نور الدين علاك
الحوار المتمدن-العدد: 2419 - 2008 / 9 / 29 - 09:29
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
بالأمس القريب و في أوج الصراع العربي الإسرائيلي و حمى الحرب الباردة سجل الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر في مذكراته (ترجمة شبيب بيضون 1985) انه كان راغبا و من اجل خير بلده أن يصل الشرق الأوسط إلى السلام.. وأن ينجو من التأثير السوفياتي.فهذان الهدفان يجعلان من إسرائيل حليفة مقيمة مفضلة للولايات المتحدة الأمريكية. لكنه لم يكن على رأي ثابت بالنسبة للبلاد العربية..و أقر بان على أمريكا من جملة واجباتها الموصولة أن تساعد بشكل من الأشكال إسرائيل في ضمان أمنها. و ذهب به بعد نظره إلى انه لو قرر أي بلد من البلدان إعلان حظر للبترول المتجه إلى الولايات المتحدة الأمريكية فسوف يعتبر هذا الفعل بمثابة إعلان لحرب اقتصادية لها زوابع مدروسة التوابع.
هكذا عمل حظر البترول العربي 73/1974 على أن يحس كل من الغرب و أمريكا مدى حالة التبعية التي هما فيها على صعيد الطاقة. فلم تكن لتستطيع القوى الغربية تجنب قطيعة لا مرد منها مع الدول العربية إلا إذا توقفت عن مساعدة الاسرائليين و هؤلاء -و الكلام لكارتر- سوف يقعون في عزلة درامية. فلو أعلنت الرساميل العربية حربا اقتصادية صارمة و استمرت بها إلى اجل طويل فان إسرائيل لن تجد حليفا آخر غير الولايات المتحدة الأمريكية تعتمد عليه في إمدادها بالأسلحة و المواد الأولية.عندئذ تمسي الولايات المتحدة الأمريكية ملاذا لا يطمأن إليه. ويضيف كارتر إن أي انخراط مباشر ننخرط فيه إلى جانب إسرائيل قد يؤدي بنا إلى العزلة.. فالدول العربية باقتصاصها منا بفرضها الحظر على ما تصدره لنا من بترول قد تضعنا ضمن اجل قد يقصر وقد يطول في وضع غاية في الخطورة؛ وضع فيه تهديد جدي على استقلالنا و أمننا.
في عام 1997؛ مستشار الأمن القومي السابق زبينيو بريزنسكي في كتابه " طاولة الشطرنج الكبيرة و بعد أن نعت اوراسيا باسم "مركز القوى العالمية"و هي المجال الممتد من ألمانيا و بولندا في الشرق عبورا بروسيا و الصين وصولا إلى المحيط الهادي بما فيه الشرق الأوسط و شبه الجزيرة الهندية". أوضح مؤكدا أن المهمة الأمريكية الأكثر إلحاحا تتمثل في التأكد من انه لا تمتلك أي دولة أو أي تحالف من الدول أي قدرة على طرد الولايات المتحدة الأمريكية من اوراسيا أو حتى العمل على تقليل دورها التحكيمي القاطع" فالسيطرة على هذا الجزء من العالم بطاقاته وموارده الكبيرة هي هدف أمريكي بالتحالف مع حلف الناتو وإسرائيل؛ الذين يعتبران هما أدواتها الرئيسية .
و بعد أن تفكك الاتحاد السوفياتي زرع الشرق الأوسط بقواعد عسكرية أمريكية و كبلت دول المنطقة باتفاقيات أمنية؛ فأمسى الدور الإسرائيلي في المنطقة أكثر اكتمالا في خدمة أمريكا الراعية لان مصالح إسرائيل واصلة من خطوط الإمداد انطلاقا من جورجيا و تركيا و تركمنستان .. إلى محطة خطوط الإمداد النهائية بالبحر الأحمر بميناء ايلات.
أما الناتو ففي توسعه شرقا خدم مصالح الامبريالية الأمريكية.و جعل جورجيا وأوكرانيا في سعي حثيث للحصول على عضويته وما الضغط الأمريكي على الأعضاء الآخرين من اجل قبولها تركيب رادارات القذائف الدفاعية في المنطقة إلا إستراتيجية مبيتة لزعزعة روسيا و الصين وإيران.
