أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - راندا جمال - العالم اليوم جزيزة من الاغنياء تحيط بها بحار من الفقراء















المزيد.....


العالم اليوم جزيزة من الاغنياء تحيط بها بحار من الفقراء


راندا جمال

الحوار المتمدن-العدد: 2433 - 2008 / 10 / 13 - 04:48
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


السؤال المطروح هو هل وصل وضع الفقراء في العالم إلى هذا الحد من الخطورة ؟ وما هي الأسباب الكامنة وراء هذه المعضلة؟ وهل يبذل الأغنياء في العالم الجهد الكافي لمعالجتها؟ وهل هنالك نتائج خفية لهذه الظاهرة غير الجوع والمرض والموت؟
لقد دأبت منظمة الأمم المتحدة كل سنة على نشر الكثير من الأرقام التي سأوجز بعضها قبل الدخول في الحقائق التي تدين "جزيرة الأغنياء" أو الدول الأكثر غنى في العالم، والتي تحملها جزءا كبيرا من المسئولية عن حالة الفقر التي تسود كوكب الأرض والتي تعطي فكرة عن حجم الأزمة التي تقترب كل يوم من حدود الكارثة.

- يعيش فوق كوكب الأرض 6 مليارات من البشر يبلغ عدد سكان الدول النامية منها 4.3 مليارات، يعيش منها ما يقارب 3 مليارات تحت خط الفقر وهو دولاران أميركيان في اليوم، ومن بين هؤلاء هنالك 1.2 مليار يحصلون على أقل من دولار واحد يوميا.
- وفي المقابل توضح الإحصاءات الغربية بالأرقام أن الدول الصناعية تملك 97% من الامتيازات العالمية كافة، وأن الشركات الدولية عابرة القارات تملك 90% من امتيازات التقنية والإنتاج والتسويق، وأن أكثر من 80% من أرباح إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر في البلدان النامية يذهب إلى 20 دولة غنية.
- وفي البلدان النامية نجد أن نسبة 33.3% ليس لديهم مياه شرب آمنة أو معقمة صالحة للشرب والاستعمال، و25% يفتقرون للسكن اللائق، و20% يفتقرون لأبسط الخدمات الصحية الاعتيادية، و20% من الأطفال لا يصلون لأكثر من الصف الخامس الابتدائي، و20% من الطلبة يعانون من سوء ونقص التغذية.
- وفي المقابل تبلغ ثروة ثلاثة من أغنى أغنياء العالم ما يعادل الناتج المحلي لأفقر 48 دولة في العالم، كما أن ثروة 200 من أغنى أغنياء العالم تتجاوز نسبتها دخل 41% من سكان العالم مجتمعين. وتوضح الدراسات أنهم لو ساهموا بـ 1% من هذه الثروات لغطت تكلفة الدراسة الابتدائية لكل الأطفال في العالم النامي.
- وبينما يموت 35 ألف طفل يوميا بسبب الجوع والمرض ويقضي خمس سكان البلدان النامية بقية اليوم وهم يتضورون جوعا، تقل المساعدات المخصصة للدول الفقيرة عن طريق منظمة الأمم المتحدة عما تنفقه تسعة من البلدان المتقدمة على غذاء القطط والكلاب في ستة أيام فقط.
وتبرز كل هذه الأرقام الخلل الكبير الحاصل في تمركز رأس المال العالمي، وهو خلل لا يمكن تجاهل تفاعلاته السلبية وما يترتب عليها من آثار وخيمة على البشرية، كما توضح ما آل إليه حال الإنسانية في التغاضي عن هذه الفضيحة الأخلاقية التي تهدد على نحو خطير السلام الاجتماعي.

