عزيز تغو زيد
الحوار المتمدن-العدد: 2428 - 2008 / 10 / 8 - 04:25
المحور:
الادب والفن
1 -لا فرق
ربيعا كان أم خريفا.. لم يعد هناك فرق بين الفصول ... كل أيام السنة تتشابه ...
ما فائدة التمييز بينها بالمسميات مادامت تتفق جميعها في احتضان الصدمات.
أيام وليال تيموس متشابهة، ما أشبه أمسه بيومه، وقبل أمسه ببقية أيام عمره الماضية.
فكأني به يدور في دوامة فارغة من كل شيء إلا من الماسي... لا تغيير ولا اختلاف إلا في الأسماء والأجساد، بل كثيرا ما تتشابه هي الأخرى .
- لقد ظل صاحبنا يتساءل عن مصدر حب الناس لهذه الحياة؟
- ومن أين لهم القدرة على خلق لحظات سعيدة في هذا الزمن البئيس؟
نعم...حكى لي ذات يوم عن مغامراته، لكسر قفص الحزن والكآبة... دون جدوى.
لم تكن الإرادة هي ما ينقصه، ولم يكن فهم الواقع مستعصيا عليه......................................................................................................
ورغم ذلك يجد نفسه عاجزا عن تغيير منطق تطور الأشياء لديه، ليفرض الاستسلام للواقع المر، نفسه عليه.
2- مند البداية
يبدو أن تيموس فقد لحظة اختيار دربه في الحياة بوصلة تحديد الاتجاه الصحيح، فالأمر لا يعدوأن يكون أحد الأمرين: إما أن تيموس انحرف به الزمن في غفلة منه ليظل الطريق الآمنة التي يعتقد أن بقية البشرية سلكتها، واضعا بذلك نفسه في نقطة توازي مع البقية من بني جنسه غير قادر على اللحاق بها، أو أن تيموس استوعب مقالب الحياة إلى درجة فقدت لديه كل المعاني .
لقد ظل تيموس يعتقد مع نفسه، أنه اكتسب ما يكفي من المناعة ضد كل أنواع الصدمات،التي يمكن أن يجود بها الزمن. لم يكن يعتقد البتة أن الآتي منه يحتفظ له بماسي أكثر قوة وبشاعة من تلك المسجلة في أرشيف حياته...لكن سرعان ما انزاحت غيوم الوهم، لتنكشف الحقيقة .
3- تربية الأمل
تجرع تيموس كأس المرارة الأول ، عملا بالقول المأثور "اللي دازت على الرأس تنفع"
... ظنا منه أن القادم كفيل بمحو أثار المرارة... أغمض عينيه لهنيهة، تنفس قليلا، استجمع قواه، نظر حوله، تحسس أطراف جسده.
فاتخذ قرار القطيعة، متجها نحو خلق عالمه الخاص...الخال من كل شوائب الغدر، ... قدر المستطاع.
اقتسم رغيف خيبة الأمل مع رفاق احتضنوه، ضموه إلى صدرهم، برفق وحنان
،كاد يفقد الإحساس بهما إلى الأبد.
توهم للحظة أن الجرح ذبل... لينسى، وليبدأ تعلم خطوات المشي في درب الحياة من جديد
.... فاللكمة إما قاتلة أو مقوية ، وتيموس لم يمت بعد...
أقفل تيموس كل أبواب الماسي... ابتعد عن كل الطرق المشوكة ... اختار الخلوة.. والانغلاق في دائرة الانفراد..
... ظنا منه بذلك يحمي نفسه... من كل مقالب الزمن البئيس .
لم يكن يحسب أن تغيير نقطة ركوب الحافلة ذاك الصباح، بمثابة شق الجدار الفاصل بينه وبين العذاب والشقاء.
4- حين يتحول الحلم الىالكابوس.. في اللحظة ذاتها
كانت كل المؤشرات تدل على أن الحمل ليس وديعا...لكن من أين له القدرة على تقبل الحقيقة،
نعم كانت كل الأشياء واضحة أمامه، فتغاضى عنها وصدق وهمه....، ؟
توهم الصدق ...رغم أن أشواك الكذب بادية على محياها
توهم الوفاء ...رغم أن قدرة لعبها على الحبال بادية للعيان
توهم الإخلاص ...رغم أن صفات الحرباء ما يفتئ يلمسها كل يوم.
