة لكافة الجماعات المغربية بدون استثناء ، إلا أنه تم الاقتصار على متابعة موظفين بعضهم دون آخرين.
وهذه وضعية دعت إلى عدة تساؤلات، لاسيما وأنه ساد اعتقاد مفاده، أن الغرض من ذلك كان تهدئة حملة التطهير وذر الرماد في العيون، ولما تبين أن المسألة أكبر من ذلك تم " حبس المرقة " كما يقال، علما أن مجموعة من الموظفين الجماعيين ذهبوا ضحية في هذا الإطار ولا من التفت إلى حالهم.
إن المتتبع للوضع في هذا المجال يستخلص أننا نسمع الكثير من سوء تدبير الأموال العامة لكن نادرا ما نسمع عن متبعة المسؤولين عن تلك الأفعال، وحين يحدث ذلك يكون المتهم مجرد كبش، ضحية يتحمل مالا طاقة له به.
هذا في وقت ظلت فيه المحاسبة والمساءلة مطلبا أساسيا للشعب المغربي والمجتمع المدني لأن هناك عدة جرائم ارتكبت في حقه وضد مصالحه ولأن ثروات البلاد تعرضت لنهب وحشي قل مثيله في العالم.
ومن المعلوم أن المحاسبة مرتبطة ارتباطا عضويا مع تحمل المسؤولية إنها تتمفصل معها ـ حي أن المسؤولية لن تستقيم بغياب المحاسبة، إلا أنه في بلادنا سادت ثقافة عدم المحاسبة وتغييبها، وهي ثقافة كرسها المخزن وأجهزته وآلياته ودواليبه تكريسا. لقد تم تغييب ثقافة المحاسبة والمساءلة إراديا لذا كانت المؤسسات التشريعية ومختلف الهيئات المنتخبة تفتقد للمصداقية اللازمة لوجودها النزيه.
 وهذا الواقع ساهم في تشجيع عدد من المسرولين إلى الاهتمام بمصالحهم الشخصية وتحصين وتنمية امتيازا تهم وتوسيع معاملاتهم المالية والتجارية والعقارية على حساب مسؤولياتهم التي تملصوا منها تملصا.
 والآن وقد كثر الحديث عن تخليق الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لكن لابد من العلم أنه لا تخليق بدون إرساء ثقافة المحاسبة والمساءلة وبدون بجدير منطق التقييم ومحاسبة المسؤولين كيفما كان موقعهم، لأن لكل مواطن الحق في محاسبتهم وطلب مساءلتهم.
لكن هل فعلا يمكن في أي وقت مهما كانت الظروف مسائلة الذين خربوا البلاد أو ساهموا بشكل أو بآخر في تخريبها لاسيما وأن إصلاح ما تم تخريبه من شأنه أن يرهن مستقبل أكثر من جيل ؟
هل يمكن مساءلة مسؤولين سابقين وآخرين في أمور أزكمت رائحتها الأنوف على امتداد أربعة عقود ؟
للوهلة الأولى يبدو أن الأمر مستبعد في الظروف الحالية خصوصا وأن هناك شخصيات من العيار الثقيل معنية بشكل أو بآخر في هذا الأمر أو ذاك أو هذا القطاع أو ذاك. .فالقضية ضخمة لأنها تهم فترات سوداء من تاريخ البلاد اقترفت خلالها " جرائم " في حق العباد والبلاد إلى حد أن كرامة المواطن العادي كادت تنزل إلى الحضيض.
أكيد أن الظروف عموما لا تساعد على المساءلة كما هو مأمول لكن من الأكيد أنه لا مناص من إرساء ثقافة المحاسبة والمساءلة وأول خطوة في هذا الدرب هو التصدي بقوة لبنيان ثقافة عدم المحاسبة والمساءلة التي تكرسها العقلية التي سادت في كل ما هو مرتبط بتدبير الشأن العام.

12
هؤلاء المسؤولين عن الشأن العام:
هذه الجهة، حقق بها السالفون لأنفسهم ولذويهم المقربين إليهم، من متملقين، ولاعقي الأحذية اللمعة..أكثر مما حققوه لهذه المنطقة التي تدحرجت نحو هاوية التردي والتقهقر.
هل فتحوا مكاتبهم لمعاناة المواطنين ؟
 
 أكثر من منطقة وجهة ببلادنا محتاجة إلى وضع الإصبع على مكامن الداء المستشري فيها وفي عدد من مرافقها وقطاعاتها ومجالاتها...وأكثر من منطقة وجهة ببلادنا أصيبت ساكنتها بخيبة أمل بسبب تقوقع المسؤولين المتعاقبين على تسيير الأمور فيها، في المكاتب الوثيرة وفوق الكراسي الدوارة التي تجلب النوم والارتخاء أكثر ما تدعو إلى الحيوية والعمل والمثابرة وتفقد الشأن العام...ومنطقة وجهة طنجة لا تخرج على هذه القاعدة العامة... لقد حقق بها السالفون لأنفسهم ولذويهم المقربين إليهم، من متملقين، ولاعقي الأحذية اللماعة...أكثر مما حققوه لهذه المنطقة التي تدحرجت نحو هاوية التردي والتقهقر فيما كانت في وقت مضى من أهم مناطق المملكة على جميع المستويات وفي كافة المجالات...وها قد مرت على المنطقة فترة من المحسوبية والزبونية والتسيب والفوضى إلى أن أصبحت فضاءا مهمشا بعد أن تهمشت فيها الطاقات الحية من رياضيين ومثقفين وفنانين ومفكرين، في حين أصبحت بعض الأماكن والأحياء بالمدينة تعد خارج الدائرة، وربما بعضها خارج مسار التاريخ.
إنه ليس من ريب في أن السالفين ممن تعاقبوا على تسيير الشأن العام، ما فتئ داء التقصير يجتاح وعقولهم لينخر بالتالي جسد هذه المنطقة التي توجت ردحا للسلبية والعطالة والعهر والإجرام والوقاحة المتناثرة في كل مكان، فيما أضحت تحتل الصدارة في تفريخ المقاهي والأوكار والحانات والنوادي الليلية التي تعج بجيوش من المومسات من كل صنف واللاهثين وراء المؤخرات والملذات والمتع النتنة.
وما كانت هذه المنطقة أن تسقط في مستنقعات التهلكة لولا تقاعس امسؤولين وقد كان حريا بهؤلاء أن يأخذوا بزمام الأمور ويتفقدوا الأحوال عن قرب وليس من خلال تقارير الأجهزة والإدارات بل من خلال المعاينة المباشرة للمرافق والأحياء والمؤسسات العمومية والخاصة.
إنه ليحز في النفس أي واحد مما سبق ما سجل له الشارع أو الرأي العام أن خرج من مكتبه راجلا ليستقبل حافلة من حافلات النقل الحضري مثلا حتى يعايش بالملموس المعاناة والمكابدة الحقيقية التي يتخبط فيها السكان عدة مرات في اليوم أو أنه جاب الأحياء رفقة رجالاته وأعوانه حتى يقف على تلك " العصابات " المتواجدة " هنا وهناك لإرهاب المارة وترويج الخمور السوداء وترويج الأجساد كذلك ببعض دور الدعارة، أو فتح مكتبه على مصراعيه لتلقي شكاوى وتظلمات المواطنين الذين كانوا يجدون الأبواب والنوافذ موصدة في وجههم، فيما كانت تشرع لبعض المحظوظين والمعارف والمقربين، أو أنه اقتص برهة زمنية من وقته لحضور بعض دورات المجالس والجماعات حتى يتعرف عن قرب عن طبيعة التسيير والتدبير، بالطرق التي يعلمها الجميع، بل ومراقبتهم ومحاسبتهم عبر لجان محلية أو مركزية وذلك رغم ما نشر وتم تداوله بالشارع.
إن هذه المنطقة في حاجة إلى مسؤول ينهض بجميع المجالات دفعة واحدة، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والرياضية والفنية وكلها مجالات أضحت معوقة عرجاء...ولعل ذلك لا يتأتى إلا بالتحلي بالتواضع والجدية والصرامة المعيش والضرب على أيدي أي متلاعب أو مستهتر أو مستخف بمسؤوليته كيفما كان موقعه أو حجمه ...وفي التاريخ عبر ودروس وفوائد، ولهم ولنا في الملك الشاب ملك الفقراء أسوة ومثال فهل أنتم فاعلون ؟
هذه مجرد علامة استفهام.
13
كفى من مرجعية اسمها " البنك الدولي"
لحد الآن لازلنا نعاين غياب ممارسة ينتظرها جميع الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين والسياسيين وعموم فئات الشعب من الحكومة.. إنه إجراء لا يتطلب ميزانية إضافية ولا برمجة ولا قروض ولا توظيفات جديدة...إنه يتطلب فقط إرادة وجدية وموضوعية ومصداقية والأخذ بعين الاعتبار احترام الشعب المغربي، صاحب السيادة.
إنها تقارير دورية مسؤولة عن مختلف الميادين التي تهم الشأن العام وتهم الشعب والرأي العام وذلك لإرساء عادة ستظل قائمة..إعداد تقارير دورية مسؤولة " سنوية أو مرتين في السنة أو موسمية" حول الوضعية الاقتصادية وحالة الاقتصاد المغربي والوضعية الاجتماعية وواقع القطاعات الاجتماعية، تقارير تطلق بالثلاث، المبدأ بالقول الدائم أن " العام زين" أو " كل شيء بخير" وتعتمد على الحقيقة والموضوعية لتمكين مختلف الفعاليات والفاعلين ومختلف فئات الشعب من تقييم عمل الحكومة وتنميته، وهذا إجراء واجب وضروري لتمكين الشعب المغربي ـ المعني الأول والأخير ـ من مواكبة الحكومة وممثليه في المؤسسات الدستورية والجماعات المحلية.
ولكي تكون هذه الممارسة مجدية لا مناص من ارتكازها على النزاهة واعتماد الصراحة والموضوعية والشجاعة لتعرية المشاكل والنواقص. وأملنا أن تصبح تلك التقارير مرجعية ذات قيمة يرجع إليها الباحثون والمهتمون عوض اللجوء إلى الأجانب ومواقفهم حول واقعنا. إن إخبار الشعب المغربي بحقائق الأمور حق من حقوق الإنسان ومبدأ أساسي   من مبادئ المواطنة.
أليس من العار أن يكون المرجع لكل ما يتعلق بأمور اقتصادنا وواقعنا الاجتماعي هو البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي أو نادي باريس وروما وغيرها.

14
أصبح كل من هب ودب يتحدث عن الشفافية..في كل وقت وحين.. في كل القطاعات والمجالات.
فعلا، الشفافية والوضوح أساس كل ممارسة سليمة، وسد مانع منيع لتلافي القيل والقال.
 والشفافية والوضوح وتسليط الأضواء...كلها أمور ضرورية في مختلف المجالات والقطاعات.
ففي ميدان التحفيظ العقاري والحقوق العينية، هناك الشهر العقاري، ويعتمد بالأساس على الإشهار والبيان والوضوح.. وفي مجال العدالة والميدان القضائي هناك إلزامية إشهار الأحكام والقرارات...وفي المجال التجاري هناك عرض المنتوج والتعريف به وإشهاره....
والشفافية في فضاء دولة الحق والقانون من اللازم أن يطالا كل الميادين ومختلفات المجالات، لاسيما المجال السياسي والمجال الإداري، ومجال الإعلام والإخبار، ومجال المشاركة في تدبير الشأن العام...إن عهد اتخاذ القرارات " حسي مسي ولا من شاف ولا من دري" قد ولى بلا رجعة، ولضمان أن يكون الحال كذلك لا مناص من تغيير العقليات...فالشفافية والوضوح يستلزمان عقليات جديدة تطلق الطلاق الثلاث المحسوبية والزبونية والولاء الأعمى والقبائلية والعشائرية وغيرها من التصرفات والسلوكات المتجاوزة..لكن تغيير العقلية ببلادنا لازال مشروطا إلى درجة كبيرة بتوفير شروط العيش الكريم لإزاحة ظروف الولاء المفروض والخوف على فرصة ضمان لقمة العيش حتى يكون المواطن في حماية تامة وأمن تام على وجوده ووجود ذويه، وآنذاك، وليس قبله، يمكنه أن يواجه بكل شجاعة وجرأة بالشفافية وبالوضوح فيما هو مرتبط بكل جوانب حياته.
إنه من بين التحديات الفعلية التي مازالت تنتظر بلادنا، فهلا نحن مستعدون لذلك ؟
هذه مجرد علامة استفهام.

15
جماعاتنا المحلية بين الجهل والتجاهل.
تمتاز اللوبيات المتحكمة في مجالس جماعاتنا المحلية بضيق المستوى العلمي والثقافي والتأهيلي لأعضائها. ومن المعلوم أن العنصر البشري هو في ذات الوقت وسيلة وغاية لأية تنمية . إنه وسيلة لتحقيق الديمقراطية والتنمية، ولكونه كذلك فإن النتائج المتوصل إليها تكون مرتبطة بمستوى وفعالية الوسيلة، أي العنصر البشري الفاعل فيها، وفي هذا الصدد فلم تجد مدننا في هذين المجالين ( الديمقراطية المحلية والتنمية المحلية) إلا ما يعكس مستوى المنتخبين الذين اختارهم السكان، ليس كلهم طبعا لأن هناك من هم في المستوى لكن لا تأخذ بعين الاعتبار اقتراحاتهم وتصوراتهم وآراءهم لأنهم خارج اللوبيات، لذا فمن الطبيعي والمنطقي مطالبة فاقد الشيء أن يعطيه، فالمنتخب المحلي ( لاسيما ذلك الذي يتحكم في دواليب الأمور) أعطى ما يعكس مستواه التأهيلي ومستوى وعيه بمسوؤليته التاريخية و " المواطناتية".
فهل أغلب منتجي مجالسنا يمثلون فعلا، بصدق ونزاهة السكان الذين اختاروهم ومنحوهم ثقتهم؟ وهل فعلا تتبعوا ذلك وقاموا بما يلزم من أجل تحقيقه ؟ وهل ظل اتصالهم وتواصلهم بسكان دوائرهم قائما؟
إن محاولة الجواب على هذه الأسئلة بموضوعية يدفعنا إلى إعادة طرح ضرورة وإلزامية الاهتمام بمستوى المستشار الجماعي المحلي ومؤهلاته لأنه لا قيمة للسلطات والصلاحيات التي تتوفر على مجالسنا ـ دستوريا وقانونيا ـ إن هي وضعت بين أيدي أناس تنقصهم الكفاءة وشروط الحد الأدنى لممارسة تلك السلطات والصلاحيات فلا محالة أن النتائج سوف لن تكون مرضية، وهذا منبع أهم أسباب المسار الذي سارت فيه جماعاتنا.
 إن تدبير وتسيير الشأن العام وشؤون الجماعة لا يمكن أن يضطلع بها أي كان وإنما يتطلبان منتخبين ذوي تجربة وتكوين وتأهيل وتفرغ لممارسة تلك المسؤولية الجسيمة. وهذه شروط قل ما وفر في مستشاري الجماعات. وما دام الوضع كان دائما كذلك فإن تدخل الوصاية تنمي وتقوي. ولا زال هذا الوضع يساهم في تقوية الوصاية على مجالسنا الجماعية، حتى أصبحت بالنسبة لأغلبها ضرورية ولازمة ما دام أغلبية أعضاء المجالس " غير راشدين " من الزاوية التأهيلية والسياسية والتدبيرية والعلمية. وبكل موضوعية، وبعيدا عن الخطابة السياسية المجانية، لا يمكن والحالة هاته المناداة بإلغاء الوصاية أو تقليصها إلا بعد ضمان " الرشد والترشيد" من حيث الزوايا المذكورة رغم أن الوصاية في مفهوم الميثاق الجماعي يجب النظر إليها كمشاركة الجهة الوصية المجالس المنتخبة في تدبير أمورها.
إذن يعتبر التوفر على منتخبين ذوي الكفاءة والقدرة على تسيير وتدبير الشؤون المحلية شرطا أساسيا وحيويا لضمان الاستقلالية والتمكن من تحمل أسس الديمقراطية المحلية وانطلاقة التنمية المحلية.
وهو في الحقيقة من بين الشروط التي يفتقدها أغلبية المنتخبين بمجالسنا، أغلبيتهم وليس كلهم، وهذا واقع لا يشجع على تمكين السكان من المساهمة في تدبير شؤونهم والدفاع عن مصالحهم وضمان تطبيق اختياراتهم.
فكيف للأمور أن تستقيم ونحن لا نتوفر على أغلبية من أعضاء الهيئات المنتخبة مؤهلة تأهيلا مرضيا لتحمل المسؤولية. وهذا في وقت يتفق فيه الجميع على أن الأمية ومحدودية المعرفة والتكوين المحليين العقلانيين الراشدين والمجديين لاسيما في ظرف يستوجب ضرورة سيادة التدبير العقلاني والتسيير السليم للأموال العمومية، الضامن للفعالية والجدوى والكفيل بتحقيق المردودية المرجوة؟
16
يؤاخذون المعلم على فتح محلبة صغيرة ويغضون الطرف عن وزير يتقاضى عدة أجور من خزينة الدولة !
قالها الوزير الأول، ولكن من يعبأ بكلام الوزير الأول ؟!
لقد قيل سيمنع تراكم الوظائف أو وظيفة ومهنة حرة... لقد قالوا أنها أول خطوة في تخليق الحياة العامة.
ومن المعلوم أن منشور الوزير الأول عدد 99/30 المؤرخ في 19 نوفمبر 199 يمنع منعا كليا تراكم الوظائف الممارسة بالنسبة لشخص واحد.
ومن المعروف أن الأغلبية الساحقة للموظفين السامين ببلادنا يراكمون أكثر من وظيفة وعمل ويتقاضون عليها أجورا ويجنون أرباحا، حيث أنهم يزاولون، بشكل أو بآخر، أنشطة مريحة موازاة مع وظيفتهم الرسمية.
ولعل نظرة خاطفة على الشركات الكبرى والمتوسطة وأصحابها كفيلة بتباين هذا الأمر بجلاء وبصفة لا تترك أي مجال لأدنى شك ممكن.
وعلاوة على أن هذا الواقع لا ينسجم بتاتا مع الظرفية التي تجتازها بلادنا الرازحة تحت وطأة البطالة وقسوة العيش بالنسبة لأوسع الفئات، لكن يبدو أنها وضعية تقع خارج مقتضيات منشور الوزير الأول المشار إليه أعلاه.
فإذا كان بعض منادية التعليم هنا وهناك قد لمحوا لبعض المعلمين الذين يمتلكون حوانيت لبيع البيض بالتقسيط أو لترييش الدجاج أو محلبات صغيرة أو مشاريع أخرى مماثلة ـ أنهم يعتبرون في وضعية غير قانونية اعتبارا لمقتضيات منشور الوزير الأول في وقت لم يحرك فيه الوزير ساكنا فيما يتعلق بأصحاب الوظائف الكبيرة. ولحد الآن ما زالت الأمور لا تعدو أن تكون مجرد كلام.
 وللعلم فإن منع تراكم الوظائف يهم مختلف الأنشطة التي ترمي إلى الحصول على مدخول مادي. وهناك بعض المسؤولين يصرون إصرارا على الاضطلاع بأكثر من مسؤولية مؤدى عنها، في وقت يعاين الجميع أن تراكم المسؤوليات وما يتبعها من نعم وفوائد على بعد الأشخاص ينافي كليا مطلقا وكليا مع الروح الديمقراطية ولا يتماشى وخصوصيات الظرف الذي تجتازه بلادنا.
فإلى متى سنستمر في التعامل مع هذه الإشكالية بمنهجية النعامة أو بمنهجية " من بعدي الطوفان"؟
 هذه مجرد علامة استفهام.

17
أطفالنا وشبابنا والشارع.
بدافع الرغبة في نسيان الواقع أو تناسيه التجأ هؤلاء إلى الشارع، لأنه الفضاء الذي لا يحتاج لا لوساطة ولا لزبونية ولا لمحسوبية ولا لعولمة خاصة من نوع خاص.
الشارع فضاء اجتماعي له نظامه وقواعده وأعرافه وسلمه التراتبي لمختلف الفئات والشرائح الفاعلة فوالوظيفة.يفة.بداية هذا القرن عرف تغييرات هيكلية ليس على مستوى الشكل فحسب، بل وعلى مستوى اوالوظيفة.يفة ...
فأطفال وشباب نهاية القرن عاشوا وعايشوا مختلف أشكال الظلم والجور والعنف والإقصاء وذاقوا جرعات من مختلف أساليب التمييز واستنشقوا روائح التهميش والإهمال ولنسيان..
وفي ظل هذا الخضم، وبدافع الرغبة في نسيان الواقع أو تناسيه التجأ هؤلاء إلى الشارع، لأنه الفضاء الذي لا يحتاج لا لوساطة ولا لزبونية ولا لمحسوبية ولا لعولمة خاصة من نوع خاص.
في السابق كان الشارع فضاءا للمتسولين والمجرمين والبغاء والتبركيك وبيع المخدرات والسرقة والسطو والاعتداء والتعدي والاحتيال...
وقد قيل أن كل أهل الشارع لا يصح أن يعتبروا وحوشا، ولكن يجب اعتبارهم هم أناس سقطوا من العش ودفئه"...
ومن أجل الحصول على مكان ومرتبة في " الهرم الاجتماعي " المرتبط بالشارع كان لابد من التوفر على بعض " المهارات" في عرف أهل الشارع مثل عدم الخوف والقدرة على سرعة التكيف مع مختلف الأوضاع وعدم عطاء أهمية واعتبار للعواقب، وخفة الأصابع واليد وغيرها من " الصفات " حسب عرف الشارع و " قوانينه".
إلا أنه منذ سنوات ظهرت " فئات" جديدة من أهل الشارع، لم يكن لها وجودا من قبل، " فئات" جديدة ولجت منظومة الشارع الاجتماعية، إنهم المهمشون الجدد العاطلون والمعطلون من حاملي الشهادات والأطفال من مختلف الأعمار ذكورا وإناثا..وهكذا أصبح للشارع " كوارده " و " فعالياته " من ذوي الثقافة والتكوين العالي، وذلك في بلد سائر في طريق النمو وما زال في حاجة لكل فعالياته البشرية في مختلف الميادين...أفلا يعكس هذا الواقع أننا ضحية اختيارات غير ملائمة وغير صائبة؟
 هذه مجرد علامة استفهام.

18
كاد المعلم أن يكون...
كان موظفو التعليم ينتظرون الاستمتاع بمستحقاتهم المتأخرة عن الترقية الداخلية، لكنهم توصلوا بلوائح تلزمهم بتوقيع طلبات الترشيح للترقية، في وقت تعتبر تلك الترقية حقا مكتسبا، لاسيما وأن هناك عددا هائلا من الموظفين قد استوفوا منذ سنوات الشروط، لكن تم بكل بساطة إقصاؤهم من اللوائح. والحالة هاته، على هؤلاء الآن التماس إدماجهم ضمن اللوائح وهذا يعني أنهم سيستعطفون ليتمكنوا من حقهم المكتسب. فهناك من بين هؤلاء من ينتظرون تسوية الوضعية التي اكتسبوها عن جدارة واستحقاق وبعد استيفاء كل الشروط منذ سنوات خلت.
أهذا هو التغيير الذي طالما انتظره رجل التعليم من حكومة التغيير ؟
ألا يعتبر هذا " لعب عيال " في وقت الحديث جاري فيه على أشده عن إصلاح منظومة تعليمنا ؟
 علما أنه بات من المعروف أن أي إصلاح كي يكون مجديا يجب أولا وقبل كل شيء أن يهتم بالعنصر البشري الذي يعتبر صلة وصل بين الإصلاح كفكرة ومشروع الإصلاح كممارسة على أرض الواقع.
 فهل إصلاح وضعية التعليم غير واردة في مشروع المنظومة أم أن رجل تعليمنا يكفيه أن نقول له:" كاد المعلم أن يكون رسولا "؟
فهل بهذا المنظور يجب أن نفهم الإصلاح الحالي أم بمنظور مخالف تماما ؟
 هذه مجرد علامة استفهام.

19

ماذا جرى للإنسان في مدينتنا والمدن الأخرى في جهتنا والجهات الأخرى ؟
لماذا يشعر الكل بالإحباط، باليأس، بالوحشة ؟ لماذا يأكل القوي الضعيف رغم ترسانة جد هائلة من القوانين والمساطر والنصوص، ورغم بنايات فخمة تارة ومتهارية آيلة للسقوط تارة أخرى مكتبو عليها بخط بارز " المحكمة " من درجة من الدرجات المتعارف عليها ؟
لماذا الظلم والتسلط في كل الميادين ومظاهر الحياة ولا من يدينه إلى درجة تحول فيها " إذا رأيتم منكرا فغيروه" إلى إذا رأيتم منكرا فساندوه أو أحسن الظروف " إذا رأيتم منكرا فاصمتوا "...؟
لماذا الكل يشكو ولا من يندد...؟
 لماذا الكل يعاني...؟
 الذي يبحث على لقمة العيش الحلل يعاني...
 والذي يعي بضرورة قول كلمة حق يعاني...
 والذي يدافع على الحق عليه أن يكون مستعدا لتحمل العواقب
 والذي يسعى لتعليم أبنائه يعاني...
والتلاميذ والطلبة يعانون من النهج والمنهج وجدوى الانكباب على الدرس والتحصيل...
 والمثقف يعاني من سيادة ثقافة قرنوسطية وإعلام يهمش..
لماذا الإنسان في مجتمعنا متهم حتى تظهر براءته عوض أن يكون بريئا حتى تثبت إدانته؟
 ألأنه متهم إلى حين إثبات براءته لذلك السجون مكتظة والملفات متراكمة على المحاكم بمختلف درجاتها واختصاصاتها ؟
ألذلك لا تحترم صفة الإنسان لأنه متهم أصلا وعليه إثبات عكس ذلك ؟
 ألهذا ملايين من المهمشين يعيشون لحظتهم ولا يعرفون ما تخبئ لهم اللحظة القريبة القادمة ؟
 لماذا الكل يعاني...؟ هذه علامة استفهام.

20
كيف نتواصل....؟
تواصل شخص بآخر يعكس شخصيته. فهناك التواصل الطبيعي وهو احتكاك بالآخر يتمظهر عبر صداقات وعداوات تفاهم أو سوء تفاهم، اهتمام أو لامبالاة، احترام وتقدير أو إهانة واحتقار، ترابط أو قطيعة...
فهناك من يرغب في المشاركة في اللعبة بالقبول تارة والمواجهة أخرى...
 وهناك من يكتفي بالقبول والرضي والتفرج...وهناك من يقتصر على المعارضة والمواجهة..على الهدم والتدمير..
وهناك من يصبو إلى تغيير واقعه وواقع الآخرين...
 وهناك من يجتهد في محاولة التكيف والتأقلم مع الظروف والأحوال وتحملها.
وهناك من هو خارج الواقع لا يعيره أي اهتمام إيجابا أو سلبا.
وهناك من يفكر في نفسه وفي نفسه فقط..
وهناك من يفكر في نفسه قبل التفكير في الغير...
وهناك من يفكر في الغير مثلما يفكر في نفسه..
وهناك من يفكر في الغير قبل نفسه...
وهناك من لا يفكر لا في نفسه ولا في غيره..
هناك من يحترس من الآخر، وهناك من يحيا للارتباط بالآخر...
فهناك تواصل وتواصل...ما هو متعارف عليه وما هو غير ذلك، وهناك التواصل المعلن والمسكوت عنه، لكن المهم، بل الأهم هو: لماذا نتواصل ؟
وكيف نتواصل ؟
 ...هذه علامة استفهام...

الفقرقراطية بالمغرب


منذ أن حصل المغرب على استقلاله في أواسط خمسينات القرن الماضي, و على امتداد أكثر من أربعة عقود, و حكوماته المتعاقبة تتحدث عن وضع سياسات و خطط و تحدد الميزانيات و تنفق الأموال لكي تحقق التنمية لتحسين مستوى المعيشة و التصدي للفقر.  و بعد كل هذه الجهود و الأموال التي صرفت, و السياسات التي بلورت, تم تكريس الفقر و اتسعت دائرته و تر سخت آليات التفقير إلى أن وصل الحال إلى ما هو عليه الآن بالمغرب.
 
فبالرغم من أن المغاربة يذلوا جهودا كبيرة و عانوا كثيرا من الحرمان و أثقلت كهولهم بالضرائب العادية منها و الاستثنائية منها و التضامنية, فإنهم ظلوا يعاينون تدهور أحوالهم المعيشية, لاسيما منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي, حيث ازداد الفقر توسعا بشكل لم يسبق له مثيل. و هكذا قد يبدو أن النمو الاقتصادي الذي حققه المغرب, تحقق بالأساس من خلال تدهور مستوى معيشة أوسع فئات الشعب و على حساب توسيع دائرة الفقر. إذن, فأين ذهبت ثمار النمو الاقتصادي؟
 
إن جزءا كبيرا منها ذهب إلى القلة و إلى الهذر بأشكاله المختلفة و إلى الاستهلاك البذخي. و هكذا ازداد الفقر و انتشر و اتسعت الهوة بين القلة الغنية التي لا تكاد تبين عدديا أمام الأغلبية الساحقة الفقيرة.
 
إن توزيع و إعادة توزيع الثروات و الخيرات الوطنية من أهم مقاصد تدبير معاش و عيشة الإنسان في أية دولة. كما أنه من المعلوم أن الدولة هي التي تشرف على عملية هذا التوزيع و إعادة التوزيع عبر جملة من الآليات الظاهرة منها و الباطنية, المشروعة منها و غير المشروعة, المباشرة و غير المباشرة أو الملتوية. و بذلك, فان تناول إشكالية الفقر بالمغرب تلزمنا أن نتناولها آخذين بعين الاعتبار الإطار العام للمسار الاجتماعي و الاقتصادي للبلاد, خاصة فيما يتعلق بالاختيارات الكبرى التي نهجها القائمون على أموره منذ الاستقلال. لاسيما ما عرفته البلاد مع نهاية سبعينات و فجر ثمانينات القرن الماضي من اعتماد سياسة التقويم الهيكلي و التي ترجمت على شكل صرامة مالية لم يسبق لها مثيل من أجل تقليص العجز للاستفادة من قروض جديدة و تقليص حجمها و تصحيح التوازنات الاقتصادية. و بعبارة أخرى أوضح, تخلي الدولة و انسحابها عن أداء مهامها الأساسية في قطاعات اجتماعية حيوية. و لا يخفى على أحد أن هذه السياسة و برامجها مست مصالح عمومية و اجتماعية متعددة. و بذلك, بين عشية و ضحاها و دون سابق إنذار, تقلص دعم مواد و منتوجات أساسية و انخفضت المصاريف العمومية المتعلقة بالتربية و التعليم والتكوين و الصحة و قطاعات اجتماعية أخرى أصابت في العمق العائلات الفقيرة و المتوسطة. و تصاعد بذلك مستوى الفقر بشكل لم يسبق له مثيل فيما بين سنتي 1984 و 1990, و لازالت الصيرورة فاعلة فعلها في نفس الاتجاه حاليا. كما أن الاقتصاد المغربي لازال إلى حد الآن عاجزا عن الخروج من دوامة ما يسمى " بالاكراهات" سعيا للحفاظ على التوازنات الماكرواقتصادية و التخفيف من ضغوط المديونية و محاولة امتصاص العجز المتراكم في مختلف القطاعات الاجتماعية, و خاصة منها التشغيل و السكن و التعليم و الصحة. و بذلك تراكمت المعضلات الاجتماعية المتمثلة في ارتفاع نسبة الفقر و توسع دائرة البطالة و انتشار السكن العشوائي و غير اللائق و ارتفاع عدد المرضى, لاسيما المصابين بأمراض مزمنة و العقم المكشوف للمنظومة التعليمية.
 
و يمكن تلمس درجة و مظاهر الفقر بالمغرب عبر مراتب الحاجيات الإنسانية التي يمكن تصنيفها إلى 3 أنواع :  ضروري و حاجي و تحسيني. و الضروري هو ما لابد منه في قيام مصالح العيش المقبول و لوازمه. و فقدان هذا النوع من الحاجيات من شأنه بالتأكيد الجر إلى الفساد و الفوضى و الظلم و الحيف الاجتماعي.
 
إن المغرب بلد غني منتشر فيه الفقر. فالدخل الفردي المتوسط قد يصل إلى 1250 دولار أمريكي, إلا أن الفوارق الاجتماعية صارخة و تزداد توسعا. فالهوة تتسع باستمرار بين الفئات الأكثر فقرا و الفئات الأكثر غنى. لقد أصبح 10 في المائة من الساكنة يستهلكون أكثر من 15 مرة ما يستهلكه ذوي الدخل الضعيف و المتوسط, و هؤلاء كثيرون, إذ لا مجال للمقارنة بفعل التباعد الذي يقاس بالسنوات النوري. هناك ما يناهز 10 ملايين مغربي لا يفوق دخلهم اليومي 20 درهما (دولارين اثنين) و 15 في المائة من الساكنة تعيش تحت عتبة الفقر, و ما يقارب نصف الساكنة يتموقع دخلهم الشهري في حدود أقل من 600 درهم ( 60 دولار).  و هذا يبين بجلاء الأهمية العددية للفئات المهمشة أو التي في طريقها إلى التهميش المحتوم. و الفوارق في أجور الموظفين قد تتباعد من 1 إلى 100 تقريبا و هذا وضع قل نظيره بالعلم, و هو أمر أضحى عير مقبول في ظل انتشار الفقر, إذ هناك 6 مواطنين من أصل 10 يعيشون في وضع فقر مدقع. في حين أن ميسوري الحال لا يتعدون 20 في المائة بينما يعاني 80 في المائة من السكان من ضعف الراتب والدخل انهيار قدرتهم الشرائية, لاسيما في العلم القروي الذي يضم أكثر من 65 في المائة من فقراء المغرب. إلى حد أن أغلب المغاربة أضحوا لا يفكرون إلا في معضلات الإنفاق على متطلبات الغذاء و السكن, أما باقي الحاجيات الضرورية فلا طاقة لهم   لتوفير مصارفها.
 
و ما هذا الوضع إلا نتيجة موضوعية لمجمل السياسات التي اعتمدتها الدولة المغربية على امتداد أكثر من 4 عقود, و كانت بالأساس سياسات تكرس آليات التفقير و لا تكترث بالتصدي لأسباب الفقر حتى إبان فترات الازدهار الاقتصادي الذي عرفته البلاد, و قد ساهمت آليات التفقير الممنهج بالمغرب و بشكل كبير في تحطيم قيم العدالة الاجتماعية, إلى أن أضحت البلاد تعرف ارتفاعا في نسبة الفقر في السنوات الأخيرة, لم تعرف مثله على امتداد تاريخها.
 
إن العديد من العوامل و الظروف تراكمت و لازالت تتراكم, عملت على تكريس آليات التفقير و التهميش الاجتماعي خاصة في البادية. و ذلك أن المسار الاجتماعي و الاقتصادي بالمغرب, خاصة فيما يتعلق بالاختيارات الكبرى منذ الحصول على الاستقلال, كان تأثيره سلبي و مباشر على مصالح أغلبية الشعب المغربي, إذ أدى إلى تصاعد مستوى الفقر باستمرار, كما عجز عن الحد من تنامي انتشار الفقر. لقد فشل المغرب في مواجهة مشكلات الفقر و لم يستطع التخفيف من حدته. و لازالت إشكالية الفقر حاليا مثارا للقلق, بل أضحت تبعث على الانزعاج مع تنامي أعداد الأشخاص الذين يعيشون في حالة من البين. و لازالت الهوة بين الأغنياء و الفقراء تتسع بشكل بارز, كما تنوعت مظاهر الفقر و تعددت من جراء أزمة التشغيل و انتشار السكن غير اللائق و سيادة عدم الاستفادة من الخدمات الصحية بالنسبة للفقراء اعتبارا من جهة لتفشي الفساد و من جهة أخرى لعدم كفاية الخدمات الاجتماعية و ضمانها على مختلف التراب الوطني.
 
إن الفقر بالمغرب أصبح فقرا مركبا يتضمن الحرمان من جملة من المقومات الضرورية للحياة, طعام غير كافي و عدم التمكن من الرعاية الصحية و عدم القدرة على الاستفادة من سكن لائق و عدم الاطمئنان عن الغد القريب. و هذا الفقر لا يعود إلى كون أن الثروات الوطنية قد نقصت أو تراجعت, و إنما يعود بالأساس إلى الازدياد المطرد لثروات قلة لا تكاد تبين من المغاربة على حساب حرمان الأغلبية الساحقة. و لا يخفى على أحد أن اختلال ميزان العدالة الاجتماعية بشكل مفضوح من شأنه أن يحول إلى بؤرة للإجرام و الللاأمن ما دام افتقاد الإنسان للشعور بوجوده العادل و حقه الإنساني سوف يغرقه في مستنقع اليأس, و آنذاك سيكون مستعدا لأي شيء.
 
في الحقيقة هناك آليات فاعلة تعمل على ترسيخ صيرورة للتفقير المستدام, و هي آليات تنتج تفاوتا كبيرا في توزيع و إعادة توزيع الدخل, و تكرس حيفا مفضوحا في تحمل العبء الضريبي و تعتمد الاستخفاف بسياسات الرعاية الاجتماعية و سوء تدبير المال العام. و بذلك فهي تكرس استمرار تدفق الثروات على الأقلية في حين تزيد من تفقير الأغلبية, و تشجع على تهريب الأموال إلى الخارج من طرف هذه الأقلية, الشيء الذي يساهم في الاستنزاف الاقتصادي للبلاد.
 
لكل هذه الأسباب و غيرها علينا التحدث عن الفقرقراطية و ليس على مجرد الفقر, لأن أعداد الفقراء بالمغرب لم يتوقف يوما عن التزايد نتيجة للسياسات المعتمدة و المتبعة و للممارسات المكرسة في تدبير الشأن العام الوطني و المحلي. فالأمر يتعلق بفقرقراطية لأن الشيء الذي كان و لازال له مستقبل بالمغرب هو الفقر. و الفقرقراطية هي أدهى من الفقر, إنها آليات و ممارسات ممنهجة لاستدامة الفقر عبر صيرورة تفقير الفقير و اغناء كمشة لا تكاد تبين من جراء قلة عددها, و ذلك بواسطة مسلسلين, مسلسل الاستحواذ على خيرات و ثروات البلاد و احتكار ثمرات التنمية, و مسلسل تحميل الفئات الفقيرة عبء تمويل الميزانية العامة سواء على شكل تحميلها ما لا طاقة لها به, أو على شكل حرمانها من خدمات اجتماعية ضرورية.
لهذا نتحدث عن الفقرقراطية و ليس عن الفقر. فالفقر أهون من الفقرقراطية, لأن الأول حالة و واقع يمكن تغييره إذا حضرت الإرادة السياسية لذلك. أما الثانية فهي نهج و آلية و عقلية دائمة الفعل, و بالتالي تعمل على استدامة الفقر و توسيع مداه و دائرته.
 
و نتحدث عن الفقرقراطية و ليس عن مجرد الفقر, لأن هناك علاقة وثيقة و واضحة بين أنماط التدبير السائدة في بلورة السياسات العمومية من جهة, و بين تطور الفقر و اتساعه من جهة أخرى. و لأن الدولة أضحت غير قادرة على تهييء المناخ المناسب للاستثمار الذي له تأثير مباشر على ظاهرة الفقر, بحيث يمكنه خلق فرص للشغل يستفيد منها الفقراء. و لأن الدولة أصبحت غير قادرة على توفير الخدمات الأساسية الكافية و المجدية في ميدان التعليم و الصحة و الرياضة و الثقافة تساعد الفقراء على اكتساب الشروط الضرورية للتفاعل مع السوق و التمكن من ضمان دخل كافي لمواجهة المتطلبات الضرورية للحياة. و لأن الدولة فشلت في تدبير مختلف برامج محاربة آثار الفقر.
 