و الأخطر من ذلك هو ما تشير إليه البحوث والدراسات وصيحات الخبراء التي تضيع وسط الصرخات الأعلى، حيث يؤكد هؤلاء أن وضع الفقراء اليوم يرجع لأسباب كثيرة لا تتمثل فقط فيما ترزح تحته الدول النامية من جهل وتخلف وغياب للديمقراطية التي تمثل سيادتها الجو المناسب لتصميم الحلول وتطبيقها، لكن الدول المتقدمة أو الدول الأغنى تتحمل الجزء الأكبر من تلك المسئولية. ويؤكد هؤلاء أن هذه الأسباب حولت الوضع الاقتصادي العالمي إلى مصب سحيق تجري فيه ثروات العالم إلى جيوب الأغنياء ليزدادوا غنى، وأن الوضع بلغ حدا من الخطورة تصعب معه الحلول الرامية إلى الحد من هذا الانحدار وبقاء النزر اليسير من هذه الأموال في جيوب الفقراء الذين يزدادون فقرا.

ففى القرن العشرين جاءت الفلسفة المادية بتفسير للحقيقة خاص بها وهى ان المفهوم المادي أصبح الدين العالمي المسيطر إلى حدٍ ما على الاتجاهات التي يسلكها المجتمع وهكذا تولت الإنسانية زمام أمورها بيدها وصُوِّر لهم أنهم قد توصلوا بواسطة الاختبارات العلمية والحوار الفكري ، إلى حل جميع المعضلات المتعلقة بالقضايا الرئيسية الخاصة بتطوير الإنسان و كانت تلك هي نقطة البدء في فصل الروح عن الجسد ؛ روح الدين ، عن حل مشكلات عانت وتعاني وستظل تعاني منها البشرية طالما الفصل قائمًا وإني لا أراها سوى شرارة الاشتعال التي أصيبت بها البشرية ليتجلى أمامها كيف أن الفلسفة المادية عندما تحتل فلن تُحدِث إلا خواءً روحيًا في النفس البشرية .

وهنا يتبادر لذهني ما تفضل به حضرة بهاء الله في الكلمات المكنونة :
يا حبيبي بالقول
( تأمل قليلا : أسمعت قط أن الحبيب والغريب يجتمعان في قلبٍ واحد ؟ إذًا فاطرد الغريب حتى يدخل الحبيب منزله .)

يا ابن الأرض
( إن أردتني فلا تُرد سوائي وإن ابتغيت جمالي فاغمض عينك عن العالمين لأن ابتغائي وابتغاء غيري كالماء والنار لا يجتمعان في مهجةٍ واحدة ولا في قلبٍ واحد . )

وهذا ما حدث فالإرادة الإلهية أرادت اليوم اتحاد الجنس البشري ، والفلسفة المادية المسيطرة والمتحكمة أرادت تحقيق طموحات الجنس البشري اللامتناهية ؛ والتي بدلا من أن تكتسب صفة الجماعية لتحقيق خير ورخاء الجنس البشري وجدناها تكتسب صفة الفردية ، لتجد تلك الهوة السحيقة ما بين أفراد وأفراد ، وما بين دول ودول ، فكل يسعى لتحقيق طموح شخصي لا متناهي ، ولا يأبه بأن العالم الإنساني ما هو إلا جسد واحد كل يؤثر على غيره
فبدل أن يؤدي المجهود الجماعي الذي بدأ يُمثّل هذه الآمال العظيمة إلى تضييق الهوة الفاصلة بين أحوال القسم الضئيل من العائلة الإنسانية من الذين يتمتعون بنعم الحداثة وبين أحوال الأغلبية العظمى من البشر الغارقين في بؤرة الفقر واليأس ، فقد أدى ذلك إلى اتساع تلك الهوة اتساعًا هائلاً قاد إلى الحضيض
وكان هذا نتيجة لطبيعة الفلسفة المادية والتي ربما سيطرت دون أن ندري ولعلنا لم ندر بعد ؛ والتي تسعى لتحقيق الرخاء كل الرخاء لمن يملكون آليات تحقيقه – دولا أو أفرادًا – وذلك دون وضع أي اعتبار لمن لا يملكون آليات تحقيقه ، أو فلنقل من لم يُمكّنوا من امتلاكها ، فأصبح الشغل الشاغل هو كيفية امتلاك آليات التحقيق مع عدم تمكين الآخرين

