أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالإله السباهي - الصدفة















المزيد.....



الصدفة


عبدالإله السباهي

الحوار المتمدن-العدد: 2440 - 2008 / 10 / 20 - 07:02
المحور: الادب والفن
    



اكتظت ساحة النهضة بسيارات المسافرين الكبيرة، وبعربات الباعة، الذين انهمك أغلبهم في تجهيز مصابيح النفط المسماة (لوكس)، محاولين طرد الظلمة، على الرغم من أن الشمس في أول مسيرتها نحو الغرب.
وقف زاهر حائرا في تلك الزحمة، سأل أحدهم عن الحافلات المنطلقة إلى الناصرية، ولكن صراخ الباعة لم يترك له فرصة في سماع ما أجابه به الرجل. توجه إلى سائق الحافلة التي بجواره سائلا، يطلب المساعدة، ومن يرشده إلى الطريقة التي يجب أن يسلكها كي يسافر إلى الناصرية، وأي حافلة يركب؟
دله السائق على مكتب صغير مشير بيده باتجاه ذلك المكتب وخرجت كلماته من بين الشفاه ملفوفة بدخان كثيف.
قصد زاهر تلك الغرفة التي أشار إليها سائق الحافلة، وهناك ابتاع بطاقة سفر إلى الناصرية، والموظف الذي أعطاه البطاقة أشار نحو الحافلة التي تحمل عنوان المدينة التي يقصدها.
رجع زاهر يدور بين الحافلات وحقيبته الصغيرة وبطاقة السفر في يده، باحثا عن تلك الحافلة. لقد ضاعت الأسماء هناك بين الصور المعلقة على النوافذ، طبعا صور "السيد الرئيس". وبعد جهد استقر في مقعد يعد وثيرا في الحافلة التي ستنطلق بعد دقائق معدودة إلى الناصرية.
تطلع من النافذة إلى باعة الأطعمة المتجولين، وتقزز من منظر الأطعمة التي يعرضونها، وقد اصطفت أسراب الذباب فوقها، حتى حجب بعضها عن الأنظار، وهنا راحت يد زاهر تتلمس (الساندويتشات) التي في الحقيبة حيث أعدها ليلة أمس، فاطمأنت نفسه بذلك، خاصة وإن قنينة الماء المثلج، لا يزال الثلج فيها متماسكا، والفصل خريف أو في بداية الخريف.
لقد نواها زاهر أخيرا، قرر الهرب من جحيم أجهزة الأمن الصدامية. وها هو يودع الأزقة التي تربى ولعب فيها في حي الصبة، في سوق الشيوخ.
كان يعيش مرحلة الفطام، ومثل طفل في تلك المرحلة، يملئ الدنيا صراخا، بحثا عن ثدي أمه، كان صاحبنا وبكل إصرار يرغب في توديع بساتين الكرمه، والحجام وآل صيدح، وقد يواصل السفر لكرمة بني سعيد أو للجبايش. لم يكتفي بذلك بل راح يصور كل الدكاكين في سوق الشيوخ، من نداف إلى صائغ وحائك بسط وغيرهم. حتى أمسك به أحد رجال الأمن وأخذ آلة التصوير منه.
لم يسلم من تلك الورطة إلا بعد أن تقاسم مع الرجل آلة التصوير، فأخذ هو الصور التي التقطها، وأعطى آلة التصوير لذلك الرجل فأطلقه.
"ها زاهر ارتحت ؟ "
عاد بعد ثلاثة أيام إلى ساحة النهضة في بغداد. وهناك ظل واقفا فيها يبحث بعيونه عن قبور اليهود، الذين دفنوا هناك! وما آل بهم الزمن قبل أن يستأجر سيارة أجرة لتأخذه إلى بيتهم في شارع 14 رمضان.
وفي اليوم التالي قرر الذهاب من الصباح ليودع قبور أهله في أبو غريب قبل أن تتحول محطة للحافلات.
وهكذا ظل لعدة أيام يزور هذا المكان وذاك، ويجد عشرات الأسباب ليطيل بقاءه ولو ليوم واحد آخر في عراق أحبه.
ثم راح يودع أصدقائه واحدا بعد واحد، وكان آخرهم ثابت، حيث زاره في محله في بغداد الجديدة.
لم يرضى ثابت أن ينتهي الوداع بهذه الصورة، ولم يتركه يذهب بل أصر على أن يصطحبه معه إلى البيت، ليقضوا سوية سهرة الوداع. أقفل ثابت محله مبكرا على غير عادته، وركب سيارة الداتسن اليابانية القديمة التي يمتلكها وأجلس زاهر بجنبه بعد أن عبأ صندوقها بما توفر.
ها أبو شارت، يظهر أنك أخيرا اشتريت بطارية جديدة للسيارة، يعني ماكو دفعه هذه المرة ؟ لا، لا اصعد لا تخاف.
وصلوا محلة السيدية بعد أن عبروا الجسر المعلق، والذي تم أصلاحه منذ وقت قصير، بعدما قصفته طائرات أمريكية إثناء عاصفة الصحراء.
وفي بيت ثابت وخلال تلك الأمسية راحوا يسترجعون الذكريات، وأم شارت تمد المائدة باللبلبي والباقلة وغيرها من المقبلات بدون توقف بعدما كانت الصحون تفرغ بسرعة.
ضحكوا كثيرا عندما رحلت بهم الذكريات إلى رومانيا.
كان زاهر قد سافر بسيارته المرسيدس الجديدة، مع ثابت يرافقهم شنشل، في سفرة راحة واستجماج وعلاج إلى رومانيا، قبل خمسة عشر عاما. كان ثابت يعاني من أمراض في القلب في ذلك الحين، أو هكذا شخص له الأطباء الآلام التي كان يعاني منها.
وصف له بعض معارفه ممن عشقوا العلاج خارج العراق، طبيبا ذاعت شهرته في رومانيا، وفي كل العالم في ذلك الوقت. والروح عزيزة كما تعلمون، وزاهر لم يترك ولعه في السفر ويدور حجة لكي يسافر"وأبو طبع ما يترك طبعه" وكما يقول المثل (طبع البيه معشش بيه، يزيد منّ ما ينقص أوقيه) وهكذا سافروا إلى أوربا بالسيارة وكانت رفقة ممتعة.
حقا كانت تلك سفرة ممتعه - قالها ثابت - لولا الشرطة البلغارية، أتذكر كيف عذبونا في تلك المدينة الصغيرة ونحن في الطريق إلى الحدود الرومانية، بحجة مخالفة الإشارة المرورية والتي لم تكن موجودة حتى، وجعلونا ننتظر ساعات؟
نعم أجاب زاهر: لا أظن إنني سأنسى ذلك ما حييت، ليس بسبب الرشوة التي دفعناها صاغرين للشرطي الحقير، وإنما على منظر شنشل وهو يتبع الفتيات المارات في الطريق الوحيد في تلك المدينة، يوزع عليهن سجاير (مور) السوداء، وعندما كن يهربن منه يعود ملتصقا بالفتيات العائدات من الجهة المعاكسة، وفي يديه علبة السجاير،وضحكته تكشف عن سن ذهبي. ودون نتيجة طبعا.