توهم النضج...رغم هيمنة سمات الصبيانية
توهم كل شيء جميل... رغم أن لغة العينين كانت صريحة .
باختصار شديد ،قلب تيموس كل المعادلات العادية ، فأحل الوهم محل الحقيقة ...،
آمن بالخزعبلات بدل المسلمات ... فجنى ثمار مغامرته في قلب الموازين...،
5- حرقة السؤال
آه..اه
الآن فقط يأسف على نفسه.... يبدي ندمه...
يطرح السؤال تلوى الأخر...ونار حرقة البحت عن الجواب تلتهم ما بقي لديه من شجاعة المواجهة، حاول فهم كيف استطاعت التلميحات الفتاكة ،والحركات المفبركة ،والرسائل القصيرة،- المكونة من الكلمات المفتوحة في حقيقة أمرها على كل الاحتمالات-..... ،خداعه.
- نـــعــــم ...الخـــــداع
يقولها تيموس بملء فمه ،وبالاعتقاد اليقيني: أن الأمر لم يكن سوى لعبة خداع.. لملئ الفراغ... مع الاعتراف باحترافية المخادع.
تلك هي خلاصة تيموس المسكين ........فأرجو أن تتقبلوها منه بصدر رحب، علكم تخففوا عنه لوعة المرارة... ليعود إلى ذاته، ليتأمل مأساته. عله يجد تفسيرا لكل ما جرى.
6-لا جواب
كشف كل عورات زمانه الرث، وضع كل الأوراق فوق الطاولة الأولى في فصل الحياة.
- أمعقول أن تكون الأنانية المريضة وراء كل مأساة تيموس؟
- أمعقول أن تتلخص كل مأساة تيموس في أي شيء أخر دون الخداع؟
...مرة أخرى.. بلا جواب !؟
*........*......*
ذهل أزنافور من لوحة تيموس،..لم يصدق أن كل الألوان الفاقعة، البادية على السطح، تخفي كل هذا البؤس، المشمئز حد الغثيان !؟.
وراح يبحث عن جواب لسؤال منسي ، وسط الصمت المعلن جهرا.
أزنا فور : من فضلك سيدي . أجبني عن سؤالي ،وارحمني من حرقة الظنون...
كيف سمحت لك نفسك أن ترمي تيموس المسكين إلى نار العذاب دون سابق إنذار ،
ودون أن تأبه لحظة واحدة بمصيره ؟ كيف سولت لك نفسك ، أن تولج يد من نار إلى كيانه لتجتث أوردته الرهيفة دون رحمة منك؟
....مرة ثالثة....رابعة.... يفصل جدار الصمت بين السؤال والجواب.
حسنا سيدي فعلت ... لكن اعذرني على وقاحتي في طرح السؤال.
وليكن في علمك أن تيموس لا يرغب في سماع جوابك... فلعل في حقيقتك الخادعة...
الجواب الشافي لكل الأسئلة المحرقة له.
أزنافور : بمعنى ؟! كيف ؟ ! لماذا ؟! متى ؟!
اعذرني، صديقي الوفي، فقد قررت منذ اليوم، أن لا أكون الطائر المغرد خارج سرب الزمان الحقيقي.
ازفانور : ومع ذلك يظل السؤال وحرقته يعشعشان بداخل تيموس...
7- مـــــلاحـــــظــــــــة
من يسأل عن تيموس ... يجده في قاعة الانتظار ، قرب قطار الحياة المعطل عنوة.
أما أنا... فقد عدت إلى ذاتي: ممتطيا جواد السالفين،... الطالحين منهم والصالحين... ولسان حالي يردد:
على كل فالشمس لم تغرب بعد، والزمن رغم بؤسه الشديد ، كفيل بتوضيح الغموض... في انتظار الجواب المعلق...
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