أنه مما لا شك فيه أن ما يحدث اليوم من اضطرابات اقتصادية وغلاء في مستوى المعيشة في كافة أنحاء العالم ما هو إلا حلقة من حلقات انهيار نظام اقتصادي قائم على أسس مادية بحتة نظام يعطي فقط لمن يملك الآليات ولا يُمكِّن من امتلاك تلك الآليات
حتمًا سيحدث الانهيار لتجد البشرية نفسها مدفوعة ومُسيّرة نحو نظام اقتصادي قائم على تحقيق الرخاء لأبناء الجنس البشري كافة ؛ من يملك الآليات ومن لايملك الآليات ، قوامه العدل بين أبناء الجنس البشري عامة كل طبقًا لإمكاناته العقلية والذهنية، فلا نعود نرى الفقر المدقع والغنى الفاحش . هذا النظام سيحقق المساواة التامة بين أبناء الجنس البشري في ضوء القدرات الفكرية لكل فرد .

إن هذا الانهيار الاقتصادي أصبح سمة من سمات عالم اليوم ويخطئ من يظن أن دولة من دول العالم ستكون بمنأى عن هذا الانهيار فمثل هذا العجز البشري في السيطرة على توحش الفكر المادي سيكون هو المعول الذي يهدم ليقام مكانه نظام اقتصادي قائم على أسس روحانية بهائية ودعونا نتأمل في المقالات التالية التي توضح بصورة قاطعة أن الانهيار الاقتصادي أصبح سمة عالمية لتعاني منها بشرية مازالت متمسكة بأهداب المادية البحتة رافضة العناية الإلهية .
وقد تحدّث عن هذا حضرة عبد البهاء مركز العهد والميثاق فيتفضل :

( إن تنظيم الأحوال العامة يجب أن يتم بطريقة توجب محو الفقر ، فيكون لكل فرد على قدر المستطاع نصيبه في الحياة والتمتع على قدر رتبته ومقامه ، فلا نعود نرى أشخاصًا مُثقلين مزودين بالأموال بينما الآخرون تعساء يموتون من العدم والجوع ، أو أشخاصًا يملكون القصور الفخمة العديدة وآخرين لا يملكون ما يضعون عليه رءوسهم ؛ لأن مثل هذه الحالة غير مُرضية ويجب إصلاحها ، ولكن يلزمنا الاحتراس في إصلاحها لأنها لا يمكن إصلاحها بالمساواة التامة بين الناس ، فالمساواة وهم باطل لا يمكن تحقيقه عمليًا . وإن أمكن تحقيقها يومًا فإنه لا يمكن دوامها . ولو فرض إيجادها فإن نظام العالم كله يفسد . فلابد من حصول التفاوت في العالم البشري وعلى هذا النظام خلق الله البشر ، فالإنسانية كالجيش العظيم يحتاج إلى قائد وضباط بدرجاتهم المختلفة وكذلك إلى عسكر .......... والآن بعض الناس أغنياء بغنى مفرط والبعض فقراء بفقر مدقع . فلابد من عمل نظام لضبط وتحسين الأحوال ، فمن الأمور المهمة تحديد درجة الغنى وكذلك تحديد درجة الفقر ... فإذا رأينا أن الفقر قد وصل إلى درجة الموت فإن ذلك علامة حقة على وجود الظلم والاعتساف .... فيلزم تقنين القوانين الخاصة في البحث في الفقر والغنى المفرطين ... فتكون الحكومة الإدارية للبلاد مطبقة للقانون الإلهي الذي يعدل بين الجميع ... وما لم يتبع هذا الأمر فلن يتبع القانون الإلهي . )

وكذلك تفضل حضرة عبد البهاء :

( إن نظام العالم يقتضي أن تكون هناك طبقات ، وألا يكون البشر سواسية ؛ ذلك لأن الناس مختلفون في الخلقة ، فبعضهم في الدرجة الأولى من العقل وبعضهم في الدرجة الوسطى وبعضهم محروم من العقل على الإطلاق ، فهل يمكن أن يستوي من هو في أعلى درجات العقل ومن لا عقل له قط ؟!! )