نتحدث عن الفقرقراطية و ليس عن الفقر, لأن هذا الفقر لم يعد ظاهرة طبيعية و إنما معضلة دائمة ناتجة عن اختيارات و سياسات اقتصادية و اجتماعية انتهجت منذ عقود. فهناك فقر و تفقير عبر آليات الفعل السياسي و الفعل الاقتصادي و الفعل الاجتماعي. فعندما يجد المواطن المغربي نفسه أمام الإدارة لقضاء مآربه أو لاجئا للقضاء لطلب حقه المسلوب أو مضطرا لطلب الاستفادة من أحدى الخدمات العلاجية أو الاجتماعية, آنذاك تبدو له و بجلاء الدلالات الحقيقية, ليس لفقره, و إنما لسيادة الفقرقراطية ببلاده. آنذاك تتضح له الصورة, كون أن الفقر بالمغرب ليس ظاهرة عابرة أو ظرفية أو مرحلية و إنما هو معطى دائم و حالة بنيوية و هيكلية بفعل آليات تفقير مستمرة, تعيد إنتاجه و توسيع مداه و انتشار دائرته. ففي المغرب أضحى الفقراء يلدون فقراء أكثر فقرا و الأغنياء يلدون أغنياء أكثر غنى. لذلك فالأمر لم يعد يتعلق بمجرد حالة فقر فحسب, و إنما بالفقرقراطية. علما أن اغلب برجوازية المغرب هي برجوازية المظاهر و ليست "برجوازية عقيدة" مرتبطة بالمقاولة و المبادرة الحرة, لأنه أصلا, في غالبيتها هي برجوازية غير مقاولة بالأساس, و إنما قامت بأدوار الوساطة و السمسرة و الارتشاء ة الاستفادة من الامتيازات السهلة دون بذل مجهودات, مما جعلها برجوازية طفيلية أو "طيف" برجوازية. كما أن هناك الأموال التي كدست في فترة غابت فيها الديموقراطية و سادت فيها المحسوبية واقتصاد الريع و أنظمة الو لاءات و الامتيازات و العطاءات السخية و غض الطرف عن نهب المال العام و التجاوزات.
 
و هناك عدة تمظهرات للفقرقراطية بالمغرب. و منها كثرة الدعاية و الهرج المناسباتي في كل حماة أو توزيع الصدقات. فمثلا في شهر رمضان تطلع عليك دعايات و ربورتاجات تحت عناوين بارزة من قبيل " موائد الإفطار تملأ شوارع المدينة",  و ما هذا إلا مثل من عينة عناوين الذين تمرسوا طويلا في تحويل مصائب أوسع فئات المجتمع إلى بشائر خير و دليل على التشبث بالدين الحنيف.
 
كما أنه من التمظهرات التي تدلنا على تكريس الفقرقراطية بالمغرب الفساد السياسي و الفساد الاقتصادي و الفساد الاجتماعي. و القاسم المشترك لكل هذه الأنواع من الفساد هو أن هناك كمشة مستفيدة منه و مؤثرة فيه- أي أصحاب النفوذ و المقربون- و هذا الفساد ساد و استشرى في غياب المراقبة و المحاسبة في ظل سياسات مشوهة و إطار تنظيمي معوق.
و من تمظهرات الفقرقراطية, تكريس الأمية التي مازلت ضاربة إطنابها في المجتمع. كما أن الخدمات الاجتماعية المقدمة خصوصا بالبادية, مازالت دون الحد الأدنى المطلوب. فنسبة الربط بشبكة الكهرباء و الماء لا تتعدى 50 في المائة الشيء الذي يوضح حرمان أكثر من نصف الساكنة القروية من الماء و الكهرباء.  و فيما يخص البطالة, حسب المعطيات الرسمية المعلن عنها, تفوق 13 في المائة, علما أن هذا الرقم بعيد عن الواقع بفعل التفسيرات الملتوية للإحصاءات و جملة من المفاهيم المرتبطة بالتشغيل و ظروف العمل و بفعل أن كثيرا من السكان النشيطين يشتغلون بأنشطة غير قابلة للتصنيف غي إطار عالم الشغل المتعارف عليه, و نسبة كبيرة أخرى تتقاضى أجورا لا يمكن أن توفر حتى الحد الأدنى للبقاء.
 
كما أنه من مظاهر الفقرقراطية أن الغالبية من سكان المغرب لا تحظى بأي ضمان اجتماعي و تغطية صحي. و من مظاهرها تراكم الوظائف و تراكم الرواتب بالنسبة لفئة خاصة, علاوة على السخاء في منح الامتيازات لأصحاب الرواتب "الطيطانيكية" مقابل تضييق الخناق على ذوي الدخول الضعيفة. و من مظاهرها حرمان أصحاب الأراضي الأصليين و منحها كهبات و امتيازات للمحظوظين بعد أن استرجعت من المعمرين الذين سلبوها أصلا من أصحابها. و يزيد الطين بلة إذا علمنا أن المستفيدين من تلك الأراضي لا تربطهم أية صلة لا بمنطقة   تواجد الأرض و لا بالميدان الزراعي, الشيء الذي نشأ عنه تمركز الأراضي الخصبة في أيدي كمشة قليلة مقابل حرمان ذوي الحقوق الفعلية و التاريخية ودفعهم إلى صفوف الفلاحين بدون أرض.
 
و من مظاهر الفقرقراطية تنامي ظاهرة الأطفال المشردين, أطفال الشوارع و هي ظاهرة أضحت تثير قلق المجتمع المدني. و من مظاهرها كذلك أن المواطنين باتوا يرضون بالقليل و برواتب متدنية, خصوصا و أن الحاجة إلى العمل باتت ملحة جدا, و بذلك أضحوا يلهثون و راء تأمين لقمة العيش, و هذا قطم طموحاتهم إلى حدودها الدنيا, و بذلك تخور قواهم فيرضون بما هو أقل من القليل.
 
كما أن من تمظهرات الفقرقراطية بالمغرب سيادة ثقافة معادية لحقوق الإنسان و الديموقراطية على صعيد الحياة اليومية, و كذلك عبر استخدام مبدأ "الخصوصية" للطعن في مبدأ عالمية تلك الحقوق و شرعتها الدولية التي ساهمت فيها جميع الثقافات. و بذلك يتم اللجوء إلى الخصوصية, ليس لترسيخ شعور المواطن بالكرامة و المساواة و لإثراء ثقافته و تعزيز مشاركته في تدبير شؤون البلاد, وإنما لإقناعه بالقبول بالحال على ما هو عليه, اعتبارا لأن جملة من الحقوق لا تلائمه.
 
 
 
 
و لعل من الإشكاليات التي تمكننا من ملامسة سيادة الفقرقراطية و من كشف آلياتها إشكالية السكن, إذ أن الحرمان الممنهج لأوسع فئات المجتمع من السكن اللائق تنتج عنه جملة من التمظهرات الأخرى لآليات الفقرقراطية, ومن ضمنها حرمان فئات مجتمعية واسعة من ثمرات التنمية و تعميق التهميش و الإقصاء, الشيء الذي يساهم في انتشار الانحراف و تفشي الأجرام. كما أن انخفاض القدرة الشرائية و غلاء المعيشة يجعل من الصعب بمكان الحصول على مسكن خاص لائق حتى بالنسبة للفئات المتوسطة و التي كانت بالأمس القريب في مأمن من انعكاسات الفقرقراطية. و كل هذا يتم في وقت يعتبر فيه حق السكن اللائق من الحقوق التي يضمنها الدستور و مختلف الاتفاقيات و العهود الدولية الخاصة بحقوق الإنسان و التي كان المغرب من أولى البلدان العربية التي صادقت عليها.
 
فمن المعلوم   أن السكن من الحاجيات الملحة التي يعني غيابها الضياع و التشرد و التهميش و الإقصاء. لذلك يعتبر السكن في نظر علماء الاجتماع و التربية و الاقتصاديين و فقهاء الدين, من الضروريات اعتبارا لكون بدون سكن لائق لا يمكن حفظ لا الجسم و لا العقل لا النفس و لا النسل و لا القيم و لا الدين, و بالتالي تعريض المستقبل للضياع المحقق. و فعلا إن عدم قدرة فئات عريضة من المجتمع المغربي من الحصول على سكن لائق بالمواصفات المتعارف عليها هو تعبير صارخ عن حالة التهميش الاجتماعي و تحذر الفقر وسط المجتمع لا يعاني من انتشار الفقر فحسب, وإنما يرزح تحت وطأة الفقرقراطية التي هي أدهى من الفقر, باعتبارها جملة من آليات استدامته و انتشاره و إعادة إنتاج شروطه و عوامل انتشاره بين أوسع الفئات.
 
السكن إذن يعتبر من الأمور الضرورية في حياة الإنسان, وله تأثير مباشر و حتمي على تكوين الفرد و نشأته. و عدم توفر السكن اللائق يؤدي إلى مفاسد كثيرة, لاسيما و أن أغلب المغاربة يتميزون بعدم قدرتهم على الحصول على السكن اللائق الذي يطمحون إليه اعتبارا لانتشار الفقر. و لتقريب الصورة من الأفيد عرض بعض الإحصائيات ذات الدلالة في هذا المجال.  فهناك أكثر من 85 في المائة من السكان الحضريين بالمغرب يعيشون في دور مكرية و ليس في ملكيتهم, و ما يناهز 35 في المائة منهم يعيشون في غرفة واحدة, و ما يناهز 40 في المائة يعيشون في مساكن لا تحتوي إلا على غرفتين. علما أن الكثافة السكانية تصل في بعض الأحيان بالمدن الكبيرة إلى 3000 ساكن في الهكتار الواحد, في حين لا تتعدى الكثافة المسموح بها عالميا 300 ساكن في الهكتار. و علاوة على هذا و ذاك, فبالنسبة للمغاربة القانطين في دور الكراء, تمثل نسبة مصاريف الكراء ما بين 25 و 75 في المائة من دخل الأسرة الذي يتراوح مابين 1500 و 4500 درهم (150 و 450 دولار) شهريا في أحسن الظروف. و هناك من الذين يملكون سكناهم يعيشون في دور تتكون من غرفتين فقط, في حين يظل 65 في المائة   من المغاربة مكترون للمنازل التي يقطنونها.  و هذا الواقع يبين بجلاء أن هناك خصاص مهول في السكن, و أنه مع أزمته و ارتفاع كلفته ما فتئت مدن الصفيح و الأحياء العشوائية تتزايد بشكل يصعب معه تحديد إحصائيات مضبوطة في هذا الصدد. إضافة إلى   مساهمة المضاربات في التهام الأراضي الحضرية لتحويلها إلى تجزئات و اقامات لا يقوى عليها أغلب المغاربة على أداء ثمنها للاستفادة منها. و في واقع الأمر, إن أزمة السكن تعتبر من أبرز تمظهرات الفقرقراطية بالمغرب. و ترجع بالأساس إلى آليات توزيع و إعادة توزيع الثروات الوطنية. و اعتبارا لكون هذه الآليات تقضي باغناء الغني و تفقير الفقير, فان من انعكاساتها توزيع ثروة العقار التي أدت إلى انتشار دائرة عدم التملك و اتساع فضاءات السكن غير اللائق كنتيجة لغياب عدالة في آليات توزيع هذه الثروة. و بالتالي فلم يتمكن أغلب المغاربة من السكن اللائق في ظروف سليمة. و مما زاد من حدة هذه الأزمة و من تكريس تفعيل آليات الفقرقراطية ببلادنا تقليص النفقات العمومية التي أوصى بها صندوق النقد الدولي منذ ثمانينات القرن الماضي, وهي توصيات اعتمدها القائمون على الأمور بصدر رحب و كرسوها تكريسا دون اعتبار لانعكاساتها على أوسع الفئات. و للتدليل على أن أزمة السكن ما هي في واقع الأمر إلا نتيجة طبيعية و منتظرة لآليات الفقرقراطية تكفي الإشارة إلى مؤشرين.
 
الأول هو استفادة كمشة من المقربين من السلطة من امتيازات عقارية على حساب استنزاف الرصيد العقاري للدولة, الشيء الذي شجع على تنامي المضاربات العقارية. أما المؤشر الثاني فهو المتعلق بظروف و آليات إعادة إسكان الفئات المحرومة من السكن اللائق, إذ أن رجال السلطة تدخلوا في مختلف الإجراءات و عتوا فسادا فيها و كانت النتيجة تناسل الأحياء العشوائية السكن غير اللائق بمباركتهم أحيانا كثيرة. و هذا كذلك يعتبر آلية من آليات الفقرقراطية ما دام أن هناك ثلة من رجال السلطة و القائمين على الأمور على جملة من الإدارات اغتنوا على حساب انتشار البناء العشوائي مستغلين ظروف أزمة السكن الخانقة.
كما أن سياسات و مجهودات الدولة في ميدان السكن  من شأنها كذلك أن تدلنا على تكريس الفقرقراطية بالمغرب. فمنذ ثمانينات القرن الماضي سعت الدولة إلى إحداث جملة من المؤسسات العمومية و شبه العمومية قصد التصدي- حسب زعمها- للخصاص الصارخ في السكن. و هكذا تم إحداث المؤسسات الجهوية للتجهيز و البناء و الشركة الوطنية للتجهيز و البناء و الوكالة الوطنية لمحاربة السكن غير اللائق و شركة التشارك. إلا أن عمل مختلف هذه المؤسسات تميز بسوء التدبير الشيء الذي أدى بأغلبها إلى حافة الإفلاس. فتراكمت ديونها مما جعل الدولة تتدخل لاتقادها بضخ أموال مقتطعة من الميزانية العامة- أي من أموال الشعب و عرق أوسع فئاته- في ميزانيتها. و في نهاية المطاف لم تؤد دورها, بل ساهمت في المزيد من اتساع إشكالية السكن. و حتى مشروع 200 ألف سكن الذي جاء لانقاد الموقف تميز في عمومه بنقص الجودة و المرافق الضرورية الكفيلة بتحقيق التوازن العادل, كما اصطدم في آخر المطاف بغياب وضوح المفاهيم و الآليات الكفيلة بتنفيذه.
 
و لعل من بين تجليات الفقرقراطية قي مجال السكن, كمجال حيوي, غياب استراتيجيات واضحة, إذ أن جل المشاريع كانت عبارة عن ردود فعل من طرف الدولة لاحتواء غليان اجتماعي أو أحداث سياسية أو سخط شعبي. و كذلك الضعف البارز لقدرة الدولة على التخطيط الطويل المدى, و ذلك بفعل اختراق المصالح الخاصة و الفئوية الضيقة للسياسات الحضرية المتبعة. و بذلك غابت شروط التنمية الشاملة, لأنه لا يمكن تحقيق أية تنمية في ظل سيادة الفقرقراطية و تكريسها.
 
و الحالة هته, فهل يمكن إخراج البلاد من بوتقة الفقر من خلال حملات أو تبرعات أو مهرجانات تحسيسية؟
 
إن التصدي للفقر بالمغرب يمر بالضرورة و حتما عبر التصدي لجذور الفقرقراطية, أي عبر بلورة استراتيجية مستديمة واضحة المرامي و الأهداف, تضع نصب عينيها ثقافة تخليق الحياة العامة و احترام المال العم و اجتثات آليات إنتاج و إعادة إنتاج عوامل و أسباب الفقر و التهميش و وضع حد لمسلسل التفقير الممنهج.
 
و لعل أول خطوة على درب التصدي للفقرقراطية تكمن في حضور الإرادة السياسية الفعلية لوضع حد, و فورا, لآليات التفاوت في توزيع الدخل و الثروات و مواجهة تهريب الأموال للخارج و التخلص من الصفقات المشبوهة عبر اعتماد الشفافية و التصدي للمحسوبية و الزبونية و محاربة الاغتناء غير المشروع و التفكير في بلورة إصلاحات فعلية و جذرية في الميدان الاجتماعي لاسيما عبر اعتماد آليات جديدة و منقحة في توزيع و إعادة توزيع الثروات الوطنية و تخفيف من عبء الضرائب على المحتاجين و تحسين الأجور و الرواتب و تخفيض الرواتب "الطيطانيكية" و التخلي عن العلاوات و الامتيازات المبلغ فيها و غير المعقولة و اللامبررة لكمشة من كبار الموظفين و المسؤولين السياسيين, لاسيما و أنهم لا حاجة ماسة لهم بها, علاوة أنها لا تتماشى و طبيعة الظرف الذي تجتازه بلادنا حاليا و تعتبر نشازا أمام الخصاص في مختلف الميدان


إشكالية السكن
هناك عدة عوامل تؤثر على مشكلة السكن، إن مختلف العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والبشرية والعمرانية والتشريعية وغيرها تركت تأثيرا مباشرا أو غير مباشر على إشكالية السكن ببلادنا.
لقد توسع نمط السكن المديني وتغيرت العادات والأعراف الاجتماعية المتعلقة بالسكن وعرفت البلاد تزايدا سكانيا بعثه البعض بالانفجار السكاني وارتفعت أسعار الأراضي المعدة للبناء، واستفحلت الهجرة من البادية إلى المدينة وغاب التنظيم المبكر لتوسع المدن وتدبير التراب، وتزايد ضعف السيولة النقدية لدى المواطنين من جراء تدني الدخل وغلاء المعيشة وتأرجح حجم الاستثمارات العمومية المخصصة للسكن، وظل نشاط الجمعيات التعاونية السكنية منحصرا وبقيت التشريعات والقوانين والنصوص المرتبطة بإشكالية السكن دون جدوى إذا لم تكن قد ساهمت في تعميق مدى الأزمة في هذا المجال.
فلا يخفى على أحد أن ارتفاع أسعار الأراضي المعدة للبناء تعد من أبرز العوامل في استفحال مشكلة السكن ببلادنا، لأن هذا الارتفاع يؤدي إلى زيادة كلفه المساكن وأسعارها، فعلا لقد كانت عدة محاولات لخفض أسعار الأراضي عبر بلورة جملة من النصوص المرتبطة بالتشريعات العقارية والعمرانية غير أن النتيجة كانت سلبية في عموميتها بفعل إنعاش المضاربات وتمكين الذين ليسوا في حاجة ماسة من الاستفادة من مختلف التسهيلات عوض تخصيصها للمحتجين فعلا للسكن.
هكذا ظلت الدولة منذ عقود قاصرة عن مواكبة متطلبات المجتمع من المساكن اللازمة للمواطنين، بدلا أن تساهم التشريعات والتدخلات الدولية في حل مشكلة السكن، فقد زادت من حدة أزمتها.
وفي هذا المضمار تعتبر النصوص المرتبطة بالإيجار ذات علاقة وطيدة بالحياة الاقتصادية والاجتماعية، وكم من نص وتشريع احتوى عيوبا كانت لها انعكاسات وخيمة على الواقع الاجتماعي والعمراني، الشيء الذي يدعو إلى ضرورة الاهتمام بقضية إقرار مبادئ العدالة والإنصاف بشكل يتفق مع مصلحة المجتمع وظروفه انطلاقا من الواقع الاقتصادي والاجتماعي والتقدم العمراني بالمغرب، أي السعي إلى تحقيق التوازن بين مصلحة المؤجرين والمستأجرين في إطار اعتماد مبدأ العقد شريعة المتعاقدين، لأنه لا مناص من حماية الحقوق المكتسبة وإقرار مبدأ أحقية المالك في تقاضي إيجار " عادل" وأحقية المستأجر في تقاضي تعويض عادل إنهاء إيجاره السكني.
إن التشريع في الحقيقة يأتي كانعكاس لمعطيات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، وقد يكون في إمكانه أن يلعب دورا رياديا بتقديمه حلول لإشكالات قائمة ومنع وقوعها، غير أنه ليس بإمكانه أن يسبق المجتمع ويتصور مختلف الإشكالات، لاسيما فيما يخص إتيانه بأحكام تساير درجة وسرعة التغيير الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، والأهم من هذا وذاك أن القانون يفقد شرعيته إذا كان مرفوضا من طرف الرأي العام، لأن التشريع من حيث المبدأ هو تعبير عن الإرادة العامة، ومن المهم جدا رضا الرأي العام بالقانون وإحساسه أنه جاء ملبيا لتطلعاته، وهذا ليس هو الحال بالنسبة للتشريعات والنصوص المرتبطة بإشكالية السكن ببلادنا.
ومهما يكن من أمر فإن التحديث التشريعي في أي ميدان من الميادين يعتبر مدخلا ضروريا للإسهام في حل القضايا الاقتصادية والاجتماعية ومنها قضية السكن.
التعامل مع الإشكالية العقارية بمدينة القنيطرة نموذجا
من بين المشاكل التي تعرفها حاليا مدينة القنيطرة غياب رصيد عقاري للدولة وللجماعات المحلية من شأنه احتضان ثلة من المشاريع الاجتماعية والمرافق الأساسية التي مازالت المدينة في أمس الحاجة إليها.
فمن الملاحظ أن التعامل مع الأرض والمجال الترابي بمدينتنا طبعه نوع من الفوضوية وتارة العبثية بامتياز، وقد زادت المشكلة استفحالا من جراء المضاربات العقارية وتنوعها وللإشارة فإن أراضي مدينة القنيطرة في غالبيتها الساحقة كانت ملكا خاصا للدولة من واد سبو إلى غابة المعمورة، وهذا ما يستفاد من الأرشيفات سواء بمديرية الأملاك المخزنية أو مصالح المحافظة على الأملاك المخزنية أو مصالح المحافظة على الأملاك المخزنية أومصالح المحافظة على الأملاك العقارية والرهون والآن وقد تم التفريط بشكل أو بآخر، سواء في تدبير واستعمال الرصيد العقاري للدولة ( الملك الخاص) أو الملك الجماعي الخاص، فإن الحالة الراهنة تستوجب أكثر من أي وقت مضي، وبإلحاح واستعجال، الاهتمام بتكوين رصيد عقاري ( للدولة وللجماعة) بضواحي المدينة حتى لا تتكرر الكارثة عندما يجتاحها البناء والتعمير، إذن يمكن التفكير منذ الآن في إعادة تكوين رصيد عقاري للملك الخاص للدولة وللجماعات بالضواحي قبل فوات الأوان وذلك للتحكم منذ الآن في مجال وآفاق توسيع المدينة، وموازاة مع ذلك التفكير في رؤية متوسطة المدى للتعامل مع استعمال المجال الترابي في أفق تطبيق إطار قانوني من شأنه أن يوجه فعلا وفعليا السياسة العقارية للمدينة.
ومن بين المعضلات الخاصة والغريبة التي تعاني منها المدينة التقطيع الترابي الذي قيل أنه انطلق من مبدأ تقريب الإدارة من المواطنين وجاء خصيصا لتجسيد هذا المبدأ وتوفير الشروط المؤسساتية والإدارية والبشرية لمعالجة قضايا المواطنين والتصدي لمشاكل المدينة لكنه في الحقيقة ساهم فعليا ومبدئيا في المزيد من استفحال المشاكل وتعميق معاناة المواطنين، ومن بين الانعكاسات الوخيمة لذلك التقسيم أنه ضرب وحدة المدينة في الصميم سواء على مستوى الاستفادة من المرافق الاجتماعية المنجزة (على قلتها) أو على مستوى الاستجابة لحاجيات وطلبات وتطلعات المواطنين. كما ساهم كذلك في تجزيء وتشتيت المجهودات وتشجيع تبذير المال العمومي، كما وفر شروط عدم الجدوى لاستثمار المال العمومي والمجهود التنموي. فالتقطيع الجماعي المجدي. هو التقطيع الذي يخدم التنمية عموما وليس في إطار عقلية وزارة الداخلية والمتمحورة حول النظرة الأمنية وخلفيات تمتيع المجال السياسي ببلادنا. وتقطيع جعل من جماعة الساكنية جماعة تفتقر لأبسط الوسائل لإيجاد الحلول المناسبة والمباشرة للمشاكل التي تتخبط فيها والتي هي مرتبطة بحياة المواطنين اليومية.
وهذا ما جعل المدينة لا تستفيد من إمكانياتها ومؤهلاتها وأطرها وكفاءاتها، كما جعل منها مدينة " الأزمة" بامتياز حيث أنها تعرف حاليا تراجعا مهولا في مختلف المجالات بدون استثناء، ولعل القسط الكبير من المسؤولية، في هذا الباب، اعتبارا للواقع الحالي للمدينة، تتحمل قسطا مهما منه المؤسسات التمثيلية للسكان لأنها بكل بساطة، رغم كثرة المعيقات لم تكن ذات فعالية حقيقية حتى لم تكن ذات فعالية حقيقية إن على الصعيد الجهوي وعلى الصعيد المحلي. وعلاوة على المعوقات، كالتقطيع الترابي، غياب رصيد عقاري فإن هناك معوق ذاتي مرتبط بممثلي السكان، الذين هم في أغلبيتهم لا يتوفرون على الكفاءة اللازمة للقيام بمهامهم على أحسن وجه، وهذا يدعو أكثر من أي وقت، إلى إعادة النظر في شروط تحمل المسؤولية لكي تكون شروطا تتماشى والمفهوم الجديد للسلطة وتستجيب لضخامة المجهود التنموي المنتظر.
قروض السكن هدفها اجتماعي
من المفروض أن تكون القروض المخصصة للسكن هي قروض تهدف إلى قيام بعمل اجتماعي بامتياز لأنها مرصودة لحل إشكالية اجتماعية ضاربة أطنابها بمجتمعنا : أزمة السكن. ورغم ذلك فإن القيمة المضافة مفروضة على هذه القروض وما ذلك إلا نتيجة من نتائج تطبيق المبدأ الذي أصبح عزيزا على وزير المالية ألا وهو : يجب أن لا يتجاوز الميزانية 3 % علما أن أول خطوة في تحفيز المقاولة الخاصة للقيام بدورها هو إلزامية مراجعة النظام الضريبي المفروض عليها ولعل مجال السكن، لاسيما الشعبي والاقتصادي، من المجالات التي من الخزي " الطمع فيها من طرف الخزينة العامة ومالية الدولة فحرام أن تكون قروض المضافة بنسبة 7 % .
ولا يمكن فهم هذه الوضعية إلا بوضعها في دائرة الأطروحة المقدسة " للصندوق الدولي " عجز الميزانية لا يجب أن يتجاوز 3 % والتي أصبح وزير المالية والاقتصاد من المدافعين عليه بشدة بعد أن كان من ألد خصومها بالأمس القريب وهذا ليس غريب إنه بدل الفيستة " وأصبح من دعاة النهج المالي الصرف القائم على التصدي للعجز المالي مهما كلف الثمن.
فحرام أن يخضع قطاع السكن الشعبي والاقتصادي لأعباء ضريبية وأزمة السكن مستفحلة بشكل فضيع إلى حد أنها أصبحت تمس حتى الفئات المتوسطة للمجتمع المغربي. إن أزمة السكن بادية للعيان هناك 49 % من الأسر المغربية تملك سكنها من ضمنهم أكثر من ثلثها تعد بنايات عشوائية ومساكن غير لائقة و 3 % يقيمون في مساكن وظيفية 48 % يقيمون في مساكن مكرية أو في مدن الصفيح.
إن غلاء كلفة السكن، سواء تعلق الأمر بالتمليك أو الكراء يشكل عائقا من المعيقات الأساسية لتحسين ظروف العيش ببلادنا.
الأراضي الفلاحية المخزنية
مثال للتسيير والتدبير " الاستهتاري " ووصمة عار في جبين مغرب اليوم.
إن الأراضي الفلاحية المخزنية هي تلك الأراضي الواقعة خارج المدار الحضري والداخلة ضمن الملك الخاص للدولة الذي تسيره وتدير أموره بالأساس مديرية الأملاك المخزنية أو بعض الشركات الفلاحية العمومية أو الشبهة العمومية مثل " صوديا" و " سوجيطا" و " موماكري" التي استفادت بتوقيت عدة أراضي مخزنية إليها طبق مسطرة منصوص في قانون موروث عن الاستعمار في مجمله.
علما أن تلك الأراضي كان المعمرون الفرنسيون والإسبان قد سلبوها بقوة الحديد والنار مالكيها الأصليين ـ سواء كانوا أفرادا أو جماعات ـ وبعد الاستقلال استرجعتها الدولة المغربية وفوتتها لبعض الشركات لتنميتها والمساهمة في النهوض بالعالم الفلاحي، لاسيما وأن كافة تلك الأراضي تعتبر من أخصب وأجود أراضينا الفلاحية، كما تم تفويت جزءا من تلك الأراضي للخواص المحظوظين.
إلا أن تلك الأراضي التي تم تفويتها للشركات المذكورة، سرعان ما أصبحت مرتعا لاستفادة بعض المحظوظين المعروفين والمعلومين ـ وهم قلة قليلة بطبيعة الحال لا تكاد تبين وسط جيوش الفلاحين الفقراء الذين لا أرض لهم ـ كما أن تلك الأراضي كانت مرتعا للقائمين على أمور الشركات الفلاحية العمومية أو الشبه العمومية والمتصرفين فيها إلى أ، أوصلوها إلى مشارف الجرف الهاري وأسقطوها في الهاوية بعد أن أنفقت عليها الدولة، من مال الشعب، ملايير الدراهم على امتداد سنوات. هذه الملايير التي كانت في واقع الأمر تقتطع من جوع الفئات الواسعة للشعب المغربي ومن قوتهم اليومي، كانت توظف توظيفا لخدمة وتنمية المصالح الخاصة والفئوية الضيقة على حساب الصالح العام وضد مصلحة الأجيال القادمة.
وبعد أن صرفت أموال الشعب على تلك الأراضي تم تفويت أغلبها لكمشة من المحظوظين، وكلهم بدون استثناء في غير حالها، يف وقت تحتضن فيه بلادنا فئات واسعة من الفلاحين الفقراء ذوي العائلات المتعددة الأفراد لا يملكون أرضا يحرثونها ويرتبطون بها ما دامت كل الأراضي أهديت على طبق من ذهب لمن يرتعون فيها على مرأى أعينهم. يرون فيهم أناسا استولوا على أرض أجدادهم بجرة قلم أو بأوامر وتعليمات، وهي ذات الأراضي والتي اغتصبها الاستعمار الغاشم. وذهب الاستعمار وظلت الأراضي مغتصبة لا يستفيد منها أهالي المنطقة في وقت كثر فيه اللغط عن التنمية الاقتصادية والاجتماعية علما أن هذه التنمية مرتبطة بالأرض ومن يحرثها وتنمية العالم القروي لها سبيل واحد لا ثاني له وهو ربط وارتباط الفلاح بالأرض التي يحرثها، وما دامت الأغلبية الساحقة الفلاحين لا أرض لهم، فإن الحديث عن مثل هذه التنمية، والحالة هاته، سيظل مجرد در الرماد على العيون ليس إلا.
فهل لنا الشجاعة الكافية لاعتماد مبدأ الإنصاف وإرجاع الأرض لذويها الحقيقيين، لاسيما وأن الذين استفادوا منها بواسطة التعليمات والوساطة قد استفادوا منها كفاية وزيادة ؟.
الأملاك المخزنية آلية من آليات هدر الرصيد العقاري للدولة.
الأملاك المخزنية، إدارة من الإداراتالمغربيةالتي حامت حولها عدة تساؤلات حول جدوى استمرار وجودها ما دام أن الرصيد العقاري للدولة ( الملك الخاص)، عرف تقلصا مروعا لم يعد يستجيب لوجود إدارة خاصة، وما دامت أن هذه الإدارة لم تعمل يوما فعلا وفعليا على تجسيد المهمة التي وجدت من أجلها. وهي تدبير وتسيير الملك الخاص للدولة، وتمكين الدولة من رصيد عقاري من شأنه الاستجابة لمتطلبات الصيرورة التنموية الاقتصادية والاجتماعية. إن الأملاك المخزنية بالأساس وجدت لتنمية الرصيد العقاري للدولة وتدبيره بطريقة والاجتماعي للبلاد. إلا أن مسار التطور الاقتصادي والاجتماعي للبلاد. إلا أن ما وقع هو مخالف لذلك تماما إذا أن أغلب هذا الرصيد قد تم تفويته باثمنة بخسة جدا أو بالدرهم الرمزي لذوي النفوذ وأباطرة اقتصاد الريع، فأخصب الضيعات الفلاحية أهديت أو سلمت لغير الفلاحين أهل المنطقة، والأراضي الحضرية فوتت بأبخس الأثمان، الشيء الذي جعل إدارة الأملاك المخزنية لا تقو نهائيا على تعويض الرصيد العقاري ( الملك الخاص) للدولة الذي هدر هدرا لخدمة الصالح الخاص أكثر منه الصالح العام، إلى أن تقلص رصيد ويعد يبين. فكيف كان يمكنها تعويض الأراضي المهدورة، وهي تباع بأثمنة بخسة لذوي النفوذ، أثمنة بعيدة كل البعد عن تلك المطبقة في السوق، الشيء الذي استحال معه تعويض الأراضي المفوتة باقتناء أراضي جديدة.
والمضحك حقا، هو أنه مؤخرا تم اللجوء إلى القيام بدراسة حول مديرية الأملاك المخزنية عملا بتوصية البنك الدولي، وهي دراسة في واقع الأمر أتت بعد فوات الأوان، لأن " كعكة" ( الملك الخاص للدولة) قد وزعت ولم يبق إلا الفتات. وقد قام بهذه الدراسة مكتب أجنبي، مكتب EDEF .
فإذا كانت المهمة الأساسية المسطرة في النصوص بالنسبة لإدارة الأملاك المخزنية هي تكوين وتطوير الرصيد العقاري للدولة، فإن ممارستها على امتداد أكثر من 4 عقود هي هدر هذا الرصيد وتقديمه على طبق من ذهب لذوي النفوذ. ولعل أبرز مثال على ذلك توفيت الضيعات الشاسعة بالدراهم الرمزية والأراضي الحضرية والبنايات بأبخس الأثمان الشيء الذي أدى إلى إفلاس الرصيد العقاري للدولة. فهل ينفع البكاء وراء الميت ؟
لقد كان يصرف على إدارة الأملاك المخزنية أكثر من 24 مليون درهما سنويا (12 مليون للتسيير و 12 مليون للاستثمار) للقيام بهذه المهمة، مهمة هدر الرصيد العقاري عوض الحرص على تنميته وتطويره واستدامة تجديده قصد الاستجابة لمتطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.


منظومة الرواتب والأجور إلى متى هذا الحيف ؟
ما زالت منظومة الرواتب والأجور بالمغرب يعاني من انعدام الواقعية والإنصاف، ولا زالت تعيش اختلالا تجعلها تساهم في تكريس الحيف الاجتماعي في مجال توزيع الثروات، بدلا من أن تكون حافزا للإنتاج والابتكار، علاوة على أنها منظومة لا تتسم بدرجة الشفافية المطلوبة في وقت تعيش فيه بلادنا مرحلة انتقالية، لاسيما فيما يتعلق بالدخول الإضافية التي هي الأساس في خلق الفوارق الهائلة بين مختلف فئات الموظفين والعاملين.
ولعل أبسط منطق في هذا المجال يقول أن القاعدة هي دفع أجر مقابل العمل، وأن يكون الراتب الأساسي هو الدخل الرئيسي للموظف أو العامل، وأن لا تتجاوزه الدخول الإضافية، وذلك لدعم وتقوية استقلالية الموظف وولائه لعمله وليس لرئيسه الذي غالبا ما يتحكم في الدخول الإضافية. كما أن هذا المنطق يقول بضرورة أن يكون الراتب أو الأجر كافيا لضمان حياة كريمة. إلا أن منظومة الرواتب وأجور ببلادنا، في الواقع المعيش تخالف هذه الأسس الأبجدية، وبذلك تعتبر أحد العوامل البارزة الكامنة وراء انتشار الفساد والمحسوبية والظلم الاجتماعي. فهل يمكن للموظف العادي (البسيط والمتوسط) أن يعيش بكرامة معتمدا على راتبه الشهري ؟ إنه تساؤل يزعزع كيان المرء الصادق مع نفسه.
فمازال موظفون و عمال و مستخدمون يتقاضون أجور تقل بكثير عن حاجياتهم الضرورية الملحة للحياة و آخرون * قلة لا تكاد تبين مقارنة مع الأولين* تجاوزوا حاجز الصوت و يتقاضون مرتبات طيطانيكية تصل إلى 200 و 300  ألف درهم  =  20 و 30 ألف دولار= شهريا. و هده الأجور تؤدى من ضرائب يدفعها المواطنون البسطاء و هده مجرد صورة لما يسمى التغيير الذي تعرفه البلاد
عموما ، يعتبر الراتب الأساسي مجرد جزء، يكاد يكون هامشيا ،  من الدخول وهذا من شأنه إضعاف استقلالية الموظف ويحول ولاءه من عمله وظيفته إلى ولاء لرئيسه ، المتحكم في جزء مهم من دخله . علاوة على أن هيكل الرواتب والأجور الأساسية المحددة بالنسبة لأغلب الفئات ( الأغلبية الساحقة للموظفين) لا يمكن أن يكون كافيا، فعلا وفعليا، لضمان الحد الأدنى الحقيقي لحياة كريمة. في حين نجد فئة قليلة جدا من موظفي الدولة تنعم بدخول ضخمة " طيطانيكية " تتجاوز أحيانا كثيرة الراتب الأساسي لأغلب الموظفين مئات الأضعاف.
وفي واقع الأمر من الممكن حاليا مضاعفة الرواتب الهزيلة دون تكلفة إضافية من خلال العدالة في توزيع مخصصات الرواتب والحوافز والمكافآت، وذلك بحضور الإرادة الفعلية لتغيير الوضع الراهن الذي يمكن " حفنة " من الأفراد من الحصول على أضعاف ما يحصل عليه مئات بل آلاف العاملين بالإدارة. وكذلك اعتماد الشفافية، بدلا من النظام الباطني أحيانا والسري أحيانا أخرى، المعمول به حاليا فيما يخص الدخول الإضافية والمكافآت الضخمة غير المبررة لا عمليا ولا منطقيا ولا اقتصاديا ولا اجتماعيا.