لا أعرف من زرع في رأسه أن البنات هناك يمكن مصاحبتهن بسيجارة أجنبية؟
لكن هل تذكر عندما ذهبنا إلى الجبل بحثا عن طبيب القلب؟
كيف أنسى هذه أيضا يا أبو شارت، اسمعي أم شارت ماذا جرى لنا وما فعله زوجك المحترم هناك؟
وهنا ظل ثابت يغمز لزاهر محاولا إسكاته تجنبا للفضيحة والمشاكل مع أم شارت. وزاهر وبكل خباثة تجاهل ذلك الغمز وراح يسرد كيف أنهم عندما وصلوا مساء إلى المصحة في ذلك الجبل، حيث الطبيب يعود زبائنه، وقصدوا الفندق الكبير الوحيد هناك، ذو النجوم الخمسة، وكيف استقبلوهم من الباب، وأخذوا منهم مفتاح السيارة ليركنوها في المكان المخصص لسيارات الضيوف. ثم أرشدوهم إلى الجناح الذي سينزلون فيه، وكان جناح فاخرا حقا.
يا أم شارت كانت المسألة مفاجأة بالنسبة لنا، فنحن وإن كنا في أمس الحاجة للنزول في الفندق، بعد الساعات الطويلة التي قضيناها خلف مقود السيارة، لكننا لم نحجز في ذلك الفندق مسبقا، حتى ولم نسألهم ذلك أثناء وصولنا إليه.
المهم، استضافونا في ذلك الفندق ستة أيام بلياليها، الطعام ثلاث وجبات يوميا، والحفلات الساهرة، آه كم كانت رائعة تلك الحفلات! - وهنا راحت عين ثابت تومض وكأنها مصباح السيارة الجانبي - والبوفيه التي كانت تستقبلنا فيها متى نشاء.
وعند مغادرتنا الفندق للحاق بشنشل قبل أن يضيع منا على الساحل وتخلص علب سجائره. ذهبنا إلى الاستعلامات، وفي أيدينا حقائب السفر، لندفع الحساب.
كنت خائفا من القائمة التي قد تقصم الرقبة، فلم تكن عندنا فكرة عن التكاليف، والخير وفير كما تعرفين فتركناها على الله حينها،
وهناك كانت المفاجأة. قالوا لنا لن تدفعوا شيئا، فكل إقامتكم على حساب الحزب.
وهنا سألت أم شارت: أبو يحيى، لم أفهم من دفع تكاليف إقامتكم في ذلك الفندق، أي حزب تكلف بالأمر؟ هل أنت سياسي كبير ونحن لا نعلم؟
لا يا أم شارت العزيزة، لست سياسيا، لا كبيرا ولا صغيرا، ولم أعرف إلى اليوم، أي حزب تفضل علينا وشملنا بكرمه، ولا أظن زوجك يعرف عرف ذلك. وهذه مكرمة ليست بعيدة على الأحزاب، أليست الأحزاب في خدمة الشعب؟ ونحن الشعب طبعا. لا يهم أي حزب دفع الحساب، أو لماذا، الظاهر الفضل كان للمرسيدس الجديدة.
وهكذا استضافونا ستة أيام بلياليها أكل وشرب ونوم مجانا ( أكل ونوم يا مالين القوم).
هكذا قضى زاهر تلك الأمسية الجميلة مع شيخ الصامدين في عراق صدام، ثابت وعائلته.
غادر زاهر العراق بعد يومين من تلك الأمسية، بعد أن حسم أمره في ترك داره التي بذل مبالغ طائلة في بناءها، وترك محل بيع المجوهرات الذي كان يمتلكه، وترك كل ما يملك، بعد أن عجز عن بيع أي شيئا منها. التحق بعائلته التي هرّبها قبله، والذين حطت بهم تدابير المهربين في هولندا.
التحق بهم وعاش هناك على مضض، يتقلب من مدرسة لأخرى، ومن عمل لآخر ومن بلدية لأخرى.
وبعد أن حصل على الجنسية الهولندية وحصل على راتب تقاعدي، سيطر وتبدل مزاجه، وراح يسترجع ذكرياته في البحث عن أصدقاءه القدامى.
لقد تعبت من الحديث عن زاهر، وسأترككم معه ليحدثكم هو مباشرة عن نفسه وبطريقته. في الحقيقة لم أتمكن من متابعة سرد الحديث عنه، لقد أتعبني، فهو يتدخل في كل صغيرة وكبيرة، تعليقاته الساخرة، مزعجة أحيانا، لذا انتفضت صارخا:
تفضل أخي أتركك أنت وقرائك هذا إن وجدت من يقرأ لك، وعلى كل حال غرّد على هواك. طبعا ما صدق الخبر! أزاحني عن الحاسوب، وراح يكتب ما يشاء. إحذرو أن يأخذكم على حين غرة، دققوا في كل ما سيقوله. يكفي يا هذا تزحزح قليلا واتركني.
تفضل وهنا الحديث لزاهر:
ربطتني بالفنانة التشكيلية، والأديبة المندائية سوسن سيف وزوجها، علاقة قرابة وصداقة تمتد لسنين طويلة.
تخرجت سوسن من أكاديمية الفنون الجميلة في بغداد، وأصبحت فنانة تشكيلية ناجحة، لتنظمّ إلى العديد من الفنانين المندائيين المبدعين في الساحة العراقية. أما زوجها والذي توفي قريبا رحمه الله، فكان يعمل مستشارا في إحدى الوزارات.
جمعتنا بهم في بغداد صداقة قوية، وكنا نتزاور كثيرا، وأطفالنا يلعبون ويكبرون سوية. وقد كنا نسكن قريبين من بعضنا في محلة القادسية في بغداد. أعتقل الزوج، وزج به في زنزانات المخابرات، ولم ينجو من الإعدام إلا بأعجوبة.
أخذ بعدها زوجته وأطفاله وهرب بهم من جحيم الحكم في العراق والتجأ إلى فرنسا. فكان من أوائل المندائيين الفارين. فهؤلاء عراقيون متشبثون جدا بوطنهم، ولم يعرفوا أو يعترفوا بوطن غيره. ولكن بعد أن أصبح العيش صعبا على كل مفكر في العراق، وخاصة المندائيين منهم، تلك الشريحة الواعية من مكونات الشعب العراقي. ترك من استطاع منهم أرض أجداده وملاعب طفولته، وهام في أرض الله الواسعة.