إنه إذا كان حضرة بهاء الله يتفضل بقوله ( وستتأزم الأمور وتشتد إلى درجة ليس من المُجدي شرحها الآن . ) فما تلك الأحوال الاقتصادية المتأزمة و الغير مستقرة سوى مِعول الهدم لنظام اقتصادي قائم على أسس مادية بحتة اتخذت من القوى البشرية مُحرّكًا لها ، أو فلنقل متباعدة بذلك
عن المُحرّك الروحي الذي يملك في طياته القدرة على تجاوز المحن التي تواجهها ؛ هذا النظام الذي كان نتاجًا – فيما أرى – لسيطرة مادية تغلغلت في نفوس أفراد الجنس البشري ، واطئة بقدميها أرقى وأنبل المشاعر الإنسانية ، مُحدثة بذلك هوة كبيرة مبعثها الخواء الروحي .
وفي الوقت نفسه الذي يتجه فيه النظام الاقتصادي المزعوم نحو الانهيار فإن العالم الإنساني في طريقه نحو الوحدة والاتحاد ؛ وهي الطريق المثلى الموضوعة من قِبل المشيئة الإلهية لنزع أغلال المادية من أعناق أفراد الجنس البشري واجتثاث جذورها من نفوسهم مبدلة إياها بنبضة روحية هي بمثابة بث الروح في الجسد ، قادرة على خلق نظام اقتصادي عالمي جديد مدعوم ومؤيد من القدرة الإلهية .
وأؤكد هنا على لفظة الاقتصاد العالمي ؛ فالخطة الموضوعة جاءت لأبناء الجنس البشري عامة ، وأدوات تحقيقها هم أفراد الجنس البشري مجتمعين ، و نطاق تحقيقها كافة أجزاء المعمورة .
ذلك هو الأساس المتين الذي ستتوجه إليه البشرية إن عاجلا أو آجلا . أما عن كيفية التوجه ؛ فإما أن تكون بتخطيط بشري منظم ، أو بدفعة إلهية قدرية ، لكن حتمًا سيتم التوجه .

إن أحد أبرز ما جاء به الدين البهائي للخروج من المشكلات الراهنة ومنها الاقتصادية هو وحدة الجنس البشري ؛ تلك الوحدة التي لابد وأن تكون الإستراتيجية الأساسية التي يجب أن يقوم عليها أي نظام اقتصادي مُقبل ، وقد أكّد على هذا بيت العدل الأعظم :
( لكي يأخذ سكان العالم على عاتقهم تولي المسئولية من أجل مصيرهم المشترك ، لابد وأن يكون أساس إستراتيجيتهم هو الإحساس والإيمان والاعتقاد الراسخ بوحدة العالم الإنساني . )

إذًا بات من المؤكد أنه ما لم يترسخ في أذهاننا وفي قلوبنا على السواء مثل هذا الإحساس بكون العالم الإنساني ليس إلا جسد واحد يؤثر كل عضو فيه على نظيره ، فما لم يحدث هذا أو لم نؤمن به إيمانًا يقينيًا فليس من المجدي وضع أية أنظمة اقتصادية لحل مشكلات جزء من أجزاء العالم الإنساني دون الأخرى ؛ لأن هذا الحل سيكون معتمدًا بصورة ما أو بأخرى على استغلال جزء آخر ، وهو أحد أسباب فشل جهود التنمية الاقتصادية فيما أرى .
دعونا نتمثل بأحد الأمثلة التي نعاصرها اليوم ، فلقد كان من نتيجة استغلال الدول الغنية لثروات الدول النامية أن أصبحت اليوم الدول الغنية تعاني من مشكلات عدة جرّاء سلوكها هذا ، مثل الهجرة الغير شرعية والإرهاب ؛ والتي تسعى الدول الغنية اليوم أن تشارك الدول الأخرى بجدية في حلها . حقيقة إنها ليست مشاركة لأجل رخاء العالم الإنساني ولكنها تفعل ذلك مدفوعة لتحقيق إرادة إلهية

نعم لقد استطاعت الدول المصنفة على أنها من دول العالم الغنية أن تضمن الرخاء المادي لأبنائها دون أبناء الجنس البشري ، فأصبحت بذلك كمن يهتم براحة أحد أعضاء جسده مستغلا بذلك عضو آخر حتمًا سوف يؤثر على الجسد ككل ومنه بالطبع العضو الذي نال القدر الوفير من الاهتمام .