زيادة تعويضات النواب بالمغرب قرار حكومي يتذمر له الرأي العام

في وقت مازال الفقر يضرب أطنابه وسط أوسع فئات الشعب المغربي
و في وقت أضحت البطالة معششة في أوساط خريجي الجامعات و المعاهد العليا
و في وقت مازالت فئات واسعة و عريضة من الموظفين و المستخدمين لا يتقاضون ما يكفيهم لسد رمقهم، و من ضمن هؤلاء الموظفين المحسوبين على مديرية التعاون الوطني و الذي قضى أكثرهم نصف حياته في الخدمة
في هذا الوقت بالذات قيل أنه تقررت زيادة في تعويضات البرلمانيين. و بالطبع هذه الزيادة من تشريع الحكومة التي في واقع الأمر تشرع بالمغرب أكثر من البرلمان. فهي صاحبة الأغلبية الساحقة من مقترحات القوانين التي يصادق عليها البرلمان،
و ها هي الآن تلوح بزيادة تعويضات البرلمانيين لاسيما و أن الوزير الأول هو صاحب السلطة في هذا المجال و هو الذي يوقع مرسوم الزيادة التي ستضيف 6000 درهم إلى التعويض الرسمي الذي سيصل إلى 36000 درهم شهريا. في ذات الوقت رفضت الحكومة النظر في الوضعية المزرية التي مازال يعيشها، على سبيل المثال لا الحصر، العاملون بالتعاون الوطني و الذين لا راتب أغلبهم الحد الأدنى للأجور رغم أن أغلبهم عمل أكثر من عشرين سنة خلت. علما أن قضية هؤلاء "بروليتاريا الإدارة المغربية" ظلت مطروحة بدون منذ عهد عبد الرحمان اليوسفي.
فما هو الداعي لهذه الزيادة و هناك قضايا ذات أولوية و حيوية أكثر تهم حياة فئات واسعة من المواطنين؟ أم أن "الخير فاض3 على الحكومة لتوزعه بالبندير كما يقول المثل المغربي على نواب الأمة الذين اختاروا و بمحض إرادتهم تكريس جهودهم و وقتهم للدفاع على قضايا المواطنين؟
لقد قال البعض ألم يكفي الحكومة الفيل فزادت الفيلة بهذا الإجراء الذي لا يتناسب بالمرة و متطلبات الظرف و لا مع الأوضاع التي تعيشها البلاد و لا مع سلم الأولويات المسطرة من طرفها هي على علتها و لا حتى مع المنظور السوي لنهج تخليق الحياة العامة و الإقرار بدولة الحق و القانون بمعناها الحقيقي و ليس بمفهومها الدعائي و الاشهاري.
فهل تسعى الحكومة من وراء هذا الإجراء إلى التخفيف من الانتقادات التي سيوجهها البرلمان و التخفيف من ضغوطه؟
و قبل هذا و ذاك، فهل النواب في حاجة إلى هذه الزيادة المرتقبة في وقت كل المقارنات مع الدول الأخرى في هذا المجال تأكد بما لا يدعو للشك، و هذا في وقت مازالت فيه آليات اقتصاد البلاد لم تأكد بعد انطلاقتها لإنتاج ثروات مضافة، و في وقت لم يعد للمغرب ما يخوصصه أو يخصخصه لإدخال مبالغ مالية لتبذيرها في الاستعمالات غير المؤدية إلى تدعيم و تفعيل آليات إنتاج و إعادة إنتاج ثروات مضافة؟
انه تساؤل يجعل المرء يتصبب عرقا باردا بفعل عدم تلاؤم هذا الإجراء مع طبيعة الظرف و طامة المشاكل التي مازالت تعيشها البلاد. انه إجراء يدفع المرء دفعا إلى التساؤل هل سياسة المكر مكر السياسة مازال نهجا سائدا بالبلاد؟ أم أن الأمر يتعلق باستمرار سيادة عقلية و سياسة الامتنيازات التي أوصلت المغرب إلى ما هو عليه الآن من المعضلات المستعصية الحل؟
ففي السابق كان الحديث ليس على زيادة تعويضات البرلمانيين و إنما على توفير مصاريف الدائرة الانتخابية للبرلماني قصد توفير مداومة و كراء مكتب كأن البرلماني سقط من السماء لا حزب له و لا مقر لحزبه بمدينته. المهم مادامت هناك أولويات أكثر حيوية من زيادة تعويضات البرلمانيين و التي هي أصلا تعويضات سبق انتقادها بشدة استنادا على أكثر من معطى، حتى مقارنة بالدول الأخرى الأغنى من المغرب، فانه إجراء يظل نشازا في الواقع الحالي و بمختلف المقاييس، و هذا كاف و زيادة لإفقادها الطابع المشروع و العقلاني حاليا، لأنها في آخر المطاف ستكون مقتطعة اقتطاعا على حساب حاجيات أساسية لجملة من الفئات و مثال ذلك العاملين بالتعاون الوطني و دون أخذ رأيها في الموضوع.
و في هذا الصدد حتى إذا كان لابد من الزيادة لتغطية مصاريف اقترح البعض اقتطاعها من تعويض النواب الذين لا مردودية لهم تذكر بالمجلس.
و عموما يأتي هذا الإجراء في وقت بدأ فيه الحديث الواضح بدون لف و لا دوران حول المطالبة بضرورة إعادة النظر في الأجور و المرتبات "الطيطانيكية" لبعض الفئات من الموظفين باعتباره من المطالب العادلة في ظل دولة الحق و القانون رغم أنه يبدو من المستحيل تحقيقه حاليا ببلادنا، و رغم أن الوضعية ليست على ما يرام و ذلك منذ سنوات على الصعيد المالي و الاقتصادي. فالدين الخارجي مازال يجثم بثقله على الميزانية العامة و مازالت البلاد تحتل المرتبة 126 في الترتيب العالمي و هذا إن دل على شيء فإنما يدل على وضعية لا داعي لوصفها. و لعل المظاهر اليومية للواقع المتأزم بادية للعيان، بطالة تتراكم حتى وسط المتعلمين و المؤهلين و الشوق للهجرة بأي ثمن يزداد كل يوم بل كل ثانية و فرار الأدمغة أضحى في واضحة النهار و بشكل لم يسبق له مثيل. أليست هذه الوضعية تدعو إلى التضامن عوض تبذير الميزانية التي هي أصلا غير كافية للتصدي للمتطلبات الأكثر إلحاحا، ناهيك عن الملحة و الضرورية منها؟ أليس هذه، و الحالة هاته يعتبر استفزازا صارخا لشعور أوسع فئات الشعب المغربي الذي طال انتظاره منذ عقود لمعاينه إقرار شروط عيش الكفاف، و في وقت يظل الفقر ضاربا أطنابه بالمجتمع و تتسع فيه دوائر الإقصاء و التهميش يوميا بفعل هذا الفقر المستشري؟
فكيف يعقل تكريس هذا التفكير في وقت مازال فيه أغلب المغاربة يتساءلون بعمق عن دور البرلمانيين بالمغرب و مردوديتهم الفعلية، العملية و الفكرية و السلوكية في مجال قيامهم بالدور الموكول إليهم ؟
لقد كانت هناك عدة ردود فعل حول زيادة تعويضات البرلمانيين بالمغرب و التي قد تبلغ 43 ألف درهم مع الإقرار في نظام المعاش بمبلغ 1000 درهم عن كل سنة من العضوية بالبرلمان، و هو إجراء إن تم تطبيقه سيستفيد منه النواب ابتداءا من سنة 2004 و عددهم 595 (325 من النواب و 325 من المستشارين)، و هذا إضافة و علاوة على تمتيع أعضاء المكتب و رؤساء الفرق و رؤساء اللجن بسيارات خاصة من أجل التنقل. و فيم يخص المعاش فسيبلغ 6000 درهم شهريا للولاية الأولى و 7000 درهم للولاية الثانية و 9000 درهم إذا تمكن المعني بالأمر من الولاية الثالثة. و هذا علاوة على امتيازات أخرى منها ما هو مرئي و منها ما هو مخفي، كمجانية تذكرة القطار بالدرجة الأولى و خصم 50 في المائة من تذكرة الطائرة. و كل هذه الامتيازات تهدى للنائب ليتمكن من الدفاع على حقوق المواطنين و تمكين المعطلين من مكان تحت شمس وطنهم و توفير العيش الكريم لأغلب المغاربة الذين لازالوا يعيشون في البأس، و توفير لهم ولو النذر اليسير من متطلبات العيش الكريم.
و يقول البعض أنه يمكن تفسير رفع تعويضات النواب استنادا على عاملين، و أولهما أن   بعض الأحزاب السياسية ( و هي كثيرة) كانت وسيلة لصنع نخبة مدجنة و قامت بوظيفة التدجين الشيء الذي يقتضي اللجوء إلى الامتيازات و المزيد منها. و ثانيهما ضغوطات مجلس النواب و المستشارين على الحكومة من أجل الرفع من تعويضاتهم و معاشاتهم وصلت إلى حد التلويح بالتهديد بعدم التصويت على القانون المالي المقبل.
و ربما هذا ما يفسر عدم التعامل مع هذه الإشكالية بمسؤولية و مصداقية اعتبارا لكون الأمر، أولا و قبل كل شيء، يستدعي الالتفات إلى الأجور الدنيا للعمال و الموظفين الصغار التي هي في حاجة ماسة أكثر من غيرها إلى المراجعة حتى تكون قادرة على تحمل تكاليف ضروريات الحياة قبل النظر في الأول و التعويضات "الطيطانيكية" التي أثقلت و لازالت تثقل على امتداد عقود كاهل المالية العامة و خزينة الدولة علما أنها في غالبيتها تقتطع اقتطاعا من جوع أوسع الفئات كضرائب.
و في هذا الصدد و من أجل التقليل من وطأة الكارثة التي ستحدثها لا محالة زيادة تعويضات البرلمانيين بالمغرب، اقترح البعض تخصيص ميزانية لكل فريق نيابي للقيام بمهامه عوض اعتماد نظام الامتيازات و التعويضات. خصوصا و أن هناك مطالب أكيدة من طرف أكثر من جهة و منذ أمد طويل بضرورة مراجعة نظام الأجور بالمغرب و إعادة النظر في رواتب الوزراء و مديري المؤسسات العمومية و الموظفين السامين.
و قال قائل، عوض الزيادة في تعويضات النواب، كان من الأولى تخصيص ذلك الغلاف المالي أو بعضه لتجهيز النواب دوي المردودية بالكاتب و وسائل التجهيز كالطبع و الحواسيب و الموظفين، و هذا إجراء من شأن لن يحدث تذمرا بين أوسع فئات الشعب المغربي التي مازالت تلهث وراء سد رمق العيش. و ذلك لأن الظرف الذي تجتازه البلاد لا يستوجب نوابا يعتمدون على الامتيازات أو كم سوف يتقاضون و إنما يستوجب أولا و قبل كل شيء نوابا أكفاء مستعدين للتضحية و تحمل المسؤولية تمثيل الشعب دون الدخول في حسابات كم سيربحون و كم هم خاسرون، و إلا عليهم تنحية أنفسهم من القيام بهذه المهة حاليا و انتظار ظرفا آخر.
و يرى البعض أن طبيعة الامتيازات المخولة للبرلماني، بالنظر إلى حجم العمل المقدم تبدو جد مرتفعة و غير مستحقة، في حين يرى البعض الآخر أن تكاليف البرلماني تستلزم رفع تعويضاته. لا سيما و أن بعض البرلمانيين ينتخبون بطرق غير ديموقراطية و غير مؤطرين من قبل أحزابهم، علاوة على عدم الانضباط و ضعف الثقافة الديموقراطية و المواطنة.
و يزداد تذمر الرأي العام عند سماعه بزيادة تعويضات البرلمانيين لاسيما و قد جرت العادة على معاينة جملة من النواب من الذين لا يحضرون إلا لماما، بل منهم من لا يزور قبة البرلمان إلا مرة واحدة   في السنة بمناسبة افتتاح السنة التشريعية ثم يختفي لينتظر السنة القادمة. و هناك جملة منهم من يحضرون كزوار و ضيوف لا يناقشون و لا يساهمون و لا يشاركون و لا يقترحون و لا يعارضون. و هذا لا ينفي أن هناك فئة – قليلة جدا مع الأسف الشديد- من النواب تعمل بكل ما أوتيت من قوة لتضطلع بالأمانة التي على عاتقها بإخلاص و مصداقية و نزاهة و مسؤولية.
و الذي يحز في القلب فعلا هو أن فكرة المطالبة بالزيادة ليست وليدة اليوم و إنما جاءت في مرحلة كانت فيها الحكومة تنادي و لازالت بإقرار سياسة ترشيد النفقات و التخفيف من عجز الميزانية و التقليص من المديونية الخارجية للتحكم في التوازنات المالية الكبرى، و كأن برلمانيي المغرب الذين مهمتهم صنع القانون، لا تهمهم وضعية البلاد و ضائقتها المالية، إذ آنذاك كانت المؤسسات المالية الدولية تلح على تقليص الأجور و التعويضات و تقريب الهوة بين فئات مسؤولي و موظفي الدولة في هذا المجال.
و الآن كذلك فان إشكالية رفع تعويضات النواب تأتي في ظرفية لا يقهم فيها الرأي العام المغربي مدى مصداقية هذا القرار و معقوليته لا سيما و أن هناك فئات واسعة من الموظفين و الشغيلة مازالوا لم يتمكنوا حتى من ضمان أجور توفر لهم الحد الأدنى الفعلي لمواجهة الضروريات الحيوية للحياة. و ذلك علاوة على أن القرار يأتي في ظرف ترتفع فيه الحركات الاحتجاجية للمعطلين حملة الشهادات. و بالتالي فكيف يمكن للرأي العام أن يفهم مثل هذه القرارات العبثية في نظر الكثيرين، ما دامت الحكومة غير قادرة على إيجاد مناصب شغل للمعطلين في القوانين المالية المعاقبة، لكنها في قدرتها إضافة تعويضات ل 325 نائب و نائبة و 270 مستشارا هم في غنى عنه لأن الوكالة النيابية و التمثيل السياسي بين الناخب و المنتخب يدخل في إطار علاقة دستورية تتأسس أولا وقبل كل شيء على المصلحة العامة و الشأن العام. و الغريب هو أن هذه الزيادة تأتي بالتمام و الكمال في وقت تنادي فيه الحكومة – صاحبة هذا القرار- بالتقشف و ترشيد النفقات. فكيف و الحالة هاته يمكن للرأي العام أن يجد تفسيرا موضوعيا و معقولا لذلك القرار و كيف ينظر إلى مصداقية الحكومة و نزاهتها بعد اتخاذه؟
كما أن تلك الزيادة تأتي في وقت تأكد فيه الجميع استمرار تفشي الإشكالات البنيوية داخل البرلمان من تغيب و ترحال و عدم توفر جملة من الفرق البرلمانية على مرجعية إيديولوجية واضحة المعالم أو قواعد تنظيمية تعمل بها. و فوق هذا وذاك فان قرار الزيادة لم يشمل موظفي البرلمان رغم دورهم الهام في العمل البرلماني.
و خلاصة القول أن هذه الزيادة المرصودة ستبلغ شهريا ما يفوق 3.400.000 درهم ( أي 340 مليون سنتيما شهريا) هذا دون احتساب المعاشات و ما أكثرها، فكم من فرصة يا ترى يمكن لهذا المبلغ إحداثها؟ و هل لا يمكنه حل إشكالية العاملين بالتعاون الوطني و التي سبق أن وصفها البعض بوصمة عار على جبهة الحكومة؟  و يمكن الاسترسال في مثل هذه التساؤلات اعتبارا لكثرة المشاكل التي لا زال يتخبط فيها العباد و البلاد بالمغرب و كلها ذات أولوية أكيدة مقارنة مع إشكالية زيادة تعويضات النواب المحترمين.


قضايا حقوقية

 

حول مصداقية المنظمات الحقوقية
حقوق الانسان و التربية عليها
من أجل إعدام عقوبة الاعدام
الحقيقة أولا...الحقيقة دائما
حق تقرير المصير في نظر الجمعية المغربية لحقوق الانسان

 

حول مصداقية المنظمات الحقوقية


كيف يرى المواطن مصداقية الجمعيات والمنظمات الحقوقية ؟ إنه سؤال أضحى من الضروري محاولة الإجابة عليه ، لاسيما وأن أغلب هذه التنظيمات تجاوزت مرحلة النشأة منذ مدة.
 وعموما يمكن رصد تأثير أي جمعية وفي أي مجال على أرض الواقع الفعلي، وهذا رصد خارجي، أو رصد عملها الداخلي وهما معا.
 ففي الظاهر كل جمعية تدعي أن لها أجندة، لكن هل تعمل بها فعلا ؟.
 ولعل أول مؤشر في هذا المجال هو الشفافية، رغم أن عنصر الشفافية لا يمثل إلا جزء من مكونات المصداقية. فمن المفروض أن تكون الشفافية حاضرة في مختلف تنظيمات المجتمع المدني.
 فمن المؤشرات الأخرى للمصداقية، هناك دقة المعلومات وصحتها، وهذا أمر لا يمكن ضمانه إلا إذا توفرت الجمعية أو المنظمة على هيكلة مضبوطة.
 وفي هذا المقام يمكن التساؤل: كيف يمكن خدمة مصداقية جمعية أو منظمة حقوقية في حالة عدم تمييزها بين انتهاك وخرق وجريمة ؟ قد تبدو هذه الإشكالية بسيطة لكنها ذات تأثيرالحقوقي. خدمة المصداقية من عدمها، لأن الخلط بين تلك الأمور من شأنه أن ينال بصفة مباشرة من مصداقية الجمعية أو التنشيط الحقوقي . كما أن المصداقية غالبا ما ترتبط بالمفارقات القائمة بين الأدبيات والخطابات من جهة والسلوك اليومي لأعضاء الجمعية بارزة على أكثر من مستوى وتساهم بدرجة كبيرة في التأثير البالغ على المصداقية.
 كما أنه من أهم مؤشرات المصداقية التجدر أو التواجد في أوسع الجماهير أو في جزء مهم من الرأي العام، وكذلك يمكن تقالمجتمع.اقية من خلال علاقات الجمعية مع مختلف المؤسسات والتنظيمات (الإعلام، البرلمان، القضاة، الخبراء، الهيئات المهنية، مجموعات الضغط...) فهناك علاقة وثيقة بين المصداقية وبين قدرة الجمعية أو المنظمة على خلق جسور وشبكة علاقات مع مختلف الفاعلين في المجتمع.
 ومن مؤشرات المصداقية صيرورة توسيع صفوف الجمعية أو المنظمة وتكاثر منخرطيها والمتعاطفين معها، فلا زلنا إلى حد الآن نلاحظ نفس الحضور ونفس الوجوه في كل مناسبة أو نشاط، بل هناك دائما بعض الأشخاص القلائل الذين يضمنون استمرارية الجمعية أو المنظمة وحال غيابهم يبدو التأثير بارزا، وهذا يضر كثيرا بالمصداقية. وفي الواقع هذا أمر مرتبط بتكوين أطر الخلف. وفي هذا المضمار هناك مفارقة غريبة من العسير جدا فهمها، وهي: كيف أن جمعية أو منظمة تدعي تكوين الآخرين ولا تقوى على تكوين أعضائها كسبيل من سبل ضمان استمراريتها؟
 وهناك كذلك مؤشر آخر للمصداقية وهو الصلاحية. فإذا كانت جمعية أو منظمة تهتم بكل الحقوق يصعب عليها أن تكون مجدية في عملها، لكنها إذا تخصصت في مجال معين، فإن مصداقيتها تتأكد، لاسيما وأنها ستفرض نفسها كطرف لابد من اللجوء إليه في نطاق اهتمامه اعتبارا لتخصصه فيه ولدرايته به أكثر من أي طرف آخر وهنا تتجلى صفة الخبرة في ميدان ما وهي أعلى مرحلة لتثبيت المصداقية.
 كما أن هذا التخصص من شأنه أن يكون من العناصر التي تسهل الحصول على التمويل من أجل إنجاز البرامج المعتمدة.
 ومن المؤشرات المهمة للمصداقية هناك الحرفية. فكلما كانت جمعية أو منظمة تعمل بشروط الحرفية فإن مصداقيتها تتقوى وتتأكد، في حين نلاحظ أن العمل التطوعي في مجال النشاط الحقوقي لازال غالبا ببلادنا بل لا وجود للحرفية في هذا المجال عندنا.


تعليم حقوق الإنسان والتربية عليها


أضحت ثقافة حقوق الإنسان في نظر الجميع معيارا حقيقيا لكل تقدم واستراتيجية تنموية. إن تعزيز هذه الحقوق يعتبر الهدف العام لكل المجتمع الدولي، وبالتالي لا يمكن ترك أي وسيلة سلمية لمواجهة انتهاكاتها.
 إن تعليم ونشر حقوق الإنسان، في واقع الأمر، يشكل حقا أصيلا من حقوق الناس، وتعتبر مسؤولية الحكومة في هذا الصدد مسؤولية كبرى في الترويج والتعريف بمبادئ حقوق الإنسان وآليات حمايتها ونشر ثقافتها.
 إن قيم حقوق الإنسان هي ثمرة تفاعل وتواصل الحضارات والثقافات عبر التاريخ وحصاد كفاح كافة الشعوب ضد كافة أشكال الظلم والقهر الداخلي والخارجي. وبهذا المعنى فهي ملك للبشرية جمعاء. وفي هذا الإطار لا عالمية مبادئ حقوق الإنسان وعلى الترابط الوثيق بين الحقوق المدنية والسياسة والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحقوق التضامنية،  وعلى اعتمادها المتبادل على بعضها البعض وعدم قابليتها للتجزئة، وأن حقوق المرأة هي جزء أصيل من منظومة حقوق الإنسان. كما أن الخصوصية الثقافية والحضارية التي ينبغي الاحتفاء بها باعتبارها حقا من حقوق الإنسان ـ هي تلك التي ترسخ شعور الإنسان بالكرامة والمساواة، وتعزز مشاركته في إدارة شؤون بلاده، وتنمي لديه الإحساس والوعي بوحدة المصير مع الإنسان في كل مكان ولا تتخذ ذريعة لتهميش المرأة وتكريس الوضع المتدني لها، وإقصاء الآخر بسبب أي اعتبارات دينية أو ثقافية أو سياسية أو التملص من الالتزام بالمواثيق الدولية.
 والتعليم والتربية على حقوق الإنسان مازال في بدايته ببلادنا، إذ ما زلنا في بداية الدرب وطور بلورة استراتيجية في هذا الصدد وإعداد البنية التشريعية والقانونية والتنظيمية والهيكلية لهذا النوع من التعليم والتربية لذا يكتسي موضوع التعليم والتربية على حقوق الإنسان أهمية بالغة بالنسبة لكافة المواطنين ولمستقبل الأجيال في الظروف الراهنة التي أصبحت فيها حقوق الإنسان ركنا أساسيا في بناء المجتمع وديمومته.
لكن ماذا نعني بتعليم حقوق الإنسان ؟
 إن تعبير تعليم حقوق الإنسان يعني كل سبل التعلم التي تؤدي إلى تطوير معرفة ومهارات وقيم حقوق الإنسان. ويتناول تعليم حقوق الإنسان تقديم المتعلم وفهمه لهذه الحقوق  ومبادئها التي يشكل عدم مراعاتها مشكلة للمجتمع . ويعني هذا التعليم بالجمع بين النظر إلى المحيط، ويركز بالضرورة على الفرد من منظور اكتسابه المعرفة والقيم والمهارات التي تتعلق بتطبيق وتكريس قيم حقوق الإنسان في علاقة الشخص مع أفراد عائلته ومجتمعه مع اعتبار المضامين الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية.
 وفي هذا الإطار تتجلى أهمية الدورات التدريبية والفضاءات الإعلامية الخاصة بحقوق الإنسان والأنشطة الحقوقية عموما.
 إن التربية على حقوق الإنسان هو فعل تربوي يومي طويل النفس وعلى واجهات مختلفة. إنها تهدف بالأساس إلى تكوين مواطني الغد واعين بحقوقهم وقادرين على الدفاع عنها وممارستها. وبذلك فهي مسؤولية الجميع بدون استثناء. إن التربية على حقوق الإنسان هي في الواقع حركة مدنية واسعة النطاق.
 إنها في الجوهر مشروع تمكين الناس من الإلمام بالمعارف الأساسية اللازمة لتحررهم من كافة صور القمع والاضطهاد وغرس الشعور بالمسؤولية تجاه حقوق الأفراد والجماعات والمصالح العامة.
 وتشمل ثقافة حقوق الإنسان القيم والبنى الذهنية والسلوكية والتراث الثقافي والتقاليد والأعراف المنسجمة مع مبادئ حقوق الإنسان ووسائل التنشئة التي تنقل هذه الثقافة في البيت والمدرسة والعمل والهيئات الوسيطة ووسائل الإعلام.
 إن احترام حقوق الإنسان هو مصلحة عليا لكل فرد وجماعة وشعب والإنسانية جمعاء، باعتبار أن تمتع كل فرد بالكرامة والحرية والمساواة هو عامل حاسم في ازدهار الشخصية الإنسانية وفي النهوض بالأوطان وتنمية ثرواتها المادية والبشرية وفي تعزيز الشعور بالمواطنة كاملة غير منقوصة.
 فلا يكفي ترديد مبادئ حقوق الإنسان وانتظار من الناس أن تتبناها، بل يجب ربط هذه المبادئ بالحياة اليومية والثقافات المحلية لتبيان أن تبنيها سيساعد في تحسين التواصل والتفاهم والتسامح والمساواة والاستقامة. فلا يمكن تعليم حقوق الإنسان في فراغ، بل لا مناص من تعليمها من خلال تطبيقها وتكريسها مباشرة على أرض الواقع وفي هذا الصدد إن تعليم حقوق الإنسان في فراغ دون ربطه بالواقع المعيش من شأنه أن يؤدي إلى التعرف السطحي على حقوق لا يمكن تحقيقها حاليا الشيء الذي قد يؤدي بدوره إلى عكس المنتظر.
 وهناك عدة مناهج يمكن اعتمادها لتكريس حقوق الإنسان ونشرها. ومن ضمنها الأخلاق والتربية الوطنية والتربية على المواطنة والتربية ذات البعد العالمي والتربية على التعامل مع وسائل الإعلام والارتقاء بحقوق الإنسان والدفاع عنها والمنهج المعتمد على الثقافة العامة.
 ومنهج الأخلاق والتربية الوطنية يعتمد على إعداد الأطفال للعب دور المواطن عبر تعليمه الحقوق والواجبات، واعتبار لكون الأخلاق والتربية الوطنية تؤسس للتربية على المواطنة.
 أما   التربية على المواطنة فتعتمد حقوق الإنسان السياسية وثقافة الديموقراطية والتنمية والتسامح والسلم الاجتماعي.
 وفيما يخص التربية ذات البعد العالمي، فإنها تعتمد على فهم التعاون والسلام العالمي ومبادئ حقوق الإنسان والحريات الأساسية.
 في حين تسعى التربية على التعامل مع وسائل الإعلام لتطوير قدرة الطفل أو الشاب على فرز وتحليل المعلومات التي تبثها وسائل الإعلام وتدريبه على بلورة تفكير نقدي في المناقشة والبحث على الوقائع والدلائل وتثمين وتقييم عواقب مختلف الإعلانات المذاعة والأعمال المنجزة.
 والارتقاء بحقوق الإنسان والدفاع عنها، فإنه نهج يعنى باحترام حقوق الإنسان والاهتمام بالمطالبة بها والدفاع عنها. وهذا نهج يعطي بعدا آخر للتربية على حقوق الإنسان، أي إعداد المتلقي لتكريسها والاهتمام بالدفاع عنها ونشرها في بيئته.
 أما المنهج المعتمد على الثقافة العامة، أنه يسعى إلى استعمال الثقافة الشعبية والمسرح والأمثال والحاكيات لفهم فحوى حقوق الإنسان. علما أن هذه الحقوق لا يمكن استيعابها إلا عبر مختلف مكونات الثقافة السائدة في المجتمع.
 ونموذج " القيم والوعي " يرتكز بالأساس على نشر المعرفة الأساسية لقضايا حقوق الإنسان وتعزيز اندماجها بالقيم العامة والهدف هو إدراك والتزام الأهداف لمعيارية التي يتضمنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواثيق والعهود الدولية المرتبطة به. والاستراتيجية التربوية المتبعة في هذا النموذج هي المشاركة لاجتذاب اهتمام الأشخاص المراد تعليمهم،  والمقصود هو الدعم الجماهيري لحقوق الإنسان للضغط على السلطات لحمايتها.
 إن ما يتوخاه تعليم حقوق الإنسان في نهاية المطاف هو العمل على إشاعة ثقافة حقوق الإنسان في مجتمعنا، وبالتالي تبني هذه الحقوق والدفاع عنها. إلا أنه يجب أن يكون تعليم حقوق الإنسان مصمما ضمن استراتيجية واضحة المقاصد، ما دام يتعدى مجرد التعرف عن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواثيق والعهود المرتبطة بتلك الحقوق إلى التعرف على آليات تفعيل الحقوق وآليات الحماية المتصلة بها وكيفية استخدامها.
 كما أن تعليم حقوق الإنسان عليه أن ينطبق على حياة الناس اليومية وعلى استخدام أساليب تضمن اكتساب مهارات التعبير عن المواقف ومهارات تطوير المعارف في مجال تلك الحقوق أكثر ما يتصل بمجرد إلقاء محاضرات وتنظيم مناظرات أو ندوات. ويمكن إجمال أهداف التربية على حقوق الإنسان في تنمية الشخصية تجدير الإحساس بالكرامة والحرية والمساواة والعدل الاجتماعي والممارسة الديموقراطية. وذلك عبر تعزيز وعي المواطنين بحقوقهم قصد تمكينهم من تحويل مبادئ حقوق الإنسان إلى حقيقة اجتماعية واقتصادية وثقافية وسياسية ورفع قدرتهم على الدفاع عنها وصيانتها.
 فلا مندوحة إذن عن بلورة استراتيجية خاصة بتعليم حقوق الإنسان والتربية عليها، وعلى هذه الاستراتيجية تبيان كيفية تجدير مبادئ حقوق الإنسان وسط المجتمع على المدى القصير والوسائل المعتمدة الموصلة لذلك. ولعل أول ما يجب الإقرار به هو اعتماد حقوق الإنسان كمادة وتحديد نسبة زمنية مخصصة لها ضمن استعمال الزمن الإجمالي للبرامج، لكن كمادة مصممة لتتداخل مع جميع المناهج الدراسية وأن لا تبقى كمادة ثانوية للديكور فحسب. وهذا هو الإطار العام والحد الأدنى من الشروط الكفيلة بتحويل مادة حقوق الإنسان إلى مادة لها خصوصيتها وقيمتها شأنها شأن المواد الدراسية الأخرى.
 كما أن لوسائل الإعلام دورا حيويا وجوهريا في هذا الصدد إذ عليها أن تساهم فعلا وفعليا في خدمة التربية والتثقيف في مجال التربية على حقوق الإنسان والديموقراطية، وذلك عبر منهجية شاملة تربط بين المعرفة والوجدان والأداء.
 وبهذا المنظور يمكن لتعليم حقوق الإنسان والتربية عليها أن يتطور ليصبح حقلا تربويا كاملا ونهجا لدراسة أوضاع المجتمع وبنائه، لاسيما وأن هناك علاقة وثيقة بين عدم احترام حقوق الإنسان وتفشي الفقر والفساد.


 
الحقيقة أولا ... الحقيقة دائما


أكدز أحد المعتقلات السرية بجنوب المغرب التي عاينت على الأقل 28 وفاة رهن الاعتقال القسري من 1976 إلى 1979، و هم ضحايا أسماؤهم أضحت معروفة لدى الجميع الآن، و قد وردت بدقة في تقرير منظمة العفو الدولية الصادر في فاتح أبريل 1993، و الآن أهاليهم مازالوا يبحثون أين دفنوا.
و أكدز كلمة أمازيغية تعني السوق الأسبوعي أو ملتقى التجار، و هي قرية تقع وسط جبال الجنوب على بعد 60 كلم عن مدينة ورززات المعروفة عالميا بالصناعة السينمائية.
و معتقل أكدز سيظل يذكر المغاربة بالخروقات و الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان و التي دهب ضحيتها العديد من المواطنين باختلاف مستوياتهم الثقافية و انتمائهم المجتمعي أو السياسي. لدلك لازالت عائلات الضحايا تبحث جاهدة عن الحقيقة، و لن يهدا لها بال إلا بمعرفة الحقيقة، كل الحقيقة و لاشيء إلا الحقيقة، و السعي وراء التمكن من ممارسة حقها في الإقرار بمساءلة الجناة و الجلادين الدين تسببوا في محنها و تشردها أحيانا كثيرة.
و معتقل أكدز، كباقي المعتقلات الأخرى، درب مولاي الشريف بالدار البيضاء و تازمامارت و قلعة مكونة عرف هو كذلك في غضون هده السنة وقفة ساهم فيها ضحاياه و عائلات المفقودين و مجهولي المصير، كشكل من أشكال النضال الجديد من أجل الوقوف على الأماكن التي عرفت و كرست أشكالا خطيرة من التنكيل و التعذيب و الدوس على الصفة الإنسانية و الكرامة و الإعدام خارج القانون و على هامشه و الدفن في أماكن مجهولة.
و في الحقيقة إن الوقوف على مثل هده الأماكن ليس مجرد بكاء على الأطلال، و إنما و بالأساس من أجل التذكير أنه لامناص من مساءلة الجناة بكل جرأة لأن المصاب فضيع و فضيع جدا.
و في هدا الصدد سبق للجمعية المغربية لحقوق الإنسان أن نشرت لائحة أولية عن أسماء جلادين طالبت بمساءلتهم و محاكمتهم اعتبارا لما اقترفوه من انتهاكات جسيمة في حق جملة من أبناء المغرب المخلصين.
كما أن وقفة أكدز كسابقاتها من الوقفات أمام المعتقلات السرية السابقة الأخرى أكدت مرة أخرى على ضرورة الكشف عن مصير المختطفين و تسليم رفات المتوفين و تعويض الضحايا و عائلاتهم و دوي الحقوق و التعويض العادل الرامي لحفظ الكرامة مع الأخذ بجميع الإجراءات الرامية إلى جبر الضرر و إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين المتبقين.