تلاقفتهم أيادي المهربين لتأخذ منهم آخر ما جنوه وترمي بهم في بلدان شتى، ودون تخطيط أو اختيار مسبق. تشتتوا بين دول العالم المختلفة، وصار من الصعب عليهم أن يلتقوا بمن أحبوا، وظل الشوق والحنين للأيام الخوالي يعكر صفو عيشهم.
وهكذا أصبح أخوكم زاهر واحدا من هؤلاء الذين بلا وطن (على طريقة البدون الكويتية).
التحقت بزوجتي وابني يحيى، والذين أرسلتهم قبلي إلى المهجر، وبقيت أنا في الوطن لأحمي خطوط العودة لحين وصولهم إلى برّ آمن. " محروسة يا بغداد "!
بعد أن استقر بي المقام في هولندا، وعشت ردحا من الزمان فيها، كما حدثكم الراوي، رحت أتفقد أصدقائي القدامى، محاولا زيارتهم قدر استطاعتي.
قصدت سوسن وزوجها أول من قصدت في فرنسا. فباريس هي الأقرب لي والأسهل. وهناك نزلت في فندق ذو نجوم ثلاثة وسط المدينة. ورحت أبحث عن سوسن وجابر. لم أكن أبحث عنهم وسط شوارعها المزدحمة طبعا، ولكنني اتصلت بهم عن طريق الهاتف، فجاءوا لزيارتي، ودعوني لزيارتهم في البيت مشكورين.
اجتمعنا على مائدة العشاء، التي أقامتها سوسن وزوجها على شرفي في شقتهم الجميلة المطلة على نهر السين، بالقرب من برج إيفل الشهير.
كانت المائدة عامرة بكل ما لذ وطاب، أعدتها سوسن بنفسها، فهي بالرغم من ضيق الوقت، وعيشها الطويل في باريس، لم تستطع ترك قدورها، والتعود على ما تقدمه المطاعم الباريسية، ولا تعترف حتى بأن المطعم الفرنسي يعد الأحسن بين مطابخ العالم، وترى أن مطبخها هو الأحسن.
دعت سوسن إلى تلك الوليمة شلة من أصحابها، وهناك تعرفت على العديد من ثروات الفكر العراقي الضائعة، منهم القاصة العراقية المعروفة عاليه ممدوح ومجموعة من الأدباء والفنانين . كانت أمسية جميلة سادها حديث الذكريات، وتقاسمت رواية عاليه، (حبات النفتالين) وقصائد سوسن الجديدة " فسوسن بالمناسبة شاعرة رقيقة، وكاتبة سلسة"، وكذلك دار نقاش حول روايات القاصة المندائية الواعدة الدكتورة خوله الرومي ومنها (الرقص على الرمال). وكانت قاعة الضيوف متحفا صغيرا، من كثرة الأعمال الإبداعية التي أجادت ريشة الرسامة سوسن في رسمها.
مما يثير الانتباه في إبداعات المندئيين، إنهم لم يتطرقوا فيها إلى حياة قومهم أقصد " الصابئة" إلا ما ندر، وربما كانت الشاعرة المندائية الرائعة، لميعة عباس عمارة، هي الوحيدة التي ذكرتهم في شعرها في محاولة لتأسيس أدب مندائي.
كبر أطفال سوسن، وكلنا كبرنا، فقد أصبحت تلك القطط المدللة اللواتي اشتقت لهن كثيرا، فتيات رائعات الجمال، ينافسن فتيات باريس بالأناقة والجمال أو يتفوقن عليهن.
ذكر صدفة في تلك الأمسية الجميلة، أن حفلا مخصصا لتقديم الترجمة العربية لكتاب المندائيين المقدس الكنزا ربا، سيقام في إحدى القاعات الأدبية التي تزخر بها مدينة باريس الجميلة.
دعت لهذا الحفل جمعية "الصداقة العراقية الفرنسية"، وقد استضافت الشاعر المندائي الكبير والمثير للجدل عبد الرزاق عبد الواحد لتقديم الكتاب، والحديث عن مراحل ترجمته التي قام هو بوضع الصيغة الأدبية لتلك الترجمة.
أثار الموضوع اهتمامي ورغبت جدا بحضور الحفل. فهذه أول مرة يترجم فيها كتاب الكنزا إلى اللغة العربية، رغم قدمه، ورغم ما يمثله من فكر ديني موغل في القدم. وبالمناسبة فإن المستشرقون الأوربيون ومنذ القرن التاسع عشر قاموا بترجمة هذا الكتاب إلى اللغة السويدية أولا ثم إلى الألمانية والأنكليزية، وتعد ترجمة المستشرق الكبير ليدزبارسكي من أهم تلك الترجمات، والآن ترجم إلى العربية اعتمادا على تلك الترجمات، وهكذا شابت الكتاب تشوهات جادة، وأخطاء لا تغتفر.
أن ذكرياتي مع الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد تمتد لأيام الخمسينيات من القرن الماضي.
أذكره وأنا يافع، وكنت استمع لقصائده التي تمجد الشعب العراقي وتمجد الأفكار النيرة، وتدعو إلى السلام، كان يلقيها على شلة من الشباب، خليط من مندائيين ويهود ومسلمين اجتمعوا صدفة في أحد البيوت الفقيرة في محلة أبو دودو. أكيد أن هذا الاسم سيثير تساؤلاتكم، ولكنني سأعود إليه فلا تستعجلوا.
و عرفت الشاعر كذلك عندما كنت أعمل في دار بغداد للطباعة والنشر، في أيام جمهورية الرابع عشر من تموز، فقد طبعنا ونشرنا له ديوانه النشيد العظيم.
وعرفته في جلسات خاصة جدا مع الأديب المندائي الكبير الراحل نعيم بدوي، حيث كان عبد الرزاق ينشدنا قصائده الشعبية وبعض من قصائده المقفاة، والتي كانت بعيدة جدا، لا بل متعارضة مع شعره الذي ساد حقبة الثمانينيات والتسعينيات، والذي كان يمدح ويمجد السلطان فيه.
أخذت عنوان القاعة التي سيقام فيها الحفل، وكانت الدعوة عامة، وفي اليوم المقرر ركبت قطار الأنفاق إلى أقرب محطة، ومن هناك استأجرت سيارة أجرة أقلتني إلى العنوان المطلوب، فالتفاهم مع الفرنسيين مشكلة للسائح الذي لا يعرف لغتهم.
كنت قد حضرت إلى القاعة مبكرا جدا، فرحت أتجول في معرض الكتاب المقام بالمناسبة، والذي لم أجد فيه كتبا جديدة، ولم يعرض الشاعر عبد الرزاق فيه سوى ديوانا واحدا من دواوينه العديدة، ولكن وللأسف كانت كل القصائد فيه مكرسة لمديح القائد( الفذ، الضرورة، الحفظه الله). اشتريته لا حبا بالقائد طبعا، ولكن كمن يشتري لوحة للشيطان رسمها فنان إيطالي عاش برعاية أسرة متديشي.
