عبداللطيف الحسيني . غسان جان كير
الحوار المتمدن-العدد: 2439 - 2008 / 10 / 19 - 01:05
المحور:
كتابات ساخرة
( الخنوع. القمع . السكوت . الصمت .كمّ الأفواه . الجبن ) : مُفردات تُلازم , بل تلتصق بحياتنا الخاضعة الخانعة كالجلد . من المُستحيل أن نتركها . وان تركناها تكون أمامنا وخلفنا وتحتنا وفوقنا. لثقافة الخُنوع طُرق وأساليب يُتقنّها , بل برع وابتكرها من يُريد أن نكون مُطأطئي الأرواح قبل الرؤوس . وفي ذلك بلاغة يعرفها القامع والمقموع معا . لا القامع يرتاح إلا أن نكون أكثر خنوعا , ولا المقموع يرتاح إلا أن يتخلص من جبنه الداخلي الذي طال منذ أن أنجبتنا أُمهاتنا , وفي أفواهنا ملاعق صدئة من الخنوع الذي ولدنا معه , ولازمنا في ( ما يُطلق عليها ) : أزهى مراحل عُمرنا حيث قُمعنا في ثقافتنا . مُنعنا أن نقرأ ما تقوله المرحلة بشفافية. فتصوروا أن نقول لصديق ماعن قراءتنا ل ( لثورة الفكر تاريخ يُحدثنا ........ للجواهر الكبير ) نقول له همسا حتى لا تسمعه آذان رقيب بعيد منا ولكن ( كله آذان صاغية إلينا وحدنا ) . هذه غيض من فيض قمعنا . كيف سنكتب قصيدة ’ أو ندون تحقيقا عن حادثة ما , وعشنا ونعيش في حقلٍ مخنوق و ملغوم .
وللخنوع أشكال سياسية وثقافية وفكرية واجتماعية ودينية .......
كان الخانعون معدودين ويُضرب المثل فيهم لأنهم يخضعون لأوامر زوجاتهم فقط . والآن بات الرجل امرأة أحايين . بتنا خانعين للمسلسلات ( وغالبا تكون سخيفة ) وهذا السخف كله يمنعنا من ممارسة حقنا في الحياة.
حيث المسلسلات تؤجل , بل تُلغي مواعيد هامة . مُخطط لها مُسبقا . تلك المسلسلات التي تزرع وتفرض خنوعا علينا , وكان يجب أن تثورنا وتمنحنا طُرق التخلص من ثقافة الخنوع . كي لا يفوتنا تحليل مفاده : أن المسلسلات تلك تعزز الخنوع . إضافة إلى كل ذلك ثمة إعلانات تؤلّب أطفالنا علينا . لنزداد خنوعا على خنوع : يطلبون تلك اللعبة المُسلية التي شاهدوها . ولأننا لا نستطيع تلبية طلبهم , فيذهبون إلى زاوية ميتة خانعين مدحورين مُنهزمين مقهورين , وكأنهم في معركة معنا . كان الأبُ فيها بطلا مُنتصرا , والأولادُ أعداء ألداء , يجب إسكاتهم بصفعة على خدودهم التي بانت عظامهم خلالها . فعلنا ونفعل ذلك معهم لا لأننا لانملك مالا فقط . بل لتهيئتهم لصفعات أقوى وأشد , ولابد من تدريبهم على الصفع , وسوف يتلقونها , لا منا هذه المرة , وإنما من الذين تلقينا نحن صفعات ’ وركلات منهم , وكأننا في حلبة مُصارعة (الثيران ). هل رأيتم تعريفا للخنوع أعظم من ذلك .
لا نتحدث عن الخنوع المُجرد . ما أشبهه بقبض ريح . انه في كل زمان ومكان. فلن نتحدث عن نشرات الأخبار التي تُعسل غدنا , وتصفه بأرقى الصفات والملامح ( بل بأرقى الصفعات ) . والحقيقة تقول عكسها . تلك الأخبار إن صدقناها فسوف نكون خانعين لها , ونصطدم بالواقع في اليوم التالي الذي وعدنا به . ويجب علينا أن نكون على يقين بان ما قيل في الأخبار صائب , ولا تشوبه كذبة أو نفاق.
لماذا ؟ الجواب : اقرأوا العنوان , أو لا تقرأوا . وهذه أيضا من ثقافة الخنوع و الإجبار .
ولن نتحدث عن الشكل المرير الآخر للخنوع خاصة بالشأن العام , حيث ترتفع الأسعار بشكلٍ قرصني , ومع ذلك الخنوع يتحدث في داخلنا , ويقول مُتمنياً : أن تقف الأسعار عند هذا الحد . فمثلا لتر ( الماظوط ) ب (25) ل.س فتمنينا ألا يرتفع إلى خمسين . وللتذكير , ولو أن القراء ليسوا بحاجة إليه: كان سعر اللتر سبع ليرات سورية فقط لا غير . وقس على لتر ( الماظوط ) كل شيء ضروري يمس لحظات الفرد , لا يومه فقط . ولن نتحدث عن موظفٍ في دائرة خدمية لا يتقبل , بل يرفض تسيير شأنٍ أُسريٍ . ويُنبذ أوراقنا من يدنا اليمنى ما لم تُعطعه اليسرى مالاً يطلبه بكل وقاحة وصفاقة لسان وبذاءته , فما علينا إلا أن نُخفض له جناح الذُل صاغرين خانعين .
لكن حالة الخنوع الأمرّ. (والخنوع مُرٌ أصلا ) , هي تلك الحالات المُتكررة التي تُصبح عيوننا مُنصبة على الأرض . ودواخلنا تتفطر . بل تموت في تلك اللحظة آلاف المرات , عندما تُحد ق عين شخص غامض , وغريب , وتُمعن النظر في عيوننا الدامعة المُنكسّرة الذائغة المقتولة بل الميتة . و ربما لم يفهم البعض من حالة الخنوع الأخيرة إلا إذا قرأ ما بين سطورها. ونظن , بل نُجزم أن الكل مر في تلك اللحظات التي تمنى ألا يأتي إلى هذه ( الحياة الفانية ) : كما يقول المسنون.
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