من أجل إعدام عقوبة الاعدام

في سنة 2001 من 3000 شخص أعدموا في 31 بلدا, 139 منهم بإيران و 79 بالسعودية و 66 بالولايات المتحدة, و في سنة 2002 تم إعدام ما لا يقل على 1526 شخصا في 31 دولة, كما حكم على ما لا يقل على 3247 شخصا بالإعدام في 66 دولة. و في 2000 تبين أنه من أصل 195 دولة ألغت 108 بلدا عقوبة الإعدام في القانون أو في التطبيق, اد ألغتها كليا 73 دولة, كما ألغيت بالنسبة للجرائم العادية في 13 دولة و ألغيت عمليا في 22 بلدا. و في سنة 2002, ألغت 74 بلدا عقوبة الإعدام بالنسبة لجميع الجرائم, كما ألغت 15 دولة هده العقوبة بالنسبة لجميع الجرائم ما عدا الجرائم الاستثنائية مثل تلك المرتكبة في حالة الحرب. و لم تطبق 22 دولة على الأقل عقوبة الإعدام رغم الحكم بها. و أبقت 84 دولة على تلك العقوبة القاسية. و تظل البحرين الدولة العربية الوحيدة التي تمكنت من إلغائها على امتداد الوطن العربي.
و عموما لوحظ مند 1999 تقدم في عدد البلدان التي ألغت عقوبة الإعدام, و دلك بمعدل 3 دول سنويا على امتداد الفترة فيما بين 1999 و 2001.
و قد ظهرت الحركة الداعية إلى إلغاء عقوبة الإعدام لأول مرة في الولايات المتخذة في أواسط القرن التاسع عشر, و اتسع مداها إلى أوروبا ثم إلى العالم لا سيما في فترة ما بين الحربين العالميتين.
و عرفت هده الحركة في العقود القليلة الماضية نموا كبيرا بفضل انتشار نفوذ الحركات المدافعة عن حقوق المرأة و الطفل و الحفاظ على البيئة و الدعوة إلى السلام. و دلك كجزء من تطور الوعي الحضاري العالمي من أجل حياة اجتماعية أفضل. و قد ساهمت المنظمات الحقوقية عموما في إنماء هدا الوعي و تقويته مما أدى إلى ظهور حركات و منظمات داعية لإلغاء عقوبة الإعدام أو مناهضتها في العديد من دول العالم.
و من بينها جمعية معا ضد عقوبة الإعدام و هي جمعية يرأسها ميشال توب, تأسست سنة 2000 بستراسبورغ بفرنسا. و قي 12 ماي 2002 قامت هده الجمعية بتأسيس تكتل عالمي ضد عقوبة الإعدام في روما بايطاليا, و يضم منظمات و جمعيات تنشط في هدا المجال, و من ضمنها منظمة العفو الدولية و الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان و جمعيات رجال القانون و المحامين و جمعيات دينية و ثقافية.
و قد تم اعتماد يوم عالمي لمناهضة عقوبة الإعدام. و تاريخ هدا اليوم يصادف تاريخ إلغاء عقوبة الإعدام لأول مرة في الولايات المتحدة عام 1786. و يحتفل بهذا اليوم العالمي في 10 أكتوبر من كل سنة.
و يهدف الاحتفال بهذا اليوم تذكير العالم بأن عقوبة الإعدام و الحكم بها من ممارسات المضي, شأنها في دلك شأن التعذيب و الرق.  و يرجع فضل إعلان هدا اليوم العالمي إلى التكتل العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام. و المغزى من الإقرار به هو دفع المجتمع المدني عبر العالم إلى مبادرات محلية و تنظيم ندوات و موائد مستديرة و تظاهرات و تصريحات و أنشطة مختلفة لتوعية الناس و الدفع إلى التغيير نحو الأحسن في العالم أجمع, و دلك بهدف توقيف تنفيذ عقوبة الإعدام في أفق إلغائها نهائيا و بصفة لا رجعة فيها. و بدلك أضحى يوم 10 أكتوبر يوم مناهضة عقوبة الإعدام و النضال من أجل إعدامها.
و من بين المواقف الرائدة في هدا المجال موقف الاتحاد العالمي للبرلمانيين و الذي يجد أساسه في توصيات لجنته الخاصة بحقوق الإنسان و الداعية إلى إلغاء عقوبة الإعدام أو على الأقل التوجه نحو إلغائها تدريجيا. و في هدا الصدد يطالب الاتحاد جميع برلمانات و برلمانيي العالم بالعمل على إلغاء هده العقوبة.
و ادا كانت كل البلدان الأوروبية التي ألغت عقوبة الإعدام فعلت دلك بعد عمليات استفتاء واسعة و شاملة, فان مشروع الإلغاء هدا ظل شبه مرفوض في دول العالم الثالث, لا سيما و أن اتفاقية مناهضة الإرهاب التي رأت النور بعد أحداث 11 شتنبر 2001 وسعت نطاق تطبيق عقوبة الإعدام في العديد من الدول.
و قد أعلنت جمعية معا ضد عقوبة الإعدام, التي تسعى لإلغائها في مختلف أرجاء العالم, عن عقد المؤتمر الثاني ضد عقوبة الإعدام بواشنطن في ماي 2004 . و الهدف الأساسي من عقد هدا المؤتمر بالولايات المتحدة هو الدفع في اتجاه تشجيع المجتمع الأمريكي على المطالبة بفتح نقاش حول إلغاء عقوبة الإعدام خلال الحملة الانتخابية. إلا أنه يبدو أن الجمعية لقت صعوبة جامة لتحقيق دلك الشيء الذي أدى بها إلى تقرير عقده بكندا.
و للإشارة فان المؤتمر الأول من أجل إلغاء عقوبة الإعدام كان هو كذلك من مبادرة جمعية معا ضد عقوبة الإعدام في يونيو 2001.
لكن ما هو مدلول الإعدام؟
في العراق هناك عبارة, طالما استعملت للدلالة على عقوبة الإعدام, إنها الإتلاف. فكان يقال حكم على فلان بعقوبة الإتلاف. و هي عبارة تبدو أكثر دقة من عبارة الإعدام, لأن الإعدام في اللغة هو الإحالة من الوجود إلى العدم في حين أن الإتلاف يدل على إلحاق الضرر بالجسد الحي حتى درجة إزهاق الروح مع بقاء جسد المعدوم.
يقال أن إعدام القاتل يساهم في تسكين جراح أهل الضحية و دويه لأنهم لا يمكنهم تحمل رؤية القاتل على قيد الحياة فيما يكون فقيدهم تحت التراب. و السؤال المطروح هنا هو لمادا يتم تسكين جراح أهل القتيل بقتل و إتلاف شخص آخر؟ و هل بوسع المجتمع الإنساني أن يستند إلى الانتقام؟
إن مناهضي عقوبة الإعدام يعتبرون أن هدا الأمر عدالة بمفهوم سلبي لأنها تعني تقسيم المحن و المصائب على الآخرين, في حين أن العدالة أصلا مفهوم ايجابي بامتياز و مطلب إنساني عميق. لدا يجب أن يكون هناك معيار إنساني للتعامل مع مثل هده القضايا, بيد أن الانتقام مفهوم يفتقد لأي معيار.
فجريمة القتل و عقوبة الإعدام لا يمكن النظر اليهما كأمر واحد. إن عقوبة الإعدام أبشع من جريمة القتل. ففي واقع الأمر إن عقوبة الإعدام هو قتل مع سبق الإصرار و الترصد, قتل حددت له ساعة معلومة و يوم معلوم و طريقة معينة و محددة سلفا. كما أن المحكوم عليه بالإعدام, حين تنفيذ العقوبة, يكون عاجزا تماما عن فعل أي شيء. فادا كان بوسع القاتل أن يقاوم أو يدافع عن نفسه أو يهرب أو يستنجد أو يصرخ, فان المعاقب بالإعدام عاجز كل العجز عن القيام بأي شيء حتى من الأمور البسيطة لمحاولة انقاد حياته. كما أنه, ادا كان القتيل لحين موته لديه أمل ما أن شخصا ما أو يدا ما أو صدفة ما قد تنقده, فان المحكوم بالإعدام لا يساوره مثل هدا الأمل البسيط.
كما أن عقوبة الإعدام لا تتعلق فقط بمجازاة البشر على أعمالهم, و إنما كداك لإخافة الناس و بث الرعب في أفئدتهم. فيقال أن إعدام القاتل مثلا ضرورة لكي يكون عبرة للآخرين. لكن أليس ثمة سبيل آخر أكثر إنسانية و أفضل من الإعدام لتعليم البشرية فداحة عمل القتل؟ و هل الإعدام يحل المشكل؟
فمن وجهة نظر حقوق الإنسان لا يمكن أن يكون سلب حياة إنسان سبيلا مبررا مهما كان الأمر. علاوة على أن الإحصائيات تبين أن نسبة الجريمة بالنسبة لعدد السكان هي أعلى في البلدان التي تطبق عقوبة الإعدام من تلك التي ألغتها و لا تعتمدها في قوانينها.
و مهما يكن من أمر, ليس ثمة سبيل لصيانة حياة الآخرين أنجع و أجدى من انتشار و تكريس احترام المرء و صفته الإنسانية و صيانة حقوقه و حياته على جميع الأصعدة و مهما كان الأمر. ففي مجتمع يهان فيه الإنسان يوميا و تسحق كرامته و يداس على كبريائه و عزة نفسه, و يعاني من الاستلاب الروحي و المعنوي و المادي و هو غارق في اليأس و البطالة و انعدام الأمل و القلق الشديد من الغد و المستقبل, لا يمكن أن يرجى من الأغلبية احترام مكانة الآخرين مهما كانت قسوة و شدة العقوبات المعمول بها.
هدا في الحقيقة هو سبب الجريمة و أرضيتها المادية الخصبة. فمن المعروف أنه كلما زادت مكانة الإنسان و حرمته في المجتمع, كلما تم قطع الطريق على تجاوز الفرد على الآخرين و العكس بالعكس.
قي مجتمع حر و متحرر و إنساني تكون إهانة المرء أمرا صعبا و مبعث قلق الجميع, لأن احترام الصفة الإنسانية تكون بمثابة عقلية سائدة في المجتمع و جزء من الوعي الذاتي لأفراده. هده هي الضمانة الأجدى و الأنفع لعدم تكرار الجريمة و القتل, و ليس الردع بعقوبة الإعدام. في واقع الأمر إن انتشار الجريمة أو قلتها في المجتمع ليست ذات صلة, كما يعتقد البعض,  بوجود عقوبة الإعدام أو عدمها, و إنما ذات صلة مباشرة بالأوضاع الاجتماعية و الاقتصادية للمجتمع. فرغم كل الإعدامات التي طبقت و نفدت على امتداد تاريخ البشرية لم تثنيها عن الجريمة. و لدلك فان عقوبة الإعدام ليست حلا مجديا و ناجعا. و الحل المجدي يوجد في مكان آخر غير الإعدام, انه يكمن في استئصال أسباب و أجواء الجوع و التهميش و الإقصاء و الحرمان و الفقر المدفع و البطالة المنتشرة و الاغتراب و الشعور بالغبن الاجتماعي.
و هدا علاوة إلى كون حق الحياة ليس مثل أي حق آخر, و ليس مثل سائر الحقوق السياسية و المدنية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية. إن حق الحياة ليس حق الدولة أو أي مؤسسة أخرى, و ليس حق الجماهير أو الشعب أو الأمة. كما أن الإعدام أو الإتلاف ليس إصلاح لأنه بعد تنفيذه لا يبقى شيء نصلحه.
و رغم كل هدا يعتقد مؤيدو عقوبة الإعدام أن الدول التي ألغت هده العقوبة في دساتيرها و قوانينها هي دول تعيش في ظل الديموقراطية الصحيحة و الفعلية المطبقة على جميع المواطنين بالمساواة في الحقوق و احترام الإنسان و لا يشتكي مواطنوها من جور أو ظلم أو انتهاك لحقوقهم, أما أغلب دول العالم الثالث, و من ضمنها الدول العربية و الإسلامية, مازالت لم تبلغ بعد درجة كافية من الوعي بمفهوم الديمقراطية الحق و لا تطبقها في مجتمعاتها. كما أن الدين ألغوا عقوبة الإعدام سبقونا كثيرا في الممارسات الديموقراطية التي لازلنا نحن في طور اكتشافها و التعرف عليها. كما يستشهد هؤلاء بحالة الولايات المتحدة, اد بعض ولاياتها كانت قد ألغت عقوبة الإعدام من قوانينها ثم أعادت اعتمادها أو تحاول إعادة تطبيقها و العمل بها.
و مهما يكن من أمر فان الاتجاه العالم اليوم هو لصالح إلغاء عقوبة الإعدام. فمند 1985 ألغتها 40 دولة و تراجعت عن دلك 4 منها فقط. و أن 111 بلدا ألغتها قانونيا أو عمليا. كما أن 15 دولة حصرت تطبيقها بالنسبة للجرائم الفظيعة و 22 دولة تحكم بها لكن مع إيقاف التنفيذ.
و من دواعي المطالبة بإعدام عقوبة الإعدام أنه من أولى مقومات دولة الحق و المؤسسات الدستورية أن تكون العقوبة للإصلاح و التقويم لا للانتقام و التدمير. في حين أن عقوبة الإعدام عقوبة همجية تنتهك حقوق الإنسان و تسبب العنف عندما يريد القضاء إحلال الوئام المدني.
علاوة على أن الإعدام أمر بربري و من بقايا العصور الوحشية, في حين أن البشرية تستحق مصيرا أفضل من هده البربرية.
إن الدراسات العلمية ما زالت لحد الآن لم تثبت جدية الفرضية القائلة بأن عقوبة الإعدام تخفف من حدة الجريمة و انتشارها في المجتمع. كما أن التاريخ اثبت حتى الآن أن تنفيذ هده العقوبة لم يمنع و لم يخفف من نسبة الجرائم المقترفة في المجتمع.
إن الاعتقاد [إن الإقرار بعقوبة الإعدام يشكل رادعا مهما للمجرمين و للمجرمين المحتملين مدحوض بالأرقام و الإحصائيات. فتطبيق هده العقوبة في أمريكا و بالقسوة التي تطبق بها لم تخفض أبدا نسبة الجرائم هناك إلى مستوى الجرائم المقترفة بفرنسا مثلا و التي لا تطبق تلك العقوبة.
إن الدعوة لإعدام عقوبة الإعدام ليست دفاعا عن مرتكبي الجرائم و لكن منعا لمعالجة الجريمة بجريمة أقسى و أبشع منها.
و في هدا الصدد يقال أن الفكرة الصحيحة كالنجم البعيد يتألق و يعلن حضوره حتى و إن لم يومئ إليه أحد. و المطالبة بإعدام عقوبة الإعدام هي فكرة صحيحة يمكن أن يتألق بها الإنسان دفاعا عن الحياة و عن الحق في الحياة.
و هده الدعوة لا تتناقض مع التعاليم السماوية التي و إن كانت أقرت تلك العقوبة لكنها فضلت عقوبة أخرى غير الإعدام عليها, و هدا ما تنص عليه الآية 178 من سورة البقرة
## يا أيها الدين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر و العبد بالعبد و الأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فإتباع بالمعروف و أداء إليه بإحسان دلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد دلك فله عذاب أليم ##
و في هده الآية يتبين أن بديل الإعدام لا يصل إلى السجن المؤبد بل هو الأداء أو الدية.
كما جاء في الآية 40 من سورة الشورى
## و جزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا و أصلح فأجره على الله انه لا يحب الظالمين ##
و تصب هده الآية كذلك في نفس المعنى.
فلا توجد في الشريعة الإسلامية ما يسمى بعقوبة الإعدام و إنما هناك القصاص المطبقة في جرائم القتل العمد و التي يمكن الاستغناء عنها بعقوبة أخرى لا تزهق الروح و هي الدية أي دفع التعويض ادا ما عفى دوي المجني عليه عن الفاعل. أما في الجرائم غير العمدية و غير المتعمدة فلا يجوز مطلقا إيقاع عقوبة القصاص أو إزهاق الروح, و يكون الجزاء هو دفع الدية فقط.
و لقد دعى بعض المفكرين المسلمين إلى إلغاء عقوبة الإعدام. و في هدا الصدد يدعون إلى استبدالها في القصاص بالدية. و في إيضاحهم لكيفية إلغاء حد شرعي, و هو القصاص المنصوص عليه في القرآن الكريم,  يقولون أن ما يميز القصاص هو حق العفو لولي الدم, علما أنه في الفقه الجنائي الإسلامي إن حق قتل القاتل قد أعطي لولي الدم لكن بشروط بحيث لا يسرف في القتل,  إضافة إلى أن العفو عن القاتل مطلوب دينا و خلقا بنص الكتاب و السنة.
و يبدو أن القارة الأوروبية هي القارة الوحيدة في العالم حاليا التي قطعت أشواطا عملاقة في مسار إعدام عقوبة الإعدام. و لعل آخر ما بلوره الأوروبيون البروتوكول 13 المرتبط بالاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان و الحريات الأساسية, و هو البروتوكول الذي يحظر عقوبة الإعدام في جميع الظروف و الأحوال. و جاء بالأساس لسد الثغرة التي تركها البروتوكول رقم 6 الذي حظر تطبيق عقوبة الإعدام إلا في حالة بعض الأفعال المرتكبة في وقت الحرب. و البروتوكول 13, الذي يعرف كذلك بروتوكول قيلنيوس نسبة للمدينة الليتوانية, يحظر عقوبة الإعدام حتى في أوقات الحروب أو تحت تهديد الحرب, و هما الوضعان اللذان كان الميثاق الأوروبي يسمح خلالهما باستخدامها. و بدلك أضحى الآن إعدام عقوبة الإعدام و إلغاؤها يعتبر من الشروط للانتساب إلى الاتحاد الأوروبي.
و قد أبانت التجربة الأوروبية في هدا الصدد أن للأعلام الدور الحيوي في التوعية الضرورية للتوصل إلى إعدام عقوبة الإعدام. و مهما يكن من أمر فالإعلام سواء كان مؤيدا أو مناهضا فهو شريك و له دور رئيسي في تكوين الرأي العام و الدهنيات و الأحاسيس.
و بالنسبة للمغرب يقدر عدد المحكوم عليهم بالإعدام ما يناهز 150 من ضمنهم 7 نساء, و أغلبهم يوجدون بالسجن المركزي بمدينة القنيطرة,64 منهم  تتراوح أعمارهم ما بين 30 و 40 سنة 30 منهم تتراوح أعمارهم ما بين 20 و 30 سنة. و كان آخر تنفيذ لعقوبة الإعدام في حق رجل الأمن ثابت المحكوم عليه في مارس 1993.
و يعتبر المغرب من بين 83 دولة في العالم التي مازالت تعمل بالإعدام كعقوبة. حيث لازالت الدعوة إلى إلغائها خجولة لكنها متبصرة, واهنة لكنها نامية بإصرار. و لقد سبق لوزير العدل المغربي أن صرح أنه من المدافعين على إلغاء عقوبة الإعدام بالمغرب, كما أكد أن هناك نقاش ساري بين رجال القانون المغاربة حول هده الإشكالية و يتجه في عمومه نحو تأييد الإلغاء. إلا أن قانون الإرهاب المعتمد مؤخرا بالمغرب عمل على توسيع نطاق تطبيق عقوبة الإعدام فيما يتعلق بالأعمال و الجرائم ذات ارتباط بالإرهاب, لا سيما و أن هدا القانون تبنى تعريفا واسعا و فضفاضا للإرهاب. كما أعطى حرية واسعة لتحرك مصالح الأمن و أطلق يدهم في هدا المجال أكثر من السابق.
و يبدو أن عقوبة الإعدام مازالت من المواضيع الطابوهات بالمغرب, اد هم قلائل الفعاليات و الجمعيات التي تطالب بإلغائها. و لعل موقف الجمعية المغربية لحقوق الإنسان هو الأكثر تقدما و بروزا في هدا المجال, حيث لا تدع فرصة أو مناسبة تمر إلا و نادت و طالبت بإلغاء هده العقوبة القاسية باعتبارها عقوبة تنتهك الحق في الحياة كحق أساسي ليس كباقي الحقوق.
و لقد حان الوقت بالمغرب لفتح نقاش حول إلغاء عقوبة الإعدام يهدف إلى بناء استراتيجية متكاملة ضد الإعدام لتفعيل انطلاقة المسار التدريجي لإعدامها نهائيا من القوانين الجاري بها العمل ببلادنا. و دلك عبر الالتزام باحترام حقوق الإنسان وفقا لما جاء في المعاهدات الدولية دون تحفظ و الشروع فورا في تجميد تنفيذ الإعدام مرحليا لإلغائه لاحقا عبر نقاش وطني واسع المدى و تكثيف الأبحاث المتعلقة بمدى فعالية و جدوى الإعدام كعقوبة رادعة و تفعيل دور القضاء و هيئة الدفاع في اتجاه إلغائها عمليا عبر التشدد في تطبيقها
المطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام بالمغرب
إن عقوبة الإعدام لازالت تعتبر بالمغرب من العقوبات المبررة قانونيا رغم مساسها بأحد أهم حقوق الإنسان، الحق في الحياة. فإذا كانت العقوبات السجنية بمختلف مددها عقوبات سالبة للحرية، فان الإعدام يعتبر عقوبة سالبة للحياة، علاوة على أن عقوبة الإعدام هي العقوبة الوحيدة التي تؤدي إلى فعل لا يمكن تصحيحه أو الرجوع عنه لاحقا و لو تم اكتشاف خطأ ما أو تبين أن المحكوم عليه كان بريئا.
و من جهة أخرى بينت التجربة على امتداد قرون أن عقوبة الإعدام لم تساهم بوضوح في توقيف جرائم القتل أو التقليل من الجرائم البشعة.
و إذا كان المغرب من الدول التي مازالت ترفض إلغاء عقوبة الاعدام فانه منذ سنوات عديدة نادرا جدا ما كان يتم تنفيذ هذه العقوبة رغم الحكم بها و رغم أنها تظل عقوبة مشهرة كاحتراز فيما يتعلق بجرائم القتل الشنيعة و جرائم أمن الدولة. فهل هذا العرف سيظل قائما رغم صدور عدة أحكام بالإعدام مؤخرا في حق المتورطين في الإرهاب بالمغرب؟
لقد قام مركز حقوق الناس باستطلاع للرأي بصدد عقوبة الإعدام، حيث تبين أن 96 في المائة من المستجوبين يعتبرون أن الحق في الحياة حق مقدس، في حين لم يتفق على ذلك 1 في المائة منهم و تردد 3 في المائة منهم في التعبير عن موقف واضح.
و بخصوص إلغاء عقوبة الإعدام يتفق 48 في المائة من المستجوبين على ذلك، في حين لا يتفق 38 في المائة منهم. و قد ترتبط هذه النتائج باستمرار سيادة ثقافة القصاص داخل المجتمع المغربي. إلا أنه من الواضح أن هناك اتجاه نحو ارتقاء الوعي الحقوقي في صفوف المواطنين، خصوصا إذا اعتبرنا أن المطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام لازالت من المواضيع الطابوهات بالمغرب.
و إذا تمحصنا في فوارق الموقف حسب الجنس، يتبين أن 53 في المائة من الذكور مقابل 45 في المائة من الإناث غير متفقين على إلغاء عقوبة الإعدام، الشيء الذي يمكن الاستنتاج منه أن ثقافة القصاص سائدة أكثر لذى الذكور. كما أن الفئات الأكثر تعلما هي الأكثر تأييدا لإلغائها و الأكثر تحررا من ثقافة القصاص. و هذا طبيعي باعتبار أن التعليم يمد الأفراد بشروط الانتماء لآفاق حقوقية أوسع و بضرورة العمل على سيادة عدالة إنسانية خالية من الانتقام.
و مهما يكن من أمر فهناك اليوم بالمغرب أرضية مادية و اجتماعية ملائمة لانطلاق حركة للمطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام في أفق أنسنة قواعد العدالة المغربية. و للمجتمع المدني دور حيوي في هذا المجال

 

 

حـــق تـقـريــــر الـمـصـيــــــر فـي نظر الجـمعية المغربية لحقوق الإنســان

 

حق تقرير المصير موضوع لم تكن تليه الجمعية المغربية لحقوق الإنسان الأهمية التي تليق به، ولم تدارك الأمر إلا مؤخرا.

وحق تقرير المصير يعتبر من أهم الحقوق، فجميع حقوق الإنسان تنبني وتؤسس على حق المصير.
لكن كيف تتحدث المواثيق الدولية على حق تقرير المصير؟
وما هو موقف الحقوقيين المغاربة، وخاصة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان من تطبيق حق المصير؟

قبل محاولة الإجابة على هذه الأسئلة بأمانة، لامناص من الإشارة إلى أن حق تقرير المصير منصوص عليه في عهدين دوليين: العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسي( 1966 )    والعهد الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية  ) 1966 ( . والغريب في الأمر هو أن هذا الحق منصوص عليه في العهدين المذكورين بنفس الصياغة ودون تغيير ويتصدرهما معا. فهل هذا مجرد تكرار؟

لاشك أن التكرار لم يأت بشكل اعتباطي لأن الهدف منه هو التركيز على هذا الحق اعتبارا لأهميته وحيويته. فالمواثيق الدولية تعتبر أن حق تقرير المصير ذا أهمية بمكان، وبالتالي تم التنصيص عليه في العهدين الدوليين السالفين الذكر وبدون أذني تغيير.

وقد تصدر هذا الحق العهدين معا، إنه يقع في البند الأول منهما. ولا يخفى على أحد أنه عندما نمنح شيئا ما المرتبة الأولى ونعطيه الأولوية. يعني ذلك أننا نليه الأهمية القصوى. لكن لماذا نفس الصيغة في عهد الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفي عهد الحقوق ا|لاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفي عهد الحقوق المدنية والسياسية وليس صيغتين مادام كل عهد من العهدين ارتبط بنوع من الحقوق؟

 جوابا على هذا التساؤل يمكن القول أن التشريعات الدولية تعتبر حقوق الإنسان وحدة لا تتجزأ، أي إذا لم تتحقق حقوق الإنسان السياسية مثلا لايمكن أن تتحقق حقوقه الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والعكس صحيح مادام هناك وحدة وعدم قابلية للتجزأة؟
لكن ماذا نعني بحق تقرير المصير؟

ينص البند الأول كل من العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على ما يلي: " لكافة الشعوب الحق في تقرير مصيرها ولها استنادا إلى هذا الحق أن تقرر بحرية كيانها السياسي وأن تواصل بحرية نموها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي"
إذن أولا أن الشعب عليه تقرير كيانه السياسي واختيار النظام السياسي وثانيا له الحق في اختيار النظام الاقتصادي.

ويزيد البند الأول وينص على:
" ولجميع الشعوب تحقيقا لغايتها الخاصة أن تتصرف بحرية في ثروتها ومواردها الطبيعية دون إخلال بأي من الالتزامات الناشئة عن التعاون الاقتصادي الدولي القائم على مبادئ المنفعة المشتركة والقانون الدولي. ولا يجوز بأي حال من الأحوال حرمان شعب ما من وسائله المعيشية الخاصة.
على جميع الدول الأطراف في الاتفاقية الحالية بما فيها المسؤولة عن إدارة الأقاليم التي لا تحكم نفسها بنفسها أو الموضوعة تحت الوصاية أن تعمل من أجل تحقيق تقرير المصير وأن تحترم ذلك الحق تماشيا مع نصوص ميثاق الأمم المتحدة".

واختزالا لمضمون هذا البند يمكن القول أنه أولا في حق الشعب أن يختار نظامه السياسي وثانيا أن الشعب عليه اختيار نظامه الاقتصادي، وفي هذا الحق يمكن التمييز بين شقين: شق داخلي متعلق بالشعب واختياراته، وشق دولي في حالة إذا كان الشعب واختياراته، وشق دولي في حالة إذا كان الشعب تحت الوصاية أو الحماية أو مازال لم ينعتق من الاستعمار.
ففي أحد تعليقاتها على هذا الحق، اعتبرت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة أن لهذا الحق أهمية خاصة وأن تحقيق شرط أساسي لضمان واحترام حقوق الفرد، كما اعتبرته ضروريا لاتخاد التدابير لحماية مختلف حقوق الإنسان ومسؤوليته، كما اعتبرت هذه اللجنة أن حق تقرير المصير يشكل حجز الزاوية لمنظومة القانون الدولي لم يعد لها أي معنى، وقد أكدت على هذا منذ سنة 1945

وترى هذه اللجنة كذلك أن أهمية حق تقرير المصير زادت وتضاعفت خلال العقود الأخيرة، لاسيما وأن مجموعات داخل البلد الواحد أبحت تطالب بهذا الحق.

فالشعوب بدأت تطالب بحق تقرير مصيرها عندما عاينت أن خيراتها تنهب ولا تعرف أن تذهب ولفائدة من ؟ بل هناك أقليات في جملة من البلدان طالبت بهذا الحق.

وخلاصة القول في هذا المضمار أنه إذا لم يختر الشعب نظامه السياسي والاقتصادي غبر دستور وضعه بنفسه تكون السيادة له، حيث إن السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية تكون تحت مراقبة الشعب والتي بدونها لا يمكن التحدث عن دولة الحق والقانون ولا عن حقوق الإنسان.
لكن ماهو رأي الدولة المغربية في مبدأ حق تقرير المصير؟

من المعروف أن على كل الدول على رأس كل أربع سنوات أن تنجز تقرير تبعته إلى لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة ) مقرها بسويسرا( وذلك للتوضيح فيه مدى التقدم الطارئ داخلها فيما يتعلق بمجال حقوق الإنسان، ومدى التزامها بالعهود الدولية التي وقعت عليها من عدمه.
وفي هذا الصدد، كانت الدولة المغربية قد بعثت تقريرا في 27 غشت 1999 ) في عهد حكومة التناوب(.

وهو تقرير ترصد فيه مجال تقدمها في حقوق الإنسان وقد جاء في هذا التقرير أن " حق تقرير المصير حق أساسي أولت له الدولة عبر تاريخها السياسي والدستوري أهمية بالغة" ) إذن منذ البداية كان حق تقرير المصير شغلها الشاغل(. ويضيف التقرير قائلا " وشكل ) حق تقرير المصير( ثابتا من توا بثها" ) أي أنه من التوابث ولم يسبق لها أن تزعزعت عنه(.

وأضاف " وتذكروا أن الدساتير المغربية 1962، 1970، 1972،  1996، هذه الدساتير كلها وضعت أساس النظام السياسي المغربي وفق مبدأ تقرير المصير" ) إذن كل الدساتير منذ البداية حتى الآن بنيت على حق تقرير المصير( علما أن العهود الدولية كانت سنة 1966 والدولة المغربية قد عملت بذلك منذ 1962 أي أنها سبقت تلك العهود نفسها في هذا المجال(.

ويضيف التقرير قائلا: " والدليل أن السيادة للأمة ".)  وهذا فعلا منصوص عليه في الدستور وهنا لابد من الإشارة أن العهود الدولية تتحدث عن السيادة للشعب أما التقرير فيتحدث عن السيادة للأمة (ويضيف " تمارسها) أي السيادة ( مباشرة عبر الاستفتاء و بشكل غير مباشر بواسطة الهيئات الدستورية") ولدينا في المغرب برلمانين اثنين، بل ثلاثة ، إثنان للكبار وأخر للصغار، وربما يمكن التفكير في برلمان للنساء وأخر لفئة… (. ويستمر التقرير «)… (كما أن القانون نابع من إرادة الأمة «) دائما الأمة هي التي تقرر مصيرها (.

ويضيف تقرير الدولة المغربية " ثانيا أن الأعضاء البرلمانيين يستمدون سلطتهم من الأمة كما أن إنشاء الجهة تتبث الديمقراطية على الصعيد المحلي والتي ستعمق الديموقراطية على الصعيد الوطني “ وهذا فيما يخص الشق الوطني، أما فيما يتعلق بالشق الدولي، تكفي الإشارة أن المغرب التزم بكل قرارات مجلس الأمن وبدون أي تحفظ رغم حقوقه الثابتة تاريخيا، كما إن المغرب بدل مجهودا جبارا للنهوض بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بأقاليم الصحراء رغم قلة موارده".

يستفاد من التقرير أنه حسب الدولة المغربية، فإن المغرب كان على الدوام منذ البداية إلى الآن ملتزما بحق تقرير المصير في شقيه الوطني و الدولي، بل كان سباقا إلى الالتزام به، فماذا نريد بعد أن هذا ؟ لا سيما و أننا وصلنا إلى أقصى ما يمكن أن تصل إليه ؟!!
هذا هو موقف الدولة فما هو موقف الجمعية المغربية لحقوق الإنسان فيما يتعلق بحق تقرير المصير ؟.

و في هذا الصدد تجب الإشارة أنه عندما ترسل الدولة تقريرها إلى جنيف ) لجنة حقوق الإنسان (، فالجمعيات الحقوقية غير الحكومية تقوم هي كذلك بإعداد تقرير موازي في الموضوع لكي تتمكن الهيآت الدولية من المقارنة بين الموقفين و وجهتا النظر.

و الجمعية المغربية لحقوق الإنسان – عبر أدبياتها بياناتها و تقاريرها –تعتبر أن حق تقرير المصير ما زال الشعب المغربي لم " ينعم " به، لماذا ؟
أولا، تعتبر الجمعية أن الدستور كان دائما ممنوحا وليس نابعا من إرادة الشعب، و لم يسبق لهذا الأخير أن ساهم في بلورته أو إعداده. فحسب الجمعة أنه غالبا ما يتم إعداده. فحسب الجمعة أنه غالبا ما يتم إعداد الدستور و يطلب من الشعب التصويت مع الدفع بالتصويت بنعم.
ثنيا ترى الجمعية أن جميع الدساتير المغربية منذ 1962 إلى الآن تكرس السلط ) السلطة التشريعية و التنفيذية والقضائية ( بين أيدي المؤسسة الملكية، علما أن المؤسسة الملكية مقدسة، و بالتالي فهي فوق هذه السلط كلها.

ثالثا، تعتبر الجمعية أن الدولة بنفسها اعترفت أن الانتخابات قبل ) شتنبر 2002 ( عرفت التزوير و التلاعب.
أما فيما يخص قضية الصحراء فالجمعية تعتبر أنه لم يسبق للشعب المغربي أن أبدا برأيه.
رابعا، تعتبر الجمعية أن حكومات المغرب لم يسبق لأي واحدة منها أن خرجت من صناديق الاقتراع. علاوة إلى بجانب الحكومة هيئات خارجة عن نطاقها، و هذه الهيئات تقرر في قضايا مصيرية، و تقوم بمشاريع مهمة.
أما فيما يتعلق بالنظام الاقتصادي في المغرب، فالجمعية تعتبر أنه لم يسبق أن تمت استشارة الشعب بخصوص النظام الاقتصادي المعتمدة ثم فرضها من فوق.

و بذلك تعتبر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان لم يقرر مصيره بل إن جميع الشعوب سترتاح نهائيا من هذا الحق لأن العولمة هي التي ستقرر المصير عوض الشعوب. و بالتالي فإن الجمعية تدعو إلى الانتباه إلى الخطر الذي أصبح يهدد جملة من المكتسبات في مجال حقوق الإنسان لأنه في عصر العولمة لم يعد هناك مجال للتمتع بحق تقرير المصير من الناحية الاقتصادية و السياسية مادام الإمبريالية الآن تصول و تجول كيفما يحلو لها و يمكنها أن تتدخل في أي بلد بدون حسب و لا لرقيب، إما تحت مظلة مكافحة الإرهاب أو عبر إلغاء الحدود و الحواجز الجمركية و الضغط على الدول لتغيير قوانينها الداخلية، و في هذا الصدد هناك دراسات و اقتراحات دعت إلى التخلي حتى الحد الأدنى من الأجور لترك سوق العمل على هواها.

لذلك تعتبر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أنه أضحى مطروحا الدفاع على المكتسبات التي تم تحقيقها في مجال حقوق الإنسان و من أجل فرض احترام المواثيق الدولية المتعلقة بها.

 


قضايا العدالة


قضايا استثنائية أمام محكمة استثنائية
القضاء في محنة بالمغرب
الحق في الاطلاع على المعلومات

 


قضايا استثنائية أمام محكمة استثنائية !

لقد سبق لمحكمة العدل الخاصة بالرباط أن بثت في جملة من القضايا، بعضها أثارت القيل والقال، وقبل التطرق إليها في حلقات، لا مندوحة من الحديث على تلك المحكمة وسيكون موضوعها حلقتنا الأولى.
 محكمة العدل الخاصة، قضاء استثناء في دولة الحق والقانون قضاء محكمة العدل الخاصة قضاء خاص ينظر في الجرائم ذات الصلة بالمال العام.....إنه قضاء في ظل صيرورة وإرساء دولة الحق والقانون. ولعل أول تساؤل يتبادر إلى الذهن هو: هل مقومات دولة الحق والقانون تتماشى ووجود استثناء في العدل والعدالة ؟ من الملاحظ أن محكمة العدل الخاصة غالبا ما أدانت موظفين صغار من الدرجة الدنيا، الذين هم في الحقيقة ـ وهذا معروف لدى العادي والبادي ـ يمارسون مهامهم تحت إمرة رؤساء لا تفوتهم " شادة ولافادة " في إدارتهم، علما أن القاعدة الأساسية في الممارسة الإدارية ببلادنا قوامها عدم السماح بالمبادرة وإنما الامتثال لأوامر الرؤساء حيث المسؤول يكون على علم بكل شيء، فكيف يفوته ما يقع بها على امتداد ثلاث سنوات أو أكثر ؟....علاوة على أن إدارتنا اعتمدت على أوامر عبر الهاتف أو الطرق الشفوية في حسم والبث في جملة من القضايا، حتى الشائكة منها، وعندما " تسقط الصومعة" فإن الصغير أو المأمور عموما هو الذي غالبا ما يؤدي الثمن، ونادرا، نادرا جدا ما كان المسؤولون الحقيقيون ـ الذين هم المستفيدون الأوائل، لأن الصغير المأمور، حتى ولو كان مخطئا لا يحصد إلا الفتات ـ يساءلون وبالأحرى أن يدانوا من طرف المحكمة.
وللتأكد من هذا يمكن الرجوع إلى مختلف الملفات التي راجت أمام محكمة العدل الخاصة بالرباط منذ نشأتها، فهي ناطقة على نفسها.
 المهم، إن من بين الشروط الأساسية لإقامة دولة الحق والقانون، وجود عدالة عادية، وليس عدالتين، واحدة عامة وأخرى استثنائية، والحديث هنا يقتصر على المجال المدني. فمن المعلوم والمعروف أن الديمقراطية تبدأ من العدالة التي ليست فقط مبدأ وإنما عقلية وممارسة وصيرورة ترسيخ القانون.
 إن المتتبع للملفات التي عرضت على أنظار محكمة العدل الخاصة يلاحظ أن المتهمين المدانين فيما يقارب 98 %، هم من المراتب الدنيا في مختلف الإدارات والمؤسسات العمومية. لا أحد حاليا يمكنه أن يعارض على أن دولة الحق والقانون لا يمكنها أن تستسيغ اتخاذ عقوبات انتقائية في حق البعض دون الآخر، وأغلبهم من المستويات الدنيا في السلم الإداري، في حين أن المسؤولين ينعمون بالطمأنينة ولا تقلقهم الإجراءات الجارية ضد مرؤوسيهم، رغم قياد عدد كبير من المتهمين المدانين بتسليط الأضواء على ملفاتهم، مما جعل هناك مخالفين للقانون ومرتكبي أخطاء جسيمة لم تطالهم العدالة. وفي هذا الصدد قال قائل: كفانا من تصرف النعامات وعلينا التحلي بالتبصر والشجاعة الكافية، فإما غض الطرف على الجميع وطي الصفحة لبداية جديدة موازاة مع انطلاق العهد الجديد وإما التصدي لأي متجاوز للقانون كيفما كان موقعه. فلا يمكن السكوت على الاقتصار والاكتفاء بأكباس الفداء وما أكثرهم، بل أكثر من هذا، من ضمنهم ضحايا شردوا وشردت عائلاتهم ـ وأكيد أن بالرجوع إلى الملفات التي راجت أمام تلك المحكمة، من شأنه تبيان ضرورة وإلزامية إعادة النظر في أوضاعهم ولو في إطار روح مبدأ " إن الوطن غفور رحيم" لأنهم بكل بساطة أدوا الثمن عوض الذين " هبروا " الهبرات ولم تستفد أكباش الفداء إلا من الفتات، والأمثلة كثيرة وكثيرة جدا.
 كما أنه علاوة على هذا وذاك، ألم يحن الوقت بعد للتساؤل حول دستورية أو عدم دستورية وجود محكمة اسثتناء في ظل قاعدة وحدة القانون والتشريع في إطار دولة الحق والقانون؟ فهناك عدة حالات تثير الاستغراب حقا فيما يخص بعض الاختلاسات والتجاوزات، بعضها ينظر في شأنه من طرف المحاكم الابتدائية وتكون فيها الأقسام أقل قسوة مع ملفات من نفس الأهمية من حيث درجة الخطأ المقترف، بل وأحيانا أقلها تحسم فيها محكمة العدل الخاصة بأحكام قاسية جدا. ولعل هذا ما يفسر نعثها بالماصة(اي المطرقة الكبيرة) عوض الخاصة. و " الماصة " كما هو معلوم هي تلك المطرقة الضخمة التي لا تبقي ولا تذر، وذلك لكون أحكامها تؤلم بشدة كل من تصيبه بأحكامها سواء الرئيسية أو الثانوية، لأنها في الغالب أحكام قاسية أكثر من غيرها. وهذا مثال للتوضيح ليس إلا، مختلسان اختلسا نفس المبلغ المالي، الأول من البنك الشعبي ( شبه عمومي) والثاني من بنك آخر ( قطاع خاص). فالأول يحاكم أمام " الماصة " والثاني أمام المحكمة الابتدائية.
وشتان بين الحكمين، حيث يفصل بينهما بعد السماء عن الأرض. وفي نهاية المطاف يكون الثاني قد قضى حكمه واسترجع حريته، في حين أن الأول ما زال ينتظر إنهاء الإجراءات لإعداد الملف للمحاكمة، لتقضي في حقه المحكمة الخاصة بحكم أقسى وبكثير، من حكم الثاني. وهذا مثال لفيض من غيض، أما الواقع المعيش فأدهى وأمر.
 فإذا كانت محكمة العدل الخاصة، أحدثت أصلا لمحاكمة الوزراء وذوي المواقع المهمة ـ وهذا أمر يمكن استحسانه ـ لكنها في الواقع، وعلى امتداد وجودها لم تجاهد إلى في صغار الموظفين والمرؤوسين، وبعضهم كانوا أكباش فداء بامتياز.

التحقيق بمحكمة العدل الخاصة...ربما أطول تحقيق.
 القاعدة، وعلى امتداد أكثر من ثلاثة عقود على الأقل، لا يمكن أن تكون مدة التحقيق بمحكمة العدل الخاصة بالرباط أقل من سنة ونيف، مهما كانت القضية حتى ولو أدت إلى عقوبة أقل، كان على المتهم، محكوما مسبقا بقضاء سنة في السجن.
 وعلى امتداد هذه السنة ونيف قد لا تتعدى مدة التحقيق حصتين أو ثلاثة تدوم كل واحدة 30 أو 45 دقيقة على الأكثر، والحالات في هذا الصدد كثيرة وكثيرة جدا، بل هناك ملفات دام فيها التحقيق أكثر من 13 شهرا، ويتساءل المرء، ألم يحن الوقت لإعادة النظر في هذه الوضعية ؟ ألم يحن الوقت بعد ونحن بصدد التطبيل والتغييط حول إصلاح للقضاء، للجرأة على طرح السؤال حول عدل وإنصاف عدالة محكمة العدل الخاصة ومظالمها ؟ ألم يحن الوقت بعد للتساؤل بكل شجاعة أدبية ومسؤولية إنسانية بصدد وحدة منظومة العدل المغربية ؟ ألم يحن الوقت بعد للتقييم الموضوعي لانعكاسات انزلاقات تلك المحكمة على الواقع المعيش، لاسيما الجواب على السؤالسلبياتها، الحصيلة سلبية أم إيجابية في غالبيتها ؟ تتناسل الأسئلة في وقت بدأت عدة أصوات تطالب بإلحاح إعادة النظر في القانون المنظم لمحكمة العدل الخاصة اعتبارا لسلبياتها، وقد قال قائل أن طول مدة التحقيق قد تكون من الأسباب التي أدت إلى معاينة قلة الحكم بالبراءة من طرف محكمة العدل الخاصة على امتداد وجودها.

بعض القضايا تعري على انحراف المسار
من بين القضايا المطاعم المدرسية تعد من أضخم الملفات التي استأثرت بالرأي وهي قضية ساهمت في إسقاط الأقنعة وانجلاء الأمور لتبيان كيف يمكن أن تكون مؤسسة قضائية خاضعة للتعليمات.
 وإذا كانت إشكالية استغلال النفوذ والاختلاس في حد ذاتها تعتبر من الإشكالات المطروحة بجدة على المجتمع المغربي، فإن ما استرعى الاهتمام الأكثر طبيعة الضحايا الحقيقيين في آخر المطاف...إنهم أطفال العائلات الفقيرة لاسيما منها...ويزيد المنظر تراجيدية إذا علمنا أن ضمن هؤلاء الصبيان عدد من اليتامى.
 إن الاختلاس تحقق عبر تحويل المواد الغذائية عن الهدف المرصودة له أصلا، حيث كانت ممنوحة في إطارات مساعدات من طرف برنامج " بام " برنامج التغذية العالمي المخصص لتغذية الأطفال الممدرسين المنحدرين من عائلات فقيرة ومعوزة، ومما يميز هذا الملف الضخم التشابكات الداخلية والدولية التي ارتبطت به من جهة، ومن جهة أخرى سقوط المتابعة، عن وعي وإرادة، في حق شخصين من العيار الثقيل دون سابق إنذار، أحدهما اضطلع بمسؤولية الكتابة العامة لوزارة التعليم، وما ميز كذلك هذه المحاكمة أنها أول قضية قام المجلس الأعلى بنقض الحكم الصادر بخصوصها، كما تميزت كذلك باللجوء إلى تطبيق الفصل 28 من القانون المنظم لتلك المحكمة وذلك للمطالبة بإلقاء القبض على أضناء أساسيين في القضية سبق وأن تمتعوا بالسراح المؤقت أمام استغراب الجميع، وما يعز أكثر في نفس المرء كون المواد الغذائية المختلسة كانت أساسا مرصودة لأبناء العائلات الفقيرة لاسيما في البوادي لحثها على بعث فلذات أكبادها للمدرسة وعدم الاضطرار لحرمانهم من حقهم المشروع في التعليم لسبب الفاقة.
 ...كانت البداية مع تحقيق صحفي قامت به جريدة " الرأي " في نهاية 1994 على إثر اكتشاف أوعية زيت فارغة في إحدى مزابل ضواحي مكناس، وكانت تحمل علامة " بام" كانت تعد بالآلاف ضمنها العشرات كانت ممتلئة عن أخرها، وفي مطلع سنة 1995 نشرت نفس الجريدة مقالا حول ذات الموضوع يضع جملة من التساؤلات، هذا ما دفع السلطات المختصة للقيام بالتحريات اللازمة والتي أفضت إلى اعتقال موظفين في إطار ما اصطلح عليه بفضيحة " زيت الضعفاء" وبدأ المخفي يظهر والمستور ينكشف والغامض ينجلي...وانكشفت خيوط الفضيحة، هناك موظفون يبيعون مئات الأطنان من الزيوت الممنوحة ويختلسون الملايين، وبذلك كانوا يحرمون مئات التلاميذ من سد رمقهم...كانوا يبيعونها لشركات التي بدورها تحقق أرباحا طائلة على حساب الأطفال، حيث أن الأمر لا يكلفها إلا تغيير التلفيف بعد إفراغ الزيت من أوعيتها الأصلية وإعادة تلفيفها في قارورات تحمل اسم وشارة الشركة والماركة دون عناء البحث عن المواد الأولية وآليات تحويها وعمال وفنيين...كان يكفيها أناسا يحسنون الإفراغ والملء ليس إلا.
 وكذلك الشأن بالنسبة لمادة الحليب ومواد غذائية أخرى...فهل سبب ذلك كان الجشع لاسيما إذا علمنا أن صناعتنا الفلاحية ـ الغذائية كانت دائما بخير، أم أن سبب ذلك المنافسة غير الشريفة التي تطبع هذا القطاع؟ في البداية لوحظت محاولات متكررة لإقبار الملف أو على الأقل الحد من انعكاساته وجعله في أقصى الحدود يقتصر على تحميل المسؤولية لأكباش فداء بمكناس، إلا أن مجهودات بعض الجرائد الوطنية التي لم تتوقف على تسليط المزيد من الأضواء، جعلت القضية تظل بارزة وهذا لم يكن من بد من فتح الملفات.
 وقد تبين بالملموس أن هناك بعض الموظفين الساميين متورطين حتى النخاع في القضية إلا أنه تم الاكتفاء بالوقوف عند بعض المديرين ورؤساء أقسام فما دون ذلك وصلا إلى بعض الشواش والباعة المتجولين.
 ومع مرور الأيام تبين أن الأمر يتجاوز مندوبية مكناس حيث هم الوزارة بامتياز لاسيما وأن الطرف المانح " بام" تدخل عندما قرر مكتب تسيير وتنسيق برنامج التغذية العالمية " بام " بروما توقيف منح المساعدات المخصصة للمغرب إلى حين الكشف عن حقيقة الأمور وجاء دور الشرطة القضائية وتم الكشف عن طريقة غريبة للتسديد وتضيخم مصاريف المهام وسحوبات من حساب الشيكات البريدية وفواتير" عذراء"...واتضح أن هناك تلاعبات واختلاسات وتزوير فيما يتعلق بتدبير السنتميات، وقيل أن هذه الأفعال بدأت منذ 1991 على الأقل، وفي الأخير كانت التهمة الموجهة إلى الأضناء هي استغلال النفوذ واختلاس أموال عمومية والإرشاء والارتشاء والتزوير واستعماله والاتجار والمتاجرة في مواد غذائية ممنوحة لغرض إنساني وعدم إشعار السلطات بوقوع جريمة، واستغرق التحقيق ما يفوق 4 سنوات وكانت آخر جلسة في غضون شهر غشت 1999 حين كان النطق بالأحكام على الساعة السادسة والنصف صباحا، وتراوحت الأحكام ما بين البراءة و 12 سنة حبسا نافذة والقضاء بإرجاع للدولة ما قدره 50 مليون درهم بالتضامن بين المتهمين المدانين، علما أن النيابة قد طالبت بأقصى العقوبات وبإرجاع ما قدره 20 مليار سنتيم ( 200 مليون درهم).
 قرن ونيف من الحبس توزيعها على 40 ضنينا و 45 % منهم موظفون تابعون لوزارة التربية الوطنية و 13 % مديري ومسيري شركات ووحدات صناعية و 42 % مستخدمين في القطاع الخاص أو تجار علاوة على 3 متهمين في حالة فرار وهم: محفوظ حمامي مدير شركات حمامي إخوان ومحمد ساعود مدير شركة " سوكوبال" بمكناس وميلود الريفي.
 ومن الأمور التي استرعت الاهتمام ما عبر عنه المتهم الرئيسي في القضية رئيس قسم المطاعم المدرسية بالوزارة، حيث سبق وأن هدد مرة باللجوء إلى الانتحار إذا لم يتم استدعاء المسؤولين الحقيقيين على كل ما جرى، معلنا أنه لم يكن يقوم إلا بتطبيق تعليمات وتوجيهات مرسومة من طرف رؤسائه المباشرين مضيفا أنه إذا كانت تلك السياسة أو الاستراتيجية فاسدتين فلا مناص من استدعاء المسؤولين عنها ومن ضمنهم كتاب عامون سابقون للوزارة ولعله يخص بالذكر كل من بوزبع والسبيطي.
 وفعلا لقد قدم المجلس على نقض الحكم، فهل فعلا سيتم التعامل مع القضية بكل شفافية وعدل وإنصاف ؟ هذا ما ستبينه الأيام القادمة إذا عقد العزم على متابعة الإجراءات إلى منتهاها.
 وقد حان الوقت للاهتمام بوضعية العديد منهم للنظر في الحالات التي تستوجب رد الاعتبار، فهل ستحضر الشجاعة السياسة والأدبية للقيام بذلك، ما دام العدل والإنصاف لا مناص منهما في دولة العدل والقانون.