و في خضم المراهنات الإقليمية و التنافس بين واشنطن وروسيا على السيطرة على المخزونات الهائلة التي تحويها اوراسيا من الغاز والنفط سعت أمريكا إلى تضييق الخناق على روسيا لكونها منافس رئيسي بالقواعد العسكرية و الدروع الصاروخية مستهدفة كتلتها الكبيرة المساحة لتفكيكها و بالتالي الإجهاز عليها مما سيجعلها مطلقة الأيدي في المصادر العديدة للطاقة بمنطقة الاوراسيا. و ما استخدام جورجيا كطعم رخيص جدا لاصطياد السمكة الكبيرة إلا بداية سيناريو متعثر أذن بخروج مارد الحرب الباردة من جديد من قمقمه .
الخطاب الذي ألقته وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس في فرع مؤسسة German Marshall Fund بواشنطن جاء فيه إن تصرفات روسيا حيال جورجيا تعد بلورة للنهج الذي يتبعه القادة الروس والذي لا ولن يبقى دون رد من جانب الولايات المتحدة. لتوضح أكثر: "أنا أعني بذلك قيام روسيا بتخويف جيرانها، واستخدامها النفط والغاز كسلاح سياسي، وقيامها بتجميد معاهدة الأسلحة التقليدية في أوروبا من جانب واحد، والتهديد بتوجيه سلاح نووي إلى الدول المسالمة، وبيعها الأسلحة للدول والتنظيمات التي تهدد الأمن الدولي، وكذلك ملاحقة أو بالأحرى قتل الصحفيين والمعارضين الروس وغيرهم". وأضافت أنه "من نهج سلوك روسيا هذا ترتسم صورة البلاد التي تصبح أكثر تسلطا.. في الداخل وأكثر عدوانية في الخارج".بل سعت إلى اطلاع نظيرها الروسي سيرغي لافروف على مضمون الكلمة التي ألقتها معربة على أنها لم تتضمن أية مفاجآت"!!. ليعلق المتتبعون أن هذا الاتصال من جانب رايس لم يأت من أجل إخبار لافروف ، وإنما لإبداء اهتمام الولايات المتحدة بمواصلة التعاون مع روسيا في قضية البرنامج النووي الإيراني". أما روسيا فكان ردها عمليا على انتقادات رايس، فسعت إلى الحيلولة دون تشديد العقوبات ضد إيران ثم يطير ميدفيديف إلى فنزويلا تشافيز مرفوقا بالطائرات الإستراتيجية و الغواصات و المساعدات السخية.. ليظهر للعيان انه من الحملة عسكرية في القوقاز وصولا إلى أمريكا اللاتينية بدأ العد العكسي في تفتيت القطبية المفروضة على العالم بسياسة الحديد و لنار.
هكذا تغيرت الأدوار و لبست العلاقات الدولية حلة كانت معلقة إلى حين.فالخبراء الغربيون يقدرون قوة روسيا كوريث شرعي للاتحاد السوفيتي و يعتقدون أنها لا تشكل خطرا عسكريا على أوروبا الغربية فحسب وإن كانوا يرون إمكانية أن تمثل روسيا تهديدا اقتصاديا وسياسيا لبلدانهم. ويؤكد أولئك الخبراء أنه لا أحد في الغرب يرى صالحه في مواجهة روسيا. وحتى الإدارة الأمريكية الجديدة ستكون مرغمة على تخفيف اللهجة حيال روسيا والعمل على تطبيع العلاقات معها فحكامها يعطون الانطباع بأنهم مؤمنون بقوميتهم وبدور الفاعل المؤثر في أصول اللعبة الدولية. الشيء الذي حدا بدول الممانعة عربيا و لاتينيا بأن تقفز على الفرصة مؤيدة تحرك روسيا بكل ثقلها في القوقاز و مدعمة مبادرتها لتفك طوق الهيمنة الأمريكية –الصهيونية على العالم.
أما الأنظمة العربية التي رهنت كياناتها.. فلا عير القومية ولا نفيرالايديولوجية قد رفع همتها لذا وطنت النفس على عقلية المفعول به؛ متبنية مبدأ الثالث المرفوع حتى إشعار آخر؛ لتبقى إرادة الفعل في يد هوية شعوب المقاومة و جذرية الممانعة بدون مساومة .
ستيفن مان: الطعم الرخيص .العرب الاسبوعي 6/9/2008
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