يتفضل حضرة بهاء الله ( لا يمكن الوصول إلى راحة البشر وسلامه واطمئنانه إلا بتأسيس وحدته تأسيسًا متينًا . )
إن هذا الاتحاد بين أعضاء جسد العالم الإنساني لن يتحقق بصورته المرجوة ما لم يسع أفراد الجنس البشري لوضع نظام اقتصادي بعيد كل البعد عن الأنظمة الاقتصادية التي تتخذ من تحسين الأحوال المادية فقط هدفًا . والتي كانت نتيجة طبيعية لسيطرة الفلسفة المادية كما سبق وأن ذكرنا ، ومثل هذه النظرة المادية للأمور تعتمد في طبيعتها على الطموح الفردي القائم في طبيعته على الأنانية والرغبة في الاستئثار بالقدر المستطاع وغير المستطاع من ثروات الكرة الأرضية .
( لقد أصبح واضحًا بأنه ما لم تجد تنمية المجتمع هدفًا أسمى من مجرد تحسين الأحوال المادية فإنها ستفشل حتى في تحقيق هدف تحسين الأحوال المادية ذاتها ؛ ذلك الهدف الأسمى في الأبعاد الروحية للحياة وفي الباعث المنزّه عن المتغيرات الاقتصادية المستمرة . )

إن نقطة البدء في ترتيب وتنظيم أمور المجتمع الإنساني ومنها الأمور الاقتصادية حدّثنا عنها بيت العدل الأعظم :
( بل لابد من بعث الهمة والنشاط على العمل برؤيا ثاقبة وإثارة وتحريك الإمكانات الروحية والمادية للخير والرخاء وازدهار البشرية الذي أصبح قريب المنال ؛ والذي ستعود منافعه على سكان الأرض جميعًا دون تمييز وبدون وضع أي قيود أو شروط لا تتناسب مع الأهداف الأساسية لمثل هذه الإعادة لتنظيم وترتيب أمور البشرية )
هنا يكون التساؤل : وهو كيف يمكن لنا الوصول إلى هذا البعث والنشاط والعمل بتلك الرؤية الجماعية ؟؟
إنه من المؤكد أن أفراد الجنس البشري لن يتحدوا الاتحاد المرجو لهم ؛ ذلك الاتحاد الذي يصير فيه العالم كجسد واحد ما لم تتحقق معالم العدل الحقيقية والفعلية والواجبة النفوذ بقانون مُلزم بين أفراد الجنس البشري دون تمييز أو تفرقة .

يتفضل حضرة عبد البهاء :
( إن جميع الناس متساوون أمام القانون الذي يجب أن يكون وحده الحاكم الوحيد .... وإذا سادت العدالة في جميع ممالك الشرق والغرب تصير الأرض جنة الأبهى فيظهر شرف كل فرد من عبيد الله وتتحقق نظرية وحدة الجنس البشري والأخوة البشرية الحقيقية ، وتضئ أنوار شمس الحقيقة الباهرة على أرواح جميع البشر . )

وأكّد على ذلك بيت العدل الأعظم :
( العدل هو القوة الحقيقية القادرة على ترجمة الوعي والشعور المتنامي بوحدة العالم الإنساني إلى إرادة جماعية تقيم بكل ثقة البيئة اللازمة لحياة مجتمع عالمي . )
فالعدل هو ( الوسيلة الوحيدة التي تحقق وحدة الفكر والعقل . )
وبات من المؤكد أنه ( عندما تشعر وتثق كل مجموعة وكل فرد بأن هنالك قيم تحميه وتضمن للجميع عدالة الاستفادة من المنافع والموارد . ستنطلق وتتفجر الطاقات والقيم الإنسانية الكامنة فيه كالأمانة والرغبة في العمل والإقبال عليه وروح التعاون بل وتسخر لتحقيق أهداف جماعية ضخمة وكبيرة)
هنا فقط يتم بعث الهمة والنشاط اللذان تحدث عنهما بيت العدل الأعظم فيهب كل أفراد المجتمع الإنساني لتطوير نظام عالمي جديد قائم على أساس روحاني لا مادي مرجعه وحدة في الأجزاء وسياسة عادلة بين كل أفراد الجنس البشري دون تمييز قادرة على شحذ الكوامن الإنسانية لبناء نظام عالمي جديد معتمدين في ذلك على التشاور الحقيقي الذي هو ( الآداة المعبّرة عن العدل . ) فالمشورة ( في غاية الأهمية لنجاح الجهود الجماعية )