قضية امحمد سرحان، رئيس مكتب وكالة المغرب العربي للأنباء بروما وراءها ما وراءها
 امحمد سرحان، رئيس مكتب روما الدولي لوكالة المغرب العربي للأنباء (لاماب)، عين بمصلحة التوثيق بالوكالة منذ 8 دجنبر 1980، وفي سنة 1986 انتقل إلى مديرية العلاقات الخارجية إلى أن عين في نهاية سنة 1989 على رأس مكتب روما بإيطاليا.
 صدر في حقه حكما ب: 4 سنوات نافذة من طرف محكمة العدل الخاصة بالرباط يوم 11 يونيو 1997 بعد أكثر من 21 شهرا من التحقيق التفصيلي في قضية غريبة: استخلاص رواتب إحدى موظفات مكتب الوكالة يروما عوضها ومكانها، مقدارها الإجمالي 400.000 درهم . في نفس الفترة انكشف أمر نائب المدير بالوكالة. وتلافيا لسقوطه وسقوط رؤوس أخرى، تم الاكتفاء بتقديم كبش فداء لتبرير اختفاء 400 ألف درهم للتستر على أصحاب الملايين وربما الملايير، حتى ولو افترضتا أن امحمد أسرحان مذنب وفي هذا رأي وتساؤل كبير يدعو إلى الشك والريبة.
 لقد اتهم امحمد سرحان باستغلال النفوذ واختلاس المال العام، حيث حسب رأي النيابة العامة أنه كان يستخلص رواتب إحدى الموظفات (إيطالية الجنسية ) بمكتب روما الدولي للوكالة عوضها ومكانها بعد أن استقالت بمحض إرادتها.
 والغريب في الأمر هو أن امحمد اسرحان قد أدلى بنسخ من شيكات بنكية صادرة عن بنك إيطالي توضح أن المبالغ المعنية قد سلمت إلى المعنية بالأمر التي كانت تعمل ككاتبة بمكتب وكالة روما. كما أن امحمد أسرحان طالب بإحضار المعنية   بالأمر خلال المحاكمة للإدلاء بشهادتها في النازلة لأنها حية ترزق، لاسيما وأن مديرية الوكالة لا تتوفر على ما يدلي أن مسطرة الاستقالة قد تمت فعلا طبقا لما تقتضيه النصوص في هذا الصدد، إذ أنها لم تكن تتوفر إلا على ورقة مكتوبة يقال أنها موقعة من طرف المعنية بالأمر. إلا أن طلبه لم يتم أخذه بعين الاعتبار.
 وعلاوة على هذا وذاك، فإن بعض الشهود، وهو موظفون سامون بالوكالة قد تراجعوا كليا أمام المحكمة، رأسا على عقب، عن صيغ وردت في شهادتهم الأولى تم الاعتماد عليها لإدانته، وتم ذلك في جلسة علنية وأمام الملأ ورغم ذلك لم يتم أخذها بعين الاعتبار وهذا أم يدعو إلى الشك.
 كما أدلى م. سرحان بصور فوتوغرافية ملتقطة أثناء الفترة الزمنية موضوع النزاع ( الواقعة ضمن فترة استخلاص ام. اسرحان لأجرة الموظفة حسب ادعاء النيابة ) وشاءت الظروف أن تزامنت مع الزيارة الملكية للديار الإيطالية، وكل تلك الصور تبين بوضوح حضور الموظفة الإيطالية (المستقيلة بمحض إرادتها حسب صك الاتهام) ضمن طاقم مكتب الوكالة يروما آنذاك في إحدى المراسيم المقامة رسميا بمناسبة الزيارة الملكية...ورغم كل الحجج المدلى ها تمت الإدانة..وحوكم ب: 4 سنوات حبسا نافذة قضاها بالمركب السكني بسلا.
 وهذه المعطيات أدلى بها لقاضي التحقيق وكلها مثبتة في محاضر التحقيق بمحكمة العدل الخاصة بالرباط.
 وللإشارة فإنه قبل أن توجه إلى امحمد سرحان تهمة الاختلاس، فإنه تعرض لمدة أكثر من عشرة أيام إلى مساءلة من طرف أجهزة (...) فهل الأمر يتعلق بقضية أخرى وما محاكمته من طرف محكمة العدل الخاصة ربما إلا طريقة من طرق إقبار القضية ؟ وهذا ما يجب البحث بصدده عند الأطراف الذين يهمهم الأمر ومن بينهم المدير العام السابق لوكالة المغرب العربي للأنباء.
 ومنذ بداية المحاكمة لم يتوقف سرحان عن تعيين فنجيرو بالأصبع، بل اتهمه مباشرة وبصريح العبارة في الرسائل التي وجهها إلى كل من الأمين العام للأمم المتحدة والمجموعة الأوروبية وإلى البابا، وكذلك الرسائل التي حاول توجيهها إلى السدة العالية بالله جلالة الملك محمد السادس، لاسيما بعد أن خرج من السجن.
 فعلا منذ البداية أعلن سرحان عن الفضائح المالية وعن التلاعب بالمال العام بالوكالة، وهذا ما كشفت عنه المفتشية العامة للمالية التي قامت بعملية التفتيش بالوكالة فيما بين ما يوليوز من سنة 1998، إذ وقفت على تجاوزات وتلاعبات مالية همت الملايين في حين توبع امحمد سرحان على 400 ألف درهم لم يعترف ولا مرة واحدة بأخذها أو التصرف فيها أو تحويلها لفائدته، علما أنه كان له ولازال   لحد الآن على ذمة الوكالة رواتبه ومصاريف مهام وعلاوات تفوق وبكثير المبلغ المتهم باختلاسه، وهذا فعلا يدعو للاستغراب.

محكمة العدل الخاصة  ...ألا تستأهل أن يعاد فيها النظر ؟
 على امتداد أكثر من ثلاثة عقود على الأقل، لم يكن من الممكن أن تكون مدة التحقيق بمحكمة العدل الخاصة بالرباط أقل من سنتين أو سنة ونيف، مهما كانت القضية حتى ولو أدت إلى عقوبة أقل من سنة، ونادرا جدا ما كانت هذه الهيئة تحكم بها، إلى حد أن المتتبعين لتاريخ هذه المحكمة الخاصة يعتقدون أن الحكم بسنتين من طرفها يكاد يقارب الحكم بإبراء الذمة بالنسبة للمحاكم الأخرى.
وعلى امتداد مدة التحقيق الطويلة هاته قد لا تتعدى مدة التحقيق حصتين أو ثلاثة لكل متهم عموما، تدوم في أحسن الأحوال على الأكثر 30 أو 45 دقيقة في كل لقاء، والحالات كثيرة وكثيرة جدا. وهناك ملفات دام فيها التحقيق أكثر من 13 شهرا والأمثلة كذلك كثيرة في هذا الصدد.
 ومن حق المرء أن يتساءل حاليا، ألم يحن الوقت لإعادة النظر في هذه الوضعية ؟ ألم يحن الوقت للجرأة على طرح السؤال حول عدل وإنصاف عدالة محكمة العدل الخاصة بالرباط؟ ألم يحن بعد الوقت للتساؤل بكل شجاعة أدبية ومسؤولية إنسانية بصدد وحدة منظومة العدل المغربية ؟ ألم يحن بعد الوقت للتقييم الموضوعي الخالي من الحسابات، ومد انعكاساتها على الواقع المعيش، لاسيمالخاصة، ت الحصيلة سلبية أم إيجابية في عموميتها ؟ فالأسئلة تتناسل في وقت بدأت فيه أصوات تطالب بإلحاح إعادة النظر في القانون المنظم لمحكمة العدل الخاصة، لأنه لم يعد حاليا من المقبول بتاتا أن يظل المتهم سنتين أو سنة ونيف على الأقل خلف الأسوار العالية ووراء القضبان الحديدية السميكة ولا يستمع إليه قاضي التحقيق قد تكن من الأسباب التي ستفسر معاينة قلة الأحكام بالبراءة أو بمدة قليلة من طرف محكمة العدل الخاصة بالرباط على امتداد وجودها.
  كل هذه المؤشرات تحتك تقييم جدي وموضوعي لحصيلة تلك المحكمة، لاسيما فيما تعلق بالأضرار البدنية والمادية والنفسية والاجتماعية التي تلحق بأشخاص قد لا يستحقون ذلك لا سيما وأن 95% من الذين أدينوا من طرفها هو موظفون مأمورون؟

 

القضاء في محنة بالمغرب

عاش القضاء المغربي مؤخرا وضعية لا يحسد عليها، و ذلك أن جملة من القضاة تعرضوا للاعتقال بتهمة الارتشاء و علاقتهم بترويج المخدرات بشمال المغرب. و لم يكن القضاة وحدهم المعنيين، فقد تم اعتقال كذلك رؤوس وازنة في الأمن الإقليمي بشمال البلاد. و لقد تابع المجتمع المغربي باهتمام كبير هذه النازلة و تساءل بصددها رجال القانون.
و لعل هذه النازلة أبانت مرة أخرى، إذا كانت هناك الحاجة للمزيد من التبيان، أن القضاء المغربي تخترقه عدة لوبيات و مصالح. و في هذا الصدد بدأت تطفو على السطح اعتراضات حول الموقف المتخذ في حق القضاة الخمسة المعتقلين. و من ضمن تلك المواقف، نائب الوكيل العام لمحكمة الاستئناف الذي رفع رسالة في الموضوع إلى الملك عن طريق وزير العدل، إلا أن هذا الكتاب لم يصل إلى مداه. و قيل أن نائب الوكيل هذا مصاب بمرض نفسي و يعيش ظروفا صحية صعبة تجعله لا يتحكم في ردود أفعاله. و قد قال البعض أن حجز رسالته في مكتب وزير العدل كان أساسا تصرفا وقائيا لطمس جملة من الحقائق لا يراد لها أن تعرف.
و لعل ما يثار حاليا حول القضاء بالمغرب يدفع المرء إلى الرجوع إلى تقرير البنك الدولي الصادر في أواخر التسعينات و الذي جاء فيه وصف غير مرض عن القضاء المغربي، حيث اتهمه بالفساد المطلق و الرشوة ضاربة أطنابها في جميع مرافقه و التحايل على القانون و تحقير مفهوم العدل و ما إلى ذلك من الأوصاف غير الحميدة. و آنذاك تم تكليف الأستاذ عمر عزيمان ( الرئيس الحالي للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان) بالسهر على إصلاح الجهاز القضائي المغربي، حيث عين وزيرا للعدل سنة 1997.
و يرى أغلب رجال القانون بالمغرب أن الطريقة التي طبعت التعامل مع القضاة المعتقلين في هذه النازلة لم تحترم القانون و زاغت عنه بامتياز. إذ أن المعتقلين قضاة من الدرجة الثانية، و هم ليسوا مبتدئين بل مارسوا و ظيقتهم على امتداد سنوات، و أن وزير العدل هو الذي أمر باعتقالهم و هو ينتمي للهيئة التنفيذية و ليس القضائية، علما أنه من المفروض أن يكون استقلال السلطتين التنفيذية و القضائية، و هذا ما يمثل العمود الفقري لدولة القانون، علاوة على أن استقلال القضاء هو الضامن للتعامل الديموقراطي. و بذلك فالقضاة بالمغرب يراقبون من طرف المجلس الأعلى للقضاء. و يعتبر البعض أن ما جرى في نازلة القضاة الخمسة يبين أن هناك رغبة في عدم السماح لتكون للقضاء المغربي سلطة قضائية مستقلة و وجود رغبة في التحكم في القضاء المغربي.
و الحلة هاته، بغض النظر عن طبيعة الفعل الجرمي المرتكب أو الذي من المعتقد أنه أرتكب، فقد تم اعتقال القضاة دون إحالتهم على المجلس الأعلى للقضاء و للوكيل العام به كما ينص على ذلك القانون العادي.
و في هذه النازلة لا تكمن الإشكالية في وجود أو عدم وجود الفساد داخل الجهاز القضائي المغربي أو في وجود قضاة فاسدين، و إنما تتمثل الخطورة في تجريد الجهاز القضائي المغربي قاطبة من الطمأنينة اللازمة لقيامه بمهامه في إطار الاستقلالية التامة إزاء السلطات الأخرى. و الآن و قد تم اعتقال قضاة من الدرجة الثانية مارسوا سنين متعددة مهامهم استنادا على أقوال و محضر المفتشية العامة التابعة لوزارة العدل، فان القضاة سترددون مستقبلا قبل التفكير في إصدار قرار البراءة و إن كان لابد منه، علما أن القضاة المعتقلين كلهم أصدروا أحكام براءة. و بذلك ستصبح القاعدة ليس هي أن تكون وسائل الإثبات مادية و مقنعة و احترام مبدأ استقلالية القضاء و استقلالية ضمير القاضي و إعمال قناعته الذاتية بشكل مستقل. و هكذا سيكون مستقبلا على القاضي قبل إصدار حكما بالبراءة أن يتردد و ذلك خوفا من المساءلة، باعتبار أنه حينما يحكم بالسجن سيفعل ذلك و هو مرتاح لأنه سيكون شبه متأكد من أنه لن يكون موضوع أي تفتيش أو مساءلة. و هذا يعني أن حرية المواطن ستكون في خطر، و هذه نتيجة طبيعية جدا لعدم احترام استقلالية القضاء و تكريسها فعلا و فعليا على أرض الواقع اليومي.
و قد أبانت نازلة اعتقال القضاة الخمسة، أنه تم إلقاء القبض على هؤلاء بناء على طلب من الوكيل العام لدى محكمة العدل الخاصة استنادا على تعليمات كتابية من وزير العدل. فوزير العدل بالمغرب له سلطة مباشرة على الوكلاء العامين، و الوكيل العام لدى محكمة العدل الخاصة ينفذ أمر وزير العدل بالمتابعة أو الاعتقال أو غير ذلك. فهل الوكيل في هذا الصدد لا رأي له و تنحصر مهمته في إبلاغ الأوامر؟
و قد شهد مسلسل اعتقال القضاة الخمسة المراحل التالية، حيث أحيل الملف على وزير العدل الذي أحاله على الرأي العام بواسطة الإعلام قبل إحالته على مديرية الشؤون الجنائية و قبل أن يحيله على الوكيل العام لدى محكمة العدل الخاصة.
و بالتالي تعود المسألة للطرح بإلحاح كبير، قبل النظر و التساؤل حول فساد القضاء أو وجود قضاة فاسدين، وجب التساؤل بصدد استقلالية الهيئة القضائية بالمغرب.
و مهما يكن من أمر يجب العلم أن منصب وزير العدل يعتبر منصبا سياسيا، في حين يضل القضاة مطبقون للقانون و حراسه.
و من المسائل التي تؤاخذ على وزير العدل من طرف الكثيرين أنه تسرع في القيام بحملة إعلامية في هذه النازلة بالذات قصد احتواء الرأي العام. و هذا ما لم يستسيغه الكثيرون بغض النظر عن طبيعة الأفعال المرتكبة و فحواها.
و في هذا الإطار تم طرح أكثر من تساؤل، و من ضمن ما طرح، هل يمكن انتهاك حرمة القضاء باسم التخليق؟ و تزداد أهمية التساؤل في إطار دولة الحق و القانون. و مفهوم دولة الحق و القانون يعني بالأساس أن الدولة عليها أن تعمل على جعل مواطنيها سواسية أمام القانون و أحكامه و مقتضياته، باعتبار (و من المفروض) أن هذا القانون يعتبر تجسيدا لارادة الأمة. علما أن مبدأ دولة الحق و القانون هو أحد دعامات بناء الديموقراطية الحقة. و رغم ذلك فقد منحت بعض الاستثناءات لبعض الأشخاص، و هذه الاستثناءات ليس بمعنى عدم الخضوع للقانون، و إنما هي تعتبر امتيازات يمنحها القانون لهؤلاء الأشخاص و من ضمنهم القضاة. و ذلك لتمكينهم من مزاولة مهامهم بكل اطمئنان و مسؤولية. و بخصوص القضاة منحهم القانون الجاري به العمل إلى حد الآن امتياز مسطرة خاصة لمتابعتهم في حالة ارتكابهم لجنح أو جنايات نظرا لأن طبيعة وظيفتهم من شأنها أن تعرضهم لشكايات أو مطالبات كيدية أو ناتجة عن رد فعل أو بدوافع انتقامية.
و في هذا الإطار نصت مواد قانون المسطرة الجنائية من 264 إلى 268 على مقتضيات خاصة بالقضاة، و هي ما يطلق عليها مسطرة الامتياز القضائي. فهل تم احترام هذه المقتضيات في حالة القضاة المتابعين في ملف المخدرات بشمال المغرب و هو المعروف بقضية الرماش؟
و الأمر يتعلق بإلقاء القبض على منير الرماش و هو مشتبه فيه بالاتجار في المخدرات. قيل أنه أدلى بتصريحات أدت إلى اعتقال و متابعة خمس قضاة، ثلاثة منهم رؤساء غرف جنائية و اثنان يتوليان مهام نائب للوكيل العام للملك. و ذلك إضافة إلى والي أمن و ضباط للشرطة القضائية و توقيف ضابطين من الدرك الملكي و القوات المسلحة الملكية.
و إذا كان في دولة الحق و القانون لا يجوز لأي كان التطاول على أحكام القانون، فانه لا يجوز كذلك لأية جهة مهما كانت أن تخرق مقتضيات القانون الخاصة(الاستثناءات) تحت أية ذريعة مهما كان القصد و المرمى.
فلا يخفى على أحد أن مكانة القضاة في المجتمع مكانة خاصة، اعتبارا لأن المجتمع أوكل لهم النيابة عنه لحمايته و لضمان التوازن بين السلط داخله كمجتمع يتطلع إلى الديموقراطية. لذلك فهم بالمغرب يصدرون أحكامهم باسم الملك، أي أنهم منفذون للشرع بالأحكام له نيابة عن الإمام. و لذلك فان أي إخلال بهيبة القاضي و وقاره هو بمثابة إخلال بأسس المجتمع.
و في نازلة اعتقال القضاة الخمسة، قيل أن إلقاء القبض عليهم، حسب ما هو رائج، تم بناء على تصريح منير الرماش أو غيره،  و هي تصريحات قيل أنها تورط القضاة المعنيين. و بغض النظر عن فحوى تلك التصريحات فان المادة الأولى لقانون المسطرة الجنائية تنص على أن المتهم أو المشتبه فيه بارتكاب جريمة يعتبر بريئا إلى تثبت ادنته قانونا بمقرر مكتسب لقوة الشيء المقتضى به بناء على محاكمة عادلة تتوفر فيها كل الضمانات القانونية. علاوة على أن الاجتهاد القضائي بالغرب أقر مند سنين خلق على أنه لا تجوز شهادة متهم على متهم. و هذا في وقت أشارت جملة من الوسائل الإعلامية أن منير الرماش تراجع عن جملة من تصريحاته الواردة بمحضر الضابطة القضائية. و هذا علاوة على أنه كان من المفروض و المتعين إتباع الإجراءات المنصوص عليها في المواد 264، 265، 266، و 267 و 268 من قانون المسطرة الجنائية.
و فوق هذا و ذاك فان السياسة الجنائية المعتمدة حاليا بالمغرب تتجه نحول التقليل من ظاهرة الاعتقال الاحتياطي، إذ لا يمكن اعتقال المشتبه فيهم إلا في حالات محددة حصرا بمقتضى قانون المسطرة الجنائية كتوفر حالة التلبس أو في حالة عدم توفر ضمانات كافية للحضور.
و ما دام أن حالة التلبس لا وجود لها قطعا بالنسبة للقضاة المعتقلين( كما هي منصوص عليها في الفصل 56 من قانون المسطرة الجنائية)، فاعتقال القضاة الخمسة تم إذن بناء على انعدام ضمانات الحضور، علما أن هؤلاء لهم مواطن قارة و عائلات و وضعية اجتماعية. و من جهة أخرى، فعلا إن الفصول من 32 إلى 39 من القانون المنظم لمحكمة العدل الخاصة تنص على معاقبة القضاة و الموظفين العموميين المرتكبين لإحدى الجرائم التي تدخل ضمن اختصاص هذه المحكمة. إلا أنه تظل هناك إشكالية مسطرة الامتياز القضائي المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية. علما أن محكمة العدل الخاصة نفها تعتبر محكمة استثنائية، و التوجه العام هو نحو وحدة القانون لا سيما و أن تلك المحكمة لا تتحقق فيها ضمانات المحاكمة العادلة، و لعل أبرز دليل على ذلك الصلاحيات الواسعة المخولة لوزير العدل بمقتضى القانون الذي ينظمها، و هو وزير يعتبر عضوا في السلطة التنفيذية. و بذلك يكون له دور واضح للثأتير على طبيعة القرارات الصادرة عن هذه المحكمة، و لقد أبانت تجربة هذه المحكمة على امتداد سنين كيف كان ضحيتها الموظفون الصغار و كيف تمكن الموظفون الكبار من الانفلات من أحكامها، و يكفي الرجوع إلى   جملة من الملفات التي راجت أمامها للتأكد من ذلك و بدون أي عناء.
و يرى بعض رجال القانون المرموقين بالمغرب أنه كان يتعين إخضاع القضاة الخمسة للمسطرة التأديبية قبل تقرير إحالتهم على أية هيئة قضائية. و بخصوص هؤلاء كان من المفروض أن يبت المجلس الأعلى للقضاء في قضيتهم، و إذا تبتت المخالفة في حقهم، كان من المفروض إيقاع عقوبة قد تصل إلى العزل، و بعد مصادقة جلالة الملك كرئيس للمجلس الأعلى للقضاء على القرارات المتخذة يتم تجريد القضاة المعنيين من حصاتهم بعد عزلهم، و آنذاك تفتح إمكانية متابعتهم أمام أي محكمة عادية كانت أو خاصة.
و هذا خصوصا , أن قانون المسطرة الجنائية بالمغرب قانون حديث العهد و لم ينص بأي شكل من الأشكال على مسطرة الامتياز القضائي لا يتم تطبيقها في حالة ارتكاب جرائم تدخل ضمن اختصاصات  محكمة العدل الخاصة، و هي المحكمة التي أضحت عدة أصوات  تنادي بضرورة إلغائها لأكثر من سبب.
و هذا يؤدي إلى التساؤل التالي- لماذا لم يتم تفعيل مسطرة الامتياز القضائي، احتراما للمقتضيات القانونية للوصول إلى حقيقة بدون تسرع ثم التفكير بعد ذلك في إحالة القضاة المشتبه فيهم على المحكمة المختصة، محكمة العدل الخاصة أو غيرها؟ و هل تصريحات وزير العدل لوسائل الإعلام تناقض أم لا مقتضيات المادة 15 من قانون المسطرة الجنائية التي تنص على إجراءات البحث؟
و في هذا الإطار يعتبر الكثيرون أن الحكم بالإدانة صدر من مكاتب وزارة العدل و نشر على صفحات الجرائد حتى قبل الشروع في المحاكمة. و هده ممارسات اعتبرها البعض أنها ضربت عرض الحائط
 مبدأ استقلال القضاء و الذي هو مطلب الجميع حكومة و دولة و أحزابا، أنه حق للمواطن و ليس حقا للقاضي. و هنا يتساءل البعض، فادا صرح أحد المجرمين المتورطين في المخدرات باسم وزير من الوزراء، فهل كان فعلا سيتم اعتقاله و إحالته على محكمة العدل الخاصة؟
و الحالة هاته، فان الحصيلة الإجمالية لقرار اعتقال القضاة الخمسة – كما تم إعداده و تطبيقه- كانت حصيلة سلبية على مختلف الأصعدة. فقد خلق تدمرا كبيرا وسط الجهاز القضائي المغربي برمته- قضاة و وكلاء و محامون و غيرهم _، كما زعزع الثقة في هذا الجهاز، و عندما تتزعزع الثقة بهذا الجهاز فان الأمر يتعلق بالنظام العام و بثقة المواطن قضاء بلده.
كما أن هذا القرار، و بالشكل الذي تم اتخاذه دفع مختلف وسائل الإعلام الدولية الاهتمام بالصورة السوداء للجهاز القضائي المغربي و تقديمه كجهاز فاسد الصعب إصلاحه، بل هناك كثير من الصحف الأجنبية التي شككت بقوة في مسار الإصلاح الذي تعرفه القضاء المغربي.
و سبب كله هو استعمال وسائل غير قانونية و تجاوز مقتضيات قانونية في التعامل مع هذه النازلة.
فإذا كان الجميع مع تخليق الحياة العامة بالمغرب ما دام يصب في اتجاه تعزيز دولة الحق و القانون إلا أنه لا أحد يتفق إطلاقا بإصلاح الخطأ بارتكاب خطأ أفظع.

 
الحـق فـي الإعـلام والـحـق فـي الاتـصال


في الواقع إن مهنة الصحافة ترتكز حاليا ، أكثر من أي وقت مضى على ضرورة أن الإعلام أضحى حقا من حقوق الإنسان . إلا أن هذا الحق لا يمكن أن يتمتع به الناس ويغير سلوكياتهم وعلاقاتهم الثقافية والاجتماعية والسياسية إلا عن طريق الإعلام والتربية . ويقصد بهذا الحق ، حق الأفراد والجماعات والشعوب في الحصول على المعلومات الصحيحة من مصادرها ، أو من خلال وسائط تتمتع بالمصداقية . إلا أن هذا الحق لا يقف عند تلقي المعلومات ،ولكن يشمل استعمالها ونقلها إلى الآخرين بمختلف الوسائل ، واعتمادها لتعزيز المشاركة في توجيه الرأي العام وصناعة القرار وتحقيق التنمية .
والحق في الإعلام خاضع لقيود . لقد نصت المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه حق كل إنسان باعتناق الآراء العالمي لحقوق الإنسان على انه حق لكل إنسان باعتناق الآراء التي يريد ولكن هذا يجوز إخضاعه لبعض القيود ، وذلك لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة ، فالحرية المطلوبة هي حرية للجميع في إطار هي حرية للجميع في إطار صيانة كرامة الجميع .
وبالتالي فإن الحق في الإعلام هو جزء لا يتجزأ من حرية الرأي والتعبير وهو يعني كذلك الحق في الإعلام هو جزء لا يتجزأ من حرية الرأي و التعبير تخضع لضوابط من المفروض تنظيمها و لا تلغيها.
أما الحق في الاتصال فقد تم الإعلان عنه لأول مرة سنة 1969 عندما فجر نقاشا واسعا استمر سنوات طويلة من أجل تحديد مفهومه و مضمونه. و كانت منظمة اليونسكو في مقدمة الفضاءات التي أشرفت على إدارة الحوار بين الخبراء و ممثلي الحكومات في هذا الصدد. لا سيما و أن اليونيسكو راهنت كثيرا على الإعلام في النهوض بالواقع الثقافي و الاقتصادي للشعوب.وقد أوضحت مفهوم الحق في الاتصال على أنه حق الفرد في ان يعلم و يعلم ، و حقه في حماية خصوصيته و الانتفاع بموارد المعلومات،و هي حقوق تتمتع بها أيضا المؤسسات الإعلامية التي من حقها النشر و حرية الحركة و كتمان سر المهنة. ويتسع هذا المفهوم ليشمل النطاق الدولي، إذ يتضمن حق الدول في ضمان التدفق الحر و المتوازن للمعلومات، وفي حماية ذاتيتها الثقافية و حق الدولية في الرد و التصريح.
و قد ساهمت الدول العربية في الجدال حول مفهوم حق الاتصال، وكانت هذه المشاركة العربية نشيطة في الدفاع عن توزيع عادل للمعلومات على الصعيد الدولي، إلا أنه لم يصاحبها ارتقاء كيفي للأداء الإعلامي العربي، و لا الحرص على تمكين الإعلام من الحرية المطلوبة التي هي ضرورية لتمكينه من القيام بدوره الإخباري و التنموي.

و رغم أن بعض الصحافيين العرب لعبوا دورا طلائعيا، إلا أن الصحافة العربية في هذا المجال لا تزال محدودة جدا مقارنة بزملائهم، في البلدان الغربية، لا سيما إذا علمنا أن غلاقة الإعلام العربي بالحقوق الإنسانية – ثقافة و حركة و سيرورة- علاقة مزدوجة، لأنه بقدر ما يساهم الإعلام أحيانا في ثقافة حقوق الإنسان و التعريف بشاطات المدافعين عنها، فإنه يمكن أن يتحول إلى أداة في وضع المزيد من العراقيل و إثارة الصراعات.
و عموما لازال مطلوبا ، على الصعيد العربي،تفعيل دور الإعلام في التعريف بثوابت المنظومة الحقوقية وتكريسها و الانخراط في نشر ودعم ثقافتها و حركتها،لأن للصحافيين و الإعلاميين عموما دورا استراتيجيا في هذا المجال الذي يعتبر ميدانا من ميادين المعركة الحضارية. فلا ينبغي للصحفي أن يستهين بما يكتب و ينشر، شريطة أن يكون جادا في عمله، دقيقا في معلومات، فكم من مقال كتب له أن يغير الكثير من الأشياء ؟ وكم من رأي التقطه شخص أو مجموعة أو هيأة فكان منطلقا لإنجازات تاريخية أو شكل انطلاقا لطفرات مهمة ؟
الحـق فـي الإطـلاع عـلى الـمـعـلـومات    المجال القضائي نموذجـا

يعتبر أغلب الحقوقيين و أهل الاعلام أن الاطلاع على المعلومات القضائية من المبادئ الأساسية التي تكفل عدالة المحاكمة ، إضافة إلى مبدأي علنية المحاكمات و الأحكام . وهذا ما يخوله ، في نظرهم مبدأ حرية الرأي والحق في الإعلام.
إلا أنه يبدو أن هذه المبادئ الأساسية تتوافق أحيانا وتتنافر أحيانا أخرى ، اعتبارا لضرورة احترام مبادئ أخرى تكفل هي كذلك عدالة المحاكمة، ومن ضمنها استقلالية القضاء ومبدأ فرضية براءة المتهم والحاجة للمحافظة على حقوق وحريات الأشخاص و المؤسسات المفروض حمايتها.
ففي مرحلة التحقيق و التقصي يسود مبدأ السرية. و هذا وضع لحماية مبدأ أساسي آخر من مبادئ المحاكمة العادلة وهو فرضية البراءة التي يقضي بأن يعتبر كل متهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة علنية عادلة تصدر حكما نهائيا. فكل الإجراءات المسطرية المرتبطة بالتحقيق و الاستقصاء تشددت حول مبدإ السرية ، إذ أن التحقيق يظل سريا ما لم تحل الدعوى على قضاء الحكم . وقد منع القانون الجاري به العمل نشر وقائع التحقيق قبل تداولها في جلسة علنية.
إلا أنه يعتقد البعض أن هناك إستتناءات يجب أخذها بعين الاعتبار، لا سيما فيما يرتبط بجرائم الفساد الإداري وحاجة وحق الرأي العام المشروع في الإطلاع على مثل هذه القضايا في مرحلة مبكرة ومتابعتها. إلا أن حاجة الرأي العام و الإعلام عموما قد لا تتفق دائما مع فرضية براءة المتهم ومبدأ استقلالية القضاء و الحاجة لإبعاده عن أي تأثير، بما في ذلك تأثير الرأي العام و التأثير الإعلامي المفرط.
وفي هذا المجال هناك جملة من الممارسات لا زالت تعتبر بمثابة نشاز، نذكر منها النشر المفرط و المخالف للقانون الجاري بها العمل لوقائع التحقيقات الأولية خاصة بالنسبة لجرائم الشرف أو المرتبطة بالأسرة، والنشر المفرط للصور قبل المحاكمة و الإدانة ، لا سيما فيما يتعلق بما يمكن تسميته بالجرائم العادية.
يعتبر حق المواطن والإعلام للإطلاع على المعلومات القضائية من المبادئ الأساسية التي تكفل عدالة المحاكمات ، وهي المرتبطة بمبدأي علنية المحاكمات والأحكام القضائية ومبدأ حرية الرأي والإعلام . لكن هذه المبادئ تتناقض أحيانا مع الحاجة إلى احترام مبادئ تكفل هي كذلك عدالة المحاكمات ، وألا وهي استقلالية القضاء وفرضية البراءة للمتهم والحاجة للمحافظة على حقوق وحريات الأفراد والمؤسسات والهيئات.
ففي مرحلة التحقيق الأولي والتفصيلي يسود مبدأ السرية وذلك لحماية مبدأ أساسي من مبادئ المحاكمة العادلة وهو فرضية البراءة القاضي باعتبار كل متهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة علنية عادلة.
وقد شدد القانون على سرية هذه التحقيقات ، كما حظر قانون الصحافة على جميع وسائل الإعلام ، تحت طائلة المتابعة ، نشر أو بث وقائع التحقيقات قبل تلاوتها والتصريح بها من طرف الجهات المسؤولة المعنية .
طبعا هناك حاجة وحق الرأي العام في الإطلاع على الأحداث والأخبار القضائية في مرحلة مبكرة ومتابعتها ، خاصة المتابعات القضائية المرتبطة بالشأن العام ، لكن هذه الحاجة وهذا الحق لا يتفقان دائما مع فرضية براءة المتهم ومع استقلالية القضاء والحاجة لإبعاده عن أي تأثير بما فيه بأثير الرأي العام والتأثير الإعلامي المفرط.
وفي هذا الإطار يعتبر مخالفة النشر المفرط لوقائع التحقيقات الأولية و التفصيلية وكذلك نشر الصور في مرحلة الاستقصاء والتحقيق ، لاسيما و أنه من المكن أن الأشخاص الذين ثم التشهير بهم بنشر صورهم .
أما في مرحلة المحاكمة فيسود مبدأ العلنية . ويعني هذا المبدأ توفير حق و إمكانية حضور الجمهور ، بما في ذلك الصحافة ، في قاعة المحاكمة . ويعتبر هذا المبدأ من الضمانات للحفاظ على حريات المواطن الأساسية إن يبدو الجمهور و الرأي العام كشاهد ورقيب  على القضاء في تأدية رسالة العدالة وتطبيق القانون. علما أن السرية في هذا المجال قد تدعو إلى التشكيك. إلاّ أنه يجوز منع الجمهور والصحافة من حضور المحاكمة كلها أو تعض جلساتها لداوعي النظام العام أو الآداب العامة أو الأمن أو لحرمة الحياة الخاصة لأطراف الدعوى أو حين يكون من شأن العلنية في بعض الظروف الاستثنائية أن تخل بمصلحة العدالة.

الحــق في الـمــعـلــومـــــات   مجـــال البــيئـة نـمـوذجـا
 
إن الحق في العيش في بيئة سليمة هو حق أساسي من حقوق الناس الأساسية، وهو حق كرسته وعززته مختلف الاتفاقيات والمواثيق الدولية حتى أضحى مرتبطا ارتباطا عضويا بحقوق الإنسان.
إلا الواقع المعيش بعيد كل البعد عن تكريس هذا الحق وتمكين المواطن من الاستماع به. وبذلك فلم يعد بإمكان تجاهل الحاجة إلى ضرورة التصدي الحازم لمصادر التلوث المتنوعة والتدمير المنتظم والمستديم للببيئة.
لكن لكي يكون للمجتمع القدرة على حماية البيئة يجب أن يكون حق الحصول على المعلومات ممارسا فعلا ومكوسا فعليا على كافة المستويات. وفي الحقيقة إن حماية البيئة ترتكز على مسؤولية أفراد المجتمع الواعين بيئيا وايكولوجيا. وتبقى الدولة الضامن لحصول المواطنين على الحق في المعلومات.
 فعندما يتسلح المواطن بالمعرفة الكافية واللازمة لبيئته يمكن أن يتحفز للسعي للمساهمة الفعالة في تقليص التلوث و اعتماد الطرق الأنظف للتعامل مع البيئة. فمن خلال التمكين من الحصول على المعلومات و تسهيل الإطلاع عليها و تقديم التقارير و نشرها يمكن للحكومة أن تمنح المواطن القدرة على مراقبة بيئته و الحفاظ عليها .
إن غياب المعلومات حول الملوثات المستعملة لا يساعد على حماية البيئة بل على العكس من ذلك بالتمام و الكمال، تحرم المواطن من أدوات أساسية لحماية نفسه و بيئته.
و في هذا الصدد يعتبر إعلان – ريو – بمثابة إعلان عن اتفاق عالمي لحماية . و هو إعلان ركز كثيرا على الحق في الحصول على كافة المعلومات البيئية .
فمن حق المواطن التعرف على قائمة الملوثات السامة، و من يولد النفايات الملوثة ومن يرمي بها إلى الهواء و التربة و الماء، و ماهي الكميات التي تقذف إلى الطبيعة سنويا. إن مثل هذه المعرفة ستمكن المواطن من المساءلة بهدف الحفاظ على البيئة و حمايتها. لان هذه المعرفة تعتبر الوسيلة الوحيدة للمساءلة.
إن التوق لمجتمع سليم و خال من الملوثات يتطلب الاهتمام و المسائلة عبر الإقرار بحق المعرفة و التوصل إلى المعلومات.