جلست في المقهى المجاور أتصفح ما سطرته مخيلة الشاعر في انتظار بدء الحفل. وهناك وجدت أحدهم ينتظر مثلي. كان الرجل شاردا الذهن حتى لم يلتفت لي حين جلست إلى طاولته ومعي فنجان القهوة. كان وجوده هناك صدفة لم أكن أتوقعها، إنه صديقي ثابت.
ربطتني بثابت صداقة قديمة من النوع الذي لا يفرط فيها، وكان لقاءه يفرحني دائما.
آخر مرة رأيته فيها، كانت في بغداد قبل عقد من الزمن. ظل ثابت مصرّا حينها على أن يكون آخر بدوي يودع الصحراء.
كان في الخمسينيات من عمره، امتلك محلا لبيع المصوغات الذهبية في سوق بغداد الجديدة.،وأشاد بيتا على مساحة أرض واسعة في محلة السيدية، وعاش هناك في بحبوحة، فمائدتهم لم تخلو يوما من "البشوش والبط والطيور المحشية" كانت أم شارت تطبخها على الطريقة المندائية، تحضر توابلها بيدها في وصفة خاصة سميت (بهارات صبه). وعلى الرغم من حب ثابت للأطفال إلا أنه لم يرزق بغير بنت جميلة أسماها شارت وهو اسم مندائي.
لعبت الصدف دورا أساسيا في حياة ثابت، والغريب في الأمر أن الرجل كان منظمّا وحريصا على تخطيط حياته بدقة، والتي انتهت بشكل غير مخطط له إطلاقا.
يعيش ثابت اليوم وحيدا في مدينة صغيرة في جنوب مملكة السويد لم يتخيل العيش فيها، ولا حتى عنده علم بوجودها على هذا الكوكب.
تعلم لغة البلد هناك وأضافها إلى حصيلته من اللغات النادرة الاستخدام، والتي كان يتحدث ببعض منها بين الحين والحين، متباهيا أمامنا بمعارفه الواسعة، وخاصة عندما نلتقي مع أجانب صدفة، كان يرطن ببعض الجمل المندائية، ويقول إنها لغة أجداده، ولغة السيد المسيح، ويصر على أن السيد المسيح كان ينطقها، وهنا يحيط نفسه بهالة من المعرفة أمام من لا يعرف تلك اللغة القدسية المندثرة.
بعد العناق وغيرها من طقوس اللقاء، رحت اسأله بإلحاح عن أخباره وكيف يعيش؟ وأين؟ وماذا؟ قاطعني مدليا بتصريحه المعتاد( كل شيء في أوانه)، سوف أحدثك عن كل شيء ولكن ليس الآن دعنا نخرج سوية بعد الحفل إن كنت متفرغا.
راقت لي الفكرة، وخاصة إن سوسن وزوجها مرتبطان بأعمال كثيرة في فندقهم الذي اشتروه في شارع الكاتب الكبير أميل زويا بالقرب من برج ايفل.
أعطيته عنوان الفندق الذي أنزل فيه من باب الاحتياط، وهكذا فعل هو. ولكن قل لي يا صديقي العزيز ثابت، كيف وصلت إلى هنا مادمت تعيش في السويد؟
كان ذلك بمحض الصدفة، وتعرفني كم أكره الصدف، ولكن رب صدفة خير من ألف ميعاد يا أبا يحيى.
رتبت حياتي في مدينة تروسه بشكل قد يبعدني عن الكآبة ورتابة الحياة اليومية في تلك البلدان. فلا قوانين جديدة كل يوم ولا قرارات ولا مكرمات ولا مفاجآت. كل يوم يشبه الذي قبله، لا بل كل عام نسخة من العام الذي سبقه، وهكذا، وبعد أن أنهيت دراسة اللغة، وأصبحت أعيش على مساعدات البلدية، حيث لم أوفق بالحصول على فرصة عمل مهما كانت بسيطة.- العمر يا أبا يحيى وللعمر حوبه هنا-. ليسوا مثلنا، نموت ونحن واقفون، مثل أشجار النخيل.
أنهض صباح كل يوم مبكر، وبعد الفطور أقوم بجولة على الساحل أراقب زوارق الصيادين، يدفعني الفضول أحيانا لرؤية السمك الذي يباع في تلك الزوارق مباشرة، من غير أن أشتري شيئا منه إلا ما ندر. فلم أعتد بعد على القبول بفكرة أن هذا سمك يمكن أكله، فحنيني إلى القطان والبني أو الشبوط، ينغص عيشتي هنا.
اقضي نهاري أحيانا في الغابة المجاورة صيفا، حيث الهدوء والهواء النقي، وهناك أسرح مع الذكريات، أحاول دفنها عميقا.
وعند عودتي ظهرا إلى البيت أسرع إلى صندوق البريد المليء دائما بصحف الإعلانات، ورسائل البلدية، التي لا أفقه منها شيئا. وأظل متلهفا في كل مرة على أمل استلام رسالة من أحد!
ذات مرة وجدت بين الصحف بطاقة بريدية، كتب عليها اسمي وعليها طابع بريد فرنسي، كتبت الرسالة بلغة لم أفقه منها شيئا، لعنت اليوم الذي حشوت فيه المخ بلغات لا يستعملها البشر، المندائية والهورمانية والفارسية، والتركمانية والعربية، وهنا أضفت عليها السويدية. وبعد محاولات عدة، عثرت على من فك لي رموز تلك البطاقة البريدية المكتوبة باللغة الفرنسية، كانت دعوة خاصة لحضور الحفل الذي ننتظر افتتاحه أنا وأنت الآن.
لا أعرف من الذي دعاني إليه، وكيف عثر على عنواني؟ أتكون أنت وراء ذلك؟ فأنا أذكر مقالبك الخفيفة الظل دائما، أتذكر سفرتنا إلى رومانيا؟
لا لست أنا حتما، فأنا لست مدعوا إلى الحفل أصلا، وإنما علمت عنه مساء أمس من بعض الأصدقاء، وأنا هنا في زيارة قصيرة.
وعندها حان وقت الافتتاح، فتركنا ما نحن فيه وذهبنا سوية لنشغل مقعدين متجاورين داخل القاعة، وبذلك حرمني من فرصة التعرف إلى سيدة فرنسية أنيقة كنت أمني النفس بالجلوس بقربها. وحشرت بدلا عن ذلك بجانب رجل عجوز ذو ملامح شرقية.
لم تكن الكلمات التي تعاقب الخطباء عليها تثير اهتمامنا كونها باللغة الفرنسية التي نجهلها.أو حديث إنشاء مكرر فيه الكثير من السفسطة.والتبرير.وبعد الكلمات المملة وعلى هامش الحفل التقينا بالشاعر عبد الرزاق وكان برفقته أحد الصاغة المندائيين اللذين نعرفهم وهو الذي كان مشرفا على مسألة ترجمة وطباعة الكنزا.