وقد تفضل حضرة بهاء الله مؤكدًا على ذلك – فيما معناه - :
( لن يبلغ الإنسان ما قُدّر له من مقام إلا بعدله . ولا قوة إلا بالاتحاد ولا يحصل الفلاح ولا الصلاح إلا بالمشورة . )

و يتفضل حضرة بهاء الله :
( إنّا ننصح العباد في هذه الأيام التي فيها تغبّر وجه العدل وأنارت وجْنة الجهل وهُتك ستر العدل وغاضت الراحة والوفاء وفاضت المحنة والبلاء وفيها نُقضت العهود ونُكثت العقود لا تدري نفس ما يبصره ويعميه وما يضله ويهديه . قل يا قوم دعوا الرذائل وخذوا الفضائل كونوا قدوة حسنة بين الناس وصحيفة يتذكر بها الأناس ، من قام لخدمة الأمر له أن يصدع بالحكمة ويسعى في إزالة الجهل عن بين البرية ، قل أن اتحدوا في كلمتكم واتفقوا في رأيكم واجعلوا إشراقكم أفضل من عشيكم وغدكم أحسن من أمسكم ، فضل الإنسان في الخدمة والكمال لا في الزينة والثروة والمال ، اجعلوا أقوالكم مقدسة عن الزيغ والهوى وأعمالكم منزهة عن الريب والريا ، قل لا تصرفوا نقود أعماركم النفيسة في المشتهيات النفسية ولا تقتصروا الأمور على منافعكم الشخصية ، انفقوا إذا وجدتم واصبروا إذا فقدتم ، إن بعد كل شدة رخاء ومع كل كدر صفاء ، اجتنبوا التكاهل والتكاسل وتمسكوا بما ينتفع به العالم من الصغير والكبير والشيوخ والأرامل ، قل إياكم أن تزرعوا زؤان الخصومة بين البرية وشوك الشكوك في القلوب الصافية المنيرة ، قل يا أحباء الله لا تعملوا ما يتكدر به صافي سلسبيل المحبة وينقطع به عَرف المودة ، لعمري قد خلقتم للوداد لا للضغينة والعناد ، ليس الفخر لحبكم أنفسكم بل لحب أبناء جنسكم وليس الفضل لمن يحب الوطن بل لمن يحب العالم . )
واخيرا انى ارى إن مداخل التنمية في رفع المستوى الاقتصادى للفقراء يمكن تلخيصها في المبادئ التالية:

أولاً- تحسين حالة المسكن الذي يعتبر من المطالب الأساسية للتنمية لهذه الفئات الفقيرة في المجتمع.

ثانيا- تحسين الوضع الصحي للمجتمع عبر تحسين الحالة الصحية للأسرة، وزراعة الخضراوات. وتحسين المدخل البيئي والسلوكي في الصحة، مثل بناء المراحيض الصحية، والعمل على شرب الماء النظيف.

ثالثا- المدخل التعليمي، بإحداث نهضة المجتمع وإتاحة الفرصة للحراك الاجتماعي وذلك بتحسين التعليم عبر برامج قروض التعليم العالي ومساعدة الطلاب الفقراء والمتفوقين على مواصلة تعليمهم العالي على أمل إنشاء جيل من الفقراء المتعلمين تعليما عاليا يجعلهم قادرين على الخروج من دائرة الفقر.
-والاهتمام بالتعليم المستمر للنساء الفقيرات الأميات والدمج الاجتماعي لهن وتحسين نوعيات حياتهن من خلال محو أمية القراءة والكتابة والحساب.
-والسعى إلى نشر التعليم من أجل تنمية المجتمع بوجه عام، وتحسين مستويات حياة الأطفال من خلال ضمان تمويل الطلاب المحتاجين في المنح الدراسية، ونشر التعليم بشكل كثيف، وتوفير التسهيلات للتعليم والتدريب، وترويج تقنيات حديثة وملائمة مثل الفضائيات والإنترنت واقامة برنامجا للرعاية في حالة الكوارث ودعم الروابط الاجتماعية، وذلك من خلال "المجموعة" و"المركز" وهي تكوينات من أفراد المجتمع المحليين المتقاربين يختار بعضهم بعضا، حيث تقوم الدولة بتنمية الوعي الاجتماعي بمشاكل المجتمع، أي الإحساس الاجتماعي بالآخرين.
وليس ذلك فحسب بل تسعى الدولة إلى تحسين نوعية الإنسان ذاته عبر تغيير الأفكار والمفاهيم وبث روح الثقة بالنفس.
فلا بد من تغير فكرة الناس عن الفقر بأنها مشكلة ليس لها حل، ولا بد للفقير أن يشارك في حل مشكلته ولا ينتظر مساعدات المحسنين فقط، وكل إنسان قادر على أن يدير عملا سواء كان فقيرا أو أميا أو امرأة.

-وتقوم الدولة على تحسين نظام الري، والعمل على إدخال التقنية ومساعدة المزارعين على زيادة محاصيلهم، والعمل على زراعة الأراضي غير المستغلة، وزيادة فرص التوظيف للنساء الفقيرات في مختلف الأنشطة الزراعية.

-وتقوم الدولة بمساعدة النساجين بتوفير المواد والأصباغ والتصميمات الحديثة، وتقديم خدمات التسويق، ومتابعة الجودة من خلال الإشراف.

-وانشاء المؤسسات الهادفة إلى مكافحة الفقر ومؤسسة (مؤسسة للرفاهية الريفية) ومؤسسة تعنى بالمنتجات الريفية، ومؤسسة متخصصة في إدخال ثورة المعلومات إلى الريفيين،كذلك مؤسسة تعمل في مجال الطاقة الريفية بهدف توفير الطاقة المتجددة في القرى المحرومة من الكهرباء، ومؤسسة للاتصالات وتهدف إلى زيادة الوعي والحفز على استخدام المعلومات المتاحة على الإنترنت بهدف تحسين أحوال التعليم والبحث والأحوال الاجتماعية والصحية.
كل هذا المؤسسات تستهدفت الفقراء فبدون أدنى شك أن قيام نظام اقتصادي روحاني في طبيعته هو أنسب الحلول لعالم يصرخ أنينًا من وطأة قيود المادية على عنقه .



#راندا_جمال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- ترامب يؤكد أن مايك بومبيو ونيكي هايلي لن يحصلا على أدوار بإد ...
- مقتل أكثر من 30 فلسطينيا بينهم 13 طفلا في غارة إسرائيلية على ...
- حملة ملصقات فنية تحتفل بمرور 35 عامًا على سقوط جدار برلين
- صور محرجة تضع نتنياهو في مأزق.. تفاصيل جديدة في فضيحة تسريبا ...
- أول تعليق من رئيس مكتب نتنياهو بعد اتهامه في فضيحة التسريبات ...
- وزير خارجية هنغاريا: الاتحاد الأوروبي سيضطر لتغيير نهجه تجاه ...
- أوكرانيا تستهدف موسكو وتهاجم المنطقة الحدودية بأسراب من الطا ...
- 32 شهيدا في حملة تطهير عرقي متواصل بجباليا
- زغرب وبولا تجمعان الماضي والحاضر في قلب التاريخ الكرواتي
- 36 قتيلا غالبيتهم أطفال بقصف إسرائيلي لمنزل في بلدة جباليا


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - راندا جمال - العالم اليوم جزيزة من الاغنياء تحيط بها بحار من الفقراء