 

قضايا عامة

 


مفهوم وحدة  المدينة
الجهة بالمغرب كيان لخدمة التنمية أم لمجرد التأتيت؟
أضرار اقتصاد الريع
أمية الأمس ليست أمية اليوم
المغرب و أوروبا في منظور الشراكة
مقاهي الأنترنيت
الاقتصاد و المخزن
هل المسألة الأمنية تعد من الأولويات بالمغرب؟
الهجرة معضلة القرن

 


مفهوم وحدة المدينة بالغرب و المشاركة المحلية

إن مفهوم وحدة المدينة أضحى يشكل الصيغة الجديدة للتدبير الجماعي بالمغرب. لكن ما هي كيفية تشغيل آليات فعلية لضمان الحضور الفعلي للمواطنين في كل المشاريع التي تهم جماعاتهم و على مختلف المراحل من أجل ضمان مشاركة مواطنية حقيقية بعيدة عن المكر السياسي و سياسة المكر و مبدأ الانتهازية السياسية؟ هدا هو السؤال.
في البداية لا مناص من الإشارة أن مسار التدابير التشريعية المتعلقة باللامركزية بالمغرب كانت دائما تفتقر إلى حلقة أساسية و هي الحلقة المتعلقة بمشاركة المواطنين    في التدبير الجماعي. و قد أظهرت التجربة وجود بعض التناقض الصارخ بين مبدأ التمثيل الشعبي للجماعات المخلية بالمغرب و ممارسة التدبير المحلي. و لعل من نتائج هذا التناقض أنه في كثير من الجماعات بالمغرب   تم تحديد بلورة و إنجاز برامج التنمية أو خطط الاستثمار غير ملائمة مع حاجيات السكان و انتظارا تهم، و هذا ما أفرغ سياسة القرب من محتواها و معناها. علما أن هذه السياسة تستهدف بالأساس تكييف البرامج المبلورة و المحددة مع الحاجات و الحاجيات الحقيقية و الملحة للسكان (المواطنين) و ليس مجرد إنجاز مشاريع فحسب، ربما للتفاخر أو البذخ، و هي غالبا ما تكون مشاريع لا يجد المواطنون ذاتهم فيها.
و لا يخفى على أحد أنه من أجل أن تنجح اللامركزية في تحقيق هدفها المتمثل في تحقيق التنمية المحلية، فلا مناص من انخراط السكان في تحديد الأهداف و مساهمتهم في بلورة برامج التنمية عبر بنيات و آليات مشاركة مواطنة (بكسر الطاء)، تكون مكملة للبنيات و الآليات التمثيلية التي تفرزها صناديق الاقتراع.
و التدبير التشاركي للشؤون المحلية لا يعني فقط انخراط مجمل الفاعلين العموميين المحليين (الجماعات المحلية، الإدارات العمومية، المؤسسات العمومية، الجامعات، القطاع الخاص) و لكن أيضا، و على وجه الخصوص، السكان و المجتمع المدني إما عن طريق الجمعيات و وداديات الأحياء أو أشكال أخرى من قنوات المشاركة. علما أن هذا النوع من المشاركة يظل التزام تطوعي تلقائي و فردي يلتزم به المواطنون للمساهمة الفعلية في تحسين محيطهم.
و المشاركة بهذا المعنى تختلف عن الشراكة التي تشير بالأساس إلى تعاقد بصدد موضوع محدد بين طرفين أو أكثر، يلتزمون بتحقيقه و إنجازه في مدة محددة، و غالبا ما يكون قائما على مؤهلات كل طرف من الأطراف. أما المشاركة، فهي فعل مدني و تطوعي، و التزام من طرف المواطنين عن طريق هيئات جمعوية أو جماعية حول برنامج تنموي أو مشروع جماعي.
و في هذا الإطار تكتسي مشاركة الجمعيات في التدبير الجماعي و في صياغة الاستراتيجية التنموية المحلية أهمية بالغة و حيوية اعتبارا لاحتكاكها المباشر بالمواطنين، هذا الاحتكاك الذي يمكنها من حمل قاعدة واسعة من الآراء و وجهات النظر و من المعلومات و المعارف تعكس الانتظارات الفعلية للسكان,
، علاوة على أنها تشكل فضاءات للنقاش الموسع المتبادل مع المواطنين حول كل الأسئلة المطروحة. و بالتالي سيكون إشراكها في تصور و بلورة و إنجاز البرامج و المشاريع المحلية وسيلة من وسائل ضمان إنتاج مشاريع مستديمة، قادرة على المساهمة في تحقيق تراكمات كفيلة بالدفع دوما في أفق الرقي الاجتماعي. لأن المشاريع القائمة على المشاركة من المفروض أن تعكس أولويات و مصالح

المجتمع المحلي و تدمج في حسبانها مختلف العوامل الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و التاريخية و البيئية الملائمة، كما أنها ترفع من قدرة مختلف الأطراف المشاركة على العمل في إطار الجماعة و اتخاذ القرارات المناسبة الخاصة بالمشاريع المنتجة للشغل و الموفرة للمداخل و المنتجة للثروات المضافة، و هذا ما تحتاجه جهات و أقاليم المغرب حاليا أكثر من أي وقت مضى.
و هذا علاوة على أن المشاركة الفعلية في عالم اليوم أضحت تمثل نمطا من التخطيط و التدبير لم يعد من الممكن تجاهله، لأنه ليس من الممكن تصور التنمية الاجتماعية دون إشراك فعلي للسكان أولا و أخيرا بالأمر.
إلا أنه لازالت هناك معوقات تحول دون تحقيق مثل هذه المشاركة بالمغرب. فإذا كان الميثاق الجماعي الجديد يحيل إلى جانب من المشاركة في المادتين 38 و 41 اللتين تحثان المجلس على تشجيع خلق جمعيات الأحياء في مجال التعمير، و أيضا تشجيع و مساندة المنظمات و الجمعيات ذات الطابع الاجتماعي و الثقافي و الرياضي، إلا أنه لم يضع الإطار القانوني لخلق أشكال و بنيات و آليات مؤسساتية للمشاركة الشعبية الموسعة، إما عن طريق تمكين الجمعيات و مكونات المجتمع المدني من طرق مراقبة الجماعات أو غيرها من الطرق.
و في واقع الأمر إن أغلب الجمعيات التنموية المحلية بالمغرب تعتبر حلبة أو ركحا للتنافس السياسي لحسابات انتخابية و بقصد احتلال المواقع، و لذلك يحاول أي طامع في موقع من المواقع احتواءها أو وضع نفسه على رأسها أو باختزالها لمجرد توابع للهيئة السياسية التي ينتمي إليها.
و رغم أن المغرب يمتلك قاعدة قانونية قوية في مجال الجمعيات، فان استغلال هذه القاعدة لازال في خبر كان اعتبارا لغياب الإطار المؤسساتي للمشاركة في التدبير الجماعي المحلي لتكون فعلا مشاركة الجمعيات أداة فعلية من أجل مواصلة هدف التنمية الاجتماعية المحلية لاسيما و أن هذه الخطوة ستكون كفيلة بخلق ديناميكية اجتماعية يكون المستفيد منها الأول الساكنة المحلية. و لا يمكن تحقيق هذا المبتغى دون وضع هيئات للمشاركة تمكن المنتخبين و ممثلي الجمعيات و فعاليات المجتمع المدني المحلي من تصور و بلورة مختلف المشاريع عبر إنشاء هيئة أو إطار للتوجيه و التنسيق تعمل على تقريب رؤى مختلف الأطراف بهدف التخطيط و تسهيل الانخراط في التنمية الجماعية و تنسيق التدخلات مع باقي الجماعات المكونة للإقليم أو الجهة. لأن هذا ما يعطي لمفهوم المشاركة مدلوله الفعلي و الحقيقي للتمكن من تشخيص المشاكل عن قرب و تحديد الأولويات عند اتخاذ القرار الجماعي.

و في انتظار الإقرار الرسمي و الفعلي بآليات هذه المشاركة بمدلولها الفعلي يمكن تفعيل ما هو موجود في هذا الصدد، لاسيما الدوريتين الأخيرتين الصادرتين عن وزارة الداخلية، الأولى موجهة إلى الجماعات المحلية و الثانية موجهة للولاة و عمال الأقاليم، و اللتان تحثان على تشجيع الحركة الجمعوية و على دمجها في استراتيجية التنمية عن قرب. و ذلك كخطوة أولى لتمكين الجمعيات و المجتمع المدني من مساءلة المنتخبين و السلطات الوصية على الجماعات المحلية.

 

الجهة بالمغرب كيان لخدمة التنمية أم لمجرد التأثيث؟

في غضون شهر أكتوبر جرت انتخابات الجهات بالمغرب، و هي انتخابات لاختيار أعضاء مجالس الجهات 16. و المجلس الجهوي له اختصاصات مهمة خاصة به كمجلس و اختصاصات أخرى تنقلها إليه الدولة. علما أن سياسة القرب التي ينادي بها الجميع تتطلب لامركزية واسعة تقوي دور الجماعات المحلية و من ضمنها الجهة، و ذلك على حساب دور الوزارات و الإدارات المركزية التي عليها أن تحيل كثيرا من صلاحيتها إلى الجهات. و لعل من بين اختصاصات المجلس الجهوي الأساسية مخطط التنمية الاقتصادية و الاجتماعية و هو موضوع حيوي يؤكد الأهمية القصوى لدور مجلس الجهة.
إلا أنه حسب الفصل 101 من الدستور المغربي فان تنفيذ قرارات مجلس الجهة موكول للعامل   و ليس إلى رئيس المجلس، و هذا يحد من سلطة المجلس الجهوي.
و عموما إن بظافر الجهود لإرساء دعائم الديموقراطية المحلية و إشراك المواطن في تدبير الشأن المحلي و تخليق طرق و أساليب التدبير و تدعيم مرتكزات المواطنة النشيطة و تقديم خدمات ذات جودة عالية للمواطن، كل ذلك يعتبر المدخل الرئيسي لتعزيز سيرورة النهوض التنموي الشامل الكفيل بحل المعضلات الاجتماعية و توفير شروط الكرامة الإنسانية و الحياة الكريمة للمواطن.
و تظل المهمة الرئيسية لمجلس الجهة هي النهوض بالتنمية الاقتصادية و الاجتماعية للجهة، و ذلك عبر المساهمة في إعداد مخطط التنمية الاقتصادية و الاجتماعية و اتخاذ التدابير الضرورية للرفع من قدرات الجهة و تحسين شروط الاستثمار عبر القيام بالأعمال اللازمة لإنعاش الاستثمارات الخاصة و لا سيما بإقامة و تنظيم مناطق صناعية و بلورة تصور فاعل حول مساهمة الجهة في مقاولات الاقتصاد المختلط و ذلك بتطوير الشراكة مع كل الفرقاء من دولة و خواص.
علما أن كل هذه المهام تتطلب أن تكون كل دواليب العملية في يد الجهة و ليس في يد غيرها، لأنه لا يعقل الآن اعتبار الجهة كيان قاصر في حاجة لوصاية تخنقها أكثر ما تمكنها من القيام بمهامها على أحسن وجه.
 


أضرار النشاط الريوعي على البلاد و الاقتصاد و العباد


منذ العهود الأولى للرأسمالية تصدى الرأسماليون لمختلف الأنشطة الطفيلية. و لقد وجد آدم سميث و ريكاردو, مفكرا الرأسمالية بامتياز, أنه بمقدار ما يتحول الفائض الاقتصادي إلى رأسمال مستثمر بمقدار ما تزداد ثروة الأمة و رفاه المجتمع, ليكشفا وجود صراع ليس بين الطبقة العاملة و البرجوازية, بل و بين هذه الأخيرة و الفئات التي تعيش على الريع معتبرين مصدر عيشها(الريع) انتقاصا من الربح الرأسمالي و بالتالي من التراكم أي من طاقة المجتمع على التقدم.
و اعتبارا لطبيعة النظام الاقتصادي الذي ساد ببلادنا على امتداد عقود و طبيعة العلاقات السياسية و الاجتماعية التي طبعت المجتمع المغربي, فان النشاط الريوعي عرف انتشارا ساهم بشكل كبير في خنق الاقتصاد الوطني كما ساهم في إهدار قدرات المجتمع على تجميع الشروط لتحقيق تراكم لتأسيس انطلاقة تنموية فعلية. و قد سادت هذه الوضعية أكثر من أربعة عقود. و ها نحن الآن نجني النتائج الوخيمة لهذا المسار, و رغم ذلك مازال النشاط الريوعي ضاربا إطنابه في المنظومة الاقتصادية و الاجتماعية و مازال يخنقها خنقا لدرجة الاغتيال أحيانا.
و النشاط الريوعي ببلادنا يشمل, إضافة إلى التصريف الاقتصادي لحق الملكية(وهو الريع بالمفهوم الاقتصادي) أشكال المداخيل الطفيلية المستحدثة غير الناجمة عن استثمار رأسمالي منتج أو عن عمل منتج, أو غير الربح النجم عن استثمار حقيقي منتج أو عن أجر العمل المنتج. علما أن القدرة على تحصيل المداخيل الطفيلية مرتبطة بالأساس ببلادنا بطبيعة النظام الاقتصادي و الاجتماعي و طبيعة العلاقات بين الدولة و الأحزاب و الفعاليات السياسية و بطبيعة العلاقات بين الدولة كمؤسسة و القائمين على الأمور ببلادنا. و من بين أشكال مداخيل النشاط الريوعي التي خنقت و لازالت تخنق الاقتصاد الوطني عوائد الاحتكارات المفتعلة و عوائد القرار السياسي- المفضوحة منها و الملتوية- و عوائد القرار التنفيذي –رشوة و مصاريف تحفيزية و غيرها-. و كل هذا أصبح له ببلادنا, ومنذ عقود, تصريف اقتصادي يقدر ماليا سواء في العلاقات السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الأخلاقية. و كل هذه الأنشطة ذات منشأ غير اقتصادي, و بالتالي يمكن إدراج أغلبها في خانة الفساد.
إن انتشار الطابع الريوعي للدولة وللاقتصاد و المجتمع ساهم في ارتفاع نسبة هذا الشكل من المداخيل ضمن الدخل الإجمالي. و هذا ما انعكس سلبا و بشكل مباشر و سريع على قدرة المجتمع المغربي على النمو و التقدم. إضافة إلى أنه أضفى صفات سلبية على الحياة العامة و قوى بدرجة كبيرة عوامل الانحلال و التفسخ, كما ساهم في اغتيال الصفات الايجابية و قبر روح الخلق و المبادرة.
و هكذا فان معدل التراكم الرأسمالي تلقى ضربات على امتداد عقود الشيء الذي لم يمكن البلاد و العباد حتى من الاستفادة النسبية من ثمرات فترات الازدهار الاقتصادي التي عرفها المغرب. و هذا ما رفع أسوارا علية بين أغلب المواطنين و بين المشاركة في الثروات الوطنية التي أصبحت حكرا على أقلية تعيش في جزر فردوسية في قاع محيط من الفقر و الحرمان.
ولقد تصاعدت حصيلة النشاط الريوعي و حصيلة الفساد بشكل مخيف بفعل اتساع دوائره و إحكام قبضتها على البلاد و الاقتصاد و العباد, و هذا ما حرم و عرقل آليات التراكم الإنتاجي سواء على صعيد تراكم الرأسمال المنتج أو على صعيد التنمية البشرية, و ذلك لفائدة فئات طفيلية متسلطة على ميزانية الدولة و القطاع العام و القطاع الخاص و على المواطنين سواء كمنجين أو كمستهلكين أو كمستثمرين أو كأصحاب قوة عمل. و هكذا تعاظمت التكاليف المباشرة و غير المباشرة للفساد و النشاط الريوعي. و يمكن تثمين هذه التكاليف الفادحة عبر الاهتمام بالفرص الضائعة و الانحلال و التفسخ و تهميش القانون و الدوس عليه و اغتيال الأخلاق المهنية, و تقييم انعكاساتها على الأجيال على امتداد أكثر من 4 عقود. و زاد من تعميق الأزمة ما قام به الإعلام المضلل و الأرقام و الإحصائيات المخدومة المعلن عنه لطمس الواقع الحقيقي, لاسيما الواقع الاجتماعي الذي سار نحو التقهقر عاما بعد عام إلى أن وصلت الحالة إلى ما هي غليه الآن من ازدراء.
و في هذا الصدد لازال سؤال مركزي ينتظر الجواب الفصيح, رغم كل ما قيل, و هو التالي : ما هي طبيعة العلاقة بين تدني الأوضاع و الأزمة الاقتصادية و الاجتماعية من جهة و بين السياسات المعتمدة من جهة أخرى؟
فمتى تحضر الجرأة و الشجاعة "التاريخية" للإجابة عليه بدون لف و لا دوران؟ و هذا سؤال مركزي آخر لعله يعتبر كمدخل لسلسلة من التساؤلات المركزية الأخرى.


أمية الأمس ليست هي أمية اليوم

لازالت الأمية تعتبر من مكونات المجتمع المغربي.
إنها ظاهرة لايمكن محاربتها كليا و ‘نما المطلوب هو التقليل من تأثيراتها الوخيمة على المسار التنموي للبلاد. فالأمية تعد حاليا من أقوى و أعظم العراقيل للصيرورة التنموية المستديمة على صعيد مختلف المجالات: السياسية و الاقتصادية و الإجتماعية و البيئية و الحقوقية .
حسب الخبراء في ميدان التنمية ، إن نسبة الأمية لا يمكنها أن تعرقل مسار التنمية هي : 10% في حين أنها تصل ببلادنا إلى 55% فسنكون طوباويين إذا أردنا محو الأمية بمجتمعنا لأننا سوف لن نقو على ذلك حتى و لو قضينا أربعين سنة أخرى في محاربتها . لذا فسيكون من الواقع استهداف تقابلها وحبسها بنسبة 10% لاسيما بالنسبة للأجيال القادمة،وهذا في حد ذاته مسعى صعب جدا لأن مفهوم الأمية ذاته عرف تطورا، فلم تعد القراءة والكتابة كافية لمحو الأمية، لأن الذي يعرف القراءة والكتابة ولايستطيع مواكبة روح العصر هو كذلك يعتبر عرقلة للمسيرة التنموية مثله مثل الأمي في هذا المجال لقد كانت ولازالت الأمية إحدى أكبر المعوقات التي تعرفها بلادنا. ولم تستطع المنظومة التعليمية التقليل من هذه الأمية، بل إنها كانت تساهم أحيانا في تضخيم جيوش الأميين إما عبر الطرد المبكر وإما بعدم قدرتها على استيعاب الأطفال البالغين سن التمدرس، وهذه الأمية التي تهدد بلادنا وليست أمية المسنيين.
هذا في وقت ظلت فيه جهود محاربة الأمية محدودة وارتجالية وبدائية وأحيانا كثيرة عشوائية  على مستوى الممارسة والتطبيق، رغم كل ما قيل على مستوى التنظيم والجدالات الأكاديمية العقيمة.
وزادت هذه الوضعية تفاقما مع تشتيت الاختصاص في هذا المجال في عدة جهات مما سبب في ضياع الوقت والمجهود والمال.
فلا يكفي لمحاربة الأمية والتصدي لها إحداث جهة أو جهاز خاص بها لأنه لابد من استراتيجية مجدية وفعالة. ولحد الآن مازالت بلادنا لا تتوفر على مثل هذه الإستراتيجية، وما هو موجود لحد الآن مجرد خطوط عامة فضفاضة استمر اجترارها على امتداد عقود من الزمن، تسطر محاربة الأمية الأولوية قوة دون تجسيد ذلك ممارسة وفعلا باستمرار وعلى الدوام حيث أنه في أقصى الأحوال تتضمن حملات عشوائية مشينة لا تكاد تظهر نتائجها.
هذا في وقت أصبحنا أمام أشكال جديدة للأمية الوظيفية وهي المرتبطة بالمقاولات والوحدات المنتجة وأمية الثقافة وهي المرتبطة بعدم القدرة على الإحاطة على التكنولوجية الحديثة واستيعابها.
عصر التصارع التاريخي لم تعد الأمية هي عدم القدرة على تجديد المعارف وتطوير المعلومات المكتسبة والعجز عن مسايرة ومواكبة التغيير الطارئة على الحياة المجتمعية، لاسيما في المجال العلمي والتقني والتكنولوجي.

 

المغرب و أوروبا في اطار منظور الشراكة الأورومتوسطية

ان الشراكة الأورومتوسطية عليها أن تمر بالضرورة عبر شراكة أورومغاربية لأنه هو السبيل لجعل منطقة شمال افريقيا و المغرب العربي عموما يحتلان مكانا مريحا بين الدول. كما أنه كفيل بحل المشاكل العالقة التي ظلت تنخر العلاقات بين الدول الخمسة.
و الشراكة الأورومتوسطية تحتاج الى ارساء قواعد السلام بين دول البحر الأبيض المتوسط, انها مرتبطة أساسا بانهاء الصراع العربي الاسرائيلي. فلا يمكن تحقيقها بدون سلام في الشرق الأوسط.
و من المعلوم أن ديناميكية هده الشراكة مند انطلاقتها  تجاوز اطارها الأبعاد التجارية و الاقتصادية في أفق دعم شراكة سياسية.
و من المعروف أن الولايات المتحدة الأمريكية تتحفظ من هدا المشروع الدي يتطلب من الاتحاد الأوروبي لعب الدور الأساسي, لدا فانها تعارض أية مبادرة سياسية أوروبية في هدا المجال, خيث أنه تعتبر أن الحل مرتبط بها قبل ارتباطه بأية جهة دونها.
و يراهن الاتحاد الأوروبي على انشاء سوق تبادل تجاري حر بين أعضائه و دول حوض البحر الأبيض المتوسط, علما أن معظم الدول العربية لازالت تقاطع اسرائيل اقتصاديا و مثل هده الشراكة لا يمكن اقامتها دون تطبيع العلاقات مع اسرائيل, و هدا من شأنه  أن يفسر اجتهاد فرنسا في محاولة تسوية النزاع العربي الاسرائيلي في وقت عليها مراعاة موقف أمريكا في دلك. لدا لم تظل تحركات الاتحاد الأوروبي في هدا المجال متناغمة مع مصالح و نظرة الولايات المتحة الأمريكية في المنطقة. فالأوروبيين مقتنعين أكثر من أي وقت مضى أن أي تعاون أورومتوسطي لابد  و أن يمر عبر تعاون دول المغرب العربي. لكن الدول المغاربية لازالت تتنافس في احتلال مكان الصدارة ما دام أي تعون مع أوروبا لن يكون مجديا الا في اطار تكتل جهوي لبلدان المغرب العربي الدي بواسطته ستتضاعف ايجابيات و فعالية و جدوى العلاقات الثنائية مهما تقدمت و اتسعت.
و تزداد المنافسة بين الدول المغاربية في ظل استمرار سيادة معوقات التكتل الجهوي المغاربي. و بدلك تعمل كل دولة مغاربية على الاعلان عن رغبتها في دعم علاقتها مع الدول الأوروبية لتجاوز دائرة العلاقات الثنائي حيث تطمح في تعامل دي بعد استراتيجي.
و هدا في وقت تبدو فيه علاقات الدول الأوروبية متقدمة أكثر مع تونس و الجزائر و المغرب يطمح حاليا في علاقة تضمن شراكة مبادرة و مبدعة و تضامن فاعل و فعال. و هي علاقة تقع في منزلة ما بين علاقة التعاون و علاقة الاندماج تفوق الأولى و لا ترقى الى الثانية.

مقاهي الانترنيت استطلاع للرأي

إن المطلع على شبكة الانترنيت يلاحظ بسهولة أن فيها الغث والسمين، وأنها سلاح ذو حدين يمكن الاستفادة منه في الخير كما يمكن تسخيره للشر والفساد.
 ومن أهم المصاعب المطروحة في هذا المجال استحالة السيطرة على هذه الشبكة ومتابعتها وضبطها، فهناك آلاف المواقع تنشأ يوميا.
ومن الملاحظ أن فئات الشباب هي التي تتعاطى أكثر من غيرها لاستعمال شبكة الانترنيت وع دخول الانترنيت بدأت مقاهي الانترنيت تتناسل في مختلف مدن البلاد.
وبذلك وفرت هذه المقاهي على مرتاديها شراء الجهاز والاشتراك في خدمة الانترنيت، وهي تعتبر خطوة اقتصادية تمكن أوسع الفئات في المجتمع من استعمال الانترنيت بأثمنة في المتناول.
وقبل محاولة رصد التأثيرات الممكنة لاستعمال شبكة الانترنيت من طرف الشباب ببلادنا، يستحسن الإشارة إلى بعض المعطيات في هذا الصدد. لقد أكدت الإحصائيات أن 85 % من مستخدمي الانترنيت في الولايات المتحدة يستخدمونها لأغراض جنسية. عندما اطلعت على هذه الإحصائيات خطرت ببالي فكرة زيارة بعض مقاهي الانترنيت المتواجدة بالمدينة التي أقطن بها.
وهذا ما قمت به حيث زرت 10 مقاهي في أوقات متباينة وجلست أمام أكثر من جهاز وتصفحت مجلد (Historique) وهو المكان الذي تختزن فيه مختلف المواد والمواقع المجلوبة من الانترنيت فوجدت أن جميع الأجهزة التي استعملتها، وبدون استثناء، تحتوي على مواقع مرتبطة سواء بالجنس أو بالصور الخليعة.
ومن جهة أخرى قمت بإحصاء مختلف المواقع المستعملة في مقاهي الانترنيت العشرة التي شكلت عينة دراستي. وبعد التمحيص والجرد تبين لي أن مواقع الترفيه والجنس تأتي في المرتبة الأولى وتليها في المرتبة الثانية مواقع الدردشة (chat)، أما مواقع البحث العلمي والمواقع التقنية والعلمية تأتي في المرتبة الأخيرة بعد المواقع الإعلامية والإخبارية، وذلك من حيث الزيارة وفيما يلي جدول يبين المواقع المستعملة مرتبة حسب كثرة زوارها:
1 ـ المواقع الترفيهية والجنسية.
2 ـ مواقع الدردشة ( chat).
3 ـ المواقع الرياضية.
4 ـ المواقع الإعلامية.
5 ـ المواقع الإسلامية.
6 ـ المواقع العلمية.
7 ـ مواقع خدمات البحث.
8  ـ المواقع التقنية .
10 ـ مواقع الأبراج.
ومن خلال استطلاع رأي رواد تلك المقاهي حول المبلغ المالي التقريبي الذي يصرف أسبوعيا أفادت النتائج، المستقاة من عينة شملت 350 شخص ( إناث وذكور )، أن 25 % من الرواد يصرفون ما يناهز 70 درهما أسبوعيا وأن 36 % يصرفون 110 درهما وأن 21 % يصرفون بين 120 و 160 درهما و 10 % ينفقون أكثر من 200 درهما أسبوعيا.
وحسب آراء بعض الآباء المتنورون المستجوبون، صرح بعضهم أن صرف الأموال من أجل الإطلاع على المواقع الترفيهية والجنسية ومواقع الدردشة تعتبر غير مفيد وهو في الحقيقة مجرد استنزاف للأموال.
وحول سبل القضاء على السلبيات المرتبطة بالانترنيت صرح 49 % من المستجوبين أنه لابد من طريقة لحجب المواقع السيئة، وقال 35 % منهم أن أحسن السبل هو توعية مستخدمي الانترنيت بأضرارها الممكنة، لاسيما فيما يخص انتشار الفساد والرذيلة في المجتمع ومخالفة بعض المواقع للوازع الديني والأخلاقي للمجتمع المغربي، أما 16 % منهم فيعتبرون أنه من الضروري قبول الانترنيت بإيجابياتها وسلبيتها.

 

الاقتصاد و المخزن بالمغرب

سابقا كان مصطلح المخزن يرتبط بالأساس بمحور الحكم الشخصي و محيطه المباشر، أي نمط من أنماط الحكم الفردي. و باعتباره كذلك فقد كانت له وظائف اقتصادية، إلا أنها ظلت على امتداد التاريخ وظائف سلبية.
و قد اقتصرت هذه الوظائف من القرن التاسع عشر إلى حدود سنة 1912 على انتزاع الضرائب مع اللجوء أحيانا كثيرة إلى القوة التي كانت بيده، و هذا ما يفسر التمييز بين بلاد المخزن و بلاد السيبة آنذاك. فالسلطان مولاي الحسن كان عرشه على صهوة جواده، باعتبار كان كثير الترحال بقصد "الحركة" (أي الحملات التأديبية) لإخماد ثورات القبائل التي رفضت أداء الضرائب المخزنية، و قد وافته المنية على صهوة جواده.
و قد كانت هذه السياسة وخيمة على المخزن إذ لم يقو على فرز و إفراز بديل لسياسته المبنية على انتزاع الضرائب من القبائل. و هكذا تعمقت أزمته التي أدت إلى اتفاقية فاس سنة 1912 التي كانت بداية استعمار البلاد و احتلالها.
و مع حلول الاستقلال احتكر المخزن مختلف المبادرات السياسية و الاقتصادية و وزع حسب احتياجاته مجالات الأنشطة الاقتصادية بالبلاد و وهب أصول الثروات إلى فئات قليلة جدا و انفرد ببلورة و طرح الأهداف و تحديد وسائل و آليات تحقيقها.
لقد كان هاجسه هو الضبط و استبعاد أي وضع يتعذر عليه ضبطه. و ذلك سعيا إلى التحكم في أي تغيير لاستبعاد – و لو بالقوة و القمع – كل ما من شأنه تهديد قوامه السياسي. إلا أنه مع فعل جملة من الظروف الضاغطة طرحت بعض الإصلاحات على الصعيد الاقتصادي و كانت رغم محدوديتها تنم عن بروز بوادر عقلية ليبرالية لا سيما في التسيير الحكومي المخزني, إلا أن بروز هذه البوادر الأولى سرعان ما فقدن مدلولها بفعل اقتصاد الريع و الاكرامات و الانعامات التي يمنحها المخزن عبر شبكة من الزبونية تخلق علاقات ولاء إلزامية أثثت لفرض الهيمنة.
و قد تمكن المخزن من تقوية هذا النمط في التدبير لأنه عمل على المراقبة و التحكم عن قرب في العالم القروي بالمغرب كوسيلة ناجعة لضمان الاستمرارية السياسية للمجتمع المغربي. و من الأساليب المتبعة لتحقيق هذا المبتغى، اعتماد سياسة دعم و تدعيم فئة من الملاكين العقاريين الكبار لجعلهم كحصن حصين و عتيد لسياسة المخزن بالبادية. و قد استفاد هؤلاء من جملة من سياسات الدولة نذكر منها المغربة و السياسة السقوية و سياسة القروض و سياسة تقليص دورصندوق المقاصة سنة 1980 و سياسة إلغاء الضرائب. و كانت نتيجة هذا التوجه هو تمركز الرأسمال الفلاحي و توسيع نشاطاته الشيء الذي أدى إلى عدم بروز برجوازية رأسمالية مقاولتية مستقلة بالمغرب و هذا بدوره يفسر إلى حد كبير ضعف القطاع الخاص المغربي.
و الآن و بعد مرور ما يناهز 5 عقود على استقلال المغرب نجد أنفسنا في حيص بيص عندما نريد تحديد طبيعة الاقتصاد المغربي، فهو ليس يإقتصاد الدولة و لا بإقتصاد ليبرالي محض و لا بإقتصاد إجتماعي تتحكم الدولة في دواليبه الأساسية و لا باقتصاد السوق بالمفهوم الليبرالي.  و منذ سنوات كان المغاربة ينتظرون حدوث انفتاح على السوق و اعتماد الليبرالية كما تم الترويج لذلك كثيرا و بكثرة، إلا أن حكومة التناوب جاءت و روجت لفكرة إعادة النظر في تدخل الدولة و خلق اقتصاد اجتماعي. أما اليوم أضحينا نعاين و بقوة تواجد سلطة المخزن، ليس كإطار أمني و تسييري فقط، و لكن كإطار اقتصادي و هذا وضع قل نظيره في العالم و في الاقتصاديات المعاصرة. فإلى نحن سائرون؟

 

هل المسألة الأمنية تعد من الأولويات بالمغرب؟


بعد أحداث 16 مايو 2003 بالدار البيضاء قام المغرب بجملة من الإصلاحات و التغييرات قي أجهزنه الأمنية. و قد أتت هذه التغييرات بغد الضربات الإرهابية التي عرفتها جملة من الدول، التي صنفها تنظيم القاعدة و التنظيمات المتطرفة العاملة بتعاليم أسامة بن لادن، أنها تطبق سياسة و استراتيجية الولايات المتحدة الخاصتين بمكافحة الإرهاب.
إلا أن رجال الأمن لازالوا يعتبرون أن حالتهم مزرية و أنهم يعيشون في حالة من الفقر رغم تضخم العمل الذي يضطلعون به، علاوة على ضعف التعويضات و التغطية الصحية. كما أن البعض يعتبر أن هناك ضعف في التكوين و عدم انتظاميته قصد مسايرة واقع الجريمة و تطوراته.
و رغم هذه الوضعية فان ميزانية التسيير المخصصة للأمن الوطني بالمغرب مازالت ضعيقة لم تتجاوز مليارين و 300 مليون درهم (أقل مما رصد سنة 2002، مليارين و 400 مليون درهم)، و دلك في وقت تقرر فيه الزيادة في تعويضات البرلمانيين، و في وقت تم تخصيص لكل وزير سيارة من نوع "بي ايم دوبل يو" التي تفوق كلفتها 165 مليون درهم و التي تطلبت من الدولة غلافا ماليا وصل إلى 6 ملايين من الدراهم. و نفس الشيء فيما يخص مناصب الشغل المخصصة للأمن الوطني المحدثة برسم السنة المالية 2004 و التي لم تتعد 100 منصب (و كانت أكثر من 1700 سنة 2001 و 500 سنة 2002). و هذا علما أنه سيتم إحالة 1200 رجل أمن على المعاش. و هذا وحده يدعو إلى التساؤل.
و من القضايا الأخرى التي تدعو إلى التساؤل كذلك إحداث صندوق لتعويضات رجال الأمن استنادا على مداخيل المخالفات، علما أن الكثيرين يتخوفون من هذا النهج اعتبارا لهشاشته و اعتماده على الطارئ، و اعتبارا لكونه قد يفسح المجال للعمل على ضمان تزويد ذلك الصندوق بأية وسيلة لضمان استمرارية التعويض و انتظامه. علاوة إلى أن هذا النهج يخالف أحد مبادئ المالية العامة المعمول بها و هو مبدأ عدم التخصيص. و تأتي هذه المعطيات في ظل واقع يتميز بخصاص كبير في الموارد البشرية في الأجهزة الأمنية المغربية، إذ يبلغ عدد رجال الأمن ما يناهز 38 ألف شخص، و هو عدد لا يستجيب لا لنسبة التطور الديمغرافي و لا للتحديات المطروحة على الصعيد الأمني. علما أن الأغلبية الساحقة لهؤلاء لم تخضع لتداريب و دورات تكوينية و تكوين مستمر منذ ولوجها أسلاك الأمن الوطني.
و الغريب في الأمر هو أنه رغم كل هذه المعطيات الواضحة للعيان لم تحظ ميزانية الأمن بأية مناقشة في البرلمان و تم التصديق عليها كأن الشأن الأمني لا يهم ممثلي الأمة و ليس أولوية من الأولويات حاليا. علما أن هذه المسألة ذات علاقة وثيقة بالضبط الاجتماعي.
و يعتبر البعض أن مسألة الأمن لا يجب ربطها بأحداث 16 مايو بالدار البيضاء و إنما هي مسألة ظلت مطروحة منذ نشأة الأمن الوطني بالمغرب.
فإذا كانت الوسائل الأمنية على صعيد الموارد البشرية و المالية و التجهيزية و التكوينية كافية في ستينات و سبعينات القرن الماضي، فاليوم أضحت غير ذلك بفعل النمو الديمغراقي الحضري و ظهور مشاكل أمنية ناتجة عن البطالة و استفحال المعضلات الاجتماعية. و قد تراكم العجز بفعل عدم تطورعددي و نوعي لمواكبة تطور المشاكل و اتساعها التي يعرفها المجتمع المغربي. لقد ظلت وسائل الأمن الوطني ضعيفة مقارنة للمتطلبات، الشيء الذي جعل الحل لا يكمن فقط في رفع عدد رجال الأمن و إنما كذلك في البحث في نوعية الحل المعتمد.
و رغم هذا فان البعض يعتبرون أن عدم الاهتمام بزيادة عدد رجال الأمن حلا ذكيا، اعتبارا لكونه يظهر أن الدولة لم تختر سياسة قمعية علما أن حلول المشاكل مرتبط بالأساس بتحسين ظروف العيش، لاسيما بالنسبة للفئات المهمشة و إدماج الشباب في المجتمع و خلق فرص الشغل للحد من اليأس الاجتماعي و إعادة إحياء الأمل.
و فيما يخص إحداث الصندوق الممول من الغرامات الناتجة عن مخالفات قانون السير، يرى البعض أنه مبادرة ايجابية من شأنها المساهمة في تحسين وضعية عمل رجال الأمن. علما أن مبالغ تلك الغرامات مهمة و تتجاوز مليارين من السنتيمات سنويا، و تخصيصها لهذا الغرض سيكون له انعكاسات ايجابية. إلا أن هؤلاء يعتبرون أن قضية الأمن بالمغرب هي بالأساس قضية أمن اقتصادي و أمن اجتماعي و أمن تربوي قبل أن يكون أمنا مرتبطا بالشرطة.
و مما يزيد الطين بلة أن الدولة حاليا في وضعية أمنية متجاوزة بفعل الهجرة نحو المدن و بفعل فشل التنمية القروية. علما أن التنمية الفلاحية استفاد منها كبار الملاكين و الفلاحين. و بذلك غدت قوات الأمن بالمدن المغربية غير كافية لاحتواء نموها، لاسيما و أن الهجرة ساهمت في إحداث أحياء هامشية أضحت تساهم بشكل ملحوظ في تهديد الاستقرار الأمني للمدن، خصوصا الكبرى منها.
و بذلك رغم الجهود المبذولة من أجل ملء الفراغ الحاصل ظل المشكل قائما، بل تفاقم مع مرور الوقت لاسيما و أن الميزانية المرصودة ظلت محدودة لا تفي حتى بالضروريات. و اعتبارا لمحدودية هذه الميزانية، في الغالب لم تكن هناك برمجة للتجهيزات الأمنية لغياب الاعتمادات من أجل إنجازها. و لعل أكبر دليل على ذلك أن جل البنايات التي تأوي المقاطعات هي بنايات أو عمارات مكتراة في جل المدن المغربية.
و مهما يكن من أمر، إن التعاطي لمسألة الأمن بالمغرب لا ينبغي أن يسير في اتجاه تقوية المؤسسة بغاية إعادة إنتاج ممارسات السنوات الرصاصية التي عرفها المغرب و إنما في اتجاه محوها و بناء جسور الثقة و التعاون لتجسيد عبارة "الأمن الوطني و الشرطة في خدمة الشعب". و هذا يتطلب شروطا، لاسيما و أن إجرام اليوم ليس هو إجرام الأمس. كما أنه لابد أن يعامل رجال الأمن بالمستوى الذي يرقى إلى روح المسؤولية التي يتحملونها و الأخطار التي يواجهونها. و على الأقل تمكينهم من أسباب مواجهة أعباء الحياة الضرورية ليتفرغوا للقيام بمهامهم و هم مطمئنين. 

 

الهجرة السرية معضلة القرن

لقد كان المغرب دائما يمثل الجسر بين إفريقيا و أوروبا، و قد تأكد هذا مع استفحال ظاهرة الهجرة السرية. و هذا ما دفع السلطات المغربية الىإحداث هيئات مكلفة بهذا المشكل الذي اتسع مداه بشكل لم يسبق له مثيل. و قد أصبح الوضع يتطلب مكافحة شبكات الهجرة السرية و تهريب البشر، بل دفعهم الى الموت المحقق،  هي شبكات أضحت تحصد أرباحا طائلة تفوق 12 مليار دولار سنويا. و هي تعتمد على "وكلاء" محليين يعملون على استقطاب الراغبين في الهجرة بأي ثمن.
و من الهيئات المستحدثة بالمغرب للتصدي لهذا المشكل مديرية الهجرة و حراسة الحدود و مرصد الهجرة. تكلفت الهيئة الأولى بتطبيق الاستراتيجية الوطنية المتعلقة بمكافحة شبكات الهجرة السرية و حراسة الحدود المغربية، أما الهيئة الثانية فتكمن مهمتها في تجميع مختلف المعلومات و القيام بالدراسات بصدد هذه الظاهرة و ذلك بهدف تفعيل الانسجام بين الفعل على أرض و اتخاذ الإجراءات الوقائية بغرض بلورة حلول مجدية للتصدي لمعضلة الهجرة السرية.
و حسب الإحصائيات المتوفرة هناك 5 عمليات للهجرة السرية يوميا و ما يناهز 170 شهريا و ذلك منذ 1992. و رغم الجهود المبذولة فلازالت هناك صعوبات للوصول إلى الرؤوس المنظمة و المخططة لشبكات الهجرة السرية.
و يبدو أن أكبر مستفيد عمليا من الهجرة السرية اسبانيا التي أضحت تتوفر على يد عاملة زهيدة الثمن و بدون مطالب حتى في حدها الإنساني الأدنى.
و مهما يكن من أمر فان حصيلة الهجرة السرية ثقيلة و ثقيلة جدا، فعلى امتداد عقد و نصف تقريبا تجاوز عدد الضحايا 40 ألف فقدوا حياتهم في مياه مضيق جبل طارق، و أكثر من 200 ألف مهاجر في وضعية غير شرعية يستغلون أبشع استغلال في سوق العمل باسبانيا، و هذا في وقت تدعي فيه أوروبا التعامل مع إشكالية الهجرة السرية بطريقة إنسانية.