وبعد الشروح الغير مقنعة من الأخ المشرف والمعّد لهذه الفعالية، والذي هو صاحب الدعوات التي وصلت واحدة منها إلى ثابت، خلصنا بنتيجة أنهم يقدمون للمندائيين (جمّارة برحي) كما قال بدلا من الكنزا ربا. وبذلك تحول آخر كتاب غنوصي مهم، إلى (جمارة برحي)، أكلوا عوافي!
لقد صيغت الترجمة لتلاءم الوضع السائد في العراق، فلم تكن الترجمة أمينة، وصيغت على الطريقة الإسلامية، ولم يكتفي المشرفون بهذا القدر، وإنما وثقوّا تلك الترجمة كونها معتمدة من قبل المندائيين ككتاب مقدس لهم، وأهدوا نسخة منه مكتوبة بماء الذهب إلى السلطان على أساس أنها الكنزا ربا ولم يكتب تحتها حتى كلمة ترجمة.
تركت الحفل أنا وثابت قبل أن ينتهي لنستمتع بجو باريس، ولنتمم أحاديثنا. وقبل أن نغادر القاعة طلب منيّ جاري العجوز الذي ظل يلاحقني حيثما ذهبت أن نتعارف، بعد أن سمع حديثي مع ثابت عن لقائي بالشاعر عبد الرزاق في أبو دودو. وبعد أن تعارفنا ظهر أنه يهتم بأبي دودو وليس بالشاعر والحمد لله، وطلب مني موعدا للحديث عن بغداد ومحلاته القديمة.
ولكوني خالي الشغل و(أدور طلايب) اتفقت معه على موعد في اليوم التالي، فاليوم هو مخصص للحديث مع ثابت الذي سيسافر غدا.
ودعّت الرجل العجوز وانطلقت مع ثابت، قاصدين شارع الشانزلزيه. جلسنا هناك في إحدى المقاهي المكتظة، نحتسي الجعة ونسترجع ذكريات الأيام الخوالي.
كيف تركت العراق يا ثابت؟ أنسيت ما كنت تقوله، بأنك آخر عراقي يترك العراق؟
نعم أنا العراقي الأخير الذي ترك العراق، فالعراق الآن أصبح للأمريكان والإيرانيين وليس لأهله، وإلى جيوش فدائيي القاعدة والتكفيريين و"اللطامه".
وعند الحديث عن العراق تخلى عن شرب الجعة، وطلب قدحا من الخمر، وهكذا ظل يشربها بنهم على غير عادته، متناسيا بأن المندائية تنهى عن ذلك. ولم تكن تلك عادته في العراق أصلا، ترى ماذا جرى له؟
لقد غدا العراق أرض قاحلة يا أبا يحيى، أصبحت النفوس قاحلة أيضا. لقد جفت فلا حياة أو حياء فيها.
تحملنا أيام الرعب الأمريكي، وتحملنا الصدمة والترويع. وعدونا بالحرية والعيش الكريم، والأعمار والديمقراطية وغيرها، لقد زرعونا في ذلك الوطن مثل كمونه تسقى بالمواعيد، ولكن ما هي النتيجة؟ هل تعلم إنهم قتلوا شنشل أتذكره؟
طبعا أذكره، رحمة الله عليه، لماذا قتلوه ؟ من قتله؟ إنه إنسان بسيط لا تهمه السياسة .
ربما لهذا السبب قتلوه. وجل العراقيين أصبح من التكفيريين. أصبحوا وكلاء لرب العالمين في العراق، والإنسان البائس يحتاج إلى ربه، نعم، عندهم من رب العالمين (وكالات رسمية ومصدقة من قبل الكاتب العدل).
اختطفوا ولدا شنشل الصغيرين آدم وسام أخذوهم إلى جهة مجهولة، وهناك ختنوهم ، ثم أعادوهم للبيت ودمائهم تصبغ ملابسهم، جن جنون شنشل.وراح يبحث عن الخاطفين من جامع إلى جامع، وفي كل مكان يجمع الناس حوله يذكرهم بما جاء في القران من تسامح، مستشهدا بآية من هنا وأخرى من هناك، معاتبا من يعرف ومن لا يعرف،صارخا ألا تؤمنون بالقران؟ (إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صلحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون). يا ناس تقولون لا إكراه في الدين ما هذا إذن ؟ ( أتأمرون الناس بالحسنى وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتب أفلا تعقلون)،(ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء) ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت) وظل يعدد الآيات ويصرخ ولكن دون جدوى، إننا آمنا بالله قبلكم أنسيتم قول الله (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء).
ظل شنشل ولثلاثة أيام ينوح في البيت على أولاده الذي كان يمني نفسه بأن يصبحوا مندائيين صالحين، وظل يدور في المساجد حتى اختطفوه أخيرا ثم ألقوه جثة أمام داره، ومعه رسالة تقول أن لا مكان للكفرة في العراق المسلم!. أسلم تسلم.
وهل تظن أن المسألة تنتهي بذلك؟ كلا، فالمصيبة إنك لا تعرف حتى أي إسلام تسلم به كي تسلم؟ أهو الإسلام الشيعي أم السني؟ ولو غامرت بأحدهم فهذا لا يكفيك لتنجو بجلدك.
تصور عندما أراد أخوه دفنه في مقبرة المندائيين في أبو غريب، أضطر أن يتفق مع جماعة من السنة، ويدفع لهم مبالغ كبيرة، ليسمحوا للجنازة أن تمرّ إلى المقبرة، فسائق السيارة التي تنقل الجنازة لا يجازف بالذهاب أبعد من العامرية، وهناك أعطى السيارة لأخي شنشل، وساقها هذا حتى وصل إلى نقطة سيطرة سنية، وهناك وجد الذين اتصل بهم بالأمس، و دفع لهم الفدية وركب أحدهم معه إلى المقبرة. وبعد الدفن عاد معه وسمح له بعبور السيطرة من جديد، وعلى بعد مئات الأمتار وجد السائق ينتظره في نقطة السيطرة الشيعية!
وعلى قول أم تحسين تذكرها؟ جيراننا بالسيدية .
شتكول أم تحسين؟
(ولك صار لي أربعين سنة ويه أبوك وما عرفته سني لو شيعي).
المهم لم يعد لي مكان آمن في تلك الصحراء، أو الغابة الدمقراطية،
أو جنة بوش التي وعد العالم بها، سميها كما تشاء بعد أن ماتت أم شارت من الهم.
أم شارت ماتت؟ رحمها الله كم كانت طيبة وفاضلة، البقاء في حياتك أبو شارت. كيف حدث ذلك، ومتى؟
نحن المندائيون نتعرض لعملية إبادة حقيقية اليوم، في العراق، لقد أخذوا مني مهجة قلبي شارت، نعم اختطفوها من أمام الجامعة، دفعت لهم كل ما أملك وحتى داري رهنتها، وتوسطت عند كل أئمة المساجد من أجل أن أراها، وبعد جهود لا تصدق أخذوني وأمها لنراها لدقائق فقط.
سالت دموع صامتة على خدها عند رؤيتنا، جاءتنا ملفوفة بعباءة شرعية، ثم راح خاطفها يهددنا بأن نبتعد عنها فإنها زوجته على سنة الله ورسوله.
رجعنا إلى البيت قانطين، لم تتحمل أمها الصدمة وماتت بين يديّ.
لم يبقى لي أي خيار غير الهجرة مهما كلف الثمن، فتركت كل ما تبقى وهربت في ليلة مشئومة.
لا تسألني كيف دبرت فلوس الطلعة من العراق؟
لم يبقى عندي سوى تلك الدار المرهونة، لم يعد بمقدوري الوصول إلى "بغداد الجديدة" لأرى المحل.
مرة استأجرت سيارة أجرة لتنقلني من السيدية إلى بغداد الجديدة، كان سائق تلك السيارة وهو من جيراننا يتباهى كون اسمه كما مكتوب في بطاقته، وفي رخصة السواقة، عمر علي داحي الباب، ففي المناطق السنية يكفيه أن اسمه عمر، أما في المناطق الشيعية فهل هناك أفضل من لقب داحي الباب وهكذا كان يكسب رزقه في كل مكان.
عند مدخل جسر الجادرية رأيت سيطرة تقف عند مدخله، ساورني قلق كونها سيطرة وهمية، طلبت من السائق أن يوقف السيارة بعيدا عنها، لكنه رأى من الأفضل البقاء ومواصلة الطريق، وعندما وصلنا إلى هناك أنزلونا وأخذوا يسألونه من أين هو، ومن أي عرب، وما هو اسمه ؟
لا أطيل عليكم الكلام، لم يسمعوا منه غير اسمه ولم يلتفتوا لداحي الباب، فسحب أحدهم سكين كبيرة كأنها السيف( قامه) وأطاح برأس المسكين وترك الدماء تنطلق من رقبته وكأنها نافورة!.
لم يبقى عندي أي أمل بالنجاة وأنا المندائي بعد أن قتلوا السائق لمجرد كون اسمه عمر. كيف سأنقذ روحي واسمي مكتوب في الهوية ثابت ابن زهرون ؟
في هذه الأثناء حدث ضرب رصاص في الساحة المجاورة لا أعرف مصدره أو سببه، ومرت بالقرب منا دبابة أمريكة وأخذت ترمي عشوائيا. فرّ أفراد السيطرة الوهمية عليها.
ركضت إلى الجهة الثانية من الشارع أثناء انشغالهم، بالرد على الأمريكان، وعدت مهرولا بين البساتين إلى الدار.
كانت مجازفة غير مبررة، كنت أمني نفسي بأن أجد دكاني سالما، وقد أستطيع بيعه أو بعض أغراضه. لكنني علمت لاحقا أن الدكان قد سلب بما فيه، فرهود، أتذكر فرهود اليهود؟.
بعت الدار، وبما تبقى من نقودها اشتريت بها دولارات وهربتها وهربت بها.
من حقكم أن تسأل كيف استطعت بيع الدار في مثل هذه الظروف؟
إنني حتى أخشى سرد هذه التفاصيل، ببساطة إنها قصة لا تصدق:
علمت أن هناك موظفة في طابو الكرخ، تأخذ خمسة وعشرين بالمائة من كل صفقة بيع تقوم بها، وتتم العملية كما يلي:
عندما تقوم بعملية مثل هذه، تأتي بسيارة لاندروفر ومعها حماية مسلحين، تحمل على صدرها سجل الطابو الحكومي الكبير!
تجلس في البيت المراد بيعة بين البائع والشاري، وكأنها قاضي يعقد مهرا على مذهب أبا حنيفة النعمان. وتنجز معاملة التوقيع على البيع بشكل أصولي، فيأخذ البائع المبلغ المتفق عليه، وتأخذ هي نسبتها، ويستلم الشاري سند الشراء،بعد أن يوقع الطرفان في السجل. وكل واحد يذهب لحاله.
كان اسمها أمل، رجوتها ودفعت لها مبلغا إضافيا لأجل أن تأخذني بسيارتها لشراء دولارات بتلك النقود.
بسيطة سيد ثابت، أعطي لمبلغ للأولاد وسوف يشترون بها الدولارات التي تريدها وحسب سعر السوق،وأنت أكرمهم بعد ذلك حسب ما تراه، وسأبقى أنا هنا لحين عودتهم.
وهكذا ذهب الأولاد كما تسميهم أمل، وأعددت أنا الغداء معها لحين لحين عودة (الولد).
عادوا بعد وقت ليس بطويل، وجلبوا لي الدولارات، لم أحسبها أو أفاصلهم عليها، ولكن كان كل هميّ أن لا تكون الدولارات مزورة. أعطيتهم قسما منها، وتناولنا الغداء وذهبوا لسبيل حالهم.
هكذا أصبح حال الذي تسميه وطن، تفو على هيج قادة باعوا الوطن وباعوا القيم بثمن بخس، وأوصلوا العراق وأهله إلى هذا الدرك.
أما كيف وصلت إلى السويد؟ فتلك مصيبة أدهى.
دعني عزيزي أبو يحيى من هذا الموضوع، مجرد تذكر تلك الأيام تثير في نفسي الرعب إلى حد الموت.
تصور يلقي بك المهربون في زورق صغير جدا وسط البحر ثم يتركوك لوحدك هناك تصارع الموت لثلاثة أيام أمام الساحل السويدي، إلى أن يأتي خفر السواحل فينقذوك في آخر لحظة بواسطة المروحية.
لم أعد أميز بالضبط بين الصحّ والخطأ. العهد الملكي عميل، وقاسم مستبد، طيب كرهنا نظاما البعث وأجهزته الأمنية، ما البديل الذي أعطوه لنا؟ وهل تستحق هذه الديمقراطية التي يتشدقون بها كذبا، حياة مليون إنسان؟ هل تستحق كل ديمقراطيات العالم دمعة ابنتي، وموت أمها كمدا عليها؟
أصبحت أكره نفسي كوني عراقي لا بل كوني من بني البشر حتى.
هون عليك يا ثابت، الحياة لازالت أمامك والسويد بلد رائع.
أقلب صفحة، لننسى الهموم.
أقلب صفحة؟ إذا فرغ ما في نفسي من حزن والآم ، بماذا سأقضي بقية العمر؟
رحت أواسيه وأسايره في شجونه محاولا ببلاهة التخفيف عنه بالحديث عن رومانيا، وعن الحزب الذي استضافنا، ولكنه لم يسمع مني شيئا وكان قد سرح في عالم ثاني.
وهكذا قضينا تلك الأمسية عبثا حاولت خلالها مسح دمعة ثابت. ودعنا بعضنا على أمل التواصل في المستقبل.
عدت إلى الفندق، كنت متعبا من كثرة الأحداث، ولازمني صداع بسبب كثرة ما شربنا في تلك الليلة. الكوابيس والأحلام المزعجة نغصت ليلتي، فصحوت متعبا مثقل الرأس، وبعد فنجان من القهوة، ووجبة خفيفة من (الكرواسون) بالزبد والمربى، عاد لي بعض مزاجي، فذهبت لموعدي مع الرجل الشرقي، وكم تمنيت أن لا يتم ذلك الموعد، فأنا متعب وحزين جدا، وليس لي مزاج بالحديث مع أحد، وخاصة مع هذا الرجل الغريب، ولكنه موعد يجب الوفاء به، هكذا تربينا.
كان لقاءه لي حارا، وكأنه ينتظر تلك المقابلة منذ أمد طويل، أخذني لأقرب مقهى وكانت خالية من الزبائن تقريبا، وأمام فناج من القهوة دار بيننا حديث غريب.
سألني قبل كل شيء هل صحيح إنني نطقت بكلمة أبو دودو بالأمس وأعنيها؟ هل زرت ذلك الحي أو سكنت فيه؟
بالمناسبة كان يتحدث معي بلهجة بغدادية أصيلة مع لثغة بحرف الراء واضحة ومحببة، والحديث كان يتعثر بين طاقم أسنانه. كان اسمه عزرا، عراقي المولد، نشأ في دروب أبو سيفين، ترك العراق في بداية الخمسينيات من القرن الماضي وهاجر إلى فرنسا.
أرجو أن تحدثني يا سيد زاهر عن أبو دودو وسوق أبو سيفين، لقد عشت هناك، ويهمني جدا أن أسمع من يتحدث عنهما.
سيدي الكريم، لقد مضى أكثر من نصف قرن على أيامي التي عشتها هناك. ولم يظل في غربال الذاكرة منها إلا حادثة لن أنساها حتى الممات، وبعض الذكريات عن الشاعر العراقي عبد الرزاق عبد الواحد الذي كان يتردد هناك. وأذكر الرجل اليهودي الوقور الذي كان يسكن جنبنا واسمه أبو عبد الله! فقد كان ابنه شيوعيا سجينا مع أخي.
حدثني أرجوك عن أي شيء تتذكره، حتى لو كان بسيطا أو تافها.
سيد عزرا إذا كان الأمر إلى هذا الحد يهمك سأترك العنان للذكريات وأنت ونصيبك، ولكن قبل هذا دعني أحدث القارئ عن أبو دودو فلا أظن أن أحدهم منهم يعرف عن تلك المناطق، وتلك الفترة من حياة سكان بغداد.
عندما تقطع سوق الشورجه قادما من جامع الخلفاء، تصادفك مجاميع من الطرق الضيقة التي تصب كلها في السوق من كلا الجهتين، وكأنها سواقي تصب في مبزل ضيق، فسوق الشورجة أوسع من تلك الطرقات بقليل، لذا ترى الناس يفيضون فيه وكأنهم في موسم الحج يدفع بعضهم بعضا.
وبعد أن تعبر علاوي الفاكهة، والتي كانت تقع في آخر السوق بالقرب من شارع غازي ( شارع الكفاح اليوم)، المهم بعد أن تعبر الشارع تصل إلى سوق أبو سيفين. سوق ضيق جدا زاد في ضيقه بسطات الخضار التي أمام الدكاكين، فلم يكن المرور من بينها سهلا خاصة أن مجاري تصريف مياه المطر مكشوفة وتقسم السوق إلى قسمين. تتفرع من سوق أبي سيفين طرق ضيقة أصبحت سكنا لفقراء اليهود في الغالب، فدرب الطاطران يؤدي بك إلى سوق حنون وسوق الدجاج. ودرب أبو دودو يأخذك إلى ساحة السباع المشهورة وإلى حمام المهدي، أما من الجهة المقابلة فتطالعك الكولات وبني سعيد التي تأخذك إلى ساحة الوصي( أظنها اليوم ساحة النهضة) "لا نهضنا!" وعقد الأكراد. وخلف السوق يأتي شارع الشيخ عمر، وهناك تقع مقبرة اليهود.
عشت هناك أنا وأمي، بعد أن مات أبي وسجن أخي. في غرفة صغيرة، في بيت قديم ليس فيه غيرها، عدى السرداب الذي تحتها والمقفل منذ عهود، لتسكنه شتى أنواع الحشرات، فتنبعث منه دوما روائح نتنة، أحيط سطح الدار بسياج من الصفيح المضلع عبثت به عوامل الزمن .
استرسلت في الحديث وعزرا ينصت لما أتفوه به فاتحا فمه، كأنه يلتقط الكلمات بحذر خوفا على ضياع واحدة منها.
هناك وفي تلك الدار، تحسست رجولتي لأول مرة، ولكون الدور متراصة ومكتظة بالسكان، وهم من مختلف الأديان، فكان البيت الواحد يضم يهودا ومندائيين وبعض المسلمين أحيانا، وكانت الحشمة والصرامة متساهل فيها كثيرا. فجيب مفتوح هنا يكشف عن نهد تحول إلى كيس هزيل من كثرة الرضاع، أو آخر هناك يعارك زرار القميص المفتوح أصلا، وسيقان هناك تكشف عن ألوان مختلفة لملابس النساء الداخلية من مختلف الأعمار، وهذا يحتضن زوجته، وآخر يغازل جارته بالمختصر هوسه وهايسه.
صيف بغداد لآهب كما تعلمون، ولا ألذّ من النوم على السطوح تحت ناموسية تقيك لسع البعوض. كنت أنام على السطح كالعادة، لا يفصلني عن ذلك الزقاق سوى تلك الصفائح القديمة والتي غدت كالغربال من كثرة المسامير التي مرتّ عليها . أتلصص على النوافذ المحيطة بالدار من تلك الثقوب، أحيانا بدافع غريزي وأحيانا بدافع الفضول.
وفي البيت المقابل لنا، والذي لا يفصله عنا سوى زقاق ضيق جدا قد لا يزيد عرضه على المتر والنصف. كان هناك ذات يوما جلبة وشبه زفة لعرس متواضع. اثنان أو ثلاثة شبان أوصلوا العريس إلى تلك الدار دون عروس، فتحوا الباب بمفتاح كبير، وقفلوا الباب خلفهم وعادوا أدراجهم.
دخل العريس وحده مزهوا إلى الغرفة، وكانت النافذة الصغيرة الوحيدة فيها مفتوحة، ولا تحجبها أية ستائر. و مصباحا صغيرا يراقص الظلال وسط الغرفة.
أما العروس فقد جلست منكمشة على نفسها فوق أرضية الغرفة. كنت أميز ملامحها جيدا، كانت صغيرة السن وترتعش من الخوف، كأنها شاة أمام جزار.
راح العريس يلاطفها وهي تبعد يده عنها، فيمررها على شواربه ليبرم أطرافها. ويحاول معها مرة أخرى لكنها كانت تزداد انكماشا وخوفا، ثم أطفئ الضوء ولم أعرف باقي التفاصيل.
سهرت الليل بطوله،( ألا أيها الليل الطويل ألا اينجلي؟)، ولم تأخذني فيه غفوة.
وفي الصباح الباكر نهضت من الفراش مسرعا وأزحت جزأ من الناموسية والتصقت بالسياج لمعرفة آخر أخبار العرسان.
لم يغلقوا ذلك الشباك وكان ضوء النهار ينير بعض أركان الغرفة. العروس لا تزال ترتدي ملابس العرس، والعريس واقفا وفي يده سوط، كان يستخدمه في حث البغال الثلاث التي يمتلكها على السير والتي كانت تمثل شركة نقل بالنسبة له.
انهال على الفتاة ضربا بذلك السوط، ففزت من غفوتها مرعوبة، وأخت تتوسل به ليتركها دون جدوى، ولما لم تجد من ينقذها استسلمت له. في البداية كانت تتركه يفعل ما يشاء وكأنها غير معنية بذلك، ومن ثم راحت تعضّ على صرخات اللذة .
كان العريس شاب مسلم من الذين يدّعون الفتوة ( شقاوة) في محلة أبو دودو. بعد أن قضى منها طوره تركها وحيدة في تلك الغرفة، وخرج من الدار بعد أن قفلها وراءه دون مبالاة.
رأيته بعد ساعة في السوق يسوق بغاله إلى العلاوي ليلحق رزق ذاك اليوم كأن شيئا لم يكن!
شاع خبر تلك العروس في ذات اليوم، وأخذت التفاصيل تتجمع عنها بسرعة، على الرغم من أحد لم يلتقي بها أو يراها غيري.
فالفتاة يهودية الديانة صغيرة السن، وأسلمت. أجبرت على تلك الزيجة بطريقة أو بأخرى، وأن أهلها لا علم لهم بذلك، ولا يعلمون حتى أين اختفت ابنتهم المدللة.
كان أسمها على ما أذكر راشيل كما أشيع، ولكنها هربت بعد مدة قصيرة .
بعد الأيام الثلاثة الأولى لم أعد أراها، فقد أغلقت تلك النافذة التي كنت أتلقى فيها الدروس الأولى في الثقافة الجنسية، ربما شعر الرجل بأن هناك من يتلصص عليهم، أو ربما أغلقها صدفة.
نهض عزرا واقفا، ثم ترنح وهوى على الكرسي مرة أخرى، أسرعت له بقدح من الماء، قلقت عليه حقا فقد كان للقصة وقع الصاعقة عليه. بعد أن استعاد بعضا من رباطة جأشه، التفت نحوي محدقا في عيوني ثم قال:
أتعلم أن راشيل التي تحدثت عنها، أختي الصغرى، وقد اختفت ذات يوم بعد عودتها من المدرسة، ولم نعثر عليها إلا بعد أسبوعين من اختفاءها، وقد ساعدنا العم الياهو والذي تسميه أنت أبو عبد الله في تهريبها وإعادتها لنا.
قاطعناها في البداية، وخاصة أنا فلم أحدثها، ولا حتى أنظر لها ، على الرغم من دموعها وتوسلاتها. كنت أظن بأنها كانت متواطئة مع ذالك الوغد، ولم نصدق روايتها بأن ذلك الوغد قد اختطفها وخبأها في كيس هو وأخوه، وأوصلوها إلى دارهم في أبو دودو على بغلة. وهناك جاءوا برجل دين مسلم معمم وعقدوا عليها، فأصبحت زوجته حسب شريعتهم.
وقد أقسمت بأغلظ الأيمان بأنها قاومت تلك الزيجة قدر استطاعتها. لقد كانت راشيل طفلة في الرابعة عشر من عمرها في ذلك الحين. لم نعرف تلك التفاصيل التي حدثتني للتو عنها. وها أنت شاهد الصدفة الوحيد على صدق روايتها.
إنني أعيش هنا في باريس، وراشيل تعيش مع أسرتها في بوردو . أدعوك وأتوسل إليك أن تقبل دعوتي بزيارتنا، لتقص عليهم شهادتك. فقد ظلت راشيل تبحث عن أي دليل يثبت صدق روايتها طيلة الخمسين سنة الماضية، رغم أننا سامحناها وبذلنا الكثير لنهرب معها من العراق فور استعادتها، لقد اضطررنا لترك كل ممتلكاتنا وأخذنا معنا فقط ما خف وزنه.
أنا آسف حقا يا سيد عزرا، إننا المندائيون مررنا بمصائب أكبر من تلك، وأنا متعاطف جدا معك، ولكنني لا أستطيع تلبية دعوتك، فإنا لا أعيش في فرنسا وإنما في بلد آخر وسأعود لبلدي صباح غد، ولا أعدك بلقاء ثاني وأعتبر القصة كلها صدفة. فلي أسبابي وبعضا من أهلي لا يزال يعيش في العراق، ولا أريد لثرثرتي أن تزيد همومهم، فيكفي أن تلتقي بأي فرد يهودي هنا لتصب عليك لعنات عدنان و قحطان.
وداعا سيدي الكريم، وحقا إن المصائب يجمعن المصابين.
عدت من ذلك اللقاء مهموما. عدت أسترجع أيام بغداد، جئت لباريس أخفف من همومي، فعدت محملا بهموم غيري.
وهنا وأنا في عام 2008 أكتب لكم تلك السطور. أعيش مع الذكريات متطلعا لسماء تلبدت بالغيوم، وأمامي قصيدة كتبها شاعرنا( المثير للجدل) عبد الرزاق عبد الواحد أختم ببعض أبياتها حديثي الحزين وذكرياتي الماضي المفقود:

دمع لبغداد..دمع بالملايين
من لي ببغداد أبكيها وتبكيني؟
من لي ببغداد..؟ روحي بعدها يبست
وصوّحت بعدها أبهى سناديني
عدّ بي إليها..فقير بعدها وجعي
فقيرة أحرفي.. خرس دواويني
قد عرّش الصمت في بابي ونافذتي
وعشعش الحزن حتى في روازيني
والشعر بغداد، والأوجاع أجمعها
فانظر بأي سهام الموت ترميني!
انتهى




#عبدالإله_السباهي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصابئة المندائيون


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالإله السباهي - الصدفة