هل علموا واعوزهم الوقت؟

هشام القروي
كاتب وشاعر وروائي وباحث في العلوم الاجتماعية
(Hichem Karoui)

الحوار المتمدن-العدد: 147 - 2002 / 5 / 31 - 06:46
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    

 

يجد السيد آري فليشر (المسؤول عن الاعلام في البيت الابيض) كل يوم مزيدا من الصعوبات في مواجهة اسئلة الصحفيين والحاحهم. فكلما مضت الايام, بدا ان اشباح 11 سبتمبر /ايلول الرهيبة تزداد حضورا, عوض ان تبتعد وتتوارى. وليس الامر غريبا, فاللغز لم يقع حله بعد, في الوقت الذي لا يتردد فيه نائب الرئيس الاميركي السيد ديك تشيني في القول ان عملية اخرى من نفس النوع وربما اضخم متوقعة! وكي لا يتهم احد المسؤولين الاميركيين بما يتهمونهم به الان (أي اهمال واجبهم مع علمهم بما سيحدث), اصبحت التأكيدات بان بن لادن يتهيأ لتوجيه ضربة اخرى للولايات المتحدة شبه اسبوعية, ان لم تكن يومية. وفي هذا السياق, تأتي بعض الاجراءات, مثل تحذير سكان كاليفورنيا من تأجير المساكن لاشخاص لا يعرفونهم جيدا, مما يقتضي من المستاجرين الجدد تقديم ضمانات اكيدة بانه لا غبار عليهم! فهناك اعتقاد ان من بين خطط الارهابيين استئجار منازل, وخزن المتفجرات فيها, ثم تفجيرها في نفس الوقت! وهي بلا شك خطة شيطانية, جديرة بان ينتجها عقل بن لادن! ومما زاد طين المخاوف بلة هذه الكاسيتات المتجولة التي تظهر بين فينة واخرى, لنشاهد فيها كبير الارهابيين ذا الوجه الطويل والعثنون الرمادي, وهو يتحدث الى مريديه بصوته المتهدج, مطرزا كلامه بآية هنا وحديث هناك, لاعطاء الانطباع بانه يدري ما يقول حين يدعو الى الجهاد في سبيل الله وكأنه خالد بن الوليد او عقبة بن نافع في زمانه! ولعلنا جعلناه متواضعا بهذه التشابيه, فهو ربما يعتقد انه عمر بن الخطاب, رضي الله عنه!

بيد ان كل هذا لا ينفي مسؤولية الادارة الاميركية عما جرى ويجري. ففي كل يوم تظهر تفاصيل جديدة تؤكد ان مختلف مصالح الاستخبارات العاملة في الولايات المتحدة ومن اجلها, تصرفت بكثير من الغباء في الوقت الذي كانت تعتقد فيه انها تحافظ على حقها في السرية. وقد لاحظ بعض الطرفاء ان بوش اختلط عليه امران: حق السرية المحفوظ لكل ادارة, وحق الغباء!

ولكي نبقى في حدود الوقائع ولا نتجاوز الادب في الحديث عن كبار القوم, ينبغي التذكير بأن الحكومة الاميركية تلقت عددا من التحذيرات وليس واحدا فقط... (ولقد ادعى اري فليشر ان مااطلع عليه بوش انما هو تقرير وليس تحذير! ورب عذر اقبح من ذنب!)

اشارت بعض الاخبار المنشورة مثلا الى ان الرئيس بوتين نفسه ابلغ الادارة الاميركية ان فريقا من الارهابيين يتأهب لضرب مركز التجارة العالمي في اسبوع التاسع من سبتمبر. وهذا التحذير من المخابرات الروسية صحبه تحذير آخر من المخابرات الالمانية, حيث قالت صحيفة "فرانكفورتر الجيمين زيتونغ" يوم 14 سبتمبر ان جهاز "ب ن د" ( المخابرات الألمانية) وجه تحذيرا الى كل من "السي آي ايه" و"الموساد" والمخابرات البريطانية في شهر يونيو/حزيران يتعلق بهذا الشأن, حيث يؤكد ان ارهابيين من الشرق الاوسط يتاهبون لاستعمال طائرات مدنية بعد اختطافها "لضرب رموز مهمة للثقافة الاميركية والاسرائيلية"!

وتقول بعض المصادر على الانترنت ان البوليس الالماني علم عن طريق التنصت على مكالمات سجين ايراني ان الرجل اتصل بالمخابرات الاميركية في الصيف الماضي ليعلمها بضربة ارهابية ضد مركز التجارة العالمي في اسبوع 9 سبتمبر! وقد اكد المسؤولون الالمان هذه القصة, فيما رفضوا تقديم مزيد من التفاصيل عن هذا الرجل!

وفي 12 سبتمبر نشرت صحيفة "ايزفستنيا" الروسية خبرا يقول ان المخابرات الروسية كانت تعلم بأن 25 ارهابيا يتأهبون للقيام بعملية في الولايات المتحدة, وقد حذرت الادارة!

ولدى محاكمة رمزي يوسف عام 1997 من اجل تورطه في عملية 1993 ضد مركز التجارة العالمي, علم الاميركيون لاول مرة بتفاصيل ما عرف باسم " عملية بويينكا". والواقع ان المخابرات الاميركية كانت تعرف ان عملاء "القاعدة" خططوا لاختطاف طائرات تجارية لاستعمالها ضد اهداف اميركية منذ سنة 1996 عندما القي القبض في مانيلا على عبد الحكيم مراد, زميل رمزي يوسف, الذي كان اول من تحدث عن هذه الخطة.

يذكر أن مكتب التحقيقات الفدرالي علم منذ اعتقال زكريا موسوي في شهر آب/ اغسطس ان هناك خطة لضرب مركز التجارة العالمي, حيث ان تقريرا لمكتب "مينيسوتا" ذكر ان موسوي ربما كان "يتهيأ لضرب مركز التجارة بطائرة"! وهم قد اعتقلوه بأية حال بناء على ما وصلهم من اخبار تؤكد انه قد يستعمل دروس الطيران من اجل اغراض ارهابية.

فكيف امكن, مع توفر كل هذه المعلومات, ان لا يتصور احد في الادارة الاميركية ان سيناريو على طريقة افلام الرعب الهوليوودية ممكن في الواقع؟ واما في حالة وجود مثل هذا التصور, كما هو الاحتمال الارجح, فلماذا لم يتحركوا؟

وقد تكون بداية الجواب عن السؤال انهم لم يجدوا الوقت, بمعنى بين تفطنهم الى ان عملية ما هي قيد التحضير وبين تدبير كيفية الردع او الاتقاء, اعوزهم الوقت الذي كان كافيا للارهابيين من اجل تنفيذ ما قرروه.

*كاتب وصحافي تونسي يقيم في باريس.

http://www.hichemkaroui.com/

#هشام_القروي (هاشتاغ)       Hichem_Karoui#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات