أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بوشعيب دواح - العطار الزيراوي














المزيد.....

العطار الزيراوي


بوشعيب دواح

الحوار المتمدن-العدد: 2425 - 2008 / 10 / 5 - 04:47
المحور: الادب والفن
    



في هذا العرس الشعبي، جلست بجانب أكبر شيوخ المنطقة، كان شيخا طاعنا في السن .بناصر كان يحب الزهو و النشاط على إيقاع عيطة ״ شيخات״ الشاوية. جلست بجانبه و أنا فخور أن أجالس هؤلاء الأفراد كبار القبيلة، الذين يحملون رصيدا تاريخيا و شعبيا.جلست بجانب هذا الشيخ لأقرأ على صفحات ذاكرته كتابات تاريخ المنطقة.كم كان فخورا بأن يراني بجانبه ، كان وحيدا و كان قرينه بالجانب الآخر على الجهة الأخرى في حفلة هذا العرس البدوي . قرينه الملقب بالعطار وحده كان وحده يعتبر عالما، يحمل مخزونا ثقافيا.أراه في بدلته البدوية علامة لأصحاب البيع و الشراء و الفلاحة و الكسابة...
أتذكر العطار في الصغر حينما كان منشطا للأعراس. العريس يكون في" عين فخصي" يغسل ملابسه و يحلق دقنه هو و أصحابه و يكتحلوا العيون بالكحل...في اتجاه منزل العريس يتحرك الشباب على إيقاعات و أهازيج شعبية منها أغنية "حلاب" لمجموعة ناس الغيوان الخالدة و التي تتغنى بأسرة المرحوم العربي باطما ، تتغنى بحرش العيون و علام السلام و بناء نوادر التبن الهرمية الشكل و صاحب خيل التبوريدة...
كان العطار حافظا لمثل هذه الأشعار ، ينشط بكل ما يملك من صوت و جوارح. رأيته أمامي في هذا العرس يتجاذب الحوار و بناصر .العطار انتهى محبا للعصر .كان يحب الحياة لدرجة أنه أحب ماء الحياة و كان قد أصبح مدمنا على هذه المادة التي أدخلها يهود״ موالين ضاد״ في هيلولتهم و حفلاتهم التي ينظمونها في ماي من كل سنة في آخر ثقب في جنوب الشاوية...
يتراءى لي العطار في هذا العرس مخمورا يساءل بناصر عن ״عودتين״ من أين مروا في هذه الحفلة.في الحقيقة كان العطار ينشط الحفلة. يتكلم بالرموز يغطي المشهد بأردية كلامية رائعة و جميلة المنسج . لقد كان يبحث عن״ شيختان״ شبههما بإناث خيل رمزا ووصفا لتمايل أطرافهن ،سلبن عقله الذي كان مسلوبا أصلا بماء الحياة و كأنه يبحث عنهما بين سهول و هضاب و جبال أولاد بوزيري...
في إطار التنشيط الشعبي ، كم كان العطار يصول بلغته البدوية ، يتمايل كسنبلة ماي أيام الصابة . يتمايل مبرزا على ذكورة لم تتأكسد مع مرور الأيام و الليالي إلا طاقم أسنانه الذي تفحم بدخان ״السبسي״ القنب الهندي و ضاع مع كؤوس ״الماحيا״.أراه أمامي جاثيا على ركبتيه الفاشلتين ،يفترش الأرض ، قواه خائرة و لا زال يتابع إيقاع كمان شيخ الفرقة . يضبط الإيقاع برجليه ضاربا الأرض يتخيلها آنية غسيل״ القعدة״ . هذه الآنية الآلة توظف لمسايرة إيقاع الكمان في بعض الأغاني الشعبية ...
لا زال العطار يفترش الأرض لا ينتهي من الشرب....في هذا العرس الشعبي كان العطار يتلقف كل كاس خمرة تعرض عليه، كل نوع من أنواع الخمور يستقبلها ما تزيد العقل إلا ذهابا و حجبا...
بناصر هو الآخر مسكونا بهوس الغناء ، رجلاه ترتعدان، رأسه ينحرف جانبي و يفاجأني وسط اللغط بسؤال : أين تدرس؟ أتكلم في أدنيه :بالعاصمة. يجيبني: مزيان أي جميل .رجلاه تضربان الأرض ...ضابطا هو الآخر إيقاع الأغنية الشعبية.
كان يروي لي بناصر عن مغامراته و عن دوره في إكمال حفلات أعراس مرت في زمنه الذي يعتبره من الأزمنة الغابرة ...كان يتمتع بوقار زائد و حين يتكلم يتكلم بجرأة زائدة.
انه وقت״ الحنة״، العريس يدخل على إيقاع الزغاريد...تتقدمه أمه و امرأتان من قريباته...يجلس على ״البردعة״ التي توضع على ظهور الحمير...تنتهي الزغاريد و ترتفع أصوات״ الفقهة״ .هم يقرؤون القرآن بسرعات متداخلة.. ."الفقهة" ينتهون من القراءة...أحدهم ينسل من مجمع" الفقهة" الى مجمع الشيخات ....يدخن بعض أعواد القنب الهندي " السبسي". العطار يلعن ״ الفقهة״ و يمدح ״الشيخات״....فتبدأ ما تسمى بالغرامة قبل أن ترتفع أصوات البراح....

العطار و الكحول في قمة الهيجان، أما بناصر فلا زال في مكانه قابضا على حشمته ووقاره بلجام فرس عربي أصيل...ربما يفكر في عدد الدراهم التي سوف يرميها على العريس..وربما يتسائل أيرميها في الطبق التقليدي المصنوع من السمار ، المغطى بمنديل أبيض و الذي يتوسطه قالب سكر ناصع البياض متجها إلى السماء...أم سيطلب أن يضعها البراح في״ عبون״ أي في صدر العريس.
ماذا أرى؟ ابن العطار في نفس وضعية أبيه، يترنح، يتركل ضابطا الإيقاع برجليه، هو كذلك يمدح״ الشيخات״ و يلعن ״الفقهة״....
أما العطارالأب فقد مات منذ سنة...قتله ماء الموت الملعون...ماء الحياة و״ السبسي״ .غابت المعلمة الثقافية و غاب التنشيط...
دفن العطار و دفنت معه أغنياته و قصص الدوار...توارت أغنية العطار وراء ״علام السلام״ الدي لازال يرفرف في ״مجمع الصالحين״ في آخر ثقب من ثقوب جيوب جنوب الشاوية.







الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أمير التسكع
- قصة قصيرة


المزيد.....




- للجمهور المتعطش للخوف.. أفضل أفلام الرعب في النصف الأول من 2 ...
- ملتقى إعلامى بالجامعة العربية يبحث دور الاعلام في ترسيخ ثقاف ...
- تردد قناة زي ألوان على الأقمار الصناعية 2025 وكيفية ضبط لمتا ...
- مصر.. أسرة أم كلثوم تحذر بعد انتشار فيديو بالذكاء الاصطناعي ...
- تراث متجذر وهوية لا تغيب.. معرض الدوحة للكتاب يحتفي بفلسطين ...
- -سيارتك غرزت-..كاريكاتير سفارة أميركا في اليمن يثير التكهنات ...
- -السياسة والحكم في النُّظم التسلطية- لسفوليك.. مقاربة لفهم آ ...
- كيف تحوّلت الممثلة المصرية ياسمين صبري إلى أيقونة موضة في أق ...
- تفكيك مشهد السلطة في الجزيرة السورية
- تفاصيل حوار بوتين ولوكاشينكو باللغة الإنجليزية في الكرملين ( ...


المزيد.....

- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بوشعيب دواح - العطار الزيراوي