ملحق

لقاء مفتوح مع الصحفي خالد الجامعي
لقاء مع جريدة الرأي السورية

 


لقاء مفتوح مع خالد الجامعي


نظمت جمعية المشهد المسرحي بالقنيطرة لقاء تواصليا مع الصحفي و السياسي خالد الجامعي و هو من أقدم صحفيي المغرب و أب بوبكر الجامعي مدير الجريدة المستقلة  الصحيفة الأسبوعية الصادرة باللغة العربية و جريدة لوجورنال الصادرة باللغة الفرنسية،  حول إشكالية الإعلام. و قد أكد خالد الجامعي في بداية هذا اللقاء أنه ليس لديه أي طابو و يمكنه مناقشة أي موضوع و التطرق لأية إشكالية كيفما كانت. و قبل فتح باب التساؤلات و الحوار بصددها تساءل حول وجود صحافة ببلادنا و هل يمكن أن توجد صحافة و حرية الرأي في غياب دولة الحق و القانون؟ و هل يمكن للصحفي أن يعبر عن رأيه بكل حرية إذا لم يكن هناك قانون يحميه و يضمن له هذه الحرية؟ ليخلص خالد الجامعي إلى كون أنه لا وجود لحرية التعبير إذا لم يكن هناك قانون يضمنها و يحميها, و بذلك أقر أنه أولا و قبل كل شيء لابد من وجود و سيادة دولة الحق و القانون حتى يمكن فعلا حماية حرية التعبير و حرية الرأي و حماية الصحفي و قد اعتبر هذه الإشكالية بالغة الأهمية.
و يمكن إجمال مختلف التساؤلات في المحاور التالية : العولمة, الصحافة المستقلة, الصحفي و القانون, الخطوط الحمراء, الصحافة الحزبية, الرشوة و الصحافة, الكبت الجنسي.
العولمة
جوابا على التساؤلات المرتبطة بهذا المحور أكد خلد الجامعي أنه أولا و قبل كل شيء يجب أن نتفق على عدم إمكانية بأي وجه من الأوجه نفي العولمة, إنها قائمة و ستظل كذلك. و المطلوب إذن هو كيف يمكن التعامل مع هذا الواقع القائم حاليا, إلا أنه من جهة أخرى لا يصح أن نحمل العولمة كل مصائبنا. لقد أصبحنا شعبا يقع عليه دائما فغل الفاعل كمفعول به أو مفعول عليه. و هذا البعد في النظرة نجده مكرسا حتى في حياتنا اليومية و في لغتنا المتداولة, يقال " هرب عليه القطار" " غدرو النعاس" " سقطوه في الامتحان"... كأننا لا فعل لنا و كل مصائبنا أسبابها خارجة عنا. إذن علينا أولا أن نعترف أننا مسؤولون كذلك على ما هو واقع لنا, و بالتالي علينا الرجوع إلى ذاتنا قبل تحميل الغير مصائبنا أو نواقصنا. و مادام لا قدرة لنا لإيقاف العولمة, فان أفضل السبل للتعامل معها هو "تلقيح" أنفسنا حتى لا يخترقنا الاستلاب.
و في هذا الصدد تطرق خالد الجامعي إلى مثال تاريخي حيث أكد أن الإسلام أصبح حضارة عالمية في وقت معين و معلوم عبر التاريخ, في عهد هارون الرشيد و المأمون ابن العباسيين عندما تم إحداث ما سمي بدار الحكمة. و هكذا أخذ المسلمون يترجمون معرفة ذلك العصر و بدلك انفتح الإسلام على العالم و تمكن من يصبح ثقافة عالمية. و لم يتمكن من ذلك أبدا عندما قفلنا الأبواب على أنفسنا. لكن آنذاك انفتح المسلمون على العالم و كانوا مؤمنين بهويتهم عارفون لها. فالإنسان يمكن أن يستلب عندما يكون ( و قد استسمح خالد الحاضرين قبل استعمال العبارة) " لقيطا ثقافيا" و أي ريح هبت تجره معها.
فإذا كانت منظومتنا التعليمية تكرس منهج و منهجية ابن رشد و ابن سينا و أناس من أمثالهم, فان الطفل المغربي منذ صغر سنه سيعرف أنه لم "يقطر به السقف" كما يقال, و إنما هو نتاج لحضارة و وراءه الخوارزمي و ابن رشد و الأفغاني و غيرهم. و عندما تترسخ لديه القناعة بحضارته فيمكنه أن ينفتح على أية حضارة دون إمكانية سلبه لأنه يكون "ملقحا" و يتوفر على «مناعة" تمكنه من قابلية مقاومة أي ميكروب. و بذلك يمكنه أن يأخذ بكل ما هو ايجابي مادام هو محصن ضد الاستلاب لاسيما و أنه لا يمكن الادعاء أن كل ما يأتي من الغرب هو سلبي و غير صالح, كما أنه لا يمكن اعتبار المجتمع الغربي كله فاسد, فمجتمعنا في واقع الأمر هو أفسد فسادا منه. و علاوة على أن فساد الغرب فساد مقنن, أما عندنا فهنا الفساد المبين الذي ما بعده فساد. كما أنه لا يجب نكران أننا نعاين يوميا جملة من المواقف الايجابية في الغرب. فالشعوب الغربية تدافع حاليا على الشعب العراقي أكثر مما ندافع عنه نحن و هم الذين أرسلوا دروعا بشرية إلى العراق.
و أضاف خالد الجامعي قائلا عندما تحدث لنا مصيبة نجد مثقفي الغرب بجانبنا, فعندما وقعت الهجمة المسعورة على صحافتنا الحرة لم يدافع عليها مثقفونا لكن كان هنا "لوموند" و "لوموند ديبلوماتيك" و ""كوريي أنترناسيونال" و "لومانيتي" و غيرها وفروا فضاءات للصحفيين المستهدفين لتمكينهم من الاستمرار و هذا موقف لا يمكن التغاضي عنه أو نفيه. فالغرب فيه أشياء ايجابية علينا التعامل معها, و لكي نتعامل معها دون أن نكون مستلبين يجب أولا إعادة النظر جذريا في منظومتنا التعليمية و في مناهجنا التربوية و عقلية معاملاتنا.
من الممكن ملاحظة عدم وجود الماء و الكهرباء بعدة دواوير نائية عندنا لكن هناك البارابول هذه هي العولمة. و هذا تغيير فيه ما هو سلبي و ما هو ايجابي. إن الانفتاح على العالم غير من مفهوم الأمية ببلادنا. فسابقا كان الأمي هو الذي لا يعرف القراءة و الكتابة, و آنذاك كانت القراءة و الكتابة هما اللتان توفران المعرفة, أما اليوم يمكن الحصول على المعرفة دون ايجادة الكتابة و القراءة لأن هناك الصورة و الصوت و تعدد المرجعيات المتوفرة و بسهولة. لقد أصبح المرء حتى في المد اشر النائية يشاهد القنوات الأجنبية و يعرف ما يجري في العالم, فهو يعيش العولمة يوميا. و هكذا أصبح يتوفر على مرجعيات جديدة, و هذا أدى إلى تنامي الوعي السياسي. فالمغربي اليوم بأميته أصبح أكثر وعتا سياسيا. و الأميين في واقع الأمر, في اعتقاد خالد الجامعي هم صناع القرار بالرباط, الذين لا يريدون فهم و استيعاب هذا التحول الملحوظ بالعين المجردة. و علاوة على هذا و ذاك لا تخلو اليوم عائلة من معطل موجز, و بذلك لم يعد القرار السياسي وسط العائلة مصدره الأب و إنما الابن المثقف, و هذا من الأسباب التي تفسر التغييرات الواقعة حاليا من ابتعاد المواطنين عن الأحزاب و عزوفهم عن التصويت.
 

الصحافة المستقلة
هناك كثرة الحديث عن الصحافة المستقلة, فهل فعلا هناك صحافة مستقلة ببلادنا؟ و استقلالها هذا عن من؟ و اتجاه من؟ و هل المفاهيم التي نستعملها في هذا الصدد سديدة أم وجب إعادة النظر فيها؟
في نظر خالد الجامعي إن الصحافة المنعوثة بالمستقلة كادت حاليا أن تصبح "أحزابا" و صحافيو ها أصبحوا سياسيين لأنهم لعبوا و لازالوا يلعبون دور المعارضة رغم أن هذا حمل ثقيل على الصحافة, هذه الصحافة، التي أضحت تضطلع بدور الحكم المضاد. و هذا في واقع الأمر مخالف لمفهوم الصحافة الدولي كما هو متعارف عليه. و هكذا أصبح الصحافيون ببلادنا يكتبون التاريخ و المؤرخون لا يكتبون التاريخ,  و يتكلمون على أشياء لا يتكلم عنها المهتمون بها و الذين من المفروض أن يقوموا بذلك.
و يعتقد خالد الجامعي في هذا الصدد, أن بلادنا تعيش اليوم وضعا خاصا جدا, ففيها الصحفي ليس صحفيا و السياسي ليس سياسيا إذ قال "بلغته المعهودة" "ضمصت الكارطة و لم نعد نعرف نتيكها أو نفرقها.
و الصحافة المستقلة المتحدث عنها هي صحافة مستقلة عن الأحزاب إلا أنها صحافة ملتزمة لأنه, في نظر خالد الجامعي, ليس هناك حياد و ليس هناك موضوعية في الإعلام, و من يعتقد ذلك فهو خاطئ. لا يمكن أن تكون هناك موضوعية ما دام الذي يكتب هو بشر, يمثل صيرورة تاريخية و ثقافة معينة و تجارب معينة و قراءات معينة. فأين هي الموضوعية مع كل هذه العناصر و عيرها مما يجتر الكاتب معه. فالصفي فلان يكتب, يعني أن فلان يتخذ موقفا إزاء مشكل معين. ولذلك يقول خالد الجامعي لا يجب أن نستمر في الكذب على أنفسنا و نقول على الصحافة أن تكون موضوعية لأن الموضوعية تستوجب الشمولية التي هي من اختصاص الخالق دون سواه. و يضيف خالد الجامعي, عندما نفهم هذا فسنقرأ الصحافة بكيفية أخري مغايرة تماما.
و عموما فان الصحافة المستقلة ببلادنا كانت عبارة عن مخاطرة و مجازفة قام بها ثلة من الشباب أخذوا قرارا شخصيا لخلق هذه الصحافة. و هكذا أصبح التاريخ بهذه البلاد السعيدة لا تصنعه المؤسسات و إنما الأشخاص من أمثال مصطفى أديب و حفيظ و بوبكر و غيرهم و بذلك انقلبت الأشياء على رأسها, إذ كان من المفروض أن الأحزاب هي التي عليها خلق الحدث و صنع التاريخ. إلا أنه هناك تحالف بين المخزن و بين الأحزاب على هذه الصحافة, و هو تحالف منحدر من اتفاق استراتيجي عاش به المغرب على امتداد 30 عاما بين القصر و المخزن و الصحافة الحزبية حيث كانت كل الأمور تفصل بين هذه الأطراف التي كان يجمعها نوعا من "الميثاق", و في هذا الإطار و ليس في غيره يمكن الحديث عن الخطوط الحمراء. و كان المواطن "مضموصا عليه", كل شيء كان يحسم بين المخزن و الأحزاب, و الشاهد على هذا, حسب خالد الجامعي, أنه لم يسبق لأية صحيفة حزبية أن قامت بإجراء استطلاعا لرأي قرائها لمعرفة ماذا يريدون. و عندما برزت الصحافة الجديدة تم معها خلق فضاء إعلامي لا يهيمن عليه لا المخزن و لا الأحزاب و أصبح ملجأ للمغضوب عليهم في أحزابهم. و الضغط الكبير الذي كان تلك الصحافة الجديدة, كان الهدف الأساسي منه هو محوها من الوجود لأنها أفسدت عليهم قواعد اللعبة المتفق عليها في إطار الاتفاق الاستراتيجي. إن الهجمة المسعورة على الصحافة المستقلة استهدفت تنحيتها لكن الرياح هبت من حيث لا تشتهيه السفن.
الصحفي و القانون
يمكن أن نفرض على الصحفيين احترام القانون, و فعلا عليهم احترام القانون و لو أن القانون في نهاية المطاف يعبر عن موازن القوة داخل المجتمع بين الحكام و المحكومين. فإذا كان للحاكم السلطة فسوف يبلور القانون الذي يرتاح إليه و الذي يريده و يمكنه- حسب تعبير خالد الجامعي- أن "يطحنك" كما أراد و "يطحنك" باسم القانون, و هذا ما وقع بالنسبة للقانون الجديد للصحافة الذي يعطي القوة كلها للدولة, لاسيما و أن هذا القانون لم يقع حوله إجماع أو اتفاق, لأن الدولة وضعته كما أرادت و أحبت. و أضاف خالد الجامعي قائلا, و لنفرض أن الصحفيين عليهم احترام القانون, فهل الدولة ببلادنا تحترم القانون؟ و إذا كانت هي لا تحترم القانون "أين سأمسك أنا في بولة التسعين؟". هذه هي الإشكالية, لأن الواقع حاليا هو أن القانون مفروض فرضا على الصحفيين ومفروض عليهم احترامه, لكن الدولة يمكنها أن لا تحترمه. و في هذا الإطار أورد خالد الجامعي مثالا على ذلك, حيث قال أن جطو يوقع بالعطف على ظهير 6 أيام قبل تعيينه من طرف الملك لتأسيس الحكومة و في وقت لم يعرف فيه بعد أنه سيؤسس الحكومة, فمن يخترق القانون في هذه الحالة؟ لذلك أكد خالد الجامعي على أنه لا يجب المطالبة باحترام القانون من طرف واحد.

الخطوط الحمراء
لقد صرح خالد الجامعي أنه لا يعترف بالخطوط الحمراء. لقد قيل لا يجب الحديث عن الجيش و لا يجب الحديث عن الفساد و لا يجب الحديث عن هذا الشيء أو ذاك, ففيما ستتحدث الصحافة إذن؟ كما أكد كان على المسؤولين أن يوضحوا, بجلاء و بدون لبس, و دون لف و لا دوران, ما هو المقدس في هذه البلاد, و كلما استعملوا عبارة "مقدس" في أي نص من النصوص عليهم بيان بالضبط ماذا يعنون بالمقدس مادام كل شيء أضحى مقدسا و من الممكن أن يكون مقدسا حتى الحجر. فعلي المرابط, مدير جريدة "لو دومان" حوكم بسبب حجر قيل لنا أنه مقدس. و في الحقيقة أصبحوا يدخلون مفهوم المقدس في أي مجال و مضمار حتى أصبح كل شيء من المقدسات. و هنا و من حيث لا يدرون ارتكبوا خطأ فادحا لأنه عندما يصبح كل سيء مقدسا فلا سيء يعتبر كذلك. و يعتقد خالد الجامعي أنه ليس من المعقول قطعا استعمال مفهوم المقدس كسيف دي يزن على أعناق البشر "لطحنهم". فهل الجيش مقدس؟ لا يقول الجامعي و الدليل أنه نشر رسالة موجهة إلى الملك حول الرشوة في صفوف الجيش. و مهما يكن من أمر يقول الجامعي, فجيشنا مثل جميع الجيوش في العالم له كذلك مشاكله, فلماذا نريد أن نكون دولة خارجة عن القاعدة في العالم, إذن الجيش غير مقدس و الأجهزة الأمنية غير مقدسة و رجال السلطة غير مقدسين...
و في آخر التحليل يقول خالد الجامعي إن كل هؤلاء يتقاضون أجورهم من الضريبة التي نؤديها كمواطنين و بمال الشعب يعيشون, و لذلك لكل مواطن الحق في مساءلتهم و محاسبتهم مادام الأمر كذلك.
و الغريب في الأمر يقول خالد الجامعي, أن مفهوم الخطوط الحمراء- و قد عشنا التجربة منذ سنتين أو 3 سنوات- و ضعها المثقفون ببلادنا و ليس المخزن. فعندما أخذت جريدتي "لوجورنال" و الصحيفة تتطرقان لمواضيع مرتبطة بالجيش و الأجهزة الأمنية و الفساد, قام المثقفون من أمثال "البديل" و غيره و أخذوا يفتون الفتاوى قائلين أنه لا حق لأحد التكلم عن الجيش و جملة من القضايا الأخرى لأنها خطوطا حمراء لا يجب تعديها. و هكذا خلقوا مناخا انقضت عليه السلطة للتصدي للصحيفتين المذكورتين و جريدة "لودومان". و الهجمة التي تعرضت لها هذه الجرائد جاءت مباشرة بعد الموقف الذي اتخذه أغلب المثقفين ببلادنا عندما شرعوا في الحديث عن المقدس و عن الإقرار بالخطوط الحمراء, و لاسيما عندما قالوا أن من يخوض في مثل تلك الأشياء يرغب في إحداث الفوضى بالبلاد.  و ها هو الجميع عاين بأم عينه أنه رغم أن "لوجورنال" و الصحيفة و "لودومان" تكلمت عن الجيش و الفساد و أفقير و الأجهزة الأمنية و غيرها مما كان يعتبر من المحرمات, بل تكلمت حتى في إمارة المؤمنين و مفهوم الخلافة و لم يقع أي شيء. و لولا جرأة كمشة من الصحفيين الذين كانت لهم الشجاعة لطرح تلك القضايا لما طرحت, إذ أن الأحزاب لم يستطع أي واحد منها التطرق إليها.
يقول خالد الجامعي « أصبحنا اليوم كمشة من الصحفيين نلعب دورا- الذي هو مبدئيا ليس بدورنا- و إنما هو دور الأحزاب. و لكن نظرا لأن بلادنا لم تعد تعرف أحزابا بالمفهوم الحقيقي للحزب, لذلك أصبحنا رغما عن أنفنا نقوم بدور المعارضة رغم أنها ليست مهمتنا و لا وظيفتنا.

الصحافة الحزبية

يقول خالد الجامعي, فيما يخص الجرائد الحزبية, أردنا أم كرهنا, فهناك أحزاب لها جرائد تصدر يوميا و لا يمكن نفيها, كما أنه لا يمكن أن نمحي التاريخ. فالجرائد الحزبية مثل الاتحاد الاشتراكي و العلم و غيراهما صمدت "وقت العصا", و مهما كان الأمر خدمت هذه البلاد و عبرت عن مواقف و عن آراء, و سجن من سجن من صحفيها و مسؤوليها, و منع ما منع منها, فلا يجب نسيان كل هذا. إلا أنه يمكن التساؤل, هل مازالت تلعب دورها؟ و هل مازالت سائرة بتوافق مع ما يفع اليوم ببلادنا؟
 
الرشوة و الصحافة
لا يمكن نكران و جود صحفيين مرتشين, كما أنه لا يمكن البحث عن ظروف التخفيف و التبرير, لكن عندما نرى الصحفي يتقاضى 2000 درهما شهريا لكي يعيش بها و يحيا, فان الأمر يصبح مرتبطا بمعاشه اليومي و باكرا هات توفير الشروط الحيوية و الأساسية للبقاء و التي لا يمكن بأي وجه من الوجوه الاستغناء عليها (كراء, دواء, تعليم...). و جرائد أحزابنا تعتبر من أكبر مستغلي الصحفيين, إذ تمارس عليهم استغلالا بشعا قل نظيره. إضافة إلى كون مشكل الرشوة هي إشكالية كبيرة بمجتمعنا و يجب طرحها في شموليتها. فكيف يعقل أن من اختلس الملايير لا أحد يجرؤ على محاسبته في حين يتم التشهير بذالك الشرطي أو الدر كي الذي "يدبر على ميلة", طبعا لا يمكن تبرير الرشوة كيفما كانت, و إنما ادا كنا نريد طرح إشكالية الرشوة علينا طرحها في شموليتها و على حقيقتها الكاملة غير المنقوصة ببلادنا.
و بالرجوع إلى الصحفيين, إن وضعية أغلبهم تجعلهم في وضع من الصعب أن لا يرتشوا إلا من رحم ربي. فإذا كان صحفيو الجرائد الحزبية يستغلون بأبشع الصور من طرف القائمين عليها و هم الذين يريدون أن يحكموا البلاد. فهل يمكن انتظار من هؤلاء أن يكرسوا الديموقراطية و التعادلية و حقوق الناس على الصعيد الوطني, و هم يضربون عرض الحائط بكل ذلك في صفوفهم و مع أقرب الناس إليهم فكيف تريد إن يطبقوا ذلك و هم لا يطبقونه حتى في عقر دارهم ؟

الكبت الجنسي
بصدد جملة من الأسئلة حول جريدة "الأحداث المغربية", قال خلد الجامعي, هناك عدة أوصاف نعتت بها هذه الجريدة, لا سيما صفحات « من القلب إلى القلب" إلا أنها مازالت توزع 80 ألف نسخة, أي هناك الكثيرون يقتنونها- سواء علانية أو خلسة- و هي غير مفروضة عليهم و إنما يؤدون ثمنها عن طيب خاطر. إذن الإشكالية الواجب طرحها هي لماذا المغاربة يقرؤون ذلك و يريدون قراءته و ليس لماذا تتطرق "الأحداث" لتلك المواضيع؟
في واقع الأمر إن ما هو واقع بمجتمعنا هو الذي يؤدي إلى قراءة مثل تلك المواضيع. فهل هناك كبت في المجتمع المغربي؟
يجيب الجامعي نعم لذينا كبت واضح المعالم ببلادنا و لا نتوفر على فضاءات للتعبير على تلك المسائل و ليس لدينا عادة التوجه إلى الأخصائيين لنفرغ عليهم "كبتنا" كوسيلة من وسائل العلاج. فكيف يمكن اتهام "الأحداث" بالبوربول و أي فرد يمكنه أن يضغط على زر البارابول الرقمية و يلتقط XXL, فهل يمكن منعه من ذالك؟ علما أنه لو كان مجتمعنا مجتمعا متزنا لما طرحت مثل هذه الإشكالية, و مادام الحال على عكس ذلك فعلينا إذن طرح الإشكالية بكل وضوح للتفكير في الحلول المناسبة لها لاسيما و أن ما يقع في المجتمع من أخطر ما يمكن أن يقع. و يكفي النظر إلى القضايا المعروضة على أنظار المحاكم من فساد بين الأب و بنته و الأخ و أخته و مختلف قضايا زنى المحارم, و هذا مرده الكبت و عدم قدرة المواطن و المواطنة على التعرف على حقيقة المشاكل التي نعيشها يوميا.

و ختم خالد الجامعي بقوله, اعتقد إذا قرر الحكام ببلادنا تغيير العقلية يمكن تحقيق ذلك خلال 5 سنوات بفضل و بواسطة التلفزة و الإذاعة.


المغرب إلى أين ؟
حوار شامل مع الصحفي والمناضل الحقوقي المغربي ادريس ولد القابلة
أجرى الحوار حيان نيوف
في إطار عدة لقاءات صحفية مع شخصيات عربية بارزة في مختلف نواحي الفكر والعمل النضالي ، كان لنا هذا اللقاء مع صحفي ومناضل مغربي عاصر قضايا المغرب ودافع عنها وهو الصحفي المغربي ادريس ولد القابلة .
إدريس ولد القابلة ، الصحفي والمناضل الحقوقي المغربي ، من مواليد مدينة سلا المجاورة للعاصمة الرباط في بدايات خمسينات القرن الماضي حيث تابع دراسته الابتدائية بها و انتقلت عائلته بعدها إلى مدينة القنيطرة حيث درس بها المرحلة الثانوية ثم التحق بجامعة محمد الخامس بالرباط. و في بداية السبعينات و لج سلك التعليم و لم يمض فيه بعض الشهور حتى تم اعتقاله و إيداعه بالمعتقل السري درب مولاي الشريف. و بعد سنة من الاعتقال السري و القسري قدم للمحاكمة ضمن مجموعة "منظمة إلى الأمام" بتهمة المس بالأمن الداخلي للبلاد و محاولة قلب النظام. ثم تابع دراسته العليا بالسجن المركزي بمدينة القنيطرة و بعد الإفراج تابع دراسته بالمدرسة الوطنية للإدارة العمومية و حصل على دبلومها في شعبة الاقتصاد و المالية و في ذات الوقت تابع الدراسات العليا في الفلسفة و علم الاجتماع بكلية الآداب. و بعد قضاء ما يناهز 10 سنوات بالإدارة العمومية أرغمته الظروف على مغادرة الوظيفة.
كانت بداياته في الكتابة منذ السبعينات عندما كان تلميذا بمدينة القنيطرة إذ كان ينشر مقالات في نشرة المشعل و هي نشرة خاصة بالنقابة الوطنية للتلاميذ أسستها "منظمة إلى الأمام". و بعد ذلك شرع في نشر بعض الأعمال على صفحات مجلة الأساس و جريدة الرأي، إلا أن التعاطي الفعلي للكتابة كان من داخل السجن إذ قرر هناك أن يستعد ليكون صحفيا مهما كان الثمن.
ونظرا لطول الحوار وشموليته من جميع الجوانب وتناوله مختلف القضايا الهامة في المغرب ، فقد وجدنا ضرورة تقسيم هذا الحوار إلى حلقات متتالية ، حيث تتناول كل حلقة موضوعا مستقلا. وستتناول الحلقة الأولى من هذا الحوار الصحفي رأي الصحفي ادريس ولد القابلة بما بات يعرف " العهد الجديد " في المغرب ، والوضع الاقتصادي الحالي في المغرب من حيث انتشار الفقر والبطالة ووضع الاستثمار .
حيان نيوف
الأسئلة و الأجوبة
إدريس ولد القابلة، الصحفي والمناضل الحقوقي، أنت تكتب بشغف كبير، فهل تعتقد أن الكتابة في عالمنا العربي مازالت تملك التأثير المطلوب على الشارع أم أنها مجرد تفريغ لعواطف وأفكار كاتبها ؟
الكتابة في الوطن العربي حاليا هي في ذات الوقت تعبير عن موقف أو الصمت عن موقف أو تحديد لدور أو دلالة على بلبلة. و في جميع الحالات, الكتابة بالنسبة لي كانت دائما بمثابة نوعا من التعالي الإرادي على الواقع الذي غالبا ما ظل مزريا. و هذا التعالي للهروب أو التناسي أحيانا أو للتمكن من معاينة الآن بعد محاولة التجرد من مؤثرات الذات أحيانا كثيرة.
أما إشكالية تأثير ما أكتب على الغير أو على البيئة التي أعيش فيها, فلم يسبق لي أن تساءلت بصددها يوما من الأيام إذ لا يهمني تأثير كتاباتي على الغير بقدر ما يهمني ضمان استمراريتي في الكتابة عبر فتح فضاءات جديدة و طرح تساؤلات تولد بعضها البعض في ما أكتب اليوم لأستغلها فيما سأكتب غدا و هكذا.
و إن حدث و حصل تجاوب بين ما أكتب و الغير فهذا حافز إضافي لأستمر في الكتابة. و مهما يكن من أمر، فان سؤالكم في واقع الأمر يطرح إشكالية دور المثقف العربي في المجتمع في المرحلة الراهنة، هذه هي الإشكالية- الأم. و يتحدد هذا الدور و هذا الموقف في نظري انطلاقا من قدرة المثقف على إعطاء رأيه فيما يجري من حوله و التعبير عمليا و فعليا عن دوره و دور غيره في المجتمع الذي يعيش فيه.
و انطلاقا من هذا المنظور لا يحق للمثقف العربي في المرحلة الراهنة أن يعتبر أن الكلمة الحرة و الكلمة الصادقة لا جدوى لها مهما كانت الظروف و الملابسات. لأن المثقف الحقيقي يقول كلمته و يعبر عن قناعاته دون أن يبالي بالنتائج. لأن الكلمة الحرة أو الكلمة الصادقة ستبقى و قول هذه الكلمة هو دور كل مثقف عربي في المرحلة الراهنة بالذات بغض النظر عن سلبيتها أو إيجابيتها.
- مع صعود ملك جديد على العرش في المغرب، تعززت لدى الكثير من المواطنين فكرة " المغرب الجديد " حيث يتم توفير الخبز والحرية، فهل كنت واحدا من هؤلاء الناس وكنت مؤمنا بالمغرب الجديد؟
- كان المغاربة ينتظرون من العهد الجديد تدشين عهد الشفافية و النظافة و الصدق و التخلي عن عقلية تلفيق التهم و التخلي عن التجارب الميكيافلية التي أبانت عن فشلها الذر يع بامتياز على امتداد أكثر من أربعة عقود. لقد كانت و لا زالت الانتظارات كبيرة و ضخمة، و إذا كان قد تحقق تطور على مستوى النصوص و المنهجيات و المفاهيم و التشريعات، إلا انه مازال المغاربة لم يعاينوا فعلا و بالملموس حدوث الطفرة المرتقبة الكفيلة بتجسيد التغيير المرتقب مند مدة.
إن المطلوب مازال لم يتحقق بالدرجة المرجوة الشيء الذي يدفع إلى مساءلة الواقع المعيش و الممارسة الفعلية على صعيد الركح السياسي و الركح الاجتماعي.
ففي الواقع العنصر الحاسم في الشعور بحدوث التغيير المنتظر هو الإنسان، و بالتالي الجانب الاجتماعي بالمغرب الذي لا زال لا يعرف أدنى تغيير أو تحسن يذكر إلى حد الآن. فالمواطن البسيط و العادي مازال لا يلامس أي انعكاس في سيرورة حياته و معاشه و وضعيته و حفظ إنسانيته و كرامته، على صعيد الممارسة، فما زال لا يعاين إلا الخطابات في هذا المجال.
فلا تكفي النصوص و التشريعات و تقرير إحداث هيئات و مؤسسات و آليات و بلورة تصورات جديدة، لأنه في واقع الأمر لا وجود لديمقراطية بدون ديمقراطيين حقا يكرسونها يوميا في مختلف المواقع و في كل مجالات الحياة. إن الشعور السائد لدى عموم المواطنين أن المنتخبين يخلون بدورهم عموما بعد استحواذهم على الأصوات. و بذلك يتخلون عن دورهم الأساسي المتمثل في تمثيل مصالحهم و قضاياهم و مشاكلهم لأخذها بعين الاعتبار في سيرورة بلورة السياسة العامة للبلاد.
و في هدا الصدد بدأت أصوات تنادي بضرورة التفكير في آليات تسمح بالمراقبة الشعبية .
و يزيد الطين بلة بانتشار فقدان الثقة في الأحزاب السياسية. و هدا الوضع يعتبر في نظري بمثابة إعلان عن الخروج من حلبة اللعبة السياسية و ربما لفظها ما دامت أغلبية الشعب على هامش الركح السياسي و ليس ضمنه.

 لو حاولنا الحديث، بداية، عن الوضع الاقتصادي في المغرب، و الأخبار تتحدث عن الفقر الشديد هناك و موت المغاربة و هم في قواربهم نحو بلدان أوروبا، فما هو تفسيرك؟ و ماذا تفعل الحكومة؟

إن الأزمة التي يعيشها المغرب حاليا هي في واقع الأمر نتاج طبيعي و منتظر لوجود فجوة واسعة بين القائمين على الأمور بالمغرب و أوسع فئات الشعب، ولازالت هده الهوة تتسع مع الأسف، لاسيما على الصعيد الاقتصادي و الاجتماعي. فلقد كان من الطبيعي أن تصل البلاد إلى ما هي عليه من معضلات اجتماعية كبيرة باعتبار السياسات المعتمدة كانت تكرس آليات التفقير و لا تكترث فعلا بالتصدي لأسباب الفقر و التهميش حتى أبان فترات الازدهار الاقتصادي التي عرفها المغرب. و قد ساهمت آليات التفقير الممنهج في تحطيم أساس قيم العدالة الاجتماعية إلى أن أضحت البلاد تعاني ليس من الفقر فحسب و إنما من "الفقرقراطية" باعتبار أن السياسات المتبعة على امتداد عقود ساهمت في إرساء آليات الفقر و التفقير و توفير شروط إعادة إنتاج تلك الآليات و بالتالي استمرارها.
إن السياسات المنتهجة بالمغرب عملت أساسا على تنمية امتيازات الأقلية على حساب السواد الأعظم لفئات الشعب المغربي، و لم تنفع الحلول الترقيعية و الروتوشات التقنوقراطية لأن الاختيارات ظلت مستندة على خدمة مصالح آنية و مستقبلية مرتبطة بتحالف طبقي سائد لم يسمح أبدا بإحداث تغييرات و إصلاحات جوهرية تكون انعكاساتها الايجابية واسعة المدى على عموم الشعب.
فعلى امتداد ما يناهز نصف قرن و أوسع فئات الشعب المغربي تناضل باستماتة من أجل تحقيق شروط العيش الكريم، و لا زالت إلى حد الآن تنتظر تحسين الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية عبر ضمان شروط الحد الأدنى للعيش الكريم الذي يحفظ للإنسان صفته الإنسانية.
فالشباب بالمغرب يشعر بالفراغ و اليأس و السأم في ظل استشراء التهميش الممنهج الشيء الذي دفع عددا كبيرا و متزايدا إلى الارتماء في أحضان إيديولوجيات الدمار أو المغامرة بحياتهم على قوارب الموت بحثا عن النجاة من القهر و التهميش و الحسرة على ضياع مستقبل مند البداية.
و أساس هدا اليأس هو فقدان الثقة في الغد و ضياع الأمل و فقدان الثقة في الوطن لعدم قدرته على احتضان أبنائه و تمكينهم من مكان تحت شمسه. و يزداد الطين بله في ظل انعدام قنوات مجدية لدمجهم، بل على العكس من ذلك يعاينون تفعيل و إعمال آليات تهميشهم باستمرار.
لقد أضحى أغلب الشباب بالمغرب لا ترتكز أقدامهم على أرضية صلبة، و أغلبهم يعي أنهم مهمشون في وطنهم، فكيف لهم مواكبة الركب الحضاري و هم على هامش المجتمع رغما عنهم؟ و كيف لهم و هم المهمشون قسرا أن يساهموا في خلق و الإبداع خدمة للبلاد و تنميتها؟ و هل واقع من هدا القبيل يسمح فعلا بالتطلع إلى المستقبل و التهييء إليه؟
إنها تساؤلات ترعبني حقا لأنها تجعل مستقبل البلاد مفتوحا على جميع الاحتمالات.
و عموما لازال الوضع بالمغرب يتميز بخصاص واضح في المجالات الاجتماعية بفعل الاعتناء بالاكراهات و اللهث وراء الحفاظ على التوازنات العامة كأولوية الأولويات و لو تطلب الأمر التضحية بكل الباقي. و هذا في ظل غياب الشروط الأدنى الضرورية لتحقيق نمو اقتصادي بنسبة يمكن بها إعطاء انطلاقة لسيرورة التنمية الشاملة المستدامة. و في وقت انكشفت فيه بشكل مفضوح عدم استجابة جملة من الآليات و القوانين لمتطلبات الاقتصاد الوطني, بل و حتى لإمكانية أي تصور تنموي. و هكذا فلا نحن حققنا النسبة المطلوبة من النمو الاقتصادي و لا نحن استطعنا التخفيف من تزايد الفقر و استفحال البطالة و التصدي لانتشار السكن العشوائي و غير اللائق, و لا نحن شرعنا في التغيير الجدري لمنظومة تعليمنا المهترئة و لو على الأقل من أجل التخفيف من مهزلة المزيد من تخريج العاطلين و المعطلين و إنتاج و إعادة إنتاج البطالة.
و اعتبارا للمعطيات الرسمية – على علتها – فان الوضعية تدعو إلى القلق. فمعدل النمو لازال ضعيفا -3.9 في المائة- و لم يرق بعد إلى مستوى الحد الأدنى المطلوب. و هدا في ظل التردي المتزايد للخدمات الاجتماعية التي تقهقرت عن مستواها السابق, علما أنه كان يوصف كذلك بالتردي, فلازال أكثر من نصف الساكنة محرومة من الكهرباء و الماء, و ما يناهز 70 في المائة يعيشون في فضاءات تنعدم فيها قنوات التطهير. و زادت هده الأوضاع ترديا مع تنامي عجز ميزانية الدولة.
و إذا أضفنا محدودية السوق الداخلية إلى استمرار العجز البنيوي للميزانية العمومية و ثقل خدمة المديونية العمومية و عدم استجابة القطاع البنكي لخصوصيات الظرف الذي يجتازه المغرب, فيمكن بسهولة استنتاج و ضعية الاستثمار و ظروف نفور المستثمرين.
و من المفارقات الغريبة أنه في ظل هدا الوضع المتأزم تم الاستثمار لأموال مهمة في بنايات تعليمية أو استشفائية ظلت مغلقة اعتبارا لكون المشاريع و التجهيزات المبرمجة خضعت لتوزيع كرّس المزيد من الفوارق الجهوية و الإقليمية, الشيء الذي جعل جملة منها بدون قيمة مضافة اجتماعيا و اقتصاديا. و مما زاد الطين بلة أن القوانين المالية لم تنسجم و مضمون المخطط الخماسي للتنمية الاقتصادية و الاجتماعية 2000-2004 .
و قد قيل و مازال يقال أنه هناك مراهنة على القطاع الخاص للنهوض بالاستثمار بالمغرب, و في نظري أن هذا يعد من أكبر السذاجات إذا علمنا أن القطاع الخاص بالمغرب مكون في أغلبيته من المقاولات المتوسطة و الصغرى التي مازالت تتخبط في جملة من المشاكل العويصة, و هي نفسها في حاجة لمن يمد لها يد العون, فكيف و الحالة هذه يمكن التعويل عليها في إنعاش الاستثمار و سوق الشغل؟
و خلاصة القول أن الدولة و الحكومة لم تتوفقا في عدة مجالات و على رأسها إنعاش الاستثمار و سوق الشغل و التصدي للفقر. كما أن الخدمات المقدمة في مجالات حيوية كالتعليم و الصحة و السكن لم ترق حتى للمستوى المطلوب بالنظر إلى الأموال التي تنفق عليها. و بذلك يكون نمط تدبير الحكومة غير ملائم تماما لضمان انطلاقة تنموية مستدامة, لاسيما و أنها لم تتبع التعبير عن نواها بإجراءات عملية ملموسة عبر تطوير القدرة على تحليل المكونات للتفاعل معها في أفق صياغة برامج واضحة المقاصد حتى تتمكن من ترجمتها على أرض الواقع كانعكاسات مرئية و ملموسة على مستوى عيش المواطنين.

حرية الصحافة في المغرب : نلاحظ توسع هامش الحرية في العهد الجديد وإطلاق سراح صحفيين والتجاوب مع بعض مطالب مؤسسة " مراسلون بلا حدود " ، ولكن لا يزال هناك بعض الصحفيين في السجون بتهم سياسية وبعضهم أضرب عن الطعام دون فائدة، فكيف يمكن أن تصف لنا هامش الحرية هذا ؟
في السابق كانت الصحافة مثل كل مناضلي المغرب المخلصين، عرضة و ضحية لعقيدة أمنية سائدة و هي عقيدة الضربة الأمنية الاستباقية التي سارت على هديها الأجهزة الأمنية المغربية منذ نشأتها في فجر خمسينات القرن الماضي.
و في غضون سنة 2003 حدثت أجواء من التوتر شهدها قطاع الصحافة بالمغرب، و تمثلت في اعتقال خمسة صحافيين، وهو الأمر الذي لم يحصل سابقا في المغرب حتى في أقصى سنوات القمع و السنوات الرصاصية. و من ضمن هؤلاء علي المرابط مدير أسبوعية" دومان" و محمد الهرد مدير جريدة "الشرق" وقد دخلا في إضراب عن الطعام. فالأول محكوم بثلاث سنوات سجنا و الثاني لوحق بتهم خطيرة بموجب قانون مكافحة الإرهاب الذي تمت المصادقة عليه من طرف البرلمان مباشرة بعد أحداث 16 مايو 2003 بالدار البيضاء.
و عموما ، و حسب رأي أغلب الصحفيين المغاربة، فان التعبير عن الرأي مضمون بقوة القانون لكنه ممنوع بقوته أيضا حين يحيد عن الأهداف النبيلة للعمل الصحفي، لاسيما و أن البعض يعتبر أن الميدان الصحفي في المغرب أضحى عرضة لمن هب و دب.
و مهما يكن من أمر على الصحافة المغربية أن تشكل فضاءات للرأي و الرأي الآخر لأن هذا هو السبيل الأجدى و الأنجع لتمكين الرأي السديد و الرؤية الصائبة من إيجاد موقعها و مكانها في المجتمع المغربي.
و بخصوص قانون الصحافة الأخير، فإذا كان قد وسع مجال الحرية في الإعلام، و ذلك بتنصيصه على حق المواطن في الإعلام و حق وسائل الإعلام في الوصول إلى الخبر و المعلومات دون قيد مع حرصه بالمقابل على التنصيص على واجب التقيد بالقانون و أخلاقيات المهنة، فانه لم يرتب أي جزاء على حرمان وسائل الإعلام من الوصول إلى الخبر و المعلومات الضرورية لعملها و القيام بواجبها، و لم ينص على حق الصحفي في الحفاظ على سرية مصادر الخبر. كما أنه حافظ على الإقرار بالعقوبات الحبسية في حق الإعلاميين، و بذلك أعاد صياغة ما يسمى بالخطوط الحمراء التي لا يحق تجاوزها و هذا أمر لازال الصحفيون يتصدون إليه بالمغرب.
 
هل ازداد عدد الصحف التي تصدر في المغرب ؟
 
أكيد أن عدد الصحف بالمغرب يزداد باستمرار لاسيما الصحف المحلية و الجهوية.
و هناك أكثر من معيار لتصنيف الصحافة و الصحف المغربية اعتبارا لكثرتها الملفتة للنظر. فهناك الصحافة الحرة المنعوتة بالمستقلة لعدم علاقتها أو ارتباطها الظاهر بأي هيئة سياسية، و الصحافة الحزبية. كما هناك الصحافة المدعمة ماديا من طرف الدولة و كلها أو أغلبها حزبية، و الصحافة المتروكة لحالها و المعتمدة على نفسها. و هناك الصحافة المهنية و الصحافة الساعية لتكون كذلك. و هناك الصحافة المحترفة و الصحافة الهاوية. و هناك صحافة الرأي و صحافة الخبر و صحافة – الخبطة- و صحافة الإثارة و صحافة الارتزاق. كما هناك الصحافة المهتمة بالشأن الوطني و المحلي معا و الصحافة المهتمة بالشأن الجهوي أو المحلي فقط. و في السنوات الأخيرة بدأت تظهر بالمغرب الصحافة المتخصصة.
إن الصحافة المكتوبة بالمغرب تتميز بتنوعها – المفرط حسب اعتقاد البعض – و أغلب الجرائد الصادرة تدخل في نطاق صحافة الرأي و التحليل. و قد عرفت خلال السنوات الأخيرة طفرة هامة طبعت بتجديد و تحديث التجهيزات و إدماج الشباب و مراجعة المحتويات و الأشكال و طرق الإخراج، بالإضافة إلى الزيادة في عدد الصفحات.
حاليا، أن التصنيف البارز بالمغرب هو الذي يقسم الصحافة المغربية إلى صحافة مستقلة و صحافة حزبية. و إذا كانت الصحافة الحزبية قد دفعت سابقا ثمنا باهظا دفاعا عن حرية الرأي و التعبير، فان الصحافة المنعوتة بالمستقلة تتعرض حاليا إلى مضايقات خلافا لما هو الحال بالنسبة للصحافة الحزبية.
و بخصوص الصحافة المستقلة لا مناص من التمييز بين الصحافة الصادرة باللغة العربية و تلك الصادرة باللغة الفرنسية. فمن الملاحظ أن هناك تدني أو شبه غياب الإشهار عن الصحافة المكتوبة بالعربية مقابل انفراد الصحافة المكتوبة بالفرنسية بالقسط الوافر و بحصة الأسد من الإعلانات و الاشهارات. و في واقع الأمر ليس هناك ما يبرر هذا الحيف البين سوى اللغة و ربما استهجان القارئ العربي رغم أنه أضحى من الواضح حاليا أن المستقبل، استنادا على كل المعطيات و الحسابات و المؤشرات، هو للصحافة المكتوبة باللغة العربية. و من المرجح أن يكون عدم حصول الصحف المكتوبة بالعربية على الدعم الاشهاري سببه الأساسي هو أن مراكز القرار الاقتصادي و التجاري لازالت فرانكفونية أو على الأقل مفرنسة حتى النخاع.
و لتكون الصورة أكثر إنصافا لا مندوحة عن الإشارة إلى أن الصحف الصادرة بالأمازيغية بالمغرب أضحت تخطو خطوات ثابتة و تحتل رويدا رويدا حيزا مهما من المنظر الإعلامي المغربي، و من شأن هذا التقدم أن يغني أكثر التعددية الثقافية و الصحفية ببلادنا.

- هل تلعب نقابة الصحافة في المغرب دورا إيجابيا بدعم حرية الكتابة والتعبير ؟
 
إن النقابة الوطنية للصحافة المغربية تأسست في يناير 1962 بهدف الدفاع عن المهنة و شرف الكلمة و لتكريس حرية الصحافة و الرأي و التصدي لكل مضايقات التي تمارس ضد انتشار الكلمة الصادقة و العمل الصحفي المبني على قواعد احترام أصول المهنة و أخلاقياتها. بفضل جهودها و نضالها تمكنت من إلغاء الصحافة الفرنسية الاستعمارية التي كانت تصدر بالمغرب، وذلك في أكتوبر 1970.
و استمرت مشوارها في الدفاع عن حرية التعبير و مقاومة سيف الرقابة الذي كان بالأمس القريب مسلطا على رقاب جميع الصحافيين المغاربة، إلى أن رفعت نهائيا في مارس 1977 المتضمن لعدة تضييقات على حرية الصحافة و النشر. و في سنة 1980 أدخل تعديل في القانون الأساسي للنقابة لفتح باب العضوية فيها لكل صحفي بغض النظر عن الانتماء لمؤسسة. و قد شكل مؤتمر 1984 قفزة نوعية في حياة هذه النقابة لاسيما فيما يتعلق بالهيكلة و التصور، الشيء الذي جعلها تحافظ على تماسكها و فرض نفسها كمحاور أساس في قطاع الإعلام داخليا و خارجيا. و هي من مؤسسي اتحاد الصحفيين العرب و عضو في المنظمة العالمية للصحفيين مند 1986 و الفيدرالية الدولية للصحفيين مند 1991 .
و في يوليو 2002 ثم تنصيب الهيئة الوطنية المستقلة لأخلاقيات الصحافة و حرية التعبير، و هي آلية أحدثت بعد سنتين من النقاش للسهر على تطبيق ميثاق أخلاقيات مهنة الصحافة و حرية التعبير بهدف تحسين الأداء الإعلامي، قناعة من الصحفيين المغاربة بأن حرية الصافة و الحفاظ على شرف المهنة و حماية الصحافيين تعتبر ركائز جوهرية. و هذه الهيئة مستقلة و لا تتشكل بديلا عن القضاء أو الوسيط الإعلامي, إنها تمثل سلطة أخلاقية داخل المهنة لتقويم السلوك المهني و آلية للضغط من أجل الحد من الانتهاكات التي تطال حرية التعبير و الرأي بالمغرب، و تضم الهيئة 23 عضوا و تتكون من النقابة الوطنية للصحافة المغربية، الفدرالية المغربية لناشري الصحف، الجمعية المغربية لحقوق الإنسان جمعية هيئات المحامين بالمغرب، المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان، الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة، اتحاد كتاب المغرب و العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان.
نلاحظ دوما سفر نشطاء عرب إلى المغرب لحضور ندوات لجماعات حقوقية هناك، وهذا يعكس الوضع الجيد للجماعات الحقوقية عندكم ، ولكن ما هي أهم أهداف هذه الجماعات الحقوقية وهل للتيارات السياسية أي تأثير عليها ؟
 
تميز المغرب في الوطن العربي بتواجد مبكر و نشط لحركة حقوق الإنسان في شكلها غير الحكومي و الحكومي. و كان المغرب هو الأسبق على الصعيد العربي حيث تـأسست العصبة المغربية لحقوق الإنسان في 11 أبريل 1972 و تلتها جمعيات و منظمات و هيئات أخرى، لاسيما بعد مصادقة المغرب على العهدين الدوليين المتعلقين بالحقوق المدنية و السياسية و الحقوق الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية سنة 1979.
و هناك حاليا بالمغرب عدة منظمات و هيئات تعنى بإشكالية حقوق الإنسان، فهناك الجمعية المغربية لحقوق الإنسان و منتدى الحقيقة و الإنصاف و جمعية مناهضة الرشوة و المنظمة المغربية لحقوق الإنسان و مركز حقوق الناس و غيرها.
و يعتبر الدكتور المهدي المنجرة من المغاربة الأوائل الذين اهتموا بهذه الإشكالية بالمغرب. و قد كان منذ أمد بعيد من الذين أسسوا العصبة المغربية لحقوق الإنسان إلا أنه تخلى عنها بعد أن انحرفت عن المسار المخطط لها أصلا.
و عموما إن الفضل في إبراز إشكالية حقوق الإنسان بالمجتمع المغربي يعود بالأساس إلى مناضلي الحركة الماركسية- اللينينية المغربية و القوى الديموقراطية الفعلية إلى أن وصلت الوضعية إلى ما هي عليه الآن. و تجدر الإشارة في هذا المجال إلى الدور الريادي الذي لعبته كل من الجمعية المغربية لحقوق الإنسان و منتدى الحقيقة و الإنصاف.
و بجانب تلك الجمعيات و المنظمات غير الحكومية هناك المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان الذي عرف تغييرات جوهرية في السنوات الأخيرة استحسنها الجميع في انتظار معاينة النتائج المرتقبة.
إذن هناك تعدد المنظمات و الهيئات التي تعنى بموضوع حقوق الإنسان، و هذا التعدد يعكس عمق اهتمام المجتمع المغربي بإشكالات و قضايا حقوق الإنسان سواء على صعيد الاهتمام العام بهذا المجال أو على صعيد الاهتمامات القطاعية كحقوق الطفل و حقوق المرأة و حقوق الخادمات القاصرات و حقوق الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة...
و قد تأسست الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في 24 يونيو 1979 في خضم الصراع من أجل بناء دولة الحق و القانون و مجتمع الحرية و العدالة الاجتماعية، مجتمع المواطنين الأحرار المتساوين في التمتع بكافة الحقوق الإنسانية بدون أدنى تمييز أو استثناء.
و لازالت هذه الجمعية تمارس و تناضل من أجل تكريس شعارها المرحلي الحالي – عدم الإفلات من العقاب للجرائم السياسية و الاقتصادية شرط للديموقراطية و التنمية – اعتبارا لكون التصفية النهائية لملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان لن يتأتى إلا عبر الكشف عن الحقيقة كاملة و الإعلان رسميا عن المسئولين و المتورطين في جرائم الاختطاف و الاعتقال السياسي و متابعتهم قضائيا و الاعتراف الرسمي للدولة بمسؤوليتها في هذا الصدد و الإقرار بتمتيع الضحايا، كل الضحايا و ذوي الحقوق بالحق في التعويض المادي و المعنوي.
و عموما لا يمكن نكران أن تطورات سجلت في هدا المجال بالمغرب، إذ أصبحت البلاد تعطي أولوية كبرى للحقوق المدنية و السياسية سواء على مستوى الدولة أو المجتمع المدني و دلك مند 1990 عبر اتخاذ جملة من القرارات المهمة تعلقت بطي ملف الاعتقال السياسي و تكريس حقوق الإنسان على المستوى المؤسساتي و التشريعي.إلا أن هده الخطوات مازالت لم تجسد بالدرجة المطلوبة على أرض الواقع ليصبح احترام حقوق الإنسان ثقافة سائدة.
كما أنه كان و لازال الاهتمام بالحقوق السياسية أقوى بكثير من الاهتمام بالحقوق الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية، إذ أن الاهتمام بهده الأخيرة مازال هامشيا جدا في المجتمع المغربي.
وبشكل عام تميزت وضعية حقوق الإنسان بالمغرب مند نهاية ثمانينات القرن الماضي بإصلاحات و إجراءات كان من نتائجها إطلاق سراح أغلب المعتقلين السياسيين و عودة المنفيين لأسباب سياسية في نطاق العفو الملكي و كذا برفع المنع عن طلبات الحصول على جواز السفر.
إلا أنه و رغم إحداث هيئة التحكيم المستقلة للبث في طلبات التعويض لضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان و عائلتهم, و التي خصص لها غلاف مالي يناهز 140 مليون دولار، فإنها لم تكشف عن مصير الكثير من المختفين الذي مازال مجهولا. لذا مازالت هناك الحاجة للجرأة و الوضوح للكشف عن ملف المختطفين و المختفين قسرا منذ حصول المغرب على الاستقلال.
و فيما يخص طي ملف الماضي هناك مقاربتان ، مقاربة المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان و مقاربة المنظمات الحقوقية المغربية.
فالمقاربة الأولى تدعو إلى تجنب إثارة المسؤوليات في ما جرى من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان خلال السنوات الرصاصية. و الثانية تعتبر إثارة هده المسؤوليات الطريف الأنجع لكشف الحقيقة كاملة من أجل طي صفحة الماضي نهائيا و بلا رجعة.
إن المقاربة الأولى تسعى إلى تفادي الاعتراف الرسمي بمسؤولية الدولة في تلك الانتهاكات المرتبطة بجرائم الاختفاء و الاعتقال التعسفي و دلك لعدم إثارة روح الكراهية في المجتمع، أما المقاربة الثانية و التي تتبناها لجنة التنسيق الوطنية المنبثقة عن المناظرة الوطنية لشهر نونبر 2001 المنعقدة تحت شعار من أجل الحقيقة و الإنصاف و التي شاركت فيها كل من الجمعية المغربية لحقوق الإنسان و المنظمة المغربية لحقوق الإنسان و منتدى الحقيقة و الإنصاف، فانه ترى من الضروري إعادة الاعتبار إلى ضحايا الانتهاكات و رد الاعتبار للشعب المغربي قاطبة، و لن يكون لهدا الاعتبار معنى إلا باعتراف الدولة بمسؤوليتها عن تلك الانتهاكات الجسيمة و تقديم اعتذار رسمي و علني للمغاربة. وذلك علاوة على إلزامية تحديد المسؤوليات و تحديد أسماء الأشخاص مرتكبي تلك الانتهاكات و درجات مسؤولياتهم المباشرة و غير المباشرة و كذا الأجهزة المسؤولة على التخطيط و الأمر بالتنفيذ و بما يقتضيه ذلك من متابعة المسؤولين و رد الاعتبار المادي و المعنوي للمتضررين.
و عموما لازال العمل التطوعي في مجال النشاط الحقوقي بالمغرب هو الغالب و السائد، بل لا وجود للحرفية في هذا المجال. و لقد حان الوقت للنظر إلى هذه الإشكالية و التفكير في اعتماد مبدأ الحرفية كمبدأ لتجنيد الطاقات الحقوقية. لقد أضحى على المنظمات و الجمعيات الحقوقية بالمغرب أن تعمل باحترافية على جميع الأصعدة، في التسيير و التدبير و إقرار البرامج و الإشراف على الميزانية. وذلك بالعمل على مشاريع و برامج محددة لتكون جاهزة للتأثير في السياسة العامة. لأن الاحترافية ستمكنها من القدرة على المراقبة و التوثيق و نشر الوعي الحقوقي. و مادام الهدف هو القضاء على الانتهاك كيف ما كان نوعه أليس من الأفضل و الأجدى التخصص في بعض الحقوق اعتبارا لتعددها و كثرتها ؟ . 
في كل مناسبة يصدر الملك عفوا عن أعداد هائلة من السجناء ، فما هو عددهم وهل بالفعل السجون مكتظة بهم ؟
بالرغم من المجهودات التي بذلتها وزارة العدل خلال السنوات الأخيرة، فان الخصاص يظل كبيرا و ذلك بسبب تدهور حالة المنشآت السجنية، حيث يرجع بناء أغلب السجون إلى عهد الحماية، الاكتظاظ و التغذية الرديئة و ضعف التطبيب و ضعف الميزانية المخصصة لإدارة السجون و آثارها على صحة و سلامة السجناء. و يترتب عن هذه الوضعية انتهاكات جسيمة ماسة بحقوق النزلاء و ذلك بفعل الرشوة و المضايقة و تجارة المخدرات و الجنس و الاغتصاب و الأمراض العقلية.
كما أن إشكالية العفو بالمغرب أثارت عدة تساؤلات، لاسيما و أن العفو كان محط متاجرة و مزايدة غالبا ما كانت تجعل العفو امتيازا يقتنى بمقابل. إلا أنه سعيا من القصر الملكي لتفعيل مسطرة العفو حتى يتم تعميم الاستفادة منه لفائدة كل معتقل يبرهن عن إصلاح في سلوكه و استعداده للاندماج من جديد في المجتمع، اتجهت لجنة العفو إلى اعتماد معايير محددة متمثلة في مراعاة حالات المرض و العجزة و الأحداث و النساء الحوامل و الذين أمضوا عقوبات طويلة أو تجاوزت نصف المدة المحكومين بها و لا يشكلون خطرا على المجتمع.
و قد أدى تطبيق هذه المعايير المحددة سلفا إلى رفع عدد المستفيدين من العفو سنويا. و هذا المفهوم للعفو يدخل ضمن مفهوم العقوبة الإصلاحية خلافا لما كان سائدا من قبل حيث كان مفهوم العقوبة الانتقامية هو الذي يحدد طريقة التعامل في هذا المجال.
و بجانب العفو هناك مسطرة الإفراج المقيد و كذلك الإفراج ريثما يبث في طلب العفو و لهذا الغرض تم إحداث لجن إقليمية لتفقد أحوال السجناء تضم الجمعيات الحقوقية.
و عموما مازال مطروحا الكثير لبلوغ هدف جعل السجون المغربية فضاءات للإصلاح عوض فضاء لتعميق الجريمة و اتساع مداها.
 
 الأحزاب السياسية المغربية، كيف يمكن أن تصنفها لنا ؟
عموما يتوفر المغرب على ما يناهز 30 تنظيما أو هيئة حزبية، أغلبها يتوفر على الطابع الشرعية و الاعتراف من طرف الدولة، و القليل منها مازالت تنتظر الاعتراف و من ضمنها جماعة العدل والإحسان.
و ضمن الأحزاب الشرعية المعترف بها هناك 26 يقبل اللعبة السياسية و يمارس في إطارها و يستخدم كل آلياتها المتوفرة. حزبان اثنان مازالا خارج دائرة اللعبة السياسية ، و هما حزب الطليعة و حزب النهج الديمقراطي، اعتبارا لاعتقادهما أن الشروط مازالت غير متوفرة للمشاركة في اللعبة لاسيما و أنهما يطالبان بتعويض الدستور الحالي المنعوت من طرفهما بالممنوح، بدستور جديد يساهم في بلورته فعلا و فعليا الشعب المغربي بمختلف فئاته و هذان الحزبان دأبا من مدة على المطالبة بمقاطعة جميع الانتخابات، التشريعية و المحلية.
و مهما يكن من أمر، فانه على امتداد ما يقارب أربعة عقود عرف المغرب سيرورة بلورة ما يمكن تسميته تجاوزا باستراتيجيات النضال الديمقراطي استهدفت تحقيق الديمقراطية و إرساء قواعدها. لكن بالمقابل واجهتها خطة استراتيجية مضادة سعت أساسا إلى تهجين النخبة و مخزنتها ( جعلها موالية للمخزن أي النظام ).
و رغم كل ما يقال عن تمثيلية الأحزاب السياسية لمختلف فئات الشعب المغربي و على مدى مصداقية كل واحد منها و درجة التعاطف معها، فان فئات واسعة جدا من المثقفين و الشباب و العمال و الفلاحين و الموظفين لا زالت غير مؤطرة حزبيا و بدون انتماء سياسي فعلي (و هي ما أطلق عليها البعض تسمية الأغلبية الصامتة). بل أكثر من هذا، هناك عدد كبير من المثقفين و الشباب أصبحوا يعتقدون، اعتقادا راسخا، إن المغرب لا يتوفر على تنظيمات حزبية قادرة على الفعل نحو التغيير عبر ارتباطها الفعلي بالجماهير.
و في الحقيقة إن صورة أحزاب المغرب كما هي حاليا تدعو لأكثر من تساؤل لاسيما و أن التطورات التي عرفها المغرب دفعت مختلف التنظيمات السياسية إلى مراجعة أوراقها خصوصا و أن أغلبها كانت و لا زالت عبارة عن آلات لتزكية الترشيح و تهييء الانتخابات و الاجتهاد بجميع الوسائل و الأساليب لحصد أكبر عدد من المقاعد سعيا وراء السلطة في إطار صراع يريد فيه الواحد إقصاء الآخر، وليس من أجل الدفاع عن برنامج أو مشروع مجتمعي بهدف تطبيقه و تكريسه على أرض الواقع. و هذا الوضع أدى إلى عدم التمكن من فصل واضح بين الأحزاب السياسية المغربية، لاسيما و إن أغلبيتها الساحقة لا تتوفر على مشروع مجتمعي واضح المعالم.
قد لا يسعفنا الوقت للتطرق إلى مختلف جوانب إشكالية الأحزاب المغربية. لكن لا مناص من الإشارة إلى انه لا يمكن نكران أن الأحزاب الوطنية قدمت الكثير من أجل القضية الديمقراطية و من اجل التغيير الديمقراطي رغم كل النواقص التي طبعت عملها إلا أن المأمول حاليا منها هو الاهتمام أكثر، بخلق السياسية القائمة (و التي لا زالت تتكون من النواقص) الشيء الذي يجعل المطالبة بتغيير هده القواعد من الأمور الصعبة. و لا يخفى انه في مرحلة انتقالية، كالتي يعيشها حاليا المغرب، يتأكد أكثر دور الأحزاب في توجيه المواطن و إقناعه بالمشروع المجتمعي و بالتصور الكفيل بجعله مؤهلا لمواجهة مختلف الانحرافات و الانزلاقات. إضافة إلى انه حاليا لا يمكن تصور وجود حزب قوي و فعال دون توفره على مشروع مجتمعي يميزه عن باقي التنظيمات السياسية الأخرى خصوصا و أنه بالمغرب تقارب الخطابات السياسية و تناسخت الشعارات و تطابقت المطالب إلى حد لم يعد معه المرء يقوى على التمييز بينها.
عموما إن الأحزاب المغربية تعيش حاليا مشاكل وصراعات و تطاحنات و نزاعات داخلية في وقت ينتظر منها أن تمارس السلطة و أن تقوم بعمل سياسي يستجيب لمتطلبات المرحلة. و لعل من أبرز المشاكل تطبيق و ممارسة و تكريس الديمقراطية داخلها لأنه لا يمكن الحديث عن الديموقراطية بدون ديموقراطيين, و المغرب حاليا في أحوج الحاجة, ليس للديموقراطية و إنما لديموقراطيين يكرسون الديموقراطية في حياتهم، و إلا فقد يضطر الديموقراطيون الحقيقيون للبحث على إطار آخر لتكريسها ما دام المستقبل هو ليس للأحزاب النوادي و إنما للأحزاب الفعلية المتوفرة على نظرة واضحة و مشروع مجتمعي و عازمة على توفير الشروط لتجسيده على ارض الواقع و مستعدة لذلك كامل الاستعداد نظريا و علميا، علما و كفاءة و منهجا.
و كيف نريد أن تسود الديمقراطية و الجدية و النزاهة في المغرب و أحزابه تكرس نقيضها بالتمام و الكمال. لن أضيف جديدا إذا قلت أن الممارسة الديمقراطية اليومية ما زالت لم تسد في مجتمعنا، في العائلة و في المؤسسة التعليمية و في الإدارة و مقر العمل و في الشارع و أن أغلبية المجتمع تعيش في مناخ غير مدمقرط، فهل من حق أحزابنا أن تنتظر حتى يصبح المجتمع كله مدمقرطا لتكون هي كذلك أم عليها أن تدفع المجتمع ليكون كذلك؟
لقد أضحى من الجدي التفكير في هذه الإشكالية و إلا ستطرح الضرورة التاريخية التفكير في خلق إطارات سياسية بديلة تتماشى و متطلبات المرحلة و العصر في التأطير و التدبير و التواصل و الفعل السياسي.
 
ما هو موقفك من النزاع على الصحراء الغربية، وهل تؤمن باستقلاليتها مثل العديد من المغاربة الذين دفعوا ثمن هذا الموقف والرأي مثل المنشق إبراهيم السرفاتي ؟
 
أولا لا مناص من الإشارة أنه في السابق، عندما كان إدريس البصري –الوزير المخلوع- على رأس وزارة الداخلية، كانت هناك قضايا و مواقف غير مفهومة في ممارسة تدبير ملف الصحراء، و كانت هناك تساؤلات لم يسبق التطرق إليها من جراء احتكار مجال القضية من طرف جهة واحدة دون سواها، و في تكتم حديدي على مستوى الفعل اليومي الشيء الذي وقف في وجه المساهمة الصادقة في دعم القضية بالنسبة لكل مغربي مهما كان انتماؤه السياسي و موقعه ضمن المجتمع.
إن السيادة العقلية المسكونة بالهاجس الأمني المفرط قد جعلت كل الفاعلين السياسيين و مختلف فعاليات المجتمع المدني مجرد متفرجين على تطورات مسار القضية دون السماح لهم بالقيام بدورهم كاملا غير منقوص و قد كان لهذا النهج في التعامل مع هده القضية انعكاسات سلبية و غير مرضية على أكثر من مستوى و من بين تجليات هدا الواقع، الصورة القائمة التي وردت في تقرير إدارة التنسيق لوزارة الخارجية بقلم مدير مصلحة الدراسات و التنسيق بعد تنحية إدريس البصري. لقد كان التعامل مع القضية تعاملا خاصا جدا، يشوبه الكثير من التساؤلات، حيث كل ما كان يتصل بالقضية يعتبر بمثابة الشيء الواقع ضمن الحدود الحمراء التي لا يمكن قبول التساؤل الذي يهددها بأي وجه من الوجوه . فكل تصرف و كل تدبير و كل قرار مهما كان، يقبل على الفور دون مساءلة و دون البحث عن المغزى و المرمى خشية تكييفه كمناهض للموقف الرسمي و بالتالي موالي لموقف العدو. إذ كان الجو بخصوص هدا الملف مطبوعا بسيادة ما اسماه الدكتور المهدي المنجرة "بالخوفقراطية".
و فيما يخص المناضل السرفاتي، يصعب عليه فهم و تقبل نعته بالمنشق، بالرغم من أنه ساهم بامتياز في بلورة الأرضية النظرية التي انبنى عليها موقف منظمة "إلى الأمام" – إحدى المكونات الأساسية للحركة الماركسية- اللينينية المغربية- فالسرفاتي من المناضلين الذين ذاقوا مرارة التعذيب و التنكيل بالمعتقل السري- درب مولاي الشريف، و قد عاينت شخصيا مواقفه البطولية سواء بهذا المعتقل أو خلال المحاكمة أو بالسجن. و كل ما في الأمر هو أن بعض رفاقه بالأمس يعيبون عليه جملة من التصرفات و على رأسها نسيان بعضهم الذين مازالوا إلى حد الآن يعانون الأمرين و ذويهم، لا عمل و لا دخل و لا مكان لهم تحت شمس وطنهم. الذي اعتقدوا أنهم ضحوا بشبابهم من أجل إن يبلغ إلى ما بلغ إليه الآن. في منتصف سبعينيات القرن الماضي، عندما طرحت قضية الصحراء على الركح السياسي رسميا بالمغرب، كان التعامل معها من طرف الحركة الماركسية اللينينية المغربية انطلاقا من خلفية مذهبية و إيديولوجية و انطلاقا من نظرة استراتيجية و تصور معين للثورة كان سائدا و مهيمنا آنذاك، و في هدا المجال كانت الحركة مجبرة على دعم حركات التحرر و حق تقرير المصير كمبدأ لا يقبل المساومة، كل ذلك في إطار و بهدف خدمة أهداف استراتيجية علما أن الموقف من قضية الصحراء لم يكن موقفا محددا داخل الحركة الماركسية اللينينية نفسها.
ففي يونيو 1974 كان جوهر موقف المنظمتين "إلى الأمام" و 23 مارس هو مساندة الجماهير الصحراوية في نضالها من أجل تقرير المصير لكن في أفق إعادة بناء الوحدة الوطنية على أسس ديمقراطية. إلا انه في شتنبر 1974 بدا يبرز خلاف بين المنظمتين بصدد هذه، إذ صدرت وثيقة تحت عنوان "طريقان لتحرير الصحراء" تضمنت موقف مساندة تقرير المصير و نصا حول مغربية الصحراء. إلا انه في أكتوبر 1976 زاد موقف إلى الأمام تطرفا باتخاذ مناهض للمسيرة الخضراء و أنذاك بلور السرفاتي بالسجن أرضية بعنوان هل الجماهير الصحراوية تشكل شعبا ؟ و طرحت للنقاش حسم بسرعة بتبنيها من طرف المنظمة، في حنين نعت الموقف المضاد لها بالشوفيني و كان يشكل أقلية.
و عموما أعتقد إن حل قضية الصحراء الحل النهائي الأمثل يكمن في نظري في تفعيل وحدة المغرب العربي لأنها أضحت الآن ضرورة تاريخية للوجود و ليس مجرد اختيار. لاسيما و أن المسار العالمي سائر في اتجاه التكتلات و ليس نحو التجزئة، علاوة على أن معطيات الدول الكبرى و تحالفاتها تسمى بشكل واضح إلى أن يسود الاستقرار في منطقة المغرب العربي، و هدا توجه سيفرض نفسه لا محالة، و قد بدأت تبرز إشارات في هدا المنحى من ضمنها أذكر موقف خالد نزار مثلا في القضية. و هذا إضافة إلى كون أن اتحاد المغرب العربي قام بين خمس دول لبناء مستقبل مشترك في اتجاه التكتل نحو الوحدة و ليس في اتجاه التجزئة. و أظن انه من الأفضل حل القضية ثنائيا، في إطار التصور الوحدوي المغاربي لسد الباب على أمريكا لكي لا تحشر أنفها في ملف القضية لأنه إذا تدخلت فقدت الأطراف المعنية فعلا حرية الحركة. لاسيما و أن المغرب أعلن استعداده للتفاوض مع جميع الأطراف المعنية.
و لي قناعة راسخة مفادها أنه لو كان للبوليساريو فعلا الاستقلالية لاتخاذ القرار لكان المشكل قد حسم نهائيا. و في هذا الصدد أدلي لكم بسر لم يسبق لي أن أفشيته سابقا. و هو أن رئيس مكتب وكالة المغرب العربي للأنباء بروما بايطاليا – أمحمد سرحان – سابقا قد تمكن، في إطار مهمة كلف بها من طرف القائمين على ملف الصحراء آنذاك، الاتصال بمحمد عبد العزيز و أخذ منه و عدا صريحا باستعداده للعودة للوطن إلا أن القائمين على الملف آنذاك قد أجهضوا هذه المساعي و نسفوها نسفا لغرض في نفس يعقوب.
و أظن لو كان الاستفتاء قد تم في منتصف سبعينات القرن الماضي لكان من البديهي أن يختار الصحراويون تأكيد الوحدة مع المغرب.
 
- موقفكم من العمليات الإرهابية التي حدثت مؤخرا في المغرب؟
أولا كحقوقي، و كمناضل من اجل تكريس حقوق الإنسان و التربية عليها بالمغرب، أعتبر أن الإرهاب يمس في الصميم الحق في الحياة، و هو حق أساسي ليس له ككل الحقوق ألأخرى. كما إن الإرهاب يمس حقوق الناس، كل الناس، من حيث سلامتهم الشخصية بغض النظر عن دينهم و لغتهم و لونهم و جنسهم و رؤيتهم للغد. و الحديث عن الإرهاب بالمغرب يجرنا إلى التطرق لظروف بزوغ التيارات الإسلامية بالمجتمع المغربي، و بالضبط في فترة سبعينات القرن الماضي. في هذه الفترة ظهرت حركة الشبيبة الإسلامية التي تولدت عنها، بشكل أو بأخر مختلف التيارات الإسلامية المتواجدة حاليا بالمغرب، سواء المعتدلة منها الداخلة في اللعبة السياسية أو المتطرفة الرافضة للعبة شكلا و مضمونا. و لم يعد خاف على أحد الآن بالمغرب دور سلطات الدولة في دعم هده الحركة-الأم كسبيل لمواجهة الحركة الماركسية – اللينينية المغربية آنذاك و التي كانت تتبنى مواقف جذرية أحرجت النظام و مختلف الهيئات السياسية، حتى تلك المحسوبة على المعارضة و قد عملت السلطة على يد إدريس البصري، وزير الداخلية المخلوع، على تكوين لجنة لاحتواء حركة الشبيبة الإسلامية. و قد استعان بصهره (الذي هو حاليا على رأس أحد الأحزاب، كما استعان بجملة من الشباب أنداك (تلاميذ و طلبة) هم الآن يحتلون كلهم مواقع قيادية في حزب العدالة و التنمية. و قد أكد على هذا كل من الأقطاب الحاليين لتلك الحركة بالخارج و بعض المتهمين في محاكمات الإرهاب التي عرفها المغرب مؤخرا.
في واقع الأمر إن نشأة الحركات السياسية ذات الطابع الديني بالمغرب، كانت مع الحركة الشبيبية الإسلامية التي شكلت المعين لمختلف الجماعات المغربية المنعوتة بالتطرف حاليا و كان قيام تلك الحركة نتيجة هاجس سياسي يتوخى مواجهة المد الكبير لفصائل الحركة الماركسية – اللينينية (منظمة إلى الأمام، منظمة 23 مارس و منظمة تخدم الشعب ) التي كانت متجذرة آنذاك وسط الشبيبة المدرسية و الجامعية عموما أكثر من كل الأحزاب قاطبة، و بذلك أزعجت الجميع، لاسيما و كانت تحمل مشروعا مجتمعيا مختلفا كليا عن رؤى النظام و رؤى مختلف الأحزاب حتى المعارضة منها.
إضافة إلى أن الحفاظ على تعدد الحركات الدينية كان من أهم الوسائل المفضلة لدى الملك في الحكم، اذ كان القصر يبدي اهتماما خاصا و احتراما لمختلف مظاهر الإسلام الشعبي. ومهما يكن من أمر تظل خلفيات أحداث 16 مايو 2003 الإرهابية في نظري تكمن في جملة من العوامل المتداخلة و من ضمنها العجز عن استهلاك الحداثة و قيمها، الشيء الذي أدى إلى رفضها من طرف بعض شرائح المجتمع المغربي، و هدا الرفض أدى بدوره إلى رفض الغرب عموما ما دام هو المنتج للحداثة و هو الاعتقاد مغلوط. لأن الحداثة هي فعل إنساني و ليست حكرا على الغرب. و قد ارتبط رفض الحداثة من طرف البعض بشروط اقتصادية و اجتماعية و ثقافية تمثلت في آليات التهميش الممنهج و توسيع قاعدة السكن غير اللائق و استفحال الفقر بفعل آليات الفقرقراطية و انتشار البطالة و انعدام شروط العيش الكريم التي تحفظ الإنسانية.
و عموما يمكن القول إن عولمة الاقتصاد أدت إلى عولمة التطرف، و من ضمنه التطرف الديني و التطرف الإيديولوجي، علما أن الخطاب الناتج عن الصدمة النفسية أو الصدمة التاريخية أو الصدمة الحضارية لا يمكن أن يكون إلا خطاب عداء و كراهية، خطاب تنعدم فيه الفواصل بين الديني و العقائدي و السياسي. و أعتقد أن أحداث 16 مايو 2003 الدامية بالدار البيضاء هي نتاج طبيعي لتظافر جملة من العوامل المتداخلة، فاذا كان الفقر و التفقير و التهميش الممنهج و الأوضاع الاجتماعية و الاقتصادية المتردية التي يعاني منها عدد كبير من المغاربة مكنت من توفير التربة الخصبة الملائمة لبروز التطرف و ترعرعه إلى أن بلغ مستواه الإرهابي المتمظهر في تفجيرات الدار البيضاء و التخطيط لأخرى بأكثر من مدينة مغربية، فلا يجب نسيان العامل الديني الذي لعب دورا مهما للغاية كذلك لاسيما فيما أسماه البعض بالتسيب الديني الذي انتشر بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة بالمغرب بفعل إطلاق العنان لمن هب و دب لإصدار الفتاوى و السماح لنفسه بالتحليل و التحريم و التكفير و الإقرار بالحدود و تغيير النصوص الأساسية حسب الهوى. و قد ساهم نشاط التيارات الإسلامية الاطلاقية في تفعيل و إعمال كل العوامل السالفة الذكر ليصل الوضع إلى ما وصل إليه يوم الجمعة الأسود بالدار البيضاء، و الذي في الحقيقة لم يمثل إلا الجزء اليسير الظاهر من الجبل الجليدي العائم في بحر ركح المجتمع المغربي . و عموما كلما ضاقت أو انعدمت الفضاءات الدنيا لتعبير المواطنين عن تطلعاتهم و استمر إقصاء أوسع الفئات و الشرائح من الشعب عن المساهمة في صياغة القرار و تطلعت ملاجئ الاحتكام ضد الظلم و تفشي احتكار ثروات و موارد البلاد و عم الشعور بالقهر و الحرمان و التهميش إلا و تكاثرت عوامل إنتاج العنف السياسي. و اللجوء إلى الإرهاب- الذي يعتبر ظاهرة مرضية بالمجتمع المغربي- ينجم من شعور عميق بامتداد جميع الآفاق و من سيطرة تشاؤم مطلق، و هو في آخر المطاف ردة فعل عمياء تأتي على الأخضر و اليابس.
الكاتب والصحفي والمناضل الحقوقي، إدريس ولد القابلة، كيف ترى مستقبل المغرب ؟
أظن أن السبيل الأجدى و الأنجع لإعداد لمستقبل أفضل هو اعتماد استراتيجية تنموية متوجهة إلى الذات و معتمدة على عوامل داخلية يتم التحكم فيها عوض جعلها ترتكز على عوامل خارجية لا يمكن التحكم فيها كما هو حاصل إلى حد الآن بالنسبة للمغرب. و على هذه الاستراتيجية أن تأخذ في حسبانها القيم الاجتماعية و الثقافية للبلاد و حاجيات المجتمع كما هي معبر عليها ديموقراطيا عوض الاكتفاء بالعناية بحاجيات الأقلية المحظوظة.
في نظري لا يمكن التفكير في المستقبل دون الإقرار بالإرادة اللازمة لإصلاح جذري لعملية توزيع الثروات المادية و المعنوية بطريقة لا يلعب فيها الانتماء السياسي و لا الطبقي و لا العشائري و لا الزبوني.
و كما يقول الدكتور المهدي المنجرة ليس هناك مستقبل واحد بل هناك تعدد في المستقبلات، لذلك وجب التهييء للغد منذ البارجة و ليس منذ اليوم.
المستقبل بالمغرب عموما يظل خاضعا لسيرورة عامة لا تخفى على أحد، و هي سيرورة تتشكل من ثلاث مراحل :
الاستقرار و البحث على إبقاء الواقع على ما هو عليه
السعي وراء الإصلاح لمحاولة التصدي إلى التصدعات و تسكين الآلام أو إخفاؤها و لو مؤقتا
فرض التغيير بعد استفحال آليات الفقرقراطية و المكر السياسي و سياسة المكر و سيادة فقدان الثقة في آليات الدولة و آليات المجتمع.
لذلك فلا مناص من بلورة رؤية مستقبلية واضحة المقاصد و التي مازال المغرب يفتقدها إلى الآن. و هي رؤية لابد أن تعتني بالمواطن البسيط و الواقع الفعلي و ليس القفز عليه كما ظل يجري إلى حد الآن.
ففي نظري رغم كل ما يقال فان المواطن البسيط لم يستفد بعد من ما يسمى بالتغيير، و هذه بالنسبة لي إشكالية جوهرية تعتبر من بين العوامل المحددة لمستقبل المغرب.
و يبدو أن الشيء الوحيد الظاهر و البارز الذي له مستقبل في المغرب هو الفقر لذا وجب بلورة رؤية مستقبلية واضحة المعالم و محددة المقاصد، و مع الأسف الشديد لازال المغرب يفتقد لمثل هذه الرؤية. كما أنه مع الأسف الشديد مستقبل المغرب يحدد الآن من طرف الغير و عبر إرشادات و توصيات تبلورت خارج المغرب و من طرف غير المغاربة.
                                                                                        انتهى
                                                                                  إدريس ولد القابلة
                                                                                       المغرب



#إدريس_ولد_القابلة (هاشتاغ)       Driss_Ould_El_Kabla#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إشكالية الدين والسياسة والدولة
- العــــالـم بالـمـغـرب مـجـرد مـوظـف
- لقد فات الأوان - مجموعة قصصية
- إشكالية النفايات الطبية بالمغرب
- الاتجار في الحياة
- منع آخر للدكتور المهدي المنجرة بالمغرب
- إشكالية الدين والسياسة والدولة
- المغرب والتطرف الديني
- خاصية التطرف الديني بالمغرب
- لازال المغرب في حاجة لإصلاحات
- تداعيات الإرهاب بالمغرب - قراءة متعددة الزوايا -
- -الإهانة في زمن الميغا- أمبريالية- للمهدي المنجرة في طبعتها ...
- لا يمكن الاستمرار على هذا الحال
- التعامل مع الفساد بالمغرب
- اغتصاب الأطفال
- الأحزاب المغربية والغباء السياسي
- حول كتاب ترجمة معاني القرآن للأمازيغية
- الحقل السمعي البصري بالمغرب السياق والمآل
- المخدرات: زراعة القنب الهندي بالمغرب
- حوار الحضارات يستلزم رؤية واضحة المقاصد


المزيد.....




- زرقاء اليمامة: قصة عرّافة جسدتها أول أوبرا سعودية
- دعوات لمسيرة في باريس للإفراج عن مغني راب إيراني يواجه حكما ...
- الصين تستضيف محادثات مصالحة بين حماس وفتح
- شهيدان برصاص الاحتلال في جنين واستمرار الاقتحامات بالضفة
- اليمين الألماني وخطة تهجير ملايين المجنّسين.. التحضيرات بلسا ...
- بعد الجامعات الأميركية.. كيف اتسعت احتجاجات أوروبا ضد حرب إس ...
- إدارة بايدن تتخلى عن خطة حظر سجائر المنثول
- دعوة لمسيرة في باريس تطالب بإلإفراج مغني راب إيراني محكوم با ...
- مصدر يعلق لـCNNعلى تحطم مسيرة أمريكية في اليمن
- هل ستفكر أمريكا في عدم تزويد إسرائيل بالسلاح بعد احتجاجات ال ...


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - إدريس ولد القابلة - كتاب - قضايا مغربية